وأنت ترى أن أم المؤمنين عائشة تعترف بان الآية لم تنزل فيهن، وهي أحدى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) والمقربة له (صلى الله عليه وآله) كما يقال.
وروى ابن تيمية عن أم سلمة، وهي من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا:
(إن هذه الآية لما نزلت أدار النبي (صلى الله عليه وآله) كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)(56).
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية:
(... وإن هذا الشيء جرى في الأخبار أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزلت عليه هذه الآية، دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين، فعمد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى كساء فلفها عليهم، ثم ألوى بيده إلى السماء، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)(57).
وفي ذلك يقول البيضاوي في تفسيره:
(وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله عنهم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود...)(58).
وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس... الآية... عن أنس بن مالك قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة اشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: (الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
وقد أخرجها ابن كثير في تفسيره بطرق مختلفة(59).
ولهذا يقول ابن حجر في صواعقه:
(إن أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين)(60).
ويقول أيضا:
(وصح أنه (صلى الله عليه وآله) جعل على هؤلاء كساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي- أي خاصتي- أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا معهم، قال: إنم على الخير)(61).
أقول: وهذا دليل قاطع على أن نساء النبي لا تشملهن الآية المباركة، ويؤيد ذلك أيضا بالإضافة إلى ما ذكرناه، ما ترويه أم المؤمنين عائشة قالت لابن عم لها حينما سألها عن علي (عليه السلام)، فقالت:
(تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه؟ لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوبا فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) قالت: فدنوت منهم، فقلت: يا رسول الله وأنا من أهل بيتك، فقال (صلى الله عليه وآله): تنحي فإنك على خير)(62).
فقوله (صلى الله عليه وآله): تنحي لدليل قاطع على أنها ليست من أهل البيت الذين دلت عليهم الآية.
وأخرج الحافظ الذهبي في تلخيصه على المستدرك في حديث صحيح عن ابن عباس قال: (...وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت) الآية...صحيح). يقول الحاكم في مستدركه هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه)(63).
وهذا وقد أخرج هذه الآية في هؤلاء الخمسة علماء أهل السنة منهم:
النيسابوري في أسباب النزول(64)، والقندوزي في ينابيع المودة(65)، والنسائي في الخصائص(66)، والزمخشري في الكشاف(67)، والامام أحمد كما عن أنس بن مالك قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة...)(68).
والبلاذري في أنساب الاشراف(69)، والبيهقي في كتابه الاعتقاد على مذهب السلف(70)، وابن المغازلي في المناقب(71)، والمحب الطبري في ذخائر العقبى(72)، إلى غير ذلك، وما ذكرناه ففيه الكفاية لطالب الهداية.
يقول الدكتور أحمد صبحي معلقا على آية التطهير: (وهذا التفسير يفيد أن آل البيت بيت النبي هم المقصودون من لفظ القربى في الآية.... إذ ان ابن تيمية مع تطرفه في معارضة تفسيرات الشيعة، قد سلم أنه ورد في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد خطب يوم غدير خم فقال: أذكركم في أهل بيتي، قالها ثلاثا)(73).
أقول: هذا ما جاء عن حفاظ أهل السنة وثقاتهم من نزول الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام) فتخصيص النبي (صلى الله عليه وآله) هؤلاء بالخصوص من دون جميع المسلمين وفيهم أقرباؤه، لدليل واضح على تهيئة الجو لهم لاستلام الخلافة من بعده، وتنبيه المسلمين على أن هؤلاء هم الصفوة التي ينبغي أن يسند إليهم قيادة المسلمين.
ولهذا يقول العلامة المناوي في فيض القدير في شرح الجامع الصغير للعلامة السيوطي في حديث صحيح: (...أهل بيتي: تفصيل بعد إجمال بدلا او بيانا وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)(74).
ولهذا جاء في صحيح الامام مسلم: (ولما نزلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم... دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي)(75).
ومن كل هذا يظهر لنا ما قاله الاستاذ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه سلسلة الاحاديث الصحيحة، فهو اسم على غير مسماه، تحريفا لما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله).
النص الخامس: حديث المنزلة والوصية
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي).
من النصوص الجيلة الدالة على وجود النص على خلافة الامام علي (صلى الله عليه وآله)، ما يرويه علماء أهل السنة وحملة الآثار، وهو حديث المنزلة وأحاديث الوصية.
يقول الدكتور أحمد صبحي:
(إن بعض علمائهم - أي الشيعة - كعبد الحسين شرف الدين والموسوي القزويني، يذكرون إضافة إلى متن الحديث غير مذكور في النص السني أو حتى النص الذي بينه كثير من علماء الشيعة أنفسهم، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إلا أنه لا نبي بعدي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)، ولاشك أن هذه العبارة تجعل من الحديث نصا جليا في إمامة علي يحسم كل اختلاف ويضع حدا للتفسيرات المتباينة التي استخلصتها الفرق من دلالة الحديث، وينسب السيد القزويني هذه الإضافة إلى الحاكم في المستدرك والذهبي في الجزء الثالث من تلخيصه صفحة143...)(76).
أقول: وإليك ما أخرجه علماء أهل السنة من وجود هذه الاضافة لتكون نصا صريحا على خلافة الإمام علي كما يقول الدكتور صبحي، لنحسم كل خلاف:
أخرج الامام أحمد في مسنده أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي:
(أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. قال: قال رسول الله: أنت وليي في كل مؤمن بعدي... قال: من كنت مولاه فإن مولاه علي...)(77).
وفي المستدرك للحاكم عن ابن عباس قال:
(خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك، وخرج الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟ قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا، فبكى علي، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، قال ابن عباس: وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)(78).
أي البخاري ومسلم.
يقول الحافظ الذهبي في تلخيصه:
(... قال: - أي ابن عباس- وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك فبكى علي، فقال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له: أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة... صحيح)(79).
وأنت ترى أن الحافظ قد حكم بصحة هذا الحديث، ومن هنا يثبت النص الجلي على خلافة الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وأخرج النسائي، وهو أحد أصحاب الصحاح الستة، قال:
(وخرج- النبي- بالناس في غزوة تبوك، قال: فقال له علي: أخرج معك؟ فقال نبي الله: لا، فبكى علي، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)، قال: (وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ولي في كل مؤمن بعدي)(80).
وفي الاصابة للعسقلاني:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له: أنت ولي كل مؤمن من بعدي)(81).
وأخرج القندوزي عن ابن عباس قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي لما خرج إلى غزوة تبوك وخرج الناس معه دون علي، فبكى: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)(82).
هذه نبذة مما رواه علماء أهل السنة من حديث المنزلة، اقتصرنا على ذكر الأضافة التي ذكرها الدكتور أحمد صبحي، ونقى وجودها في نصوص أهل السنة، لتكون نصا صريحا - كما يقول - على خلافة الإمام علي (عليه السلام).
النص السادس: حديث الغدير
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي في حجة الوداع:
(...من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار، اللهم هل بلغت).
يقول سبط بن الجوزي:
(اتفق علماء أهل السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا وقال من كنت مولاه فعلي مولاه، الحديث) نص (صلى الله عليه وآله) على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة، وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده: (أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما قال ذلك طار في الاقطار وشاع في البلاد والامصار... إلى آخر الحديث)(83).
وأخرج حديث الغدير هذا، والذي ينص بصريح العبارة جميع علماء أهل السنة ورواتهم، منهم الامام مسلم في صحيحه(84)، والنسائي في الخصائص(85)، وابن المغازلي في المناقب(86)، والمحب الطبري في ذخائر العقبى(87)، والمتقي الهندي في كنز العمال(88)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن(89) والحاكم النيسابوري في شواهد التنزيل(90) والشهرستاني في الملل والنحل(91)، وحجة الاسلام الغزالي في سر العالمين(92)، والحاكم في المستدرك(93)، والحافظ الذهبي في تلخيصه(94)، وابن حجر العسقلاني في الاصابة(95)، والمقريزي في الخطط(96) والامام أحمد في المسند(97)، والبيهقي في كتاب الاعتقاد(98)، والسيوطي في الجامع الصغير(99)، وغير هؤلاء كثير تركنا ذكرها للاختصار، فمن أراد المزيد فعليه بكتابنا مع موسى الموسوي.
وهناك أحاديث كثيرة تنص على خلافة أمير المؤمنين أعرضنا عنها منها حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين السنة وأهل الشيعة(100)، وأحاديث السفينة، وكتاب الوصية وحديث الدواة والقرطاس إلى غير ذلك من النصوص الصريحة الدالة على وجود النص على خلافة الامام علي (عليه السلام)(10).
وقد عرض الدكتور أحمد صبحي وجهة نظر الشيعة بوجوب صدور استخلاف من النبي في ضوء وقائع التاريخ بقوله:
(الحقيقة الأولى التي يجب التسليم بها أن النبي كان يعلم أن أمته ستتعرض إذا لم ينص هو على من يخلفه إلى الفتن والاضطراب، أما أنه كان يعلم ذلك فان كل الفرق الاسلامية قد أوردت هذا الحديث: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة...) فهل كان رسول الله يعلم أن الدهر يدخر لأمته صفحة مملوءة بالحوادث والفتن، إذ تختلف أمته من بعده ويتقاتل افرادها وتراق الدماء وتزهق النفوس ثم يسكت النبي عن ذلك دون أن يقدم على مشورة تجنب أمته شر العثار؟ ولنفرض أن الحديث والتاريخ لم يسجلا لنا حديثا واحدا يقضي فيه النبي بمن يخلفه في أمر أمته، فهل يصح أن نصدقهما بهذا الاهمال ونصدقهما أن النبي ترك أمته في فوضوية لاحد لها.
وهل كان دينه خاصا بعصره ليترك أمته من بعده هملا من غير راع يسوسهم او طريقة يتبعونها في أمور دينهم ودنياهم، لقد ورد أن عائشة قالت لعمر في أواخر أيام خلافته: (لاتدع أمة محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا فاني أخشى عليهم الفتنة) فهل لم يدرك النبي ما أدركته عائشة أن المسلمين يتعرضون للفتنة نتيجة عدم الاستخلاف أم ليس بين المسلمين وصحابة الرسول من سأله هذا السؤال الذي سألته عائشة لعمر؟
وإذا لم يكن محمد نبيا مرسلا نزل دينه للناس كافة في كل زمان، وإذا لم يكن عالما عن وحي فليكن على الأقل سياسيا كسائر الساسة الذين لا يخفى عليهم بعض أمور رعاياهم فلا يتركونهم تحت رحمة هؤلاء واختلاف الآراء.
وروى ابن تيمية عن أم سلمة، وهي من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا:
(إن هذه الآية لما نزلت أدار النبي (صلى الله عليه وآله) كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)(56).
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية:
(... وإن هذا الشيء جرى في الأخبار أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزلت عليه هذه الآية، دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين، فعمد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى كساء فلفها عليهم، ثم ألوى بيده إلى السماء، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)(57).
وفي ذلك يقول البيضاوي في تفسيره:
(وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله عنهم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود...)(58).
وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس... الآية... عن أنس بن مالك قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة اشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: (الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
وقد أخرجها ابن كثير في تفسيره بطرق مختلفة(59).
ولهذا يقول ابن حجر في صواعقه:
(إن أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين)(60).
ويقول أيضا:
(وصح أنه (صلى الله عليه وآله) جعل على هؤلاء كساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي- أي خاصتي- أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا معهم، قال: إنم على الخير)(61).
أقول: وهذا دليل قاطع على أن نساء النبي لا تشملهن الآية المباركة، ويؤيد ذلك أيضا بالإضافة إلى ما ذكرناه، ما ترويه أم المؤمنين عائشة قالت لابن عم لها حينما سألها عن علي (عليه السلام)، فقالت:
(تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه؟ لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوبا فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) قالت: فدنوت منهم، فقلت: يا رسول الله وأنا من أهل بيتك، فقال (صلى الله عليه وآله): تنحي فإنك على خير)(62).
فقوله (صلى الله عليه وآله): تنحي لدليل قاطع على أنها ليست من أهل البيت الذين دلت عليهم الآية.
وأخرج الحافظ الذهبي في تلخيصه على المستدرك في حديث صحيح عن ابن عباس قال: (...وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت) الآية...صحيح). يقول الحاكم في مستدركه هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه)(63).
وهذا وقد أخرج هذه الآية في هؤلاء الخمسة علماء أهل السنة منهم:
النيسابوري في أسباب النزول(64)، والقندوزي في ينابيع المودة(65)، والنسائي في الخصائص(66)، والزمخشري في الكشاف(67)، والامام أحمد كما عن أنس بن مالك قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة...)(68).
والبلاذري في أنساب الاشراف(69)، والبيهقي في كتابه الاعتقاد على مذهب السلف(70)، وابن المغازلي في المناقب(71)، والمحب الطبري في ذخائر العقبى(72)، إلى غير ذلك، وما ذكرناه ففيه الكفاية لطالب الهداية.
يقول الدكتور أحمد صبحي معلقا على آية التطهير: (وهذا التفسير يفيد أن آل البيت بيت النبي هم المقصودون من لفظ القربى في الآية.... إذ ان ابن تيمية مع تطرفه في معارضة تفسيرات الشيعة، قد سلم أنه ورد في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد خطب يوم غدير خم فقال: أذكركم في أهل بيتي، قالها ثلاثا)(73).
أقول: هذا ما جاء عن حفاظ أهل السنة وثقاتهم من نزول الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام) فتخصيص النبي (صلى الله عليه وآله) هؤلاء بالخصوص من دون جميع المسلمين وفيهم أقرباؤه، لدليل واضح على تهيئة الجو لهم لاستلام الخلافة من بعده، وتنبيه المسلمين على أن هؤلاء هم الصفوة التي ينبغي أن يسند إليهم قيادة المسلمين.
ولهذا يقول العلامة المناوي في فيض القدير في شرح الجامع الصغير للعلامة السيوطي في حديث صحيح: (...أهل بيتي: تفصيل بعد إجمال بدلا او بيانا وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)(74).
ولهذا جاء في صحيح الامام مسلم: (ولما نزلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم... دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي)(75).
ومن كل هذا يظهر لنا ما قاله الاستاذ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه سلسلة الاحاديث الصحيحة، فهو اسم على غير مسماه، تحريفا لما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله).
النص الخامس: حديث المنزلة والوصية
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي).
من النصوص الجيلة الدالة على وجود النص على خلافة الامام علي (صلى الله عليه وآله)، ما يرويه علماء أهل السنة وحملة الآثار، وهو حديث المنزلة وأحاديث الوصية.
يقول الدكتور أحمد صبحي:
(إن بعض علمائهم - أي الشيعة - كعبد الحسين شرف الدين والموسوي القزويني، يذكرون إضافة إلى متن الحديث غير مذكور في النص السني أو حتى النص الذي بينه كثير من علماء الشيعة أنفسهم، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إلا أنه لا نبي بعدي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)، ولاشك أن هذه العبارة تجعل من الحديث نصا جليا في إمامة علي يحسم كل اختلاف ويضع حدا للتفسيرات المتباينة التي استخلصتها الفرق من دلالة الحديث، وينسب السيد القزويني هذه الإضافة إلى الحاكم في المستدرك والذهبي في الجزء الثالث من تلخيصه صفحة143...)(76).
أقول: وإليك ما أخرجه علماء أهل السنة من وجود هذه الاضافة لتكون نصا صريحا على خلافة الإمام علي كما يقول الدكتور صبحي، لنحسم كل خلاف:
أخرج الامام أحمد في مسنده أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي:
(أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. قال: قال رسول الله: أنت وليي في كل مؤمن بعدي... قال: من كنت مولاه فإن مولاه علي...)(77).
وفي المستدرك للحاكم عن ابن عباس قال:
(خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك، وخرج الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟ قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا، فبكى علي، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، قال ابن عباس: وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)(78).
أي البخاري ومسلم.
يقول الحافظ الذهبي في تلخيصه:
(... قال: - أي ابن عباس- وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك فبكى علي، فقال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له: أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة... صحيح)(79).
وأنت ترى أن الحافظ قد حكم بصحة هذا الحديث، ومن هنا يثبت النص الجلي على خلافة الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وأخرج النسائي، وهو أحد أصحاب الصحاح الستة، قال:
(وخرج- النبي- بالناس في غزوة تبوك، قال: فقال له علي: أخرج معك؟ فقال نبي الله: لا، فبكى علي، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)، قال: (وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ولي في كل مؤمن بعدي)(80).
وفي الاصابة للعسقلاني:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له: أنت ولي كل مؤمن من بعدي)(81).
وأخرج القندوزي عن ابن عباس قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي لما خرج إلى غزوة تبوك وخرج الناس معه دون علي، فبكى: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)(82).
هذه نبذة مما رواه علماء أهل السنة من حديث المنزلة، اقتصرنا على ذكر الأضافة التي ذكرها الدكتور أحمد صبحي، ونقى وجودها في نصوص أهل السنة، لتكون نصا صريحا - كما يقول - على خلافة الإمام علي (عليه السلام).
النص السادس: حديث الغدير
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي في حجة الوداع:
(...من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار، اللهم هل بلغت).
يقول سبط بن الجوزي:
(اتفق علماء أهل السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا وقال من كنت مولاه فعلي مولاه، الحديث) نص (صلى الله عليه وآله) على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة، وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده: (أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما قال ذلك طار في الاقطار وشاع في البلاد والامصار... إلى آخر الحديث)(83).
وأخرج حديث الغدير هذا، والذي ينص بصريح العبارة جميع علماء أهل السنة ورواتهم، منهم الامام مسلم في صحيحه(84)، والنسائي في الخصائص(85)، وابن المغازلي في المناقب(86)، والمحب الطبري في ذخائر العقبى(87)، والمتقي الهندي في كنز العمال(88)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن(89) والحاكم النيسابوري في شواهد التنزيل(90) والشهرستاني في الملل والنحل(91)، وحجة الاسلام الغزالي في سر العالمين(92)، والحاكم في المستدرك(93)، والحافظ الذهبي في تلخيصه(94)، وابن حجر العسقلاني في الاصابة(95)، والمقريزي في الخطط(96) والامام أحمد في المسند(97)، والبيهقي في كتاب الاعتقاد(98)، والسيوطي في الجامع الصغير(99)، وغير هؤلاء كثير تركنا ذكرها للاختصار، فمن أراد المزيد فعليه بكتابنا مع موسى الموسوي.
وهناك أحاديث كثيرة تنص على خلافة أمير المؤمنين أعرضنا عنها منها حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين السنة وأهل الشيعة(100)، وأحاديث السفينة، وكتاب الوصية وحديث الدواة والقرطاس إلى غير ذلك من النصوص الصريحة الدالة على وجود النص على خلافة الامام علي (عليه السلام)(10).
وقد عرض الدكتور أحمد صبحي وجهة نظر الشيعة بوجوب صدور استخلاف من النبي في ضوء وقائع التاريخ بقوله:
(الحقيقة الأولى التي يجب التسليم بها أن النبي كان يعلم أن أمته ستتعرض إذا لم ينص هو على من يخلفه إلى الفتن والاضطراب، أما أنه كان يعلم ذلك فان كل الفرق الاسلامية قد أوردت هذا الحديث: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة...) فهل كان رسول الله يعلم أن الدهر يدخر لأمته صفحة مملوءة بالحوادث والفتن، إذ تختلف أمته من بعده ويتقاتل افرادها وتراق الدماء وتزهق النفوس ثم يسكت النبي عن ذلك دون أن يقدم على مشورة تجنب أمته شر العثار؟ ولنفرض أن الحديث والتاريخ لم يسجلا لنا حديثا واحدا يقضي فيه النبي بمن يخلفه في أمر أمته، فهل يصح أن نصدقهما بهذا الاهمال ونصدقهما أن النبي ترك أمته في فوضوية لاحد لها.
وهل كان دينه خاصا بعصره ليترك أمته من بعده هملا من غير راع يسوسهم او طريقة يتبعونها في أمور دينهم ودنياهم، لقد ورد أن عائشة قالت لعمر في أواخر أيام خلافته: (لاتدع أمة محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا فاني أخشى عليهم الفتنة) فهل لم يدرك النبي ما أدركته عائشة أن المسلمين يتعرضون للفتنة نتيجة عدم الاستخلاف أم ليس بين المسلمين وصحابة الرسول من سأله هذا السؤال الذي سألته عائشة لعمر؟
وإذا لم يكن محمد نبيا مرسلا نزل دينه للناس كافة في كل زمان، وإذا لم يكن عالما عن وحي فليكن على الأقل سياسيا كسائر الساسة الذين لا يخفى عليهم بعض أمور رعاياهم فلا يتركونهم تحت رحمة هؤلاء واختلاف الآراء.
تعليق