3. العامل المذهبي
وأعني به السبب الذي دفع بعض أصحاب المذاهب الاسلامية للوضع تأييداً للمذهب، ودعماً لأفكاره ورجالاته.
ومنه:
. ما روي عن ابن لهيعة: أنه سمع شيخاً من الخوارج يقول بعدما تاب: (إن هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرنا له حديثاً).
قال الحافظ ابن حجر: هذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمراسيل، إذ بدعة الخوارج كانت في مبدأ الاسلام، والصحابة متوافرون، ثم في عصر التابعين، فمن بعدهم.
وهؤلاء إذا استحسنوا أمراً جعلوه حديثاً وأشاعوه.
فربما سمع الرجل الشيء فحدث به، ولم يذكر من حدثه به تحسيناً للظن، فيحمله عنه غيره.
ويجيء الذي يحتج بالمنقطعات فيحتج به، مع كون أصله ما ذكرت".
ومن أصحاب الأهواء الفقهاء الذين يتصدون للدفاع عن مذاهبهم زوراً وبهتاناً فيشحنون كتبهم بالموضوعات، سواء اختلقوها بأنفسهم أم اختلقها الوضاعون خدمة لهم وتأييداً لهواهم.
وقد تبلغ الجرأة حد الخلط بين أقيستهم وبين أحاديث الرسول، فيضعون فيه عبارات أقيستهم التي وصلوا إليها باجتهادهم.
وغالباً ما يكون هؤلاء الفقهاء من مدرسة الرأي التي تعنى بالقياس عناية خاصة.
قال أبو العباس القرطبي: استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دل عليه القياس الجلي إلى رسول الله (ص) .كذا؟ ..
ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها تشبه فتاوى الفقهاء، ولأنهم لا يقيمون لها سنداً".
4. العامل الاعلامي
وأقصد منه أن يضع الواضع الحديث دعاية للدين، ومن باب الاحتساب والتقرب إلى الله تعالى.
قال ابن الصلاح في (مقدمته): "والواضعون للحديث أصناف، وأعظمهم ضرراً قوم من المنسوبين الى الزهد، وضعوا الحديث احتساباً فيما زعموا، فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم، وركنوا إليهم".
وقال الشهيد الثاني في (الدراية): "والوضاعون أصناف، أعظمهم ضرراً من انتسب إلى الزهد والصلاح بغير علم، وزعم أن وضعه يقربه إلى الله تعالى، فقبل الناس موضوعاتهم ثقة بظاهر حالهم".
وقد جرأ هذا الاختلاق المشين أن ذهب بعض الكرّامية (وهم فرقة من المجسمة) إلى جواز وضع الحديث في الترغيب والترهيب.
قال الشيخ الاميني في (الغدير 5/275): "قال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث.
وقال القرطبي في (التذكار 155): لا التفات لما وضعه الواضعون، واختلقه المختلقون، من الأحاديث الكاذبة، والأخبار الباطلة، في فضل سور القرآن، وغير ذلك من فضائل الأعمال.
وقد ارتكبها جماعة كثيرة، وضعوا الحديث حسبة كما زعموا، يدعون الناس إلى فضائل الأعمال.
كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، ومحمد بن عكاشة الكرماني، وأحمد بن عبد الله الجويباري، وغيرهم.
قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورةً سورة؟!
فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن اسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.
وقال (القرطبي) في ص 156: قد ذكر الحاكم وغيره من شيوخ المحدثين: أن رجلاً من الزهاد انتدب في وضع أحاديث في فضل القرآن وسوره، فقيل له: لِمَ فعلت هذا؟!
فقال: رأيت الناس زهدوا في القرآن فأحببت أن أرغبهم فيه.
فقيل (له): فإن النبي (ص) قال: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).
فقال: أنا ما كذبتُ عليه، إنما كذبتُ له".
5. العامل الاجتماعي
وأعني به ذلك السبب الرخيص المهين الذي كان يدفع تلكم الطبقة من وعاظ السلاطين إلى وضع الحديث للزلفى من حاكم أو أمير أو غيرهما بغية الحصول على مركز اجتماعي.
كما صنع غياث بن ابراهيم النخعي الكوفي، فإنه دخل على أمير المؤمنين المهدي، وكان المهدي يحب الحمام ويلعب به، فإذا قدامه حمام، فقيل له: حدّث أمير المؤمنين.
فقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان: أن النبي (ص) قال: (لا سبق إلاّ في نصل أو خف أو حافر أو جناح).
فأمر له المهدي ببدرة، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله (ص).
ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام ورفض ما كان فيه".
6. العامل الاقتصادي
وكما يرتبط العامل الاقتصادي أحياناً بالعامل الاجتماعي يرتبط أيضاً وفي كثير من الأحيان بالعامل السياسي.
وتمثل هذا بوضوح فيما قام به معاوية بن أبي سفيان، فإنه لم يكتف بما قام به من أسباب الدعاية لتوطيد قواعد مملكته الأموية "بل أحدث القصص ليعزز به أسلحة الدعاية له، ولم يكن معروفاً قبله، فسخر الألوف لذلك، وبثهم بين أرجاء البلاد، ليقصوا له، ما يشد له دولته، وما يحفظ به سلطانه، بله ما ينشرون من خرافات واباطيل، مما جلب الفساد على عقول المسلمين، وأساء ظنون غيرهم فيما بني عليه الدين، كما ذكر ذلك الاستاذ الامام محمد عبدة.
وكانت هذه القصص تعتمد الاسرائيليات وأساطير الأمم الخالية، وتتخللها الأحاديث المصنوعة.
وكان الذي يمونها بمحتوياتها أحبار وكهان اليهود الذين أظهروا الاسلام أمثال: كعب الأحبار ووهب بن منبه.
وكان لكل قاص جراية من قبل الدولة.
أما كيف كان يقوم القاص بدوره، فهذا ما أوضحه أحمد أمين في كتابه (فجر الاسلام) بقوله: "يجلس القاص في المسجد، وحوله الناس، فيذكرهم بالله، ويقص عليهم حكايات وأحاديث وقصصاً عن الامم الأخرى وأساطير، ونحو ذلك.. لا يعتمد فيها على الصدق بقدر ما يعتمد على الترغيب والترهيب.
قال الليث بن سعد: هما قصصان: قصص العامة وقصص الخاصة.
فأما قصص العامة فهو الذي إليه النفر من الناس، يعظهم ويذكرهم، فذلك مكروه لمن فعله ولمن استمعه.
وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية، ولّى رجلاً على القصص، فإذا سلّم من صلاة الصبح جلس وذكر الله .عز وجل . وحمده ومجّده، وصلى على النبي (ص)، ودعا للخليفة ولأهل ولايته وحشمه وجنوده، ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة".
7. العامل الشخصي
وهو أن يتظاهر غير العالم بمظهر العالم ويعزز ذلك باختلاقه الاحاديث وروايتها. وعبر عنه في كتب علم الحديث بـ (التعالم).
"روى ابن الجوزي باسناده إلى أبي جعفر بن محمد الطيالسي، قال: صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهم قاص، فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس، قال: قال رسول الله: (من قال لا إله إلا الله، خلق الله من كل كلمة طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان...).
وأخذ في قصته نحواً من عشرين ورقة.
فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين، وجعل يحيى بن معين ينظر إلى أحمد، فقال له: حدثته بهذا؟! فيقول: والله ما سمعت هذا إلا الساعة.
فلما فرغ من قصصه وأخذ العطيات، ثم قعد ينتظر بقيتها، قال له يحيى بن معين بيده: تعال، فجاء متوهماً لنوال، فقال له يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟!
فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله!.
فقال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، ما تحققت هذا إلاّ الساعة، كأن ليس يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، وقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزىء بهما".
وأقصد منه أن يضع الواضع الحديث دعاية للدين، ومن باب الاحتساب والتقرب إلى الله تعالى.
قال ابن الصلاح في (مقدمته): "والواضعون للحديث أصناف، وأعظمهم ضرراً قوم من المنسوبين الى الزهد، وضعوا الحديث احتساباً فيما زعموا، فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم، وركنوا إليهم".
وقال الشهيد الثاني في (الدراية): "والوضاعون أصناف، أعظمهم ضرراً من انتسب إلى الزهد والصلاح بغير علم، وزعم أن وضعه يقربه إلى الله تعالى، فقبل الناس موضوعاتهم ثقة بظاهر حالهم".
وقد جرأ هذا الاختلاق المشين أن ذهب بعض الكرّامية (وهم فرقة من المجسمة) إلى جواز وضع الحديث في الترغيب والترهيب.
قال الشيخ الاميني في (الغدير 5/275): "قال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث.
وقال القرطبي في (التذكار 155): لا التفات لما وضعه الواضعون، واختلقه المختلقون، من الأحاديث الكاذبة، والأخبار الباطلة، في فضل سور القرآن، وغير ذلك من فضائل الأعمال.
وقد ارتكبها جماعة كثيرة، وضعوا الحديث حسبة كما زعموا، يدعون الناس إلى فضائل الأعمال.
كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، ومحمد بن عكاشة الكرماني، وأحمد بن عبد الله الجويباري، وغيرهم.
قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورةً سورة؟!
فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن اسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.
وقال (القرطبي) في ص 156: قد ذكر الحاكم وغيره من شيوخ المحدثين: أن رجلاً من الزهاد انتدب في وضع أحاديث في فضل القرآن وسوره، فقيل له: لِمَ فعلت هذا؟!
فقال: رأيت الناس زهدوا في القرآن فأحببت أن أرغبهم فيه.
فقيل (له): فإن النبي (ص) قال: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).
فقال: أنا ما كذبتُ عليه، إنما كذبتُ له".
5. العامل الاجتماعي
وأعني به ذلك السبب الرخيص المهين الذي كان يدفع تلكم الطبقة من وعاظ السلاطين إلى وضع الحديث للزلفى من حاكم أو أمير أو غيرهما بغية الحصول على مركز اجتماعي.
كما صنع غياث بن ابراهيم النخعي الكوفي، فإنه دخل على أمير المؤمنين المهدي، وكان المهدي يحب الحمام ويلعب به، فإذا قدامه حمام، فقيل له: حدّث أمير المؤمنين.
فقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان: أن النبي (ص) قال: (لا سبق إلاّ في نصل أو خف أو حافر أو جناح).
فأمر له المهدي ببدرة، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله (ص).
ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام ورفض ما كان فيه".
6. العامل الاقتصادي
وكما يرتبط العامل الاقتصادي أحياناً بالعامل الاجتماعي يرتبط أيضاً وفي كثير من الأحيان بالعامل السياسي.
وتمثل هذا بوضوح فيما قام به معاوية بن أبي سفيان، فإنه لم يكتف بما قام به من أسباب الدعاية لتوطيد قواعد مملكته الأموية "بل أحدث القصص ليعزز به أسلحة الدعاية له، ولم يكن معروفاً قبله، فسخر الألوف لذلك، وبثهم بين أرجاء البلاد، ليقصوا له، ما يشد له دولته، وما يحفظ به سلطانه، بله ما ينشرون من خرافات واباطيل، مما جلب الفساد على عقول المسلمين، وأساء ظنون غيرهم فيما بني عليه الدين، كما ذكر ذلك الاستاذ الامام محمد عبدة.
وكانت هذه القصص تعتمد الاسرائيليات وأساطير الأمم الخالية، وتتخللها الأحاديث المصنوعة.
وكان الذي يمونها بمحتوياتها أحبار وكهان اليهود الذين أظهروا الاسلام أمثال: كعب الأحبار ووهب بن منبه.
وكان لكل قاص جراية من قبل الدولة.
أما كيف كان يقوم القاص بدوره، فهذا ما أوضحه أحمد أمين في كتابه (فجر الاسلام) بقوله: "يجلس القاص في المسجد، وحوله الناس، فيذكرهم بالله، ويقص عليهم حكايات وأحاديث وقصصاً عن الامم الأخرى وأساطير، ونحو ذلك.. لا يعتمد فيها على الصدق بقدر ما يعتمد على الترغيب والترهيب.
قال الليث بن سعد: هما قصصان: قصص العامة وقصص الخاصة.
فأما قصص العامة فهو الذي إليه النفر من الناس، يعظهم ويذكرهم، فذلك مكروه لمن فعله ولمن استمعه.
وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية، ولّى رجلاً على القصص، فإذا سلّم من صلاة الصبح جلس وذكر الله .عز وجل . وحمده ومجّده، وصلى على النبي (ص)، ودعا للخليفة ولأهل ولايته وحشمه وجنوده، ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة".
7. العامل الشخصي
وهو أن يتظاهر غير العالم بمظهر العالم ويعزز ذلك باختلاقه الاحاديث وروايتها. وعبر عنه في كتب علم الحديث بـ (التعالم).
"روى ابن الجوزي باسناده إلى أبي جعفر بن محمد الطيالسي، قال: صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهم قاص، فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس، قال: قال رسول الله: (من قال لا إله إلا الله، خلق الله من كل كلمة طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان...).
وأخذ في قصته نحواً من عشرين ورقة.
فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين، وجعل يحيى بن معين ينظر إلى أحمد، فقال له: حدثته بهذا؟! فيقول: والله ما سمعت هذا إلا الساعة.
فلما فرغ من قصصه وأخذ العطيات، ثم قعد ينتظر بقيتها، قال له يحيى بن معين بيده: تعال، فجاء متوهماً لنوال، فقال له يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟!
فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله!.
فقال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، ما تحققت هذا إلاّ الساعة، كأن ليس يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، وقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزىء بهما".
تعليق