الآية الثانية :
{ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّى ربُّه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين }
[ الأعراف:143 ]
أوجه دلالة هذه الآية على إمكانية رؤية الله تعالى :
الوجه الأوّل :
لو كانت رؤية الله مستحيلة لما سألها النبي(عليه السلام) من الله، وبما أنّه سألها فهذا يدل
على أنّها غير مستحيلة.
توضيح ذلك:
رؤية الله لا تخلو من أمرين:
1 ـ الإمكان، وهو المطلوب.
2 ـ الاستحالة، فإذا كانت رؤية الله بالبصر مستحيلة، فلا يخلو علم النبي موسى(عليه السلام) باستحالة هذه الرؤية عندما طلبها من الله تعالى من أمرين:
أوّلاً: يعلم استحالة الرؤية، وهذا غير صحيح; لأنّه لو كان كذلك لما سأل الله ذلك; لأنّ العاقل لا يسأل المستحيل.
ثانياً: لا يعلم استحالة الرؤية، وهذا غير صحيح; لأنّ النبي ـ في الواقع ـ أعلم الناس بالله وصفاته.
فنستنتج إمكانية رؤية الله تعالى.
يرد عليه :
لم يطلب النبي موسى(عليه السلام) من الله الرؤية نتيجة علمه بإمكانية هذه الرؤية أو عدم علمه باستحالتها، بل طلب ذلك لدواعي أخرى تتبيّن من خلال ما جرى بينه(عليه السلام)وبين قومه بني إسرائيل، ومجمل ما جرى هو:
1 ـ كلّم الله تعالى النبي موسى(عليه السلام).
2 ـ أخبر النبي موسى(عليه السلام) قومه بني إسرائيل بأنّ الله كلّمه وناجاه.
3 ـ قال قومه له: لن نؤمن لك حتّى نسمع كلام الله كما سمعت!
4 ـ اختار النبي موسى(عليه السلام) من قومه سبعين رجلاً لميقات ربّه.
5 ـ خرج النبي موسى(عليه السلام) مع هؤلاء السبعين إلى طور سيناء، وسأل الله أن يكلّمه.
6 ـ كلّم الله النبي موسى(عليه السلام)، وسمع هؤلاء كلام الله .
7 ـ قال هؤلاء للنبي موسى(عليه السلام): لن نؤمن بأنّ هذا الكلام الذي سمعناه هو كلام الله حتّى نرى الله جهرة!
8 ـ عندما قال هؤلاء هذا القول الدال على استكبارهم بعث الله عليهم صاعقة قضت عليهم جميعاً، فماتوا.
9 ـ طلب النبي موسى(عليه السلام) من الله أن يُحيي هؤلاء السبعين لئلا يشكل عليه بنو إسرائيل بأ نّك أخذت هؤلاء وقتلتهم لئلا يشهدوا عليك بأنّك لم تكلّم الله.
10 ـ استجاب الله دعاء النبي موسى(عليه السلام) وأحياهم.
11 ـ قال النبي موسى(عليه السلام) لهم: ياقوم إنّ الله لا يُرى بالأبصار، ولا كيفية له، وإنّما يعرف بآياته، ويعلم بأعلامه.
12 ـ لجّ قوم موسى وقالوا: إنّك إذا طلبت من الله أن يريك تنظر إليه أجاب الله دعاءك.
13 ـ قال النبي موسى(عليه السلام) للّه: ياربّ إنّك قد سمعت بني إسرائيل، وأنت أعلم بصلاحهم.
14 ـ أوحى الله: يا موسى سلني ما سألوك، فلن أؤاخذك بجهلهم.
15 ـ طلب النبي موسى(عليه السلام) من الله هذه الرؤية ليكون الجواب الإلهي حجّة على قومه، فقال(عليه السلام): { ربّ أرني أنظر إليك } .
16 ـ أجابه الله بصوت سمعه بنو إسرائيل: { لن تراني ولكن أُنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني }
17 ـ { فلمّا تجلّى ربّه للجبل } بآية من آياته { جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً }
18 ـ { فلمّا أفاق } النبي موسى(عليه السلام) { قال سبحانك تبت إليك } أي: رجعت من معرفتي بك عن جهل قومي { وأنا أوّل المؤمنين } بأنّك لا تُرى
النتيجة :
لم يطلب النبي موسى(عليه السلام) من الله الرؤية لنفسه نتيجة علمه بإمكان هذه الرؤية أو جهله باستحالتها، بل قام بذلك نتيجة إلحاح وإصرار قومه، فطلب هذه الرؤية منه تعالى ليكون الجواب الإلهي حجّة على هؤلاء.
ولهذا لا نجد أيّ عتاب أو مؤاخذة من الله لموسى(عليه السلام) إزاء طلبه للرؤية، بل نجد العتاب والمؤاخذة موجّه لقوم موسى(عليه السلام) إزاء طلبهم للرؤية، حيث وصفهم النبي موسى(عليه السلام) بـ "السفهاء" نتيجة هذا الطلب
تعليق