إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

القدس ..فتحها عمر ..وحررها صلاح الدين ..فمن لها الآن ؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيه فرأيت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة، وإذا الأمر لا يسوسه الناس، فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم، فتفرقوا، وادخلوا في هذا الأمر.
    فتفرقوا على ذلك..
    ولما قدم خالد البطاح بث السرايا، وأمرهم بداعية الإسلام، وأن يأتوه بكل من لم يجب، وإن امتنع أن يقتلوه.
    وكان قد أوصاهم أبو بكر: أن يؤذِّنوا ويقيموا إذا نزلوا منزلاً، فإن أذَّن القوم وأقاموا، فكفوا عنهم، وإن لم يفعلوا فلا شيء إلا الغارة، ثم تقتلوا كل قتلة: الحرق فما سواه، إن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم، فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم، وإن أبوها فلا شيء إلا الغارة، ولا كلمة..
    فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع، ومن عاصم، وعبيد، وعرين، وجعفر.
    فاختلفت السريَّة فيهم، وكان فيهم أبو قتادة، فكان فيمن شهد: أنهم قد أذَّنوا وأقاموا و صلوا، فلما اختلفوا فيهم أمر بهم، فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء، وجعلت تزداد برداً.
    فأمر خالد منادياً فنادى: أدفئوا أسراكم. وكانت في لغة كنانة: القتل.
    فظن القوم أنه أراد القتل، ولم يرد إلا الدفء، فقتلوهم، فقتل ضرار بن الأزور مالكاً.
    وسمع خالد الواعية، فخرج وقد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد الله أمراً أصابه..
    فقال أبو قتادة: هذا عملك؟!
    </span>الصفحة 121 فزبره خالد، فغضب ومضى(1).
    وقال ابن أعثم: ثم ضرب خالد عسكره بأرض بني تميم، وبث السرايا في البلاد يمنة ويسرة.
    قال: فوقعت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة، فإذا هو في حائط له، ومعه امرأته، وجماعة من بني عمه.
    قال: فلم يرع مالك إلا والخيل قد أحدقت به، فأخذوه أسيراً، وأخذوا امرأته معه، وكانت بها مسحة من جمال.
    قال: وأخذوا كل من كان من بني عمه، فأتوا بهم إلى خالد بن الوليد حتى أوقفوا بين يديه.
    قال: فأمر خالد بضرب أعناق بني عمه بديّا.
    قال: فقال القوم: إنا مسلمون، فعلى ماذا تأمر بقتلنا؟!
    قال خالد: والله! لأقتلنكم.
    فقال له شيخ منهم: أليس قد نهاكم أبو بكر أن تقتلوا من صلى للقبلة؟!
    فقال خالد: بلى قد أمرنا بذلك، ولكنكم لم تصلوا ساعة قط.
    قال: فوثب أبو قتادة إلى خالد بن الوليد، فقال: أشهد أنك لا سبيل

    ____________


    1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص277 و 278 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص502 والكامل في التاريخ ج2 ص358 والغدير ج7 ص158.
    الصفحة 122 لك عليهم.
    قال خالد: وكيف ذلك؟!
    قال: لأني كنت في السرية التي قد وافتهم، فلما نظروا إلينا قالوا: من أين أنتم؟!
    قلنا: نحن المسلمون.
    فقالوا: ونحن المسلمون، ثم أذّنّا وصلينا، فصلوا معنا.
    فقال خالد: صدقت يا [أبا] قتادة، إن كانوا قد صلوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم، ولا بد من قتلهم.
    قال: فرفع شيخ منهم صوته وتكلم، فلم يلتفت خالد إليه وإلى مقالته، فقدمهم، فضرب أعناقهم عن آخرهم.
    قال: وكان أبو قتادة قد عاهد الله أنه لا يشهد مع خالد بن الوليد مشهداً أبداً بعد ذلك اليوم.
    قال: ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه.
    فقال مالك: أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلى القبلة؟!
    فقال له خالد: لو كنت مسلماً لما منعت الزكاة، ولا أمرت قومك بمنعها. والله! ما نلت ما في مثابتك حتى أقتلك.
    قال: فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته، فنظر إليها ثم قال: يا خالد! بهذه قتلتني؟
    فقال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن دين الإسلام، وجفلك لإبل
    </span>الصفحة 123 الصدقة، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم.
    قال: ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبراً.
    فيقال: إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم..(1).
    وفي تاريخ أبي الفداء: كان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري حاضرين، فكلما خالداً في أمره، فكره كلامهما.
    فقال مالك: يا خالد، ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا.
    فقال خالد: لا أقالني الله إن أقلتك، وتقدم إلى ضرار بن الأزور بضرب عنقه(2).
    فقال عمر لأبي بكر: إن سيف خالد فيه رهق (زاد الطبري: فإن لم يكن هذا حقاً، حق عليه أن تقيده) وأكثر عليه في ذلك.
    فقال: هيه يا عمر! تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد، فإني لا أشيم سيفاً سله الله على الكافرين(3).

    ____________


    1- كتاب الفتوح لابن أعثم ج1 ص19 ـ 23.
    2- الغدير ج7 ص158 و 159 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص121 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج6 ص1.
    3- الكامل في التاريخ ج2 ص358 و 359 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص278 وإمتاع الأسماع ج14 ص239 وبحار الأنوار ج30 ص492 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص124 والغدير ج7 ص158 و 159.
    الصفحة 124 وقال الطبري: وكان ممن شهد لمالك بالإسلام: أبو قتادة الحارث بن ربعي، أخو بنى سلمة. وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً بعدها، وكان يحدث أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ القوم السلاح.
    قال: فقلنا: إنا المسلمون.
    فقالوا: ونحن المسلمون.
    قلنا: فما بال السلاح معكم.
    قالوا لنا: فما بال السلاح معكم.
    قلنا: فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح.
    قال: فوضعوها، ثم صلينا وصلوا.
    وكان خالد يعتذر في قتله: أنه قال وهو يراجعه: ما إخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا.
    قال: أوما تعدُّه لك صاحباً؟! ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه.
    فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر، فأكثر وقال: عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله، ثم نزا على امرأته.
    وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتى دخل المسجد، وعليه قباء له عليه صدأ الحديد، معتجراً بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهماً. فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر، فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها، ثم قال: أرئاءً قتلت امرءاً مسلماً، ثم نزوت على امرأته. والله، لأرجمنك بأحجارك.
    </span>الصفحة 125 ولا يكلمه خالد بن الوليد، ولا يظن الا أن رأي أبى بكر على مثل رأي عمر فيه، حتى دخل على أبى بكر، فلما أن دخل عليه أخبره الخبر، واعتذر إليه، فعذره أبو بكر، وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك.
    قال: فخرج خالد حين رضي عنه أبو بكر، وعمر جالس في المسجد، فقال: هلم إلىَّ يا ابن أم شملة.
    قال: فعرف عمر أن أبا بكر قد رضى عنه، فلم يكلمه، ودخل بيته(1).
    وقال العلامة الأميني: وقال سويد: كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعراً، وإن أهل العسكر أثفوا برؤوسهم القدور، فما منهم رأس إلا وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكاً، فإن القدر نضجت، وما نزج رأسه من كثرة شعره، وقى الشعر البشر حرها أن يبلغ منه ذلك.
    وقال ابن شهاب: إن مالك بن نويرة كان كثير شعر الرأس، فلما قتل أمر خالد برأسه فنصب إثفية(2) لقدر، فنضج ما فيها قبل أن يخلص النار إلى شؤون رأسه.
    وقال عروة: قدم أخو مالك، متمم بن نويرة ينشد أبا بكر دمه، ويطلب

    ____________


    1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص280 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص504 وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص359 وبحار الأنوار ج30 ص476 و 477 و 492 والغدير ج7 ص159 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص205 و 206 وأعيان الشيعة ج1 ص433 والشافي في الامامة للشريف المرتضى ج4 ص165.
    2- الإثفية: حجارة توضع عليها القدور أثناء الطبخ.

    تعليق


    • إليه في سبيهم.
      فكتب له برد السبي.
      وألح عليه عمر في خالد أن يعزله، وقال: إن في سيفه رهقاً.
      فقال: لا يا عمر! لم أكن لأشيم سيفاً سله الله على الكافرين.
      وروى ثابت في الدلائل: أن خالداً رأى امرأة مالك، وكانت فائقة في الجمال، فقال مالك بعد ذلك لامرأته: قتلتيني. يعني سأقتل من أجلك(1).
      وفي نص آخر: قال عمر لأبي بكر: إن خالداً قد زنى فاجلده.
      قال أبو بكر: لا، لأنه تأول فأخطأ.

      ____________


      1- الغدير ج7 ص159 عن: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص241 [ج3 ص277 حوادث سنة 11هـ] والكامل في التاريخ لابن الأثير ج3 ص149 [ج2 ص32 حوادث سنة 11هـ] وأسد الغابة ج4 ص295 [ج5 ص53 رقم4648] وتاريخ مدينة دمشق ج5 ص105 و 112 [ج16 ص256 و 274 رقم 1922، وراجع: مختصر تاريخ دمشق ج8 ص17 ـ 18] وخزانة الأدب ج1 ص237 [ج2 ص26] والبداية والنهاية ج6 ص321 [ج6 ص354 حوادث سنة 11هـ] وتاريخ الخميس ج2 ص233 [ج2 ص209] والإصابة ج1 ص414 [رقم 2201] وج3 ص357 [رقم 7696]. والفائق ج2 ص154 [ج3 ص157] والنهاية ج3 ص257 [ج4 ص15] وتاريخ أبي الفداء ج1 ص158 وتاج العروس ج8 ص75 وروضة المناظر ج1 ص191 و 192.
      الصفحة 127 قال: فإنه قتل مسلماً، فاقتله.
      قال: لا، إنه تأول فأخطأ.
      ثم قال: يا عمر! ما كنت لأغمد سيفاً سله الله عليهم، ورثى مالكاً أخوه متمم بقصائد عديدة(1).
      وقال ابن عساكر: (إن أبا بكر عرض الدية على متمِّم بن نويرة، وأمر خالداً بطلاق امرأة مالك، ولم ير أن يعزله.
      وكان عمر ينكر هذا وشبهه على خالد)(2).
      ورُوي: أن عمر لما ولي جمع من كان من عشيرة مالك بن نويرة، واسترجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم، وأولادهم، ونسائهم، فردّ ذلك جميعاً عليهم، مع نصيبه مما كان منهم.
      وقيل: (إنه ارتجع بعض نسائهم من نواحي دمشق ـ وبعضهن حوامل

      ____________


      1- الغدير ج7 ص160 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص158 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص209 وشرح المواقف ج8 ص358 ووفيات الأعيان ج6 ص15 والكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ج1 ص42. وراجع: الفائق ج2 ص154 [ج3 ص157] والنهاية ج3 ص257 [ج4 ص15] وتاريخ أبي الفداء ج1 ص158 وتاج العروس ج8 ص75 وروضة المناظر ج1 ص191 و 192.
      2- تاريخ مدينة دمشق ج16 ص274 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص115 وراجع: الغدير ج7 ص161 و 166 والإصابة لابن حجر ج2 ص218.
      الصفحة 128 ـ فردهن على أزواجهن)(1).
      ونقول:
      كان من الممكن: أن تكون لنا مع ما تقدّم العديد من الوقفات.. غير أن الحقيقة هي: أن ما نحن بصدده هو سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذلك يفرض علينا الإقتصار على ما لا يوجب الخروج عن السياق العام ويوجب ضياع الحقائق، أو التسبب في حصول فوضى فيها. أو غير ذلك من محاذير.. فكان أن اقتصرنا على الأمور التالية:
      2 ـ مخالفات خالد للشريعة:
      أظهرت النصوص المتقدمة: أن خالداً ارتكب العديد من المخالفات لصريح أحكام الدين.. وعلى رأسها: قتل أناس مسلمين بلا ريب ولا شبهة، ثم الزنا بزوجة أحد المقتولين في نفس الليلة التي تلت يوم قتل زوجها. بزعم التزوج بها؛ مع علم كل أحد بحرمة الزواج بالمرأة قبل انقضاء عدة الوفاة..
      يضاف إلى ذلك:
      أولاً: إننا حتى لو صدقنا بأن بعض جيش خالد قد انشغل عن سماع أذان وإقامة مالك، وسائر من معه، وعن صلاتهم.. ولكن مما لا شك فيه: أن ذلك لا يبرر قتلهم، بعد شهادة فريق آخر بسماع الأذان والإقامة منهم،

      ____________


      1- الشافي في الإمامة ج4 ص166 وتلخيص الشافي ج3 ص193 و 194وبحار الأنوار ج30 ص478 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص206 و 207.
      الصفحة 129 والصلاة معهم..
      ثانياً: تقدم: أن مالكاً وأصحابه، لم يضعوا السلاح إلا بعد أن سألهم جماعة خالد عن أنفسهم، فقالوا: نحن المسلمون.. ثم سألوا هم أصحاب خالد عن أنفسهم، فأجابوا بنفس هذا الجواب.. فما الحاجة بعد ذلك إلى سماع الأذان والإقامة؟!
      ثالثاً: هب أنهم لم يسمعوا أذاناً ولا إقامة، بل حتى لو لم يصلوا، فهل ذلك يدل على كفرهم وارتدادهم؟! فإن الجميع قد أخبروا خالداً بأنهم مسلمون، ومن المعلوم: أن المعترف بالدين، والمقر بالشريعة ليس كافراً حتى لو عصى أحكام تلك الشريعة..
      رابعاً: لقد فاجأتنا الأوامر القاسية والصارمة التي زود بها أبو بكر سراياه وبعوثه، وتذكرنا بمواقفه الضعيفة في الحروب في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتدعونا للمقارنة بين هذه وتلك، لنخرج بالعجائب والغرائب..
      وتذكرنا أيضاً بتعامله يرفق مع الاشعث بن قيس، وهو مرتد على الحقيقة وخضوعه له، وتزويجه أخته أم فروة، ثم برقته لأسرى المشركين في بدر، وسعيه لاستصدار العفو عنهم بكل حيلة. وهذا وذاك مما لا نجد له تفسيراً مقبولاً أو معقولاً.
      وتعجبنا وذهلنا أيضاً لهذه الشدة البالغة منه على من لا يرضى بدفع الزكاة له، ولا يعترف بشرعيته في الموقع الذي وضع نفسه فيه بالقوة وبالقهر..
      </span>الصفحة 130 ويذهلنا الموقف الآخر المناقض لذلك، وهو لينه الغريب والعجيب مع خالد بن الوليد، الذي قتل صحابياً مسلماً ثم زنى بزوجته في نفس تلك الليلة..
      بل قد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب: أن ثمة ما يصرح بأن أبا بكر نفسه أمره بقتله!!.
      خامساً: لو سلمنا: أن مالكاً وقومه قد ارتدوا، فلماذا لا يطالبهم بالعودة وبالتوبة، ويقبلها منهم كما قَبِل من كل من سواهم، ومنهم الاشعث المعروف بنفاقه وعدائه لأهل البيت (عليهم السلام) حسبما تقدمت الإشارة إليه؟!..
      سادساً: إن ارتداد الرجال لا يعني ارتداد النساء، والضعفاء، فلماذا لا يسألون عن حالهم، وعن معتقدهم؟!.. ولماذا يعامَلون معاملة أسرى المشركين؟!
      سابعاً: ما معنى جعل رؤوس القتلى أثافي للقدور التي يطهى فيها الطعام؟! وأن تحرق بالنار؟!.. وأي شرع يجيز فعل ذلك؟!
      ثامناً: إن نفس عرض أبي بكر الدية على متمَّم بن نويرة، أخي مالك، يدل على قناعته بإسلام مالك.
      تاسعاً: إن الأوامر التي أصدرها أبو بكر لخالد، ولغيره من حملة الألوية بأن يحرقوا أهل الردة، مع ثبوت النهي عن ذلك في شرع الله لا يمكن قبولها.
      فقد رُوي عنه (صلى الله عليه وآله) قوله: (لا يعذب بالنار إلا رب
      </span>الصفحة 131 النار).. أو نحو ذلك(1).
      ولعلك تقول: قد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه أحرق ابن

      ____________


      1- راجع: صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب: لا يعذب الله. ومسند أحمد ج3 ص494 وج2 ص307 والجامع الصحيح للترمذي ج4 ص117 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص71 و 72 وسنن أبي داود ج3 ص54 و 55 و (ط دار الفكر سنة 1410هـ) ج1 ص603 وتيسير الوصول ج1 ص279 ومصابيح السنة ج2 ص57 و 58 والغدير ج7 ص155 و 156 عنهم.
      وراجع: الصراط المستقيم ج2 ص305 وكتاب الأربعين للشيرازي ص342 وبحار الأنوار ج19 ص352 ومناقب أهل البيت (عليهم السلام) للشيرواني ص444 ومجمع الزوائد ج6 ص251 وعمدة القاري ج14 ص220 والمصنف للصنعاني ج5 ص215 والآحاد والمثاني ج4 ص340 ومسند أبي يعلى ج3 ص106 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص161 وناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين ص528 والإستيعاب ج4 ص1536 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وج14 ص194 وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج2 ص366 و 367 ونصب الراية للزيلعي ج4 ص264 وكنز العمال ج5 ص407 وتفسير القرطبي ج2 ص359 والتاريخ الكبير للبخاري ج1 ص59 والعلل الواردة للدارقطني ج11 ص16 وتاريخ مدينة دمشق ج15 ص214 و 215 و 230 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص56 وأسد الغابة لابن الأثير ج5 ص53 والوافي بالوفيات للصفدي ج27 ص132 وعيون الأثر ج2 ص196.
      الصفحة 132 سبأ بالنار.
      والجواب: أن الإحراق بالنار هو حد من حدود الله التي شرعها في حق اللائط.. كما أنه جزاء من يدَّعي الربوبية لأحد من البشر..
      فالتعدي عن هذه الموارد التي حددها الله لا يصح، ولا سيما بعد ورود النهي عنه في غير هذه الموارد.
      وأجاب العلامة الأميني أيضاً: بأن علياً (عليه السلام) لم يحرق ابن سبأ وأصحابه بالنار، بل حفر لهم حفائر، وخرق بعضها إلى بعض، ودخن عليهم حتى ماتوا(1).
      عاشراً: لماذا أمر أبو بكر خالداً بطلاق امرأة مالك(2)، فإنها: إن كانت قد دخلت في عصمته، وكان العقد صحيحاً، وكان معذوراً في اجتهاده حسبما قرره أبو بكر، فلماذا يأمره بطلاقها؟!
      وإن كان العقد باطلاً، لأنه وقع هو والدخول في عدتها من زوجها المسلم، الذي عرض أبو بكر ديته على أخيه، فلا يحتاج إلى الطلاق، إذ لا توجد زوجية من الأساس، لكي يحتاج الأمر إلى الطلاق، وهي محرمة عليه

      ____________


      1- الغدير ج7 ص156 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص71 وفتح الباري ج6 ص106 وعمدة القاري للعيني ج14 ص264 وأحكام القرآن لابن العربي ج3 ص515.
      2- تاريخ مدينة دمشق ج16 ص274 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص115 وراجع: الغدير ج7 ص161 و 166 والإصابة لابن حجر ج1 ص415 و (ط دار الكتب العلمية سنة 1415هـ) ج2 ص218.

      تعليق


      • مؤبداً. بل يجب التفريق بينهما فوراً واحالة خالد إلى العقوبة واقامة الحد عليه، ثم قتله بمالك وغيره من المسلمين.
        3 ـ إعتذارات باطلة عن خالد:
        وقد اعتذر محبو خالد عنه باعتذارات ظنوا أنها تخفّف من وطأة ما ارتكبه من جرائم، وهذه الإعتذارات الباطلة هي التالية:
        ألف: أدفئوا أسراكم:
        زعموا: أن خالداً قال لمن هم تحت يده: أدفئوا أسراكم. وأراد بالدفء مقابل البرد، وكانت ليلة باردة، وكانت هذه الكلمة تعني في لغة كنانة: الأمر بالقتل.. فقتلوهم..
        وهو اعتذار غير صحيح:
        أولاً: لأن ضراراً لم يكن من كنانة، بل هو أسدي من بني ثعلبة(1)..
        ثانياً: حتى لو كان كنانياً، فإنه يعلم: أن خالداً مخزومي، وليس من كنانة، ولا يتكلم بلغتها.. ولماذا لم يستفهم منه عن قصده؟!

        ____________


        1- راجع: الإصابة ج2 ص208 و (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص390 وأسد الغابة ج2 ص434 و (ط دار الكتاب العربي) ج3 ص390 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص211 و (ط دار الجيل) ج2 ص746 ومن له رواية في مسند أحمد ص210 والطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص39 وتاريخ مدينة دمشق ج24 ص383 وتعجيل المنفعة ص195.
        الصفحة 134 ثالثاً: لنفترض: أن ضراراً كان كنانياً.. فهل كان جميع الموكلين ببقية قوم مالك من كنانة أيضاً؟!
        ولو كان كذلك، فمن الذي اختارهم على هذا النحو، وإن كان الأمر جاء على سبيل الصدفة، فما هذه المصادفة الغريبة التي جاءت بهم جميعاً على هذه الصفة؟! ولماذا لم يكونوا خليطاً، من كنانة ومن غيرها؟!
        وإن كانوا خليطاً، فلماذا لم يعترض غير الكنانيين على رفقائهم، فيبادرون إلى منعهم من ارتكاب هذا العمل الشنيع؟!
        رابعاً: لو كان الأمر كذلك، فلماذا يطالب عمر بالإقتصاص من خالد، ويعتبره قاتلاً؟!
        ولماذا يصر أبو قتادة، وابن عمر على الإعتراض على خالد، ويشكوانه إلى أبي بكر؟!
        ولماذا لم يعتذر خالد لهما، ولعمر: بأنه غير مقصر فيما حصل، بل حصل خطأ غير مقصود؟!
        خامساً: إذا كانت لغة كنانة هي السبب في قتل مالك ومن معه، فذلك لا يجعل في سيف خالد رهقاً، كما يقول عمر، لأن خالداً لم يقتل أحداً.
        سادساً: إذا كان السبب هو لغة بني كنانة، فخالد لم يتأول ولم يخطئ، بل الكنانيون هم المتأولون، فلماذا اتهمه أبو بكر بهذه التهمة الباطلة؟!
        سابعاً: لو كانت لغة كنانة هي السبب، وكان قتل هؤلاء خطأ، فلماذا جعل خالد وصحبه رؤوس مالك وأصحابه أثافي للقدور؟! ولم سبى عيالهم، ونهب أموالهم، واعتدى على زوجته بالزنا بعد قتل زوجها مباشرة؟!
        </span>الصفحة 135 ثامناً: لماذا لم يتعلم خالد من قضية بني جذيمة، حيث قتل الناس هناك بنفس الوسيلة التي قتلهم بها هنا. وهي أن خالداً لما كان السحر نادى: من كان معه أسير فليدافه. والمدافة هي: الإجهاز بالسيف.
        تاسعاً: لم نجد ما يدل: على أن كنانة، والعرب الساكنين حول مكة كانوا يقولون: أدفئوا بمعنى اقتلوا..
        غير أنهم ذكروا: أن قولهم: أدفئوا الجريح، بمعنى: أجهزوا عليه(1).. لكنهم قالوا: إن هذه لغة يمانية، وليست حجازية، ولا هي لغة كنانة، ولا لغة العرب حول مكة.
        مع ملاحظة: أن الأسرى لم يكونوا جرحى، بل هم قد نزعوا أسلحتهم طوعاً، ولم يباشروا أي قتال..
        ولوكان بينهم جريح.. وصحت جميع التقديرات الأخرى، فاللازم هو: الإجهاز على من كان جريحاً دون سواه..
        ولعل هذا الذي ذكرناه وسواه: هو الذي جعل المؤرخين يصرحون:

        ____________


        1- راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص206 وأسد الغابة ج4 ص295 والإصابة ج5 ص560 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص502 والكامل في التاريخ ج2 ص358 وفوات الوفيات للكتبي ج2 ص243 والبداية والنهاية ج6 ص354 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص73 وإمتاع الأسماع ج14 ص239 والشافي في الإمامة ج4 ص165 ومعجم البلدان ج1 ص455 وبحار الأنوار ج30 ص476 والنص والإجتهاد ص123 والغدير ج7 ص158.
        الصفحة 136 بأن خالداً قد أمر ضرار بن الأزور بقتل مالك(1).
        عاشراً: ومع غض النظر عن جميع ما ذكرناه نقول:
        إن مالكاً قد قتل بأمر مباشر من خالد في مجلس خالد. فلا مجال للإعتذار بلغة كنانة ولا بغيرها.
        ب: أوما تعده لك صاحباً؟!:
        من الأمور التي أريد لها أن تكون مخرجاً لخالد من مأزقه.. قول مالك لخالد: ما أخال صاحبكم إلا وقد يقول له كذا وكذا.
        فقال له خالد: أوما تعده لك صاحباً؟! ثم قدمه فضرب عنقه.
        حيث فهم خالد من هذا التعبير: أن مالكاً لا يعترف بنبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فاستحل بذلك دمه.
        ونقول:
        أولاً: المقصود هو: أنه (صلى الله عليه وآله) صاحبهم بالقرشية. أي فإنهم وإياه من قريش.
        ثانياً: إذا كان ذلك يوجب استحلال دم مالك، فما ذنب الذين كانوا معه، حتى يقتلهم خالد، وهو لم يسمع كلامهم. ولا عرف مقاصدهم؟!

        ____________


        1- راجع: الإصابة ج3 ص357 وج2 ص43 و 209 ومرآة الجنان ج1 ص62 وخزانة الأدب ج2 ص9 وأسد الغابة ج3 ص39 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص338.
        الصفحة 137 ثالثاً: إن هذا يكذِّب ما ادَّعوه من أن سبب قتل مالك وأصحابه هو لغة كنانة، حين قال خالد: أدفئوا أسراكم.
        رابعاً: إن كلمة صاحبكم لا تعني أنه ليس صاحباً للقائل، إذ لعله يريد إلزامهم بأقوال النبي (صلى الله عليه وآله) بهذه الطريقة.. ولا أقل من أنه لا يجوز قتل من يتفوه بمثل هذا الكلام، لأن فيه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
        ج: خالد سيف الله:
        وقد اعتذر أبو بكر لعمر: بأن خالداً سيف الله على أعدائه، فلم يكن أبو بكر ليشيم هذا السيف.
        ونقول:
        إن قول أبي بكر: لا أشيم سيفاً سلّه الله على أعدائه.. غير صحيح أيضاً لما يلي:
        ألف: لأنه لا دليل على أن الله سبحانه هو الذي سل هذا السيف، بل الذي سله هو أبو بكر نفسه، فلماذا ينسب ما يفعله هو إلى رب العالمين؟!.
        ب: إن السيف الذي يسله الله سبحانه لا يكون فيه رهق، كما يقول عمر بن الخطاب ولا يبطش بالناس بدون حق، فقد قتل بني جذيمة بعد أن أمنهم، كما ذكرناه في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله). وها هو يقتل مسلماً يحتاج أبو بكر إلى أن يعرض ديته على أخيه، ثم إلى أن يحملوا خالداً بطلاق زوجته التي وطأها فور قتل زوجها المسلم.
        ج: إن السيف الذي يسله الله سبحانه لا يتبرأ منه رسول الله (صلى الله
        </span>الصفحة 138 عليه وآله)، فقد قال (صلى الله عليه وآله) حين عدوان خالد على بني جذيمة: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعله خالد).
        كما أنه (صلى الله عليه وآله) قد أعلن عدم رضاه مما فعله خالد في فتح مكة. فراجع..
        د: ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): أن لقب (سيف الله المسلول) هو لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد سُرِق في جملة كثيرة من فضائله وكراماته، ومُنِح لخالد، كما مُنح غيره لغيره(1).
        خالد ليس سيف الله:
        وتزعم بعض المرويات التي يسوقها محبو خالد بن الوليد: أن النبي (صلى الله عليه وآله) منح خالداً لقب (سيف الله) في سنة ثمان للهجرة، في مناسبة حرب مؤتة..
        ولا شك في عدم صحة ذلك:
        أولاً: لأن خالداً انهزم بالناس في مؤتة، وفوت على المسلمين نصراً عظيماً، وفتحاً مبيناً، فكيف يعطي النبي (صلى الله عليه وآله) هذا الوسام للمهزوم، فإن سيف الله لا يمكن أن يهزم..

        ____________


        1- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) (الطبعة الخامسة) ج20

        تعليق


        • ويدل على هزيمته في مؤتة: أنه لما عاد ذلك الجيش الذي قاده خالد بعد استشهاد الفرسان الثلاثة: زيد بن حارثة، وجعفر، وابن رواحة إلى المدينة، جعل الناس يحثون التراب في وجوههم، ويقولون: يا فرار في سبيل الله..
          وحين دخل أفراد ذلك الجيش إلى بيوتهم لم يعد يمكنهم الخروج منها، وصاروا كلما خرجوا صاح بهم الناس: أفررتم في سبيل الله؟!
          وجرت أمور صعبة بينهم وبين زوجاتهم وذويهم، حتى تدخل النبي (صلى الله عليه وآله) للتخفيف عنهم(1)..
          ثانياً: لأن خالداً قتل بني جذيمة، وتبرأ النبي (صلى الله عليه وآله) مما صنع.. ثم خالف أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فتح مكة.. ويكفيه ما فعله بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمالك بن نويرة، حيث قتله، وزنى بزوجته.. فإن سيف الله لا يمكن أن يوغل في دماء الناس المؤمنين بغير حق.. فضلاً عما سوى ذلك.
          ثالثاً: إن الحديث عن خالد وسيفه لا ينسجم مع نداء جبرائيل من السماء:

          لا سيف إلا ذو الفقارولا فتى إلا عـلي



          ____________


          1- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج20 فصل: خالد يضيع النصر الأعظم.
          الصفحة 140 من أين حصل خالد على هذا الوسام؟!:
          ويبدو أن أبا بكر هو الذي منح خالداً هذا الوسام، وذلك حين قتل الصحابي الجليل، المسلم مالك بن نويرة، وثلة من المسلمين معه، وزنى بامرأة مالك في نفس يوم قتله، وذلك في نصرته لأبي بكر، ومن أجل توطيد سلطانه..
          فحينئذٍ طلب عمر من أبي بكر، أن يعاقب خالداً على فعلته، فقال: ما كنت لأشيم سيفاً سله الله على أعدائه (الكافرين)(1).
          ولا ندري كيف عرف أبو بكر أن الله قد سل هذا السيف؟! والحال أن أبا بكر هو الذي سله؟!
          ولا ندري أيضاً ما هو المبرر لحكمه على مالك بن نويرة، وهو صحاب جليل، ومسلم بأنه من أعداء الله، ومن الكافرين؟!
          ثم نسبوا ما يشبه كلام أبي بكر عن خالد ـ نسبوه ـ إلى رسول الله (صلى

          ____________


          1- راجع: الغدير ج7 ص158 ـ 163 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص503 والكامل في التاريخ ج2 ص359 وأسد الغابة ج4 ص295 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص105 والإصابة ج3 ص357 و (ط دار الكتب العلمية) ج5 ص561 وتاريخ الخميس ج2 ص209 و 233 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص158 والعثمانية للجاحظ ص248 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص257 ووفيات الأعيان ج6 ص15 والكنى والألقاب ج1 ص42.
          الصفحة 141 الله عليه وآله)(1). بل إن عمر نفسه عاد فشارك في تأكيد هذه النسبة، وفاءً لخالد، وما فعله في توطيد سلطانهم(2).
          علي (عليه السلام) سيف الله المسلول:
          والحقيقة هي: أن هذا اللقب: (سيف الله المسلول) من مختصات علي

          ____________


          1- المصنف لابن أبي شيبة ج7 ص525 ومسند أبي يعلى ج13 ص143 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج2 ص429 وكنز العمال ج5 ص739 وج11 ص679 وج13 ص366 ومسند أحمد ج1 ص8 ومجمع الزوائد ج9 ص348 و 349 وتحفة الأحوذي ج10 ص233 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص239 و 242 و 244 وج62 ص415 وسير أعلام النبلاء ج1 ص372 والوافي بالوفيات ج13 ص162 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص234 وتهذيب تاريخ والإصابة ج1 ص414 و (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص217 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص408 و 409 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج6 ص349 وج7 ص129 وإمتاع الأسماع ج2 ص7 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص342 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص789 وج3 ص212.
          2- الآحاد والمثاني ج2 ص26 وكنز العمال ج5 ص738 والغدير ج10 ص10 وج5 ص362 و 363 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص241 وج25 ص461 وج58 ص403 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص886 والوضاعون وأحاديثهم ص476 والإمامة والسياسة ج1 ص22 و(تحقيق الزيني) ج1 ص28 و (تحقيق الشيري) ج1 ص42 وأعلام النساء ج2 ص876.
          الصفحة 142 (عليه السلام)، ولكنه سرق أو سلب في جملة كثيرة من فضائله، ومناقبه عليه السلام، في غارات شعواء من الشانئين، والحاقدين، والمبطلين، والمزورين للحقائق..
          وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: (علي سيف الله يسله على الكفار والمنافقين)(1).
          وفي الحديث القدسي، المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وأيّدتك بعلي، وهو سيف الله على أعدائي)(2).
          وحول تسمية التمر بالصيحاني روي عن جابر: أن سببها هو أنه صاح: (هذا محمد رسول الله، وهذا علي سيف الله)(3).

          ____________


          1- بحار الأنوار ج22 ص197 وج40 ص33 عن أمالي الشيخ الطوسي ص322 و (ط دار الثقافة) ص506 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص334.
          2- بحار الأنوار ج40 ص43 والكافي ج8 ص11 وإحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص153 عن در بحر المناقب (مخطوط) ص43، وراجع: ذخائر العقبى ص92 والمناقب المرتضوية ص93 والروضة في المعجزات والفضائل ص128.
          3- فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب، لسلمان العجيلي المعروف بالجمل (ط القاهرة) ص62 وفرائد السمطين (ط دار النعمان، النجف) ص120 ونظم درر السمطين ص124 وعن المناوي في شرح الجامع الصغير، وإحقاق الحق (الملحقات) ج15 ص42 و 59 وج20 ص518 و 283 عن آل محمد للمردي الحنفي، وعن غيره ممن تقدم. وعن فيض القدير ج5 ص293 = = والأنوار العلوبة ص153 والبحار ج60 ص146 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص34 وج10 ص14.
          الصفحة 143 وقال خالد بن سعيد بن العاص لعمر، في أحداث غصب الخلافة: (وفينا ذو الفقار، وسيف الله وسيف رسوله)(1).
          وفي زيارة أمير المؤمنين، المروية عن الصادق (عليه السلام): (وسيف الله المسلول)(2).
          وعن النبي (صلى الله عليه وآله): (هذا علي بن أبي طالب، هذا سيف الله المسلول على أعدائه)(3).

          ____________


          1- راجع المصادر التالية: الإحتجاج (ط سنة 1313 ه‍ . ق) ج1 ص190 و 191 و 300 والصراط المستقيم ج2 ص80 و 82 وقاموس الرجال ج3 ص476 و 478 و 479 والخصال ج2 ص462 و 463 واليقين في إمرة أمير المؤمنين ص108 ـ 110 عن أحمد بن محمد الطبري، المعروف بالخليلي، وعن محمد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ في كتابه: مناقب أهل البيت (عليهم السلام) والبحار ج28 ص210 و 211 و 214 و 219 ورجال البرقي ص63 و 64.
          2- مستدرك سفينة البحار ج5 ص321 وراجع: المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص74 والفضائل لابن شاذان ص77.
          3- أرجح المطالب (ط لاهور) ص38 ومناقب علي (عليه السلام) للعيني الحيدر آبادي (ط أعلم بريش، جهار منار) ص57 و 37.
          الصفحة 144 وعن جابر: (علي سيف الله)(1).
          وعن سلمان عن النبي (صلى الله عليه وآله): (فأنا رسول الله، وعلي سيف الله)(2).
          وعنه (صلى الله عليه وآله) في حديث له في حق علي (عليه السلام): (وسيف الله وسيفي)(3).
          وعن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله): يا معاشر المسلمين، هذا أسد الله، وسيفه في أرضه على أعدائه(4).
          وتجد في كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فصل: (الحصار والقتال في غزوة بني قريظة) المزيد من المصادر.
          د: إجتهد فأخطأ:
          واعتذر أبو بكر عن خالد: بأنه تأوَّل فأخطأ.

          ____________


          1- نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص124 وفيض القدير في شرح الجامع الصغير ج5 ص293 وينابيع المودة للقندوزي ج1 ص409.
          2- فرائد السمطين (مطبعة النعمان، النجف) ص29.
          3- إحقاق الحق ج4 ص297 عن مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي.
          4- ينابيع المودة (ط إسلامبول) ص213 وراجع: أرجح المطالب (ط لاهور) ص14 و 29 وإحقاق الحق (الملحقات) ج20 ص250 عن: آل محمد للمردي الحنفي وج4 ص225 عن عدد من المصادر.

          تعليق


          • ونقول:
            أولاً: إن ما يشبه هذه القضية تقريباً قد حصل لخالد نفسه في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، كما ذكرناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) في فصل: (خالد يبيد بني جذيمة)(1).
            واعتذر عنه محبوه أيضاً بمثل ما اعتذر به أبوبكر هنا، فقالوا: اجتهد فأخطأ..
            فلماذا لم يتعلم خالد مما جرى له مع بني جذيمة، حيث واجه غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!..
            ولماذا عاد هنا ليستعمل كلمة: (أدفئوا أسراكم) كما استعملها هناك؟!
            ثانياً: لا يصح الإجتهاد والتأول مع وجود النص الصريح بحرمة قتل من أقرَّ بالاسلام، فكيف إذا أذّن وأقام وصلّى..
            ولا أقل من وجود شبهة بسبب شهادة طائفة من جنود خالد ومنهم أبو قتادة بأذانهم وإقامتهم.. وعدم رؤية الباقين لذلك قد يكون له ألف سبب وسبب، فلا دلالة فيه على كذب من شهد بأنه سمع ورأى..
            ثالثاً: لا يحل قتل المسلم إلا في كفر بعد إيمان، وزناً بعد إحصان، أو تعمده قتل مسلم(2)..

            ____________


            1- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج23 ص245.
            2- راجع: مشكاة المصابيح ج2 ص285 وسنن ابن ماجة ج2 ص847 ومصابيح السنة ج2 ص502 والديـات لابن أبـي عاصـم ص9 وعـن صحيـح البخـاري ج6 = = ص2521 وعن صحيح مسلم ج2 ص37 و (ط دار الفكر) ج5 ص187 وج8 ص43 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج35 ص212 والمحلى لابن حزم ج11 ص68 وميزان الحكمة ج3 ص2499 وسنن أبي داود ج2 ص327 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص128 وعمدة القاري ج18 ص203 وج24 ص61 وعون المعبود ج12 ص5 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص417 ونصب الراية ج4 ص109 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2 ص96 وكنز العمال ج1 ص87 و 92 وشرح مسند أبي حنيفة ص359 وكشف الخفاء ج2 ص367 وأحكام القرآن ج2 ص98 و 292 وأضواء البيان ج3 ص134 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص445.
            الصفحة 146 أو فساد في الأرض(1).
            وكل ذلك لم يحصل من مالك بن نويرة وأصحابه، وانما حصل من خالد، ولذلك عرض أبو بكر ديته على أخيه متمم!! ولذلك أيضاً أصر عمر على معاقبة خالد. وعلى أن في سيفه رهقاً..
            رابعاً: كيف يمكن لأبي بكر أن يثبت اجتهاد خالد، حتى لو كان اجتهاداً في التطبيق، فإنه أمر يحتاج إلى المزيد من المعرفة بالدين وبأحكامه،

            ____________


            1- كما نصت عليه الآية الكريمة: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الآية 33 من سورة المائدة].
            الصفحة 147 وبآيات القرآن، ومعرفة ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وبكثير من القواعد، التي نطق بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقررها الكتاب؟!
            والذين عاشوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسمعوا منه أضعاف ما عاش وسمع خالد وأضرابه، كانوا يجهرون بعدم معرفتهم الكافية بالأحكام، والتوجيهات، والحقائق الدينية، ويلجأون باستمرار إلى علي (عليه السلام)، فمتى وكيف صار خالد عارفاً بالأحكام دونهم. وهل يمكن اعتباره متأولاً ومجتهداً؟!.
            خامساً: إن الأوامر الكثيرة تؤكد على لزوم الإحتياط في الدماء، فكيف لا يحتاط هذا المجتهد فيها، بل هو يقطع الرؤوس لأدنى شبهة؟! رغم أن بعض الصحابة اعترضوا عليه، واعتبروه متعمداً للإيقاع بمالك وصحبه، بصورة ظالمة.
            سادساً: هل المجتهد يبادر إلى نكاح زوجة المقتول والزنى بها في نفس يوم قتله، رغم اعتراض الصحابة عليه، وتنبيههم إياه على عدم صحة عمله؟!
            سابعاً: حتى لو ادَّعى خالد الإجتهاد لنفسه، والتأول في هذا الأمر، فلا بد من رده عليه، إذ لا اجتهاد في مقابل النص الصريح.
            ويدل على ذلك:
            1 ـ أن قدامة بن مظعون شرب الخمر، ثم ادَّعى: بأنه تأوّل واجتهد في
            </span>الصفحة 148 ذلك، فأقام عمر الحد عليه، وجلده، ولم يقبل منه(1).
            2 ـ وعن محارب بن دثار: أن ناساً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) شربوا الخمر بالشام، وقالوا: شربنا لقول الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا

            ____________


            1- المصنف للصنعاني ج9 ص242 والسنن الكبرى للنسائي ج3 ص253 والإستيعاب ج3 ص1278 وكنز العمال ج5 ص508 ومعاني القرآن للنحاس ج2 ص357 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص584 وأحكام القرآن لابن العربي ج2 ص168 وتفسير القرطبي ج6 ص298 والإرشاد للمفيد ج1 ص202 و 203 ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج2 ص188 والعقد النضيد والدر الفريد للقمي ص179 وعوالي اللآلي ج2 ص157 وبحار الأنوار ج40 ص249 وج62 ص118 وج76 ص159 والشرح الكبير لابن قدامة ج10 ص76 و النوادر لابن عيسى الأشعري ص153 والكافي ج7 ص215 وعلل الشرائع ج2 ص539 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص501 والتبيان للطوسي ج4 ص20 ومجمع البيان للطبرسي ج3 ص415 وفقه القرآن للراوندي ج2 ص283 و 378 والمغني لابن قدامة ج10 ص86 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص220 و 239 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص465 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص316 والغدير ج7 ص166 عنه، وفتح الباري ج13 ص124 وعمدة القاري ج24 ص237 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص26 وتهذيب الأحكام ج10 ص93 وتفسير العياشي ج1 ص341 وسنن الدارقطني ج3 ص166 والدر المنثور ج3 ص161.
            الصفحة 149 وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا..}(1). فأقام عمر الحد عليهم(2).
            3 ـ وجلد أبو عبيدة أبا جندل، العاصي بن سهيل بن عمرو، وقد شرب الخمر، متأولاً لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا..} فراجع(3).
            4 ـ موادعة سجاح ليست ردة:
            بالنسبة لموادعة مالك لسجاح نقول:
            1 ـ إن الموادعة لا توجب الردة، وإنما فعلها مالك بهدف حفظ المسلمين الذين يعيشون في تلك الأصقاع النائية من شر سجاح، وتجنيبهم معرة جيشها.
            2 ـ إن وكيعاً وسماعة قد صنعا مثل ما صنع مالك، وقد أظهرا التوبة

            ____________


            1- الآية 93 من سورة المائدة.
            2- الدر المنثور ج2 ص321 والمصنف لابن أبي شيبة ج9 ص546 والغدير ج7 ص166 و 167 والمحلى لابن حزم ج11 ص287 والمغني لابن قدامة ج10 ص86 والشرح الكبير لابن قدامة ج10 ص76.
            3- الغدير ج7 ص167 عن الروض الأنف ج2 ص231 والمصنف للصنعاني ج9 ص244 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص105 والإستيعاب ج4 ص1622 وكنز العمال ج5 ص500 والأحكام لابن حزم ج7 ص1012 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص303 وأسد الغابة ج5 ص161 والإصابة ج7 ص9.

            تعليق


            • والإنقياد، فقبل خالد منهما(1).
              وقبل أيضاً عودة بني عامر(2).
              وعيينة، وأهل بزاخة، وقرة بن هبيرة.
              فلماذا لم يقبل توبة مالك، وسائر قومه معه؟!
              3 ـ وإذا كان أبو بكر قد ودى مالكاً، أو عرض الدية على أخيه، فذلك يعني: أنه يعترف بأنه (رحمه الله) كان مسلماً.. فليس هو من أهل الردة ليكون مصداقاً لآية الإنقلاب على الأعقاب، ولروايات ارتداد الصحابة..
              ويشهد لذلك أيضاً: أن أبا بكر اعتذر لمتمم أخي مالك بقوله: ما دعوته ولا غدرت به. وذلك حين قال له متمم في جملة أبيات له:

              أدعوته بالله ثم قتلته لو هو دعاك بذمة لم يغدر(3)



              ____________


              1- راجع: تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص490 و الكامل في التاريخ ج2 ص357 وإمتاع الأسماع ج14 ص238.
              2- راجع: الكامل في التاريخ ج2 ص350 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص490.
              3- راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص132 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج6 ص15 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص136 والسقيفة للمظفر ص26 والمجالس الفاخرة للسيد شرف الدين ص43.
              الصفحة 151 5 ـ منع الزكاة ليس ارتداداً:
              وزعموا: أن مانعي الزكاة كانوا من أهل الردة أيضاً:
              ونقول:
              أولاً: إن منع الزكاة لا يوجب الردة، لا سيما مع كونهم يقيمون الصلاة، وإنما هو معصية كبيرة. لو كان المنع لها عن مستحقها، ومن دون أي عذر.
              ثانياً: قد لا يكون منع الزكاة معصية، إذا كان السبب فيه: أن المانع يعتبر آخذها غاصباً لمقام خلافة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويريد هو إيصالها إلى الخليفة الشرعي، المنصوب من قبل الله تعالى.
              ولو كان مانع الزكاة كافراً للزم تكفير أكثر المسلمين في أيامنا هذه، فإن معظمهم لا يصلي، أو لا يزكي، أو لا يلتزم بكليهما.
              ثالثاً: لا شيء يثبت أن هؤلاء القوم أنكروا وجوب الزكاة، ليكونوا قد أنكروا ما هو من ضروريات الدين، وإنما امتنعوا عن إعطائها. فلعل ذلك بسبب الطمع والشح، أو لأنهم يريدون أن تصرف في قوتهم، أو في بلدهم أو في اقاربهم، بتوهُّم أن غيرهم ليس أحق بها منهم.
              رابعاً: إن أبا بكر إنما قال: (لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه) في خصوص الذين ادَّعوا النبوة، وذلك حين جاءه وفد طليحة بن خويلد ـ الذي كان قد ادَّعى النبوة ـ لطلب الموادعة على الصلاة، وترك الزكاة(1).

              ____________


              1- الكامل في التاريخ ج2 ص344 والبداية والنهاية ج6 ص344 وإمتاع الأسماع = = ج14 ص232 و 538 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص158 و 159 ج30 ص286 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص153 وكنز العمال ج5 ص660 ـ 662 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص596 وأسد الغابة ج4 ص68 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص476 وبحار الأنوار ج30 ص351 والسقيفة للمظفر ص27.
              الصفحة 152 ولم يقلها في غير من ادعى النبوة.
              خامساً: هناك من يشك ـ كما سنرى ـ في وجود مانعي الزكاة من الأساس.
              رأي العلامة العسكري في حروب الردة:
              قلنا آنفاً: إن البعض يشكك في أصل وجود مانعي الزكاة ـ سوى المتنبئين، وسوى مالك بن نويرة. ومنهم: آية الله الشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله)، والعلامة السيد مرتضى العسكري.
              ونحن نذكر هنا ما قاله العلامـة العسكري فإنه يؤكد بقوة: على أن أكثر حروب الردة من مختلقات سيف بن عمر، وإليك نص كلامه بطوله:
              (ذكر سيف في ما اختلقه من حروب الردة كيف أُرْجِعَ المرتدون إلى الإسلام بحد السيف كما زعمه الزنديق في رواياته. ومن أمثلة ما روى في حروب الردة ما سماها بحرب الأخابث كالآتي:
              ردة عك والأشعريين وخبر طاهر:
              نذكر هنا ما قاله المرحوم السيد مرتضى العسكري حول ردة عك والأشعريين، وخبر طاهر ربيب الرسول (صلى الله عليه وآله)، حيث
              </span>الصفحة 153 اعتبرها نقولاً غير واقعية، ونحن نذكر كلامه هنا حول هذا الموضوع رغم أن القارئ قد يعتبره طويلاً، ويمكن اختصاره، غير أننا نصر على ذكره كما هو، ونستميح القارئ عذراً في ذلك، فنقول:
              قال العلامة العسكري ما يلي:
              (قال سيف في خبر الأخابث من عك:
              كان أول من انتفض بتهامة العك والأشعريون لما بلغهم نبأ وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) تجمعوا، وأقاموا على الأعلاب (طريق الساحل)، فكتب بذلك طاهر إلى أبي بكر، ثم سار إليهم مع مسروق العكي حتى التقى بهم، فاقتتلوا، فهزمهم الله، وقتلوهم كل قتلة، وأنتنت السبل لقتلهم، وكان مقتلهم فتحاً عظيماً.
              وأجاب أبو بكر طاهراً ـ من قبل أن يأتيه كتابه بالفتح ـ: (بلغني كتابك تخبرني فيه مسيرك واستنفارك مسروقاً وقومه إلى الأخابث بالأعلاب، فقد أصبت، فعاجلوا هذا الضرب، ولا ترفهوا عنهم، وأقيموا بالأعلاب حتى يأتيكم أمري).
              فسميت تلك الجموع ومن تأشب إليهم إلى اليوم الأخابث، وسمي ذلك الطريق طريق الأخابث.
              وقال في ذلك طاهر بن أبي هالة:

              ووالله لولا الله لا شيء غيره لما فض بالأجراع جمع العثاعثفلم تر عيني مثل يوم رأيته بجنب صحار في جموع الأخابثقتلناهم ما بين قنة خامر إلى القيعة الحمراء ذات النبائث

              </span>الصفحة 154
              وفئنا بأموال الأخابث عنوة جهاراً ولم نحفل بتلك الهثاهث


              قال: وعسكر طاهر على طريق الأخابث، ومعه مسروق في عك، ينتظر أمر أبي بكر.
              أدار سيف خبر ردة عك والأشعريين على من تخيله طاهر بن أبي هالة، فمن هو طاهر في أحاديث سيف؟!
              طاهر في أحاديث سيف:
              تخيل سيف طاهر ابن أبي هالة التميمي، من أم المؤمنين خديجة، وربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعامله في حياته. وذكر من أخباره في عصر أبي بكر إبادته للمرتدين من عك والأشعريين، ومن أحاديث سيف استخرجوا ترجمته، وذكروه في عداد الصحابة في كل من: الإستيعاب، ومعجم الصحابة، وأسد الغابة، وتجريد أسماء الصحابة، والإصابة وغيرها، وكذلك ترجم في معجم الشعراء، وسير النبلاء.
              وذكر خبره في تواريخ: الطبري، وابن الأثير، وابن كثير، وابن خلدون، ومير خواند.
              واعتمد (شرف الدين) على هذه المصادر، وذكر اسم طاهر في عداد أسماء الشيعة من أصحاب علي في كتابه (الفصول المهمة).
              واعتماداً على أخبار سيف ترجم البلدانيون الأعلاب والأخابث في عداد الأماكن، مثل: الحموي في معجم البلدان، وعبد المؤمن في مراصد الإطلاع.
              </span>الصفحة 155 مناقشة الخبر:
              روى سيف أخبار طاهر في خمسٍ من رواياته في أسنادها خمسة رواة اختلقهم باسم: سهل عن أبيه يوسف السلمي، وعبيد بن صخر بن لوذان، وجرير بن يزيد الجعفي، وأبي عمرو مولى طلحة.
              ولم يكن وجود لردة عك والأشعريين.
              ولم يخلق الله أرضاً باسم الأعلاب والأخابث.
              ولا صحابياً شيعياً ربيباً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من أم المؤمنين خديجة اسمه طاهر بن أبي هالة.
              ولم تقع حرب الإبادة لعك والأشعريين المرتدين كما تخيله سيف، ولا الرواة الذين روى عنهم أخبار طاهر وردة عك والأشعريين والأخابث.
              اختلق سيف الردة، وحربها، والأراضي، والشعر، وكتاب أبي بكر، والصحابي، والرواة، ووصل من خلالها إلى هدفه: أن الناس ارتدوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامة عدا قريش وثقيف، وهكذا حاربهم المسلمون حرب إبادة.
              وقد ناقشنا كل هذه الأخبار وأسنادها في ترجمة من سماه بطاهر بن أبي هالة في الجزء الأول من كتاب (خمسون ومائة صحابي مختلق).
              كانت هذه إحدى حروب الردة التي اختلقها سيف، ومما اختلق من حروب الردة، واختلق أخبارها، ما سماها بـ: ردة طي، وردة أم زمل، وردة أهل عمان، والمهرة، وردة اليمن الأولى، وردة اليمن الثانية.
              </span>

              تعليق


              • اختلق ارتداد تلك القبائل والبلاد وحروبها وحروب ردة أخرى زعم أنها وقعت في عصر أبي بكر، كذب فيها جميعاً. وكذب وافترى في ذكر عدد من قتل في تلك المعارك، وذكر تهاويل مزعومة سوَّد بها وجه التاريخ الإسلامي الناصع.
                وكذلك فعل في أخبار الفتوح حيث ذكر معارك لم تقع، وقتلاً وإبادة من قبل جيوش المسلمين، لم يكن لهما وجود في التاريخ بتاتاً كالآتي ذكرهما:
                فتح أليس وتخريب مدينة أمغيشيا:
                روى الطبري عن سيف في خبر أليس وأمغيشيا من فتوح سواد العراق، وقال في خبر أليس: فاقتتلوا قتالاً شديداً، والمشركون يزيدهم كلباً وشدة ما يتوقعون من قدوم بهمن جاذويه، فصابروا المسلمين للذي كان في علم الله أن يصيرهم إليه، وحَرِب المسلمون عليهم، وقال خالد: اللهم إن لك عليَّ إن منحتنا أكتافهم ألَّا أستبقي منهم أحداً قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم.
                ثم إن الله عز وجل كشفهم للمسلمين، ومنحهم أكتافهم، فأمر خالد مناديه فنادى في الناس: الأسر الأسر، لا تقتلوا إلا من امتنع.
                فأقبلت الخيول بهم أفواجاً مستأسرين يساقون سوقاً، وقد وكل بهم رجالاً يضربون أعناقهم في النهر.
                ففعل ذلك بهم يوماً وليلة وطلبوهم الغد وبعد الغد، حتى انتهوا إلى النهرين، ومقدار ذلك من كل جوانب أليس، فضرب أعناقهم.
                </span>الصفحة 157 وقال له القعقاع وأشباه له: لو أنك قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم، إن الدماء لا تزيد على أن ترقرق منذ نهيت عن السيلان، ونهيت الأرض عن نشف الدماء، فأرسل عليها الماء، تبر بيمينك.
                وقد كان صد الماء عن النهر فأعاده، فجرى دماً عبيطاً، فسمي نهر الدم لذلك الشأن إلى اليوم.
                وقال آخرون، منهم: بشير بن الخصاصية قال: وبلغنا أن الأرض لما نشفت دم ابن آدم نهيت عن نشف الدماء، ونهي الدم عن السيلان إلا مقدار برده.
                وقال: كانت على النهر أرحاء، فطحنت بالماء وهو أحمر قوت العسكر ثمانية عشر ألفاً أو يزيدون ثلاثة أيام..
                وقال بعده في خبر هدم مدينة أمغيشيا:
                لما فرغ خالد من وقعة أليس، نهض فأتى أمغيشيا وقد أعجلهم عما فيها، وقد جلا أهلها وتفرقوا في السواد، فأمر خالد بهدم أمغيشيا وكل شيء كان في حيزها، وكانت مصراً كالحيرة، وكانت أليس من مسالحها(1)، فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله قط.
                اختلق سيف جميع هذه الأخبار بتفاصيلها مع رواتها، ولنتأمل في ما وضع واختلق في الخبرين.

                ____________


                1- أي: المواضع التي تتموضع فيها قوات مسلحة لضبط حركة التردد والتفتيش.
                الصفحة 158 نظرة تأمل في رواية سيف عن أليس ومدينة أمغيشيا:
                قال سيف:
                في وقعة أليس آلى خالد أن يجري نهرهم بدمائهم، فلما غلب غير مجرى الماء من نهرهم، واستأسر فلول الجيش الفارسي والمدنيين من أهل الأرياف من كل جوانب أليس مسافة يومين، وأقبلت الخيول بهم أفواجاً مستأسرين، ووكل بهم رجالاً يضربون أعناقهم على النهر يوماً وليلة، والدم ينشف، فقال له القعقاع ـ الصحابي الذي اختلقه سيف ـ وأشباه له: لو قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم، أرسل عليها الماء تبر يمينك!!!.
                فأرسل عليها الماء فأعاده، فجرى النهر دماً عبيطاً، فسمي نهر الدم لذلك إلى اليوم!!!.
                ثم قال: ذهب خالد إلى أمغيشيا، وكانت مصراً كالحيرة، فأمر بهدم أمغيشيا، وكل شيء كان في حيزها، وبلغ عدد قتلاهم سبعين ألفاً!!!.
                أما هدم مدينة أمغيشيا التي اختلق سيف المدينة وحيزها وخبر هدمها، فقد كان له نظير في التاريخ من قبل طغاة مثل: هولاكو، وجنكيز. وكذلك قتل الأسرى. غير أن سيفاً نسب إلى خالد ما لم يجر له نظير في تاريخ الحروب، وهو: أنه أجرى نهرهم بدمائهم، وأنه سمي نهر الدم إلى اليوم!!!.
                إختلق سيف كل هذه الأخبار، واختلق أخبار معارك: الثني والمذار، والمقر وفم فرات بادقلى، وحرب المصيخ، وقتلهم الكفار يومذاك حتى امتلأ الفضاء من قتلاهم، فما شبهوهم إلا بغنم مصرعة، وكذلك معركة الثني والزميل والفراض، وقتل مائة ألف من الروم فيها!!!.
                </span>الصفحة 159 اختلق سيف جميع أخبار هذه الحروب ونظائرها، وانتشرت في تواريخ: الطبري، وابن الأثير، وابن كثير، وابن خلدون وغيرهم، ولا حقيقة لواحدة منها.
                وقد ناقشنا أخبارها وأسنادها في بحث (إنتشار الإسلام بالسيف والدم في حديث سيف) من كتاب: (عبد الله بن سبأ) الجزء الثاني.
                ألا يحق لخصوم الإسلام مع هذا التاريخ المزيف أن يقولوا: (إن الإسلام انتشر بحد السيف)؟!
                وهل يشك أحد بعد هذا من هدف سيف في وضع هذا التاريخ وما نواه من سوء للإسلام؟!
                وما الدافع لسيف إلى كل هذا الدس والوضع إن لم تكن الزندقة التي وصفه العلماء بها؟!
                وأخيراً.. هل خفي كل هذا الكذب والإفتراء على إمام المؤرخين الطبري؟! وعلَّامتهم ابن الأثير؟! ومكثرهم ابن كثير؟! وفيلسوفهم ابن خلدون؟! وعلى عشرات من أمثالهم؟! كابن عبد البر، وابن عساكر، والذهبي، وابن حجر؟!
                كلا، فإنهم هم الذين وصفوه بالكذب، ورموه بالزندقة!
                وقد ذكر الطبري، وابن الأثير، وابن خلدون في تواريخهم في وقعة ذات السلاسل: أن ما ذكره سيف فيها خلاف ما يعرفه أهل السير!
                إذاً.. فما الذي دعاهم إلى اعتماد روايات سيف دون غيرها مع علمهم بكذبه وزندقته، إن هو إلا أن سيفاً حلى مفترياته بإطار من نشر مناقب ذوي
                </span>الصفحة 160 السلطة من الصحابة، فبذل العلماء وسعهم في نشرها وترويجها. مع علمهم بكذبها، ففي فتوح العراق ـ مثلاً ـ أورد مفترياته تحت شعار: مناقب خالد بن الوليد، فقد وضع على لسان أبي بكر أنه قال بعد معركة أليس وهدم مدينة أمغيشيا: (يا معشر قريش، عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله، أعجزت النساء أن ينشئن مثل خالد).
                كما زين ما اختلق في معارك الردة بإطار من مناقب الخليفة أبي بكر، وكذلك فعل في ما روى واختلق عن فتوح الشام وإيران على عهد عمر، والفتن في عصر عثمان، وواقعة الجمل في عصر علي، فإنه زين جميعها بإطار من مناقب ذوي السلطة والدفاع عنهم في ما انتقدوا عليها، وبذلك راجت روايات سيف وشاعت أكاذيبه، ونسيت الروايات الصحيحة، وأهملت.
                على أنه ليس في ما وضعه سيف واختلق ـ على الأغلب ـ فضيلة للصحابة، بل فيه مذمة لهم، ولست أدري كيف خفي على هؤلاء: أن جلب خالد عشرات الألوف من البشر، وذبحهم على النهر، ليجري نهرهم بدمائهم ليست فضيلة له، ولا هدمه مدينة أمغيشيا ولا نظائرها إلا على رأي الزنادقة في الحياة من أنها سجن للنور، وأنه ينبغي السعي في إنهاء الحياة لإنقاذ النور من سجنه.
                ومهما يكن من أمر، فإن بضاعة سيف المزجاة إنما راجت لأنه طلاها بطلاء من مناقب الكبراء، وإن حرص هؤلاء على نشر فضائل ذوي السلطة والدفاع عنهم أدى بهم إلى نشر ما في ظاهره فضيلة لهم، وإن لم تكن لهم في واقعه فضيلة!
                </span>الصفحة 161 والأنكى من ذلك، أن سيفاً لم يكتف باختلاق روايات في ظاهرها مناقب للصحابة من ذوي السلطة، ويدس فيها ما شاء لهدم الإسلام، بل اختلق صحابة للرسول لم يخلقهم الله! ووضع لهم ما شاء من كرامة وفتوح وشعر ومناقب كما شاء! وذلك معرفة منه بأن هؤلاء يتمسكون بكل ما فيه مناقب لأصحاب الحكم كيف ما كان، فوضع واختلق ما شاء لهدم الإسلام! اعتماداً منه على هذا الخلق عند هؤلاء! وضحكاً منه على ذقون المسلمين! ولم يخيب هؤلاء ظن سيف، وإنما روجوا مفترياته زهاء ثلاثة عشر قرناً)!.
                إنتهى كلام العلامة العسكري بطوله(1).
                رأينا في كلام العلامة العسكري (رحمه الله):
                ونحن.. وإن كنا نميل في نهاية المطاف إلى ما جزم به العلامة العسكري، غير أننا نعتمد في ذلك على حقيقة: ان هذه المتون تنتهي إلى خصوص سيف.. ولم يشاركه فيها أحد، إلا بعض المراسيل، التي لم تنسب إلى أحد.. وربما يكون سيف هو الراوي لها أيضاً.
                وإذا كانت هذه الأحداث مما لا بد من أن تكثر رواتها، وأن يظهر الحرص على تدوالها، والرغبة في الإسهام في نقلها..
                فإذا وجدنا أن أحداً لم يشارك سيفاً فيها.. ووجدناهم يتهمون سيفاً

                ____________


                1- معالم المدرستين للسيد مرتضى العسكري (ط سنة 1426هـ) ج1 ص438 ـ 445 و (ط مؤسسة النعمان ـ بيروت سنة1410هـ) ج1 ص271 ـ 276.
                الصفحة 162 أيضاً بالكذب وبغيره مما يسقطه عن الإعتبار، فإننا لا بد أن يتعاظم ويتنامى شكنا في صحة هذه النقولات، وسوف نؤثر تجنبها واهمالها، وعدم الرغبة في الإسهام بترويجها بأي نحو كان.
                </span>

                تعليق


                • لهذا قتل مالك بن نويرة؟!:
                  قال البراء بن عازب: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في أصحابه إذا أتاه وفد من بنى تميم، (ومنهم) مالك بن نويرة، فقال: يا رسول الله! علمني الإيمان.
                  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وتصلي الخمس، وتصوم شهر رمضان، وتؤدي الزكاة، وتحج البيت، وتوالي وصيي هذا من بعدي، وأشار إلى علي (عليه السلام) بيده، ولا تسفك دماً، ولا تسرق، ولا تخون، ولا تأكل مال اليتيم، ولا تشرب الخمر، وتوفي بشرائعي، وتحلل حلالي، وتحرم حرامي، وتعطي الحق من نفسك للضعيف والقوى، والكبير والصغير.
                  حتى عد عليه شرائع الإسلام.
                  فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)! أعد علي، فإني رجل نسَّاء.
                  فأعاد عليه، فعقدها بيده، وقام وهو يجر إزاره، وهو يقول: تعلمت الإيمان ورب الكعبة.
                  فلما بعد من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل.
                  </span>الصفحة 166 فقال أبو بكر وعمر: إلى من تشير يا رسول الله.
                  فأطرق إلى الأرض. فاتخذا في السير(1)، فلحقاه.
                  فقالا له: البشارة من الله ورسوله بالجنة.
                  فقال: أحسن الله تعالى بشارتكما، إن كنتما ممن يشهد بما شهدت به، فقد علمتما ما علمني النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، (وإن لم تكونا كذلك، فلا أحسن الله بشارتكما.
                  فقال أبو بكر: لا تقل! فأنا أبو عائشة زوجة النبي (عليه السلام)).
                  قال: قلت ذلك، فما حاجتكما؟!
                  قالا: إنك من أصحاب الجنة، فاستغفر لنا.
                  فقال: لا غفر الله لكما، تتركان رسول الله صاحب الشفاعة، وتسألاني استغفر لكما؟!
                  فرجعا والكآبة لائحة في وجهيهما، فلما رآهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) تبسم، وقال: أفي الحق مغضبة؟!
                  فلما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورجع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بن نويرة، فخرج لينظر من قام مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب بالناس، فنظر إليه، وقال: أخو تيم؟!

                  ____________


                  1- في بعض النسخ: فجدّا في السير، وهو الأظهر.
                  الصفحة 167 قالوا: نعم.
                  قال: فما فعل وصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أمرني بموالاته.
                  قالوا: يا أعرابي! الأمر يحدث بعده الأمر.
                  قال: تالله! ما حدث شيء، وإنكم لخنتم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).
                  ثم تقدم إلى أبي بكر، وقال له: (من أرقاك هذ المنبر، ووصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس؟!
                  فقال أبو بكر): أخرجوا الأعرابي البوّال على عقبيه من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                  فقام إليه قنفذ بن عمير، وخالد بن الوليد، فلم يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه.
                  فركب راحلته، وأنشأ يقول:

                  أطعنا رسول الله ما كان بيننا فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر إذا مات بكر قام عمر(1) مقامه فتلك وبيت الله قاصمة الظهر يدب ويغشاه العشار(2) كأنما يجاهد جما أو يقوم على قبرفلو قام فينا من قريش عصابة أقمنا ولكن القيام على جمر


                  قال: فلما استتمّ الأمر لأبي بكر وجّه خالد بن الوليد وقال له: قد

                  ____________


                  1- لعل الصحيح: عمرو.
                  2- الصحيح: العثار.
                  الصفحة 168 علمت ما قاله مالك على رؤس الأشهاد، ولست آمن أن يفتق علينا فتقاً لا يلتئم، فاقتله.
                  فحين أتاه خالد ركب جواده، وكان فارساً يعدّ بألف، فخاف خالد منه، فأمَّنه، وأعطاه المواثيق. ثم غدر به بعد أن ألقى سلاحه، فقتله، وأعرس بامرأته في ليلته، وجعل رأسه في (لعل الصحيح: أثفيَّ) قدر فيها لحم جزور لوليمة عرسه، (وبات) ينزو عليها نزو الحمار.
                  والحديث طويل(1).
                  ونقول:
                  تضمنت هذه الرواية أموراً عديدة، نذكر منها ما يلي:
                  المفاجأة:
                  إن مالكاً (رحمه الله) فاجأ أبا بكر وعمر بموقفه منهما حين بشراه بشهادة النبي (صلى الله عليه وآله) له بالجنة، فقد كانا يتوقعان أن يعبر لهما عن امتنانه وشكره وتقديره للجهد الذي بذلاه حتى أبلغاه هذه البشارة..
                  ولكن مالكاً لم يفعل ذلك، ربما لأنه أحس منهما أنهما يطلبان ثمناً لهذه البشارة قد لا يستحقانه، ولعل هذا الثمن هو ولاء ونصرة، وتأييد في أمر لا يصح منه التأييد له، ولا النصر عليه، ولا الولاء والحب فيه.. وإلا.. فلماذا

                  ____________


                  1- الفضائل لشاذان ص192 ـ 195 والبحار ج30 ص343 والصراط المستقيم ج2 ص280 عن الشيخ العمي في كتاب الواحدة، ولا بأس بمراجعة كتاب الجمل للشيخ المفيد ص118 وهوامشه.
                  الصفحة 169 يهتمان دون كل أحد باللحاق به لإخباره بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه؟!
                  إذ لو كان سبب هذا الإهتمام هو أنهما أرادا أن يستغفر لهما.. فقد علما أن استغفار رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الأولى والأجدر بالطلب، لأنه هو صاحب الشفاعة.. وهو أقرب إلى الله تعالى من كل أحد..
                  وإن كانا لا يريان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا المقام عند الله، ويفضلان عليه مالكاً أو غيره، فهما لا يستحقان أي رفق بهما، أو شكر أو شعور بالإمتنان لهما.
                  أنا أبو عائشة:
                  وأما جواب أبي بكر لمالك بقوله: (لا تقل، فأنا أبو عائشة) فغير سديد، ولا يجدي في تصحيح الصورة في ذهن مالك، ولا يفيد، فإن مجرد أبوته لزوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تثبت له فضيلة، ولا أي شيء آخر، فقد كانت أم حبيبة ـ مثلاً ـ زوجة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبوها أبو سفيان مشرك، ومن أشد الناس عداوة لرسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد قاد جيوش المشركين ضده مرات ومرات.
                  ولو ثبت أنه مسلم، فذلك لا يكفي لإثبات صحة نواياه في كثير مما يقدم عليه، بل قد تظهر القرائن والأدلة خلاف ذلك في كثير من الموارد.
                  ولأجل ذلك لم نر لقول أبي بكر هذا (أنا أبو عائشة) أثراً على موقف مالك، بل هو قد أصر على موقفه قائلاً (قلت ذلك فما حاجتكما)؟!.
                  </span>الصفحة 170 تبسم الرضا:
                  وتقول الرواية: إن أبا بكر وعمر لما طلبا من مالك أن يستغفر لهما قال: (لا غفر الله لكما، تتركان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صاحب الشفاعة، وتسألاني استغفر لكما؟! فرجعا والكآبة بادية في وجهيهما، فلما رآهما رسول (صلى الله عليه وآله) تبسم).
                  ولسنا بحاجة إلى تذكير القارئ الكريم بأن مالكاً قد فهم من طلبهما أن يستغفر لهما أنهما لا يضعان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الموضع اللائق به، ولا يريان استغفاره لهما مجدياً، لا لأجل أن ذنبهما لا يقبل العفو، بل لأنهما يريان أن استغفار مالك وأمثاله أقرب إلى تحقيق الغرض من استغفار سيد الأنبياء والمرسلين.
                  وهذا يتجاوز حد القصور في الفهم، والتقصير في التعلم، فإنه لا يبدو عليهما أنهما يعانيان من أي خلل في الإدراك، ولأنهما في محضر ينبوع العلوم، ومصدر المعارف كلها، وهي علوم ومعارف مأخوذة من الله تبارك وتعالى، فليس فيها أي غلط، أو لبس، أو أشتباه، أو قصور أو ما إلى ذلك. فيمكنهما الحضور والسؤال، والإستفادة والتعلم..
                  ولأجل ذلك قال لهما مالك: (لا غفر الله لكما إلخ)..
                  ولأجل أنهما قد تلقيا من مالك درساً لا ينسى في العقيدة، وفي الموقف الصريح والمتزن، المستند إلى التدبر والوعي، وإلى الدليل الواضح، والبرهان اللائح، تبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو يرى الكآبة لائحة في وجهيهما، فقد كان هذا الدرس ضرورياً لهما، ولغيرهما ممن له نفس حالتهما.
                  </span>الصفحة 171 أفي الحق مغضبة:
                  وجاء قول (صلى الله عليه وآله): (أفي الحق مغضبه) ليدل على أنهما كانا مخطئين حتى في كآبتهما هذه، إذ كان اللازم هو أن يكونا منشرحين راضيين، فرحين بالدرس الذي تلقياه منه، فقد أنار لهما طريق الحق، الذي لا بد لكل طالب حق من سلوكه، وبين لهما الخطأ الذي لا بد لهما من التراجع عنه بكل رضا ورغبة وامتنان.
                  فكان غضبهما هذا في غير محله، لأن الحق لا يحمل على الغضب، بل هو يدعو إلى ضده كما قلنا.
                  يضاف إلى ذلك: أن النبي قال لهما ذلك قبل أن يخبراه بما جرى لهما، لكي يعلمهما بأنه عارف بما جرى من طريق الغيب. وهذا يعزز صحة موقف مالك منهما، ويزيده وضوحاً وتألقاً..
                  الأمر يحدث بعده الأمر:
                  وقد ظن أبو بكر: أن أمثال هذه التعابير الغائمة والمطاطة حول جلوسه في مجلس ليس له.. تكفي لإعطاء العقل إجازة، ولتمكين الخيال من أن يسرح ويمرح.
                  ولكنه نسي تجربته مع مالك في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث أفهمه مالك آنئذٍ أنه ملتزم بالضوابط والمعايير الإيمانية والعقلية في مواقفه.
                  لقد رفض مالك هذا التعبير الذي هو أشبه بالبالون الفارغ، لأنه يعلم:
                  </span>

                  تعليق


                  • أن الأنبياء لا يمكن أن يقرروا أمراً ثم يتراجعون عنه، لأن ما يقرره الأنبياء ليس من عند أنفسهم، بل هو بوحي من الله تبارك وتعالى، وإن كان الناس لا يطيعون النبي (صلى الله عليه وآله) فيما يقرره، ويعصون الله فيما يأمرهم به من إطاعة رسله.
                    وشاهدنا على ذلك: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يتراجع عن الخروج من المدينة في حرب أحد، بعد أن تهيأ لذلك ولبس لامته..
                    فإذا أصدر النبي (صلى الله عليه وآله) أمراً، فلا شيء يلغي أمره إلا إن كان هو عصيان الناس له، وبالتالي عصيان الأمر الإلهي.
                    وهذا هو ما قصده مالك بن نويرة بقوله: (تالله ما حدث شيء، وإنكم لخنتم الله ورسوله).
                    هذا بالإضافة إلى أنه (صلى الله عليه وآله) كان يحذر الناس من أمور تدبر ضد وصيه وأهل بيته (عليهم السلام) من بعده..
                    وقد أشار الله تعالى إلى ذلك أيضاً في قوله تعالى: {..أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..}(1).
                    بالإضافة إلى الآيات التي تتحدث عن المنافقين.
                    ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى أن قول أبي بكر: (الأمر يحدث بعده الأمر) اعتراف منه لمالك بن نويرة: بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد جعل علياً (عليه السلام) وصيه وخليفته، ولكنه ادعى حدوث ما نقض هذا القرار،

                    ____________


                    1- الآية 14 من سورة آل عمران.
                    الصفحة 173
                    وقد قلنا: إن هذه دعوى باطلة في حق الأنبياء..
                    موقف بريدة مثل موقف مالك:
                    ونذكر هنا ـ على سبيل الاستطراد ـ قصة تشبه قصة مالك، فقد ورد في بعض الروايات عن بريدة الأسلمي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لي ولأخي: قم يا بريدة أنت وأخوك فسلما على علي بإمرة المؤمنين، فقمنا وسلمنا، ثم عدنا إلى مواضعنا.
                    قال: ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهم جميعاً، فقال: اسمعوا وعوا، إني أمرتكم أن تسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وإن رجالاً سألوني (أذالك عن أمر الله وأمر رسوله)؟! ما كان لمحمد أن يأتي أمراً من تلقاء نفسه، بل بوحي ربه، وأمره..
                    إلى أن تقول الرواية: ومضى بريدة إلى بعض طرق الشام ورجع، وقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبايع الناس أبا بكر.
                    فأقبل بريدة وقد دخل المسجد، وأبو بكر على المنبر، وعمر دونه بمرقاة، فناداهما من ناحية المسجد: يا أبا بكر ويا عمر!
                    قالا: وما لك يا بريده أجننت؟!
                    فقال لهما: والله ما جننت، ولكن أين سلامكما بالأمس على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين؟!
                    فقال له أبو بكر: يا بريدة، الأمر يحدث بعده الأمر، وإنك غبت وشهدنا، والشاهد يرى ما لا يرى الغايب.
                    </span>الصفحة 174
                    فقال لهما: رأيتما ما لم يره الله ورسوله، ووفى لك صاحبك بقوله: (لو فقدنا محمداً لكان قوله هذا تحت أقدامنا). ألا إن المدينة حرام علي أن أسكنها أبداً حتى أموت..(1).
                    أخرجوا الأعرابي:
                    وبالعودة إلى حديثنا عن مالك نقول:
                    لم يجد أبو بكر ما يجيب به مالك بن نويرة إلا الشتم، والأمر بالإبعاد.. حتى لا يفيض في بياناته التي ستؤدي إلى المزيد من وضوح الأمور في أذهان الناس، فكان أن اتخذ قرار القمع، لكي يرهب به ضعفاء النفوس.. وحتى لا يتسع الخرق على راتقه الذي لا يميز الإبرة من خيطها.
                    فأمر رجاله بإخراج هذا الإعرابي.. والمراد به مالك بن نويرة.
                    أبو بكر يأمر بقتل مالك:
                    وقد أوضحت هذه الرواية أيضاً: أن أبا بكر هو الذي أمر خالداً بقتل مالك، لا لأجل ارتداده، وإنما لأجل موقفه هذا من خلافته.
                    ونحن لا نظن أن عمر كان لا يعرف ذلك بكل تفاصيله، فكيف نفسر موقفه المستنكر لقتل مالك بن نويرة على يد خالد بن الوليد؟!.
                    ويمكن أن يجاب: بأن القضية كانت متفقاً عليها بين أبي بكر وعمر، لأجل امتصاص نقمة المسلمين، وتبريد الأجواء، بإلقاء الشبهات، والتأكيد

                    ____________


                    1- بحار الأنوار ج28 ص92 و 93 والدرجات الرفيعة ص292 و 293 و 402.
                    الصفحة 175
                    على تحميل خالد مسؤولية ما حدث، على أساس أنه اجتهد فأخطأ، فهو معذور، بل مأجور، إذ يجب أن لا تحوم الشبهات حول غيره من المدبرين الحقيقيين، من قريب ولا من بعيد.
                    </span>الصفحة 176 </span>الصفحة 177
                    الفصل الرابع:
                    من أجلك أصبنا يا علي (عليه السلام)..
                    </span>الصفحة 178 </span>الصفحة 179
                    علي (عليه السلام) يأخذ من سبي أهل الردة:
                    ذكر الطبري في جملة من حروب الردة التي حصلت في سنة ثلاث عشرة: ان ربيعة بن بجير التغلبي، قام في جمع من المرتدين، فقاتله خالد، وغنم، وسبي، وأصاب ابنة لربيعة نفسه فسباها، وبعث بالسبي إلى أبي بكر، فصارت ابنة ربيعة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1).
                    ونقول:
                    أوهمت هذه العبارة: أن علياً (عليه السلام) أخذ نصيبه من سبي أهل الردة على يد أبي بكر، لو لم تكن تلك الحروب مشروعة لم يأخذ علي (عليه السلام) من سبي تلك الحروب.
                    وهذا غير صحيح:
                    أولاً: إن أخذه (عليه السلام) من السبي، كما يمكن أن يكون لأجل إقراره بشرعية تلك الحرب. يمكن أن يكون على سبيل الإستنقاذ للسبايا، ليتوصل بذلك إلى إطلاق سراحهن، وتخليصهن من البلاء الذي هن فيه..

                    ____________


                    1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص314 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص528 والكامل في التاريخ ج2 ص372.


                    </span>

                    تعليق


                    • ثانياً: إن الطبري نفسه يعود فيناقض نفسه في هذه القضية بالذات، فيقول: إن خالداً (بعث بخمس الله إلى أبي بكر مع النعمان بن عوف بن النعمان الشيباني، وقسّم النهب والسبايا، فاشترى علي (عليه السلام) بنت ربيعة بن جبير التغلبي، فاتخذها، فولدت له عمر ورقية)(1).
                      فشراء علي (عليه السلام) لتلك السبية لا يعني إقراره بمشروعية السبي، فلعل المقصود هو أنه (عليه السلام) قد بذل المال لإنقاذها من هذا البلاء الذي حلّ بها.
                      غير أن قوله: (فاتخذها) يعكر صفو هذا الإستنتاج، من حيث إنه يشير إلى أنه قد اتخذها سرية له.. وهذا إقرار بصحة سبيها أيضاً. وهذا هو المطلوب..
                      ويمكن أن يجاب: بأن اتخاذها محذوف المفعول. وكما يحتمل أن يكون المراد اتخذها سرية، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد اتخذها زوجة.
                      الحنفية التي تزوجها علي (عليه السلام):
                      قال ابن شاذان: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد المدايني، قال: حدثني عبد الله بن هاشم، عن الكلبي قال: أخبرني ميمون بن صعب المكي بمكة، قال:

                      ____________


                      1- تاريخ الأمم والملوك ج3 ص382 و 383 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص582 وراجع: إكمال الكمال لابن ماكولا ج1 ص194 والكامل في التاريخ ج2 ص399 والإصابة ج4 ص352.
                      الصفحة 181 كنا عند أبي العباس بن سابور المكي، فأجرينا حديث أهل الردة، فذكرنا خولة الحنفية، ونكاح أمير المؤمنين (عليه السلام) لها، فقال: أخبرني أبو الحسن عبد الله بن أبي الخير الحسيني، قال:
                      بلغني أن الباقر محمد بن علي (عليهما السلام) كان جالساً ذات يوم، إذ جاءه رجلان، فقالا: يا أبا جعفر، ألست القائل: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم يرض بإمامة من تقدم؟!
                      قال: بلى.
                      فقالا له: هذه خولة الحنفية نكحها من سبيهم، وقبل هديتهم، ولم يخالفهم عن أمرهم مدة حياتهم.
                      فقال الباقر (عليه السلام): من فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله بن حزام (وكان محجوباً قد كف بصره)، فحضر، فسلم على الباقر (عليه السلام)، (فرد (عليه السلام))، وأجلسه إلى جانبه، وقال له: يا جابر، عندي رجلان ذكرا: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي بإمامة من تقدم عليه.
                      فسألهما الحجة في ذلك، فذكروا له خولة.
                      فبكى جابر حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: والله يا مولاي، لقد خشيت أن أخرج من الدنيا ولا أسأل عن هذه المسألة، وإني والله، كنت جالساً إلى جانب أبي بكر، وقد سبوا بنى حنيفة بعد قتل مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد، وبينهم جارية مراهقة.
                      فلما دخلت المسجد قالت: أيها الناس، ما فعل محمد (صلى الله عليه وآله)؟!
                      </span>الصفحة 182 قالوا: قبض.
                      فقالت: هل له بَنِيَّة نقصدها.
                      فقالوا: نعم، هذه تربته (صلى الله عليه وآله).
                      فنادت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك عبده ورسوله، وأنك تسمع كلامي، وتقدر على رد جوابي، وإننا سبينا من بعدك، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم جلست.
                      فوثب رجلان من المهاجرين والأنصار، أحدهما: طلحة، والآخر: الزبير. فطرحا عليها ثوبيهما.
                      فقالت: ما بالكم يا معاشر العرب! تصونون حلائلكم، وتهتكون حلائل غيركم.
                      فقيل لها: لمخالفتكم الله ورسوله حتى قلتم: إننا نزكي ولا نصلي، أو نصلي فلا نزكي.
                      فقالت لهما: والله، ما قالها أحد من بني حنيفة، وإنّا نضرب صبياننا على الصلاة من التسع، وعلى الصيام من السبع، وإنّا لنخرج الزكاة من حيث يبقى في جمادى الآخرة عشرة أيام، ويوصي مريضنا بها لوصيه.
                      والله يا قوم، ما نكثنا ولا غيرنا، ولا بدلنا، حتى تقتلوا رجالنا وتسبوا حريمنا. فإن كنت يا أبا بكر بحق، فما بال علي لم يكن سبقك علينا؟! وإن كان راضيا بولايتك، فلم لا ترسله إلينا يقبض الزكاة منا، ويسلمها إليك؟!
                      والله، ما رضي ولا يرضى، قتلت الرجال، ونهبت الأموال، وقطعت الأرحام، فلا نجتمع معك في الدنيا ولا في الآخرة. افعل ما أنت فاعله.
                      </span>الصفحة 183 فضج الناس، وقال الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما: إنَّا لمغالون في ثمنك.
                      فقالت: أقسمت بالله، وبمحمد رسول الله، إنه لا يملكني ويأخذ رقي إلا من يخبرني بما رأت أمي وهي حامل بي؟! وأي شيء قالت لي عند ولادتي؟! وما العلامة التي بيني وبينها؟! وإلا فإن ملكني أحد ولم يخبرني بذلك بقرت بطني بيدي، فيذهب ثمني، ويكون مطالباً بدمي.
                      فقالوا لها: ابتدري بالرؤيا، حتى نبدي لك العبارة بالرؤيا.
                      فقالت: الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا مني، وبالعبارة من الرؤيا.
                      فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسا.
                      فدخل أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: ما هذا الرجف في مسجد رسول الله؟!
                      قالوا: يا علي، امرأة من بني حنيفة، حرمت نفسها على المؤمنين، وقالت: من أخبرني بالرؤيا التي رأت أمي وهي حامل بي، وعدَّها لي، فهو يملكني.
                      فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما ادعت باطلاً، أخبروها تملكوها.
                      فقالوا: يا أبا الحسن، ما فينا من يعلم الغيب. أما علمت أن ابن عمك رسول الله قبض، وأن اخبار السماء انقطعت من بعده.
                      فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما ادعت باطلاً، أُخبرها أملكها بغير اعتراض؟!
                      </span>الصفحة 184 قالوا: نعم.
                      فقال (عليه السلام): يا حنفية، أخبرك أملكك؟!
                      فقالت: من أنت أيها المجتري دون أصحابه.
                      فقال: أنا علي بن أبي طالب.
                      فقالت: لعلك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علماً للناس؟!
                      فقال: أنا ذلك الرجل.
                      قالت: من أجلك أصبنا، ومن نحوك أتينا، لأن رجالنا قالوا: لا نسلم صدقات أموالنا، ولا طاعة نفوسنا إلا إلى من نصبه محمد (صلى الله عليه وآله) فينا وفيكم علماً.
                      فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن أجركم غير ضائع، وإن الله تعالى يؤتي كل نفس ما أتت من خير.
                      ثم قال: يا حنفية، ألم تحمل بك أمك في زمان قحط، منعت السماء قطرها، والأرض نباتها، وغارت العيون، حتى إن البهائم كانت تريد المرعى فلا تجد، وكانت أمك تقول: إنك حمل ميشوم في زمان غير مبارك.
                      فلما كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأنها وضعتك، وأنها تقول: إنك حمل ميشوم، وفي زمان غير مبارك، وكأنك تقولين: يا أمي لا تطَّيرين بي، فأنا حمل مبارك، نشوت نشواً صالحاً، ويملكني سيد، وأرزق منه ولداً، يكون لبني حنيفة عزاً.
                      </span>الصفحة 185 فقالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فإنه كذلك.
                      فقال: وبه أخبرني ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                      فقالت: ما العلامة بيني وبين أمي؟!
                      فقال: إنها لما وضعتك كتبت كلامك والرؤيا، في لوح من نحاس، وأودعته عتبة الباب، فلما كان بعد حولين عرضته عليك، فأقررت به، فلما كانت ست سنين عرضته عليك فأقررت به، ثم جمعت بينك وبين اللوح، فقالت لك: يا بنية، إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم، ناهب لأموالكم، ساب لذراريكم، وسبيت فيمن سبى، فخذي اللوح معك، واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلا من يخبرك بالرؤيا، وبما في هذا اللوح.
                      قالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فأين اللوح؟!
                      قال: في عقيصتك.
                      فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، ثم قالت: يا معاشر الناس، اشهدوا أني قد جعلت نفسي له عبدة.
                      فقال (عليه السلام): بل قولي زوجة.
                      فقالت: اشهدوا أني قد زوجت نفسي كما أمرني بعلي (عليه السلام).
                      فقال (عليه السلام): قد قبلتك زوجة.
                      فماج الناس..
                      فقال جابر: والله يا أبا جعفر، ملكها بما ظهر من حجة، وتبين من بينته،
                      </span>

                      تعليق


                      • فلعن الله تعالى من اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق ستراً(1).
                        ونقول:
                        إن دلائل هذه الرواية وإشاراتها واضحة ولا سيما ما يلي:

                        ____________


                        1- الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي ص269 ـ 274 و (ط المطبعة الحيدرية ـ النجف سنة 1381هـ) ص99 ـ 101 وأشار في هامش النسخة الأولى إلى المصادر التالية: بحارالأنوار ج29 ص457 عن الروضة، وفيه: الحسين بن أحمد المدني، عن الحسين بن عبد الله البكري، عن عبد الله بن هشام، بدل ما في المتن.
                        مدينة المعاجز ج2 ص219 ح520، عن كتاب سير الصحابة، وعن البرسي.
                        والخرائج والجرائح ج2 ص563، ح21 مرسلاً و 589، ح1 عن دعبل الخزاعي، قال: حدثني الرضا، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال: كنت عند أبي الباقر (عليه السلام).. وبتفاوت يسير في كليهما. عنه بحار الأنوار ج41 ص302 ح35 وج42 ص84 ح14 وإثبات الهداة ج3 ص53 ح45 باختصار، ومدينة المعاجز ج5 ص174 ح1549 والعوالم ج19 ص335 ح1. المناقب لابن شهرآشوب ج2 ص278 س6 مرسلاً، عن الباقر (عليه السلام).. وبتفاوت يسير. عنه بحار الأنوار ج41 ص326 ح47. إثبات الهداة ج2 ص42 ح 170 باختصار عن كتاب الروضة في الفضائل المنسوب إلى ابن بابويه وإحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص101 س10 عن بحر المناقب لابن حسنويه.
                        وراجع: الروضة في فضائل أمير المؤمنين لشاذان بن جبرئيل القمي (ط سنة 1423هـ) ص36.
                        الصفحة 187 دليل إمامة أبي بكر:
                        أظهرت الرواية المتقدمة: أن أتباع الخلفاء كانوا يحاولون الخروج من مأزقهم الذي أوقعوا أنفسهم فيه مع علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكانوا يسارعون إلى الإستفادة من أية شائعة تشير إلى رضا علي (عليه السلام) عن الخلفاء، أو قبوله بهم، أو سكوته عن الطعن بأهليتهم للخلافة، أو بمشروعية حكومتهم.
                        وكان مما استدلوا به على رضاه هذا كون خولة أم ولده محمد من سبي بني حنيفة، الذين قتلوا مع مالك بن نويرة، وسبيت نساؤهم..
                        وقد ظهر من الرواية: أن تداول هذا الإستدلال جاء مبكراً جداً، حتى فنده لهم الإمام الباقر (عليه السلام)، من خلال شاهد، حاضر وناظر، هو جابر بن عبد الله الأنصاري..
                        الإمام (عليه السلام) لا ينقل حجة غيره:
                        وقد لوحظ: أن الإمام الباقر (عليه السلام) لم يجب على سؤال الرجلين بنفسه، لعله لكي لا يتهم بأنه يجر النار إلى قرصه، بل ترك الأمر إلى رجل ليس من بني هاشم، وهو صحابي موثوق ومعتمد.
                        كما أنه لم يرد أن ينقل لهم عن غيره، بل أراد أن ينقل لهم مشاهداتٍ مباشرة من شاهد عيان، لكي لا يتوهم متوهم أن الخطأ أو التحريف قد جاء من المنقول عنه.. أو أنه نشأ عن التقصير في ضبط النقل، أو بسبب عدم التدقيق فيه.
                        </span>الصفحة 188 ثم يلاحظ أيضاً: أن الإمام (عليه السلام) لم يسأل جابراً عن أمر خولة بصورة مباشرة. بل ذكر عنواناً عاماً.. وترك له هو الخيار في أن يجيب بالنفي أو بالإثبات، أو أن يسأل الرجلين عن مستندهما فيما ذهبا إليه، فاختار جابر هذا الثاني. فأجابا بأن قضية خولة هي الدليل الذي يستندان إليه.
                        أشهد أنك تسمع كلامي:
                        وبعد.. فما أروع زيارة هذه الجارية، وشكواها لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، والتي تضمنت: أن النبي (صلى الله عليه وآله) يسمع كلامها، ويقدر على رد جوابها وهو في قبره.
                        ولم يعترض عليها أحد من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله). ومنهم: أبو بكر، وطلحة، والزبير، وجابر وغيرهم، ولم يشككوا في صحة كلامها.
                        فهل يمكن لأحد بعد هذا أن يدَّعي: أن محمداً قد مات، وأنه لم يعد يضر ولا ينفع، كما يدَّعيه ابن تيمية وأتباعه؟!
                        الإدانة الصريحة:
                        وقد بيّنت هذه الجارية: أن قومها قد قتلوا وهم مسلمون، وأنها هي الأخرى كانت على الإسلام..
                        ولكن ذلك لم ينفع في تحريك أبي بكر لإطلاق سراحها وسراح غيرها من السبي المسلم.. الذي يقيم الصلاة، ويعطي الزكاة، ويوصي الميت بها من بعده.
                        </span>الصفحة 189 كما أن ذلك لم ينفع في جعل أبي بكر يراجع حساباته، ليعرف إن كان خالد مستحقاً للمؤاخذة أم لا.
                        والرجل الوحيد الذي صدقها في كلامها، وتفاعل معها هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).
                        الحنفية ليست من سبايا الردة:
                        وهذه الرواية تفند ما يزعمه أولئك المؤرخون: من أن أم محمد ابن الحنفية كانت سبيّة من سبايا الردة، قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد لمّا ارتدت بنو حنيفة، وادَّعت نبّوة مسيلمة، وأن أبا بكر دفعها إلى علي (عليه السلام) من سهمه في المغنم.
                        ثم اختلفوا فيها: هل هي أمة لبني حنيفة سوداء سنديّة(1) أم هي عربية من بني حنيفة أنفسهم..
                        رضى علي (عليه السلام) هو المعيار:
                        وقد ظهر من كلام هذه المرأة: أنها تعتبر موقف علي (عليه السلام) هو

                        ____________


                        1- الطبقات الكبرى ج5 ص66 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله للبري ص58 وذخائر العقبى ص117 وتاريخ مدينة دمشق ج54 ص323 وسير أعلام النبلاء ج4 ص114 والمعارف لابن قتيبة ص210 والمنتخب من ذيل المذيل ص117 ووفيات الأعيان ج4 ص169 وتاريخ الإسلام للذهبي ج6 ص183.
                        الصفحة 190 المعيار في الحق والباطل، وبذلك استدلت على أبي بكر أمام ذلك الجمع الكبير من الصحابة، ولم يحر أبو بكر جواباً. ولا أنكر أن يكون علي (عليه السلام) كذلك..
                        وأظهرت أيضاً: أن علياً (عليه السلام) ما رضي، ولن يرضى بما فعلوه بهم، من قتل الرجال، ونهب الأموال..
                        علم الإمام بالغيب:
                        وقد هددت هذه الجارية بقتل نفسها، إن أراد أحد أن يملكها بدون أن يخبرها برؤيا أمها، وذلك يدل على: أن الناس مع علمهم بموت النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا يعتقدون بفطرتهم: أن وصي الرسول (صلى الله عليه وآله) وخليفته لا بد أن يكون قادراً على الإخبار بالغيب.. وفي ذلك إسقاط لمن يدَّعي هذا المقام عن صلاحيته له إذا لم يكن قادراً على ذلك..
                        واللافت هنا: أنه (عليه السلام) قد أخبرها بذلك الغيب، وبأن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي أخبره به، مع أنه مجرد رؤيا، ومع اعتراف الجميع بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد مات، وبأن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي يقدر على الإخبار بالغيوب..
                        فظهر من هذا وذاك: أنه (صلى الله عليه وآله) قد اختص علياً (عليه السلام) بأمور الغيب دونهم..
                        وهذا العلم الخاص الذي هو أحد الأركان التي تثبت بها الإمامة، وتقوم عليها. والركن الآخر هو النص الثابت عن الله ورسوله.. وثمة وسائل إثبات أخرى أيضاً.
                        </span>الصفحة 191 غدير خم:
                        وقد صرحت تلك الجارية: بأنها تظن بأن علياً (عليه السلام) هو الرجل الذي نصبه النبي إماماً للمسلمين يوم غدير خم.. وصدق علي (عليه السلام) ظنها، ولم يعترض أبو بكر، ولا غيره من الصحابة الحاضرين في ذلك المجلس عليها وعليه!!..
                        من أجلك أصبنا:
                        وقد وضعت تلك الجارية إصبعها على الجرح، وفضحت ما لا تزال يد السياسة تحاول ستره أو محوه، وهو أنهم قد ذُبحُوا من أجل علي (عليه السلام)، لأنهم رفضوا إعطاء زكاة أموالهم لغير من نصبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إماماً وعَلَماً..
                        وهذا هو بيت القصيد. وهو المقتل الذي يصاب به غاصبوا حق علي (عليه السلام).
                        ولكن قد فات هؤلاء الناس المظلومين المقهورين: أن من يتجرأ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويرميه بالهجر وهو حي، ويتجرأ على ضرب الزهراء (عليها السلام)، وإسقاط جنينها، وقتلها، ويسعى لقتل علي (عليه السلام) نفسه، هل يمنعه مانع عن قتل أي كان من الناس، إذا رأى أنه سيتسبب لهم ببعض المتاعب، وربما يضيع من يدهم ما حصلوا عليه بأغلى الأثمان ؟!
                        </span>الصفحة 192 الحنفية ليست من سبي أبي بكر:
                        وبعد.. فلو أننا لم نقرأ تلك الرواية أصلاً، أو أننا وجدنا فيها ما يسقطها عن الإعتبار، بصورة جازمة، وفرضنا أيضاً: أنه ليس في حوزتنا سوى مصادر أهل السنة فإننا أيضاً سوف نصر على عدم صحة مزاعمهم، أو إننا لا بد أن نشك فيه على أقل تقدير..
                        إن كون الحنفية من سبي أبي بكر ليس فقط هو غير معلوم، بل نكاد نقطع بخلافه، وقد ذكرنا ما نستند إليه في الجزء الأول من هذا الكتاب، فلا بأس بالرجوع إلى هذا.
                        </span>الصفحة 193 الفصل الخامس:
                        أحداث لها دلالاتها..
                        </span>الصفحة 194 </span>الصفحة 195 أبو بكر وارتداد المكيين:
                        ويقولون: لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ووصل خبر ذلك إلى أهل مكة، ارتجت مكة، وكاد أهلها يرتدون، واستخفى عاملها عتاب بن أسيد.
                        ثم عادوا إلى الايمان:
                        وزعم بعضهم: أن سبب عودتهم إلى الإيمان هو: أنهم رأوا أن خلافة أبي بكر تمثل انتصاراً لهم على أهل المدينة، فأرضاهم ذلك.
                        ونقول:
                        إن ذلك غير مقبول:
                        أولاً: إن خبر خلافة أبي بكر قد جاءهم مع خبر وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                        ثانياً: إنهم يذكرون: أن سبب عودتهم هو نصيحة سهيل بن عمر لهم.
                        وأما استخفاء عتاب، فلعله لأجل أنه أراد أن يعرف موقف أبي سفيان وبني أمية، لكي يتمكن من التناغم معه، ولا يضطر إلى إعلان موقف، ثم إعلان موقف آخر يناقضه.
                        أي أنه يريد أن يعرف إن كان الأمويون يؤيدون خلافة أبي بكر، لكي
                        </span>الصفحة 196 يعلن هو تأييده لها أيضاً، أم أن لهم سعياً آخر، فعليه في هذه الحال أن يتدبر الأمور، ويسوقها باتجاه ما يسعى إليه قومه من بني أمية.
                        بين أسامة وأبي بكر:
                        وقد ذكرت بعض الروايات عن الإمام الباقر (عليه السلام): أن أبا بكر أرسل كتاباً إلى أسامة بن زيد ليقدم عليه، وأخبره بأن المسلمين قد اجتمعوا عليه، وولوه أمرهم.. وأن عمر بن الخطاب هو الذي طلب من أبي بكر أن يكتب لأسامة ليقدم عليه، فإن في قدومه قطع الشنعة عنهم:
                        فكتب إليه أسامة بن زيد: يحذره من أن يعصي الله ورسوله، ويذكره بما كان من النبي (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم. ويقول له: (استخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليك وعلى صاحبك. ولم يعزلني حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله). وإنك وصاحبك رجعتما وعصيتما، فأقمتما في المدينة بغير إذني).
                        وأعاد أبو بكر الكتابة إلى أسامة، وطلب أناس من المنافقين أن يكتبوا إليه أيضاً، ويحذروه من الخلاف، فانصرف أسامة إلى المدينة.
                        (فلما رأى اجتماع الناس على أبي بكر انطلق إلى علي (عليه السلام)، فقال: ما هذا؟!
                        فقال علي: هذا ما ترى.
                        قال له أسامة: فهل بايعته؟!
                        فقال: نعم.
                        </span>الصفحة 197 فقال أسامة: طائعاً أو كارهاً؟!
                        قال: لا بل كارهاً.
                        قال: فانطلق أسامة فدخل على أبي بكر، فقال: السلام عليك يا خليفة المسلمين.
                        قال: فرد أبو بكر، وقال: السلام عليك أيها الأمير(1).
                        ونقول:
                        إن لنا مع هذا النص العديد من الملاحظات والوقفات. نذكر منها ما يلي:
                        حين غادر أسامة المدينة:
                        إن هذا النص يؤكد: أن أسامة قد غادر المدينة قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله). وأن أبا بكر وعمر، واعوانهما وكذلك سعد بن عمارة، وسائر من حضر السقيفة قد تخلفوا عن جيش اسامة..
                        وبذلك يعلم: أن ما يذكرونه من أن أسامة قد سار في وجهه ذاك بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).. غير صحيح.

                        ____________


                        1- راجع: بحار الأنوار ج29 ص91 ـ 93 والإحتجاج ج1 ص224 و 225 و (ط دار النعمان) ج1 ص114 ـ 115 والدرجات الرفيعة ص443 وراجع: اليقين في إمرة أمير المؤمنين ص310.
                        الصفحة 198 تخلف الشيخين كان من دون إذن:
                        وقد دل هذا الحديث أيضاً على: أن ما قد يدَّعونه من أن أبا بكر وعمر كانا قد استأذنا أسامة بالبقاء في المدينة، غير صحيح أيضاً، بل هما قد رجعا عاصيين، وتخلفا في المدينة بغير إذن أسامة..
                        كما أنه يدل على عدم صحة ما يزعمونه من أن أبا بكر هو الذي جهز أسامة، وأرسله في ذلك الوجه..
                        علي قاضي دين النبي (صلى الله عليه وآله):
                        روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن علياً (عليه السلام) يقضي دينه، وينجز عداته بعد مماته (صلى الله عليه وآله)(1).

                        ____________


                        1- مصادر الحديث الدال على ذلك كثيرة جداً فراجع: إحقاق الحق (الملحقات) وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص318 ومناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) ج1 ص335 و 340 و 341 و 387 و 445 و 497 وج2 ص47 وكنز العمال ج11 ص610 والمعجم الكبير للطبراني ج12 ص321 والعثمانية للجاحظ ص290 ومجمع الزوائد ج9 ص121 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص228 وكشف الغمة للإربلي ج1 ص341 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص396 ج3 ص26 وبحار الأنوار ج2 ص226 وج5 ص21 و 69 وج22 ص501 وج28 ص84 وج35 ص184 وج38 ص12 و 19و 74 و 147 و 327 وج39 ص220 وج40 ص76 والمراجعات ص308 و 309 والغدير = = ج2 ص283 وج5 ص351 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص47 و 48 و 56 و 57 و 331 وينابيع المودة ج2 ص77 و 85 و 97 و 163 و 299 و 402 ونهج الإيمان لابن جبر ص440 وتفسير القمي ج2 ص109 وعلل الشرائع ج1 ص157 والعمدة لابن البطريق ص180

                        تعليق


                        • فلما استشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر علي (عليه السلام) صائحاً يصيح: (من كان له عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) عدة أو دين، فليأتني).
                          فكان يبعث كل عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك، حتى توفي علي (عليه السلام)..
                          ثم كان الحسن بن علي (عليه السلام) يفعل ذلك حتى توفي.
                          ثم كان الحسين (عليه السلام) يفعل ذلك، وانقطع ذلك بعده (عليه السلام)(1).
                          قال ابن أبي عون: فلا يأتي أحد من خلق الله إلى علي (عليه السلام) بحق ولا باطل إلا أعطاه(2).

                          ____________


                          1- راجع: الطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج2 ص319 و (ط ليدن) ج2 ق2 ص89 وراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للكوفي ج1 ص397.
                          2- الطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج2 ص319 و (ط ليدن) ج2 ق2 ص89.
                          الصفحة 200 أبو بكر يقضي دين رسول الله (صلى الله عليه وآله):
                          ولكنهم يذكرون في مقابل ذلك:
                          عن أبي سعيد الخدري أنه قال: (سمعت منادي أبي بكر ينادي في المدينة، حين قدم عليه مال البحرين: من كانت له عدة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليأت.
                          فيأتيه رجال فيعطيهم.
                          فجاء أبو بشير المازني، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا با بشير إذا جاءنا شيء فأتنا.
                          فأعطاه أبو بكر حفنتين، أو ثلاثاً. فوجدوها ألفاً وأربع مئة درهم(1).
                          وروى البخاري وغيره: أنه لما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاء مال من قبل علاء بن الحضرمي، فقال أبو بكر: من كان له على النبي (صلى الله عليه وآله) دين، أو كانت له قبله عدة فليأتنا.
                          قال جابر: وعدني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يعطيني هكذا، أو هكذا وهكذا، فبسط يده ثلاث مرات.
                          قال جابر: فعد في يدي خمس مئة، ثم خمس مئة، ثم خمس مئة(2).

                          ____________


                          1- الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص319 وكنز العمال ج5 ص626 والإكمال في أسماء الرجال للتبريزي ص24 وجامع المسانيد والمراسيل (ط دار الفكر سنة 1994) ج13 ص98 وج17 ص233.
                          2- صحيح البخاري (ط دارالفكر) ج3 ص163 والطبقات الكـبرى لابن سعد = = ج2 ص317 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص109 وعمدة القاري ج13 ص259 والتمهيد لابن عبد البر ج3 ص211 ومجمع الزوائد ج6 ص3 والمصنف للصنعاني ج4 ص78 ومسند أبي يعلى ج3 ص459 وشرح معاني الآثار ج3 ص305 والإستذكار لابن عبد البر ج5 ص159 وأضواء البيان ج3 ص440 وجامع المسانيد والمراسيل ج13 ص98 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج5 ص626.
                          الصفحة 201 ونقول:
                          هناك أمران لا بد من الالتفات إليهما:
                          الأول: إن أبا بكر أراد أن يوحي للناس بفعله هذا: أنه هو الذي يقضي دين الرسول (صلى الله عليه وآله)، وينجز عداته، ليدل ذلك على: أنه هو خليفته، والقائم مقامه، وليس علي بن أبي طالب (عليه السلام).
                          الثاني: إن أبا بكر قد أعطى أبا بشير المازني، وجابر بن عبد الله ما ادَّعيا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد وعدهما به، ولم يطلب منهما بيِّنة على ذلك(1)، مع أنه إنما يعطيهما من مال المسلمين، فلماذا لا يعامل الزهراء (عليها السلام) بنفس هذه المعاملة، فيعطيها ما تدعيه بلا بينة؟! مع ثبوت طهارتها بنص الكتاب العزيز..

                          ____________


                          1- الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص319 وكنز العمال ج5 ص626 والإكمال في أسماء الرجال للتبريزي ص24 وجامع المسانيد والمراسيل (ط دار الفكر سنة 1994) ج13 ص98 وج17 ص233.
                          الصفحة 202 بل هو لا يعطيها ما تدَّعيه حتى مع إقامتها البينة. وكانت بينتها من الذين نص القرآن بأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. ومن الذين شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهم بالجنة.
                          يضاف إلى ذلك أن بينتها هي القرآن، فقد شهد القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله) بصدقها..
                          بل هو يأخذ منها ما كان في يدها عدة سنوات، تتصرف فيه تصرف المالك.
                          بيعة علي (عليه السلام) مكنت من حرب المرتدين:
                          روى البلاذري: أنه حين ارتدت العرب مشى عثمان إلى علي، فقال: يا ابن عم! إنه لا يخرج أحد إلى قتال هذا العدو، وأنت لم تبايع. فلم يزل حتى مشى إلى أبي بكر فبايعه. فسرّ المسلمون. وجدّ الناس في القتال، وقطعت البعوث(1).
                          ونقول:
                          إن ما يستوقفنا في هذا النص هو ما يلي:
                          ألف: إنه يقول: إن عثمان قد أقنع علياً (عليه السلام) بالبيعة لأبي بكر، فمشى إليه فيابعه.
                          مع أن النصوص الأخرى تارة تقول: إن علياً (عليه السلام) استخرج

                          ____________


                          1- أنساب الأشراف ج1 ص587 والمسترشد ص383 عن الواقدي، وعن الشافي ص397.
                          الصفحة 203 من بيته بالقوة والقهر، وأخذ ملبباً إلى أبي بكر لأجل البيعة..
                          ب: يضاف إلى ذلك أنهم هم أنفسهم يروون نقيض ما في روايتهم هذه، فيقولون:
                          إنه بعد استشهاد فاطمة الزهراء (عليه السلام) رأى علي (عليه السلام) انصراف الناس عنه، فضرع لبيعة أبي بكر، وطلب منه أن يأتيه لكي يبايع الخ.. فراجع ذلك في مصادره.. فأي ذلك هو الصحيح..
                          ج: إنهم يقولون تارة: إنه بايع بعد ستة أشهر.
                          وأخرى يقولون: إنه بايع قبل بعث الجيوش لحرب المرتدين.. مع أن الحروب معهم قد بدأت بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأيام يسيرة.
                          د ـ إن هذا النص يدلنا على مكانة علي (عليه السلام) بين المسلمين. حتى إن أبا بكر لم يكن قادراً على تحريك المسلمين للقتال، قبل أن يبايع علي. أو على الأقل قبل أن يشيعوا بين الناس بيعته..
                          ولكن الناس بعد أن أخذت منهم البيعة بتلك الطريقة التي ذكرناها.. لم يكونوا يستسيغون التراجع عن بيعتهم..
                          علي (عليه السلام) لا يطيع أبا بكر:
                          عندما ظهر المتنبؤن استشار أبو بكر عمرو بن العاص: من يرسل إليهم، فقال له: فما ترى في علي؟!
                          </span>الصفحة 204 فقال عمرو: لا يطيعك(1).
                          ونقول:
                          إننا نستفيد من هذا النص:
                          أولاً: إن عدم طاعة علي (عليه السلام) لأبي بكر يجب أن ينظر إليه فيما هو أبعد من مجرد ميل علي إلى عدم التعاون، وإيثاره الإستجابة لنداء العزلة، بل هو يدخل في دائرة عدم الاعتراف بشرعية الحكم بصورة عملية، وتؤيد ذلك الأقوال والتصريحات، التي صدرت عن علي (عليه السلام).
                          وذلك يدلل على عدم صحة ما يدعى من بيعته الطوعية لأبي بكر، لأن البيعة الطوعية تقضي بلزوم الطاعة والإنقياد، وامتثال الأوامر. وبدون ذلك، فإن عدم الطاعة لا بد أن يعد نكثاً للعهد، وإبطالاً للعقد..
                          وحيث إن ذلك لم يعتبره أبو بكر وحزبه نقضاً ولا نكثاً، وإبطالاً، فهو يعني: أنهم لا يرون أن لهم في عنقه بيعة تلزمه بالطاعة، وأن ما أشاعوه من بيعته لهم لم يكن ذا أثر حقيقي، وذي بال..
                          غير أن من الواضح: أن البيعة إنما تقضي بلزوم الطاعة في ما يرضي الله، أما في معصية الله سبحانه كما في حرب مانعي الزكاة في عهد أبي بكر، الذين كانوا يتريثون في إعطاء زكاتهم لغير صاحب الحق الشرعي، الذي نصبه لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير في حجة الوداع.. فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

                          ____________


                          1- تاريخ اليعقوبي ج2 ص129.
                          الصفحة 205 علي (عليه السلام) يرفض ولاية اليمن:
                          ومما يؤكد ذلك ما روي عن الباقر (عليه السلام): من أنهما (يعني: أبا بكر وعمر) لما غلبا على الأمر كتبا لعلي (عليه السلام) عهداً على اليمن، فامتنع امتناعاً شديداً، فشددا ليسيرن..
                          فخرج من المسجد من عندهما، فاستقبله المغيرة بن شعبة، فسمعه يقول: لأملأنها عليهم رجالاً.
                          فدخل المغيرة عليهما، فقال: أكان بينكما وبين علي شيء؟!
                          قالا: كتبنا له عهداً على اليمن، فأبى أن يقبله، فأكرهناه عليه.
                          فقال: قد سمعته يقول: لأملأنها عليهما.
                          فقالا: يا فلان، اذهب فخذ عهدنا منه.
                          فما استحليا (لعل الصحيح: استخليا) المدينة بعد ذلك(1).
                          ونقول:
                          1 ـ قلنا في هذا الكتاب: إن أبا بكر وعمر كانا مهتمين بأن يرى الناس علياً (عليه السلام) خاضعاً لإرادة الحكم الجديد، منقاداً لأوامر الخليفة، ساعياً في توطيد دعائم حكمه، لأن ذلك يسقط ما يدَّعيه علي (عليه السلام)، ويعطي الشرعية لهذا الحاكم الجديد، وربما يزيل أو يخفف عنه

                          ____________


                          1- مكارم أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، منسوب لقطب الدين الراوندي، مخطوط في مكتبة مجلس الشورى بإيران.
                          الصفحة 206 تبعات ما جرى على السيدة الزهراء (عليها السلام)، بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسبب مهاجمتها في بيتها.
                          كما أن باستطاعته أن يواجه نظرات الريب والإتهام التي يرشقه بها علي (عليه السلام) وكثير من أعيان الصحابة، وأبرارهم، بمقولة: إن صاحب الحق قد تنازل عن حقه، فماذا تريدون بعد هذا؟!
                          2 ـ لعل إصرار أبي بكر وعمر على علي (عليه السلام) بأن يتولى اليمن كان بعد استشهاد السيدة الزهراء (عليها السلام)، وظنهم أن علياً (عليه السلام) قد اعتاد على الواقع الجديد، وطابت نفسه للتعامل معه.
                          ولم يكن يدور بخلدهما أنه لا يحق لعلي (عليه السلام) التخلي عن الحق، بل لابد له من حفظه، ولو بمستوى حفظ معالمه من التلاشي، وآثاره من الضياع في ضمير الأمة وفي فكرها، وفي وعيها. فهو إذا تعامل معهم فإنما يتعامل بهذه الحدود، ولا يتجاوز نطاق هذا المدى.
                          ولأجل ذلك كان (عليه السلام) في نفس الوقت الذي يسعى فيه لحفظ الدين من التحريف والتزييف، وحفظ أهل الدين من الضلال والضياع، ـ كان ـ بإستمرار يستحث ضمير الأمة على اليقظة والتنبه إلى أن عليهم أن يعرفوا الحق لأهله، وأن ينكروا التعدي على هذا الحق.
                          كما أنه كان لا يتهاون في بيان كل ما يؤكد عدوانهم على حقه، ومظلوميته معهم، ويقيم الدلائل القاطعة، والبراهين الواضحة والساطعة على هذه الحقيقة.
                          كما أنه لم يتوان عن الإثبات قولاً وعملاً بأنه هو الجامع لكل صفات
                          </span>الصفحة 207 الإمامة، ومنها: العلم والعصمة وغير ذلك.. وفقدان غيره لها..
                          وهذا ما يفسر لنا كثرة إخباره (عليه السلام) بالغيوب، وكشفه عن غوامض المسائل، وحل أشكل المشكلات.
                          هذا كله عدا ما كان يظهره من كرامات، ومن خوارق العادات في أكثر من اتجاه.
                          3 ـ ونرى أنه (عليه السلام) حين أسمع المغيرة كلمته التي خافها أبو بكر وعمر، قد تعمد أن يسمعه إياها ليذكرها لهم. وهذا أسلوب رائع في الوصول إلى إسقاط خطة الطرف الآخر من دون تقديم أية تنازلات..
                          4 ـ ولست أدري، فلعل كلمة علي (عليه السلام) هنا هي التي نبهت عمر إلى سياسة إجبار كبار الصحابة على البقاء في المدينة، وعدم توليتهم الأعمال الجليلة، خوفاً من نشر الحديث، ومن استقلالهم بالأمر(1).

                          ____________


                          1- راجع: تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة 35 ج3 ص426 ومروج الذهب ج2 ص321 و 322 وراجع: المستدرك للحاكم ج3 ص120 وج1 ص110 وكنز العمال ج10 ص180 وتذكرة الحفاظ ج1 ص7 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص20 وسيرة الأئمة الاثني عشر ج1 ص317 و 343 و 365 وراجع: التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التفسير ص208 و 209 والفتنة الكبرى ص17 و 46 و 77 وشرف أصحاب الحديث ص87 ومجمع الزوائد ج1 ص149 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص135 وج2 ق2 ص100 و 112 وحياة الصحابة ج2 ص40 و 41 وج3 ص272 و 273 عن الطبري = = ج5 ص134 وعن كنز العمال ج7 ص139 وج5 ص239.
                          وفي هذا الأخير عن ابن عساكر: أنه جمع الصحابة من الآفاق، ووبخهم على إفشائهم الحديث.
                          الصفحة 208 مفارقات في البيعة والنكث:
                          ومن المفارقات في موضوع بيعة الناس ونكثهم:
                          1 ـ إن الناس بايعوا علياً (عليه السلام) يوم الغدير بأمر من الله ورسوله.. ثم نكثوا ونقضوا بيعتهم فور استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون أن يجدوا حرجاً في ذلك بل اعتبروه توفيقاً، واصابة للحق..
                          2 ـ إنهم بايعوا أبا بكر، ثم اعتذروا عن عدم نصرتهم لصاحب الحق الشرعي بأن بيعتهم لأبي بكر قد سبقت..
                          مع أن بيعتهم لعلي يوم الغدير، قد سبقت بيعتهم لأبي بكر.. فقد جرت باؤهم هنا وعجزت عن أن تجر هناك!!.. مع ان بيعتهم لعلي كانت بأمر الله ورسوله، وبيعتهم لأبي بكر كانت معصية لأمر الله ورسوله ـ ونكثاً لبيعتهم السابقة..
                          مع أن المعيار الدين المروي عن أهل بيت العصمة هو: أن الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله..
                          ثانياً: لقد كان أبو بكر مهتماً بأن يظهر علياً في موقع المنفذ للأوامر الراضي بالمنقاد له، وأن يكون بمثابة الجندي الملتزم والمنتظر لأوامر قائده. فإن ذلك يؤكد شرعيته وهيمنته، يقرِّب الامور إلى الحسم في أكثر المسائل
                          </span>الصفحة 209 أهمية وحساسية بالنسبة إليه..
                          ثالثاً: إن الذي كبح جماح أبي بكر، وألزمه بالرضا بمشورة عمرو، هو أنه لو طلب من علي ورفض، ولم يستطع أن يحمله على طاعة أمره، فإن ذلك سيكسر هيبته، وسيضعف موقعه ومركزه.
                          وإن أراد أن يصر عليه ويحمله على ذلك، ويرتب عليه أحكام العصيان، فإنه سوف يصطدم بما لا طاقة له به، ولا قدرة له على مواجهته، وسيفتح الباب أمام بني هاشم وجميع محبي علي، ورافضي خلافة أبي بكر من الأنصار ومن العرب ـ للتحرك ضده، وسيجدون أبا بكر متعدياً على علي، ومهيجاً له بلا مبرر، وسيفهمون أن هدفه هو التسلط عليه، والإساءة إليه.
                          أبو بكر يشاور علياً (عليه السلام) في غزوة الروم:
                          قال اليعقوبي: أراد أبو بكر أن يغزو الروم فشاور جماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت.
                          فقال: بشرت بخير.
                          فقام أبو بكر في الناس خطيباً، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم..
                          فسكت الناس.
                          فقام عمر فقال: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً}(1) لانتدبتموه.

                          ____________


                          1- الآية 42 من سورة التوبة.

                          تعليق


                          • قام عمرو بن سعيد، فقال: لنا تضرب أمثال المنافقين يا ابن الخطاب؟! فما يمنعك أنت ما عبت علينا فيه.فتكلم خالد بن سعيد، وأسكت أخاه، فقال: ما عندنا إلا الطاعة.
                            فجزاه أبو بكر خيراً(1).
                            عزل خالد بن سعيد:
                            ثم نادى في الناس بالخروج، وأميرهم خالد بن سعيد. وكان خالد من عمال رسول الله (صلى الله عليه وآله) باليمن، فقدم وقد توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فامتنع عن البيعة، ومال إلى بني هاشم.
                            فلما عهد أبو بكر لخالد قال عمر: أتولي خالداً وقد حبس عنك بيعته، وقال لبني هاشم ما قد بلغك؟! فوالله ما أرى أن توجهه، وحل لواءه.
                            ودعا يزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، فعقد لهم، وقال: إذا اجتمعتم فأمير الناس أبو عبيدة الخ..(2).

                            ____________


                            1- تاريخ اليعقوبي (ط النجف الأشرف سنة 1394هـ) ج2 ص122 و (ط دار صادر) ج2 ص133.
                            2- تاريخ اليعقوبي (ط النجف الأشرف سنة 1394هـ) ج2 ص122 و (ط دار صادر) ج2 ص133 وراجع: الدرجات الرفيعة ص393 وأعيان الشيعة ج6 ص291.
                            الصفحة 211 ونقول:
                            هاهنا عدة أمور ينبغي الإلماح إليها، نذكر منها ما يلي:
                            علي (عليه السلام) الناصح الأمين:
                            إن أول ما يطالعنا فيما تقدم هو: أن علياً (عليه السلام) الذي أصيب بجرح عميق، بسبب ما أتوه إليه وإلى زوجته وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والإسلام والمسلمين، في سعيهم لاغتصاب مقام الخلافة، لم يتردد في تقديم النصح لأبي بكر في هذه الحالة. لأن علياً لا يفكر بمصالحه الشخصية، ولا يفسح المجال لأية انفعالات لتؤثر في مواقفه المبدئية، أو أن تمنعه من العمل لحفظ الإسلام، والمسلمين.. والتدبير لاطراد مسيرة العزة للدين وأهل الدين..
                            وعلي (عليه السلام) يرى: أن استمرار حالة الإنطواء والتقوقع للمسلمين قد تطمع الأعداء فيهم، وتشجعهم على غزوهم، وإلحاق الأذى بهم، ربما لتصور أولئك الأعداء أن غياب النبي (صلى الله عليه وآله) وما حصل بعد وفاته قد ترك آثاره على التماسك الداخلي، وألحق به ضرراً جسيماً..
                            فإذا رأوا أن المسلمين ليس فقط لا يعانون من أية مشكلة في الوضع الداخلي، وأنهم من القوة أصبحوا يملكون القدرة على الإنطلاق إلى الخارج لفرض هيبتهم وهيمنتهم.. إذا رأوا ذلك فسوف يراجعون حساباتهم من جديد.. وسيتخذون مواقع للدفاع دون الهجوم.. وهذا أمر مطلوب لأهل الإسلام..
                            فنصيحة علي (عليه السلام) لأبي بكر لا تعني المعونة الشخصية له، بل
                            </span>الصفحة 212 هي تعني حفظ مصالح الأمة. والدين بالدرجة الأولى.
                            يضاف إلى ذلك: أن انصراف السلطة إلى التفكير بالخارج من شأنه أن يخفف من حدتها في ملاحقة الصفوة من الأخيار في الداخل، ومحاسبتهم على مواقفهم منها..
                            خالد بن سعيد ضحية مواقفه:
                            وقد لاحظنا: أن خالد بن سعيد رغم مرور شهر أو شهرين على أحداث السقيفة، وموقفه المؤيدْ لعلي (عليه السلام) في موضوع البيعة والخلافة، فإنهم لم يغفرو له موقفه ذاك، بل انتقموا لأنفسهم بحدة بالغة، لم يكن له مفر من تحمل مرارتها، حيث إنه بعد أن عقد له أبو بكر لواء القيادة على تلك الجيوش، انبرى عمر بن الخطاب ليطلب من أبي بكر عزله، واستبداله بآخرين كانوا أشد الناس حماسة لبيعة أبي بكر، وتقوية سلطانه.
                            بل يبدو ان هذا قد جاء ضمن خطة تهدف إلى كسر هيبة هؤلاء الناس.. وقد جربوا ذلك حتى مع علي نفسه، حيث حاولوا اشراكه في شيء من أمورهم ربما لكي يتسنى لهم عزله وكسر هيبته، بعد أن يكون نفس قبوله الولاية منهم قد حسم الامور لصالحهم، لتضمنه الاقرار بشرعيتهم. ولكن علياً (عليه السلام) قد فوت عليهم الفرصة برفضه المشاركة في أي شيء من هذا القبيل.
                            وبذلك يظهر: أنه لا مجال لتأييد صحة ما يزعمونه من أنه جعله بتيماء، ثم عزله بعد خسارته إحدى المعارك مع الروم!!
                            </span>الصفحة 213 زلزلة في عهد أبي بكر:
                            روى الطبري والشيخ الصدوق بسندهما: عن فاطمة (عليها السلام)، قالت:
                            أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر، ففزع الناس إلى أبي بكر وعمر.
                            فوجدوهما قد خرجا فزعين إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فتبعهما الناس حتى انتهوا إلى باب علي (عليه السلام).
                            فخرج إليهم علي (عليه السلام) غير مكترث لما هم فيه، فمضى، واتبعه الناس، حتى انتهى إلى تلعة، فقعد عليها، وقعدوا حوله، وهم ينظرون إلى حيطان المدينة ترتج جائية وذاهبة.
                            فقال لهم علي (عليه السلام): كأنكم قد هالكم ما ترون؟!
                            قالوا: وكيف لا يهولنا، ولم نر مثلها قط؟!
                            قالت (عليها السلام): فحرك شفتيه، ثم ضرب الأرض بيده، ثم قال: مالك؟! اسكني.
                            فسكنت.
                            فعجبوا من ذلك أكثر من تعجبهم أولا حيث خرج إليهم.
                            قال (لهم): وإنكم قد عجبتم من صنيعي؟!
                            قالوا: نعم.
                            قال: أنا الرجل الذي قال الله عز وجل: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا}، فأنا الإنسان الذي أقول
                            </span>الصفحة 214 لها: ما لها {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}(1) إياي تحدث(2).
                            ونقول:
                            لا بد من الإشارة إلى ما يلي:
                            1 ـ إن الأمور في حالة الفزع والهلع تظهر على حقيقتها، ويتصرف الإنسان بالوازع والدافع الداخلي بعيداً عن كل أشكال التصنع والتكلف، ومن دون أن تتدخل في تصرفه عوامل غير واقعية، يمكن أن تحرفه عن مساره، وتوظف ما يقوم به في أي سياق آخر..
                            فهذا الإلتجاء العفوي حتى من أبي بكر وعمر إلى علي (عليه السلام)، رغم أنهما في حالات الرخاء يسعيان لإبطال أمر علي (عليه السلام)، وادعاء مقاماته، أو ما هو أزيد منها لأنفسهم دونه، إن هذا الإلتجاء يدل على أنه قد استقر في وجدان وباطن كل أحد، ومنهم أبو بكر وعمر:
                            أن علياً (عليه السلام) هو القادر على تخليصهم، وأنه واقف على ما لم

                            ____________


                            1- الآيات 1 ـ 4 من سورة الزلزلة.
                            2- دلائل الإمامة (ط مؤسسة البعثة) ص66 و 67 ومدينة المعاجز ج2 ص99 و ـ 100 و 256 ـ 257 وعلل الشرائع ج2 ص277 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص556 ونور الثقلين ج5 ص648 وبحار الأنوار ج41 ص254 وج57 ص129 وج88 ص151 والبرهان ج8 ص356 عن العلل، وتأويل الآيات الظاهرة ج2 ص836 والصافي ج5 ص357 وج7 ص530 وكنز الدقائق ج14 ص389 و 390 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص324.
                            الصفحة 215 يقف عليه أحد من الأسرار الإلهية، وأنه وثيق الصلة بالله.. وأن بيده مفاتيح النجاة والنجاح، والسعادة والفلاح في الدنيا وفي الآخرة على حد سواء.
                            2 ـ إن عدم اكتراث علي (عليه السلام) بهذا الحدث الذي أزعجهم وأرعبهم إلى هذا الحد، وهذه السكينة التي هو فيها هو بمثابة هزة وجدانية وضميرية لا بد أن تثير لديهم أسئلة كثيرة، بالإضافة إلى أنها تؤكد لديهم الكثير من الحقائق التي كانوا يشعرون بها، دون أن يسبق لهم أن اعترفوا بها، أو أشاروا إلى وجودها..
                            فان أعادوا ضمائرهم ووجدانهم الى السبات من جديد، فانهم هم الذين يتحملون مسؤولية ذلك.
                            3 ـ إن جلوسهم على الترعة حول علي (عليه السلام)، ورؤيتهم حيطان المدينة ترتج جاثيةً وذاهبة، من شأنه أن يجعل صورة الخطر الذي يتهددهم أكثر وضوحاً، في حجمه وفي ملامحه، حيث مكّنهم جلوسهم هناك من استجماع تلك الملامح، وسهّل من انضمام بعضها إلى بعض.
                            ولا شك في أن ذلك سوف يزيد من استعجالهم علياً (عليه السلام) بأن يبادر إلى إخراجهم مما هم فيه.. وسيجعلهم يحبسون أنفاسهم وهم مستوفزون متوتروا الأعصاب، جياشوا المشاعر، منفعلون إلى أقصى حد، بانتظار أي حركة ولفتة منه، و أية كلمة تخرج من بين شفتيه.
                            4 ـ ثم إنه (عليه السلام) بسؤاله لهم: كأنكم قد هالكم ما ترون.. يكون قد استفز باطنهم للتجلي والظهور على شكل حركات وخلجات،
                            </span>

                            تعليق


                            • وكلمات، وما إلى ذلك.. حيث يدعو هذا السؤال المفاجئ وغير المتوقع في مثل هذه الحالات إلى أن يرجع كل منهم إلى نفسه، لينظر إلى حجم الهول الذي تختزنه، لأنه يريد أن يحتويه في تصوره، ليتمكن من إظهاره، كي يجعل منه وسيلة لإقناع سائله بالمبادرة إلى حسم الأمر، ودفع البلاء..
                              كما أن سؤاله هذا لا بد أن يشد أنظار الجميع إليه، حيث سيشعرون أن علياً (عليه السلام) قد بدأ التحرك نحو معالجة الخطر، وحسم الأمر.
                              5 ـ وحيث كانت الأسماع مرهفة، والأبصار مشدودة تتحرك شفتا علي (عليه السلام) بما لم يسمعه منهم أحد، ولكنه رأوه يضرب الأرض بعد ذلك بيده، ويقول لها مستنكراً: مالكِ؟!
                              ثم يأمرها زاجراً، فيقول: أسكني.
                              وكل ذلك يؤكد لهم:
                              أولاً: إن علياً (عليه السلام) يملك أسراراً هائلة، وهذا ما لا يملكه أي كان من الناس.
                              ثانياً: إنه يدلهم دلالة صريحة على بطلان ادعاءات مناوئيه، ويعرفهم: أن الظلم الذي حاق بعلي (عليه السلام)، لم يكن ظلماً عليه خاصة، بل كان ظلماً لهم أيضاً، وللأمة بأسرها، لأنه حرم الأمة كلها من خيرات وبركات أسرار، وعلوم، وقدرات، وتوفيقات علي (عليه السلام)، لأنه كان سيوظفها في خدمتهم وسيمنع العوادي عنهم. على قاعدة:
                              {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
                              </span>الصفحة 217 وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(1).
                              ثالثاً: إنه أفهمهم: أن لعلي (عليه السلام) سلطة حتى على أمور التكوين وقدرة على التصرف بها حتى في مستوى منع الزلزال، وايقاف الإجتياحات لهم من أي نوع كانت.. حتى من خلال التلفظ بكلمات، تحمل معنى الأمر والزجر..
                              رابعاً: قد بين لهم بصورة عملية: أن الأرض تفهم قوله، وتعي أوامره وزواجره، وتستجيب لها..
                              6 ـ ثم أخبرهم أنه هو الذي عنته الآية الكريمة بكلمة (الإنسان) في قوله تعالى: {وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا}(2). ولكنه لم يكن مجرد خبر، بل هو خبر قد رأوا ما يصدقه في منطبقاته أمامهم، بصورة حية وفعلية، على قاعدة قد صدّق الخَبر الخُبر.
                              7 ـ وقد ورد في الروايات: أن الأرض سوف تخبر هذا الإنسان بكل عَمَلٍ عُمِلَ على ظهرها(3)، وهذا من دلائل عرض الأعمال على الأنبياء

                              ____________


                              1- الآية 96 من سورة الأعراف.
                              2- الآية 3 من سورة الزلزلة.
                              3- الدر المنثور ج6 ص380 عن ابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، وكنز الدقائق ج14 ص390 و 391 ومجمع البيان المجلد الخامس، ص562. وراجع: بحار الأنوار ج7 ص97 ومسند ابن المبارك ص50 وصحيح ابن حبان ج16 ص360 وتخريج الأحاديث والآثار ج4 ص261 وموارد الظمآن ج8 = = ص282 وكشف الخفاء ج2 ص13 وجوامع الجامع ج3 ص826 وغريب القرآن للطريحي ص237 والميزان ج20 ص344 وتفسير الثعلبي ج10 ص264 وتفسير السمعاني ج6 ص267 وتفسير البغوي ج4 ص515 والجامع لأحكام القرآن ج20 ص148 و 149 وتفسير االقرآن العظيم ج4 ص576 وتفسير الثعالبي ج5 ص616 وفتح القدير ج5 ص480 وتفسير الآلوسي ج30 ص209 ومجمع البحرين ج1 ص619.
                              الصفحة 218 وأوصيائهم.
                              وفي نص آخر: أنه (عليه السلام) قال في مورد آخر: إن سورة الزلزلة إنما تتحدث عن زلزلة أخرى، فقد قال: (أما إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه لأجابتني، ولكنها ليست تلك)(1).
                              أبو بكر وكنوز اليهودي:
                              عن الرضا، عن آبائه الطاهرين (عليهم السلام): أن يهودياً جاء إلى أبي بكر في ولايته، وقال [له]: إن أبي قد مات، وقد خلف كنوزاً. ولم يذكر أين هي، فإن أظهرتها كان لك ثلثها، وللمسلمين ثلث [آخر]، ولي ثلث، وأدخل في دينك.

                              ____________


                              1- علل الشرايع ج2 ص276 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص555 والبرهان (تفسير) ج8 ص357 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص150 وبحار الأنوار ج25 ص379 وج41 ص253 وج57 ص129 وراجع: تأويل الآيات الظاهرة ج2 ص836 وكنز الدقائق ج14 ص391 و 392.
                              الصفحة 219 فقال أبو بكر: لا يعلم الغيب إلا الله.
                              فجاء إلى عمر، فقال له (أي عمر) مقالة أبي بكر، ثم دله على علي (عليه السلام)، (فجاء) فسأله.
                              فقال (له): رُح إلى بلد اليمن، واسأل عن وادي برهوت بحضرموت، فإذا حضرت الوادي، فاجلس هناك إلى غروب الشمس، فسيأتيك غرابان، سود مناقيرهما، تنعب، فاهتف باسم أبيك، وقل له: يا فلان، أنا رسول وصي رسول الله إليك.. كلمني.
                              فإنه يكلمك، فاسأله عن الكنوز، فإنه يدلك على أماكنها.
                              فمضى اليهودي إلى اليمن، واستدل على الوادي وقعد هناك، وإذا بالغرابين قد أقبلا فنادى أباه.
                              فأجابه وقال: ويحك ما أقدمك على هذا الموطن؟! وهو من مواطن (أهل) النار.
                              فقال: جئت أسألك عن الكنوز أين هي؟!
                              فقال: في موضع كذا (وكذا)، في حائط كذا.
                              وقال له: (يا) ويلك، اتبع دين محمد (صلى الله عليه وآله) تسلم، فهو النجاة.
                              ثم انصرف الغرابان، ورجع اليهودي فوجد كنزاً من ذهب، وكنزاً من فضة، فأوقر بعيراً وجاء به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنك وصي رسول الله وأخوه، وأمير المؤمنين حقاً كما سميت، وهذه الهدية فاصرفها حيث شئت،
                              </span>الصفحة 220 فأنت وليه في العالمين(1).
                              ونقول:
                              1 ـ إن طلب هذا اليهودي من أبي بكر: أن يدله على موضع الكنوز يدل على: أن الناس كانوا يرون أن الأنبياء لهم أوصياء، وأنهم جميعاً لا بد أن يكونوا قادرين على الإخبار بالغيوب، وعلى أمور كثيرة أخرى، وأن بإمكان هذا اليهودي أن يجعل ذلك من دلائل صدق النبي في دعواه النبوة، ودليلاً على صدق من يدعي الوصية وخلافة النبوة أيضاً.
                              2 ـ إن جواب أبي بكر وعمر قد جاء في غير محله، فإن اليهودي لم يدع: أن الوصي يعلم الغيب بصورة ذاتية، كما هوالحال بالنسبة للعزة الإلهية، ليصح الجواب: بأن ذلك محصور به تبارك وتعالى..
                              بل هو يقول: إن علم الوصي بالغيب كعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) به، يكون بتعليم من الله تبارك وتعالى، عن طريق الوصي الذي سبقه، أو بتعليم من الرسول (صلى الله عليه وآله) نفسه.
                              فكأن اليهودي قال لأبي بكر وعمر: هل علمكما رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً، أو اختصكما الله بشيء من توفيقاته وألطافه؟!. فإذا أجابا بالنفي كان ذلك دليلاً على أنهما غاصبان لمقام الخلافة من صاحبه الشرعي،

                              ____________


                              1- مدينة المعاجز ج2 ص46 و 47 ومشارق أنوار اليقين ص81 و (ط مؤسسة الأعلمي 1419هـ) ص122 والخرائج والجرائح ج1 ص192 وبحار الأنوار ج41 ص196.
                              الصفحة 221 فلا بد من البحث عنه والرجوع إليه..
                              وإن أجابا بنعم، فهذا هو الإمتحان، الذي يكرم المرء فيه أو يهان.
                              3 ـ قد يقال: لماذا يحمِّل علي (عليه السلام) ذلك اليهودي كل هذه المشقات؟! ولماذا لا يخبره بموضع الكنز، وينتهي الأمر؟!.
                              ويجاب:
                              أولاً: إن إرجاع علي (عليه السلام) ذلك اليهودي إلى اليمن، إلى وادي برهوت، وذكره كل تلكم التفاصيل التي تجري له، يشير إلى أمرين:
                              أولهما: أنه (عليه السلام) قد جعل اليهودي يتلمس ضلال أسلافه، وبطلان ما ورثه عنهم. وبذلك يكون قد فصله عنهم بصورة نهائية، وأبطل وأزال من قلبه ومشاعره أية علاقة له بهم، وبما هم عليه.
                              الثاني: إنه يكون قد حسم الأمر بالنسبة للنبوة والإمامة، والتعريف بالإمام الحق، وتمييزه عن المدعين لمقام الإمامة والخلافة بدون حق. ويكون بذلك قد وفر عليه مواجهة الكثير من العقبات والصعوبات، وحصنه من الوقوع في أسر الإدعاءات الباطلة والشبهات، أو التأثر بمظاهر الشوكة والقوة والسلطان، أو الإنبهار بها.
                              ويجاب ثانياً: بأنه قد يكون إخباره بالأمر بهذه الطريقة يهدف إلى صون تلك الكنوز عن التعرض للإختلاس، لو أمكن لبعض من يسمع ما يجري أن يصل بنفسه أو بوسائط تحت يده إلى تلك الكنوز ليستخرجها.
                              أو صونها من التعرض للإستلاب من قبل من يملك نفوذاً أو يسعى لانتهاج سياسات مزاجية، في أمور الأموال وغيرها.. وربما يكون هناك
                              </span>

                              تعليق


                              • أسباب أخرى.
                                استخراج النوق من الجبل.. والخلافة:
                                روي بالأسناد: عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حبر من أحبار اليهود، فقال: يا رسول الله قد أرسلني إليك قومي، وقالوا: إنه عهد إلينا نبينا موسى بن عمران (عليه السلام) أنه قال: إذا بعث بعدى نبي اسمه محمد، وهو عربي، فامضوا إليه، واسألوه أن يخرج لكم من جبل هناك سبع نوق حمر الوبر، سود الحدق.
                                فإن أخرجها لكم فسلموا عليه، وآمنوا به، واتبعوا النور الذي أنزل معه. فهو سيد الأنبياء، ووصيه سيد الأوصياء، وهو منه كمثل أخى هارون مني.
                                فعند ذلك قال: الله أكبر! قم بنا، يا أخا اليهود!
                                قال: فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون حوله إلى ظاهر المدينة، وجاء إلى جبل، فبسط البردة، وصلى ركعتين، وتكلم بكلام خفيّ، وإذا الجبل يصر صريراً عظيماً، فانشق، وسمع الناس حنين النوق.
                                فقال اليهودي: مد يدك، فانا أشهد أن لا إله الا الله، وأنك محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن جميع ما جئت به صدق وعدل، يا رسول الله! فأمهلني حتى امضي إلى قومي، وأخبرهم، ليقضوا عدتهم منك، ويؤمنوا بك.
                                قال: فمضى الحبر إلى قومه بذلك، فنفروا بأجمعهم، وتجهزوا للمسير،
                                </span>الصفحة 223 وساروا يطلبون المدينة ليقضوا عدتهم، فلما دخلوا المدينة وجدوها مظلمة مسودة بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد انقطع الوحي من السماء، وقد قبض (صلى الله عليه وآله)، وجلس مكانه أبو بكر.
                                فدخلوا عليه وقالوا: أنت خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
                                قال: نعم.
                                قالوا: اعطنا عدتنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                                قال: وما عدتكم؟!
                                قالوا: أنت أعلم منا بعدتنا إن كنت خليفته حقاً، وإن لم تكن خليفته فكيف جلست مجلس نبيك بغير حق لك، ولست له أهلاً؟!
                                قال: فقام وقعد، وتحير في أمره، ولم يعلم ماذا يصنع، وإذا برجل من المسلمين قد قام، وقال: اتبعوني حتى أدلكم على خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                                قال: فخرج اليهود من بين يدي أبى بكر، وتبعوا الرجل حتى أتوا إلى منزل فاطمة الزهراء (عليها السلام) فطرقوا الباب، وإذا الباب قد فتح، وخرج إليهم علي (عليه السلام)، وهو شديد الحزن على رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                                فلما رآهم قال: أيها اليهود تريدون عدتكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                                قالوا: نعم.
                                </span>الصفحة 224 فخرج معهم إلى ظاهر المدينة، إلى الجبل الذي صلى عنده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما رأى مكانه تنفس الصعداء، وقال: بأبي وأمي من كان بهذا الموضع منذ هنيئة، ثم صلى ركعتين، وإذا بالجبل قد انشق وخرجت النوق، وهي سبع نوق.
                                فلما رأوا ذلك قالوا بلسان واحد: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنّ ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) من عند ربنا هو الحق، وأنك خليفته حقاً ووصيه، ووارث علمه، فجزاه الله وجزاك عن الإسلام خيراً.
                                ثم رجعوا إلى بلادهم مسلمين موحدين(1).
                                ونقول:
                                1 ـ إن السمة الظاهرة لهذا النص، ولنصوص كثيرة أخرى شبيهة به تحتم عده في سياق المعجزات للنبي (صلى الله عليه وآله)، والكرامات

                                ____________


                                1- الفضائل لابن شاذان ص366 ـ 368 و (ط المكتبة الحيدرية) ص130 وفي هامش السنخة الأولى عن: مدينة المعاجز ج1 ص521 و 523 و 525 والهداية الكبرى ص153 والخرائج والجرائح ج1 ص175 وإثبات الهداة ج1 ص179 وج2 ص45 و 475 و 494 وإرشاد القلوب ص278 والثاقب في المناقب ص127 وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص49 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص332 وبحار الأنوار ج41 ص192 و 270 وج42 ص36 وإحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص67 عن در بحر المناقب لابن حسنويه.
                                الصفحة 225 للإمام (عليه السلام).. وهي وإن كانت تعد من مفردات سيرة النبي والوصي من جهة، إلا أن أظهرية سمة الإعجاز والكرامة فيها تجعل ذكرها في سياق السيرة، ورصد كل تفاصيلها أمراً لا ينشط له الكثيرون من الذين يفضلون إفرادها أو إيرادها في المباحث الإعتقادية، ودلائلها وشواهدها..
                                ولذلك آثرنا أن نقتصر في كتابنا هذا على بعض النماذج من ذلك لمجرد بلورة سائر ملامح الصورة التي نريد عرضها.. من دون استقصاء لمختلف الخصوصيات والتفاصيل.
                                2 ـ إن هذه الرواية تضمنت خطاب أمير المؤمنين (عليه السلام) لهؤلاء الناس بقوله: أيها اليهود إلخ..
                                مع أن المفروض: أنهم قد أسلموا على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حين أظهر لهم المعجزة بخروج النوق السبع من الجبل، إذ لا معنى لبقائهم على اليهودية بعد ما عاينوه، فما معنى أن يخاطبهم علي (عليه السلام) بخطاب لا ينطبق عليهم، بل هو قد يزعجهم؟!
                                ويجاب: بأن الذين جاؤوا في المرة الثانية كانوا لا يزالون على يهوديتهم، والذي أسلم على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو شخص واحد لا أكثر، وهذا ما صرحت به الرواية نفسها. فلا إشكال.
                                </span>الصفحة 226 </span>

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                                ردود 2
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                يعمل...
                                X