إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

القدس ..فتحها عمر ..وحررها صلاح الدين ..فمن لها الآن ؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللهم صل على محمد وال محمد


    ذات مرة عليه السلام كأن يصلي بالناس وكان يقف خلفه يهودي أراد اليهودي أن يسأل الإمام سؤالا يعجز عنة فيلهى عن أداء الصلاة بتفكيره بذلك السؤال ..
    فجاء إلى علي عليه السلام فقال له: يا علي سمعت رسول الله يقول عنك أنت باب الحكمة لكثر علمك وأريد أنا أن أسألك سؤالا عجزت بالرد عليه.. فقال الإمام عليه السلام اسأل
    .. قال اليهودي: أريد أن اسأل ما هي الحيوانات التي تبيض وما هي الحيوانات التي تلد ؟؟؟ ...
    فقال الإمام علي عليه السلام الجواب سهل... تعجب اليهودي ظنا منه أن الإمام سيلتهي في الصلاة وهو يتذكر الحيوانات التي تلد والحيوانات التي تبيض ..
    قال الإمام علي عليه السلام :كل حيوان له أذنان بارزتان يلد وكل حيوان ليس له أذنان بارزتان لا يلد .. سبحان الله ..


    ====================================

    أرسل قيصر ملك الروم سفيراً الى أبي بكر في عهد خلافته ليجيبه على بعض الأسئلة . فجاء السفير ألى أبي بكر وطرح عليه هذا السؤال : ما رأيك برجل :
    1_ لا يرجو الجنة ولا يخاف النار
    2_ لا يخاف ظلم الله
    3_ لا يركع ولا يسجد
    4_ يأكل الميتة والدم
    5_ يحبّ الفتنة
    6_ يشهد على ما لم يرى
    7_ يكره الحق ولا يقبله
    فقال عمر : أن هذه الأمور تزيد هذا الرجل كفراً ، وسمع أمير المؤمنين علي بهذا السؤال , فقال : أن هذا الرجل هو من أولياء الله :
    1_ أنه لا يرجو الجنة ولا يخاف النار بل يرجو الله ويخافه
    2_ أنه لا يخاف ظلم الله لأن الله ليس ظالماً بل يخاف عدله
    3_ أنه لا يركع ولا يسجد في صلاة الميت
    4_ أنه يأكل الجراد والسمك ( لأنهما لا تحتاج ألى ذبح ) ويأكل الكبد ( وأصلها من الدم
    5_ أنه يحب المال والبنين وهما فتنة كما جاء في القرآن الكريم : أنما أموالكم وأولادكم فتنة
    6_ أنه لم ير الجنة ولا النار ولكنه يشهد على وجودهما
    7_ أنه يكره الموت وهو حق


    =================================

    أتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار و كانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبت البياض على ثوبها و بين فخذيها،ثم جاءت إلى عمر صارخة،فقالت:هذا الرجل غلبني على نفسي و فضحني في أهلي،و هذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له:إن ببدنها و ثوبها أثر المني،فهم بعقوبة الشاب،فجعل يستغيث و يقول:يا أمير المؤمنين تثبت في أمري،فو الله ما أتيت فاحشة،و ما هممت بها،فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت. فقال عمر:يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما؟فنظر علي إلى ما على الثوب،ثم دعا بماء حار شديد الغليان،فصب على الثوب فجمد ذلك البياض،ثم أخذه و اشتمه و ذاقه،فعرف طعم البيض و زجر المرأة فاعترفت‏ ها؟»ثم قال له علي:«فلعلك انتهرتها أو أخفتها؟».فقال عمر:قد كان ذلك. قال علي (عليه السلام) «أ و ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول:لا حد على معترف بعد بلاء،إنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار لها»فخلى عمر سبيلها ثم قال:عجزت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب،لو لا علي لهلك عمر.
    ===========================


    دفع إلى عمر منازعة جاريتين تنازعتا في ابن و بنت،فقال:أين أبو الحسن مفرج الكرب؟فدعي له به،فقص عليه القصة،فدعا بقارورتين فوزنهما،ثم أمر كل واحدة فحلبت في قارورة و وزن القارورتين فرجحت إحداهما على الأخرى،فقال:«الابن للتي لبنها أرجح،و البنت للتي لبنها أخف». فقال عمر:من أين قلت ذلك،يا أبا الحسن؟. فقال (عليه السلام) :«لأن الله جعل للذكر مثل حظ الأنثيين».
    ===================


    أتي عمر بن الخطاب برجل أسود و معه امرأة سوداء، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أغرس غرسا أسود و هذه سوداء على ما ترى،فقد أتتني بولد أحمر.
    فقالت المرأة:و الله ـيا أمير المؤمنين ما خنته، و إنه لولده.فبقي عمر لا يدري ما يقول :فسأل عن ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال للأسود:«إن سألتك عن شي‏ء أتصدقني؟»قال :أجل، و الله.قال:«هل واقعت امرأتك و هي حائض؟» قال:قد كان ذلك.قال علي (عليه السلام) :«الله أكبر،إن النطفة إذا خلطت بالدم فخلق الله عز و جل منها خلقا كان أحمر،فلا تنكر ولدك فأنت جنيت على نفسك»

    ومنها وقس

    تعليق


    • الله عليه وآله)..
      7 ـ ثم إن عهدنا بأبي بكر وعمر وعثمان: أنهم بمجرد أن يواجهوا أمراً من هذا القبيل يلجأون إلى علي (عليه السلام).. ولا يبحثون عن غيره، فلماذا استدعى أبو بكر عمر أولاً، ثم عثمان ثانياً، فلما عجزا كما عجز أبو بكر لم يذكر علياً (عليه السلام)، ولا ذكره عمر ولا عثمان ولا غيرهم..
      وقد يرى البعض: أن من حق هؤلاء أن لا يذكروا علياً (عليه السلام)، ومن حق الآخرين أن لا يذكروه أيضاً، خوفاً من بطشهم.. لأنهم يعرفون أن علياً (عليه السلام) سوف يجيب على الأسئلة. وذلك يعني تأكيد مقامه، وبيان فضله، وظهور علمه من جهة.. ثم أن يفوز هو بذلك الذهب الكثير من جهة أخرى.
      ولعلّهم كانوا يخططون للإستيلاء على ذلك الذهب، ومنع الراهب من اصطحابه، بوسيلة أو بأخرى..
      8 ـ ولكن علياً (عليه السلام) قد خفف عنهم بعض التخفيف حين فرَّق ذلك الذهب في محاويج أهل المدينة، ولم يحتفظ لنفسه بشيء منه..
      9 ـ يلاحظ: ان الراهب طلب من أبي بكر أن يؤمنه من سطوته، مع ان النبي (صلى الله عليه وآله) ووصيه (عليه السلام)لا يمكن ان يكونا من الجلادين، واهل البطش.. فالظاهر ان الذي دعا الراهب الى طلب الامان هو انه حين سأل ابا بكر عن اسمه، واستقصى في السؤال فلم يجد بغيته، ظهر له أنه إمام حاكم زيفي ليس هو من الأنبياء ولا من الأوصياء فأراد أن يحتاط لنفسه بأخذ الأمان.
      </span>الصفحة 271 10 ـ إن أبا بكر حين وصل إلى علي (عليه السلام) قال للراهب: سائله، فإنه صاحبك وبغيتك، فدل بذلك على أنه عارف بالحق وبأهله.. ويصبح قول أبي بكر هذا دليلاً على أنه قد أخذ مقاماً ليس له.
      6 ـ علي (عليه السلام) وأسئلة النصارى:
      عن سلمان الفارسي (رحمه الله) قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) اجتمعت النصارى إلى قيصر ملك الروم، فقالوا له: أيها الملك، إنَّا وجدنا في الإنجيل رسولاً يخرج من بعد عيسى، اسمه أحمد، وقد رمقنا خروجه، وجاءنا نعته، فأشر علينا، فإنا قد رضيناك لديننا ودنيانا.
      قال: فجمع قيصر من نصارى بلاده مائة رجل، وأخذ عليهم المواثيق: أن لا يغدروا، ولا يخفوا عليه من أمورهم شيئاً، وقال: انطلقوا إلى هذا الوصي، الذي هو بعد نبيهم، فسلوه عما سئل عنه الأنبياء (عليه السلام)، وعما أتاهم به من قبل، والدلايل التي عرفت بها الأنبياء، فإن أخبركم فآمنوا به، وبوصيه، واكتبوا بذلك إلي. وإن لم يخبركم، فاعلموا: أنه رجل مطاع في قومه، يأخذ الكلام بمعانيه، ويرده على مواليه، وتعرفوا خروج هذا النبي.
      قال: فسار القوم حتى دخلوا بيت المقدس، واجتمعت اليهود إلى رأس جالوت، فقالوا له مثل مقالة النصارى بقيصر.
      فجمع رأس جالوت من اليهود مائة رجل.
      قال سلمان: فاغتنمت صحبة القوم، فسرنا حتى دخلنا المدينة، وذلك يوم عروبة، وأبو بكر قاعد في المسجد يفتي الناس. فدخلت عليه، فأخبرته
      </span>الصفحة 272 بالذي قدم له النصارى واليهود، فأذن لهم بالدخول عليه، فدخل عليه رأس جالوت، فقال:
      يا أبا بكر، إنا قوم من النصارى واليهود، جئناكم لنسألكم عن فضل دينكم، فإن كان دينكم أفضل من ديننا قبلناه، وإلا فديننا أفضل الأديان؟!
      قال أبو بكر: سل عما تشاء أخبرك إن شاء الله.
      قال: ما أنا وأنت عند الله؟!
      قال أبو بكر: أما أنا فقد كنت عند الله مؤمناً، وكذلك عند نفسي إلى الساعة، ولا أدري ما يكون من بعد.
      فقال اليهودي: فصف لي صفة مكانك في الجنة، وصفة مكاني في النار، لأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني.
      قال: فأقبل أبو بكر ينظر إلى معاذ مرة، وإلى ابن مسعود مرة.
      وأقبل رأس جالوت يقول لأصحابه بلغة أمته: ما كان هذا نبياً.
      قال سلمان: فنظر إلي القوم، قلت لهم: أيها القوم! ابعثوا إلى رجل لو ثنيتم الوسادة لقضى لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل الزبور بزبورهم، ولأهل القرآن بقرآنهم، ويعرف ظاهر الآية من باطنها، وباطنها من ظاهرها.
      قال معاذ: فقمت فدعوت علي بن أبي طالب، وأخبرته بالذي قدمت له اليهود والنصارى، فأقبل حتى جلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
      </span>الصفحة 273 قال ابن مسعود: وكان علينا ثوب ذل، فلما جاء علي بن أبي طالب كشفه الله عنا.
      قال علي (عليه السلام): سلني عما تشاء أخبرك إن شاء الله.
      قال اليهودي: ما أنا وأنت عند الله؟!
      قال: أما أنا فقد كنت عند الله وعند نفسي مؤمناً إلى الساعة، فلا أدري ما يكون بعد.
      وأما أنت فقد كنت عند الله وعند نفسي إلى الساعة كافراً، ولا أدري ما يكون بعد..
      قال رأس جالوت: فصف لي صفة مكانك في الجنة، وصفة مكاني في النار، فأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني.
      قال علي (عليه السلام): يا يهودي! لم أر ثواب الجنة ولا عذاب النار فأعرف ذلك، ولكن كذلك أعد الله للمؤمنين الجنة وللكافرين النار، فإن شككت في شيء من ذلك فقد خالفت النبي (صلى الله عليه وآله)، ولست في شيء من الإسلام.
      قال: صدقت رحمك الله، فإن الأنبياء يوقنون (لعل الصحيح: يؤمنون) على ما جاؤوا به، فإن صدقوا آمنوا، وإن خولفوا كفروا.
      قال: فأخبرني أعرفت الله بمحمد؟! أم محمداً بالله؟!
      فقال علي (عليه السلام): يا يهودي! ما عرفت الله بمحمد، ولكن عرفت محمداً بالله، لأن محمداً محدود مخلوق، وعبد من عباد الله، اصطفاه الله واختاره لخلقه، وألهم الله نبيه كما ألهم الملائكة الطاعة، وعرفهم نفسه بلا
      </span>الصفحة 274 كيف ولا شبه.
      قال: صدقت.
      قال: فأخبرني الرب في الدنيا أم في الآخرة؟!
      فقال علي (عليه السلام): إن (في) وعاء، فمتى ما كان بفي كان محدوداً. ولكنه يعلم ما في الدنيا والآخرة، وعرشه في هواء الآخرة، وهو محيط بالدنيا، والآخرة بمنزلة القنديل في وسطه إن خليت يكسر، إن أخرجته لم يستقم مكانه هناك، فكذلك الدنيا وسط الآخرة.
      قال: صدقت.
      قال: فأخبرني الرب يحمل أو يحمل؟!
      قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): يحمل.
      قال رأس جالوت: فكيف؟! وإنا نجد في التوراة مكتوباً: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}(1).
      قال علي: يا يهودي، إن الملائكة تحمل العرش، والثرى يحمل الهواء، والثرى موضوع على القدرة، وذلك قوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}(2).

      ____________


      1- الآية 17 من سورة الحاقة.
      2- الآية 6 من سورة طه.

      تعليق


      • قال اليهودي: صدقت رحمك الله(1).
        7 ـ أسئلة الجاثليق:
        المفيد، عن علي بن خالد، عن العباس بن الوليد، عن محمد بن عمر الكندي، عن عبد الكريم بن إسحاق الرازي، عن بندار، عن سعيد بن خالد، عن إسماعيل بن أبي إدريس(2)، عن عبد الرحمن بن قيس البصري، قال: حدثنا ذازان(3) عن سلمان الفارسي (رحمة الله عليه) قال:
        لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله)، وتقلد أبو بكر الأمر قدم المدينة جماعة من النصارى، يتقدمهم جاثليق لهم، له سمت ومعرفة بالكلام ووجوهه، وحفظ التوراة والإنجيل وما فيهما.

        ____________


        1- زين الفتى في شرح سورة هل أتى للحافظ العاصمي ج1 ص306 ـ 309 والغدير ج7 ص179 ـ 181.
        2- في المصدر: عبد الكريم بن إسحاق الرازي قال: حدثنا محمد بن داود، عن سعيد بن خالد، عن إسماعيل بن أبي أويس.
        3- هكذا في النسخ، والصحيح: زاذان بتقديم الزاي على الذال، والرجل مترجم في رجال الشيخ في باب أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكناه أبا عمرة الفارسي، وعده العلامة في الخلاصة من خواص أمير المؤمنين من مضر، إلا أنه أبدل عمرة بعمرو أو عمر، على اختلاف النسخ، وترجمه ابن حجر في التقريب: 161 فقال: زاذان أبو عمر الكندي البزاز، ويكنى أبو عبد الله أيضاً، صدوق يرسل، وفيه شيعية من ثمانية، مات سنة اثنتين وثمانين.
        الصفحة 276 فقصدوا أبا بكر، فقال له الجاثليق: إنا وجدنا في الإنجيل رسولاً يخرج بعد عيسى، وقد بلغنا خروج محمد بن عبد الله، يذكر أنه ذلك الرسول، ففزعنا إلى ملكنا، فجمع وجوه قومنا، وأنفذنا في التماس الحق فيما اتصل بنا، وقد فاتنا نبيكم محمد.
        وفيما قرأناه من كتبنا: أن الأنبياء لا يخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة أوصياء لهم يخلفونهم في أممهم، يقتبس منهم الضياء فيما أشكل، فأنت أيها الأمير وصيه لنسألك عما نحتاج إليه؟!
        فقال عمر: هذا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجثا الجاثليق لركبتيه وقال له: خبرنا أيها الخليفة عن فضلكم علينا في الدين، فإنا جئنا نسأل عن ذلك.
        فقال أبو بكر: نحن مؤمنون وأنتم كفار، والمؤمن خير من الكافر، والإيمان خير من الكفر.
        فقال الجاثليق: هذه دعوى يحتاج إلى حجة، فخبرني أنت مؤمن عند الله أم عند نفسك؟!
        فقال أبو بكر: أنا مؤمن عند نفسي، ولا علم لي بما عند الله.
        فقال الجاثليق: فهل أنا كافر عندك على مثل ما أنت مؤمن؟! أم أنا كافر عند الله؟!
        فقال: أنت عندي كافر، ولا علم لي بحالك عند الله.
        فقال الجاثليق: فما أراك إلا شاكاً في نفسك وفي، ولست على يقين من دينك. فخبرني: ألك عند الله منزلة في الجنة بما أنت عليه من الدين
        </span>الصفحة 277 تعرفها؟!
        فقال: لي منزلة في الجنة أعرفها بالوعد، ولا أعلم هل أصل إليها أم لا.
        فقال له: فترجو لي منزلة من الجنة؟!
        قال: أجل أرجو ذلك.
        فقال الجاثليق: فما أراك إلا راجياً لي، وخائفاً على نفسك، فما فضلك في العلم؟!
        ثم قال له: أخبرني هل احتويت على جميع علم النبي المبعوث إليك؟!
        قال: لا، ولكني أعلم منه ما قضي لي علمه(1).
        قال: فكيف صرت خليفة للنبي وأنت لا تحيط علماً بما يحتاج إليه أمته من علمه؟! وكيف قدمك قومك على ذلك؟!
        فقال له عمر: كف أيها النصراني عن هذا العتب، وإلا أبحنا دمك!
        فقال الجاثليق: ما هذا عدل على من جاء مسترشداً طالباً.
        قال سلمان (رحمة الله عليه): فكأنما أُلبسنا جلباب المذلة، فنهضت حتى أتيت علياً (عليه السلام)، فأخبرته الخبر فأقبل ـ بأبي وأمي ـ حتى جلس، والنصراني يقول: دلوني على من أسأله عما أحتاج.
        فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): سل يا نصراني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا تسألني عما مضى ولا ما يكون إلا أخبرتك به عن نبي

        ____________


        1- في المصدر: ولكني أعلم منه ما أفضى إلي علمه.
        الصفحة 278 الهدى محمد (صلى الله عليه وآله).
        فقال النصراني: أسألك عما سألت عنه هذا الشيخ، خبرني أمؤمن أنت عند الله أم عند نفسك؟!
        فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا مؤمن عند الله كما أنا مؤمن في عقيدتي.
        فقال الجاثليق: الله أكبر، هذا كلام وثيق بدينه، متحقق فيه بصحة يقينه، فخبرني الآن عن منزلتك في الجنة ما هي؟!
        فقال (عليه السلام): منزلتي مع النبي الأمي في الفردوس الأعلى، لا أرتاب بذلك ولا أشك في الوعد به من ربي.
        قال النصراني: فبماذا عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها؟!
        فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): بالكتاب المنزل، وصدق النبي المرسل.
        قال: فبما علمت صدق نبيك؟!
        قال: بالآيات الباهرات، والمعجزات البينات.
        قال الجاثليق: هذا طريق الحجة لمن أراد الإحتجاج، خبرني عن الله تعالى أين هو اليوم؟!
        فقال (عليه السلام): يا نصراني، إن الله تعالى يجل عن الأين، ويتعالى عن المكان، كان فيما لم يزل ولا مكان، وهو اليوم على ذلك، لم يتغير من حال إلى حال.
        </span>الصفحة 279 فقال: أجل، أحسنت أيها العالم، وأوجزت في الجواب، فخبرني عن الله تعالى، أمدرك بالحواس عندك، فيسألك المسترشد في طلبه استعمال الحواس؟!(1) أم كيف طريق المعرفة به، إن لم يكن الأمر كذلك؟!
        فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار، أو تدركه الحواس، أو يقاس بالناس. والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول، الدالة ذوي الإعتبار بما هو منها مشهود ومعقول.
        قال الجاثليق: صدقت، هذا والله هو الحق الذي قد ضل عنه التائهون في الجهالات، فخبرني الآن عما قاله نبيكم في المسيح، وأنه مخلوق، من أين أثبت له الخلق، ونفى عنه الإلهية، وأوجب فيه النقص؟! وقد عرفت ما يعتقد فيه كثير من المتدينين!!
        فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه، والتصوير والتغير من حال إلى حال، والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان، ولم أنف عنه النبوة، ولا أخرجته من العصمة، والكمال، والتأييد، وقد جاءنا عن الله تعالى: بأنه مثل آدم، خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون.
        فقال له الجاثليق: هذا ما لا يطعن فيه الآن، غير أن الحجاج مما يشترك فيه الحجة على الخلق والمحجوج منهم، فبم بنت أيها العالم من الرعية الناقصة عندي؟!(2)

        ____________


        1- فيسألك المسترشد في طلبه استعمال الحواس. وهو الأظهر.
        2- من الرعية الناقصة عنك.
        الصفحة 280 قال: بما أخبرتك به من علمي بما كان وما يكون.
        قال الجاثليق: فهلم شيئاً من ذكر ذلك أتحقق به دعواك.
        فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): خرجت أيها النصراني من مستقرك، مستفزاً لمن قصدت بسؤالك له، مضمراً خلاف ما أظهرت من الطلب والإسترشاد، فأريت في منامك مقامي، وحدثت فيه بكلامي، وحذرت فيه من خلافي، وأمرت فيه باتباعي.
        قال: صدقت. والله الذي بعث المسيح، وما اطلع على ما أخبرتني به إلا الله تعالى، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنك وصي رسول الله، وأحق الناس بمقامه.
        وأسلم الذين كانوا معه كإسلامه، وقالوا: نرجع إلى صاحبنا فنخبره بما وجدنا عليه هذا الأمر، وندعوه إلى الحق.
        فقال له عمر: الحمد لله الذي هداك أيها الرجل إلى الحق، وهدى من معك إليه، غير أنه يجب أن تعلم: أن علم النبوة في أهل بيت صاحبها، والأمر بعده لمن خاطبت أولاً برضى الأمة واصطلاحها عليه، وتخبر صاحبك بذلك، وتدعوه إلى طاعة الخليفة.
        فقال: عرفت ما قلت أيها الرجل، وأنا على يقين من أمري فيما أسررت وأعلنت.
        وانصرف الناس، وتقدم عمر أن لا يذكر ذلك المقام بعد، وتوعد على من ذكره بالعقاب، وقال: أم والله، لولا أنني أخاف أن يقول الناس: قتل مسلماً لقتلت هذا الشيخ ومن معه، فإنني أظن أنهم شياطين أرادوا الإ فساد
        </span>الصفحة 281 على هذه الأمة، وإيقاع الفرقة بينها!
        فقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): يا سلمان، أترى كيف يظهر الله الحجة لأوليائه، وما يزيد بذلك قومنا عنا إلا نفوراً؟!(1).
        ونقول:
        يصادف الباحث هذا النوع من الروايات في كثير من المواضع، ونحن نكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي:
        حدث واحد، أم أحداث؟!:
        إن الروايتين اللتين ذكرناهما في أوائل هذا الفصل ربما تكونان تحكيان واقعة واحدة، وقد حفلت كل واحدة منهما ببعض الجزئيات والتفاصيل دون الأخرى، فلا بأس بضمها إلى بعضها البعض على سبيل العطف لأجل المقارنة بينهما.. للخروج بصورة أكمل وأتم.
        ولكن سائر الروايات لا بد من الحكم بأنها وقائع متعددة كما يظهر بالملاحظة والمقارنة.. فراجع.

        ____________


        1- بحار الأنوار ج10 ص54 ـ 57 والأمالي للطوسي ج1 ص222 ـ 225 و (ط دار الثقافة ـ قم سنة 1414هـ) ص218 ـ 221 ومدينة المعاجز ج2 ص226 ـ 232 ونهج الإيمان لابن جبر ص361 ـ 365 والتحصين لابن طاووس ص637 ـ 641 ونفس الرحمن في فضائل سلمان للميرزا النوري ص467 ـ 471.
        الصفحة 282 يعجز أبو بكر اكثر من مرة:
        ومما يثير العجب هنا: أننا نجد أبا بكر يعجز عن السؤال الواحد مرة من يهودي ومرة أخرى من نصراني.. أو مع نصرانيين أو يهوديين. فكيف نفسر ذلك.. إن لم يكن الله قد ابتلاه بعدم التمكن من ضبط أمثال هذه الأمور، من حيث أن اهتمامه منصرف إلى أمور أخرى لا ربط لها بمثل هذه الأمور.. أو أن الرواة أنفسهم قد توهموا طرح بعض الأسئلة في مورد، والحال أنها إنما طرحت في غيره.. والله هو العالم بالحقائق.
        لا بد من إمام:
        قد عرفنا في كلام الجاثليق: أنهم يجدون في كتبهم: أن الأنبياء لا يخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة أوصياء. يقتبس بهم الضياء فيما أشكل.
        كما أن كلام قيصر في الرواية الأخرى قد أظهر: ضرورة وجود وصي للنبي (صلى الله عليه وآله)..
        لماذا تأخر وفودهم؟!:
        إذا كان الجاثليق قد أخبر بظهور نبينا (صلى الله عليه وآله)، فلماذا انتظر حتى توفي فوفد إلى المدينة؟!
        ونجيب:
        أولاً: إن للتأخير آفات مختلفة. فلعله ابتلي بواحدة منها منعته من الوفود.
        ثانياً: لعله كان ينتظر ظهور النبي (صلى الله عليه وآله) على أهل مكة
        </span>الصفحة 283 كما كان العرب ينتظرون ذلك. فلما تمكن من الوفود كان (صلى الله عليه وآله) قد استشهد وتولى الأمر أبو بكر.
        الراهب يخاف:
        وقد لاحظنا صاحب الذهب يخشى سطوة أبي بكر، وسطوة أصحابه.. مع أنه جاء يطلب وصي النبي (صلى الله عليه وآله).. والوصي لا يبطش بالناس بغير حق.. فهل يمكن ان نفهم من ذلك: أن ذلك الراهب كان يعرف ـ من كتبه ـ أن مقام الوصي سوف يغصب منه من قبل اناس يتميزون بالبطش بالأبرياء، أم أنه أراد ان يحتاط لنفسه أو أنه قاس ما جرى في هذه الامة على ما جرى في الامم السابقة؟.
        العلم الخاص دليل الإمامة:
        إن رأس الجالوت والجاثليق، وكذلك من معه، بالإضافة إلى اليهودي الآخر الذي تقدمت أسئلته قبل ذلك، كانوا يدركون أن أوصياء الأنبياء هم مصدر المعرفة، ولديهم علوم خاصة بهم.. وليس لأحد سواهم شيء منها، وبها يعرف الناس إمامتهم، ووصايتهم، وأنه يقتبس منهم الضياء فيما أشكل.
        وظاهر كلام قيصر: أنه كان يفترض أيضاً أن يكون لدى النبي وخليفته من بعده نفس علوم الأنبياء السابقين، ولذلك قال قيصر لرسله: فسلوه عما سئل عنه الأنبياء..
        </span>

        تعليق


        • قيصر.. ورسله:
          وقد ذكر حديث سلمان: أن قيصر جمع مئة من العلماء، وأرسلهم لاستكشاف أمر النبي. ولعل قيصر هذا غير قيصر الذي راسله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم حاربه المسلمون في مؤتة، حيث إن سياق الكلام يشير إلى اختلافه مع من سبقه في التعامل مع هذا الأمر فانه يتصرف بهدوء وبعقلانية..
          غير أن ما لفت نظرنا هنا: تحذير قيصر لرسله من الغدر.. مما يشير إلى: أنه كان يتوقع ذلك منهم أكثر من المعتاد.. مع علمنا: بأنه ليس في بلاد العرب من الناحية المعيشية، والرخاء، أو المناخ ما يطمع به هؤلاء، أو ما يمكن تفضيله على الأوطان، ويدعو إلى مفارقة الأهل والخلان. إلا إذا كان يعلم أنه قد حاق بهم من الظلم والمهانة، ولحقهم من الأذى ما يدفعهم إلى تفضيل بلاد العرب على بلادهم..
          أو لعله خاف أن يلجأوا إلى عدوه التقليدي كسرى. فإن بلاد العرب تقع قرب بلاد فارس.. ولا بد أن يكون دافعهم إلى عمل كهذا ـ بنظره ـ هو الحصول على الدنيا، والإنتقال إلى ما هو أفضل مما هم عليه..
          أو لعله خاف من ان يحملهم تعصبهم على انكار الحقائق، وتزويرها.
          لا بد من وصي وإمام:
          وإذ قد ظهر من الروايات التي هذا سبيلها: أنه لا بد لكل نبي من وصي بعده، فهذا يعني: أن الذي يأتي بعد النبي لا يمكن أن يكون منتخباً من الناس، لأن هذه الملكات، والعلوم، والمزايا التي يكون بها وصياً وإماماً
          </span>الصفحة 285
          لا يمكن للناس أن يطَّلعوا عليها، فلا معنى لإفساح المجال لهم لاختياره..
          وقد استدل قيصر على نفي نبوة النبي بنفس عدم وجود وصي بعده.. يملك علومه، ومزاياه. ودلايله..
          كما أن رأس الجالوت قد نفى النبوة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمجرد ظهور عجز أبي بكر عن الجواب، وكان أبو بكر قد اظهر نفسه لهم على أنه هو الوصي بعد النبي (صلى الله عليه وآله).
          أين كان سلمان؟!:
          وقد أظهرت الرواية الثانية ـ وهي رواية رسل قيصر ـ: أن سلمان كان مع ذلك الوفد، وصرّحت: بأنه سار معهم إلى المدينة..
          وهذا معناه: أنه كان ـ على ما يبدو ـ في البلد المسمى ببيت المقدس، ولسلمان ذكريات في هذا البلد، قبل أن يذهب إلى الحجاز، ويتشرف بالدخول في الإسلام على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
          ويبدو أن سلمان كان يسافر إلى مثل هذه المناطق، فقد كان أيضاً في بيروت كما دلّت عليه بعض الروايات(1)..
          معاذ فهم كلام سلمان:
          وقد طلب سلمان من معاذ: أن يدعو رجلاً لم يذكر اسمه، ولكن ذكر

          ____________


          1- تاريخ مدينة دمشق ج10 ص294 وج21 ص374 وسير أعلام النبلاء ج1 ص505.
          الصفحة 286
          صفته في العلم، فلم يحتج معاذ إلى التصريح له بالاسم، بل عرف المسمى بمجرد ذكر الصفة، فبادر إلى دعوة علي (عليه السلام).
          ودلالة هذا على موقع علي (عليه السلام) فيهم لا يحتاج إلى بيان..
          جواب أبي بكر في رواية رسل قيصر:
          وقد يظن البعض: أن جواب أبي بكر على السؤال الأول في الرواية الثانية قد تطابق مع جواب علي (عليه السلام).
          غير أننا نقول:
          بل الأمر على عكس ذلك، فإن أبا بكر، وإن كان قد قرّر أنه كان عند الله وعند نفسه مؤمناً إلى تلك الساعة.. ولكنه لم يثبت الكفر للطرف المقابل. الأمر الذي يحمل معه احتمالات أن يكون غير محكوم بالكفر عنده، أو أنه لا يتيقن كفره، وهذا خلل هام لا مجال لغض النظر عنه.
          ولعله قد كان هناك من حاول أن يستفيد من جواب علي (عليه السلام) لاصلاح كلام ابي بكر، وليخفف من قبحه فخانه التوفيق في ذلك.
          ولعل رواية الجاثليق هي الأصح والأوضح، لأنها بيّنت أن أبا بكر مؤمن عند نفسه ولا يدري بما عند الله، وأن الجاثليق كافر عند أبي بكر، ولا يدري أبو بكر حال الجاثليق عند الله.. ولذلك قال الجاثليق: ما أراك إلا شاكاً في نفسك وفيَّ، ولست على يقين من دينك.
          لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً:
          إن علياً (عليه السلام) هو الذي يقول: (لو كُشف (لي) الغطاء ما
          </span>الصفحة 287
          ازددت يقيناً)(1).. ولكنه هنا لا يستجيب لطلب اليهودي منه: أن يصف مكانه في الجنة، ومكان اليهودي في النار، رغم أن اليهودي قد أغراه بذلك أشد الأغراء، حين قال له: (فأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني). ومع أنه قد كان بإمكان علي (عليه السلام) أن يصف له ذلك وصفاً صحيحاً وصادقاً، صادراً من معدنه..
          غير أن من الواضح: أن ذلك اليهودي لم يكن مؤمناً بالصلة بين

          ____________


          1- راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص317 وشـرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص253 وج10 ص142 وج11 ص202 وج13 ص8 والوافي بالوفيات ج8 ص77 والمناقب للخوارزمي ص375 ومطالب السؤول ص175 وكشف الغمة ج1 ص169 و 289 ونهج الإيمان ص269 و 300 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص150 وينابيع المودة ج1 ص203 و 413 وبحار الأنوار ج40 ص153 وج46 ص135 وج66 ص209 وج84 ص304 والروضة في فضائل أمير المؤمنين ص235 وتفسير أبي السعود ج1 ص56 وج4 ص4 والفضائل لابن شاذان ص137 والطرائف ص512 والصراط المستقيم ج1 ص230 وحلية الأبرار ج2 ص62 ونور البراهين ج1 ص36 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص163 وج9 ص119 وج10 ص600 والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) للهمداني ص238 والأصول الأصيلة للفيض القاساني ص150 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص81 وكتاب الألفين ص126 ومشارق أنوار اليقين ص279 والإثنا عشرية ص90 وغاية المرام ج5 ص195.
          الصفحة 288
          الوصي والنبي، وبين الله تعالى.. لأنه كان لا يزال مقيماً على إنكاره للنبوة والوصية على حد سواء، فكل ما سوف يقدمه له (عليه السلام) من وصف للجنة وللنار سوف يعتبره رجماً بالغيب، وقولاً بغير علم.
          فكان لا بد له (عليه السلام) من أن يحيله إلى القاعدة العقلية التي لا مناص منها، وهي: أن عليه أن يخضع لمعجزة النبي، ويؤمن بنبوته أولاً، ثم يكون التسليم بكل ما جاء به ذلك النبي ثانياً.
          معرفة الله عقلية فطرية:
          وقد جاء السؤال والجواب عن طريق معرفة الله تبارك وتعالى ليؤكد ما عليه أهل الحق:
          من أن معرفة الله سبحانه وتعالى ليست بالسمع، وبإخبار الأنبياء، للزوم الدور في ذلك، ولأن ذلك يوجب انسداد باب العلم بهما معاً، فلا يتمكن من معرفة الله، ولا من معرفة أنبيائه.
          ولذلك استدل (عليه السلام) على معرفة الله سبحانه وتعالى بدليلي العقل والفطرة معاً.. فدليل العقل هو استحالة أن يعرف الله تعالى الخالق والمطلق بمحمد المحدود والمخلوق.
          و دليل الفطرة هو إلهام الله عباده وملائكته طاعته، وتعريفهم نفسه.
          أبو بكر خائف على نفسه، راج النجاة للنصراني:
          وقد ظهر الخلل في أجوبة أبي بكر حين استدرجه الجاثليق للإقرار بأنه خائف على نفسه من الهلاك، كما أنه يرجو النجاة للنصراني فتساوى مع
          </span>الصفحة 289
          النصراني في كونهما لا يعلمان مصيرهما..
          عمر يهدد الجاثليق بإباحة دمه:
          وقد وجدنا عمر يهدد الجاثليق بإباحة دمه، لمجرد أنه أخذ اعترافاً من أبي بكر بأنه لا يملك علماً خاصاً به، كما يملك علي (عليه السلام).. ولعل سبب ذلك هو إدراكه خطورة هذا الإقرار، لأنه عرف أن النتيجة ستكون هي أن من لا يملك علم الإمامة فهو متغلب وغاصب..
          مبادرة علي (عليه السلام):
          وقد بادر علي (عليه السلام) ذلك النصراني (الجاثليق)، بقوله له: إنه سيخبره عن ما يسأله عنه مما كان وما يكون، لا من عند نفسه، ولا مما يتيسر له الحصول عليه.. بل من العلم الذي اختصه به محمد (صلى الله عليه وآله)، وهو النبي المعصوم، الذي {مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى}..
          وهذا يتضمن تعريضاً بعلوم غيره، وبأن مصادرها ليست مضمونة، لأنها ليست معصومة، ولا تنتهي إلى الله تعالى عالم الغيب والشهادة.
          8 ـ أسئلة ملك الروم:
          وسأل رسول ملك الروم أبا بكر، عن رجل لا يرجو الجنة ولا يخاف النار، ولا يخاف الله، ولا يركع، ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لا يرى، ويحب الفتنة ويبغض الحق.
          فلم يجبه.
          </span>الصفحة 290
          فقال عمر: ازددت كفراً إلى كفرك.
          فأخبر بذلك علي (عليه السلام) فقال: هذا رجل من أولياء الله، لا يرجو الجنة، ولا يخاف النار، ولكن يخاف الله.
          ولا يخاف الله من ظلمه، وإنما يخاف من عدله.
          ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة.
          ويأكل الجراد والسمك، ويأكل الكبد.
          ويحب المال والولد {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}(1).
          ويشهد بالجنة والنار، وهو لم يرها.
          ويكره الموت وهو حق(2).
          9 ـ وفي مقال(3): لي ما ليس لله، فلي صاحبة وولد.
          ومعي ما ليس مع الله، معي ظلم وجور.
          ومعي ما لم يخلق الله، فأنا حامل القرآن وهو غير مفترى.

          ____________


          1- الآية 28 من سورة الأنفال.
          2- مناقب آل أبي طالب ج2 ص358 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص180 وبحار الأنوار ج40 ص224 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص255 وعجائب أحكام أمير المؤمنين (عليه السلام) للسيد محسن الأمين ص177.
          3- أي في نص آخر.
          الصفحة 291
          وأعلم ما لم يعلم الله وهو قول النصارى: (إن عيسى ابن الله)(1).
          وصدّق النصارى واليهود في قولهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ}(2) الآية..
          وكذّب الأنبياء والمرسلين، كذب إخوة يوسف، حيث قالوا: أكله الذئب، وهم أنبياء الله، ومرسلون إلى الصحراء.
          وأنا أحمد النبي، أحمده وأشكره.
          وأنا علي، علي في قومي.
          وأنا ربكم، أرفع وأضع: رب كمي، أرفعه وأضعه(3).
          ونقول:
          1 ـ من قوله: وفي مقال: لي ما ليس لله.. إلى آخر الرواية، إنما هي إجابات على أسئلة لم ترد في رسالة رسول ملك الروم المذكورة آنفاً، فلعلها قد سقطت من النص سهواً، أو لعلهما قصتان وسقط الشطر الأول من الثانية، واتصل ما تبقى منها بآخر القصة الأولى. وهذا هو الظاهر..
          2 ـ إن كلام عمر مع ذلك الرجل لم يأت في محله. وقد كان ينبغي أن يرجع في هذه الأسئلة إلى العلماء بها. وقد ظهر أن لها معان وأجوبة صحيحة

          ____________


          1- راجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص358 وبحار الأنوار ج40 ص224.
          2- الآية 113 من سورة البقرة.
          3- مناقب آل أبي طالب ج2 ص352 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص180 وبحار الأنوار ج40 ص224.

          </span>

          تعليق


          • وبليغة، وأن من يطرحها لا يزداد كفراً.. فلماذا هذه المبادرة من عمر التي قد تترك أثراً سلبياً على مكانته لدى أهل المعرفة؟!..
            3 ـ لقد نسبت الرواية الكذب إلى أنبياء الله، وهم إخوة يوسف (عليه السلام)، وهذا غير مقبول..
            فأولاً: روي عن نشيط بن ناصح البجلي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أكان إخوة يوسف أنبياء؟!
            قال: لا، ولا بررة أتقياء. وكيف؟! وهم يقولون لأبيهم: {تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ}(1))(2).
            ثانياً: قد أثبتت الأدلة العقلية عصمة الأنبياء عن الذنوب: صغائرها وكبائرها، فكيف نسب الكذب ـ وهو من الكبائر ـ إلى أنبياء مرسلين؟!
            ثالثاً: إن هذه الرواية، وكذلك الروايات الأخرى التي تقول: إنهم كانوا أنبياء، كلها روايات ضعيفة، وشطر منها مروي بطرق غير شيعة أهل البيت (عليهم السلام).
            4 ـ لقد نهى أئمتنا (عليهم السلام) شيعتهم عن الحديث عن كون القرآن مخلوقاً(3).

            ____________


            1- الآية 95 من سورة يوسف.
            2- بحار الأنوار ج12 ص316 وتفسير العياشي ج2 ص194 ونور الثقلين ج2 ص464 والصافي ج3 ص47 والميزان ج11 ص252.
            3- راجع: رسائل المرتضى ج1 ص153 والثاقب في المناقب ص568 وبحار الأنوار = = ج4 ص296 وج50 ص258 وج54 ص80 وج75 ص416 وج89 ص118 و 120 و 121 والأمالي للصدوق ص639 والتوحيد للصدوق ص76 و 224 وكمال الدين ص610 وروضة الواعظين ص38 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص535 والفصول المهمة للحر العاملي ج1 ص145 ونور البراهين للجزائري ج1 ص213 و 532 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص459.
            الصفحة 293
            نعم ورد الترخيص بوصفه: بأنه محدث(1). وفق ما ورد في القرآن الكريم: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}(2).
            5 ـ ما ذكرته الرواية: من أننا نعلم ما لم يعلمه الله، وهو قول النصارى الخ.. لا يستقيم، فإن الله يعلم بأنهم قالوا ذلك، ونحن نعلم ذلك أيضاً.
            إلا أن يكون المقصود: أن الله لا يعلم بالولد له، لأنه غير موجود، فهو من قبيل القضية السالبة بانتفاء موضوعها(3).

            ____________


            1- التوحيد للصدوق ص226 و 227 وبحار الأنوار ج5 ص30 وج54 ص84 وج89 ص118 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص459 ونور البراهين للجزائري ج1 ص538.
            2- الآية 2 من سورة الانبياء وراجع الآية 5 من سورة الشعراء.
            3- التعبير الرائج: (القضية السالبة بانتفاء موضوعها) غير دقيق، بل هو من التعابير التسامحية، التي يراد بها إيراد صورة قضية.
            الصفحة 294
            10 ـ الجواب على أسئلة نصرانيين:
            وسأل نصرانيان أبا بكر: ما الفرق بين الحب والبغض ومعدنهما واحد؟! وما الفرق بين الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة ومعدنهما واحد؟!
            فأشار إلى عمر، فلما سألاه أشار إلى علي (عليه السلام)، فلما سألاه عن الحب والبغض قال:
            إن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فأسكنها الهواء، فما تعارف هناك اعترف (ائتلف) ههنا، وما تناكر هناك اختلف ههنا.
            ثم سألاه عن الحفظ والنسيان.
            فقال: إن الله تعالى خلق ابن آدم وجعل لقلبه غاشية، فمهما مر بالقلب والغاشية منفتحة حَفِظ وحَصَا، ومهما مرَّ بالقلب والغاشية منطبقة لم يحفظ ولم يحص.
            ثم سألاه عن الرؤيا الصادقة، والرؤيا الكاذبة.
            فقال (عليه السلام): إن الله تعالى خلق الروح، وجعل لها سلطاناً، فسلطانها النفس، فإذا نام العبد خرج الروح وبقي سلطانه، فيمر به جيل من الملائكة وجيل من الجن، فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة، ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجن.
            فأسلما على يديه، وقتلا معه يوم صفين(1).

            ____________


            1- مناقب آل أبي طالب ج2 ص357 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص179 وبحار = = الأنوار ج40 ص222 وج58 ص41 وعجائب أحكام أمير المؤمنين (عليه السلام) للسيد محسن الأمين ص175 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص37.
            الصفحة 295
            11 ـ صفة الوصي في التوراة:
            روي مسنداً عن عبد الرحمن بن أسود، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) صديقان يهوديان، قد آمنا بموسى رسول الله، وأتيا محمداً (صلى الله عليه وآله) وسمعا منه، وقد كانا قرءا التوراة، وصحف إبراهيم (عليه السلام)، وعلما علم الكتب الأولى.
            فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله (صلى الله عليه وآله) أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده، وقالا: إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقوم بالأمر في أمته من بعده، قريب القرابة إليه من أهل بيته، عظيم القدر، جليل الشأن.
            فقال أحدهما لصاحبه: هل تعرف صاحب الأمر من بعد هذا النبي؟!
            قال الآخر: لا أعلمه إلا بالصفة التي أجدها في التوراة. هو الأصلع المصفر، فإنه كان أقرب القوم من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
            فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة أرشدا إلى أبي بكر، فلما نظرا إليه قالا: ليس هذا صاحبنا.
            ثم قالا له: ما قرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
            </span>الصفحة 296
            قال: إني رجل من عشيرته، وهو زوج ابنتي عائشة.
            قالا: هل غير هذا؟!
            قال: لا.
            قالا: ليست هذه بقرابة، فأخبرنا أين ربك؟!
            قال: فوق سبع سماوات!
            قالا: هل غير هذا؟
            قالا: لا.
            قالا: دلنا على من هو أعلم منك، فإنك أنت لست بالرجل الذي نجد في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته.
            قال: فتغيظ من قولهما، وهمَّ بهما، ثم أرشدهما إلى عمر، وذلك أنه عرف من عمر أنهما إن استقبلاه بشيء بطش بهما.
            فلما أتياه قالا: ما قرابتك من هذا النبي؟!
            قال: أنا من عشيرته، وهو زوج ابنتي حفصة.
            قالا: هل غير هذا؟!
            قال: لا.
            قالا: ليست هذه بقرابة، وليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة، ثم قالا له: فأين ربك؟!
            قال: فوق سبع سماوات!
            قالا: هل غير هذا؟!
            </span>الصفحة 297
            قال: لا.
            قالا: دلنا على من هو أعلم منك.
            فأرشدهما إلى علي (عليه السلام)، فلما جاءاه، فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه: إنه الرجل الذي صفته في التوراة، إنه وصي هذا النبي، وخليفته وزوج ابنته، وأبو السبطين، والقائم بالحق من بعده.
            ثم قالا لعلي (عليه السلام): أيها الرجل، ما قرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
            قال: هو أخي، وأنا وارثه ووصيه، وأول من آمن به، وأنا زوج ابنته.
            قالا: هذه القرابة الفاخرة، والمنزلة القريبة، وهذه الصفة التي نجدها في التوراة، فأين ربك عز وجل؟!
            قال لهما علي (عليه السلام): إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما موسى (عليه السلام)، وإن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا محمد (صلى الله عليه وآله).
            قالا: أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا موسى (عليه السلام).
            قال علي (عليه السلام): أقبل أربعة أملاك: ملك من المشرق، وملك من المغرب، وملك من السماء، وملك من الأرض، فقال صاحب المشرق لصاحب المغرب: من أين أقبلت؟!
            قال: أقبلت من عند ربي.
            وقال صاحب المغرب لصاحب المشرق: من أين أقبلت؟!
            </span>الصفحة 298
            قال: أقبلت من عند ربي.
            وقال النازل من السماء للخارج من الأرض: من أين أقبلت؟!
            قال: أقبلت من عند ربي.
            وقال الخارج من الأرض للنازل من السماء: من أين أقبلت؟!
            قال: أقبلت من عند ربي، فهذا ما كان على عهد نبيكما موسى (عليه السلام).
            وأما ما كان على عهد نبينا، فذلك قوله في محكم كتابه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا..}(1).
            قال اليهوديان: فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت أهله؟! فوا الذي أنزل التوراة على موسى إنك لأنت الخليفة حقاً، نجد صفتك في كتبنا، ونقرؤه في كنائسنا، وإنك لأنت أحق بهذا الأمر وأولى به ممن قد غلبك عليه.
            فقال علي (عليه السلام): قدما وأخرا، وحسابهما على الله عز وجل. يوقفان، ويسألان(2).

            ____________


            1- الآية 7 من سورة المجادلة.
            2- قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ص87 ـ 89 والتوحيد للصدوق ص180 ـ 181 وبحار الأنوار ج3 ص324 ـ 326 وج10 ص18 ـ 20 ونور البراهين ج1 ص438 ـ 441.
            الصفحة 299
            ونقول:
            لا بأس بملاحظة ما نذكره ضمن العناوين التالية:
            صديقا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهوديان:
            ذكرت الرواية: أن يهوديين كانا صديقين للرسول (صلى الله عليه وآله).. ولا ندري كيف نتعامل مع هذا التعبير.. إلا على تقدير أنهما كانا في الأصل يهوديين، ثم أصبحا مؤمنين به (صلى الله عليه وآله) أيضاً، كما ربما يوحي به الثناء عليهما في الرواية، وتعابير أخرى وردت فيها. ولعلهما كانا يتستران على هذا الأمر، لسبب أو لآخر..
            لكل نبي وصي:
            لقد ذكر اليهوديان: أن وجود خليفة للنبي يقوم بالأمر في الأمة من بعده أمر ثابت لجميع الأنبياء السابقين، فلا بد أن يكون للنبي (صلى الله عليه وآله) خليفة، كما كان للأنبياء السابقين خلفاء..
            وذكرا: أن صفات هذا الخليفة مذكورة عندهم، وهي:
            أنه الوصي والخليفة والقائم بالحق من بعده:
            1ـ قريب القرابة إليه.
            2ـ من أهل بيت عظيم الخطر، جليل الشأن.
            3 ـ إن صفته في التوراة هي: الأصلع..
            4 ـ صفته في التوراة: المصفر. (ولم نفهم المراد من هذا التعبير)
            5 ـ أقرب القوم من رسول الله.

            تعليق


            • 6 ـ إنه زوج ابنته.
              7 ـ إنه أبو السبطين.
              ومن الواضح: أن هذه الأوصاف لا توجد في هذا الكتاب المتداول اليوم باسم التوراة، فلا بد أن تكون في نسخة التوراة الحقيقية، التي كانوا يخفونها منذئذٍ.
              وقد نعى الله عليهم كتاباتهم نصوصاً يدعون أنها من الكتاب عندهم، وليست منه مزورة: {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}(1). وقال تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا..}(2). وثمة آيات أخرى تعرضت لهذا الموضوع.
              هو أخي، وأنا وارثه:
              وعن جواب علي (عليه السلام) لذينك الرجلين نقول:
              إنهما سألاه عن قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يجبهما عن قرابته النسبية، بل أجابهما بقرابته المعنوية، المتمثلة بأخوَّته له، التي قررها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله تعالى. وبوراثته لعلمه، ومقامه، إذ إن وراثة المال ليست لعلي (عليه السلام) وإنما للزهراء

              ____________

              1- الآية 79 من سورة البقرة.
              2- الآية 91 من سورة الأنعام.
              الصفحة 301 (صلوات الله وسلامه عليها).
              ووراثة النبوة إنما هي للعلم والمقام.. لأن الأنبياء إنما يورثون خليفتهم ووصيهم هذين الأمرين، لأن شأن النبوة وقوامها بذلك وليس بالمال، ولذلك ورد ـ على سبيل التنزيل ـ: العلماء ورثة الأنبياء. ونحو ذلك.. ثم أرادا أن يتأكدا من وراثته للعلم، فسألاه عن ربه، وفق ما ورد في الرواية.
              حساسية سؤال اليهودين:
              وكان سؤال اليهوديين لأبي بكر ثم لعمر حساساً وربما استدراجياًن فإن اليهود قائلون بالتجسيم الإلهي، كما تدل عليه نصوص توراتهم المتداولة.. وكان العرب مشركين يعبدون الأصنام، وكانوا متأثرين باليهود في كثير من أمورهم، مبهورين بهم، فالتجسييم الإلهي قد انتقل إليهم من جهتين، وهما: اليهود، وعبادة الأصنام..
              وقد جاء سؤال اليهوديين موهماً أنهما يقولان بهذه المقولة أيضاً، لأنه يقول لهما: أين الله؟! وهو سؤال عن المكان الملازم للتجسيم..
              فأجاب أبو بكر وعمر بما يتوافق مع هذه النظرة، حيث قالا: فوق سبع سماوات..
              وهذه الإجابة كافية لتعريف السائل بأن المجيب ليس هو خليفة الرسول، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد جاء بالتنزيه، ولا يمكن أن يخالفه خليفته في ذلك.. ولذلك أعلن اليهوديان بأن أبا بكر وعمر ليسا خليفتي رسول الله (صلى الله عليه وآله).
              </span>الصفحة 302 السعي للإيقاع باليهوديين:
              واللافت هنا: تصريح الرواية بأن أبا بكر حين أرجع اليهوديين إلى عمر كان على أمل أن يوقع عمر بهمت، مع أننا لم نجد ما يبرر ذلك، فإنهما لم يسيئا إليه، بل طلبا معرفة الحق.. مظهرين الإستعداد لاتباعه. ومن كان كذلك، فاللازم مساعدته، وتشجيعه.. لا الإساءة إليه، والإيقاع به..
              وجه الله:
              روي عن سلمان الفارسي (رحمه الله) في حديث طويل يذكر فيه قدوم جاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أُرْشِد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فسأله عنها فأجابه، فكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى.
              فدعا علي (عليه السلام) بنار وحطب فأضرمه، فلما اشتعلت قال علي (عليه السلام): أين وجه هذه النار؟!
              قال النصراني: هي وجه من جميع حدودها.
              قال علي (عليه السلام): هذه النار مدبَّرة مصنوعة لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله، لا يخفى على ربنا خافية..(1).

              ____________

              1- قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ص86 و87 والتوحيد للصدوق ص182 وبحار الأنوار ج3 ص328 ونور البراهين ج1 ص441 وراجع: التفسير الصافي ج1 ص183 ونور الثقلين ج1 ص117.
              الصفحة 303 ونقول:
              1 ـ إن المثال العملي الذي قدمه (عليه السلام) لبيان المراد بوجه الله تبارك وتعالى كان رائعاً، ودقيقاً، لسببين:
              أحدهما: دقة وروعة الصورة التي قدم بها المعنى..
              الثاني: إنه لم يكتف بالبيان اللفظي، بل تعداه إلى تقديم المثال العملي، الأكثر دقة في إظهار الخصوصية، وأبعد أثراً في الإحتفاظ بالمعنى الذي يراد تقديمه. لا سيما وأنه قد أفرغه في ضمن حركة وحدث، وممارسة، وجعله يتغلغل في حنايا وجود عيني حقيقي، يمكن تلمسه بالحواس الظاهرية بعمق بالغ..
              2 ـ إنه (عليه السلام) قد استخرج الجواب من نفس السائل، حين قال له: أين وجه هذه النار؟! فأجاب: هي وجه من جميع حدودها..
              ثم نقله (عليه السلام) إلى المقارنة، مع بيان ما يقتضي الإنتقال إلى المعنى المطلوب، من خلال قياس الأولوية.. الذي هو خطوة أخرى باتجاه تأكيد المعنى.
              إنه لم يكتف بالإيحاء بالمعنى بأسلوب التمثيل، الذي قد يُفْهِم أن المعنى في المثال أعمق منه في المراد بيانه، بل نقله إلى قياس الأولوية ليفهمه أن المعنى في المراد أعمق وأرسخ وأقوى منه في المثال.
              </span>الصفحة 304 وهذا من روائع البيان الإثباتي. وذلك حين بيَّن أن النار مصنوعة ومدبرة. فإذا كان لا يعرف وجهها، فهل يعرف وجه خالقها. وهو لا يشبهها؟!
              </span>الصفحة 305 الفصل الثامن:
              أبو بكر في القضاء والأحكام
              </span>الصفحة 306 </span>الصفحة 307 تعزير من يؤذي المسلمين بأحلامه!:
              وجاء بعض الناس برجل إلى أبي بكر، فقال: إن هذا ذكر أنه احتلم بأمي. فدهش.
              وكان علي حاضراً، فقال (عليه السلام): اذهب به فأقمه في الشمس، وحدّ ظله، فإن الحلم مثل الظل.
              ولكنا سنضربه حتى لا يعود يؤذي المسلمين(1).
              ونقول:
              من الواضح: أن الرجل المدعى عليه قد يكون صادقاً فيما ادَّعاه من

              ____________

              1- راجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص356 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص179 وعجائب أحكام أمير المؤمنين (عليه السلام) ص51 والكافي ج7 ص263 وعلل الشرائع ج2 ص544 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص72 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص211 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص458 وبحار الأنوار ج40 ص313 وج76 ص119 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص491 و 492 والمصنف للصنعاني ج6 ص411 وكنز العمال ج5 ص835 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص172.
              الصفحة 308 احتلامه بأم ذلك الرجل. غير أنه لا معنى لمعاقبته على هذا الإحتلام، لأنه ليس فعلاً اختيارياً له، و لا هو مما يصح أن يؤمر به، أو يزجر عنه..
              على أن الحلم ـ كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ أيضاً: بمثابة الظل، فهو لا حقيقة له وراء التخيل والتوهم. فإن صح إجراء الحد على الظل صح إجراء الحد على المحتلم..
              لكن نفس جهر هذا الرجل بحلمه للناس فيه أذى للمرأة ولذويها. وهو يثير لدى الناس تخيلات يرغب الناس بعدم إثارتها.. وليس له أن يؤذي المؤمنين، ولو بهذا المقدار، لذلك حكم (عليه السلام) بضرب ذلك الرجل حتى لا يعود يؤذي المسلمين كما قرره (صلوات الله وسلامه عليه).
              علي (عليه السلام) والمسجد الذي يسقط:
              أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أراد قوم على عهد أبي بكر أن يبنوا مسجداً بساحل عدن، فكان كلما فرغوا من بنائه سقط، فعادوا إليه. فسألوه، فخطب، وسأل الناس وناشدهم: إن كان عند أحد منكم علم هذا فليقل.
              فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): احتفروا في ميمنته وميسرته في القبلة، فإنه يظهر لكم قبران مكتوب عليهما:
              أنا رضوى، وأختي حباء، متنا لا نشرك بالله العزيز الجبار. وهما مجردتان، فاغسلوهما، وكفنوهما، وصلوا عليهما، وادفنوهما، ثم ابنوا مسجدكم، فإنه يقوم بناؤه.
              </span>الصفحة 309 ففعلوا ذلك، فكان كما قال (عليه السلام)(1).
              علي (عليه السلام) هو ذو الشهادتين:
              ابن جريح، عن الضحاك، عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) اشترى من أَعرابي ناقة بأربعمائة درهم، فلما قبض الأعرابي المال صاح: الدراهم، والناقة لي.
              فأقبل أبو بكر، فقال (صلى الله عليه وآله): اقض فيما بيني وبين الأعرابي.
              فقال: القضية واضحة، تطلب البينة.
              فأقبل عمر، فقال كالأول.
              فأقبل علي (عليه السلام)، فقال: أتقبل الشاب المقبل؟!
              قال: نعم.
              فقال الأعرابي: الناقة ناقتي، والدراهم دراهمي، فإن كان بمحمد (صلى الله عليه وآله) شيئاً (كذا) فليقم البينة على ذلك.
              فقال (عليه السلام): خل عن الناقة وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثلاث مرات، فلم يفعل. فاندفع فضربه ضربة، فاجتمع أهل الحجاز أنه رمى برأسه. وقال بعض أهل العراق: بل قطع منه عضواً.

              ____________

              1- مناقب آل أبي طالب ج2 ص356 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص179 وبحار الأنوار ج40 ص221 وج41 ص297 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص383 والخرائج والجرائح ج1 ص190 وفرج المهموم لابن طاووس ص223.

              تعليق


              • فقال: يا رسول الله، نصدقك على الوحي، ولا نصدقك على أربعمائة درهم!
                وفي خبر عن غيره: فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله) إليهما، فقال: هذا حكم الله، لا ما حكمتما به.
                ورواية أخرى في حكومة أَعرابي آخر في تسعين درهماً، عن الصادق (عليه السلام) قال:
                قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أقتلت الأعرابي؟!
                قال: لأنه كذبك يا رسول الله، ومن كذبك فقد حل دمه(1).
                ونقول:
                تعلمنا هذه الرواية ما يلي:
                1 ـ إن أبا بكر قد اعتبر القضية واضحة.. وكذلك عمر.. ولكنهما غفلا عن أن القاضي يجب أن يكون قادراً على الإستفادة في قضائه من جميع القوانين والضوابط الإيمانية.. ولا يكفي أن يعرف شيئاً، وتغيب عنه أشياء،

                ____________

                1- راجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص357 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص179 و 180 عن ابن بابويه في الأمالي، ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص60 وراجع ص61 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج3 ص106 ـ 108 والأمالي للصدوق ص91 و (ط مؤسسة البعثة) ص163 والإنتصار ص238 ومستدرك الوسائل ج17 ص382 ـ 383 وبحار الأنوار ج40 ص222 و 241 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص97 ـ 99.
                الصفحة 311 فلعل ما غاب عنه كان أشد أهمية في إحقاق الحق مما حفظه.
                2 ـ وتعلمنا أيضاً: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يعتصم بمقامه ولا استفاد من سلطانه، بل أفسح المجال لتأخذ القضية مداها، وفق الشرع الذي جاء به. فطلب من أبي بكر، ثم من عمر، ثم من علي (عليه السلام): أن يتولى القضاء بينه وبين ذلك الأعرابي.
                3 ـ ويلاحظ أيضاً: أنه (صلى الله عليه وآله) سأل الأعرابي، إن كان يقبل بقضاء علي (عليه السلام) أو لا يقبل. وهذا هو الغاية في الإنصاف والتواضع.
                4 ـ إن هذه القضية هي نفس القضية التي تنسب إلى خزيمة بن ثابت، حيث سمي بذي الشهادتين. حين شهد للنبي (صلى الله عليه وآله) في قضية الفرس، ولكنه لم يقتل الأعرابي.
                من الجائز تكرر الحادثة، مرة مع علي (عليه السلام)، ومرة مع خزيمة، الذي ربما يكون قد استفاد من موقف علي (عليه السلام). ويشهد لتعدد الحادثة اختلاف عناصر الرواية، فراجع وقارن(1).

                ____________

                1- راجع: قاموس الرجال ج4 ص15 و 16 عن الكافي، وغيره. وراجع: المجموع للنووي ج20 ص224 والمحلى لابن حزم ج8 ص347 ونيل الأوطار ج5 ص271 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص108 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج27 ص276 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص201 والإختصاص للمفيـد ص64 وجامـع أحـاديـث الشيعـة ج25 ص101 ومسند أحمـد ج5 = = ص215 وسنن النسائي ج7 ص301 والمستدرك للحاكم ج2 ص17 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص66 وج10 ص146 وفتح الباري ج8 ص398 والمصنف للصنعاني ج8 ص366 و 367 وبغية الباحث للحارث بن أبي أسامة ص305 والسنن الكبرى للنسائي ج4 ص48 والمعجم الكبير للطبراني ج22 ص379 ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج7 ص372 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص344 والدرجات الرفيعة ص310 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص378 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص367 وإمتاع الأسماع ج13 ص165 والسيرة الحلبية ج3 ص383.
                والمرتجز هو: الفرس الذي كان مدار هذه القضية، وكان من أفراس رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                الصفحة 312 5 ـ إنه (صلى الله عليه وآله) لم يبادر إلى القضاء في المسألة ولم يذهب إلى من عين للقضاء من قبله، بل ساق الأمور باتجاه اختيار قاضي تحكيم مقبول من قبل الطرف الآخر.
                6 ـ (صلى الله عليه وآله) لم يجعل ابا بكر وعمر قاضيي تحكيم بل أمرهما باعطاء الحكم الذي يريانه مباشرة، ثم رفضه، فلما جاء علي (عليه السلام) عرض (صلى الله عليه وآله) على الأعرابي قبول حكمه، فاعلن رضاه به.
                وهذا يعطي: أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعلم أن ابا بكر وعمر لا يعرفان الحكم الشرعي في هذه القضية.. وأراد أن يعرف الناس ذلك ولكنه
                </span>الصفحة 313 كان واثقاً من صحة قضاء علي فطلب من الاعرابي ان يعلن إن كان يرضى بقضائه أو لا يرضى..
                شرب الخمر ولا يعلم بتحريمها:
                ويقولون: إن أبا بكر أراد أن يقيم الحد على رجل شرب الخمر، فقال الرجل: إني شربتها ولا علم لي بتحريمها. فارتج عليه، ولم يعلم وجه القضاء فيه.
                فأرسل إلى علي (عليه السلام) يسأله عن ذلك.
                فقال: مر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار، وينشدانهم: هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم، أو أخبره بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! فإن شهد بذلك رجلان منهم، فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه، وخل سبيله.
                ففعل ذلك أبو بكر، فلم يشهد عليه أحد بذلك.. وكان الرجل صادقاً في مقاله، فاستتابه، وخلى سبيله(1).

                ____________

                1- مناقب آل أبي طالب ج2 ص356 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص178 والإرشاد للمفيد ج1 ص199 والكافي ج7 ص216 و 249 وتهذيب الأحكام ج10 ص94 وبحار الأنوار ج40 ص298 و 299 وج76 ص159 و 164 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص33 و 232 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص324 و 475 ومستدرك الوسائل ج18 ص19 و 114 = = وخصائص الأئمة ص81 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص297 و 298 و 515 و 516 وفقه القرآن للراوندي ج2 ص379 ونور الثقلين ج2 ص304 ونهج الإيمان لابن جبر ص368 وكشف اليقين للحلي ص68 وغاية المرام ج5 ص271 وعجائب أحكام أمير المؤمنين (عليه السلام) ص48 و 49 و 50.
                الصفحة 314 ونقول:
                1 ـ هذه المسألة إنما تحتاج إلى التثبّت من صدق هذا الرجل الذي ادَّعى: أنه لا يعلم بتحريم الخمر. وهو أمر قد يبدو للوهلة الأولى بعيداً، حيث إن تحريم الخمر قد تكرر، وشاع وذاع إلى حد أصبح يصعب معه تصديق من يدَّعي عدم العلم به، وإن كان تصديق ذلك ممكناً في حق من يعيش في البادية، ولا يخالط أهل العلم والدين. وفي حق من يكون من أهل الحاجة الذين لا يتهيأ لهم الحصول على ثمن الخمر إلا نادراً جداً مع كونه قليل الاختلاط مع الناس الذين يشربونها في السر، فلا يسمع ما يدور بينهم من همس حول هذا الموضوع. فاحتاج ذلك إلى سؤال العارفين بالآيات وبالأحكام، إن كان أحدهم قد قرأ على هذا الرجل آيات تحريم الخمر، أو أسمعه النهي عنها..
                2 ـ قد يقال: إذا كان هذا الرجل لم يعلم بتحريم الخمر، فهو لم يرتكب حراماً، فما معنى الأمر باستتابته؟!.
                وجواب ذلك: أن المراد بالإستتابة هو: أن يتعهد بعدم معاودة الشرب للخمر من حينه، وليس المراد الإستتابة عن المعصية.
                </span>الصفحة 315 مات زوجها ساعة مخاضها:
                وسأل رجل أبا بكر عن رجل تزوج بامرأة بُكْرةً (أي في الصباح) فولدت عشية، فحاز ميراثه الابن والأم. فلم يعرف.
                فقال علي (عليه السلام): هذا رجل له جارية حبلى منه، فلما تمخضت مات الرجل(1).
                أي كانت الجارية حبلى من المولى، فأعتقها وتزوجها بكرة، فولدت عشية، فمات المولى(2).
                وفاكهة وأبَّاً:
                وروا: أن أبا بكر سئل عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}(3).
                فقال: أي سماء تظلني؟! أو أية أرض تقلني؟! أم أين أذهب؟! أم كيف أصنع إذا قلت في كتاب الله بما لم أعلم؟! أما الفاكهة فأعرفها، وأما الأب فالله أعلم(4).

                ____________

                1- مناقب آل أبي طالب ج2 ص356 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص179 وبحار الأنوار ج40 ص221 وعجائب أحكام أمير المؤمنين (عليه السلام) ص176.
                2- بحار الأنوار ج4 ص221.
                3- الآية 31 من سورة عبس.
                4- مناقب آل أبي طالب ج2 ص357 و 358 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص180 والإرشاد للمفيد ج1 ص200 والفصـول المختـارة ص206 والمستجـاد من = = الإرشاد (المجموعة) ص117 وبحار الأنوار ج40 ص149 و 247 والصافي ج5 ص286 وج7 ص402 ونور الثقلين ج5 ص511 والميزان ج20 ص212 ونهج الإيمان ص369 وكشف اليقين ص69 وعجائب أحكام أمير المؤمنين (عليه السلام) ص175.
                الصفحة 316 وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام): إن ذلك بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: إن الأب هو الكلأ والمرعى، وإن قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} اعتداد من الله على خلقه فيما غذاهم به، وخلقه لهم ولأنعامهم مما يحيى به أنفسهم(1).
                ونقول:
                1 ـ قد يتخيل القارئ لجواب أبي بكر: أن السائل قد طلب من أبي بكر أن يرتكب احدى الكبائر، وأنه أصبح محاصراً ومجبراً على فعلها، ولا مناص له منها.

                ____________

                1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج2 ص357 و 358 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص180 عن فتيا الجاحظ، وتفسير الثعلبي، والإرشاد للمفيد ج1 ص200 وراجع: الدر المنثور ج6 ص317 والبرهان (تفسير) ج4 ص429 ونور الثقلين ج5 ص511 والميزان ج20 ص212 وبحار الأنوار ج40 ص223 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص116 والأصفى ج2 ص1408 والصافي ج7 ص402 ونهج الإيمان ص369 وعجائب أحكام أمير المؤمنين (عليه السلام) ص175.
                الصفحة 317 فاندفع بما يشبه الإستغاثة، طالباً النجدة، وتخليصه من البلاء الذي هو فيه؛ حتى قال:
                (أي سماء تظلني؟! أو أي أرض تقلني؟! أم أين أذهب؟! أم كيف أصنع؟! إذا قلت في كتاب الله بما لم أعلم).
                2 ـ إن الناس حين يسألون أبا بكر، فإنما يلزمونه بما ألزم به نفسه، حين تصدى لمقام خلافة الرسول (صلى الله عليه وآله). وهو المقام الذي يرجع إليه الناس فيما ينوبهم، وما يحتاجون إليه لمعرفة أحكام دينهم.. فلماذا يتبرم إذن؟! ولماذا يستغيث؟!
                3 ـ إن الناس إذا لاموا أبا بكر، فإنما يلومونه على عدم معرفته بأحكام الدين، ولكنهم لا يرضون منه أن يقول بما لا يعلم. ولو فعل ذلك، واطلعوا عليه، فإنه لن يسلم من الإعتراض عليه، والإدانة له..
                4 ـ قد فسرت الآية التالية لتلك الآية معنى الأب، حيث قالت {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ}(1) فدلَّت على: أن الأب هو متاع الأنعام، كما تكون الفاكهة متاعاً لبني الإنسان..
                من يعمل عمل قوم لوط، يحرق:
                وروي عن عبد الله ميمون، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كتب خالد إلى أبي بكر:

                ____________

                1- الآية33 من سورة النازعات.
                الصفحة 318 سلام عليك. أما بعد، فإني أتيت برجل قامت عليه البينة أنه يؤتي في دبره كما تؤتى المرأة.
                فاستشار فيه أبو بكر، فقالوا: اقتلوه.
                فاستشار فيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: أحرقه بالنار، فإن العرب لا ترى القتل شيئاً.
                قال لعثمان: ما تقول؟!
                قال: أقول ما قال علي، تحرقه بالنار.
                فكتب إلى خالد: أن أحرقه بالنار(1).
                ونقول:
                لدينا العديد من الملاحظات، نذكر منها:
                1 ـ تكرر نظير هذه القضية في عهد عمر، فاستشار عمر فيها، فأشار علي عليه بما سيأتي. وذلك قد يعني: أن أبا بكر استشار في هذا الأمر، دون أن يعلم عمر، فلما عرف الجواب من علي (عليه السلام) اكتفى به، وكتب إلى خالد بتنفيذ الحكم.. ولعل بعض الأسباب دعته إلى أن يتستر على هذا

                ____________

                1- المحاسن ص112 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص160 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص421 ومستدرك الوسائل ج18 ص79 وبحار الأنوار ج76 ص69 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص434 ونصب الراية ج4 ص142 وكشف اللثام (ط.ج) ج10 ص495 ورياض المسائل ج13 ص502 وجواهر الكلام ج41 ص381.

                تعليق


                • الأمر ما أمكنه، حتى إنه لم يعلم عمر به.
                  أو لعله اعلمه به لكن عمر أراد أن لا يحرق فاعل ذلك الأمر الشنيع بالنار، فطلب له حكماً أخف..
                  2 ـ إن تعليل علي (عليه السلام) لأمره بحرقه يشير إلى أن المطلوب بالعقوبة هو: أن تكون رادعة عن الفعل لغير الفاعل أيضاً. حيث إن العرب إذا كانوا لا يرون القتل شيئاً، فإنه لا يعود رادعاً لهم عن ارتكاب هذا الفعل الشنيع.
                  بل قد يعتبر البعض: أن القتل إنما هو للرجال، الذين لهم دور وموقع، بل قد يعتبرون القتل مصدر فخر واعتزاز لهم.. وقد يسهِّل ذلك عليهم ارتكاب نفس هذه المعصية الشنيعة، ويحسِّنها بنظرهم. لأن عقوبتها لا توجب انتقاصاً، وحطاً من مقام فاعلها..
                  3 ـ إن مبرر هذه الإستشارة إن كان هو عدم معرفة الخليفة بعقوبة مرتكب هذه المعصية.. فهذا غير مقبول بالنسبة لمن يضع نفسه في موقع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويضطلع بمهماته..
                  وإن كان عارفاً بالحكم لكنه أراد تغييره، فالمصيبة تكون أعظم، والمرارة أشد..
                  وإن كان عارفاً بالحكم، لكنه كان يرى أن هذه العقوبة ليست إلهية، إنما هي من نتاج رأي النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنه لا مانع من استبدالها برأي جديد. فهذا هو البلاء المبرم، والداء الذي لا دواء له..
                  4 ـ لم نعرف السبب في عدم اقتناع ابي بكر بكلام علي (عليه السلام)،
                  </span>الصفحة 320 حتى توجه إلى عثمان، وطلب منه أن يبدي رأيه. هل أراد أن لا يظهر الإنقياد لقول علي؟! أو أراد أن يستدرج عثمان ليدلي برأي آخر لكي يأخذ به، لكي يظهر المخالفة لعلي، المستبطنة لتخطئته، ليظهر للناس أنه إنما يقول برأيه كما يقول غيره من الصحابة؟!
                  مما يعني: أنه لم يتلق من رسول الله (صلى الله عليه وآله) علماً خاصاً به، وأنه لا تميز له على غيره في الشريعة والأحكام وسواها.
                  وذلك يسقط المقولة التي تؤكد على أحقيته (عليه السلام) بالإمامة، والإتباع له، والإقتداء به.
                  وقد بذلت محاولة من هذا القبيل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاء القرآن بتكذيبها، ومقرراً أنه (صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
                  أم أنه أراد أن يتخلص من رأي علي (عليه السلام)، لأنه يريد التخفيف على فاعل ذلك الأمر الشنيع.
                  5 ـ أما السبب في عدم عودته إلى رأي من أشار عليه بقتل ذلك العاصي، فهو: أن علياً (عليه السلام) قد قطع عليه الطريق في ذلك. حين بيّن له أن مجرد القتل ليس رادعاً لذلك الشخص، ولا لغيره، بل قد يعطي نتيجة مغايرة للنتيجة المتوخاة منه.
                  أبو بكر يقول في الكلالة برأيه!!:
                  سئل أبو بكر عن الكلالة، فقال: أقول فيها برأيي، فإن أصبت فمن الله،
                  </span>الصفحة 321 وإن أخطأت فمن نفسي، ومن الشيطان، (أراه ما خلا الولد والوالد)(1).
                  فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: ما أغناه عن الرأي في هذا المكان، أما علم أن الكلالة هم الأخوة والأخوات من قبل الأب والأم، ومن قبل الأب على انفراده، ومن قبل الأم أيضاً على حدتها، قال الله عز قائلاً:
                  {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}(2).
                  وقال جلّت عظمته:
                  {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أو أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}(3).
                  زاد في نص آخر قوله: (فلما استخلف عمر قال: إني لأستحي أن أرد شيئاً قاله أبو بكر)(4).

                  ____________

                  1- هذه الفقرة لم تذكر في البحار، والإرشاد.
                  2- الآية 176 من سورة النساء.
                  3- الآية 12 من سورة النساء.
                  4- الإرشاد ج1 ص200 و 201 والفصول المختارة ص151 وبحار الأنوار ج40 ص247 وج101 ص344 ونهج الإيمان ص369 وكشف اليقين ص69.
                  وقول أبي بكر: إنه يقول في الكلالة برأيه، ذكره في: سنن الدارمي ج2 ص265 وشرح نهج البلاغـة للمعتـزلي ج17 ص201 و 202 والسنن الكـبرى للبيهقي ج6 = = ص224 وجامع البيان ج6 ص30 و (ط دار الفكر) ج4 ص376 وكنز العمال ج11 ص79 وتفسير الخازن ج1 ص333 وأعلام الموقعين ج1 ص82 والمصنف للصنعاني ج10 ص304 والمصنف لابن أبي شيبة ج11 ص415 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص470 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص77. وراجع: مناقب أهل البيت (عليهم السلام) للشيرواني ص310 وعون المعبود ج9 ص371 وتأويل مختلف الحديث ص26 ومعرفة علوم الحديث ص62 ومعرفة السنن والآثار ج5 ص49 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص291 ونصب الراية ج5 ص40 والفتح السماوي ج2 ص465 وأضواء البيان ج4 ص194 وج7 ص342 والأحكام لابن حزم ج6 ص823 وأصول السرخسي ج2 ص133 والمستصفى للغزالي ص287 و 289 و 361 والمحصول للرازي ج4 ص334 والأحكام للآمدي ج4 ص41 و 187.
                  الصفحة 322 ونقول:
                  لا حاجة إلى الإفاضة في بيان امر الكلالة، غير أننا نقول باختصار:
                  1 ـ إن ما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) في معنى الكلالة هو ظاهر الآية الشريفة، وذكروا في بيان سبب تشريع هذا الحكم أنه إذا مات الرجل، ولم يخلف ولداً ولا والداً، يكون قد مات عن ذهاب طرفيه، فسمي ذهاب الطرفين كلالة، قال ابن الأعسم:

                  إذا الكلالات الثلاث اجتمعتْكلالة للأب منها منعتْواقتصرت كلالة الأم علىسدس أو الثلث على ما فصلا

                  </span>الصفحة 323
                  وأعطي الباقي الذي قد انتسبمن الكلالات بأم وبأبوهذه القسمة لا محالةجارية في مطلق الكلالة


                  ثم قال: وتطلق الكلالة على مطلق الكلالة عدا الوالد والولد، ومراده هنا: الأخوة والأخوات(1).
                  2 ـ إن أبا بكر كان يرى أولاً: أن الكلالة هي من لا ولد له خاصة، وكان يشاركه في رأيه هذا عمر بن الخطاب، ثم رجعا إلى ما قرأت وسمعت(2).
                  وقد اختلف أبو بكر وعمر فيها، وكان عمر يصر على قوله، وهو: أن الكلالة ما لا ولد له(3).
                  3 ـ إنه لا ريب في حرمة الإفتاء بالرأي، حتى لو أصاب، فإن أحكام

                  ____________

                  1- دائرة المعارف (ط دار الأعلمي) ج5 ص92.
                  2- الغدير ج7 ص104 و 105 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص77 وفتح القدير ج1 ص434 والمحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي ج2 ص18 وتفسير البحر المحيط ج3 ص196.
                  3- راجع: الغدير ج7 ص105 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص595 و (ط دار المعرفة) ج1 ص471 ومستدرك الحاكم ج2 ص304 وصححه، وتلخيصه للذهبي (بهامشه في نفس الصفحة) والسنن الكبرى ج6 ص225. والمصنف للصنعاني ج10 ص303 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص402 وكنز العمال ج11 ص79 وجامع البيان ج4 ص379.
                  الصفحة 324 الله توقيفية تحتاج إلى التعلم، لأن دين الله لا يصاب بالعقول.
                  4 ـ إن آية الكلالة مذكورة في القرآن، فقد قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أو أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}(1).
                  وقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(2).
                  وقد صرحت الآية: بأن الله تعالى يبين لنا معنى الكلالة حتى لا نضل، فلماذا لم يعرفها أبو بكر ولا عمر؟! حتى احتاجا إلى القول برأيهما فيها؟!.
                  5 ـ إن أبا بكر حين سئل عن معنى الأب في قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}(3) قال: أي سماء تظلني، أو أي أرض تقلني، وأين أذهب، وكيف أصنع إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد تبارك وتعالى، أو إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم(4).

                  ____________

                  1- الآية 12 من سورة النساء.
                  2- الآية 176 من سورة النساء.
                  3- الآية 31 من سورة عبس.
                  4- الغدير ج7 ص103 و 104 وفتح الباري ج13 ص229 وعن تفسير ابن جزي ج4 ص180 ومقدمة في أصول التفسير لابن تيميـة ص30 وأعـلام الموقعين = = ج1 ص54 وتفسير الخازن ج4 ص374 وتفسير أبي السعود ج9 ص12 والدر المنثور ج6 ص317 وعن أبي عبيد، وعبد بن حميد..
                  وراجع: المصنف ج7 ص180 وكنز العمال ج2 ص545 وتخريج الأحاديث والآثار ج4 ص157 والمحلى لابن حزم ج1 ص61 والإرشاد للمفيد ج1 ص200 وعين العبرة ص9 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص116 وبحار الأنوار ج30 ص693 وج40 ص247 ومجمع الزوائد ج9 ص240 والصافي ج7 ص402 ونور الثقلين ج5 ص511 والميزان ج20 ص211 وجامع البيان ج1 ص55 وتفسير السمرقندي ج1 ص36 وتفسير الثعلبي ج10 ص134 وتفسير البغوي ج4 ص449 والجامع لأحكام القرآن ج19 ص223 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص6 وج4 ص504 والبرهان للزركشي ج1 ص295 والإتقان في علوم القرآن ج1 ص304 وفتح القدير ج5 ص387 وتفسير الآلوسي ج30 ص47 ونهج الإيمان ص369.
                  الصفحة 325 ومن المعلوم: أن آية الكلالة من كتاب الله أيضاً، فلماذا يقول فيها ما لا يعلم؟! مع أنها متضمنة أيضاً لحكم شرعي، في حين أن آية {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ليس فيها ذلك!!.
                  6 ـ وذكر السيد المرتضى (رحمه الله): أن هذه القضية تدل على أن أبا بكر لم يكن يعرف الفقه وأحكام الشريعة، ومن حاله هذه لا يصلح للإمامة.
                  فأجاب القاضي عبد الجبار المعتزلي: بأنه لا يجب في الإمام أن يعلم
                  </span>الصفحة 326 جميع الأحكام، وأن القول بالرأي هو الواجب فيما لا نص فيه. وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بالرأي في مسائل كثيرة.
                  فأجاب السيد المرتضى علم الهدى (رحمه الله): بأن الإمام لا بد أن يكون عالماً.. بجميع الأحكام الشرعية، ولا يصح قياسه على سائر الحكام من الملوك والسلاطين.
                  كما أننا قد أقمنا الأدلة على فساد القول بالرأي.
                  وأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقل برأيه أبداً.
                  وحديث بيع أمهات الأولاد لا يصح(1).
                  ولنا أن نضيف إلى ما تقدم:
                  ألف: تقدم أن عمر هو الذي كان يسعى لتكريس فكرة أن الإمام لا يجب أن يعلم جميع الأحكام. وأن القول بالرأي هو المطلوب.. وقد أخذ ذلك منه عبد الجبار وغيره..
                  ب: إن القول بالرأي فاسد، خصوصاً فيما نحن فيه مما يطلب فيه الوقوف على الحكم الشرعي، ويتضمن تقسيم المواريث، وإعطاء هذا، وحرمان ذاك.
                  ج: إن المورد الذي نتحدث عنه هو مما ورد فيه نص قرآني صريح، وقد اعترف عبد الجبار: بأن الرأي لا مورد له حيث يوجد نص.

                  ____________

                  1- راجع كلام السيد المرتضى والقاضي عبد الجبار في: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص201 و 202.
                  الصفحة 327 د: إن عبد الجبار اعترف: بأن أبا بكر قد جهل الحكم في مورد الكلالة، وفي سائر الموارد التي أشار إليها الشريف المرتضى (رحمه الله).
                  هـ: إن عبد الجبار قد خلط بين أمور كشفها أمير المؤمنين (عليه السلام) بوسائل مشروعة، وطبق عليها الأحكام الشرعية المنصوص عليها، وقد ذكرنا في كتابنا هذا عشرات الموارد التي من هذا القبيل.. وبين الموارد المنصوصة، وقد نسبها (عليه السلام) إلى نفسه، ليميز بين رأيه المستند للنص وبين رأي غيره المستند للتظني والحدس.
                  ونحن نعلم: أن علياً (عليه السلام) باب مدينة العلم، ومن أهل الذكر، وهو أعلى وأظهر مصاديق الراسخين في العلم..

                  تعليق


                  • أعتبت نفسك على الفاضي وأخذت تلصق وتنسخ...
                    يا حبيبي قلت لك تسويد الصفحات لا يأتي بنتيجة معي ..
                    أنت تحتج علي بكتبك التي هي ليست بحجة حتى عليكم ...
                    لا تفعلها ثانية ...كل ما نقلته لا قيمة له علميا لأنه ليس بحجة علي وبه إشكالات سندية ومتنية ضخمة .

                    تعليق


                    • المرتدون ومانعو الزكاة:
                      تقدم أن علياً (عليه السلام) قال لخالد بن الوليد حين أرسله أبو بكر ليأتي به من بانقيا: (ويلك، أتحسبني مالك بن نويرة الذي قتلته، ونكحت امرأته..)(1).
                      وزعموا أيضاً: ـ كما سيأتي ـ أن أبا بكر جعل علياً (عليه السلام) على أنقاب المدينة حين خاف هجوم طليحة بن خويلد، وغيره من المرتدين عليها..
                      فمن المناسب إعطاء لمحة عن حروب الردة هنا، فنقول:
                      هناك كلمات تتردد حتى أصبحت بمثابة مصطلحات يقصد بها مطلقوها أموراً بعينها، مثل: حروب الردة. وحروب مانعي الزكاة..
                      والمقصود الحقيقي بحروب الردة تلك الحروب التي خاضها أبو بكر ضد مناوئيه، مع شيء من التمويه في إطلاق هذا التعبير، حيث توسعوا فيه حتى أصبح يشمل حروبه مع مانعي الزكاة..

                      ____________


                      1- راجع: إرشاد القلوب للديلمي ص342 ـ 347 وبحار الأنوار ج29 ص55 والأنوار العلوية ص317.
                      الصفحة 92 ولا بد لنا من إلقاء نظرة خاطفة على هذا الموضوع، لأن لموقف علي (عليه السلام) من هذه الحروب بشقيها قيمة، وأهمية خاصة.
                      حتى لقد زعموا أن: بعض سبايا تلك الحروب قد وصل إلى علي، فاستولد من إحداهن: محمد بن الحنفية، ومن الثانية: عمر بن علي..
                      ونحن وإن كنا نعتقد: أن بعض ما ينسب إلى علي (عليه السلام) غير صحيح، أو أنه محرَّف إلى حد التزوير.. وبعضه لا يشك في صحته. إلا أن ذلك قد لا يكفي لوضوح الصورة في ذهن القارئ، لذلك بادرنا إلى تقديم بعض التوضيح والتصحيح. وذلك على النحو التالي:
                      الإرتداد على الأعقاب:
                      قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}(1).
                      وروي عن أبي وائل، وأبي سعيد الخدري، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة، وسعد بن عبادة، وأبي الدرداء، وسعيد بن المسيب، وسمرة بن جندب، وزيد بن خالد، وابن مسعود، وأبي وائل، وأبي حازم، وحذيفة، وابن عباس، وأنس، وأبي هريرة، وأبي بكر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والنص لابن عمر:

                      ____________


                      1- الآية 144 من سورة آل عمران.
                      الصفحة 93 لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض(1).
                      وعن أبي هريرة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (يرد عليَّ الحوض يوم القيامة رهط من أصحابي، فيحلؤون عن الحوض، فأقول: يا رب، يا رب أصحابي، أصحابي.
                      فيقال: إنك لا علم لك بما أحدثوا، إنهم ارتدوا على أدبارهم (أعقابهم)

                      ____________


                      1- مسند أحمد ج2 ص85 و 87 و 104 وج5 ص44 و 45 وصحيح البخاري ج5 ص126 وج7 ص112 وج8 ص35 و 91 وصحيح مسلم ج1 ص58 وسنن ابن ماجة ج2 ص1300 وسنن أبي داود ج2 ص409 وسنن النسائي ج7 ص126 وعمدة القاري ج18 ص41 وج22 ص195 وج24 ص34 و 188 والديباج على مسلم للسيوطي ج1 ص86 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص602 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص316 و 317 والسنن الكبرى للبيهقي ج5 ص140 ومسند أبي يعلى ج9 ص442 وصحيح ابن حبان ج1 ص416 والحد الفاصل للرامهرمزي ص486 والمعجم الكبير للطبراني ج12 ص318 وج10 ص155وتغليق التعليق لابن حجر ج5 ص110 والخلاف ج5 ص278 وجامع الخلاف والوفاق لعلي بن محمد القمي ص562 والمجموع للنووي ج19 ص155 ومجمع الزوائد للهيثمي ج6 ص283 وج7 ص295 وسبل الهدى والرشاد ج10 ص96 وتفسير البغوي ج1 ص418 والثقات لابن حبان ج6 ص81 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص433 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص378 وإمتاع الأسماع ج14 ص262 و 263.
                      الصفحة 94 القهقرى.
                      زاد في بعضها قوله: فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم.
                      وعن أم سلمة عنه (صلى الله عليه وآله): أيها الناس، بينا أنا على الحوض، إذ (جيء) مُرَّ بكم زمراً، فَتَفرَّقَ بكم الطرق، فأناديكم: ألا هلموا إلى الطريق، فيناديني مناد من ورائي: إنهم بدلوا بعدك، فأقول: ألا سحقاً، ألا سحقاً. أو نحو ذلك(1).

                      ____________


                      1- راجع ألفاظ الحديث في: صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح) ج6 ص69 و 70 و 122 وج8 ص136 و 148 و 150 و 151 و 149 و 169 و 202 وج9 ص58 و 59 و 63 و 64 و (ط دار الفكر) ج5 ص192 و 240 وج7 ص195 و 206 و 207 و 208 وج8 ص87 وصحيح مسلم ج1 ص58 و 150 وج7 ص67 و 68 و 70 و 71 و 96 و 122 و 123 وج8 ص157 ومسند أحمد ج1 ص235 و 253 و 384 و 402 و 406 و 407 و 425 و 439 و 453 وج3 ص28 و 102 و 281 وج5 ص48 و 50 و 339 و 388 و 393 و 400 و 412 وكنز العمال (ط الهند) ج11 رقم (1416) و (2416) و (2472) و (ط مؤسسة الرسالة) ج4 ص543 وج5 ص126 وج11 ص177 وج13 ص239 وج14 ص358 و 417 و 418 و 419 و 433 و 434 و 435 و 436 والمصنف للصنعاني ج11 ص407 والمغازي للواقدي ج1 ص410 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص159 و 160 و (ط دار الجيل) ج1 ص164 والجمع بين الصحيحين رقم (131) و (267). =

                      = وراجع: الإقتصاد للشيخ الطوسي ص213 وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج1 ص93 وشرح أصول الكافي ج12 ص131 و 378 و 379 وكتاب سليم بن قيس (تحقيق الأنصاري) ص163 و 270 وشرح الأخبار ج1 ص228 وج2 ص277 وكتاب الغيبة للنعماني ص54 والمسترشد ص229 والإفصاح للشيخ المفيد ص51 والتعجب للكراجكي ص89 وكنز الفوائد للكراجكي ص60 والعمدة لابن البطريق ص466 و 467 والطرائف لابن طاووس ص376 و 377 و 378 والملاحم لابن طاووس ص75 والصراط المستقيم ج2 ص81 وج3 ص107 و 140 و 230 وعوالي اللآلي ج1 ص59 ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص65 و 66 و 67 والصوارم المهرقة ص10 وكتاب الأربعين للشيرازي ص140 و 240 و 262 و 263 و 264 وبحار الأنوار ج8 ص16 و 27 وج23 ص165 وج28 ص19 و 24 و 25 و 26 و 27 و 28 و 29 و 127 و 282 وج29 ص566 وج31 ص145 وج37 ص168 وج69 ص148 ومناقب أهل البيت (عليهم السلام) للشيرواني ص394 و 395 والنص والإجتهاد ص524 و 525 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص103 والغدير ج3 ص296 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص175 ومكاتيب الرسول ج1 ص576 ومواقف الشيعة ج3 ص208 وميزان الحكمة ج2 ص1062 وج3 ص2188 وسنن ابن ماجة ج2 ص1016 سنن الترمذي ج4 ص38 وج5 ص4.
                      وراجع: سنن النسائي ج4 ص117 والمستدرك للحاكم ج3 ص501 وج4 ص452 وشرح مسلم للنـووي ج3 ص136 وج4 ص113 وج15 ص64 ومجـمـع = = الزوائد ج3 ص85 وج9 ص367 وج10 ص365 وفتح الباري ج11 ص333 وج13 ص3 وعمدة القاري ج15 ص243 وج18 ص217 وج19 ص65 وج23 ص106 و 137 و 140 وج24 ص176 وتحفة الأحوذي ج7 ص93 وج9 ص6 و 7 ومسند أبي داود الطيالسي ص343 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص415 وج8 ص139 و 602 ومسند ابن راهويه ج1 ص379 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص365 وتأويل مختلف الحديث ص217 والآحاد والمثاني ج5 ص352 والسنن الكبرى للنسائي ج1 ص669 وج6 ص339 و 408 ومسند أبي يعلى ج7 ص35 و 40 و 434 وج9 ص102 و 126 وصحيح ابن حبان ج16 ص344 والمعجم الأوسط ج1 ص125 وج6 ص351 وج7 ص166 والمعجم الكبير ج7 ص207 وج12 ص56 وج17 ص201 وج23 ص297 ومسند الشاميين ج3 ص16 و 310 وج4 ص34 ومسند الشهاب ج2 ص175 والإستذكار لابن عبد البر ج5 ص111 والتمهيد لابن عبد البر ج2 ص291 و 292 و 293 و 301 و 308 وج19 ص222 ورياض الصالحين للنووي ص138 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص241 وتغليق التعليق لابن حجر ج5 ص185 و 187 والجامع الصغير للسيوطي ج2 ص449 وفيض القدير ج5 ص450 وتفسير جوامع الجامع ج3 ص856 ومجمع البيان ج10 ص459 والأصفى ج2 ص1483 والصافي ج1 ص369 وج5 ص382 وج7 ص566 ونور الثقلين ج5 ص680 وكنز الدقائق ج2 ص195 والميزان ج3 ص380 وتفسير القرآن للصنعاني ج2 ص371 وجامع البيان ج4 ص55 وتفسير ابن أبي = = حاتم ج4 ص1254 ومعاني القرآن للنحاس ج2 ص382 وتفسير الثعلبي ج3 ص126 وج10 ص308 وتفسير السمعاني ج2 ص77 وج6 ص290 وتفسير البغوي ج2 ص76 وزاد المسير ج8 ص320 والجامع لأحكام القرآن ج4 ص168 وج6 ص361 و 377 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص124 وج3 ص261 وج4 ص595 والدر المنثور ج2 ص349 وج5 ص96 وج17 ص211 وج22 ص45 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص234 وعلل الدارقطني ج5 ص96 وج7 ص299 وتاريخ مدينة دمشق ج20 ص372 وج36 ص8 وج47 ص117 وسير أعلام النبلاء ج1 ص120 وتاريخ المدينة لابن شبة ج4 ص1251 والبداية والنهاية ج6 ص231 وإمتاع الأسماع ج3 ص305 و 306 وج14 ص222 و 223 وبشارة المصطفى للطبري ص217 والدر النظيم ص444 ونهج الإيمان لابن جبر ص583 والعدد القوية للحلي ص198 وسبل الهدى والرشاد الصالحي ج10 ص96 وينابيع المودة للقندوزي ج1 ص398 والنصائح الكافية لمحمد بن عقيل ص164 و 165.

                      تعليق


                      • قال المقبلي: (إن أحاديث (لا تدري ما أحدثوا بعدك) متواترة)(1).
                        المقصود بالآيات والروايات:
                        والناظر في الآية المباركة: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(2)، وفي الأحاديث التي ذكرت ارتداد أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)

                        ____________


                        1- أضواء على السنة المحمدية لأبي رية ص350 عن العلم الشامخ للمقبلي.
                        2- الآية 144 من سورة آل عمران.
                        الصفحة 98 يلاحظ أنها تخاطب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ممن كانوا معه وحوله. ولا تتحدث عن أناس لم يروا النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يعاشروه. ولم يصحبوه.. في حين نرى: أن الذين يسعى أنصار أبي بكر إلى تطبيق الآيات والروايات عليهم، ليسوا كذلك.. بل هم أناس بعيدون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويعيشون في مناطق نائية.. والقسم الكبير أو الأكبر منهم لم يكن من أصحابه، أو لم يره أصلاً.
                        وقد صرح (صلى الله عليه وآله) في بعض نصوص هذه الأحاديث بقوله: (ألا وقد رأيتموني، وسمعتم مني)(1). وذلك يدل على ما قلناه.
                        وفي نص آخر أن أبا علقمة قال لسعد بن عبادة: (ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون؟!
                        قال: إليك عنى، فوالله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا أنا مت تضل الأهواء، ويرجع الناس على أعقابهم، فالحق يومئذ مع علي (عليه السلام)، وكتاب الله بيده، لا نبايع لأحد غيره)(2).

                        ____________


                        1- مسند أحمد ج5 ص412 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص444 وكنز العمال ج5 ص126 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص204 والآحاد والمثاني للضحاك ج5 ص344 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص234 وذكر أخبار إصبهان ج2 ص6.
                        2- كتاب الأربعين للشيرازي ص228 وأعيان الشيعة ج7 ص225 وإحقاق الحق (الملحقات) ج2 ص348 و 296 عن كتاب المواهب لمحمد بن جرير الطبري الشافعي.
                        الصفحة 99 وهو أيضاً ظاهر في: أنه (صلى الله عليه وآله) إنما يتحدث عن خصوص من هم معه، وحوله.
                        ثم تكون نتيجة ذلك هي قوله (صلى الله عليه وآله) كما في طائفة من تلك النصوص: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم).
                        لا بد من التحديد:
                        وبعدما تقدم نقول:
                        إنه لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها، وعدم الخلط بين حروب الردة، وحروب مانعي الزكاة، فنحن إذن نتحدث عن كل قسم منهما على حدة، فنقول:
                        من هم المرتدون في حروب الردة؟!:
                        إن معرفة المرتدين، وتحديد هويتهم أمر مهم فيما يرتبط بفهم حقيقة ما جرى.. ومن أجل ذلك نقول:
                        زعموا: أن الردة بدأت بعد يوم السقيفة بعشرة أيام(1).
                        واختلفت كلمات المؤرخين من أتباع الخلفاء في تحديد المرتدين بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله).. فهناك من يبالغ في هذا الأمر بصورة تخرج عن المعقول، فلاحظ ما يلي:
                        قال بعضهم: (ارتدت العرب عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه

                        ____________


                        1- مروج الذهب ج3 ص41 (تحقيق شارل پلا).
                        الصفحة 100 وآله) ما خلا أهل المسجدين: مكة والمدينة)(1).
                        وقال سيف: (كفرت الأرض، وتضرمت ناراً، وارتدت العرب من كل قبيلة، خاصتها وعامتها، إلا قريشاً، وثقيفاً)(2).
                        ونلاحظ هنا: أن سيف بن عمر لم يستثن قبائل المدينة أيضاً من الردة، كما أنه أضاف ثقيفاً إلى قريش، ولم يضفها النص السابق!!
                        ثم إنه لم يقل: ارتدت كل قبائل العرب، بل قال: ارتدت العرب من كل قبيلة!!
                        ثم ذكر ما يدل على: أن الإرتداد كان قليلاً محدوداً جداً، ولعله ينحصر في خواص بني سليم(3)، وأن ثمة ارتداداً حصل في غطفان(4).

                        ____________


                        1- البداية والنهاية ج6 ص312 و (ط دار إحياء التراث العربي سنة 1408هـ) ج6 ص344 وعن مروج الذهب ج2 ص306.
                        2- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص242 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 والكامل في التاريخ ج2 ص342 وراجع: إمتاع الأسماع للمقريزي ج14 ص221 والمجازات النبوية للشريف الرضي ص125 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص209 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص65.
                        3- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص242 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص65 وإمتاع الأسماع ج14 ص221.
                        4- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص242 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 و 476 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص65 وراجع: تفسير الثعلبي ج4 = = ص78 والكامل في التاريخ ج2 ص342 وإمتاع الأسماع ج14 ص221.
                        الصفحة 101 ولكن سائر التعابير الأخرى، التي سبقت، وإن كانت قد حاولت إيهام وجود ردة واسعة، ولكن التأمل فيها يعطي: أنها لا تكفي للدلالة على ذلك، بل هي تدل على وجود رفض للتعامل مع الذين أمسكوا بزمام الحكم بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله).. مثل قول سيف:
                        (وقدمت كتب أمراء النبي من كل مكان بانتقاض القبائل، خاصة أو عامة)(1).
                        وفي جميع الأحوال نقول:
                        إن هذه التقييدات والإستثناءات تدل على عدم صحة قوله: إن العرب ارتدت باستثناء قريش وثقيف.
                        حروب الردة:
                        والحقيقة هي: أن عمدة من يسمون بالمرتدين هم: المتنبئون الذين جمعوا الجيوش لحرب المسلمين، وهم:
                        1 ـ الأسود العنسي.
                        2 ـ طليحة بن خويلد.
                        3 ـ مسيلمة الكذاب.

                        ____________


                        1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص243 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 والكامل في التاريخ ج2 ص343.
                        الصفحة 102 4 ـ سجاح.
                        5 ـ علقمة بن علاثة.
                        6 ـ أم زمل، سلمى بنت مالك.
                        غير أننا نقول:
                        إن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا هم الذين قصدتهم الآية الشريفة، والروايات التي تحدثت عن الردة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسببين:
                        أولهما: ما تقدم: من أن الخطاب فيها إنما هو لمن كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أصحابه القريبين منه، والموجودين معه وحوله، ويراهم ويرونه، ويعرفهم ويعرفونه..
                        الثاني: إن ردة هؤلاء ما عدا سجاح لم تكن بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل كانت قبلها.
                        وبيان ذلك كما يلي: إن الأسود العنسي، قتل في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخبرهم (صلى الله عليه وآله) بقتله(1).

                        ____________


                        1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص236 و 239 و 147 و 184 و 185 و 186 و 187 والكامل في التاريخ ج2 ص337 و340 و141 وراجع: الإستيعاب ج3 ص1266 وفقه القرآن للقطب الراوندي ج1 ص370 وتفسير الثعلبي ج4 ص77 والبحر المحيط ج3 ص522 والوافي بالوفيات ج24 ص72 والبداية والنهاية ج6 ص342 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص61.
                        الصفحة 103 وأما علقمة بن علاثة، فارتد أيضاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1).
                        وأما أم زمل، فلم يكن لها شأن يعتد به، وإنما انضوى إليها فلال غطفان، وتأشب إليها الشُّرداء في تلك المنطقة، لمواصلة الحرب مع خالد، كما زعموا. فراجع(2).
                        وكذلك الحال بالنسبة لطليحة، فقد تنبأ ووثب في بلاد أسد في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبعد ما أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم اشتكى في المحرم وجعه الذي قبضه تعالى منه، بعث حبال ابن أخيه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يدعوه إلى الموادعة(3).
                        وأما سجاح، فقد انضمت إلى مسيلمة. ولم تكن ذات خطر يذكر.

                        ____________


                        1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص262 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص490 والكامل في التاريخ ج2 ص349 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص71.
                        2- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص263 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص491 وراجع: معجم البلدان ج2 ص314 والأعلام للزركلي ج3 ص114 والكامل في التاريخ ج2 ص343 و 344.
                        3- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص185 و 186 و 187 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص431 والكامل في التاريخ ج2 ص343 و 344 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص154.
                        الصفحة 104 ومسيلمة ارتد وتنبأ في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً(1).
                        فظهر أن قولهم: (أول حرب كانت في الردة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) حرب العنسي. وقد كانت حرب العنسي باليمن)(2) غير صحيح.
                        كما أن قول سيف: (لما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفصل أسامة، ارتدت العرب عوام أو خواص، وتوحَّى(3) مسيلمة، وطليحة، فاستغلظ أمرهما) غير صحيح أيضاً.
                        وكذلك الحال بالنسبة لسائر الإدعاءات التي تدخل في هذا السياق.

                        ____________


                        1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص138 و 147 و 184 و 186 والثقات لابن حبان ج2 ص172 والفتح السماوي للمناوي ج2 ص569 وتنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات (شرح شواهد الكشاف لمحب الدين الأفندي) ص333 وتفسير الثعلبي ج4 ص77 وتفسير البغوي ج2 ص46 وتفسير البيضاوي ج2 ص337 وتفسير أبي السعود ج3 ص51 وتفسير الآلوسي ج6 ص161 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص130.
                        2- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص242 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 و 430 وراجع: الكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص337 وكنز العمال ج14 ص549.
                        3- توحَّى: ادَّعى نزول الوحي عليه.
                        الصفحة 105 روايات.. وشبهات وايضاحات:
                        وقد لوحظ: أن الروايات التي تذكر بعنوان أنها من تاريخ حروب الردة قد تضمنت أموراً لا تخلو من اشكالات كما أن بعض اللمحات فيها، تعطي ايضاحات عن سياسات الحكام وأهدافهم، وأساليب عملهم.. وما إلى ذلك، ونحن نذكر هنا نماذج من هذه الروايات، فلاحظ ما يلي:
                        علي (عليه السلام) على أنقاب المدينة بأمر الخليفة:
                        وذكروا: أنه لما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واجتمعت أسد، وغطفان، وطيء على طليحة بن خويلد، وانضوت إليه طوائف من قبائل أخرى، (بعثوا وفوداً، فقدموا المدينة، فنزلوا على وجوه الناس، فأنزلوهم ما خلا عباساً، فتحملوا بهم على أبي بكر، على أن يقيموا الصلاة، وعلى أن لا يؤتوا الزكاة. فعزم الله لأبي بكر على الحق، وقال: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه.
                        وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة مع الصدقة.
                        فردهم، فرجع وفد من يلي المدينة من المرتدة إليهم، فأخبروا عشائرهم بقلة من أهل المدينة، وأطمعوهم فيها.
                        وجعل أبو بكر بعدما أخرج الوفد على أنقاب المدينة نفراً: علياً، والزبير، وطلحة، وعبد الله بن مسعود. وأخذ أهل المدينة بحضور المسجد، وقال لهم: إن الأرض كافرة. وقد رأى وفدهم منكم قلة، وإنكم لا تدرون أليلاً تُؤتون أم نهاراً، وأدناهم منكم على بريد. وقد كان القوم يأملون أن
                        </span>الصفحة 106 نقبل منهم ونواعدهم، وقد أبينا عليهم، ونبذنا إليهم عهدهم، فاستعدوا وأعدوا.
                        فما لبثوا إلا ثلاثاً حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل، وخلفوا بعضهم بذى حسمى، ليكونوا لهم ردءاً، فوافق الغُوّار ليلاً الأنقاب، وعليها المقاتلة، ودونهم أقوام يدرجون فنبهوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر. فأرسل إليهم أبو بكر: أن الزموا أماكنكم.
                        ففعلوا، وخرج في أهل المسجد على النواضح إليهم، فانفشَّ العدو، فأتبعهم المسلمون على إبلهم الخ..
                        ثم ذكروا: أن المسلمين حين بلغوا إلى حسىً، خرج عليهم أهل الردء بأنحاء قد نفخوها، فدهدهوها في وجوه الإبل، فنفرت بهم الإبل. حتى دخلت بهم المدينة، فلم يصرع مسلم، ولم يصب)(1).
                        ونقول:
                        هناك أمور تلفت نظرنا في هذه الرواية، نذكر منها ما يلي:
                        لماذا استثناء العباس؟!:
                        ذكرت الرواية المتقدمة: أن الوفود نزلت على وجوه الناس، فأنزلوهم ما خلا عباساً.

                        ____________


                        1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص244 ـ 245 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص477 و 478 والكامل في التاريخ ج2 ص344 و 345 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص159 و 160 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص154.
                        الصفحة 107 ونقول:
                        أولاً: إن كان المراد أن الوفود لم تنزل على العباس! فيرد سؤال: لماذا هذا الإستثناء للعباس يا ترى؟! ألعداوة لهم معه؟!
                        وإن كان المراد: أن العباس لم يرض بإنزال تلك الوفود، فيرد سؤال: لماذا يمتنع العباس من إنزالهم؟!
                        هل كان ذلك لبخله؟! أم لتغيظه عليهم، وعدم رضاه بما جاؤوا من أجله؟!
                        ومن الذي أخبره بطبيعة المهمة التي جاءت تلك الوفود من أجلها؟!
                        ثانياً: هل نزلت تلك الوفود على علي (عليه السلام)، أو على غيره، من وجوه بني هاشم؟!
                        أم أنهم تحاشوا علياً (عليه السلام) أيضاً لعلمهم برأيه وموقفه السلبي منهم، ومن عروضهم؟!
                        وإذا كانوا لم ينزلوا عليه، فلماذا لم يشر النص إلى ذلك؟!
                        ثالثاً: ما معنى: أن يتوسط المسلمون لأولئك المرتدين حسب زعمهم، ليضع عنهم الزكاة؟!
                        فإن كان يعد منع الزكاة ارتداداً، فما حكم من يعين المرتدين على تحقيق ما به يكون الإرتداد.. أو على معصية الله في أمر يوجب إحلال دمائهم؟!
                        عقل الصدقة على أهل الصدقة:
                        وزعمت الرواية: أن عقل البعير ـ وهو الحبل الذي يعقل به، الذي
                        </span>

                        تعليق


                        • المشاركة الأصلية بواسطة كرار أحمد
                          أعتبت نفسك على الفاضي وأخذت تلصق وتنسخ...
                          يا حبيبي قلت لك تسويد الصفحات لا يأتي بنتيجة معي ..
                          أنت تحتج علي بكتبك التي هي ليست بحجة حتى عليكم ...
                          لا تفعلها ثانية ...كل ما نقلته لا قيمة له علميا لأنه ليس بحجة علي وبه إشكالات سندية ومتنية ضخمة .


                          والله ماعندنا صبغ نصبغ فيه الوجوه المسوده لصهاك وحنتمه وهند وسميه ومرجانه شوفلك شركة حليب رضاعه وهابيه بالاسواق والشوارع والمدارس والدوائر من نهود الوهابيات..؟
                          قال المقبلي: (إن أحاديث (لا تدري ما أحدثوا بعدك) متواترة)(1).
                          المقصود بالآيات والروايات:
                          والناظر في الآية المباركة: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(2)، وفي الأحاديث التي ذكرت ارتداد أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)

                          ____________


                          1- أضواء على السنة المحمدية لأبي رية ص350 عن العلم الشامخ للمقبلي.
                          2- الآية 144 من سورة آل عمران.
                          الصفحة 98
                          يلاحظ أنها تخاطب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ممن كانوا معه وحوله. ولا تتحدث عن أناس لم يروا النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يعاشروه. ولم يصحبوه.. في حين نرى: أن الذين يسعى أنصار أبي بكر إلى تطبيق الآيات والروايات عليهم، ليسوا كذلك.. بل هم أناس بعيدون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويعيشون في مناطق نائية.. والقسم الكبير أو الأكبر منهم لم يكن من أصحابه، أو لم يره أصلاً.
                          وقد صرح (صلى الله عليه وآله) في بعض نصوص هذه الأحاديث بقوله: (ألا وقد رأيتموني، وسمعتم مني)(1). وذلك يدل على ما قلناه.
                          وفي نص آخر أن أبا علقمة قال لسعد بن عبادة: (ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون؟!
                          قال: إليك عنى، فوالله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا أنا مت تضل الأهواء، ويرجع الناس على أعقابهم، فالحق يومئذ مع علي (عليه السلام)، وكتاب الله بيده، لا نبايع لأحد غيره)(2).

                          ____________


                          1- مسند أحمد ج5 ص412 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص444 وكنز العمال ج5 ص126 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص204 والآحاد والمثاني للضحاك ج5 ص344 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص234 وذكر أخبار إصبهان ج2 ص6.
                          2- كتاب الأربعين للشيرازي ص228 وأعيان الشيعة ج7 ص225 وإحقاق الحق (الملحقات) ج2 ص348 و 296 عن كتاب المواهب لمحمد بن جرير الطبري الشافعي.
                          الصفحة 99
                          وهو أيضاً ظاهر في: أنه (صلى الله عليه وآله) إنما يتحدث عن خصوص من هم معه، وحوله.
                          ثم تكون نتيجة ذلك هي قوله (صلى الله عليه وآله) كما في طائفة من تلك النصوص: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم).
                          لا بد من التحديد:
                          وبعدما تقدم نقول:
                          إنه لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها، وعدم الخلط بين حروب الردة، وحروب مانعي الزكاة، فنحن إذن نتحدث عن كل قسم منهما على حدة، فنقول:
                          من هم المرتدون في حروب الردة؟!:
                          إن معرفة المرتدين، وتحديد هويتهم أمر مهم فيما يرتبط بفهم حقيقة ما جرى.. ومن أجل ذلك نقول:
                          زعموا: أن الردة بدأت بعد يوم السقيفة بعشرة أيام(1).
                          واختلفت كلمات المؤرخين من أتباع الخلفاء في تحديد المرتدين بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله).. فهناك من يبالغ في هذا الأمر بصورة تخرج عن المعقول، فلاحظ ما يلي:
                          قال بعضهم: (ارتدت العرب عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه

                          ____________


                          1- مروج الذهب ج3 ص41 (تحقيق شارل پلا).
                          الصفحة 100
                          وآله) ما خلا أهل المسجدين: مكة والمدينة)(1).
                          وقال سيف: (كفرت الأرض، وتضرمت ناراً، وارتدت العرب من كل قبيلة، خاصتها وعامتها، إلا قريشاً، وثقيفاً)(2).
                          ونلاحظ هنا: أن سيف بن عمر لم يستثن قبائل المدينة أيضاً من الردة، كما أنه أضاف ثقيفاً إلى قريش، ولم يضفها النص السابق!!
                          ثم إنه لم يقل: ارتدت كل قبائل العرب، بل قال: ارتدت العرب من كل قبيلة!!
                          ثم ذكر ما يدل على: أن الإرتداد كان قليلاً محدوداً جداً، ولعله ينحصر في خواص بني سليم(3)، وأن ثمة ارتداداً حصل في غطفان(4).

                          ____________


                          1- البداية والنهاية ج6 ص312 و (ط دار إحياء التراث العربي سنة 1408هـ) ج6 ص344 وعن مروج الذهب ج2 ص306.
                          2- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص242 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 والكامل في التاريخ ج2 ص342 وراجع: إمتاع الأسماع للمقريزي ج14 ص221 والمجازات النبوية للشريف الرضي ص125 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص209 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص65.
                          3- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص242 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص65 وإمتاع الأسماع ج14 ص221.
                          4- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص242 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 و 476 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص65 وراجع: تفسير الثعلبي ج4 = = ص78 والكامل في التاريخ ج2 ص342 وإمتاع الأسماع ج14 ص221.
                          الصفحة 101
                          ولكن سائر التعابير الأخرى، التي سبقت، وإن كانت قد حاولت إيهام وجود ردة واسعة، ولكن التأمل فيها يعطي: أنها لا تكفي للدلالة على ذلك، بل هي تدل على وجود رفض للتعامل مع الذين أمسكوا بزمام الحكم بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله).. مثل قول سيف:
                          (وقدمت كتب أمراء النبي من كل مكان بانتقاض القبائل، خاصة أو عامة)(1).
                          وفي جميع الأحوال نقول:
                          إن هذه التقييدات والإستثناءات تدل على عدم صحة قوله: إن العرب ارتدت باستثناء قريش وثقيف.
                          حروب الردة:
                          والحقيقة هي: أن عمدة من يسمون بالمرتدين هم: المتنبئون الذين جمعوا الجيوش لحرب المسلمين، وهم:
                          1 ـ الأسود العنسي.
                          2 ـ طليحة بن خويلد.
                          3 ـ مسيلمة الكذاب.

                          ____________


                          1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص243 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 والكامل في التاريخ ج2 ص343.
                          الصفحة 102
                          4 ـ سجاح.
                          5 ـ علقمة بن علاثة.
                          6 ـ أم زمل، سلمى بنت مالك.
                          غير أننا نقول:
                          إن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا هم الذين قصدتهم الآية الشريفة، والروايات التي تحدثت عن الردة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسببين:
                          أولهما: ما تقدم: من أن الخطاب فيها إنما هو لمن كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أصحابه القريبين منه، والموجودين معه وحوله، ويراهم ويرونه، ويعرفهم ويعرفونه..
                          الثاني: إن ردة هؤلاء ما عدا سجاح لم تكن بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل كانت قبلها.
                          وبيان ذلك كما يلي: إن الأسود العنسي، قتل في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخبرهم (صلى الله عليه وآله) بقتله(1).

                          ____________


                          1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص236 و 239 و 147 و 184 و 185 و 186 و 187 والكامل في التاريخ ج2 ص337 و340 و141 وراجع: الإستيعاب ج3 ص1266 وفقه القرآن للقطب الراوندي ج1 ص370 وتفسير الثعلبي ج4 ص77 والبحر المحيط ج3 ص522 والوافي بالوفيات ج24 ص72 والبداية والنهاية ج6 ص342 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص61.
                          الصفحة 103
                          وأما علقمة بن علاثة، فارتد أيضاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1).
                          وأما أم زمل، فلم يكن لها شأن يعتد به، وإنما انضوى إليها فلال غطفان، وتأشب إليها الشُّرداء في تلك المنطقة، لمواصلة الحرب مع خالد، كما زعموا. فراجع(2).
                          وكذلك الحال بالنسبة لطليحة، فقد تنبأ ووثب في بلاد أسد في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبعد ما أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم اشتكى في المحرم وجعه الذي قبضه تعالى منه، بعث حبال ابن أخيه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يدعوه إلى الموادعة(3).
                          وأما سجاح، فقد انضمت إلى مسيلمة. ولم تكن ذات خطر يذكر.

                          ____________


                          1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص262 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص490 والكامل في التاريخ ج2 ص349 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص71.
                          2- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص263 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص491 وراجع: معجم البلدان ج2 ص314 والأعلام للزركلي ج3 ص114 والكامل في التاريخ ج2 ص343 و 344.
                          3- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص185 و 186 و 187 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص431 والكامل في التاريخ ج2 ص343 و 344 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص154.
                          الصفحة 104
                          ومسيلمة ارتد وتنبأ في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً(1).
                          فظهر أن قولهم: (أول حرب كانت في الردة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) حرب العنسي. وقد كانت حرب العنسي باليمن)(2) غير صحيح.
                          كما أن قول سيف: (لما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفصل أسامة، ارتدت العرب عوام أو خواص، وتوحَّى(3) مسيلمة، وطليحة، فاستغلظ أمرهما) غير صحيح أيضاً.
                          وكذلك الحال بالنسبة لسائر الإدعاءات التي تدخل في هذا السياق.

                          ____________


                          1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص138 و 147 و 184 و 186 والثقات لابن حبان ج2 ص172 والفتح السماوي للمناوي ج2 ص569 وتنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات (شرح شواهد الكشاف لمحب الدين الأفندي) ص333 وتفسير الثعلبي ج4 ص77 وتفسير البغوي ج2 ص46 وتفسير البيضاوي ج2 ص337 وتفسير أبي السعود ج3 ص51 وتفسير الآلوسي ج6 ص161 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص130.
                          2- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص242 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص475 و 430 وراجع: الكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص337 وكنز العمال ج14 ص549.
                          3- توحَّى: ادَّعى نزول الوحي عليه.
                          الصفحة 105
                          روايات.. وشبهات وايضاحات:
                          وقد لوحظ: أن الروايات التي تذكر بعنوان أنها من تاريخ حروب الردة قد تضمنت أموراً لا تخلو من اشكالات كما أن بعض اللمحات فيها، تعطي ايضاحات عن سياسات الحكام وأهدافهم، وأساليب عملهم.. وما إلى ذلك، ونحن نذكر هنا نماذج من هذه الروايات، فلاحظ ما يلي:
                          علي (عليه السلام) على أنقاب المدينة بأمر الخليفة:
                          وذكروا: أنه لما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واجتمعت أسد، وغطفان، وطيء على طليحة بن خويلد، وانضوت إليه طوائف من قبائل أخرى، (بعثوا وفوداً، فقدموا المدينة، فنزلوا على وجوه الناس، فأنزلوهم ما خلا عباساً، فتحملوا بهم على أبي بكر، على أن يقيموا الصلاة، وعلى أن لا يؤتوا الزكاة. فعزم الله لأبي بكر على الحق، وقال: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه.
                          وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة مع الصدقة.
                          فردهم، فرجع وفد من يلي المدينة من المرتدة إليهم، فأخبروا عشائرهم بقلة من أهل المدينة، وأطمعوهم فيها.
                          وجعل أبو بكر بعدما أخرج الوفد على أنقاب المدينة نفراً: علياً، والزبير، وطلحة، وعبد الله بن مسعود. وأخذ أهل المدينة بحضور المسجد، وقال لهم: إن الأرض كافرة. وقد رأى وفدهم منكم قلة، وإنكم لا تدرون أليلاً تُؤتون أم نهاراً، وأدناهم منكم على بريد. وقد كان القوم يأملون أن
                          </SPAN>الصفحة 106
                          نقبل منهم ونواعدهم، وقد أبينا عليهم، ونبذنا إليهم عهدهم، فاستعدوا وأعدوا.
                          فما لبثوا إلا ثلاثاً حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل، وخلفوا بعضهم بذى حسمى، ليكونوا لهم ردءاً، فوافق الغُوّار ليلاً الأنقاب، وعليها المقاتلة، ودونهم أقوام يدرجون فنبهوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر. فأرسل إليهم أبو بكر: أن الزموا أماكنكم.
                          ففعلوا، وخرج في أهل المسجد على النواضح إليهم، فانفشَّ العدو، فأتبعهم المسلمون على إبلهم الخ..
                          ثم ذكروا: أن المسلمين حين بلغوا إلى حسىً، خرج عليهم أهل الردء بأنحاء قد نفخوها، فدهدهوها في وجوه الإبل، فنفرت بهم الإبل. حتى دخلت بهم المدينة، فلم يصرع مسلم، ولم يصب)(1).
                          ونقول:
                          هناك أمور تلفت نظرنا في هذه الرواية، نذكر منها ما يلي:
                          لماذا استثناء العباس؟!:
                          ذكرت الرواية المتقدمة: أن الوفود نزلت على وجوه الناس، فأنزلوهم ما خلا عباساً.

                          ____________


                          1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص244 ـ 245 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص477 و 478 والكامل في التاريخ ج2 ص344 و 345 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص159 و 160 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص154.
                          الصفحة 107
                          ونقول:
                          أولاً: إن كان المراد أن الوفود لم تنزل على العباس! فيرد سؤال: لماذا هذا الإستثناء للعباس يا ترى؟! ألعداوة لهم معه؟!
                          وإن كان المراد: أن العباس لم يرض بإنزال تلك الوفود، فيرد سؤال: لماذا يمتنع العباس من إنزالهم؟!
                          هل كان ذلك لبخله؟! أم لتغيظه عليهم، وعدم رضاه بما جاؤوا من أجله؟!
                          ومن الذي أخبره بطبيعة المهمة التي جاءت تلك الوفود من أجلها؟!
                          ثانياً: هل نزلت تلك الوفود على علي (عليه السلام)، أو على غيره، من وجوه بني هاشم؟!
                          أم أنهم تحاشوا علياً (عليه السلام) أيضاً لعلمهم برأيه وموقفه السلبي منهم، ومن عروضهم؟!
                          وإذا كانوا لم ينزلوا عليه، فلماذا لم يشر النص إلى ذلك؟!
                          ثالثاً: ما معنى: أن يتوسط المسلمون لأولئك المرتدين حسب زعمهم، ليضع عنهم الزكاة؟!
                          فإن كان يعد منع الزكاة ارتداداً، فما حكم من يعين المرتدين على تحقيق ما به يكون الإرتداد.. أو على معصية الله في أمر يوجب إحلال دمائهم؟!
                          عقل الصدقة على أهل الصدقة:
                          وزعمت الرواية: أن عقل البعير ـ وهو الحبل الذي يعقل به، الذي
                          </SPAN>

                          تعليق


                          • يعطى صدقة ـ كان على أهل الصدقة مع الصدقة(1).
                            وهو كلام غير ظاهر الوجه..
                            أولاً: إن الله فرض على الناس صدقة أموالهم، ولم يفرض عقلها. كما أنه حين فرض زكاة الغلات لم يفرض عليهم إعطاء أوعيتها، ولا فرض خطام البعير، وغير ذلك مما يحفظ به البقر أو الغنم.
                            ثانياً: إن هذا التعبير يقول: إن هذا الحكم كان ثابتاً على الناس آنئذٍ، والسؤال هو: هل يفهم من ذلك: أنه لم يعد ثابتاً بعد ذلك الزمان؟!
                            فإن كان هذا، فإن الأسئلة سوف تصبح كثيرة.. وأظهرها السؤال عن الفرق بين ذلك الزمان، وهذا الزمان!!
                            وعن النص الذي أثبت هذا الحكم، وعن النص الذي نسخ هذا الحكم الثابت.. وعن المشرِّع الذي رفع الحكم في وقت كان (صلى الله عليه وآله) قد توفي.. وغير ذلك..
                            ثالثاً: قد اختلفت روايات هذه الفقرة، ففي بعضها: لو منعوني عقالاً.. وفسر أبو عبيد العقال في كلام أبي بكر بصدقة العام من الإبل(2).
                            وهناك أقوال أخرى، وتردها كلها الروايات التي تقول: لو منعوني عقال بعير.

                            ____________


                            1- راجع: تاج العروس ج8 ص27 والنهاية لابن الأثير ج3 ص118.
                            2- راجع: تاج العروس ج8 ص28 والنهاية لابن الأثير ج3 ص118.
                            الصفحة 109 ويردها أيضاً الرواية التي تقول: لو منعوني عناقاً، أو جدياً(1).
                            رابعاً: إن راوي هذه الرواية هو سيف بن عمر، المعروف بالكذب، كما أثبته العلامة العسكري، فلا قيمة لما يرويه، إلا ما وافق غيره فيه.
                            علي (عليه السلام) على أنقاب المدينة:
                            وأما حديث: أن أبا بكر جعل علياً (عليه السلام) والزبير على أنقاب المدينة خوفاً من غارة المرتدين عليها. فنحن لا ننكر غيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) على حفظ الإسلام وأهله، غير أننا نقول:
                            أولاً: إن هذه الرواية من نتاج سيف بن عمر المتهم بالكذب وتزوير الحقائق، وإنما يقبل من كلام الكذابين ما يوافقهم عليه غيرهم بعد تمامية سائر شرائط القبول.. ولم نجد له موافقاً له في هذا الأمر.
                            ثانياً: سيأتي عن قريب: أن أبا بكر استشار في إرسال علي (عليه السلام) لقتال الأشعث بن قيس، فلم يرض بذلك عمر، معللاً ذلك: بأن علياً (عليه السلام) لا يقبل، وهو إن رفض لم يجد أبو بكر من يرسله إليهم إلا بالإكراه(2).

                            ____________


                            1- راجع: تاج العروس ج8 ص28 والنهاية لابن الأثير ج3 ص118.
                            2- راجع: كتاب الفتوح لابن أعثم (ط الهند) ج1 ص72 و (ط دار الأضواء) ج1 ص57 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ ج3 ص79 عن الردة 197.
                            الصفحة 110 وسيأتي: أنه (عليه السلام) أيضاً رفض أن يخرج مع عمر بن الخطاب إلى الشام. وقد شكى عمر ذلك لابن عباس(1).
                            كما أنه رفض طلب عمر بأن يخرج إلى حرب الفرس كما سيأتي(2).
                            ثالثاً: إن أبا بكر كان يعرف موقف علي (عليه السلام) منه ومن حكومته، ومن أوامره التي يصدرها.. ولم يكن أبو بكر ليجرؤ على أمر علي (عليه السلام) بالقيام بأي شيء من هذا القبيل..
                            وقد ذكرت بعض الروايات التي فصَّلت لنا محاولة خالد بن الوليد قتل علي (عليه السلام)، ثم تطويقه عنق خالد بعمود من حديد، ولم يجد أبو بكر بداً من التوسل بعلي (عليه السلام) لفكه عن عنق خالد ـ ذكرت ـ أن أبا بكر قال لعلي (عليه السلام):
                            (فنضيف هذا إلى تقاعدك عن نصرة الإسلام، وقلة رغبتك في الجهاد، فبهذا أمرك الله ورسوله، أم عن نفسك تفعل هذا؟!
                            فقال علي (عليه السلام): يا أبا بكر! وعلى مثلي يتفقه الجاهلون؟! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمركم ببيعتي، وفرض عليكم طاعتي، وجعلني فيكم كبيت الله الحرام، يؤتى ولا يأتي..

                            ____________


                            1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص72 وبحار الأنوار ج29 ص638 ومكاتيب الرسول ج3 ص707 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ ج2 ص390 وج3 ص88 وغاية المرام ج6 ص92.
                            2- مروج الذهب ج2 ص309 و 310.
                            الصفحة 111 إلى أن قال: وأعلمني عن ربي سبحانه بأني لست أسل سيفاً إلا في ثلاثة مواطن بعد وفاته، فقال: تقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين، ولم يقرب أوان ذلك بعد الخ..)(1).
                            وثمة نصوص أخرى تشير إلى رفضه بعض ما كانوا يطلبونه منه (عليه السلام).
                            إذا عرف السبب بطل العجب:
                            ونحن لا نريد أن ندَّعي علم الغيب فيما يرتبط بما دعا سيف بن عمر لتدبيج هذه الأحداث، التي تفرد بها عن كل من عداه..
                            غير أننا إذا قارنا الأمور مع أشباهها، فلعلنا نطمئن إلى أنه يريد بها إظهار تسليم علي (عليه السلام) لأمر الخليفة، وهيمنة الخليفة عليه، وتحوله من معترض على اغتصاب الخلافة إلى جندي ينفذ أوامر سيده، دون أن تكون له أية ميزة على الزبير، وطلحة، وابن مسعود.
                            ومن الواضح: أن هذا يتضمن اقراراً بمشروعية الواقع المفروض ويساعد على تشويه الصورة الحقيقية للامور.
                            الحكام لا يريدون الإستفادة من علي (عليه السلام):
                            وفي قصة الأشعث بن قيس قال أبو بكر لعمر بن الخطاب: (إني عزمت

                            ____________


                            1- راجع: إرشاد القلوب للديلمي ص378 ـ 384 والأنوار العلوية ص151 وبحار الأنوار ج29 ص171 و 172 ورواه المجلسي عن بعض الكتب القديمة.
                            الصفحة 112 على أن أوجه إلى هؤلاء القوم علي بن أبي طالب، فإنه عدل رضا عند أكثر الناس؛ لفضله، وشجاعته، وقرابته، وعلمه، وفهمه، ورفقه بما يحاول من الأمور.
                            قال: فقال له عمر بن الخطاب: صدقت يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)! إن علياً كما ذكرت، وفوق ما وصفت، ولكني أخاف عليك خصلة منه واحدة.
                            قال له أبو بكر: وما هذه الخصلة التي تخاف علي منها منه؟!
                            فقال عمر: أخاف أن يأبى لقتال القوم فلا يقاتلهم، فإن أبى ذلك، فلن تجد أحداً يسير إليهم إلا على المكروه منه..
                            ولكن ذر علياً يكون عندك بالمدينة، فإنك لا تستغني عنه، وعن مشورته، وأكتب إلى عكرمة بن أبي جهل الخ..)(1).
                            ونقول:
                            لاحظ ما يلي:
                            أولاً: إن شهادة أبي بكر بموقعية علي (عليه السلام) عند الناس، وأنه عدل رضا عند أكثرهم. ثم اعترف عمر بن الخطاب بأن علياً (عليه السلام) إن رفض المشاركة، فلن يجد أبو بكر من يرضى بالخروج لقتال الأشعث.

                            ____________


                            1- كتاب الفتوح لابن أعثم (ط الهند) ج1 ص72 و (ط دار الأضواء) ج1 ص57 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ ج3 ص79 عن الردة 19.

                            تعليق


                            • معناه: أن علياً (عليه السلام) كان هو الميزان الشرعي، وهو الفارق بنظر الناس بين الحق والباطل.. كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                              ثانياً: شهادة مناوئي علي له (عليه السلام) بالفضل والعلم، والفهم، والشجاعة.. تشير إلى يأسهم من جدوى انكار ذلك باستمرار.
                              ثالثاً: شهادتهم له (عليه السلام) بحسن السياسة، وبالرفق فيما يحاول من الأمور، جاءت على عكس ما أشاعوا عنه (عليه السلام)، من أنه ليس من أهل السياسة.
                              رابعاً: يلاحظ هنا: أن عمر يقرر، وأبو بكر يعترف، بأنه لا غنى عن علي (عليه السلام) وعن مشورته..
                              وهذه أمور هامة جديرة بالتوقف عندها، وهي تفيد في جلاء كثير من الأمور، ودفع ما يحاول أعداء علي (عليه السلام) وصمه به وإشاعته عنه.
                              مصير الأشعث:
                              وجدير بالقول هنا: أن الأمور قد انتهت بالأشعث إلى أسره، ولكنه الأسر جاء حافلاً بالدلالات، غني باللمحات التي يحسن التوقف عندها والتأمل فيها، فليلاحظ مثلاً:
                              1 ـ جرأة الأشعث على أبي بكر، حيث سأله أبو بكر عما يراه صانعاً به بعد أن فعل ما فعل.
                              فقال الأشعث بحزم وثبات: تمنَّ عليَّ، فتفكني من الحديد، وتزوجني أختك، فإني قد راجعت وأسلمت.
                              </span>الصفحة 114 2 ـ سرعة استجابة أبي بكر لطلبه الزواج من أخته أم فروة بنت أبي قحافة، حيث لم يناقش ولم يتردد، بل قال مباشرة: قد فعلت.
                              مع أنه كان في غاية العنف على غيره من الخارجين، أو من نسب إليهم ذلك بغير حق.
                              وحسبك من ذلك دفاعه عن خالد، رغم ما فعله بمالك بن نويرة، فقد قتله، وهو مسلم، وزنى بزوجته بعد قتله مباشرة.
                              وأحرق الفجاءة.. وأصدر أوامره لقادته بإحراق كل من لم يظهر الخضوع والإستسلام.
                              فلماذا هذه الرقة على الأشعث هنا، وتلك القسوة هناك؟! وكيف نفسر هذه الإزدواجية في المواقف؟! وأين هو من قوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}(1).

                              ____________


                              1- الآية 29 من سورة الفتح.

                              تعليق


                              • التهويل والتضخيم:
                                هناك تهويلات كثيرة وتأكيدات قوية، حول ارتداد أناس زعموا أنهم منعوا الزكاة، فقد قالوا: (وقد جاءته وفود العرب مرتدين، يقرون بالصلاة، ويمنعون الزكاة، فلم يقبل ذلك منهم وردهم)(1).
                                ولكنهم لم يستطيعوا أن يقدموا شرحاً وتفصيلاً يتناغم مع حجم هذا الادعاء العريض سوى، مالك بن نويرة الذي هو الفرد الأبرز لمن اتهموهم بالردة، ثم قتلوهم لأجل امتناعهم من الإعتراف بحكومة أبي بكر. وهو الذي أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يؤنب خالد بن الوليد.
                                بالاضافة إلى موارد أخرى يسيرة ومحدودة جداً زعموا: أن بعض الناس منعوا الزكاة فيها فحوربوا.
                                إلا أن بعض الباحثين يرى: أن العرب كانوا يتوقعون أن يصير الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام)، فلما توفي (صلى الله عليه وآله)، وجاءتهم الأخبار حول انتقال الأمر إلى أبي بكر تريثوا في

                                ____________


                                1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص241 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص474 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص209.
                                الصفحة 118 أمرهم، انطلاقاً مما عرفوه من بيعة يوم الغدير وغير ذلك، فخشي أبو بكر أن يتسع هذا الأمر بين القبائل العربية.. فينضم إلى مالك بن نويرة غيره، ويضعف موقع أبي بكر في الحكم، وتسقط هيبته. وربما تصبح حكومته في خطر إذا وجد علي (عليه السلام) في هؤلاء ما يكفي لتصعيد مستوى المطالبة بحقه الذي أخذ منه..
                                فقرر أبو بكر: أن يورد ضربته القاضية، فجهز خالد بن الوليد إليهم.. وفعل بمالك بن نويرة ما فعل.. ليعتبر به الآخرون.. وهكذا كان.
                                وعدا ذلك، فإن بعض الباحثين يشك في وجود أكثر أهل الردة.
                                ونحن نشير أولاً: إلى قصة مالك بن نويرة، ثم نشير إلى كلام ذلك الباحث، فنقول:
                                1 ـ حديث مالك:
                                يمكن تلخيص حديث مالك بن نويرة على النحو التالي:
                                قالوا: إن سجاح بنت الحارث تَنَبّتْ بالجزيرة في بني تغلب، وجاءت بمن معها لغزو أبي بكر، فلما انتهت إلى الحزن راسلت مالك بن نويرة، ودعته إلى الموادعة، فأجابها. وفثأها عن غزوها. وحملها على أحياء من بني تميم. وصالحها أيضاً وكيع وسماعة وغيرهما(1).

                                ____________


                                1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص268 ـ 271 وراجع ص276 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص496 والكامل في التاريخ ج2 ص354 وإمتاع الأسماع ج14 ص241.
                                الصفحة 119 إلى أن قال الطبري: (ولما رجع الهذيل وعقة إليها، واجتمع رؤساء أهل الجزيرة، قالوا لها: ما تأمريننا؟! فقد صالح مالك ووكيع قومهما، فلا ينصروننا، ولا يريدوننا على أن نجوز في أرضهم، وقد عاهدنا هؤلاء القوم)(1).
                                ثم يذكر الطبري ما جرى بين سجاح ومسيلمة، وانصرافها إلى الجزيرة.. فلما جاء مسيلمة إلى أهل البطاح بادر وكيع وسماعة إلى إخراج الصدقات، فاستقبلا بها خالد.
                                فقال لهما خالد: ما حملكما على موادعة هؤلاء القوم.
                                فقالا: ثأر كنا نطلبه في بنى ضبة، وكانت أيام تشاغل وفرص.
                                ثم سار خالد يريد البطاح دون الحزن، وعليها مالك بن نويرة. وتخلف الأنصار عن خالد.. ثم لحقوا به(2).
                                إستشهاد مالك بن نويرة:
                                وقدم خالد بن الوليد البطاح، فلم يجد بها أحداً، وكان مالك بن نويرة قد فرَّقهم ونهاهم عن الإجتماع، وقال:
                                يا بني يربوع، إنَّا دعينا إلى هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح، وقد نظرت

                                ____________


                                1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص271 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص498.
                                2- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص276 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص501 والكامل في التاريخ ج2 ص357 و 358.

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 31-07-2025, 10:09 PM
                                ردود 0
                                16 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 31-07-2025, 10:03 PM
                                ردود 0
                                4 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 30-07-2025, 12:33 AM
                                ردود 0
                                28 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 30-07-2025, 12:31 AM
                                ردود 0
                                9 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 30-07-2025, 12:28 AM
                                ردود 0
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                يعمل...
                                X