أصحاب علي في حكومة مناوئيه:
وبعد.. فلسنا بحاجة إلى التدليل على أن أعظم الصحابة منزلة عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) كانوا إلى جانب أمير المؤمنين (عليه السلام). ثم رجع إليه خيار من تبقى من الصحابة تدريجاً، وحاربوا معه أعداءه، واستشهد كثير منهم بين يديه في حروبه، في الجمل، وصفين والنهروان..
وعلى رأس هؤلاء سلمان وعمار، والمقداد، وأبو ذر، ومنهم حذيفة بن اليمان، وأبو الهيثم بن التيهان، وكثير آخرون.
ومن أصحابه (عليه السلام) الأشتر الذي كان (عليه السلام) يقول عنه: كان لي الأشتر كما كنت لرسول الله(1)، وقيس بن سعد بن عبادة، ومحمد بن أبي بكر، وابن عباس، وحجر بن عدي، وغيرهم..
والملاحظ: هو أن هؤلاء المعروفين بمخالفتهم لتوجهات الهيئة الحاكمة، والذين أعلنوا رفضهم لتعدي أركانها على حق أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخلافة ـ إن هؤلاء قد ـ شاركوا في النشاطات السياسية، وتولوا مناصب هامة
____________
1- راجع: ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي ج 2 ص 28.
الصفحة 230 فيها، فقد تولى عمار بن ياسر الكوفة، وتولى سلمان المدائن..
وسلمان هو الذي كلف باختيار موقع الكوفة، ليبنى فيه معسكر المسلمين في العراق، فصلى فيه ركعتين، ودعا بدعاء(1).
وشارك بعضهم في الفتوحات، مثل حذيفة الذي كان على رأس الجيش في فتح الفتوح في نهاوند(2). ومثل الأشتر الذي شترت عينه في اليرموك(3). ومثل هاشم المرقال، وغيرهم ممن كان لهم دور أساسي فيها..
____________
1- نور القبس ص232 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص41 و 42 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص145 وتاريخ الكوفة للسيد البراقي ص142 و 148 والكامل في التاريخ ج2 ص527 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص110.
2- راجع: الإستيعاب ج4 ص1506 وأسد الغابة ج5 ص31 وتهذيب الكمال ج29 ص460 وج5 ص506 والأعلام للزركلي ج2 ص171 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص187 والأمالي للطوسي ص715 وبحار الأنوار ج32 ص69 وفتح الباري ج6 ص189 وتاريخ خليفة بن خياط ص105 و 107 والتاريخ الصغير للبخاري ج1 ص80 والأخبار الطوال للدينوري ص137 وطبقات المحدثين بأصبهان ج1 ص180 وتاريخ مدينة دمشق ج12 ص287 وج44 ص395 ومعجم البلدان ج1 ص83 وج5 ص49 و 313 وفتوح البلدان ج2 ص375 و 394.
3- تاريخ الإسـلام للذهبـي ج3 ص593 وتاريـخ مدينـة دمشـق ج2 ص158 = = وج56 ص373 وج56 ص379 و 380 وسير أعلام النبلاء ج4 ص34 والمعارف لابن قتيبة ص586 وكتاب المحبر للبغدادي ص261 و 303.
الصفحة 231 حسبما أوضحناه في هذا الكتاب.
والسؤال هنا هو:
إذا كان هؤلاء قد اعترضوا على أركان الحكم، ورفضوا تأييدهم فيما أقدموا عليه. ولم يروا لهم شرعية في المواقع التي استولوا عليها.
فكيف عادوا وقبلوا بالمشاركة في الحروب التي خاضوها في فتوحاتهم أو في غيرها، فكانوا فيها قادة ومقاتلين، وفيهم خالد بن سعيد بن العاص، والأشتر، وحذيفة؟!
وكيف قبلوا المناصب والولايات منهم؟ وفيهم مثل سلمان وعمار؟!
وكيف رضي أركان الحكم أنفسهم بإشراك هؤلاء في حكومتهم، وفي شؤونهم؟! وقد حاولوا أن يشركوا علياً (عليه السلام) أيضاً في حروبهم وفتوحاتهم، ولكنه (عليه السلام) رفض قبول ذلك..
ونستطيع أن نجيب عن ذلك باختصار شديد، بما يلي:
لماذا يشرك الحكام خصومهم؟!:
أما بالنسبة لقبول الحكام بإشراك علي (عليه السلام) وأصحابه في الحروب، وفي الولايات والقيادات، فوجهه ظاهر. فإنهم يعتبرون أن هذا بمثابة حجر واحد يصيبون به عدة عصافير بضربة واحدة.
</span>الصفحة 232 فهم يعلمون أن هذا الفريق هم صفوة وخيار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولديهم من الرصيد المعنوي ما يجعل لكلماتهم ومواقفهم تأثيراً قوياً في الناس.. فإذا أدخلوهم في بوتقة الحكم والسلطان، وأصبحوا يشاركون في الأنشطة على اختلافها، فإنهم لا بد أن يكفوا ألسنتهم عن تناول الحكم بما يضره ويضعفه، ولو فعلوا ذلك فلن يجدوا الآذان صاغية لهم، بالحد الذي كانت سوف تصغي لهم لو كانوا في خارج السلطة.
ثم إن نفس دخولهم في الحكم يمثل إقراراً بمشروعيته، أو هو على الأقل إعلان أن بالإمكان التعايش معه، وأن من المصلحة إقرار هذا التعايش. وأنه ليس من المصلحة إثارة الأجواء المسمومة ضده، حتى لو كان يفتقر إلى الشرعية..
ولعل الحكم يفكر أيضاً بأن هؤلاء الناس إذا دخلوا في الحكم، واستفادوا منه، وحصلوا على بعض الإنتفاعات، فإنهم سوف يسكتون، بل ربما ينقلبون على آرائهم السابقة وينقضونها.
على أن دخولهم في الحكم ربما يهيء الفرصة لإضعاف موقعهم وتأثيرهم، من خلال وضعهم أمام معادلة صعبة، وهي أنهم إما أن ينقادوا لإرادات الحكم، ويصبحون في خدمته وخدمة أهدافه، كسائر أدواته وأقماره.
وإما أن يواجهوا خطر التعرض للعزل من مناصبهم بألف حجة وحجة، من شأنها أن تحط من قدرهم، ولو باتهامهم بإساءة التصرف، أو بالضعف في الإدارة، وعدم القدرة على حل مشكلات الناس، بل قد
</span>الصفحة 233 يتهمونهم بأنهم كانوا هم السبب في نشوء كثير منها.
فقد قال ابن شهراشوب: (كان عمر وجّه سلمان أميراً إلى المدائن، وإنما أراد له الختلة، فلم يفعل إلا بعد أن استأذن أمير المؤمنين، فمضى فأقام بها إلى أن توفي، وكان يحطب في عباءة يفترش نصفها إلخ..)(1).
لماذا يشارك أصحاب علي (عليه السلام)؟!:
وأما بالنسبة للسؤال عن السبب في قبول أصحاب علي (عليه السلام) بالمشاركة، فنقول:
إن الإجابة تتضح بملاحظة النقاط التالية:
1 ـ إن هؤلاء الصفوة لا ينطلقون في مواقفهم من حسابات للمنافع الشخصية أو الفئوية، وإنما هم ـ كسيدهم علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ يؤثرون رضا الله سبحانه وظهور دينه، وفلج الحق، ولا يغضبون إلا لله، ولا يرضيهم إلا ما فيه رضاه، مهما كان مؤلماً ومراً بالنسبة إليهم..
واسوتهم في ذلك علي (عليه السلام)، الذي تحمل الأذى بضرب زوجته سيدة نساء العالمين، وإسقاط جنينها، بل واستشهادها، بالإضافة إلى
____________
1- الدرجات الرفيعة ص215. وراجع: خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص147 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص87 وتاريخ مدينة دمشق ج21 ص434 وتهذيب الكمال ج11 ص252 والمنتخب من ذيل المذيل ص33 و 50 وتاريخ الاسلام للذهبي ج3 ص518 والوافي بالوفيات ج15 ص193.
الصفحة 234 الهجوم على بيته، والسعي لإحراقه على من فيه. وفيه صفوة الخلق، إلى غير ذلك من أنواع المكر والأذى الذي حاق به.
ولم يكن صبره هذا ناشئاً عن ضعف في عزيمته، أو وهن في إرادته، أو خور أو جبن.. وإنما لأن الله تعالى يريد منه أن يسكت، وأن يداري نفس هؤلاء الذين تورطوا في هذه المهالك والمزالق..
ويدل على ذلك: أنه بعد خمس وعشرين سنة من السكوت والمداراة، وتحمل الظلم والهضم، عاد فامتشق سيفه، وخاض أعنف الحروب الطاحنة، حين رأى أن الله تعالى يريد منه أن يحارب، وأن يكسر شوكة أهل الباطل.
2 ـ إن سياسات الخلفاء اتجهت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى تجهيل الناس، وحرمانهم من العلم النافع، بالمنع من كتابة حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1)، ومن روايته(2)، ومن السؤال عن معاني
____________
1- كنز العمال ج10 ص292 و 291 وكتاب العلم لأبي خيثمة ص11 والنص والإجتهاد ص140 و141 وأضواء على السنة المحمدية ص46 و 47 وتقييد العلم ص53 وعن حجية السنة ص395 وراجع: تنوير الحوالك ص4 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص3 والمصنف للصنعاني ج11 ص257 والغدير ج6 ص297 وجامع بيان العلم وفضله ج1 ص64 و 63 و 65 والخلاف للطوسي ج1 ص29 ومستدرك الوسائل ج1 ص9 وتذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص3 ومسند أحمد ج5 ص182 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص231.
2- الغدير ج6 ص294 و 295 والمصنـف للصنعـاني ج11 ص262 والبـدايـة = = والنهاية ج8 ص115 وتاريخ مدينة دمشق ج47 ص142 وج66 ص191 وج67 ص344 وج26 ص382 وتذكرة الحفاظ ج1 ص7 والإيضاح لابن شاذان ص536 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص529 وسير أعلام النبلاء ج2 ص345 و 602 والكنى والألقاب ج1 ص180 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص201 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص336 وكتاب المجروحين لابن حبان ج1 ص35 و 36 والمستدرك للحاكم ج1 ص110 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص246 و 79 و 275 وجامع بيان العلم وفضله ج2 ص120 و121 وراجع: المعجم الأوسط للطبراني ج2 ص326 ومسند الشاميين ج3 ص251 وكنز العمال ج10 ص291 والبرهان للزركشي ج1 ص296 والفصول في الأصول للجصاص ج3 ص132 و 133 وأصول السرخسي ج1 ص350 وعن تدوين السنة 414.
الصفحة 235 القرآن(1)..
____________
1- راجع: تاريخ بغداد ج11 ص465 والدر المنثور ج6 ص317 وفتح القدير ج5 ص387 وفتح الباري ج13 ص229 وتفسير الآلوسي ج30 ص47 والميزان ج20 ص211 وميزان الإعتدال ج3 ص139 وتهذيب الكمال ج21 ص26 وج16 ص532 وسير أعلام النبلاء ج11 ص55 وج5 ص11 وتهذيب التهذيب ج7 ص309 وكنز العمال ج2 ص328 وكشاف القناع للبهوتي ج1 ص60 وصحيح البخاري ج8 ص143 وبحار الأنوار ج30 ص692 والغدير ج6 ص99 و 101 و 292 و 294 و 332 وعمـدة الـقـاري ج25 ص35 = = وكنز العمال ج2 ص328 وذم الكلام وأهله للهروي ج3 ص178 وراجع: المصنف لابن أبي شيبة ج2 ص381 وج7 ص199 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص93 وتاريخ مدينة دمشق ج34 ص230 وتاريخ الإسلام للذهبي ج6 ص412.
الصفحة 236 والإكتفاء بفتاوى الأمراء(1).
وبأحاديث القصاصين عن بني إسرائيل(2).
____________
1- راجع: جامع بيان العلم ج2 ص175 و 203 و 194 و 174 و (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص143 ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج4 ص62 وسنن الدارمي ج1 ص61 والطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص179 و 258 وراجع ص174 والمصنف للصنعاني ج8 ص301 وج11 ص328 و329 وراجع ص231 وأخبار القضاة لوكيع ج1 ص83 وتاريخ مدينة دمشق ج40 ص521 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص658 وسير أعلام النبلاء ج4 ص612 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص54 وحياة الصحابة ج3 ص286 وكنز العمال ج1 ص185 وراجع ص189 و (ط مؤسسة الرسالة) ج10 ص299 عن عبد الرزاق، وابن عساكر، وابن عبد البر، والدينوري في المجالسة وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص78 وسنن الدارمي ج1 ص61 والتراتيب الإدارية ج2 ص367 وبحوث مع أهل السنة والسلفية ص238.
2- القصاص والمذكرين ص90 وتاريخ بغداد ج3 ص366 وعيون الأخبار ج1 ص297 والسنة قبل التدوين ص211 عن تمييز المرفوع عن الموضوع ص16 ب.
الصفحة 237 بل لقد أحرق عمر بن الخطاب ما جمعه خلال شهر كامل من كتب الصحابة(1)، وتشدد في ذلك أيما تشدّد.
وقد أرسل بأوامره القاضية بإقلال الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبأن لا يكون هذا الحديث ظاهراً، وبتجريد القرآن عن الحديث في كل اتجاه، وكان يوصي بذلك ولاته، وبعوثه وجيوشه. ولم يزل يشيعهم بهذه الوصايا(2).
____________
1- الطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج5 ص188 وسير أعلام النبلاء ج5 ص59 و (ط دار الفكر) ج5 ص534 وتاريخ الإسلام للذهبي ج7 ص221 والخلاف للطوسي ج1 ص29 ومستدرك الوسائل ج1 ص10 والنص والإجتهاد ص141.
2- راجع: البرهان في علوم القرآن للزركشي ج1 ص480 وغريب الحديث لابن سلام ج4 ص49 وحياة الشعر في الكوفة ص253 والغدير ج6 ص294 و 263 والأم ج7 ص308 وفيه قال قرظة: لا أحدِّث حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبداً. وراجع: سنن الدارمي ج1 ص85 وسنن ابن ماجة ج1 ص16 ومستدرك الحاكم ج1 ص102 وجامع بيان العلم ج2 ص120 وتذكرة الحفاظ ج1 ص3 وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص120 وكنز العمال ج2 ص83 والحياة السياسية للإمام الحسن (عليه السلام) للمؤلف ص78 و 79 وشرف أصحاب الحديث ص90 و 91 و 88 وحياة الصحابة ج3 ص257 و 258 والطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص7.
الصفحة 238 والقرار الأهم هو منع الفتوى إلا للأمراء، فقد ولي قارها من ولي حارها على حد تعبير عمر بن الخطاب.
وقد أوضحنا هذا الموضوع في الجزء الأول من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)..
وقد أفسحت هذه السياسة المجال لشيوع فتاوى خاطئة كثيرة، كما أنها شرعت لهم باب الفتوى بالرأي، والإستحسان، وبالقياسات الظنية، والإستنسابات الموهومة.. بل ظهرت في العديد من الموارد لفتراءات على الله، وبدع وضلالات..
وكانت أيضاً سبباً في شيوع الكثير من الترهات، والأضاليل، والأباطيل، والإعتقادات الفاسدة، من خلال دسائس القصاصين من أهل الكتاب، أو المتأثرين بهم من تلامذتهم. ومن خلال الخيالات والأوهام التي اخترعها أولئك القصاصون لإلهاء العامة، أو لإغوائهم..
وغابت المعايير الصحيحة التي تصون من الزلل والخطل، في الفكر، وفي القول وفي العمل، لتحل محلها معايير لحفظ الترهات والإنحرافات المحمية بسيف السلطة وسوطها..
3 ـ ومن المعلوم أن الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كانوا ينظرون إلى صحابته الذين كانوا بقربه، وعاشوا معه، على أنهم هم المرجع والطريق الذي يوصلهم إلى أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته وسيرته. وكل ما كان منه، أو صدر عنه.
فالكل يتطلع إلى المدينة، وما يصل إليه منها وعنها.. وأكثر الناس لا
</span>الصفحة 239 يفرقون بين هذا الصحابي وذاك، ولا يعرفون إلا أقل القليل عن أحوال بعضهم، وأفعاله، ومواقفه..
والناس عادة ينظرون بالدرجة الأولى إلى حكامهم وأمرائهم، ويرجعون إليهم إنقياداً وطاعة للسلطان، وانبهاراً بما يحيط به من مظاهر التعظيم والتبجيل، والإحترام والتجليل.
فكل ما يقوله لهم الصحابة، وخصوصاً الحكام سيكون هو الشرع المتبع، وسيتداولونه فيما بينهم، ثم ينقلونه للأجيال الآتية على أنه دين وإيمان وحق وصدق، لا يخامر أكثر الناس أدنى شك في ذلك.
4 ـ وكان لا بد لعلي وشيعته ومحبيه، وهم خيار الصحابة وفضلاؤهم، وهم الأمناء على شرع الله، وحفظة دين الله، من الإسهام في حفظ الدين، وفي إيصاله للناس كما هو عليه، ومن دون أدنى تغيير ولم يكن ذلك ميسوراً لهم من دون المشاركة في الحكومات والولايات، بصورة فاعلة ومؤثرة، ليتمكنوا من طرح ما لديهم من شرع ودين، وإيمان، وحقائق، وسياسات إسلامية في مختلف الشؤون..
وبدون ذلك فستشملهم إجراءات السلطة القاضية بمنع الرواية والفتوى، ومنع السؤال عن معاني القرآن، وحصرها بالمتصدين للولايات في البلاد..
5 ـ علينا أن لا ننسى: أن الذين حكموا الناس قد منعوا كبار الصحابة من سكنى الأمصار، وأبقوهم في المدينة ليكونوا ـ باستمرار ـ في دائرة
وبعد.. فلسنا بحاجة إلى التدليل على أن أعظم الصحابة منزلة عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) كانوا إلى جانب أمير المؤمنين (عليه السلام). ثم رجع إليه خيار من تبقى من الصحابة تدريجاً، وحاربوا معه أعداءه، واستشهد كثير منهم بين يديه في حروبه، في الجمل، وصفين والنهروان..
وعلى رأس هؤلاء سلمان وعمار، والمقداد، وأبو ذر، ومنهم حذيفة بن اليمان، وأبو الهيثم بن التيهان، وكثير آخرون.
ومن أصحابه (عليه السلام) الأشتر الذي كان (عليه السلام) يقول عنه: كان لي الأشتر كما كنت لرسول الله(1)، وقيس بن سعد بن عبادة، ومحمد بن أبي بكر، وابن عباس، وحجر بن عدي، وغيرهم..
والملاحظ: هو أن هؤلاء المعروفين بمخالفتهم لتوجهات الهيئة الحاكمة، والذين أعلنوا رفضهم لتعدي أركانها على حق أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخلافة ـ إن هؤلاء قد ـ شاركوا في النشاطات السياسية، وتولوا مناصب هامة
____________
1- راجع: ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي ج 2 ص 28.
الصفحة 230 فيها، فقد تولى عمار بن ياسر الكوفة، وتولى سلمان المدائن..
وسلمان هو الذي كلف باختيار موقع الكوفة، ليبنى فيه معسكر المسلمين في العراق، فصلى فيه ركعتين، ودعا بدعاء(1).
وشارك بعضهم في الفتوحات، مثل حذيفة الذي كان على رأس الجيش في فتح الفتوح في نهاوند(2). ومثل الأشتر الذي شترت عينه في اليرموك(3). ومثل هاشم المرقال، وغيرهم ممن كان لهم دور أساسي فيها..
____________
1- نور القبس ص232 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص41 و 42 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص145 وتاريخ الكوفة للسيد البراقي ص142 و 148 والكامل في التاريخ ج2 ص527 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص110.
2- راجع: الإستيعاب ج4 ص1506 وأسد الغابة ج5 ص31 وتهذيب الكمال ج29 ص460 وج5 ص506 والأعلام للزركلي ج2 ص171 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص187 والأمالي للطوسي ص715 وبحار الأنوار ج32 ص69 وفتح الباري ج6 ص189 وتاريخ خليفة بن خياط ص105 و 107 والتاريخ الصغير للبخاري ج1 ص80 والأخبار الطوال للدينوري ص137 وطبقات المحدثين بأصبهان ج1 ص180 وتاريخ مدينة دمشق ج12 ص287 وج44 ص395 ومعجم البلدان ج1 ص83 وج5 ص49 و 313 وفتوح البلدان ج2 ص375 و 394.
3- تاريخ الإسـلام للذهبـي ج3 ص593 وتاريـخ مدينـة دمشـق ج2 ص158 = = وج56 ص373 وج56 ص379 و 380 وسير أعلام النبلاء ج4 ص34 والمعارف لابن قتيبة ص586 وكتاب المحبر للبغدادي ص261 و 303.
الصفحة 231 حسبما أوضحناه في هذا الكتاب.
والسؤال هنا هو:
إذا كان هؤلاء قد اعترضوا على أركان الحكم، ورفضوا تأييدهم فيما أقدموا عليه. ولم يروا لهم شرعية في المواقع التي استولوا عليها.
فكيف عادوا وقبلوا بالمشاركة في الحروب التي خاضوها في فتوحاتهم أو في غيرها، فكانوا فيها قادة ومقاتلين، وفيهم خالد بن سعيد بن العاص، والأشتر، وحذيفة؟!
وكيف قبلوا المناصب والولايات منهم؟ وفيهم مثل سلمان وعمار؟!
وكيف رضي أركان الحكم أنفسهم بإشراك هؤلاء في حكومتهم، وفي شؤونهم؟! وقد حاولوا أن يشركوا علياً (عليه السلام) أيضاً في حروبهم وفتوحاتهم، ولكنه (عليه السلام) رفض قبول ذلك..
ونستطيع أن نجيب عن ذلك باختصار شديد، بما يلي:
لماذا يشرك الحكام خصومهم؟!:
أما بالنسبة لقبول الحكام بإشراك علي (عليه السلام) وأصحابه في الحروب، وفي الولايات والقيادات، فوجهه ظاهر. فإنهم يعتبرون أن هذا بمثابة حجر واحد يصيبون به عدة عصافير بضربة واحدة.
</span>الصفحة 232 فهم يعلمون أن هذا الفريق هم صفوة وخيار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولديهم من الرصيد المعنوي ما يجعل لكلماتهم ومواقفهم تأثيراً قوياً في الناس.. فإذا أدخلوهم في بوتقة الحكم والسلطان، وأصبحوا يشاركون في الأنشطة على اختلافها، فإنهم لا بد أن يكفوا ألسنتهم عن تناول الحكم بما يضره ويضعفه، ولو فعلوا ذلك فلن يجدوا الآذان صاغية لهم، بالحد الذي كانت سوف تصغي لهم لو كانوا في خارج السلطة.
ثم إن نفس دخولهم في الحكم يمثل إقراراً بمشروعيته، أو هو على الأقل إعلان أن بالإمكان التعايش معه، وأن من المصلحة إقرار هذا التعايش. وأنه ليس من المصلحة إثارة الأجواء المسمومة ضده، حتى لو كان يفتقر إلى الشرعية..
ولعل الحكم يفكر أيضاً بأن هؤلاء الناس إذا دخلوا في الحكم، واستفادوا منه، وحصلوا على بعض الإنتفاعات، فإنهم سوف يسكتون، بل ربما ينقلبون على آرائهم السابقة وينقضونها.
على أن دخولهم في الحكم ربما يهيء الفرصة لإضعاف موقعهم وتأثيرهم، من خلال وضعهم أمام معادلة صعبة، وهي أنهم إما أن ينقادوا لإرادات الحكم، ويصبحون في خدمته وخدمة أهدافه، كسائر أدواته وأقماره.
وإما أن يواجهوا خطر التعرض للعزل من مناصبهم بألف حجة وحجة، من شأنها أن تحط من قدرهم، ولو باتهامهم بإساءة التصرف، أو بالضعف في الإدارة، وعدم القدرة على حل مشكلات الناس، بل قد
</span>الصفحة 233 يتهمونهم بأنهم كانوا هم السبب في نشوء كثير منها.
فقد قال ابن شهراشوب: (كان عمر وجّه سلمان أميراً إلى المدائن، وإنما أراد له الختلة، فلم يفعل إلا بعد أن استأذن أمير المؤمنين، فمضى فأقام بها إلى أن توفي، وكان يحطب في عباءة يفترش نصفها إلخ..)(1).
لماذا يشارك أصحاب علي (عليه السلام)؟!:
وأما بالنسبة للسؤال عن السبب في قبول أصحاب علي (عليه السلام) بالمشاركة، فنقول:
إن الإجابة تتضح بملاحظة النقاط التالية:
1 ـ إن هؤلاء الصفوة لا ينطلقون في مواقفهم من حسابات للمنافع الشخصية أو الفئوية، وإنما هم ـ كسيدهم علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ يؤثرون رضا الله سبحانه وظهور دينه، وفلج الحق، ولا يغضبون إلا لله، ولا يرضيهم إلا ما فيه رضاه، مهما كان مؤلماً ومراً بالنسبة إليهم..
واسوتهم في ذلك علي (عليه السلام)، الذي تحمل الأذى بضرب زوجته سيدة نساء العالمين، وإسقاط جنينها، بل واستشهادها، بالإضافة إلى
____________
1- الدرجات الرفيعة ص215. وراجع: خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص147 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص87 وتاريخ مدينة دمشق ج21 ص434 وتهذيب الكمال ج11 ص252 والمنتخب من ذيل المذيل ص33 و 50 وتاريخ الاسلام للذهبي ج3 ص518 والوافي بالوفيات ج15 ص193.
الصفحة 234 الهجوم على بيته، والسعي لإحراقه على من فيه. وفيه صفوة الخلق، إلى غير ذلك من أنواع المكر والأذى الذي حاق به.
ولم يكن صبره هذا ناشئاً عن ضعف في عزيمته، أو وهن في إرادته، أو خور أو جبن.. وإنما لأن الله تعالى يريد منه أن يسكت، وأن يداري نفس هؤلاء الذين تورطوا في هذه المهالك والمزالق..
ويدل على ذلك: أنه بعد خمس وعشرين سنة من السكوت والمداراة، وتحمل الظلم والهضم، عاد فامتشق سيفه، وخاض أعنف الحروب الطاحنة، حين رأى أن الله تعالى يريد منه أن يحارب، وأن يكسر شوكة أهل الباطل.
2 ـ إن سياسات الخلفاء اتجهت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى تجهيل الناس، وحرمانهم من العلم النافع، بالمنع من كتابة حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1)، ومن روايته(2)، ومن السؤال عن معاني
____________
1- كنز العمال ج10 ص292 و 291 وكتاب العلم لأبي خيثمة ص11 والنص والإجتهاد ص140 و141 وأضواء على السنة المحمدية ص46 و 47 وتقييد العلم ص53 وعن حجية السنة ص395 وراجع: تنوير الحوالك ص4 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص3 والمصنف للصنعاني ج11 ص257 والغدير ج6 ص297 وجامع بيان العلم وفضله ج1 ص64 و 63 و 65 والخلاف للطوسي ج1 ص29 ومستدرك الوسائل ج1 ص9 وتذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص3 ومسند أحمد ج5 ص182 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص231.
2- الغدير ج6 ص294 و 295 والمصنـف للصنعـاني ج11 ص262 والبـدايـة = = والنهاية ج8 ص115 وتاريخ مدينة دمشق ج47 ص142 وج66 ص191 وج67 ص344 وج26 ص382 وتذكرة الحفاظ ج1 ص7 والإيضاح لابن شاذان ص536 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص529 وسير أعلام النبلاء ج2 ص345 و 602 والكنى والألقاب ج1 ص180 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص201 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص336 وكتاب المجروحين لابن حبان ج1 ص35 و 36 والمستدرك للحاكم ج1 ص110 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص246 و 79 و 275 وجامع بيان العلم وفضله ج2 ص120 و121 وراجع: المعجم الأوسط للطبراني ج2 ص326 ومسند الشاميين ج3 ص251 وكنز العمال ج10 ص291 والبرهان للزركشي ج1 ص296 والفصول في الأصول للجصاص ج3 ص132 و 133 وأصول السرخسي ج1 ص350 وعن تدوين السنة 414.
الصفحة 235 القرآن(1)..
____________
1- راجع: تاريخ بغداد ج11 ص465 والدر المنثور ج6 ص317 وفتح القدير ج5 ص387 وفتح الباري ج13 ص229 وتفسير الآلوسي ج30 ص47 والميزان ج20 ص211 وميزان الإعتدال ج3 ص139 وتهذيب الكمال ج21 ص26 وج16 ص532 وسير أعلام النبلاء ج11 ص55 وج5 ص11 وتهذيب التهذيب ج7 ص309 وكنز العمال ج2 ص328 وكشاف القناع للبهوتي ج1 ص60 وصحيح البخاري ج8 ص143 وبحار الأنوار ج30 ص692 والغدير ج6 ص99 و 101 و 292 و 294 و 332 وعمـدة الـقـاري ج25 ص35 = = وكنز العمال ج2 ص328 وذم الكلام وأهله للهروي ج3 ص178 وراجع: المصنف لابن أبي شيبة ج2 ص381 وج7 ص199 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص93 وتاريخ مدينة دمشق ج34 ص230 وتاريخ الإسلام للذهبي ج6 ص412.
الصفحة 236 والإكتفاء بفتاوى الأمراء(1).
وبأحاديث القصاصين عن بني إسرائيل(2).
____________
1- راجع: جامع بيان العلم ج2 ص175 و 203 و 194 و 174 و (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص143 ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج4 ص62 وسنن الدارمي ج1 ص61 والطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص179 و 258 وراجع ص174 والمصنف للصنعاني ج8 ص301 وج11 ص328 و329 وراجع ص231 وأخبار القضاة لوكيع ج1 ص83 وتاريخ مدينة دمشق ج40 ص521 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص658 وسير أعلام النبلاء ج4 ص612 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص54 وحياة الصحابة ج3 ص286 وكنز العمال ج1 ص185 وراجع ص189 و (ط مؤسسة الرسالة) ج10 ص299 عن عبد الرزاق، وابن عساكر، وابن عبد البر، والدينوري في المجالسة وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص78 وسنن الدارمي ج1 ص61 والتراتيب الإدارية ج2 ص367 وبحوث مع أهل السنة والسلفية ص238.
2- القصاص والمذكرين ص90 وتاريخ بغداد ج3 ص366 وعيون الأخبار ج1 ص297 والسنة قبل التدوين ص211 عن تمييز المرفوع عن الموضوع ص16 ب.
الصفحة 237 بل لقد أحرق عمر بن الخطاب ما جمعه خلال شهر كامل من كتب الصحابة(1)، وتشدد في ذلك أيما تشدّد.
وقد أرسل بأوامره القاضية بإقلال الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبأن لا يكون هذا الحديث ظاهراً، وبتجريد القرآن عن الحديث في كل اتجاه، وكان يوصي بذلك ولاته، وبعوثه وجيوشه. ولم يزل يشيعهم بهذه الوصايا(2).
____________
1- الطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج5 ص188 وسير أعلام النبلاء ج5 ص59 و (ط دار الفكر) ج5 ص534 وتاريخ الإسلام للذهبي ج7 ص221 والخلاف للطوسي ج1 ص29 ومستدرك الوسائل ج1 ص10 والنص والإجتهاد ص141.
2- راجع: البرهان في علوم القرآن للزركشي ج1 ص480 وغريب الحديث لابن سلام ج4 ص49 وحياة الشعر في الكوفة ص253 والغدير ج6 ص294 و 263 والأم ج7 ص308 وفيه قال قرظة: لا أحدِّث حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبداً. وراجع: سنن الدارمي ج1 ص85 وسنن ابن ماجة ج1 ص16 ومستدرك الحاكم ج1 ص102 وجامع بيان العلم ج2 ص120 وتذكرة الحفاظ ج1 ص3 وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص120 وكنز العمال ج2 ص83 والحياة السياسية للإمام الحسن (عليه السلام) للمؤلف ص78 و 79 وشرف أصحاب الحديث ص90 و 91 و 88 وحياة الصحابة ج3 ص257 و 258 والطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص7.
الصفحة 238 والقرار الأهم هو منع الفتوى إلا للأمراء، فقد ولي قارها من ولي حارها على حد تعبير عمر بن الخطاب.
وقد أوضحنا هذا الموضوع في الجزء الأول من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)..
وقد أفسحت هذه السياسة المجال لشيوع فتاوى خاطئة كثيرة، كما أنها شرعت لهم باب الفتوى بالرأي، والإستحسان، وبالقياسات الظنية، والإستنسابات الموهومة.. بل ظهرت في العديد من الموارد لفتراءات على الله، وبدع وضلالات..
وكانت أيضاً سبباً في شيوع الكثير من الترهات، والأضاليل، والأباطيل، والإعتقادات الفاسدة، من خلال دسائس القصاصين من أهل الكتاب، أو المتأثرين بهم من تلامذتهم. ومن خلال الخيالات والأوهام التي اخترعها أولئك القصاصون لإلهاء العامة، أو لإغوائهم..
وغابت المعايير الصحيحة التي تصون من الزلل والخطل، في الفكر، وفي القول وفي العمل، لتحل محلها معايير لحفظ الترهات والإنحرافات المحمية بسيف السلطة وسوطها..
3 ـ ومن المعلوم أن الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كانوا ينظرون إلى صحابته الذين كانوا بقربه، وعاشوا معه، على أنهم هم المرجع والطريق الذي يوصلهم إلى أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته وسيرته. وكل ما كان منه، أو صدر عنه.
فالكل يتطلع إلى المدينة، وما يصل إليه منها وعنها.. وأكثر الناس لا
</span>الصفحة 239 يفرقون بين هذا الصحابي وذاك، ولا يعرفون إلا أقل القليل عن أحوال بعضهم، وأفعاله، ومواقفه..
والناس عادة ينظرون بالدرجة الأولى إلى حكامهم وأمرائهم، ويرجعون إليهم إنقياداً وطاعة للسلطان، وانبهاراً بما يحيط به من مظاهر التعظيم والتبجيل، والإحترام والتجليل.
فكل ما يقوله لهم الصحابة، وخصوصاً الحكام سيكون هو الشرع المتبع، وسيتداولونه فيما بينهم، ثم ينقلونه للأجيال الآتية على أنه دين وإيمان وحق وصدق، لا يخامر أكثر الناس أدنى شك في ذلك.
4 ـ وكان لا بد لعلي وشيعته ومحبيه، وهم خيار الصحابة وفضلاؤهم، وهم الأمناء على شرع الله، وحفظة دين الله، من الإسهام في حفظ الدين، وفي إيصاله للناس كما هو عليه، ومن دون أدنى تغيير ولم يكن ذلك ميسوراً لهم من دون المشاركة في الحكومات والولايات، بصورة فاعلة ومؤثرة، ليتمكنوا من طرح ما لديهم من شرع ودين، وإيمان، وحقائق، وسياسات إسلامية في مختلف الشؤون..
وبدون ذلك فستشملهم إجراءات السلطة القاضية بمنع الرواية والفتوى، ومنع السؤال عن معاني القرآن، وحصرها بالمتصدين للولايات في البلاد..
5 ـ علينا أن لا ننسى: أن الذين حكموا الناس قد منعوا كبار الصحابة من سكنى الأمصار، وأبقوهم في المدينة ليكونوا ـ باستمرار ـ في دائرة
تعليق