الفصل الخامس
اللمسات الأخيرة
بـدايـة :
هناك عدة أمور مرت علينا في فصول هذا الكتاب لم تصمد إمام النقد الموضوعي والعلمي ، بل ظهر فيها التهافت والإختلاف ، وعارضتها الحقائق التاريخية الثابتة..
فهل هي مختلقة ومكذوبة من أساسها؟ أم أن لها نصيباًًً من الصحة لكن قد حصل بعض التلاعب في النصوص ، والتصرف بمتون الأحاديث ، تحت ستار التشابه بالأسماء؟ ونحو ذلك؟.
وهل يمكن الإعتماد على الإحتمال الذي يقول : إنه قد كان لعمر ولد إسمه زيد ، وأمه إسمها أم كلثوم ، لكنها ليست بنت علي (ع)؟!
مع العلم بإن منشأ هذا الإحتمال هو إن التاريخ يقول : إنه قد كان هناك أم كلثوم أخرى خطبها عمر ، فرفضت ، وأعلنت أنها تريد الدنيا ، وأن يكون الزواج برجل يصب عليها المال صباً.
ونوضح ذلك في ما يلي : من مطالب..
من هي أم زيد بن عمر؟!
قال المسعودي ، عن عمر : كان له من الولـد عبد الله ، وحفصة زوج النبي (ص) وعاصم ، وعبيد الله ، وزيد من أم ، وعبد الرحمن وفاطمة وبنات آخر ، وعبد الرحمن الأصغر ، وهو المحدود في الشراب ، وهو المعروف بأبي شحمة ، من أم [135].
فالمسعودي يرى أن زيداًًً وحفصة وعاصماً الخ.. كانوا من أم ، وهي ليست أم كلثوم قطعاًً.. فهل يمكن التماس تفسير ذلك عند غير المسعودي؟! كالطبري مثلاًًً الذي يقول وهو يعدد أولاد عمر : وزيد الأصغر وعبيد الله قتلاً يوم صفين مع معاوية ، وأمهما أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن مسيب بن ربيعة ، وكان الإسلام فرق بين عمر وأم كلثوم بنت جرول [136].
وقال إبن الأثير :
تزوج مليكة بنت جرول الخزاعي في الجاهلية ، فولدت له عبيد الله بن عمر ، ففارقها في الهدنة (الحديبية) ، فخلف عليها أبو جهم بن حذيفة ، وقتل عبيد الله بصفين مع معاوية ، وقيل : كانت أمه أم زيد الأصغر ، أم كلثوم بنت جرول الخزاعي ، وكان الإسلام فرق بينها وبين عمر [137].
ولا ندري لماذا عبر عنه بالأصغر مع أنه بالنسبة لزيد بن أم كلثوم بنت علي (ع) هو الأكبر ، لأنه قد ولد قبل إسلام عمر؟!
ألا يجعلنا ذلك نطلق الإحتمال الذي يقول : إنه لا يوجد لعمر إلاّ زيد واحد ، وهو إبن أم كلثوم بنت جرول؟!.
وذكروا : أن عمر قد طلق أم كلثوم بنت جرول الخزاعية ، أم عبيد الله بن عمر حين نزول قوله تعالى : ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، [138].
وذكر إبن كثير وغيره في زوجات عمر : أم كلثوم وهي مليكة بنت جرول وعد من أولاده أيضاًًً : زيداًًً الأكبر ، وزيداًً الأصغر ، وحفصة ورقية ، وزينب وفاطمة [139].
تحفظات على الرأي الراجح :
ونحن وإن كنا قد قبلنا بالروايات الصحيحة والمعتبرة الناطقة بزواج أم كلثوم بنت علي (ع) من عمر بن الخطاب ، لكننا بالنسبة لزيد بن عمر نقول :
1 - إن شدة التناقض والإختلاف في الحديث عن زيد بن عمر ، وعن أمه ، وتاريخ وفاتها ووفاته.
2 – ثم ورود روايات تتحدث عن وفاتها في عهد معاوية ، حيث صلى عليها سعيد بن العاص ، أوعبدالله بن عمر.
وعن أنه مات وهو صغير ، أو إنه عاش حتى صار رجلاًًًً.
3 – بالإضافة إلى ما هو ثابت أيضاًًً من أن أم كلثوم بنت علي (ع) قد عاشت إلى ما بعد واقعة كربلاء.
4 – وكذلك ما وردمن تصريح بعض أهل السنة ، من أن عمر قد توفي ، عن أم كلثوم قبل أن تبلغ.
5 – وتصريح بعض رواياتهم أيضاًًً بأنها لم تلد لعمر.
6 – ثم تأييد ذلك كله بالنص القائل بأنه توفي عنها قبل أن يدخل بها.
7 – يضاف إلى ذلك كله المفارقة التي أشرنا إليها آنفاًً ، فيما يرتبط بعدم معقولية تسمية زيد إبن أم كلثوم بنت علي بالأكبر ، وتسمية زيد بن أم كلثوم بنت جرول بالأصغر..
فإن النتيجة تكون بعد ذلك كله هي :
قوة إحتمال التزوير في نسبة زيد ، إلى أم كلثوم بنت علي (ع)..
وإن هذا التزوير قد خفي علي كثير من الناس.. فإرتكز في أذهانهم ، وصاروا يتصدون لإضافة كلمة بنت علي و بنت فاطمة في رواياتهم تبرعاً من عند أنفسهم ، للتعريف وللتوضيح ، مع أن الأمر يرجع في أصله إلى التزوير ، ويعتمد على الإبهام للإيهام.
فزادوا بذلك الطين بلة ، والخرق إتساعاً ، حتى أصبح من الصعب جداًً تمييز توضيحاتهم التبرعية الخاطئة ، عن الكلام السليم والخالص.
رواية القداح :
وبعد ، فإننا لا نجد في روايات أهل البيت (ع) ذكراًً لزيد بن عمر : من أم كلثوم بنت علي (ع) ، إلاّ في رواية القداح ، عن الإمام الصادق (ع) ، وقد قدمناها في الفصل الأول من هذا الكتاب..
وهي رواية ضعيفة السند ، بسبب عدم تحديد شخصية الراوي ، عن القداح..
مع إحتمال أن تكون مروية بالمعنى عنه (ع) ، فتكون نسبة زيد إلى أم كلثوم بنت علي (ع) أيضاًًً من توضيحات الراوي.
وقد جرى فيها على ما كان يشاع من قبل الفريق الآخر ، الذي كان يرغب في التأكيد على هذه النقطة ، والتسويق لها ، حسبما المحنا إليه..
عمر يخطب أم كلثوم بنت أبي بكر :
ولأجل أن نزيد توضيح الأمور للقارئ الكريم ، وليظهر له مدى ما وقع في هذا الأمر من خلط وخبط ، ربما يكون عمدياً.
نقول :
يذكر المؤرخون : أن عمر قد خطب أم كلثوم بنت أبي بكر ، وذلك بعد وفاة أبي بكر ، خطبها من عائشة ، فأنعمت له بها ، لكن أم كلثوم كرهته ، فإحتالت حتى إمسك عنها ، فتزوجها طلحة بن عبيد الله ، فولدت له زكريا وعائشة الخ..[140].
وذكر بعضهم : أنه خطبها إلى عائشة ، فلما ذهب قالت الجارية : تزوجيني عمر وقد عرفت خشونة عيشه ، والله لئن فعلت لأخرجن إلى قبر رسول الله (ص) لأصيحن به ، إنما أريد فتى من قريش يصب الدنيا علي صباً.
فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته ، فقال : أنا أكفيك.
فذهب إلى عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو جمعت إليك إمرأة.
فقال : عسى أن يكون ذلك.
قال : من ذكر أمير المؤمنين؟
قال : أم كلثوم بنت أبي بكر.
قال : ما لك ولجارية سعى إليك إياها بكره عيش؟
فقال عمر : عائشة أمرتك بذلك؟
قال : نعم.
فتركها ، فتزوجها طلحة بن عبيد الله الخ..[141].
وحسب نص الطبري : خطب أم كلثوم بنت أبي بكر ، وهي صغيرة ، وأرسل فيها إلى عائشة ، فقالت : الأمر إليك.
فقالت أم كلثوم : لا حاجة لي فيه.
فقالت لها عائشة : ترغبين عن أمير المؤمنين؟
قالت : نعم ، إنه خشن العيش ، شديداًًً على النساء.
فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص ، فأخبرته.
فقال : كفيتك.
فأتى عمر فقال : يا أمير المؤمنين بلغني خبر أعيذك بالله منه.
قال : وما هو؟
قال : خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر؟
قال : أفرغبت بي عنها؟
قال : لا واحدة ، ولكنها حدثة ، نشأت تحت كنف أمير المؤمنين في لين ورقة ، وفيك غلظة ، ونحن نهابك ، وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك. فكيف بها إن خالفتك في شيء؟ فسطوت بها ، كنت قد خلفت أبابكر في ولده بغير ما يحق عليك.
قال : فكيف بعائشة وقد كلمتها؟
قال : أنالك بها ، وأدلك على خير منها ، أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، تعلق منها بنسب من رسول الله (ص) [142].
وقال عمر رضا كحالة : إن رجلاًًًً من قريش ، قال : لعمر بن الخطاب : ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبي بكر ، فتحفظه بعد وفاته ، وتخلفه في أهله؟.
فقال عمر : بلى إني لأحب ذلك ، فأذهب إلى عائشة فاذكر لها ذلك ، وعد إلي بجوابها.
فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر ، فأجابته إلى ذلك ، وقالت له : حباًً وكرامة.
ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة ، فرآها مهمومة ، فقال لها : ما لك يا أم المؤمنين؟!
فأخبرته برسالة عمر ، وقالت : إن هذه جارية حدثة ، وأردت لها ألين عيشاًً من عمر.
فقال لها : علي : أن أكفيك.
وخرج من عندها ، فدخل على عمر ، فقال : بالرفاه والبنين. فقد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله ، وخطبتك أم كلثوم.
فقال : قد كان ذاك.
قال : إلا أنك يا أمير المؤمنين رجل شديداًًً الخلق على أهلك ، وهذه صبية حديثة السن ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها ، فتصيح ، فيغمك ذلك وتتألم له عائشة ، ويذكرون أبابكر ، فيبكون عليه ، فتجدد لهم المصيبة ـ مع قرب عهدها ـ في كل يوم.
فقال له : متى كنت عند عائشة ، وأصدقني؟!.
فقال : آنفاًً.
فقال عمر : أشهد أنهم كرهوني ، فتضمنت لهم أن تصرفني عما طلبت ، وقد أعفيتهم.
فعاد إلى عائشة ، فأخبرها بالخبر ، وأمسك عمر : من معاودة خطبتها [143].
إشارات ودلالات :
1 ـ إن هذه الرواية أشارت إلى ما ذكرته رواية تقدمت من أن لعمرو بن العاص نشاطاً في أمر زواج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (ع) وأنه قد أشار على عمر بالزواج منها.
2 ـ تحدثت رواية كنا قد تحدثنا عنها في فصل سابق عن أن أم كلثوم قالت لأبيها علي (ع) : إنها تحب أن تصيب ما يصيب النساء من الدنيا ، وإنها طلبت أن يجعل الأمر بيدها ، فهددها علي (ع) بالهجران لها ، ولأخويها الحسن والحسين (ع)
وهذه القصة تقول أيضاًً : إن أم كلثوم بنت أبي بكر قد خطبها عمر ، ولكنها أحبت أن تصيب من الدنيا ، وتريد رجلاًًًً يصب عليها المال صباً..
3 ـ قد تضمنت هذه الروايات : أن عمر لا يتورع عن ضرب نسائه حتى في كل يوم ، وأنه كان فيه غلظة ، ولا يقدر أحد أن يرده عن خلق من أخلاقه..
4 ـ إن أم كلثوم بنت أبي بكر قد كانت صغيرة أيضاًً..
5 ـ إنه قد بذلت محاولات لرده ، عن خطبتها حتى تمكنوا من ذلك في نهاية الأمر.. بتوسيط عمرو بن العاص ، أو المغيرة بن شعبة ، أو كليهما ولعله هو الأولى والأرجح.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
يتبع إن شاء الله
تعليق