إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

(2) كيف نثبت للاثني عشرية زواج الفاروق من ابنة الزهراء عليهم السلام ؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رضي الله عن الكرار صهر الفاروق عليهما السلام
    الذي صفع قفا كل طاعن في صهره بفعله

    فزوج ابنته ابنة الزهراء بفاروق الأمة عليهم السلام


    فشهد له بهذه المصاهرة بالإيمان



    لأنه لا يجوز في شريعتنا زواج المؤمنة بغير المؤمن بخلاف شرائع الأنبياء السابقين ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )







    كيف نثبت للاثني عشرية زواج الفاروق من ابنة الزهراء عليهم السلام ؟
    وأنها لو كانت حية لفرحت وسعدت بهذا الزواج الميمون المبارك وبصهرها أمير المؤمنين الفاروق عليه السلام ؟






    تعليق


    • #17
      الأخ الفاضل لم تتزوج الزهراء عليها السلام بعمر بن الخطاب عندما خطبها فماذا يعني هذا ؟

      ولقد ثبت تهديد عمر بحرق بيت فيه أم كلثوم فهل هذا الزواج تحت التهديد ؟

      هذا كله إذا سلمنا به

      تعليق


      • #18
        المشاركة الأصلية بواسطة وهج الإيمان


        هذا كله إذا سلمنا به

        ماذا نفعل حتى تسلمي بأن الكرار صهر الفاروق عليه السلام صفع قفا كل طاعن في صهره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عليه السلام ؟


        وأن الزهراء جدة زيد بن عمر بن الخطاب عليهما السلام لو كانت حية لفرحت بهذا الزواج الميمون المبارك من ابنتها لصهرها ومحرمها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عليه السلام .

        تعليق


        • #19
          المشاركة الأصلية بواسطة نفسي عزيزة


          وأن الزهراء جدة زيد بن عمر بن الخطاب عليهما السلام لو كانت حية لفرحت بهذا الزواج الميمون المبارك من ابنتها لصهرها ومحرمها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عليه السلام .


          فاطمة جدة زيد بن عمر بن الخطاب
          وأبو بكر هو جد الامام جعفر من جهة أمه
          ولائحة المصاهرات بين اهل البيت والصحابة طويلة
          أقول لماذا لا يصاهر أهل البيت أصحابهم المزعومون كزرارة والجعفي وأبي بصير... وبدل ذلك اختاروا ان يعيشوا بين أظهر
          أهل السنة و ومصاهرة أهل السنة فقط
          الجواب لأنهم من أهل السنة كما هو علي ايضا ولذلك اخترعوا التقية
          علي زوج بنته الى عمر تقية
          علي لم يرجع فدك الى اهلها وهو الخليفة تقية
          ان قال الامام جعفر شيئا يدل على تسننه فهو محمول على التقية
          الله المستعان

          تعليق


          • #20
            المشاركة الأصلية بواسطة نفسي عزيزة
            رضي الله عن الكرار صهر الفاروق عليهما السلام
            الذي صفع قفا كل طاعن في صهره بفعله

            فزوج ابنته ابنة الزهراء بفاروق الأمة عليهم السلام
            ماذا نفعل حتى تسلمي بأن الكرار صهر الفاروق عليه السلام صفع قفا كل طاعن في صهره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عليه السلام ؟
            تادب في حوارك قبل ان نصفعك على قفاك لترمى في مزابل بن صهاك حيث هناك انجبت عمر

            تعليق


            • #21
              كيف تثبت إكذوبة أم كيف تثبت حقيقة
              فهل مجرد سرد الروايات وتصفيطها يكون كافيا ويعد دليلا
              وعلى غرار فعلتك أجدني أنسخ ماجاء في هذا الرابط الذي جاء به عادل سال سالم وفيه ما يلجمك ويلجم كل محب لأبن صهاك
              ********************************
              القسم الأول حديث الزواج بين الأخذ والرد الفصل الأول


              تحقيق ودراسة
              السيد جعفر مرتضى العاملي



              الطبعة الأولى : 2002م. ـ 1423هـ. المركز الإسلامي للدراسات ـ بيروت


              تـقـديـم


              بسم الله الرحمن الرحيم


              والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين .. واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.


              وبعد ..


              فقد كثر السؤال عن حقيقة زواج السيدة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ، بعمر بن الخطاب .. ربما لأن الأجوبة التي يسمعها السائلون لا تأتي عادة على درجة كافية من الوضوح والقوة ، بل تكون في الغالب ممزوجة بقدر كبير من الترديد والشك والإرتياب ، الأمر الذي يدعو إلى المزيد من تداول الحديث حول هذا الأمر ، وإنتقال : هذا الشك إلى آخرين ، عن هذا الطريق .. وليكثر بذلك السائلون ، ولتزيد معاناة المسؤولين ..
              فمست الحاجة إلى التعرض لبحث هذه القضية بالمقدار الذي يعطي تصوراً ، عن حقيقة ما جرى .. وكانت حصيلة معاناة ذلك هو هذا البحث الذي نقدمه إلى القارئ الكريم، على أمل أن يجد فيه ما يكفي للإجابة على ما يراود فكره من تساؤلات ، وما يثيره الإبهام في هذا الأمر من شكوك.
              وإذا جاز لي أن أثقل على من يطالع هذا البحث بشيء ، فإن رجائي الأكيد منه هو إن لا يبخل علي بما يراه ضرورياً في توضيح المراد ، أو تصحيح المفاد ، فإني لا أبرئ نفسي من الخطأ والزلل .. والله هو العاصم والولي .. ومنه نطلب التوفيق والسداد ، والهداية إلى طريق الرشاد ، إنه ولي قدير.
              والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
              شهر محرم الحرام سنة 1423 هـ. بيروت.
              جعفر مرتضى العاملي.

              تمهيد وتوطئة
              يتبع إن شاء الله

              تعليق


              • #22

                سوآلان :

                لقد ورد علينا سؤال يقول : ما السبب في أنه ليس لأم كلثوم ذكر كثير ، مثل السبطين وزينب (ع) ؟!.

                وورد سؤال آخر يقول : فقد تم إثبات عدم زواجها من الثاني .. إذن فمن هو زوجها؟ وهل كان ثمة من أطفال؟.


                الجواب عن السؤال الأول : ونقول في الجواب عن السؤال عن السبب في عدم ذكر أم كلثوم كثيراًًً ، ما يلي :

                إنه مع وجود الأئمة الأطهار (ع) ومع وجود السيدة زينب (ع) ، فإن طبيعة الأمور تقضي بأن تكون الحركة العامة والفاعلة والمؤثرة هي لهؤلاء ، دون سواهم ،

                وذلك لأنهم القادة الحقيقيون ولهم دون غيرهم السيادة ، ولا يسمح الوجدان ، والإنصاف والدين ، لأحد سواهم أن يدخل في وهمه أن يجاريهم ، فضلاًً ، عن أن يتقدمهم ، أو إن يعتقد لنفسه حقاًً في شيء من ذلك دونهم.

                علي (ع) مع الرسول (ص) :

                وقد كان هذا هو حال علي (ع) مع رسول الله (ص) ، فإنك لا تكاد تجد ذكراًً كثيراًًً لأمير المؤمنين (ع) آنئذ ، إلاّ في حدود العمل بالواجب الموكل إليه ، وتنفيذ أوامر رسول الله (ص) ، فكان (ع) الرجل السامع المطيع لله ولرسوله ، الذي لا يجيز لنفسه أن يكون له صوت أو حركة إلاّ في سياق الإستجابة إلى ما يطلبه رسول الله منه ، ويدفعه إليه.

                وذلك يجعلك تشعر أن رسول الله (ص) هو المتصرف في الأمور ، وهو وحده الذي يحكم ويقرر في كل شيء ، أما علي (ع) ، فإنك تكاد لا تشعر بأنه موجود أصلاًًً ، إلاّ على النحوالذي أشرنا إليه.

                أما غير علي صلوات الله وسلامه عليه ، فإنهم كانوا جريئين على رسول الله (ص) ، فهم يعترضون ويجادلون ، ويقترحون ، ويرفضون ، بجرأة تارة ، ويقبلون على مضض أخرى ، أو عن رضى ثالثة ، ثم تعلو أصواتهم في بعض الحالات ، حتى إذا جاء التهديد الإلهي كما حصل بالنسبة لقوله تعالى : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين [1].. فإنهم يستكينون ويسكتون حتى لا تكاد تسمع لهم صوتاًًً إلاّ على سبيل الهمس والإشارة.

                ولم يكن علي (ع) كهؤلاء أبداًً ، بل هو يرى أن للنبي (ص) ـ دون سواه ـ الأمر والنهي ، والقرار ، والموقف ، وليس عليه هو وعلى غيره إلاّ السمع والطاعة ، والإنقياد والتسليم .. وقد كان هذا هو الفرق أيضاًًً بين عائشة وأم سلمة في بيت رسول الله (ص) ،وكان ذلك هو حال الحسنين مع أبيهما صلوات الله وسلامه عليهم ، وحال الحسين (ع) مع الإمام الحسن (ع) ، وهكذا كان حال هارون مع موسى ، فإن حال هؤلاء جميعاًًًً لا يختلف عن حال علي مع رسول الله (ص).


                الزهراء .. وزينب (ع) :

                فلا غرابة إذن في أنك لو رجعت إلى حياة الزهراء سلام الله عليها في عهد رسول الله (ص) ، ومع علي (ع) ، فإنك لا تجد لها حركة ظاهرة ولا نشاطاً بارزاً ، خصوصاًً فيما يرتبط بالنشاطات الإجتماعية ، أو السياسية ، أو الثقافية العامة وما إلى ذلك ، كما ربما يتوقعه بعض من يدعو إلى إعطاء أدوار للمرأة في هذه الأيام (!!!).

                فلم تكن لها نشاطات إجتماعية ، كالقيام بمشاريع رعاية أيتام ، أو مساعدة فقراء ، أو عجزة ، ولا نشاطات ثقافية كإلقاء محاضرات ، ولا مشاركة في ندوات ، ولا ممارسة لأعمال سياسية ، ولا تواجد لها في المواقع الإدارية العامة ، ولا كان لها دور في مجلس الشورى.. ولا.. ولا.. ولا.. وكذلك الحال بالنسبة للسيدة زينب (ع) ، فإن دورها الظاهر إنما هو في قضية كربلاء ، ودور الزهراء (ع) الظاهر إنما هو فيما جرى بعد رسول الله (ص).. وفيما عدا ذلك ، فإن الحركة والنشاط بمختلف أشكاله إنما كان لأبيها (عليها السلام) ، ولأمير المؤمنين ، وللحسنين صلوات الله عليهم وعلى أبنائهم الأئمة الطاهرين.

                وقد كان نفس تجسد كمال الزهراء (ع) ، ونفس وجودها المقدس هو المطلوب ، وهو الغاية ، وكذا الحال في زينب وخديجة ، وأم سلمة ، وغيرهن من النساء. وقد تحدثنا ، عن هذا الأمر في كتابنا: مأساة الزهراء (ع) فليراجع..

                فلا معنى إذن لأن نطلب من أم كلثوم (ع) نشاطاً يضارع ما نراه من الحسنين (ع) ، أو حتى من زينب (ع).


                الجواب عن السؤال الثاني : وأما بالنسبة لقولكم في سؤالكم الثاني : إنه قد تم إثبات عدم زواجها من الثاني؟ وهل كان ثمة من أطفال؟.. فنقول :

                إن ذلك لم يتم إثباته بشكل حاسم وأكيد .. بل إن أهل السنة يؤكدون وقـوع هـذا الزواج [2] وهناك روايـات عديدة مـن طـرق السنة والشيعة تؤكد وقوعه.

                وعدد من الروايات الواردة من طريق الخاصة ، عن الأئمة (ع) صحيح ومعتبر من حيث السند ، وقد أدعي الشيخ التستري تواترها [3] ، ولكنها دعوى يصعب إثباتها ، نعم هي روايات مستفيضة بلا ريب ، ولكن ثبوت هذا الزواج ، لا يعني أنه قد جاء في سياقه الطبيعي والمألوف .. إذ أن ثمة تأكيداً قوياًًً على أن هذا الزواج قد تم على سبيل الجبر والقهر. وقد نجد ما يؤيد ذلك ويدل عليه في روايات أهل السنة أيضاًًً.

                ونحن نجمل الحديث حول هذه القضية في ما يأتي من فصول.
                يتبع إن شاء الله




                تعليق


                • #23

                  من النصوص والآثار



                  روايات هذا الزواج :



                  إن في روايات زواج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (ع) بعمر بن الخطاب الكثير من الإختلاف ، والتباين ، وسوف يفرض هذا البحث علينا التعرض إلى كثير من الجزئيات والخصوصيات والتفاصيل التي وردت في الروايات المختلفة ، لكن تسهيل الأمر على القارئ ، يفرض علينا أيضاًًً أن نقدم له من النصوص ما يستطيع أن يعطيه تصوراً أولياً لموضوع البحث ، وقد رأينا أن نختار نصوصاً يوردها أهل السنة ، ويتحفظ الشيعة على بعض الخصوصيات الواردة فيها .. ثم نورد نصوصاً أخرى وردت في مصادر الشيعة الإمامية ، ويتحفظ أهل السنة على بعض الخصوصيات الواردة فيها فنقول : نصوص رواها أهل السنة :

                  إن الأحاديث التي رواها أهل السنة ، كثيرة ومتنوعة ، ونكتفي هنا بذكر النص الذي أورده أحمد زيني دحلان ، فإنه كاف في بيان ما نرمي إليه ، والنص هو التالي :

                  أخرج أبو يعلي والطبراني : أن عمر بن الخطاب (ر) خطب من علي إبنته أم كلثوم (ر) ، بنت فاطمة (ر) ، وقال : سمعت رسول الله (ص) : يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي ، وكل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولدي فاطمة فإني أبوهم وعصبتهم.

                  ثم قال عمر : وإني وإن كانت لي صحبة للنبي (ص) فأحببت أن يكون لي معها سبب ونسب.

                  وقصة تزوج عمر بأم كلثوم بنت علي رواها الأئمة من طرق كثيرة ، منهم الطبراني ، والبيهقي ، والدار قطني.

                  وأكثر طرق الحديث مروية ، عن أكابر أهل البيت النبوي ، منهم جعفر الصادق ، عن أبيه محمد الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، أن علياًً عزل بناته لولد أخيه جعفر بن أبي طالب (ر) ، فلقي عمر علياًً (ر) ، فقال : يا أبا الحسن ، أنكحني إبنتك أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسـول الله (ص) :

                  فقال : قد حبستهن لولد أخي جعفر.

                  فقال عمر : والله ، ما علي وجه الأرض يرصد من حسن صحبتها ما أرصد ، فأنكحني يا أبا الحسن.

                  فقال علي : إنها صغيرة.

                  فقال عمر : ما ذاك بك ، ولكن أردت منعي ، فإن كانت كما تقول فإبعثها إلي.

                  وفي رواية أنه لما قال له : إنها صغيرة قال له : ما بي حاجة إلى الباءة ، ولكن سمعت رسول الله (ص) : يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي ، وكل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فأنا : أبوهم وعصبتهم ، فأحببت أن يكون لي : من رسول الله سبب ونسب.

                  وفي رواية : وإنه كان لي صحبة ، فأحببت أن يكون لي معها سبب.

                  فقال علي : إن لي أمراء حتى أستأذنهم.

                  وفي رواية : إن لي أسدين حتى أستأذنهما ، يعني الحسن والحسين ، فإستأذن ولد فاطمة ، فأذنوا له.

                  وفي رواية : أنه لما استأذنهما ، يعني الحسن والحسين ، وقال : إني كرهت أن أقضي أمراًً دونكما ، فسكت الحسين ، لكون أخيه الحسن أكبر منه ، وتكلم الحسن ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أبتاه ، فمن بعد عمر صحب رسول الله (ص) ، وتوفي وهو عنه راض ، ثم ولي الخلافة فعدل.

                  فقال له أبوه : صدقت ، ولكن كرهت أن أقطع أمراًً دونكما ، ثم قال لها علي : إنطلقي إلى أمير المؤمنين ، فقولي له : إن أبي يقرئك السلام ، ويقول لك : إنا قد قضينا حاجتك.

                  وفي رواية : فأعطاها حلة ، وقال لها : قولي له : هذا البرد الذي قال : لك.

                  فقالت ذلك لعمر ، فقال : قولي له : قد رضيت ، حصان كريم ، ما أحسنها وأجملها ، ووضع يده على ساقها.

                  وفي رواية : فضمها إليه ، فقالت : تفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثم خرجت حتى أتت أباها ، فأخبرته الخبر قالت : بعثتني إلى شيخ سوء.

                  فقال : يا بنية ، إنه زوجك ، ثم زوجه إياها ، فجاء عمر إلى مجلسه بين الروضة والمنبر ، حيث مجلس المهاجرين والأنصار ، وذكر لهم الخبر.

                  وفي رواية قال لهم : رفئوني ، أي قولوا لي : بالرفاه والبنين.

                  فقالوا : بمن يا أمير المؤمنين؟

                  فقال : تزوجت أم كلثوم بنت علي ، سمعت رسول الله (ص) ، ثم ذكر لهم الحديث السابق.

                  وجعل لها مهراًً أربعين الفاًً ، فولدت له زيداًًً ورقية ، ولم يعقبا ، ومات عمر عنها ، وتزوجها بعده إبن عمها عون بن جعفر بن أبي طالب ، فمات عنها ، وتزوجها بعده أخوه محمد بن جعفر ، فمات عنها ، وتزوجها بعده أخوه عبد الله بن جعفر ، فماتت عنده ، ولم تلد لأحد من الثلاثة شيئاًً [4].


                  نصوص رواها الشيعة الإمامية : وأما النصوص التي رواها الشيعة ، فنذكر منها ما يلي :

                  من كتاب الحسين بن سعيد ، عن إبن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله (ع) : لما خطب عمر إلى أمير المؤمنين(ع) قال له(ع) : إنها صبية ، قال : فأتى العباس فقال : ما لي؟ أبي بأس؟!.

                  فقال له : وما ذاك.

                  قال : خطبت إلى إبن أخيك فردني (وفي نص المرتضى : فدافعني وصانعني وأنف من مصاهرتي) أما والله لأعورن زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها ، ولأقيمن عليه شاهدين أنه سرق ، ولأقطعن يمينه ، فأتاه العباس فأخبره ، وسلهن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه [5].

                  وقد رواها : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إبن أبي عمير .. والسند معتبر ، كما هو ظاهر ، وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إبن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، وحمّاد ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله (ع) في تزويج أم كلثوم ، فقال : إن ذلك فرج غصبناه [6].

                  وقال البياضي (رحمه الله) : قد روى أهل المذاهب الأربعة ، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي مسنداًً إلى الصادق (ع) : أنه قال ذلك فرج غصبنا عليه ، وروته الفرقة المحقة أيضاًً [7].

                  وقد وصف المجلسي كلاً من هذين الحديثين - أي حديث هشام بن سالم ، وحديث زرارة - بأنه : حسن ، لكنه قال : إن هذين الخبرين لا يدلان علي وقوع تزويج أم كلثوم من عمر [8].

                  وروي في الكافي بسند موثق ، عن حميد بن زياد ، عن إبن سماعة ، عن محمد بن زياد ، عن عبد الله بن سنان ، ومعاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته ، عن المرأة المتوفى عنها زوجها : أتعتد في بيتها ، أو حيث شاءت؟.

                  قال حيث شاءت ، إن علياًً لما توفي عمر أتى أم كلثوم ، فإنطلق بها إلى بيته [9].

                  وروي أيضاًً نحو ذلك بسند صحيح ، فقد روى محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن يحـيى وغيره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله (ع) ، عن إمرأة توفي عنها زوجها أين تعتد؟ في بيت زوجها تعتد؟ أو حيث شاءت؟ ، قال حيث شاءت ، ثم قال : إن علياًً (ع) لما مات عمر أتى أم كلثوم ، فأخذ بيدها ، فإنطلق بها إلى بيته [10].


                  وعن الشعبي قال : نقل علي (ر) أم كلثوم بعد قتل عمر (ر) بسبع ليال ، ورواه سفيان الثوري في جامعه وقال : لأنها كانت في دار الإمارة [11].

                  وعن جعفر ، عن أبيه (ع) : نقل علي بن أبي طالب إبنته أم كلثوم في عدتها ، حين مات زوجها عمر بن الخطاب ، لأنها كانت في دار الإمارة [12].

                  وروى الشيخ ، عن محمد بن أحمد بن يحـيى ، عن جعفر بن محمد القمي ، عن قداح ، عن جعفر ، عن أبيه(ع) قال : ماتت أم كلثوم بنت علي (ع) وأبنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة ، لا يدرى أيهما هلك قبل ، فلم يورث أحدهما من الآخر ، وصلي عليهما جميعاًًً [13].

                  وروى أبو القاسم الكوفي : ـ ونسب ذلك إلى رواية مشايخه عامة ـ أن عمر بعث العباس إلى علي يسلهن يزوجه بأم كلثوم ، فإمتنع ، فأخبره بإمتناعه فقال : أيأنف من تزويجي؟ ، والله ، لئن لم يزوجني لأقتلنه.

                  فإعلم العباس علياًً (ع) بذلك فأقام على الإمتناع ، فإعلم عمر بذلك ، فقال عمر : أحضر في يوم الجمعة في المسجد ، وكن قريباًًً من المنبر لتسمع ما يجري ، فتعلم أني قادر على قتله إن أردت ، فحضر ، فقال عمر للناس : إن ههنا رجلاًًً من أصحاب محمد وقد زنى ، وقد إطلع عليه أمير المؤمنين وحده ، فما أنتم قائلون ، فقال الناس من كل جانب : إذا كان أمير المؤمنين إطلع عليه فما الحاجة إلى أن يطلع عليه غيره ، وليمض في حكم الله.

                  فلما إنصرف طلب عمر من العباس : أن يعلم علياًً بما سمع. فوالله ، لئن لم يفعل لأفعلن ، فأعلم العباس علياًً بذلك ، فقال (ع) : أنا أعلم أن ذلك يهون عليه ، وما كنت بالذي يفعل ما يلتمسه أبداًً ، فأقسم عليه العباس : أن يجعل أمرها إليه ، ومضى العباس إلى عمر فزوجه إياها [14].


                  وقد إعتبر صاحب الإستغاثة .. أن نفس جعل علي (ع) أمر إبنته هذه دون سواها إلى العباس دليل علي وجود قهر وإجبار كان قد مورس ضد علي (ع).

                  بل لقد ورد في نص آخر : أنه أمر الزبير أن يضع درعه على سطح علي ، فوضعه بالرمح ، ليرميه بالسرقة [15].


                  وقال السيد المرتضى : وعمر ألحّ على علي (ع) ، وتوعده بما خاف علي على أمر عظيم فيه من ظهور ما لم يزل يخفيه ، فسأله العباس ـ لما رأى ذلك ـ رد أمرها إليه ، فزوجها منه(ع).


                  وقال في أعلام الورى قال أصحابنا : إنما زوجها منه بعد مدافعة كثيرة ، وإمتناع شديداًًً ، وإعتلال عليه بشيء بعد شيء حتى الجأته الضرورة إلى أن رد أمرها إلى العباس بن عبد المطلب ، فزوجها إياه [16].

                  يتبع إن شاء الله

                  تعليق


                  • #24

                    الفصل الثاني
                    الإختلاف .. والتناقض


                    بداية هذا الفصل : وغني عن البيان : أنه إذا ظهرت التناقضات في النصوص التي تثبت حدثاًًً ما ، فإن الريب والشك في صحة تلك النصوص يصبح مبرراًً وطبيعياً ، بل إنه يفرض نفسه على الباحث ، ويضطره للسعي لتميز الصحيح من المكذوب من تلك النصوص ، هذا إن لم نقل : إن ذلك قد يثير في نفسه الشك في أصل صدور ذلك الحدث .. واللافت في قصة زواج أم كلثوم بعمر بن الخطاب ، وجود تناقض شديداًًً جداًً بين نصوصها كما سيظهره هذا العرض المقتضب الذي نورده في هذا الفصل ..


                    تناقض روايات أهل السنة : إننا لا نبالغ إذا قلنا : إنك تجد التدافع والتناقض ظاهراًًً وكبيراً ، ومستوعباً في روايات أهل السنة ونصوصهم التاريخية لهذا الحدث ، وقلما تجد ذلك في روايات الشيعة الإمامية رضوان الله تعالى عليهم ، وقد أشار الشيخ المفيد (رحمه الله) في المسائل السروية إلى هذا التناقض الشديد بين روايات أهل السنة حول تزويجها رحمها الله [17] فراجع.


                    1 - التناقضات حول الأم وولدها :

                    ونذكر من هذه التناقضات : أن الروايات تارة تقول : إن عمر أولدها ولداًً إسمه زيد [18].

                    وأخرى تقول : إنها ولدت له زيداًًً ورقية [19].

                    وفي نص آخر : فاطمة وزيداً. [20].

                    قال أبو عمر وغيره : ولدت أم كلثوم لعمر : زيداًًً الأكبر ورقية [21].

                    وقالوا تارة : إن زيداًًً هذا قد مات وهو صغير [22].

                    وقالوا تارة أخرى : إنه عاش حتى صار رجلاًًًً.

                    بل قالوا : إن زيداًًً هذا هو الذي لطم سمرة بن جندب عند معاوية حين تنقص علياًً [23].

                    وذكروا أيضاًًً : أن رقية قد تزوجت من إبراهيم بن نعيم النحام [24].

                    ونجد من جهة أخرى أن ثمة روايات تقول : إن عمر قد قتل قبل دخوله بها [25] ، فكيف تكون ولدت زيداًًً ، أو رقية أوفاطمة؟.

                    والزرقاني أيضاًًً لم يرتض ولادة زيد لعمر من أم كلثوم ، حيث قال : إن عمر قد مات عنها قبل بلوغها [26].

                    كما إن المسعودي لم يذكر زيداًًً في أولاد عمر.


                    ومن تناقضات روايات القسم الأول :

                    أنها تارة تقول : إن لزيد بن عمر عقباً.

                    وتارة تقول : إنه قتل ولا عقب له.

                    وتارة تدعي : أنه وأمه ماتا في آن واحد [27].

                    وتارة تذكر : أن أمه بقيت بعده.

                    وهل صلى على أم كلثوم وزيد ، عبد الله بن عمر ، حيث قدمه الحسن بن علي (ع) ، وعند إبن عساكر : الحسين بن علي (ع) [28]؟.

                    أم صلى عليهما سعيد بن العاص ، وخلفه الحسن والحسين (ع) ، وأبو هريرة [29] ؟!.

                    وذكروا في أولاد عمر بالإضافة إلى زيد الأكبر ، وهو إبن أم كلثوم : زيداًً الأصغر أيضاًً [30].

                    فما هو الصحيح من بين ذلك كله : يا ترى؟.


                    2 - التناقضات حول المهر.

                    وحول مهرها :

                    تارة تقول الروايات : إن عمر أمهرها عشرة الآف دينار [31].

                    وأخرى تدعي : أن المهر كان أربعين الف درهم [32].

                    وبعضها قالت : أربعين الفاًً بلا تعيين [33].

                    لكن بعضها نقل عن الدميري قوله : أعظم صداق بلغنا خبره صداق عمر ، لما تزوج زينب بنت علي فإنه أصدقها أربعين الف دينار [34].

                    ورابعة ذكرت : أنه أصدقها أربعة الآف درهم [35].

                    وخامسة : خمس مئة درهم ، كما ذكره المفيد (رحمه الله) تعالى [36].

                    وذكر نص آخر : أنه أمهرها مئة الف [37].

                    فأي ذلك هو الصحيح؟!

                    3 - أم كلثوم أم زينب :

                    وهل أم كلثوم هي غير زينب كما هو ظاهر كثيرين؟.

                    أم هي زينب نفسها ، كما ذكر عن غير واحد ، ومنهم الدميري كما قدمناه آنفاًً.

                    وهي التي توفيت ودفنت بغوطة دمشق كما ذكره النبهاني ، [38] وغيره.

                    وقد زار الشيخ إبراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان العاملي المتوفي سنة 1214 هـ.. مقام السيدة زينب بدمشق ، وكتب على الحائط :


                    مقام لعمر والله ضـم كــريمــة * زكا الفرع منه في البرية والأصل

                    لها المصطفى جد ، وحيدرة أب * وفـاطمة أم ، وفـاروقهم بعل [39]

                    4 - إكراه الإختيار :


                    ومن حيث الإكراه والإختيار تجد الروايات تختلف أيضاًًً ، فبعضها يقول : إنه زوجه إياها مختاراً مؤثراً لذلك كما سيأتي عن الجاحظ وغيره ، وبعضها ـ وهو الأكثر ـ يقول : إنه زوجه إياها مكرهاً ، وسنذكر بعض الشواهد على ذلك في يلي من مطالب..

                    5 - أزواج أم كلثوم بعد عمر :


                    وهل تزوجها بعد عمر عون بن جعفر ، فقط كما إقتصرت عليه بعض الروايات [40] ، ثم عبدالله بن جعفر كما في نسب قريش لمصعب.

                    وإدعى حسن قاسم وغيره : أن عبد الله بن جعفر قد طلق إختها زينب الكبرى ، ثم تزوج أم كلثوم بعد وفاة أخيه عون [41].

                    أم تزوجها بعد عمر محمد بن جعفر ، ثم عون ثم عبد الله [42].

                    أم تزوجها عمر ، ثم عون ، ثم محمد ، ثم عبدالله ، بعد موت إختها زينب بنت علي بن أبي طالب سلام الله عليهم فماتت عنده [43].

                    وهل ماتت عند عبد الله؟ أو إنه مات عندها؟! [44].

                    وعند إبن إسحاق : تزوجها بعد عمر عون بن جعفر فما نشب أن هلك ، فتزوجها محمد بن جعفر ، فمات ولم يصب منها [45] أي لم يصب منها ولداًً ، كما يبدو.

                    6 - هل ولدت لأبناء جعفر :


                    ومن هذه التناقضات أن الروايات تارة تقول : إنها ولدت لعمر ولبعض أبناء جعفر ذكوراً وإناثاً ، فولدت لمحمد بن جعفر جارية يقال لها : بثنة (نبتة) نعشت[46] من مكة إلى المدينة على سرير ، فلما قدمت المدينة توفيت [47].

                    وأخرى تقول : لم تلد لأحد شيئاًً ً[48].

                    إلى غير ذلك من موارد تظهر بالتتبع والمقارنة.

                    ومن الواضح : أن هذا التناقض يشير إلى وجود تعمد للكذب في خصوصيات الروايات ، أما من أجل دفع شبهة ، أو لأي غرض آخر..

                    وإن كان أصل الزواج لا يمكن تكذيبه إستناداًً إلى مجرد وجود هذه التناقضات .. حسبما المحنا إليه فيما تقدم.

                    يتبع إن شاء الله

                    تعليق


                    • #25


                      الفصل الثالث
                      وقفات .. مع بعض الأقاويل السابقة


                      وقفات يسيرة :


                      إن التأمل في ما ذكرناه آنفاًً يثير إمام الباحث أكثر من سؤال حول كثير مما تضمنته تلك الروايات المختلفة.

                      وبما إن إستقصاء الحديث في ذلك ليس هو محط نظرنا في هذا البحث ، لأنه سوف يدخلنا في مجالات لا نرى ضرورة للدخول فيها ، فقد آثرنا على الإشارة إلى نقاط يسيرة ، لها مساس مباشر بما نحن بصدده ، فنقول :

                      زواجها بإبني عمها :

                      قد ذكرت بعض الروايات التي أشرنا إليها في الفصل السابق : أن عون بن جعفر قد تزوج أم كلثوم بعد موت عمر [49] ، ثم مات عنها ، فتزوجها أخوه محمد من بعده.

                      مع أن زواج أم كلثوم بعمر قد كان في سنة 17 للهجرة [50] ودخل بها في ذي القعدة كما يزعم الطبري وإبن الأثير ، وقد إستشهد عون بن جعفر وأخوه محمد سنة 17 للهجرة أيضاًً ً[51] ، وإنما توفي عمر في سنة 23.

                      فمتى تزوج بها عون ، ثم أخوه محمد ، ثم ولدت له بثنة ، ثم قتلاً في سنة 17 هـ ، مع أن زوجها الأول ، وهو عمر قد توفي بعد ست سنوات من هذا التاريخ؟!.

                      ومن جهة أخرى فقد زعم المسعودي : أن محمداًًً ـ زوجها الثالث ـ قد قتل بصفين حيث التقى وعبيد الله بن عمر بن الخطاب ، فقتل كل واحد منهما صاحبه ، وإلى هذا ذهب نساب آل أبي طالب ، وإن كانت ربيعة تنكر ذلك ، وتذكر : أن بكر بن وائل قتلت عبيد الله بن عمر [52].

                      وقال أحمد بن علي الداودي الحسني حول أولاد جعفر : أما محمد الأكبر ، فقتل مع عمه أمير المؤمنين علي (ع) بصفين ، وأما عون ومحمد الأصغر فقتلا مع إبن عمهما الحسين (ع) يوم الطف [53] ، فإذا كان محمد قد قتل ـ كما يقوله هؤلاء ـ في صفين ، وبقي عون إلى أن قتل مع الإمام الحسين (ع) فكيف تكون أم كلثوم قد تزوجت بمحمد بن جعفر بعد عون بن جعفر؟! ، والمفروض أن محمداًًً قد قتل قبله بأكثر من عشرين سنة.!!

                      ثم إنه إن كان محمد قد قتل في صفين ، فكيف يقولون : إنه قد بقي إلى أن قتل مع إبن عمه الحسين (ع) في كربلا؟.


                      لماذا هذا المهر ومن أين؟!


                      قد ذكرت الروايات : أن عمر قد أمهر أم كلثوم أربعين الف دينار ، أو درهم ، أو أربعين الفاًً من غير تحديد ، أو أربعة الآف درهم .. أو عشرة الآف دينار.

                      والسؤال هو : لماذا يعطي عمر لأم كلثوم هذا المهر الكثير؟!.. مع ما نعلمه من قلة الأموال آنئذ ، وأن الدراهم القليلة منها كانت تكفي للشيء الكثير..

                      وقد زعموا : أن عمر بن الخطاب قد إعتذر ، عن إعطاء هذا المهر الكبير (أربعين الف دينار) ، أو درهم ، بقوله : والله ، ما فيّ رغبة إلى النساء ، ولكني سمعت رسول الله (ص) : يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ، فأردت تأكيد النسب بيني وبينه (ع) ، فأردت أن أتزوج إبنته كما تزوج إبنتي ، وأعطيت هذا المال العريض إكراماً لمصاهرتي إياه (ع) [54].


                      ونقول : إن إعطاء هذا المهر الكثير ، حتى أربعة الآف درهم ، فضلاً عن الأربعين الفاً ، أو العشرة الآف دينار ، لا يتلاءم مع إعلان عمر عن إستيائه الشديد ، والإعلأن بالتهديد والوعيد لمن زاد في مهور النساء أكثر من أربعين (أوقية) [55].

                      ثم تهديده بأن يجعل الزائد ، عن ذلك في بيت المال .. حتى إعترضت عليه إحدى النساء بمخالفة موقفه هذا لنص الآية الشريفة : ( وأتيتم إحداهن قنطاراًً فلا تأخذوا منه شيئاًً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناًً ) ، وقد إعترف لها وهو على المنبر بأن كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال في خدورهن .. أو إمرأة أصابت ورجل أخطأ [56] ، أو نحو ذلك.

                      ويتأكد هذا الإستغراب إذا صح ما ذكره البعض من أنه قد كان بين زواج عمر بأم كلثوم ، وإعطائها هذا المهر الكبير ، وبين إعلانه الأنف الذكر ، يومان أو ثلاثة فقط [57].

                      وهذه الملاحظة وإن كانت لا ترقى إلى حد إسقاط أصل قضية الزواج ، ولكنها على أي حال تبقى مجالاً للحيرة في أهداف هذا التصرف ، وسبب هذا الإنتقال : من حالة الرفض الشديد لزيادة المهور إلى المبادرة إلى إعطاء أرقام خيالية ، لا تتناسب مع مداخيل عمر ـ الذي لم يكن يملك من الأموال شيئاًًً يذكر ، بل كان يرتزق من بيت المال .. وكان يعلن بالزهد والتقشف ، ويتظاهر بذلك بصورة لافتة ومستمرة..

                      وحتى لو أراد إكرام رسول الله (ص) بهذا المهر الكثير ، فإن السؤال يبقى يلح عليه بالإجابة :

                      من أين جاءته هذه الأموال يا ترى؟!!

                      ولماذا هذا السخاء النادر الذي لا يتناسب مع الواقع الإجتماعي والإقتصادي للناس .. ولعمر بصورة خاصة؟!

                      وإذا كان يمهر زوجته هذه المبالغ الهائلة : عشرة الآف دينار ، أو أربعين الفاً ، فكم يكون حجم ثروته ككل؟!


                      زواجها بعبد الله بن جعفر : قد تقدم أن بعض الروايات تقول : إن أم كلثوم قد تزوجت بعد عمر وبعد عون ومحمد بن جعفر بعبد الله بن جعفر أيضاًًً ، وماتت عنده ، وفي عدد من المصادر قال : إن ذلك كان بعد وفاة زينب العقيلة.

                      وذكرت الروايات أيضاًًً : أن علياًً (ع) هو الذي زوجها بعون ، وبمحمد ، وبعبد الله أيضاًًً.


                      ونقول :

                      أولاًًًً : إن زينب قد حضرت كربلاء ، وتوفيت كما يقال : في الخامس عشر من شهر رجب سنة 62 هـ. [58] أو سنة 65 للهجرة فراجع [59] أو في سنة أربع وسبعين وعمرها 67 سنة [60].

                      مع أن أم كلثوم قد حضرت كربلاء ، وتوفيت في الشام ، أو في المدينة [61] ، بعد رجوعها من العراق بأربعة أشهر ، وخطبتها في الكوفة وهي بعد في السبي ، معروفة ومشهورة [62].

                      ونقل عن العدوي أنه يقول : إن التي تزوجها عمر هي زينب الوسطى المدفونة بالشام ، لكنه نقل غير دقيق [63].

                      ثانياًً : لو لم نأخذ بما دل على حضورها في كربلاء ، فإن هذه الرواية لا يمكن أن تصح أيضاًًً ، إذ قد تقدم : أن ثمة روايات تقول : إن إبن عمر قد صلى عليها ومعه الحسن والحسين (ع) وأبو هريرة وغيرهم.

                      وقد ذكروا : أن وفاتها كانت قبل السنة الرابعة والخمسين من الهجرة [64].

                      فكيف تتزوج بعبد الله بن جعفر بعد وفاة إختها زينب التي حضرت كربلاء؟ وتوفيت بعد إستشهاد الإمام الحسن (ع) بأكثر من إثنتي عشرة سنة؟!

                      ثالثاًً : إن علياً أمير المؤمنين (ع) ، قد إستشهد سنة أربعين للهجرة ، فكيف يكون قد زوجها بعبد الله بن جعفر بعد وفاة إختها زينب التي حضرت كربلاء ، وتوفيت بعدها؟! ، وكربلاء إنما كانت سنة ستين للهجرة كما هو معلوم [65].

                      وأما دعوى حسن قاسم بأن عبد الله بن جعفر قد طلق زينب العقيلة ، ثم تزوج بأم كلثوم ، فهي غريبة ، فإننا لم نجد شاهداًً لها من حديث أو تاريخ ، ويكذبها قولهم إنها جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام حيث توفيت هناك ، ولعل سبب هذه الدعوى الحدس والإحتمال الناشئ عن الرغبة في حل التناقضات بين النصوص.

                      صلاة إبن عمر أو سعيد بن العاص :

                      وبذلك يتضح عدم صحة ما جاء في الروايات حول صلاة إبن عمر عليها وعلي ولدها..

                      كما لا يصح زعمهم : أن سعيد بن العاص الذي كان والياً علي المدينة من قبل معاوية قد صلى عليها.

                      إذ لاشك في حضورها في كربلاء كما قلنا .. وذلك يتناقض مع هذا الزعم وذاك على حد سواء.

                      يتبع إن شاء الله

                      تعليق


                      • #26


                        الفصل الرابع

                        إستدلالات غير مقنعة


                        هذا الزواج لم يكن معروفاًًً :

                        وقد ذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني في حوادث سنة ست وخمسين وثلاث مئة ، أن معز الدولة عمران بن شاهين سأل أبا عبد الله البصري ، عن عمر بن الخطاب وعن الصحابة ، فذكر أبو عبد الله سابقتهم ، وأن علياًً (ع) زوج عمر إبنته أم كلثوم (ر) ، فاستعظم ذلك ، وقال : ما سمعت هذا قط [66].

                        فإن عدم سماعه بهذا الأمر لهو من الأمور التي تثير العجب والحيرة حقاًً ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن معرفة الناس بأن هذا الزواج قد تم على سبيل الإكراه والإجبار ، قد أسقط من أيدي إتباع الخلفاء حجة كان يسعدهم الاحتفاظ بها ، فلم يعد يهمهم تناقل هذا الأمر في محافلهم ، أو إثباته في مجاميعهم الحديثية والتاريخية وغيرها.

                        كما إن محبي علي (ع) لم يجدوا في تداول هذا الأمر ، وإشاعته بين الناس فائدة أو عائدة ، فكان الإهمال من الفريقين نصيب هذه القضية إلى هذا الحد المثير..

                        السيد المقرم ينكر هذا الزواج :

                        وإذا أردنا أن ننظر في آراء العلماء في هذا الزواج ، فإننا نجدهم بين مؤيد ومفند.

                        فالبعض كالسيد عبد الرزاق المقرم قد أنكر هذا الزواج على أساس أنه لم يكن لأمير المؤمنين (ع) بنات سوى الحوراء زينب ، ولا يمكن إثبات غيرها تاريخياًً ، [67] خصوصاًً إذا علمنا : أنهم يطلقون على زينب العقيلة أنها أم كلثوم أيضاًًً [68].


                        غير أننا نقول :

                        إن قوله هذا لا يمكن قبوله ، فإن النصوص الصحيحة الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) إلى جانبها غيرها ، وهو كثير جداًً تؤكد وجود أم كلثوم هذه ، ولا نرى ضرورة لإيراد الشواهد على ذلك.

                        ومجرد إطلاق كنية أم كلثوم على زينب لا يكفي شاهداًً على ذلك ، فإن من الممكن أن تكنى زينب بأم كلثوم ، مع وجود بنت أخرى بهذا الإسم أيضاًًً..

                        كما إن تعدد المسمين بإسم واحد ، في أبناء الشخص الواحد كثير.


                        رأي المفيد (رحمه الله) :

                        أما الشيخ المفيد فإنه إعتبر الخبر الوارد حول زواج أم كلثوم بعمر ضعيفاًًًً.

                        أولاًًًً : لأنه مروي عن الزبير بن بكار ، وهو قد كان متهماًً ، خصوصاًً فيما ينقله عن علي (ع) وبني هاشم.

                        ثانياًً : لأجل تناقض رواياته واختلافها ، كما سيأتي.


                        ونقول :


                        1 ـ إن ضعف الزبير بن بكار في ما ينقله لا يعني كذب كل رواية يرويها..

                        2 ـ إن الرواية مروية ، عن غير الزبير بن بكار عند العامة .. ثم هي مروية بطرق صحيحة ومعتبرة عند الخاصة أيضاًًً كما سيأتي.

                        3 ـ إن الإختلاف والتناقض لا يدل على بطلان جميع الروايات ، بل يدل على بطلان الروايات ، ما عدا رواية واحدة ، حيث تبقى مشكوكة ، وإن لم تكن متعينة ومحددة لنا ، فيحتاج إثبات بطلان الجميع إلى دليل آخر..


                        أدلة الهندي مجرد إستبعادات :

                        كما إن البعض الآخر كصاحب كتاب إفحام الأعداء والخصوم قد أورد في الجزء الأول المطبوع من كتابه هذا ، إستبعادات غاية ما تفيده هو عدم إقدام علي (ع) على تزويج إبنته من عمر برضى منه وإختيار .. ولكنها لا تنفي حدوث الإجبار والإكراه على هذا الزواج.

                        ولولا خوف الإطالة لأوردنا كلامه بكامله ، وأرشدنا بالتفصيل إلى تصديق هذا الذي قلناه ، ولكنا نكتفي بهذه الإشارة ، ونحيل القارئ الكريم على الكتاب ليراجعه بنفسه إن شاء ، فنقول :


                        أدلة السيد الهندي :

                        إن ما إستدل به السيد ناصر حسين الموسوي الهندي يتلخص في ضمن النقاط التالية :

                        1 ـ إن الرسول قد رد أبابكر وعمر حينما خطبا فاطمة ، فعلي (ع) ، لابد أن يقتدي بالرسول (ص) ، ولا يزوج أياً منهما إبنته.

                        2 ـ إن عمر ليس كفؤاً لأم كلثوم ، والكفاءة شرط في النكاح.

                        3 ـ إن نسب عمر يمنع من إقدام علي (ع) على تزويجه إبنته.

                        4 ـ إن الفارق في السن كان كبيراًً بين عمر وبين أم كلثوم ، وقد نهى عمر ، عن نكاح الرجل إلاّ ما يوافقه ، وشبيهه ونظيره ، ولو كان هو قد خالف هذا الأمر ، لكان مصداقاًً لقوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم.

                        5 ـ إن هذا الزواج يستلزم الجمع بين بنت ولي الله تعالى ، وبنات أعداء الله ، وقد روى أهل السنة : أنه لا يجوز هذا الجمع.

                        6 ـ قد كان عمر معادياً للسيدة الزهراء (ع) ، وقد ظهر منه تجاهها ما هو معلوم فكيف يرضى علي (ع) بتزويجه بإبنتها؟ [69].


                        ونقول :

                        قد أشرنا إلى أن جميع هذه الوجوه إنما تدل على أن علياًً (ع) لا يقدم على تزويجه مختاراً مؤثراً لذلك ، وتدل على أن حدوث هذا الزواج معناه أن يقدم عمر على مخالفة أوامر الله تعالى :

                        ولا تدل على عدم وقوع هذا التزويج بالجبر والإكراه ، وتعمد إرتكاب المعصية في هذا السبيل ـ كما دلت روايات التزويج ـ وذلك ظاهر..

                        لو كان في عمر حركة للنساء :

                        وقد حاول بعضهم أن يستدل على نفي هذا الزواج بأنهم يروون : أن عمر قد قال : لولده في أمر جارية أعجبته : لو كان في أبيكم حركة إلى النساء لم يسبقه أحد إليها..

                        .. غير أننا نقول : إن العجز عن النساء لا يعدو كونه أمراًً طارئاً على هذا الرجل ، إذ أنه كان قبل ذلك قد تعرض للنساء ، وولد له منهن أولاد كثيرون .. ولذلك يرد سؤال :

                        متى حصل هذا العجز؟!.

                        هل حصل ، قبل الزواج بأم كلثوم؟! أو بعد الزواج بها؟

                        وهل هو عجز مستمر؟ أو إنه كان عجزاً طارئاً في تلك الساعات لمرض أو لغيره؟! فإن ذلك لا تظهره تلك الرواية المشار إليها..

                        فإذا صحت روايات الزواج كانت دليلاًً على أن هذا النص يتحدث عن وقت متأخر عنه ولو بساعة على الأقل..


                        لا تاريخ لزيد بن عمر :

                        وقد حاول بعضهم أن يستدل على عدم صحة روايات التزويج ، أو خصوص تلك الروايات التي تتحدث ، عن زيد بن عمر بأنه لم يجد لزيد بن عمر أي ذكر في التاريخ ، مع أن الأجواء تقتضي أن يكون موضع إهتمام الرواة والساسة وغيرهم ، لأنه ثـمـرة زواج فـريـد ، فإن أباه كان أشد الناس على فاطمة ، وعلي (ع).

                        وأم كلثوم هي بنت علي (ع) من جهة ، وبنت فاطمة (ع) من جهة ثانية ، فعدم وجود تاريخ له دليل على أنه شخصية وهمية.


                        ونقول :

                        1 ـ ليس بالضرورة أن يكون لكل إنسان دور مميز ولافت ، فإن الدور تابع لطبيعة ميزات ومواصفات الشخص ، وحالاته ، وإهتماماته.

                        2 ـ إن هذا الكلام ـ لو صح ـ فإنما يأتي في خصوص الروايات التي أثبتت وجود زيد ، وأنه قد عاش حتى صار رجلاًًًً ، وتبقى سائر الروايات التي تجاهلت هذا الأمر ، أو صرحت بأنه تزوجها ولم يدخل بها ، ومات عنها قبل بلوغها.. بحاجة إلى جواب.

                        3 ـ إن إنكار وجود تاريخ لزيد ليس دقيقاً ، إذ أن في التاريخ بعض الأمور التي تشير إلى نشاط له من نوع ما ، ويظهر ذلك بالمراجعة..

                        4 ـ وحتى لو لم يذكر التاريخ لنا عن زيد بن عمر شيئاًًً ذا بال ، فذلك لا يعني أنه شخصية هامشية أو وهمية ، فهناك كثيرون لم يستطع التاريخ أن يحدث عنهم بشيء.. وهم شخصيات حقيقية ، لا وهمية.

                        فإن تجاهل التاريخ لبعض الشخصيات له أسبابه السياسية والمذهبية ، وغيرها.


                        حديث الزواج بجنية :

                        ثم إن ثمة رواية تقول : إن هناك جنية يهودية من أهل نجران قد تشبهت له بصورة أم كلثوم ، وذلك بأمر من أمير المؤمنين (ع) [70].

                        وضعف سند هذه الرواية لا يوجب الحكم القاطع ببطلانها.. فإن من الممكن عقلاًً حدوث أمور من هذا القبيل.

                        بل لقد وقعت بعض الأمور التي تثبت تعاطي الأنبياء وغير الأنبياء مع الجن فعلاًً في العديد من الموارد ، كما دلت عليه الروايات الكثيرة [71].


                        إشكالات غير صالحة :

                        وقد يقال : إن الأخبار التي تحدثت ، عن أن علياًً (ع) قد زوج إبنته لعمر ، وقولهم (ع) : ذلك فرج غصبناه ينافي خبر تشبه الجنية لعمر بأم كلثوم..

                        ويجاب ، عن ذلك ، بأن هذه المنافاة غير ظاهرة ، لأنهم (ع) كانوا يحترزون ، عن إظهار مثل هذه الأمور حتى لأكثر الشيعة لئلا يقعوا في الغلو ، أو حتى لا يدخل عليهم الشك والشبهة.

                        وأما الشك في هذا الأمر بسبب إستبعاد وقوع شبه أم كلثوم على الجنية ، فهو في غير محله ، فإن وقوع شبه هذا على ذاك ، قد وقع نظيره أيضاًًً ، فقد وقع شبه عيسى بن مريم على نبينا وآله و(ع) ، على يهوذا.. فصلب وقتل..

                        ويتأكد ذلك إذا كان الإمام (ع) هو الذي يطلب ذلك..

                        وقد كان للإمام علي (ع) سلطة على الجن ، كما صرحت به الروايات ، كما كان لسليمان (ع) سلطة عليهم أيضاًًً..

                        ثم إن ثمة إشكالات أخرى أوردوها على هذه الرواية وهي لا تصلح للإشكال كما لا يخفى على من دقق النظر ، بل إنها لا تصلح حتى لإستبعاد صحة الرواية فضلاًً ، عن أن توجب ردها ، أو إسقاطها ، وذلك كقولهم :

                        إن الجنية لم تكن بارعة في عملها حتى إستراب بها عمر.

                        وكقولهم : إن رواية الجنية تعارض رواية إبن أعثم التي تقول : إن أم كلثوم إشتكت من حرمانها ميراث أمها فاطمة وميراث زوجها عمر...

                        وكقولهم : إن الجنية حجبت أم كلثوم ، عن الأبصار ، وأن أمير المؤمنين هو الذي أظهرها بعد مقتل عمر..

                        وقولهم : إن عمر : إنما هدد العباس بإنتزاع السقاية ، ولم يهدد علياًً.

                        وقولهم : إن صدر الرواية المصرح بأن علياًً يستطيع أن ينقذ إبنته ، يتناقض مع ذيلها الذي يقول : إنه إستعان بالجنية.

                        ثم قولهم أيضاًًً : إن هذه الرواية.. أشبه بالخيالات.

                        فإن جميع هذه الإشكالات لا تصلح لرد الرواية ، وإعتبارها خرافة :

                        إذ لا مانع من أن تحجب الجنية إنساناًًً ، عن الأبصار ، ثم يأتي أمير المؤمنين ý ويرفع هذا الحجاب.

                        كما إن تهديد عمر للعباس يثقل على علي (ع) ، ويضطره إلى أمر لا يفعله لولا حدوث هذا الأمر المزعج له.

                        على أن التهديد قد تجاوز عقيلاً إلى علي نفسه ، كما أثبتته روايات أخرى ، يمكن ضمها أيضاًًً إلى هذه الرواية ، لعدم المانع من ذلك.

                        وبالنسبة للتصريح بأن علياًً يستطيع أن ينقذ إبنته نقول : إن ذلك لا يمنع من إختياره لهذه الطريقة لينقذها بها.

                        كما إن تعارض هذه الرواية مع رواية أخرى لا يجعلها في عداد الخرافة والخيال..

                        فلم يبق مما يصلح للإشكال به على هذه الرواية سوى : أنها رواية ضعيفة السند ، لا يمكن تأكيد صحتها.


                        تأويلات غير ظاهرة :

                        وقد نجد محاولات للتخلص من دلالة بعض الروايات ، وتأكيد الإلتزام بعدم وقوع هذا الزواج ، في اللجوء إلى تأويلات بعيدة لا مجال لقبولها ،


                        فأولاً : قد زعم بعضهم أن حديث (ذلك فرج غصبناه) لا يدل على حصول الزواج بالفعل ، إذ لعله وأرد على سبيل التقدير والفرض ، أو على سبيل المجاراة لمن يدّعي ذلك [72] ، أي إن كان الأمر كما تقولون ، فهو إنما كان على سبيل القهر والإكراه والغصب.


                        لكننا نقول :

                        إن ذلك خلاف الظاهر ، ولا دليل عليه ، فلا مجال للإلتزام به إلاّ إذا ثبت بدليل آخر ما ينافي ويدفع ويبطل حديث ذلك فرج غصبناه ، فلابد في هذه الحالة من التماس التأويل له ، أو طرحه ، ورد علمه إلى أهله.

                        ثانياًً : قد إدعى بعضهم : أن هذه الروايات - روايات الشيعة - حول أن علياًً جاء بأم كلثوم بعد موت عمر لتمضي أيام عدتها في بيته ـ هي الأخرى ـ لا تدل علي وقوع الزواج ، إذ أن المراد إثبات الحكم على سبيل الإلزام للطرف الآخر بما يلزم به نفسه ، حيث يوجبون أن تعتد المرأة المتوفى عنها زوجها في نفس بيت الزوجية [73] ، فرد عليهم الإمام بأنهم هم يروون : أن علياًً حين توفي عمر أخذ بيد إبنته أم كلثوم ، وذهب بها إلى بيته..


                        ونقول :

                        1 ـ لم يظهر من الرواية أن الذي سأل الإمام (ع) كان ناظراًً إلى إبطال قول هذا المخالف أو ذاك ، بل هو يتحدث عن حكم الواقعة في نفسها بغض النظر عن أي شيء آخر.

                        2 ـ ليس في كلام الإمام (ع) ما يشير إلى أنه في مقام الرد على أحد ، بل هو قد أورد الكلام على سبيل الأخبار عن واقعة حصلت ، يريد (ع) أن يعلم القارئ بها ، فلا معنى للتحدث عن أمور ليس في النص ما يدل عليها ، أو يشير إلى ما يبررها..
                        يتبع إن شاء الله

                        تعليق


                        • #27



                          الفصل الخامس

                          مؤآخذات قوية


                          روايات لئيمة وحاقدة :

                          وبعد ، فإنه لا مجال لقبول الروايات الواردة في كتب أهل السنة ، التي تتحدث ، عن أن علياًً (ع) قد أمر بابنته فزينت (أو فصنعت) ثم أرسلها إلى عمر ليتفحصها ، وقد أمسك هذا الثاني بذراعها ، أو بساقها ..[74] أو إنه قد قبّلها ، أو ضمها إليه ، أو نحو ذلك.

                          وفي بعض رواياتهم أنها جبهته بقسوة من أجل ذلك ، وقالت له :

                          تفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك.

                          ثم خرجت حتى أتت أباها فأخبرته الخبر ، وقالت :

                          بعثتني إلى شيخ سوء.

                          فقال : يا بنية إنه زوجك ، ثم زوجه إياها. [75].

                          فإنها روايات مكذوبة بلا ريب ، وقد قال : عنها سبط إبن الجوزي : قلت : هذا قبيح. والله ، لو كانت أمة لما فعل بها هذا ، ثم بإجماع المسلمين ، لا يجوز لمس الأجنبية ، فكيف ينسب إلى عمر هذا [76].

                          نعم .. إن الناس يأنفون ، عن نسبة مثل هذا السقوط إليهم ، فكيف نسبوا ذلك إلى خليفتهم ، الذي يدعون له العدالة والإستقامة ، والقيام بمهام النبي الأكرم (ص)؟!.

                          ويكفي قبحاً في ذلك أن نجد واضع الرواية قد ذكر أن تلك البنت الصغيرة السن قد رفضت تصرفه هذا ، وأنكرته ، وهددته بكسر أنفه ، وإعتبرته شيخ سوء.

                          ولعل هناك من لا يرى مانعاً من صدور هذا الأمر من عمر ، إستناداًً إلى ما ورد في بعض النصوص من : أنه قد فعل ذلك إمام الناس ، ثم قال لهم : إني خطبتها من أبيها ، فزوجنيها.

                          أو إستناداً إلى أن عمر لم يكن ممن يسعى إلى كبح جماح شهوته ، وهو القائل : ما بقي في شيء من أمر الجاهلية إلا أني لست أبالي أي الناس نكحت وأيهم أنكحت [77].

                          وإلى أنه قد حدثنا هو نفسه أنه كان إذا أراد الحاجة تقول له زوجته ، ما تذهب إلاّ إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن [78].

                          وله قصة معروفة مع عاتكة بنت زيد التي كانت تحت عبد الله بن أبي بكر ، فمات عنها ، وإشترط عليها أن لا تتزوج بعده فتبتلت ، ورفضت الزواج حتى من عمر فطلب عمر من وليها أن يزوجه إياها ، فزوجه إياها ، فدخل عمر عليها فعاركها حتى غلبها على نفسها فنكحها ، فلما فرغ قال : أف. أف. أف.

                          ثم خرج من عندها وتركها الخ [79].

                          فإننا بدورنا نقول : إن ذلك لا يصلح لتبرير إرسال أبيها إياها إليه على هذا النحو.. فإن المفروض هو إن لا يرسلها إلاّ مع نساء يصلحن من شأنها ، ويرافقنها إلى بيت الزوجية بإعزاز وإكرام حيث الخدر والستر..

                          ولا نتعقل أي معنى لأن يرسلها أبوها إلى عمر على هذا النحو البعيد عن معنى الكرامة والتكريم لها ، والذي لا يفعله رعاع الناس ، فكيف يتوهم صدوره ، عن بيت الإمامة والكرامة ، والعز والشرف ، وعن أهل بيت النبوة بالذات؟!

                          وكيف يزوجها بمن يعصي الله فيها على هذا النحو المرفوض في الشرع ، والذي يأباه كرام الناس ، وأهل الشرف والغيرة؟.

                          رواية مكذوبة :

                          وهناك رواية أوردها الدولابي ، وإبن الأثير ، وغيرهما تقول :

                          لما تأيمت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب (ع) من عمر بن الخطاب دخل عليها الحسن والحسين أخواها ، فقالا لها : إنك من عرفت ، سيدة نساء العالمين ، وبنت سيدتهن ، وإنك والله لئن أمكنت علياًً من رقبتك (رمّتك) لينكحنك بعض أيتامه ، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاًً عظيماًً لتصيبنه.

                          فوالله ما قاما حتى طلع علي يتكئ على عصاه.. (ثم تذكر الرواية كلاماً له معهم) ثم تقول :

                          فقال : أي بنية ، إن الله : قد جعل أمرك بيدك ، فأنا أحب أن تجعليه بيدي.

                          فقالت : أي أبه ، والله إني لإمرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء ، فأنا أحب أن أصيب ما يصيب النساء من الدنيا ، وأنا أريد أن إنظر في أمر نفسي.

                          فقال : لا والله : يا بنية ، ما هذا من رأيك ما هو إلاّ رأي هذين.

                          ثم قام ، فقال : والله لا أكلم رجلاًًًً منهم أو تفعلين.

                          فأخذا بثيابه فقالا : إجلس يا أبه ، فوالله ما على هجرانك من صبر ، إجعلي أمرك بيده.

                          فقالت : قد فعلت..

                          فقال : فإني قد زوجتك من عون بن جعفر.

                          وإنه لغلام. ثم رجع إليها فبعث إليها بأربعة الآف درهم ، وبعث إلى إبن أخيه فأدخلها عليه ([80]).

                          قال إبن إسحاق فما نشب عون أن هلك ، فرجع إليها علي ، فقال : يا بنية ، إجعلي أمرك بيدي ، ففعلت فزوجها محمد بن جعفر ([81]) .. ثم يذكر الطبري : أنه زوجها بعبد الله بن جعفر أيضاًًً ([82]).


                          ونقول :

                          يرد على هذه الرواية ما يلي :

                          أولاًًًً : إن سيدة نساء المسلمين في وقتها هي إختها الحوراء زينب (ع) ، لا أم كلثوم.

                          ثانياًً : هل سبق أن أنكح علي (ع) بناته أيتام أهله ، سوى أنه أنكح زينباً عبدالله بن جعفر ، وهو رجل له مكانته ، وموقعه ، وليس بالذي يعير به أحد ، فإنه من سراة القوم..

                          ثالثاًً : هل كان الحسنان (ع) وأم كلثوم يحبون المال العظيم ، والحياة الدنيا..

                          ولماذا لا يأخذان بقول رسول الله (ص) : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير؟ [83].

                          رابعاًًً : إن جرأة أم كلثوم على أبيها ، وإظهار أنها ترغب فيما ترغب فيه النساء لهو أمر يثير الدهشة ، ولاسيما من إمرأة تربت في حجر علي وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهما ، وعرفت معاني العفة ، والزهد والتقوى..

                          ولم يعرف عنها طيلة حياتها إلاّ ما ينسجم مع هذه الروح ، ولا يشذ عن هذا السبيل..

                          خامساًً : لماذا يهجر ولديه ويقطع صلته بهما من أجل الحصول على هذا الأمر الذي جعله الله سبحانه لها دونه بإعترافه (ع) ـ حسب زعم الرواية؟!

                          سادساًً : ما معنى التعبير عن عون بن جعفر بالقول : وإنه لغلام مع أنه كان شاباًً يشارك في الحروب ، ويقاتل ويستشهد ، كما ذكرناه فيما تقدم.

                          سابعاً : قد تقدم أن زواجها من عون وإخوته موضع شك أيضاًًً ، فإن عوناًً ومحمداًً إذا كانا قد قتلاً سنة 17 هجرية أي في نفس السنة التي تزوجت فيها عمر ، فكيف نوفق بين ذلك وبين حقيقة أن عمر : إنما مات سنة 23 هجرية؟! وإذا كان عون وأخوه قد ماتا في الطف ، فكيف تزوجها أخوه محمد من بعده ، ثم تزوجها عبدالله؟.

                          وإذا كان المتولي لتزويجها للجميع هوأبوها كما يقول البعض ـ حسبما قدمناه ـ فإن أباها كان قد إستشهد قبل وقعة الطف بعشرين سنة.

                          عمر يقول : رفئوني :

                          وتذكر روايات أهل السنة لقصة هذا الزواج : أن عمر قد خطب إلى علي (ع) إبنته أم كلثوم ، فقال علي : إنما حبست بناتي على بني جعفر ، فأصر عليه عمر ، فزوجه.

                          فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين فيما بين القبر والمنبر ، فقال : رفئوني. رفئوني. فرفأوه. [84].

                          والمراد : قولوا لي : بالرفاه والبنين..


                          ونقول :

                          إن من الواضح : أن قولهم للمتزوج بالرفاه والبنين ، هو من رسوم الجاهلية ، وقد نهى عنه رسول الله (ص) .. وقد ورد هذا النهي في كتب الشيعة والسنة على حد سواء..

                          1 ـ فقد روى الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله البرقي رفعه ، قال : لما زوج رسول الله (ص) فاطمة (ع) قالوا : بالرفاه والبنين.

                          فقال : لا ، بل على الخير والبركة. [85].

                          2 ـ روى أحمد بن حنبل ، عن الحكم بن نافع ، عن إسماعيل بن عياش ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال : تزوج عقيل بن أبي طالب ، فخرج علينا فقلنا : بالرفاه والبنين.

                          فقال : مه ، لا تقولوا ذلك ، فأن النبي (ص) قد نهانا عن ذلك وقال : قولوا : بارك الله لك ، وبارك الله عليك ، وبارك لك فيها ، وروى نحوه أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، عن يونس ، عن الحسن : أن عقيل الخ..[86].


                          وبعد ما تقدم نقول :

                          هل كان عمر ملتزماً بأعراف الجاهلية ، غير آبه بتوجيهات رسول الله (ص)؟

                          .. ولماذا هذا الإصرار منه على هذا التصرف الذي لا يرضاه أهل الشرع لأنفسهم؟!

                          إعتذار ، أم إدانة؟!

                          وقد إعتذر الحلبي عن ذلك بقوله : لعل النهي لم يبلغ هؤلاء الصحابة حيث لم ينكروا قوله ، كما لم يبلغ عمر [87].

                          ونقول :

                          إنه اعتذار أشبه بالإدانة ، فإنه إذا لم يبلغ هذا الحكم هؤلاء ، ولم يبلغ عمر ، فكيف جاز لهم أن يتصدوا أو إن يتصدى عمر على الأقل لمقام خلافة الرسول (ص) ، وأخذ موقعه والإضطلاع بمهماته؟!! فإن من يحتاج إلى هداية الغير لا يمكن أن يكون هو الهادي للغير.

                          الرواية الأغرب والأعجب :

                          ومن غرائب أساليب الكيد السياسي تلك الرواية التي تروي لنا قصة زواج أم كلثوم بعمر بن الخطاب بطريقة مثيرة ، حيث جاء فيها : أن عمر خطب أم كلثوم ، فقال له علي (ع) : إنها تصغر عن ذلك.

                          فقال عمر : سمعت رسول الله (ص) : يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي فأحب أن يكون لي : من رسول الله (ص) سبب ونسب.

                          فقال علي (ع) للحسن والحسين : زوجا عمكما.

                          فقالا : هي إمرأة من النساء ، تختار لنفسها.

                          فقال : (مقام ظ) علي (ع) مغضباًًً ، فأمسك الحسن بثوبه ، وقال : لا صبر لي على هجرانك يا أبتاه.

                          قال : فزوجاه [88].


                          ونقول : إن الملاحظ هنا :

                          1 ـ لا ندري لماذا يأمر غيره بتزويج عمر ، ولا يتولى ذلك هو بنفسه ، فإنه هو ولي أمر إبنته..

                          2 ـ إن ولديه الحسن والحسين (ع) لم يكونا حين تزويج أم كلثوم بعمر بن الخطاب قد بلغا الحلم ، فلماذا يحيل هذا الأمر إليهما.. ألم يكن الأنسب أن يحيل أمر ذلك للعباس كما ذكرته روايات أخرى؟..

                          3 ـ هل كان (ع) يريد تزويجها جبراً عنها ، ومن دون إختيار منها؟!.. وهل يصح لها هي أن تختار لنفسها من دون إذن أبيها أيضاًًً؟!..

                          4 ـ وكيف يغضب (ع) من الحسنين (ع) ، وهما سيدا شباب أهل الجنة.؟! ، وكيف يغضب سيدا شباب أهل الجنة أباهما؟!..

                          وإذا كان هذا هو حال سيدي شباب أهل الجنة ، فلماذا نلوم الآخرين على جرأتهم على آبائهم؟. وعلى عدم طاعتهم لهم؟..

                          5 ـ وكيف يغضب هو (ع) من قول الحق ، إذا كان ما قالاه هو الحق؟ وإذا كان ما قالاه باطلاًً ، فكيف يقولان هما هذا الباطل؟!

                          6 ـ لماذا أخذ الحسن (ع) بثوبه ، ولم يفعل ذلك أخوه الإمام الحسين (ع) اليس هو شريك أخيه في إغضاب أبيهما أمير المؤمنين (ع)؟..

                          7 ـ وأيضا.. إذا كانت أم كلثوم تصغر عن الزواج.. فكيف صارت بعد ذلك كبيرة لا تصغر عنه.. وهل كان الحديث الذي رواه عمر له غائباًً ، عن ذهنه ، أو إنه كان مقنعاً له ، إلى درجة أنها أصبحت صالحة للزواج تكويناً.. وأصبح علي مشتاقاً إلى إنجازه إلى حدّ أنه يدخل مع ولديه في معركة بهذا الحجم.

                          8 ـ وأخيراًً.. ألم يكن زواج النبي (ص) بحفصة بنت عمر كافياً لتحقيق النسب والصلة بينه وبين النبي (ص) وفقاً لما إحتج به عمر؟!..

                          يتبع إن شاء الله

                          تعليق


                          • #28


                            القسم الثاني

                            الحدث في سياقه الطبيعي

                            الفصل الأول

                            لا ينفع هؤلاء.. ولا يضر أولئك..


                            بنت فاطمة :

                            إننا نلاحظ : أن ثمة حرصاًً ظاهراًًً لدى غير الشيعة على تأكيد زواج عمر بأم كلثوم بنت علي (ع) ، ولكن ما يثير الأنتباه هنا : هو إن روايات أهل السنة المثبتة للتزويج تصر على عبارة : أم كلثوم بنت على من فاطمة للإيحاء بأنه بذلك قد أصبح له صلة بالرسول (ص).

                            مع أنه قد كان لعلي (ع) بنت أخرى إسمها أم كلثوم أيضاًًً ، فها هو البعض يقول ، وهو يعد أولاده (ع) :..وكان له زينب الصغرى ، وأم كلثوم الصغرى من أم ولد [89].

                            وعدّ في المعارف من جملة بناته (ع) أم كلثوم ، وقال : وأمها أم ولد. [90].

                            وقال : الطريحي في كتاب تكملة الرجال : أم كلثوم هذه كنية لزينب الصغرى بنت أمير المؤمنين (ع). وكانت مع أخيها الحسين (ع) بكربلاء. والمشهور بين الأصحاب أنه تزوجها عمر بن الخطاب غصباً ، كما أصر السيد المرتضى ، وصمم عليه في رسالة عملها في هذه المسألة. وهو الأصح للأخبار المستفيضة [91].

                            لكن في الإرشاد : وزينب الكبرى ، وأم كلثوم الكبرى ، تزوجها عمر [92].

                            وعلى كل حال فإن ذلك يشير إلى وجود بنت لعلي إسمها أم كلثوم ، ليست من بنات فاطمة. ولا يمكن نفي إحتمال أن تكون هي التي تعرض عمر للزواج منها. خصوصاًً إذا احتملنا أن يكون المقصود بهذا الزواج هو إذلال علي (ع) ، وقهره ولا شيء أكثر من ذلك.. وكذا إذا قلنا : إن الهدف هو الحصول على مولود له صلة بآل علي ، فلا يستطيعون إسقاطه ، لو قدر له الوصول إلى سدة الخلافة.

                            أما إذا كان هناك غرض آخر ، فإن الأمر يصبح مرهوناً به ، وسيأتي بعض الحديث عن ذلك إنشاء الله..


                            الإستثمار غير الموفق :

                            وحين يتعب أهل السنة أنفسهم في التأكيد على هذا الزواج تاريخياًً ، فإنهم يحاولون أن يوظفوه ، وأن يستثمروه قدر المستطاع في بلورة وتثبيت آرائهم ، وردّ أدلة خصومهم الذين يحتجون عليهم بالدلائل والشواهد الكثيرة جداًًً علي وجود أساءة حقيقية من قبل الخليفة الثاني لرسول الله (ص) في مرض موته حيث قال : عنه : أن الرجل ليهجر [93]. ثم لإبنته حينما اعتدى عليها بالإهانة والضرب إلى حد إسقاط جنينها المسمى بمحسن ، ثم كسر ضلعها ، ومحاولة إحراق بيتها ، وغير ذلك مما جرى عليها..

                            وقد جاء هذا الزواج ليكون الإكسير الذي يحول التراب إلى الذهب الإبريز ، وتتحول به العداوة إلى محبة وصداقة ، ويصير العدوان إحساناً ، ولا سيما حين يعرضونه للناس بأبهى صورة ، وأغلى زينة..

                            حتى لقد رووا أنه حين إستشار الحسنين (ع) بادره الإمام الحسن بالقول : يا أبتاه ، فمن بعد عمر ، صحب رسول الله ، وتوفي ، وهو عنه راض ، ثم ولي الخلافة فعدل ، فقال له : صدقت [94].

                            وقال الجاحظ : ثم الذي كان من تزويجه أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله (ص) من عمر بن الخطاب طائعاً راغباًً ، وعمر يقول : إني سمعت رسول الله (ص) يقول : إنه ليس سبب ولا نسب إلاّ منقطع إلاّ نسبي قال علي : إنها والله ما بلغت يا أمير المؤمنين.

                            قال : إني والله ما أريدها لذاك ، فأرسلها إليه ، فنظر إليها قبل أن يتزوجها ، ثم زوجها إياه ، فولدت له زيد بن عمر ، وهو قتيل سودان مروان [95].

                            وقال السمعاني : لو كان أبوبكر وعمر كافرين لكان علي بتزويجه أم كلثوم من عمر كافراًًً أو فاسقاًًً ، معرضاًً إبنته للزنى ، لأن وطء الكافر للمسلمة زنى محض [96].


                            ونقول : إن كل ذلك لا يجدي نفعاً.. وذلك لما يلي :

                            1 ـ كيف يكون رسول الله (ص) قد مات وهو راض ، عن عمر ، في حين أن عمر قد ودعه في مرض موته بكلمة : أن النبي ليهجر.

                            2 ـ كما إن صحبة رسول الله (ص) بمفردها لا تعطي إمتيازاً للخليفة على غيره ، إذا لم يصاحبها الإلتزام بأوامر رسول الله ، وحفظ وصاياه.

                            3 ـ وحتى لو صح الحديث عن أن رسول الله (ص) قد مات وهو راض عنه ، فهل ينفعه ذلك ، وهو قد عاد ليغضب إبنته التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، ويعتدي عليها بالضرب المبرح ، ويسقط جنينها ويسعى بإحراق بيتها بمن فيه؟!..

                            4 ـ وحتى لو أدعي الجاحظ أن علياًً (ع) قد زوجه طائعاً راغباًً.. فإن أئمة أهل البيت (ع) ما زالوا يعلنون أنه قد زوجها مكرهاً مع بيان تفاصيل التهديدات التي تعرض لها.

                            5 ـ بل إن نفس رواية الجاحظ قد صرحت بأن علياًً قد أقسم على أنها كانت صغيرة لم تبلغ.

                            6 ـ وأما بالنسبة للحديث عن الكفر ، وعن الإيمان والفسق والعدالة ، فهوحديث باطل ، كما سيتضح في ألفقرة التالية إن شاء الله تعالى.


                            هذا الزواج لم يحرج الشيعة :

                            ولربما وجد أهل السنة في هذا الزواج فرصة لإحراج الشيعة الذين يصححون هذا الحدث ، فإعتبروه نقضاً لبعض مبانيهم الإيمانية والتشريعية.

                            فتصدى علماء الشيعة رضوان الله تعالى عليهم لبيان فساد هذا الوهم ، وبينوا بما لا مدفع له كيف أن مبانيهم ثابتة وسليمة.

                            فإن السيد المرتضى ، والشيخ الطوسي وغيرهما ، وإن كانا قد قبلا بوقوع هذا الزواج ، ولكنهم إستناداًً إلى كثير من الأدلة والشواهد الواردة في كتب السنة والشيعة قد أكدوا على حالة الإكراه التي تعرض لها علي أمير المؤمنين (ع) ، حتى قبل بهذا الزواج.

                            قال السيد المرتضى (رحمه الله) : فلم يكن ذلك ، عن إختيار ، والخلاف فيه مشهور ، فإن الرواية وردت بأن عمر خطبها إلى أمير المؤمنين (ع) ، فدافعه ، وماطله فإستدعى عمر العباس فقال : ما لي؟! أبي بأس؟!.

                            فقال : ما حملك على هذا الكلام؟.

                            فقال : خطبت إلى إبن أخيك فمنعني لعداوته لي.. والله لأعورن زمزم ولأهدمن السقاية..

                            إلى أن قال :

                            على أنه لو لم يجر ما ذكرناه لم يمتنع أن يزوجه ، لأنه كان على ظاهر الإسلام ، والتمسك بشرائعه.. وإظهار الإسلام يرجع إلى الشرع فيه ، وليس مما يحظره العقول.. وقد كان يجوز في العقول أن يبيحنا الله مناكحة المرتدين ، على إختلاف ضروب ردتهم ، وكان أيضاًًً يجوز أن يبيحنا أن ننكح اليهود والنصارى كما أباحنا عند أكثر المسلمين أن ينكح فيهم.

                            وهذا إذا كان في العقول سائغاًًً فالمرجع في تحليله أو تحريمه إلى الشريعة ، وفعل أمير المؤمنين (ع) حجة عندنا في الشرع ، فلنا أن نجعل ما فعله أصلاًًً في جواز مناكحة من ذكروه ، وليس لهم أن يلزموا به على ذلك مناكحة اليهود ، والنصارى ، وعباد الأوثان لأنهم إن سألوا عن جوازه في العقل فهو جائز ، وإن سألوا عنه في الشرع فالإجماع يحظره ، ويمنع عنه.

                            فإذا قالوا : فما الفرق بين الوثني والكافر بدفع الإمامة.

                            قلنا لهم : وما الفرق بين النصرانية والوثنية في جواز النكاح وما الفرق بين النصراني والوثني في أخذ الجزية ، وغيرها من الأحكام ، فلا يرجعون في ذلك إلى الشرع الذي رجعنا معهم إليه ([97]) ، إنتهى كلام السيد المرتضى (رحمه الله).


                            وذكر بعضهم أيضاًًً ما ملخصه :

                            أن بعضهم إعتذر عما فعله عمر : من ضم أم كلثوم وتقبيلها ، والكشف عن ساقها قبل وقوع العقد والتحليل ، بأن ذلك إنما كان منه لأنه رآها صغيرة لم تبلغ حداً تشتهى حتى يحرم ذلك ، ولولا صغرها لما بعث بها أبوها.

                            ولكن هذا الإعتذار غير مقبول ، فإن الف ضربة على جسد علي (ع) ، وأضعافها على جسد أولاده أهون عليه من أن يرسلها إلى رجل أجنبي قبل العقد ليراها ، فيأخذها ، ويقبلها ، ويكشف عن ساقها ، ويضمها إليه ، لولا علمه بأن الإمتناع ، عن ذلك يوقعه بما هو أعظم ضرراً حتى من هلاك نفسه وأولاده ، إلاّ وهو وقوع فتنة بين المسلمين وارتداد الناس ، وذهاب الدين.. فسلم (ع) ، وصبر وإحتسب ، وأنزل إبنته في ذلك بمنزلة آسية بنت مزاحم ، فإن ما إرتكبه فرعون من بني إسرائيل ، من قتل أولادهم وإستباحة حريمهم ، ثم إدعاء الربوبية أعظم من إستيلائه على آسية..

                            وما سبيل الرجل مع أم كلثوم إلاّ سبيل فرعون مع آسية.

                            لأن ما ادعاه لنفسه ولصاحبه من الإمامة ظلماًًً وتعدياً ، وخلافاً على الله ورسوله أعظم من إجبار علي (ع) على تزويج إبنته له ، إنتهى ملخصاًً..[98].

                            وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) : إن المناكح على ظاهر الإسلام ، دون حقائق الإيمان. والرجل المذكور وإن كان بجحده النص ودفعه الحق قد خرج ، عن الإيمان ، فلم يخرج ، عن الإسلام لإقراره بالله ورسوله [99].

                            هذا.. وقد صرحت كتب أهل السنة بأن علياًً (ع) قد رفض هذا الأمر أكثر من مرة ، معللاً رفضه تارة بأنها صغيرة ، وأخرى بأنه قد وعد بها إبن أخيه جعفر ، وثالثة بأن أمرها يرجع إلى غيره ممن لا يرضى بذلك..

                            وقد صرحت كتب الشيعة بوجود تهديدات قوية من جانب عمر.. وأن الواسطة كان العباس بن عبد المطلب.. وأن العباس قد خاف من تلك التهديدات ، فأصر على علي (ع) أن يجعل أمرها إليه فتولى هو تزويجها لعمر خوفاًًً من أن ينفذ عمر : ما هدد به..



                            الفصل الثاني

                            إمتناع علي (ع) وإصرار عمر


                            زواجها بمن لا ترضى :

                            ونحن نعتقد أن أم كلثوم قد أجبرت على هذا الزواج وأن أباها كان مكرهاً عليه أيضاًًً ، وإن قضية زواجها من رجل لا ترضاه في الحالات العادية ، ليس بالأمر الغريب. ومن مؤيدات ذلك حصول نظيره حتى للأنبياء صلوات الله عليهم وعلى نبينا وآله.

                            وقد حدثنا الله سبحانه ، وصرحت الروايات بأن بعض زوجات رسول الله (ص) قد كن يؤذينه ، وبعضهن قد تظاهرن عليه ، إلى حد أصبح بحاجة إلى أن يكون الله مولاه ، وجبريل ، وصالح المؤمنين ، والملائكة بعد ذلك ظهير..

                            ثم بين الله سبحانه وجود نساء أخريات هن خير منهن ، من حيث الصفات ، لأن فيهن صفات تميزهن عنهن وهي صفات : الإسلام ، والإيمان ، والقنوت ، والتوبة ، والعبادة ، والسياحة إلى الله سبحانه ، ثم ضرب لهن مثلاًًً بإمرأتي نوح ولوط اللتين كانتا كافرتين ، وتؤذيان نوحاً ولوطاً ، وذلك بعد تهديد ووعيد للكفار بالجزاء العادل : (راجع سورة التحريم).

                            فهل كان الرسول الأعظم (ص) يحب في الظروف العادية أن يكن هؤلاء النسوة زوجات له؟!! أم أنه كان مضطراًً لتحمل هذا الأمر ، حتى لو بلغت الأمور إلى هذا المستوى الخطير ، والخطير جداًً؟!.

                            ومن جهة ثانية قد حدثنا القرآن الكريم أيضاًًً : أن إمرأة فرعون كانت مكرهة على الإقامة مع فرعون كزوجة له ، وكانت تدعو الله أن ينجيها من فرعون ، ومن عمله وقد إستشهدت رحمها الله على يد زوجها الطاغية ، الذي كان يدعي الربوبية..


                            هل ولدت لعمر؟

                            وإذا كان هذا الزواج زواج أم كلثوم رحمها لله بعمر قد تم بالإكراه والإجبار ، فإن ذلك لا يعني : أنها عاشت معه كزوجة ، أو أنها قد ولدت له أولاداً ، وذلك لأن التناقض الظاهر في الروايات لا يبقي مجالاً لإثبات حتى : أنه قد دخل بها.

                            بل قد صرحت بعض النصوص بأن عمر قد مات قبل أن يدخل بها ، وإنها كانت صغيرة [100] ، فلا مجال إذن لتأكيد دعوى أن تكون قد ولدت له ولداًً إسمه زيد ،

                            ولو فرضنا : حدوث ذلك ، فإن ذلك يبقى أيسر وأهون من أن يتعرض أمير المؤمنين لكيد يوصل له أعظم الأذى ، ويوجب إثارة مشكلات كبرى في طريق هذا الإسلام العزيز الذي يستحق التضحية بكل غال ونفيس.


                            إعتذارات علي (ع):

                            وقد عددت الـروايات لنا إعتذارات علي (ع) فكانت عبارة ، عن أمور ثـلاثـة هي :

                            1 ـ ما تقدم وسيأتي من نصوص كثيرة صرحت بأن علياًً (ع) قد إعتذر عن التزويج بصغر سن أم كلثوم [101].

                            2 ـ تقدمت روايات صرحت بإعتذاره (ع) بأنه حبس بناته على أبناء جعفر ، أو إنه أعدها لإبن أخيه جعفر [102].

                            3 ـ إن له أمراء لابد أن يستأذنهم [103].

                            ظهور صحة هذه الإعتذارات :

                            ولا مجال للمناقشة في هذه الإعتذارات ، فإن صحتها ظاهرة لا ريب فيها ، لكن البعض قد حاول أن يشكك في صحة الرواية التي تحدثت عن صغر سنها.

                            فإدعى أنها كانت بالغة حين هذا الزواج ، لأن تزويجها إنما كان في السنة السابعة عشر من الهجرة [104].

                            فإذا إنضم ذلك إلى ما ادعاه بعضهم من أنها ولدت في السنة السادسة من الهجرة [105] ، فإن عمرها يكون حين الزواج حوالي إحدى عشرة سنة.. فكيف يقال : إنها كانت صغيرة؟!

                            غير أننا نقول :

                            أولاًًًً : إن إصرار علي (ع) على صغر سنها ، خير شاهد على عدم صحة القول بأن عمرها كان إحدى عشرة سنة.. فإنه أبوها ، وأعرف الناس بها ، وهو الإمام المعصوم.

                            ثانياًً : قد يقال : إن المراد بأنها لم تبلغ هو أنها لم تبلغ بالحيض ، كما هو رأي هذا الفريق من الناس في البلوغ الشرعي ، فيكون كلامه هذا قد جاء على سبيل الإلزام لهم لما يلزمون به أنفسهم.

                            ثالثاًً : لا دليل على صحة كلام صاحب السر المكتوم في أنها ولدت في السادسة من الهجرة.. بل في إصرار علي (ع) على صغرها ، ثم في إستهجان الناس لهذا الزواج بسبب صغرها أيضاًًً ما يدل على بطلان هذا القول..

                            ومهما يكن من أمر فقد صرحت بعض الروايات : بذلك ، أي بأن أم كلثوم كانت حين خطبة عمر لها جارية لم تبلغ ـ كما عند إبن سعد[106].

                            وقال الزرقاني : أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب مات عنها قبل بلوغها [107].

                            وذكـر المازنـدراني الحائري : أنها ولـدت قبل وفاة النبي بثلاث سنوات [108].

                            بل أقل من ذلك ، بدليل أنهم يقولون : إن عمر زينب كان حين خروجها إلى كربلاء سبعاًًً وخمسين سنة [109] وزينب كانت أكبر من أم كلثوم قطعاًً..

                            فتكون ولادة أم كلثوم قبل وفاة النبي (ص) بسنة أو بسنتين على أبعد تقدير.

                            وإعتذار علي (ع) بهذا الأمر بالذات - كما صرحت به الروايات كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار [110].

                            وفي نص آخر : خطب عمر إلى علي (ع) إبنته فقال : إنها صغيرة ، فقيل لعمر : إنما يريد بذلك منعها ، فكلمه ، فقال علي (ع) ، أبعث بها إليك الخ..[111].

                            وعند إبن إسحاق : فإعتل علي (ع) ، عليه وقال : إنها صغيرة ، فقال عمر : لا والله ، ما ذاك بك ، ولكن أردت منعي ، فإن كان كما تقول فإبعثها إلي.

                            فرجع علي (ع) فدعاها فأعطاها حلة وأرسلها إليه ، فأخذ بذراعها فإجتذبتها منه ، وقالت : أرسل. فأرسلها وقال : حصان كريم ، إنطلقي فقولي له : ما أحسنها وأجملها ، ليست - والله - كما قلت فزوجها إياه [112].

                            وعند أبي عمر : فقيل له ردك. فعاوده ، فقال له علي (ع) : أبعث بها إليك الخ.. [113].

                            بل في بعض الروايات : أن علياًً (ع) أرسل إبنته إلى عمر : لتقول له : إني قد قضيت حاجتك التي طلبت فأخذها عمر فضمها إليه ، فقال : إني خطبتها إلى أبيها فزوجنيها.

                            قيل : يا أمير المؤمنين ، ما كنت تريد إليها؟ إنها صبية صغيرة.

                            قال : إني سمعت رسول الله (ص) يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي الخ..[114].


                            ونقول :

                            إن هذا الحديث الأخير ظاهر الدلالة على أن الناس قد إستهجنوا إصرار الخليفة على الزواج من طفلة صغيرة ، حتى إحتاج إلى الإعتذار ، عن ذلك ، ودفع الإشكالعن نفسه.

                            وقد دلت الروايات المتقدمة أيضاًًً على أن عمر كان مصراً على رفض كلام أمير المؤمنين إلى درجة أنه لم يرض بقوله : إنها صغيرة ، حتى طلب أن يريه إياها. وأصر على أنه إنما يتعلل بذلك لكي يمنعها منه.

                            تشكيكات أخرى لا تصح :

                            وقد حاول البعض أن يشكك في بعض الروايات المصرحة بأنها كانت صغيرة لم تبلغ ، فقال : إنها لم تكن صغيرة بدليل :

                            1 ـ قول إبن حجر : إنها شهدت علي وثيقة فدك ، إضافة إلى الحسنين (ع) [115].

                            2 ـ إنها روت عن أمها فاطمة حديث السقيفة [116].

                            ونقول :

                            يمكن الإجابة عن ذلك :

                            أولاًًًً : قد قلنا : إن البلوغ الشرعي عند هؤلاء ، إنما هو بالحيض لا ببلوغ سن التاسعة.. فتعبيرهم عنها بأنها صغيرة ، وإعتذار علي (ع) بذلك يصبح بلا إشكال من هذه الناحية..

                            ثانياًً : إن الروايات قد عبرت ، عن زينب (ع) بأم كلثوم أيضاًً ، فلعلها هي التي تتحدث الروايات.. عن شهادتها علي وثيقة فدك ، وروايتها لحديث السقيفة. ويكون العلم بصغر سنها قرينة على أن المراد هو زينب المكناة بهذه الكنية ، لأن سنها هو الذي يوافق ذلك.
                            يتبع إن شاء الله

                            تعليق


                            • #29

                              الفصل الثالث

                              الإكراه.. إشارات ودلائل


                              الإكراه في مصادر الشيعة :

                              قد تقدم في الفصل الأول من القسم الأول في هذا الكتاب روايات كثيرة ، وردت في الكافي وفي غيره من كتب الشيعة ، تصرح بأن عمر قد هدد بقطع يد علي (ع) ، وبقتله ، وبتعوير زمزم ، وهدم السقاية ، وكل مأثرة لبني هاشم..

                              وأنه أمر الزبير بأن يطرح درعاًً على سطح علي (ع) ، تمهيداًً لإتهامه بالسرقة ، وأنه خطب الناس ليمهد لهذا الأمر.

                              وتقدم أيضاًًً أن العباس كان هو الواسطة بينه وبين علي (ع) وقد أصر العباس على علي (ع) بأن يجعل أمر أم كلثوم إليه.. وأنه هو الذي بادر إلى تزويجها من عمر ، ليدفع هذا المكروه العظيم.

                              كيف روي الإكراه في كتب السنة :

                              وحين عدنا إلى روايات أهل السنة ، وجدنا أنها قد المحت بوضوح إلى الإكراه والإجبار الذي مارسه عمر.. وألمحت أيضاًًً إلى ما ورد في كتب الشيعة من تفاصيل ، حتى إنك لتستطيع أن تجد معظم عناصر رواية الإستغاثة متوفرة في كتب أهل السنة ، الذين كانوا وما زالوا حريصين كل الحرص على إبعاد أي شبهة ، عن ساحة عمر بن الخطاب الذي لا نبالغ إذا قلنا : إنه أعز الخلفاء عليهم ، وأحبهم إليهم..

                              ولكنها قد جاءت مجزأة ومتفرقة في الأبواب المختلفة ، لا يلتفت أحد إلى وجود أي رابط بينها ، إلاّ إذا إطلع على رواية الإستغاثة.. وسنقرأ في هذا الفصل بعضاًًً مما يوضح ذلك.. فنقول :

                              هل للحاكم أن يعمل بعلمه :

                              إن رواياتهم قد أشارت إلى أن عمر قد حاول أن ينتزع من الناس إعترافاً بأن له أن يعمل بعلمه ، فيعاقب من يشاء لمجرد زعمه أنه رآه على فاحشة ، ولكن علياًً ، أو علي وعبد الرحمن بن عوف ، يرفض ذلك منه.

                              فقد روي : أن عمر كان يعس ذات ليلة بالمدينة ، فلما أصبح قال للناس : أرأيتم لو أن إماماًًً رأى رجلاًًًً وإمرأة على فاحشة ، فأقام عليهما الحد ، ما كنتم فاعلين؟

                              قالوا : إنما أنت إمام.

                              فقال علي بن أبي طالب : ليس ذلك لك ، إذن يقام عليك الحد ، إن الله لم يأمن علي هذا الأمر أقل من أربعة شهود [117].

                              وجاء في نص آخر : ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم ، ثم سألهم فقال القوم مثل مقالتهم الأولى ، وقال علي مثل مقالته الأولى [118].

                              ممانعة علي (ع) وتلويح عمر بالسوء :

                              وقد تقدمت إعتذارات علي (ع) ، بأن له أمراء يريد أن يستأذنهم.

                              وبأنه حبس بناته على أبناء جعفر ، ثم إعتذاره بصغر سن أم كلثوم ، وبين هذه النصوص : نص يقول :

                              إنه (ع) قال لعمر : إنها صبية.

                              فقال : إنك ـ والله ـ ما بك ذلك ، ولكن قد علمنا ما بك ، فأمر بها علي فصنعت ، ثم أمر ببرد فطواه الخ..[119].

                              فقول عمر : ولكن قد علمنا مابك.. لا يخلو من لحن تهديد ووعيد.

                              وعند إبن إسحاق : خطب عمر إلى علي إبنته أم كلثوم ، فأقبل علي ، وقال : إنها صغيرة.

                              فقال عمر : لا والله ، ما ذاك بك ، ولكن أردت منعي ، فإن كانت كما تقول فإبعثها إلي ، فرجع علي فدعاها فأعطاها حلة الخ..[120].

                              وفي نص آخر : أنه قال له : إنها صغيرة. فقيل لعمر : إنما يريد بذلك منعها ، فكلمه الخ..[121].

                              وعن الإمام الصادق (ع) ، عن أبيه (ع) : إن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب (ع) إبنته أم كلثوم ، فقال علي : إنما حبست بناتي على بني جعفر.

                              فقال عمر : إنكحنيها يا علي ، فوالله ما علي وجه الأرض رجل يرصد من حسن صحابتها ما أرصد الخ..[122].

                              عمر يكثر التردد على علي (ع) :

                              وقال عقبة بن عامر الجهني : خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب إبنته من فاطمة ، وأكثر تردده إليه ، فقال : يا أبا الحسن ما يحملني على كثرة ترددي إليك إلاّ حديث سمعته من رسول الله (ص) : يقول : كل سبب وصهر منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ، فأحببت أن يكون لي : منكم أهل البيت نسب وصهر.

                              ثم تذكر الرواية ما تقدم من أنه (ع) : أمر بابنته فزينت ، ثم بعث بها إلى عمر ، فأخذ بساقها [123].

                              وقد قدمنا : أن هذا الكلام ساقط وغير مقبول ، فلا نعيد [124].

                              عمر يعترف بإلحاحه على علي (ع) :

                              وروى إبن المغازلي بسنده ، عن عبد الله بن عمر قال : صعد عمر بن الخطاب المنبر ، فقال : أيها الناس ، إنه والله ما حملني على الإلحاح على علي بن أبي طالب في إبنته إلا أني سمعت رسول الله (ص) : يقول : كل سبب ونسب وصهر منقطع إلاّ نسبي وصهري فإنهما يأتيان يوم القيامة يشفعان لصاحبهما [125].

                              فهذا النص صريح في أنه قد ألح على علي (ع) بدرجة الجأته إلى الإعتذار للناس حتى على المنبر..

                              الف : دور العباس.

                              ب : درة عمر.

                              ج : عقيل سفيه أحمق.

                              ومما يشير إلى دور العباس في هذا الزواج ، وإلى غضب عمر : من عقيل ، بسبب معارضته لزواجه من أم كلثوم..


                              النص التالي :

                              - عن أسلم مولى عمر ، قال : دعا عمر بن الخطاب علي بن أبي طالب ، فساره ، ثم قام علي. فجاء الصفّة ، فوجد العباس ، وعقيلاًً ، والحسين ، فشاورهم في تزويج عمر أم كلثوم ، فغضب عقيل ، وقال : يا علي : ما تزيدك الأيام والشهور إلاّ العمى في أمرك ، والله لئن فعلت ليكونن وليكونن ، لأشياء عددها ، ومضى يجر ثوبه.

                              فقال علي للعباس : والله ، ما ذلك منه نصيحة ، ولكن درة عمر أخرجته إلى ما ترى ، أما والله ما ذاك رغبة فيك يا عقيل ، ولكن أخبرني : عمر يقول : سمعت رسول الله (ص) : يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ، فضحك عمر وقال : ويح عقيل سفيه أحمق [126].

                              لكن أبا نعيم قد ذكر : أن علياًً (ع) إستشار العباس وعقيلاًً ، ولم يذكروا أكثر من ذلك [127].

                              ونحن لا يمكن أن نصدق ما ورد في هذه الرواية من جرأة عقيل على علي (ع) ، بطريقة تفقد أدنى درجات الأدب واللياقة ، فإن عقيلاً يجل ، عن إرتكاب هذا الخطأ الفادح ، وهو أتقى من أن يجترئ على من قال : فيه رسول الله (ص) : إنه مع الحق ، والحق معه.. والذي طهره الله تطهيراً بنص القرآن الكريم.

                              ولعل مواقف عقيل الجارحة لكبريائهم من خلال إطلاعه على مثالبهم في أنسابهم قد دفعتهم إلى نسبة هذا الأمر الشنيع إليه..

                              ومهما يكن من أمر ، فإن هذا النص يشير إلى شدة عمر حتى على عقيل ، وإلى أنه قد كان لدرة عمر دور في حدة عقيل ، وشدته في موقفه..

                              كما إن كلمة عمر الأخيرة : ويح عقيل ، سفيه ، أحمق تشير إلى شدة نفوره من عقيل ، وعمق بغضه له.

                              وقد ظهر من هذا النص أيضاًًً : أن للعباس مشاركة من نوع ما في أمر هذا الزواج.. وقد أوضحت رواية الكافي ورواية الإستغاثة هذا الدور ، كما تقدم في فصل النصوص والآثار في أول هذا الكتاب.


                              كيد عمرو بن العاص :

                              وأخيراًً ، فإننا نلفت النظر هنا إلى أن : بعض النصوص قد ذكرت أن عمرو بن العاص هو الذي أشار على عمر بالتزوج من أم كلثوم [128].

                              ونحن نعرف أن هذا الرجل المنحرف ، عن علي (ع) ، لا يمكن أن يكون ناصحاً لأمير المؤمنين ، ولا يشير على أحد بما يمكن أن يكون في مصلحة علي صلوات الله وسلامه عليه ، أو يجلب إليه السرور والراحة.

                              فبأي شيء كان يفكر عمرو بن العاص يا ترى؟! وإلى أي شيء كان يسعى ويخطط ، ويتآمر..؟! هذا ما يحق لنا أن نثير حوله أكثر من إحتمال ، ويثير في نفوسنا الكثير من الشكوك.
                              يتبع إن شاء الله

                              تعليق


                              • #30


                                الفصل الرابع

                                ماذا أراد علي (ع)؟ ، وماذا أراد عمر؟!


                                بـدايـة :

                                هنا سوآلان :

                                أحدهما : لماذا يصر عمر على هذا الزواج..

                                الثاني : كيف رضخ علي (ع) للتهديد ، ووافق على زواج قد يقال : إن الإكراه يسلب عنه صفة المشروعية.

                                وللإجابة عليهما نقول :

                                لماذا الإصرار على الزواج :

                                إننا نعيد طرح السؤال الأول ليصبح كما يلي :

                                لماذا يصر عمر على الزواج ببنت علي (ع) ، الذي لم تكن العلاقة معه علاقة طيبة ، ولا أقل من أنها لم تكن علاقة طبيعية ، خصوصاًً وأن عمر قد كان رأساًً في التيار المناهض لإمامة أمير المؤمنين(ع) ، وهو الغاصب لمقام الخلافة منه (ع).

                                وقد تجرأ حتى على رسول الله (ص) ، في هذا السبيل إلى حد أنه رماه بالهجر [129] وهو في مرض موته.

                                بل هو قد ضرب الزهراء (ع) ، وأسقط جنينها. حتى ماتت شهيدة مظلومة [130].

                                نعم لماذا يصر على ذلك ويلح ، ويكثر تردده ، وهو يرى ممانعة علي (ع) له ، ويواجه رفضه المتكرر؟!!..

                                ثم لماذا هذا التهديد والوعيد العظيم ، الذي يصل إلى حد تعوير زمزم ، وهدم السقاية ، وقطع يد علي ، وقتله صلوات الله وسلامه عليه؟!..

                                لابد أن في الأمر سراًً عظيماًً ، وهائلاً ، ومؤامرة خطيرة ، تهون أمامها هذه الجرائم التي يهدد بإرتكابها رجل قد أفهم الناس عملاًًَ : أنه ينفذ تهديداته تلك..

                                إننا لن نحاول في إجاباتنا على هذا السؤال البسط في القول ، ولا التوسع في البيان ، بل نكتفي بالقول :

                                1 ـ إنه قد يروق للبعض أن يعتبر المبادرة إلى هذا الزواج إشارة إلى رغبة عمر الجامحة في إصلاح الحال بين بني هاشم من جهة وبين خصومهم من جهة أخرى ، حيث يسهم هذا الزواج في تهدئة النفوس ، وعودة المياه إلى مجاريها ، من خلال ما يترتب عليه من تلاق يفسح المجال لبث الشكوى ، وغسل القلوب ، وتصفية النوايا..

                                ونقول :

                                إن هذه الإجابة غير دقيقة ، بل هي غير صحيحة ، وذلك لما يلي :

                                أولاًًًً : إن ذلك لا يمكن أن يبرر التهديد بتعوير زمزم ، وهدم السقاية ، وقتل علي ، سيد المسلمين ، ووصي رسول رب العالمين.. وهل يمكن غسل جريمة بجريمة أعظم منها؟!

                                ثانياًً : إن هذه الزيجات ـ لم تستطع عبر التاريخ أن تحقق ما هو إبسط من ذلك.. فكيف بأمر أزهقت من أجله الأرواح ، وإستشهدت فيه أعظم إمرأة خلقها الله تعالى ، وهي أم تلك الزوجة ، وقاتلها هو نفس هذا الزوج!!!.

                                على أن الوقائع التي تجلى فيها هذا الزواج قد أظهرت : أن بطل هذه القضية يهدف إلى الإذلال والقهر ، أكثر مما يهدف إلى الإعزاز والتكريم ، وتوحيد عرى الصداقة ، وإظهار المحبة.

                                ثالثاًً : إن قضية الإمامة وإغتصاب مقام الرسول ليست من الأمور التي يتم التصالح فيها بمثل هذه التصرفات ، لأنها قضية عقائدية وإيمانية بالدرجة الأولى ، فما لم يتم التصرف بالقناعات ، فإن الأمور لابد أن تبقى على حالها ، ولا تنحل آية مشكلة من هذا القبيل كما هو معلوم.

                                2 ـ وقد يحاول البعض أن يجد تفسير ما جرى في بعض النصوص التي تحدثت عن رغبة عمر في أن تكون له صلة نسبية برسول الله (ص) ، وذلك من خلال الرغبة الإيمانية لديه بالإتصال بالرسول ، وتنفيذ ما سمعه منه (ص) ، إنطلاقاً من الحرص على نيل هذا المقام التقوائي ، ورغبة بالثواب الأخروي.


                                ونقول :

                                أولاًًًً : إن ذلك أيضاًًً لا يتلاءم مع التهديد بإرتكاب جرائم بحق المقدسات ، والإفتراء على علي لقطع يده أو قتله.

                                ولا يبرر الإلحاح على علي (ع) إلى درجة الإحراج ، ثم تكذيبه وإتهامه ، فإن التقوى والورع لا يلتقيان مع مثل هذه الأساليب في شيء..

                                ثانياًً : إن تقوى إنسان لا تجعل له حقاًً في عرض ولا في كرامة غيره ، ولا تبرر له إحراج إنسان آخر ، وإسقاط حقوقه وإذلاله.

                                وهل تتبدل حقوق الناس بحسب أهواء ورغبات هذا التقي أو ذاك؟!

                                3 ـ إن الأقرب إلى الإعتبار هو إن يجاب بما يلي :

                                إن ما يريده عمر بهذا الزواج لابد أن يكون في خطورته وأهميته بالنسبة إليه بدرجة يوازي عنده قتل علي (ع) ، وتدمير المقدسات ، وذلك لا يكون إلاّ أمراًً مصيرياً وخطيراً جداًً كما قلنا..

                                ولا نجد ما يصلح مبرراًً لذلك إلاّ القول بأن عمر كان يفكر في مصير الخلافة من بعده ، وإلى من تؤول ، وهو مدى قوة من تؤول إليه في الإمساك بها.. أي إنه كان يريد بهذا الزواج أن يركزها في ذريته هو على أساس أن تستمر فيهم بصورة أقوى ، وأشد رسوخاًً وتجذراً ، حيث يكون تعامل الناس معها من موقع التقديس ، والإلتزام الديني ، والعاطفي ، والوجداني ، حين يكون الخليفة هو إبن بنت نبيهم ، ويريد - حسب دعواه - أن يحكمهم بإسم الشرع ، ويقوم بمهمات النبي الأقدس (ص)..

                                ويجتمع ويتلاقى بذلك الغرور القومي ، مع العصبية العرقية ثم يندمج بالتقديس الديني ، والواجب الشرعي ، ويقوي بعضها بعضاًً في الإمساك بهذا الأمر بقوة.

                                وبذلك يتم إسقاط مطالبات علي (ع) وآل علي عن صلاحية التأثير على الناس ، ولا يبقي لها تلك الفاعلية ، وتتلاشى ـ بالتدريج ـ دعوتهم ، وتتضاءل هممهم ، وينتهي أمرهم.

                                وهذا غاية ما يتمناه ، وأقصى ما يسعى إليه ، ولأجل ذلك كان التهديد ، وللوصول إلى هذه الغايات كان الإصرار..

                                ولعل إحتجاجه بحديث كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي يستطيع أن يمنحنا إشارة إلى رغبته في مولود يحمل تلك الصفة التي هي الأساس في هذا التفكير..

                                لكن صغر سن أم كلثوم ، وسياسات عمر العنصرية ، وحقده القوي على غير العرب ، وشدته عليهم ، قد هدم كل ما بناه من آمال وما خطط له من سياسات ، حيث قطع الطريق عليه أبو لؤلؤة ، حين عاجله بطعناته النافذة التي أودت بحياته ، قبل أن يتمكن من أن يتبع خطواته الأولى بأية خطوة أخرى في هذا السبيل. هل أراد علي (ع) استصلاح عمر وكفه؟!

                                وعن سؤال : لماذا رضخ علي للتهديد ، وقبل بهذا الزواج الذي قد يقال : إن حديث الإكراه عليه يسلب عنه صفة المشروعية.

                                نقول :

                                حكى المفيد في المحاسن ، عن إبن هيثم : أنه (ع) أراد بتزويج عمر إستصلاحه ، وكفه عنه ، وقد عرض لوط بناته على الكفار ، ليردهم ، عن ضلالهم : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) [131].

                                وسئل مسعود العياشي ، عن أم كلثوم ، فقال : كان سبيلها سبيل آسية مع فرعون.[132].

                                علم النبي (ص) والإمام (ع) والعمل بالظاهر :


                                ونقول :

                                إن من الواضح : أن الحكم الشرعي إنما يؤخذ من الأئمة والأنبياء ، فإذا عمل النبي والإمام شيئاًًً علم أنه سائغ له ، فإذا زوج النبي أو الإمام هذا الصنف من الناس فإن ذلك يدل على جواز هذا التزويج ، إذا توفرت جميع الشرائط والحالات التي كانت قائمة ، ومنها حالة الإكراه.

                                فإنه إذ أكره نبي أو لإمام على تزويج إبنته ممن يتظاهر بالدين ، وكان باطنه لا يوافق ظاهره ، فإن ذلك يدل على جواز التزويج لهذا الصنف من الناس في حال الإكراه ، كما إنه لو تزوج النبي أو الوصي بإمرأة ثم ظهر من حالها خلاف ما كان يتوقع من مثلها ، علمنا : أنه إنما جرى في ذلك وفقاً للأحكام الظاهرية ، وذلك كزواج نوح ولوط بتينك المرأتين اللتين كانتا في الإتجاه الآخر.

                                ويمكن أن نوضح هذا الأمر كما يلي :

                                إن الأحكام الشرعية فيما يرتبط بالتعامل مع الناس إنما تجري وفقاً للظواهر العادية ، وعلى الإمام والنبي أن يعامل الناس وفقاً لهذه الظواهر ، لا طبقاً لما عرَفه الله إياه ، عن طريق جبرئيل ، أو عن طريق الرؤيا الصادقة.

                                أما بالنسبة لتعامل الأنبياء والأوصياء فيما بينهم ، فإنما هو على أساس الواقع ، لا الظاهر ، كما دلت عليه قصة ذبح إسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام ، وقوله : ( يا أبت أفعل ما تؤمر ) وكما دلت عليه الروايات التي تؤكد أن الإمام يعرف المال المحرم واقعاًً فيجتنبه.

                                كما إنهم لا يعاملون الناس طبقاً لما يعرفونه من خلال مقام النبوة الشاهدة ، فإن النبي (ص) له مقام الشهادة على الخلق : ( إنا أرسلناك شاهداًً ).

                                وإنما يعاملونهم حسب ما يصل إليهم بالطرقالعادية المتوفرة لسائر المكلفين ، حتى لو علموا - من خلال شاهديتهم - بأن الواقع على خلافها..


                                توضيح وبيان :

                                ولنا أن نوضح ذلك ببيان :

                                إن الله سبحانه قال : وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ، ( التوبة : 105 ).

                                وقال تعالى : وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب ، ( التوبة : 94 ).

                                وقال تعالى حكاية ، عن عيسى : وأحيي ألموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لأية لكم إن كنتم مؤمنين ، ( آل عمران : 49 ).

                                وقال تعالى : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراًًً ونذيراً ، ( الأحزاب : 45 ) وراجع ( الفتح : 8 ).

                                وقال : إنا أرسلنا إليكم رسولاًً شاهداً عليكم ، ( المزمل : 15 ).

                                وقال : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ، ( النساء : 41 ).

                                وقال تعالى حكاية ، عن يوسف (ع) : قال : لا يأتيكما طعأم ترزقانه إلاّ نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي ،( يوسف : 37 ).


                                ثم جاءت الروايات الشريفة لتفسر لنا المراد ، وتعلن بأن الله : قد أطلع أنبياءه على الغيب وأن الأعمال تعرض على رسول الله (ص) كل صباح ، ثم هي تؤكد أن الأئمة (ع) أيضاًًً هم المؤمنون ، الشهداء على الخلق.

                                ويزيد ذلك وضوحاًً ما نعرفه من خلال النصوص الشريفة ، من أن النبي (ص) يرى من خلفه ، وأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه ، لأن المشاهدة والشهود للأعمال يقتضي ذلك.

                                كما إننا نقرأ في الزيارة :

                                أشهد أنك ترى مقامي ، وتسمع كلامي ، وترد سلامي..

                                ومن أعمال البشر ، نواياهم ، وأحقادهم ، وحبهم ، وبغضهم ، وحسدهم ، ورياؤهم ، وما إلى ذلك..

                                وقد حفلت مجاميع الحديث والرواية بالأحاديث الشريفة التي تدل علي معرفة الأنبياء والأئمة بالأمور ، وإطلاعهم على الخفايا ، حتى على خلجات القلوب ، ووساوس الصدور..

                                فعلم مما ذكرناه : أن ثمة طرقاًًً غير عادية ، هي من مصادر المعرفة للأئمة والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

                                ومن مصادر ذلك أيضاًًً ، أخبار جبرئيل للأنبياء بما أراد الله لهم أن يعرفوه.

                                كما إن الملك المحدث لهم يخبرهم بما رآه في لوح المحو والإثبات ، أو عرفه من أسرار إطلع عليها بنفسه ، أو عرفها من الملائكة المقربين ، أو غير ذلك.

                                ثم هناك الإلهام والإشراف المباشر على الحقائق ، الذي يسره الله سبحانه لأوليائه..

                                وهناك كذلك الخطابات الإلهية التي تتجلى بخلق الكلام في الشجرة ، أو في غيرها ، كما جرى لموسى.

                                والرؤيا أيضاًًً من وسائل الوحي للأنبياء كما هو معلوم.

                                وبعد ما تقدم نقول :

                                أن النبي (ص) والإمام (ع) لا يتعامل مع الناس على أساس معارفه التي ينالها بهذه الوسائل والطرق التي المحنا إليها ، إلاّ فيما إذن الله سبحانه به في الموارد الخاصة لمصالح معينة ، كإظهار علم الإمامة وعلم النبوة ، لتيسير اليقين للناس ، والربط على قلوبهم في مواضع الخطر الداهم..

                                وإلاّ مع الأنبياء والأوصياء أيضاًًً.. كما هو الحال في قضية ذبح إبراهيم لولده إسماعيل..

                                وإلاّ.. في تعامل النبي والإمام نفسه مع الأمور التي تعني شخصه ، كطهارة مأكله ، وصحة وحلية مصادره.. وسلامتها ، عن أي شبهة ، ونحو ذلك..

                                فإذا أراد النبي أو الإمام أن يعاشر الآخرين من الناس العاديين ويعاملهم ، فإنه يعاملهم وفق وسائل المعرفة المتوفرة لديهم ، وبها ينالون علومهم ، فإذا علم من خلال الرؤية البصرية بأن فلاناًً سرق ، أو علم بذلك بواسطة الإقرار من السارق نفسه ، أو شهد عنده الصادقون بأنهم رأوا السارق وهو يمارس السرقة..

                                أو ثبت له أمر ما ، عن طريق حلف اليمين ، فإنه يرتب آثار ذلك على مورده ، حتى لو كان الواقع على خلافه ، بأن كانت الشهادة مخطئة ، أو كاذبة ، أو كان الحالف كاذباًًً ، أو كان المقر خائفاًً من أمر يراه أهم ، من مفسدة الكذب في الإقرار بالنسبة إليه..

                                ولذلك روي عن رسول الله (ص) ، أنه قال : إنما أقضي بينكم بالبينات والإيمان ، فأيما رجل قطعت له من أخيه شيئاًًً ، فإنما قطعت له قطعة من النار [133].

                                فهو إذن يقضي بعلمه العادي ، ولا يقضي بعلم النبوة ، وبما يأتيه ، عن طريق غير معروفة ولا مألوفة للناس ، ولا تقع في متناول أيديهم.


                                وقائع ونتائج :

                                ومن نتائج ما قدمناه : أن يكون العمل بعلمهم العادي هو سبب شرب الإمام الرضا (ع) من العصير المسموم ، وهو المبرر لذهاب أمير المؤمنين (ع) إلى محرابه ، ولشرب الإمام الحسن (ع) للسم ، وعدم إخباره لهم بالذي دسه إليه ، ثم هو السبب في مضي الإمام الحسين (ع) إلى كربلاء مع علمه بأنه يستشهد.

                                ومما تقدم يعلم أيضاًًً : أنه يجوز للنبي والإمام أن يزوج إبنته لمن يتظاهر بالإسلام ، ويجوز له أيضاًًً أن يتزوج بمن تتظاهر بالإسلام أيضاًًً ، حسبما أوضحناه ، أو على الأقل لا يمكن لنا الجزم بحرمة ذلك عليه (ص) .. حتى لو كان يعلم بعلم النبوة والإمامة بما يخالف هذا الظاهر فكيف إذا إنضم إلى ذلك ما صرحت به الآيات بالنسبة للتين تظاهرتا عليه[134].

                                زواج عمر بأم كلثوم متوقع :

                                فلا حرج بعد هذا إذا قلنا : إنه لا مانع من أن يكون عمر قد تزوج بأم كلثوم فإن عدداًً من الروايات التي تحدثت ، عن هذا الزواج معتبرة من حيث السند ، ومن بينها ما دل على أن هذا التزويج لم يكن ، عن إختيار ورضا ، بل جاء بعد التهديد والوعيد.

                                وليس ثمة ما يمنع هؤلاء القوم من تنفيذ تهديداتهم ، فقد عرفنا : أن هؤلاء القوم قد آذوا الزهراء (عليها السلام) بما هو معروف ، فقد أسقطوا جنينها ، وكسروا ضلعها الشريف ، فكانت الصديقة الشهيدة.. بل إنهم قد رموا رسول الله (ص) بالهجر ، وقالوا : أن الرجل ليهجر ، أو ما هو بمعنى ذلك..

                                وقد كان على أمير المؤمنين (ع) أن يسكت ويداريهم حفظاًً وصوناً للإسلام.. فهل يمكن أن يحاربهم أمير المؤمنين من أجل أن يمنعهم من الزواج بإبنته ، ويخالف بذلك وصية رسول الله (ص) بأن لا يقاتلهم؟!.

                                وما خطر هذا الزواج في جنب قتل الزهراء (ع) ، وقتل المحسن ، ورمي رسول الله (ص) بالهجر؟!.

                                وكيف لم يجز قتالهم على هذه العظائم ، وجاز ذلك لأجل منعهم من الزواج بأم كلثوم؟!.

                                على أن هذا الزواج ، لم يحقق نتائجه المرجوة لهم كما قلنا.. فقد مات عنها عمر قبل أن يدخل بها لأنها كانت صغيرة.. كما في بعض الروايات..

                                أو كانت ولدت له ولداًً إسمه زيد مات وهو صغير ، أو إنه مات هو وأمه في يوم واحد ، دون أن يكون له أي دور يذكر في الحياة السياسية ، يتماشى مع الآمال التي كانت معقودة عليه..

                                وعلى كل حال.. فإن الله هو الذي يتولى عقوبة من ظلم وإعتدى ، ويثبت من صبر وإتقى وإهتدى.
                                يتبع إن شاء الله

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 21-02-2015, 05:21 PM
                                ردود 119
                                18,090 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:34 PM
                                استجابة 1
                                100 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:27 PM
                                استجابة 1
                                71 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 04-10-2023, 10:03 AM
                                ردود 2
                                154 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 09-01-2023, 12:42 AM
                                استجابة 1
                                160 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                يعمل...
                                X