المشاركة الأصلية بواسطة شعيب العاملي
2. ما هو الاجتهاد ؟
الاجتهاد لغة هو بذل الجهد وتحمل المشقة.. ويستعمل في مختلف الأمور فيقال أن فلاناً اجتهد في عمله أو دراسته او غير ذلك اذا ما بذل فيها جهده متحملاً المصاعب كاداً لتحقيق ما يصبو إليه.
والاجتهاد اصطلاحاً هو استفراغ الوسع وبذل غاية الجهد في استنباط الحكم الشرعي من أدلته المعروفة.. فيأخذ المجتهد دور المنقب في الأدلة الباحث عن خصوصياتها الجامع بينها ليخرج بنتيجة يعتقد أنها الأصح والأوفق في فهم الأدلة..
ويشترط في المجتهد أن يتقن بعض العلوم وأن يكون مطلعاً على بعضها الآخر مما له دخل في أجودية وأقربية استخراج الأحكام الشرعية.
ومن يصل لهذه المرتبة ولو في بعض الأبواب (لسهولتها أو لكثرة ممارسته فيها) يعمل بما توصل إليه.
ولا يؤاخذ المجتهدون باختلاف الفتوى بينهم بعد أن يكون أحدهم قد بذل غاية الجهد في فهم الأدلة وتوصل إلى نتيجة معينة.. وذلك لعجزهم جميعاً عن إدراك حقيقة الحكم لتعذر السماع من المعصوم مشافهة وكثرة أسباب الاختلاف وموجباته كبعد الزمن والاختلاف الحاصل فيما نقل عن الأئمة ونقص كثير مما روي عنهم وفقدان آخر وغير ذلك من الأسباب.. وليس بإمكانهم أيضاً معرفة أن ما توصلوا إليه مطابق للواقع أم لا لكنهم يعلمون أنه الحجة لهم عليهم.
أما رجوع عامة الناس إلى أعلم المجتهدين فإن عمدة أدلته هي السيرة العقلائية القائمة على جواز رجوع الجاهل إلى العالم.. وإمضاء الشارع المقدس لهذه السيرة.
ويقصد بالسيرة العقلائية منهج يتبعه العقلاء من أبناء البشر ويرون فيه سنة حسنة فيمدحون فاعله، وقد يذمون تاركه.. فلو أمكن لجاهل بما يحتاجه أن يرجع لعالم يرشده وترك ذلك لما صح اعتذاره بالجهل.. ولو رجع إليه لرأوه سالكاً سبيل الرشاد.
وهذه القاعدة العامة تنطبق في أمور الشرع كما تنطبق في سائر المجالات.. فيرجع كل شخص إلى من هو أكثر علماً وفهماً منه ليأخذ عنه ما توصل إليه من حكم شرعي فليتزم به لتبرأ ذمته أمام الله عز وجل.
هذا وقد زعم جمع ممن تلوثت نفوسهم أن هذا المقدار من العمل غير كاف.. وإن كفى فليس هو المطلوب.. وزعموا أن لهم طريقاً لمعرفة حقائق الأحكام ودقائق المعتقدات دون ظواهرها.. وذلك بالكشف والشهود بحيث يشرع أحدهم في المجاهدات النفسانية حتى تنكشف الأمور أمامه على حقيقتها فيبصر ما لا يبصره غيره ويرى عين الواقع بعد أن يرتقي في سلم الكمال ليفنى في ذات الله تعالى !!
وهؤلاء على مدارس شتى فمنهم من يعتبر أستاذه (الواصل) طريقاً بينه وبين صاحب العصر والزمان !!
ومنهم من يجعل القطب بمنزلة الإمام بل أعظم !
ومنهم من يرفع رموزه إلى مرتبة الألوهية أو ينزل (بزعمه) من مرتبة الخالق عز وجل والعياذ بالله !
وغير ذلك مما يمحق الدين محقاً حيث يبطل كل حجة وبرهان ويفتح الباب أمام أصحاب الأساطير والأوهام والسحر والشعوذة.. وهذا ليس من دين الله في شيء ..
نعم هناك خلاف معروف بين الأصوليين (وهم جمهور فقهائنا اليوم) والأخباريين (ويضمون جمعاً من كبار علمائنا المتقدمين) حول جواز الاجتهاد وعدمه.. وقد غذى الخلاف جماعة من الطرفين وطابور ثالث بعضه مغرض وبعض لم يفهم حقيقة وحدود الاختلاف بينهما.. ومن مناشئ الخلاف أن أصل الاجتهاد كان معتمداً عند علماء المخالفين بمعنىً يشمل الرأي الشخصي والاستدلال بالاستحسان والقياس وما إلى ذلك مما علم بطلانه.. فأنكر الاخباريون على الاصوليين ما ذهبوا إليه من مصطلحات وجزئيات وإن كانوا في واقع الأمر يشتركون معهم في نفس المعنى بحيث يعمد أحدهم إلى استنباط الاحكام من الادلة الشرعية ثم يسوغ لعامة الناس الرجوع إليه وأخذ الحكم منه وهذا هو الاجتهاد عند الاصوليين بعينه.. ولذا لا ترى من كبار الطرفين (وإن خالفت قلة) إلا الاحترام للطرف الآخر وإن اختلفوا في العديد من المفردات والجزئيات كما يقع الخلاف بين ابناء المدرسة الواحدة..
وقد تعرضنا لجوانب أخرى حول هذا البحث في إجابات متعددة في هذا الموضوع
هل يجب تقليد الأعلم؟ و هل يجوز لغير الأعلم أن يفتي؟
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=169297
والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
الاجتهاد لغة هو بذل الجهد وتحمل المشقة.. ويستعمل في مختلف الأمور فيقال أن فلاناً اجتهد في عمله أو دراسته او غير ذلك اذا ما بذل فيها جهده متحملاً المصاعب كاداً لتحقيق ما يصبو إليه.
والاجتهاد اصطلاحاً هو استفراغ الوسع وبذل غاية الجهد في استنباط الحكم الشرعي من أدلته المعروفة.. فيأخذ المجتهد دور المنقب في الأدلة الباحث عن خصوصياتها الجامع بينها ليخرج بنتيجة يعتقد أنها الأصح والأوفق في فهم الأدلة..
ويشترط في المجتهد أن يتقن بعض العلوم وأن يكون مطلعاً على بعضها الآخر مما له دخل في أجودية وأقربية استخراج الأحكام الشرعية.
ومن يصل لهذه المرتبة ولو في بعض الأبواب (لسهولتها أو لكثرة ممارسته فيها) يعمل بما توصل إليه.
ولا يؤاخذ المجتهدون باختلاف الفتوى بينهم بعد أن يكون أحدهم قد بذل غاية الجهد في فهم الأدلة وتوصل إلى نتيجة معينة.. وذلك لعجزهم جميعاً عن إدراك حقيقة الحكم لتعذر السماع من المعصوم مشافهة وكثرة أسباب الاختلاف وموجباته كبعد الزمن والاختلاف الحاصل فيما نقل عن الأئمة ونقص كثير مما روي عنهم وفقدان آخر وغير ذلك من الأسباب.. وليس بإمكانهم أيضاً معرفة أن ما توصلوا إليه مطابق للواقع أم لا لكنهم يعلمون أنه الحجة لهم عليهم.
أما رجوع عامة الناس إلى أعلم المجتهدين فإن عمدة أدلته هي السيرة العقلائية القائمة على جواز رجوع الجاهل إلى العالم.. وإمضاء الشارع المقدس لهذه السيرة.
ويقصد بالسيرة العقلائية منهج يتبعه العقلاء من أبناء البشر ويرون فيه سنة حسنة فيمدحون فاعله، وقد يذمون تاركه.. فلو أمكن لجاهل بما يحتاجه أن يرجع لعالم يرشده وترك ذلك لما صح اعتذاره بالجهل.. ولو رجع إليه لرأوه سالكاً سبيل الرشاد.
وهذه القاعدة العامة تنطبق في أمور الشرع كما تنطبق في سائر المجالات.. فيرجع كل شخص إلى من هو أكثر علماً وفهماً منه ليأخذ عنه ما توصل إليه من حكم شرعي فليتزم به لتبرأ ذمته أمام الله عز وجل.
هذا وقد زعم جمع ممن تلوثت نفوسهم أن هذا المقدار من العمل غير كاف.. وإن كفى فليس هو المطلوب.. وزعموا أن لهم طريقاً لمعرفة حقائق الأحكام ودقائق المعتقدات دون ظواهرها.. وذلك بالكشف والشهود بحيث يشرع أحدهم في المجاهدات النفسانية حتى تنكشف الأمور أمامه على حقيقتها فيبصر ما لا يبصره غيره ويرى عين الواقع بعد أن يرتقي في سلم الكمال ليفنى في ذات الله تعالى !!
وهؤلاء على مدارس شتى فمنهم من يعتبر أستاذه (الواصل) طريقاً بينه وبين صاحب العصر والزمان !!
ومنهم من يجعل القطب بمنزلة الإمام بل أعظم !
ومنهم من يرفع رموزه إلى مرتبة الألوهية أو ينزل (بزعمه) من مرتبة الخالق عز وجل والعياذ بالله !
وغير ذلك مما يمحق الدين محقاً حيث يبطل كل حجة وبرهان ويفتح الباب أمام أصحاب الأساطير والأوهام والسحر والشعوذة.. وهذا ليس من دين الله في شيء ..
نعم هناك خلاف معروف بين الأصوليين (وهم جمهور فقهائنا اليوم) والأخباريين (ويضمون جمعاً من كبار علمائنا المتقدمين) حول جواز الاجتهاد وعدمه.. وقد غذى الخلاف جماعة من الطرفين وطابور ثالث بعضه مغرض وبعض لم يفهم حقيقة وحدود الاختلاف بينهما.. ومن مناشئ الخلاف أن أصل الاجتهاد كان معتمداً عند علماء المخالفين بمعنىً يشمل الرأي الشخصي والاستدلال بالاستحسان والقياس وما إلى ذلك مما علم بطلانه.. فأنكر الاخباريون على الاصوليين ما ذهبوا إليه من مصطلحات وجزئيات وإن كانوا في واقع الأمر يشتركون معهم في نفس المعنى بحيث يعمد أحدهم إلى استنباط الاحكام من الادلة الشرعية ثم يسوغ لعامة الناس الرجوع إليه وأخذ الحكم منه وهذا هو الاجتهاد عند الاصوليين بعينه.. ولذا لا ترى من كبار الطرفين (وإن خالفت قلة) إلا الاحترام للطرف الآخر وإن اختلفوا في العديد من المفردات والجزئيات كما يقع الخلاف بين ابناء المدرسة الواحدة..
وقد تعرضنا لجوانب أخرى حول هذا البحث في إجابات متعددة في هذا الموضوع
هل يجب تقليد الأعلم؟ و هل يجوز لغير الأعلم أن يفتي؟
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=169297
والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
تعليق