بسم الله الرحمن الرحيم
من المسائل التي يطرحها الشيعة أعزهم الله تعالى في مسألة عدم أهلية من تقدم و تقلد زمام خلافة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) على أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام)، أو مسألة عدم عدالة جميع الصحابة أو غيرها ،هو عصيان أو خطأ الصحابة في تطبيق الأوامر الشرعية المكلفون بها.
ومن الشبهات التي يطرحها بعض المخالفين ردأ على الشيعة أعزهم الله تعالى في ذلك هو إدعائهم أن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام أيضا يتساوى في هذا الأمر مع بقية الصحابة في هذا الأمر ، وذلك لعدم تطبيقه الأمر الصادر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له في صلح الحديبية ،ويستشهدون في هذا الأمر برواية
مستدرك الوسائل: (8/436):علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بن سنان عن أبي عبد الله إن أمير المؤمنين عليه السلام كتب كتاب الصلح: باسمك اللهم، هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والملأ من قريش، فقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك، اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله، أتأنف من نسبك يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله وإن لم تقروا، ثم قال: امح يا علي! واكتب: محمد بن عبد الله، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أمحو اسمك من النبوة أبداً، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده .
فهل عصى وأخطأ أمير المؤمنين علي عليه صلوات الله تعالى عندما لم يمحوا لفظ ( رسول الله) بعد أن أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أو لا؟
قبل الجواب على هذا السؤال لا بد من ذكر بعض ما ورد من مخالفة بعض الصحابة الذي خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى غضب عليهم ولم يكلمهم، بل والذي وصل ببعضهم للشك في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي حديث طويل في صحيح بن حبان نذكر الشاهد منه :
قال معمر في حديثه عن الزهري عن عروة عن المسور ، ومروان فلما جاء سهيل ، قال هات اكتب بيننا ، وبينكم كتابا ، فدعا الكاتب ، فقال : « اكتب بسم الله الرحمن الرحيم » ، فقال سهيل أما الرحمن ، فلا أدري والله ما هو ، ولكن اكتب باسمك اللهم ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : « اكتب هذا ، ما قاضى عليه محمد رسول الله » ، فقال سهيل بن عمرو لو كنا نعلم أنك رسول الله ، ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله » ،
قال الزهري ، وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله ، إلا أعطيتهم إياها ، وقال في حديثه عن عروة ، عن المسور ، ومروان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « على أن تخلوا بيننا ، وبين البيت ، فنطوف به » ، فقال سهيل بن عمرو ، إنه لا يتحدث العرب ، أنا أخذنا ضغطة ، ولكن لك من العام المقبل ، فكتب فقال سهيل بن عمرو : على أنه لا يأتيك منا رجل ، وإن كان على دينك ، أو يريد دينك إلا رددته إلينا ، فقال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين ، وقد جاء مسلما ، فبينما هم على ذلك ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف (24) ، في قيوده ، قد خرج من أسفل مكة ، حتى رمى بنفسه بين المسلمين ، فقال سهيل بن عمرو يا محمد هذا أول من نقاضيك عليه ، أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنا لم نمض الكتاب بعد » ، فقال والله لا أصالحك على شيء أبدا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « فأجزه لي » ، فقال ما أنا بمجيزه لك ، قال : فافعل قال : ما أنا بفاعل ، قال مكرز : بل قد أجزناه لك ، فقال أبو جندل بن سهيل بن عمرو : يا معشر المسلمين ، أرد إلى المشركين ، وقد جئت مسلما ، ألا ترون إلى ما قد لقيت ، وكان قد عذب عذابا شديدا في الله ، فقال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ، والله ما شككت منذ أسلمت ، إلا يومئذ ،
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت ألست رسول الله حقا ، قال : « بلى » ، قلت ألسنا على الحق ، وعدونا على الباطل ؟ ، قال : « بلى » ، قلت : فلم نعطي الدنية (25) في ديننا ، إذا قال : « إني رسول الله ، ولست أعصي ربي ، وهو ناصري » ، قلت : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ، فنطوف به ؟ ،
قال : « بلى » ، فخبرتك أنك تأتيه العام ، قال : لا ، قال : فإنك تأتيه ، فتطوف به ، قال : فأتيت أبا بكر الصديق رضوان الله عليه ، فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ، قال : بلى ، قلت : أو لسنا على الحق ، وعدونا على الباطل ، قال : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا ، إذا قال : أيها الرجل إنه رسول الله ، وليس يعصي ربه ، وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، حتى تموت ، فوالله إنه على الحق ، قلت : أو ليس كان يحدثنا ، أنا سنأتي البيت ، ونطوف به ؟ ، قال : بلى ، قال : فأخبرك أنا نأتيه العام ، قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ، وتطوف به ، قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه : فعملت في ذلك أعمالا ، يعني في نقض الصحيفة ،
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الكتاب ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال : « انحروا الهدي ، واحلقوا » ، قال : فوالله ما قام رجل ، منهم رجاء ، أن يحدث الله أمرا ، فلما لم يقم أحد منهم ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل على أم سلمة ، فقال : « ما لقيت من الناس » ، قالت أم سلمة أو تحب ذاك اخرج ، ولا تكلمن أحدا ، منهم كلمة ، حتى تنحر (26) بدنك ، وتدعو حالقك ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج ، ولم يكلم أحدا منهم ، حتى نحر ، بدنه (27) ، ثم دعا حالقه ، فحلقه ، فلما رأى ذلك الناس جعل بعضهم ، يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .
ففي هذا الحديث تضح عدة أمور :
الأول: أن الخليفة عمر شك في رسو الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الثاني: أنه صدق أبا بكر ولم يصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بدليل أنه سأل الخليفة أبا بكر بعد أن أجابه عما سأل عنه .
الثالث: أن الصحابة عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أمرهم بحلق رؤوسهم حتى دخل لزوجه أم سلمة رضي الله عنها يشكوا ما ليقه من اصحابه من الشك وعدم الطاعة.
الرابط أن الخلفية عمر اراد أن ينقض صلح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال هو( فعلمت لذلك ).
الخامس: أنه لم يكلمهم حتى حلق ونحر.
والآن نأتي للسؤال:
فهل عصى وأخطأ أمير المؤمنين علي عليه صلوات الله تعالى عندما لم يمحوا لفظ ( رسول الله) بعد أن أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أو لا؟
الجواب على هذا السؤال بشكل مختصر من عدة أوجه:
الاول: الكثير من علماء السنة يرى عدم محو لفظ ( رسول الله ) من الصلح هو فضيلة لأمير المؤمنين علي عليه السلام لا أنه دليل عصيان وخطأ قال ـ وهذا النقل للشيخ التلميذ حفظا لحق البحث ـ قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 12/135 : ( وهذا الذي فعله علي رضي الله عنه من باب الأدب المستحب لأنه لم يفهم من النبي صلى الله عليه وسلم تحتيم محو علي بنفسه ، ولهذا لم ينكر ، ولو حتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ولما أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على المخالفة) .
وقال ابن بطال في شرح البخاري : وإباءة علىّ من محو ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أدب منه وإيمان وليس بعصيان فيما أمره به ، والعصيان هاهنا أبر من الطاعة له وأجمل فى التأدب والإكرام.
الثاني:أن هذه رواية محمد بن عمير رواية مرسلة ، وقبول مرسلات محمد بن عمير رضي الله عنه مختلف فيه، فبعض علماء الشيعة كالسيد الخوئي قدس سره لا يقبلون بالمرسلات وإن كانت مرسلات محمد بن عمير.
ولكن مع ذلك نقول،
الثالث: على فرض أن مرسلات ابن عمير مقبوله، وأنه يدل على الوجوب فنقول في جواب ذلك، أن الدليل القطعي واليقيني قائم على عصمة أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ، وأن هذه الرواية رواية آحاد ، والروايات الآحادث لا تتعارض مع الأحاديث المتواترة أو الادلة القطعية، بل الادلة المتواترة والقطعية تقدم على الاحاديث الاحاد ، وبهذا لا يكون مجال للقبول بحديث يدل على خلاف العصمة مع وجود آحاديث قطعية تدل عليها.
الرابع: أن الأمر الصادر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس على نحو الوجوب الشرعي بل ولا على نحو الاستحباب الشرعي.فكل من له ادنى إطلاع يعلم أن الأوامر والنواهي تارة تأتي على نحو التكليف الشرعي من الوجوب الشرعي والحرمة الشرعية والاستحباب الشرعي والكراهة ا لشرعية،
وتارة أخرى تأتي على نحو الارشاد فيكون الأمر والنهي فيها على نحو الإرشاد الذي ليس فيه تكليف شرعي.
ونحن نقول أن امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحو لفظ ( رسول الله) ليس واجبا شرعيا بل وليس مستحبا شرعيا، بل هو متعلق بما طلبه المشركون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بما يريده رسول الله صلى الله عليه وله وسلم الذي قال « والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله ».
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحو لفظ( رسول الله ) لإنفاذ الصلح حق ، وعدم فعل الامام علي سلام الله عليه أيضا حق بالخصوص عندما يرى أن الاولى من جهة المطلوب منه أو الملاك في فعله اظهار أمر للآخرين ، غير ملاك ومصلحة جهة الطالب ،ولا شك أن امتناع أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام فيه ملاك آخر غير ملاك نفس طلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وباختلاف الملاكات تختلف الأحكام، وهذا الأختلاف في الحكم لا يجعل احد الفعلين باطلا والأخر ، بل كل الفعلين حق.
ولهذا ـ وهذا نقلا عن الشيخ التلميذ حفظا لحق البحث ـ قال القسلاني في إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري 6/159 : ( قال علي رضي الله عنه ما أنا بالذي أمحاه ، ليس بمخالفة لأمره عليه الصلاة والسلام بل علم بالقرينة أن الأمر ليس للإيجاب ) .
وقال العيني في عدة القارىء 13/275 : ( وقول علي رضي الله تعالى عنه ما أنا بالذي أمحاه ليس بمخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه علم بالقرينة أن الأمر ليس للإيجاب ) .
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم 12/135 : ( وهذا الذي فعله علي رضي الله عنه من باب الأدب المستحب لأنه لم يفهم من النبي صلى الله عليه وسلم تحتيم محو علي بنفسه ، ولهذا لم ينكر ، ولو حتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ولما أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على المخالفة ) .
هذا ناهيك أن نفس عدم القيام بالمندوب لو فرض أن ما امر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مندوبا لا يوصف الممتنع عن القيام بالمندوب عاصيا ، وبهذا ينتفي الاشكال ، لكون الممتنع عن القيام بما هو مستحب لم يعصي الله أو يعصي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا العصيان المخالف للعصمة فرع عدم القيام بما هو واجب أو عدم الانتهاء عما هو محرب ،والأمر المستحب ، للمكلف كما هو في جعل الله سبحانه وتعالى الخيار: بالفعل او الترك له، واختيار احد الطرفين في المستحب فعلا أو تركا ليس عصيانا أو خطأ ، وإلا لكان الله سبحانه وتعالى يأمر بعصيانه لتخييره المكلف في المستحب بين ما يلزم القيام به وما يلزم عدم القيام به .
ولهذا، امتناع الإمير عليه السلام فيه ملاك من جهة المطلوب منه، كملاك إظهار عدم اسقاط الرسالة وعدم محوها ، أو اظهار شدة أيمان الأمام علي عليه السلام بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم او غيرها من الملاكات، التي تكون من جهة الإمام علي عليه الصلاة والسلام لها حكمها لاختلاف مبادئها.
ولما طلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملاك آخر يختلف عن ملاك ما فعله أمير المؤمنين علي عليه السلام ، كملاك ايقاع العقد بينه وبين المشركين لمصلحة تقتضيها الظروف، ولهذا الملاك حكمه من جهة الطالب يختلف.
من المسائل التي يطرحها الشيعة أعزهم الله تعالى في مسألة عدم أهلية من تقدم و تقلد زمام خلافة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) على أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام)، أو مسألة عدم عدالة جميع الصحابة أو غيرها ،هو عصيان أو خطأ الصحابة في تطبيق الأوامر الشرعية المكلفون بها.
ومن الشبهات التي يطرحها بعض المخالفين ردأ على الشيعة أعزهم الله تعالى في ذلك هو إدعائهم أن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام أيضا يتساوى في هذا الأمر مع بقية الصحابة في هذا الأمر ، وذلك لعدم تطبيقه الأمر الصادر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له في صلح الحديبية ،ويستشهدون في هذا الأمر برواية
مستدرك الوسائل: (8/436):علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بن سنان عن أبي عبد الله إن أمير المؤمنين عليه السلام كتب كتاب الصلح: باسمك اللهم، هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والملأ من قريش، فقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك، اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله، أتأنف من نسبك يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله وإن لم تقروا، ثم قال: امح يا علي! واكتب: محمد بن عبد الله، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أمحو اسمك من النبوة أبداً، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده .
فهل عصى وأخطأ أمير المؤمنين علي عليه صلوات الله تعالى عندما لم يمحوا لفظ ( رسول الله) بعد أن أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أو لا؟
قبل الجواب على هذا السؤال لا بد من ذكر بعض ما ورد من مخالفة بعض الصحابة الذي خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى غضب عليهم ولم يكلمهم، بل والذي وصل ببعضهم للشك في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي حديث طويل في صحيح بن حبان نذكر الشاهد منه :
قال معمر في حديثه عن الزهري عن عروة عن المسور ، ومروان فلما جاء سهيل ، قال هات اكتب بيننا ، وبينكم كتابا ، فدعا الكاتب ، فقال : « اكتب بسم الله الرحمن الرحيم » ، فقال سهيل أما الرحمن ، فلا أدري والله ما هو ، ولكن اكتب باسمك اللهم ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : « اكتب هذا ، ما قاضى عليه محمد رسول الله » ، فقال سهيل بن عمرو لو كنا نعلم أنك رسول الله ، ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله » ،
قال الزهري ، وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله ، إلا أعطيتهم إياها ، وقال في حديثه عن عروة ، عن المسور ، ومروان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « على أن تخلوا بيننا ، وبين البيت ، فنطوف به » ، فقال سهيل بن عمرو ، إنه لا يتحدث العرب ، أنا أخذنا ضغطة ، ولكن لك من العام المقبل ، فكتب فقال سهيل بن عمرو : على أنه لا يأتيك منا رجل ، وإن كان على دينك ، أو يريد دينك إلا رددته إلينا ، فقال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين ، وقد جاء مسلما ، فبينما هم على ذلك ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف (24) ، في قيوده ، قد خرج من أسفل مكة ، حتى رمى بنفسه بين المسلمين ، فقال سهيل بن عمرو يا محمد هذا أول من نقاضيك عليه ، أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنا لم نمض الكتاب بعد » ، فقال والله لا أصالحك على شيء أبدا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « فأجزه لي » ، فقال ما أنا بمجيزه لك ، قال : فافعل قال : ما أنا بفاعل ، قال مكرز : بل قد أجزناه لك ، فقال أبو جندل بن سهيل بن عمرو : يا معشر المسلمين ، أرد إلى المشركين ، وقد جئت مسلما ، ألا ترون إلى ما قد لقيت ، وكان قد عذب عذابا شديدا في الله ، فقال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ، والله ما شككت منذ أسلمت ، إلا يومئذ ،
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت ألست رسول الله حقا ، قال : « بلى » ، قلت ألسنا على الحق ، وعدونا على الباطل ؟ ، قال : « بلى » ، قلت : فلم نعطي الدنية (25) في ديننا ، إذا قال : « إني رسول الله ، ولست أعصي ربي ، وهو ناصري » ، قلت : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ، فنطوف به ؟ ،
قال : « بلى » ، فخبرتك أنك تأتيه العام ، قال : لا ، قال : فإنك تأتيه ، فتطوف به ، قال : فأتيت أبا بكر الصديق رضوان الله عليه ، فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ، قال : بلى ، قلت : أو لسنا على الحق ، وعدونا على الباطل ، قال : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا ، إذا قال : أيها الرجل إنه رسول الله ، وليس يعصي ربه ، وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، حتى تموت ، فوالله إنه على الحق ، قلت : أو ليس كان يحدثنا ، أنا سنأتي البيت ، ونطوف به ؟ ، قال : بلى ، قال : فأخبرك أنا نأتيه العام ، قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ، وتطوف به ، قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه : فعملت في ذلك أعمالا ، يعني في نقض الصحيفة ،
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الكتاب ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال : « انحروا الهدي ، واحلقوا » ، قال : فوالله ما قام رجل ، منهم رجاء ، أن يحدث الله أمرا ، فلما لم يقم أحد منهم ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل على أم سلمة ، فقال : « ما لقيت من الناس » ، قالت أم سلمة أو تحب ذاك اخرج ، ولا تكلمن أحدا ، منهم كلمة ، حتى تنحر (26) بدنك ، وتدعو حالقك ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج ، ولم يكلم أحدا منهم ، حتى نحر ، بدنه (27) ، ثم دعا حالقه ، فحلقه ، فلما رأى ذلك الناس جعل بعضهم ، يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .
ففي هذا الحديث تضح عدة أمور :
الأول: أن الخليفة عمر شك في رسو الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الثاني: أنه صدق أبا بكر ولم يصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بدليل أنه سأل الخليفة أبا بكر بعد أن أجابه عما سأل عنه .
الثالث: أن الصحابة عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أمرهم بحلق رؤوسهم حتى دخل لزوجه أم سلمة رضي الله عنها يشكوا ما ليقه من اصحابه من الشك وعدم الطاعة.
الرابط أن الخلفية عمر اراد أن ينقض صلح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال هو( فعلمت لذلك ).
الخامس: أنه لم يكلمهم حتى حلق ونحر.
والآن نأتي للسؤال:
فهل عصى وأخطأ أمير المؤمنين علي عليه صلوات الله تعالى عندما لم يمحوا لفظ ( رسول الله) بعد أن أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أو لا؟
الجواب على هذا السؤال بشكل مختصر من عدة أوجه:
الاول: الكثير من علماء السنة يرى عدم محو لفظ ( رسول الله ) من الصلح هو فضيلة لأمير المؤمنين علي عليه السلام لا أنه دليل عصيان وخطأ قال ـ وهذا النقل للشيخ التلميذ حفظا لحق البحث ـ قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 12/135 : ( وهذا الذي فعله علي رضي الله عنه من باب الأدب المستحب لأنه لم يفهم من النبي صلى الله عليه وسلم تحتيم محو علي بنفسه ، ولهذا لم ينكر ، ولو حتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ولما أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على المخالفة) .
وقال ابن بطال في شرح البخاري : وإباءة علىّ من محو ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أدب منه وإيمان وليس بعصيان فيما أمره به ، والعصيان هاهنا أبر من الطاعة له وأجمل فى التأدب والإكرام.
الثاني:أن هذه رواية محمد بن عمير رواية مرسلة ، وقبول مرسلات محمد بن عمير رضي الله عنه مختلف فيه، فبعض علماء الشيعة كالسيد الخوئي قدس سره لا يقبلون بالمرسلات وإن كانت مرسلات محمد بن عمير.
ولكن مع ذلك نقول،
الثالث: على فرض أن مرسلات ابن عمير مقبوله، وأنه يدل على الوجوب فنقول في جواب ذلك، أن الدليل القطعي واليقيني قائم على عصمة أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ، وأن هذه الرواية رواية آحاد ، والروايات الآحادث لا تتعارض مع الأحاديث المتواترة أو الادلة القطعية، بل الادلة المتواترة والقطعية تقدم على الاحاديث الاحاد ، وبهذا لا يكون مجال للقبول بحديث يدل على خلاف العصمة مع وجود آحاديث قطعية تدل عليها.
الرابع: أن الأمر الصادر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس على نحو الوجوب الشرعي بل ولا على نحو الاستحباب الشرعي.فكل من له ادنى إطلاع يعلم أن الأوامر والنواهي تارة تأتي على نحو التكليف الشرعي من الوجوب الشرعي والحرمة الشرعية والاستحباب الشرعي والكراهة ا لشرعية،
وتارة أخرى تأتي على نحو الارشاد فيكون الأمر والنهي فيها على نحو الإرشاد الذي ليس فيه تكليف شرعي.
ونحن نقول أن امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحو لفظ ( رسول الله) ليس واجبا شرعيا بل وليس مستحبا شرعيا، بل هو متعلق بما طلبه المشركون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بما يريده رسول الله صلى الله عليه وله وسلم الذي قال « والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله ».
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحو لفظ( رسول الله ) لإنفاذ الصلح حق ، وعدم فعل الامام علي سلام الله عليه أيضا حق بالخصوص عندما يرى أن الاولى من جهة المطلوب منه أو الملاك في فعله اظهار أمر للآخرين ، غير ملاك ومصلحة جهة الطالب ،ولا شك أن امتناع أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام فيه ملاك آخر غير ملاك نفس طلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وباختلاف الملاكات تختلف الأحكام، وهذا الأختلاف في الحكم لا يجعل احد الفعلين باطلا والأخر ، بل كل الفعلين حق.
ولهذا ـ وهذا نقلا عن الشيخ التلميذ حفظا لحق البحث ـ قال القسلاني في إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري 6/159 : ( قال علي رضي الله عنه ما أنا بالذي أمحاه ، ليس بمخالفة لأمره عليه الصلاة والسلام بل علم بالقرينة أن الأمر ليس للإيجاب ) .
وقال العيني في عدة القارىء 13/275 : ( وقول علي رضي الله تعالى عنه ما أنا بالذي أمحاه ليس بمخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه علم بالقرينة أن الأمر ليس للإيجاب ) .
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم 12/135 : ( وهذا الذي فعله علي رضي الله عنه من باب الأدب المستحب لأنه لم يفهم من النبي صلى الله عليه وسلم تحتيم محو علي بنفسه ، ولهذا لم ينكر ، ولو حتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ولما أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على المخالفة ) .
هذا ناهيك أن نفس عدم القيام بالمندوب لو فرض أن ما امر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مندوبا لا يوصف الممتنع عن القيام بالمندوب عاصيا ، وبهذا ينتفي الاشكال ، لكون الممتنع عن القيام بما هو مستحب لم يعصي الله أو يعصي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا العصيان المخالف للعصمة فرع عدم القيام بما هو واجب أو عدم الانتهاء عما هو محرب ،والأمر المستحب ، للمكلف كما هو في جعل الله سبحانه وتعالى الخيار: بالفعل او الترك له، واختيار احد الطرفين في المستحب فعلا أو تركا ليس عصيانا أو خطأ ، وإلا لكان الله سبحانه وتعالى يأمر بعصيانه لتخييره المكلف في المستحب بين ما يلزم القيام به وما يلزم عدم القيام به .
ولهذا، امتناع الإمير عليه السلام فيه ملاك من جهة المطلوب منه، كملاك إظهار عدم اسقاط الرسالة وعدم محوها ، أو اظهار شدة أيمان الأمام علي عليه السلام بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم او غيرها من الملاكات، التي تكون من جهة الإمام علي عليه الصلاة والسلام لها حكمها لاختلاف مبادئها.
ولما طلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملاك آخر يختلف عن ملاك ما فعله أمير المؤمنين علي عليه السلام ، كملاك ايقاع العقد بينه وبين المشركين لمصلحة تقتضيها الظروف، ولهذا الملاك حكمه من جهة الطالب يختلف.
تعليق