* السياحة الإيرانية تقطف ثمار «السلام النووي»

تسعى إيران الغنية بالمواقع الأثريّة ومراكز التزلج والصحارى الشاسعة، للاستفادة من رفع الحظر الدوليّ عنها، للانفتاح على السياحة وجذب ملايين الزوار سنوياً. يقول يانيك ليكيلينيك، وهو فرنسي يقوم «كل سنة برحلة استثنائيّة»، إنَّ «عائلتي تعتبر أني مجنون لذهابي إلى إيران، لكنّ الناس لطيفون جداً واستقبالهم حار». ومثله، يصل سيّاح كثر لاستكشاف هذا البلد الشاسع ذي التاريخ العريق.
من جهتها، تقول المدرسة البريطانية ريشيل بانتر (41 عاماً) «نعيش في شنغهاي وجئنا نمضي أسبوعاً في إيران». وتضم مجموعتها عشرة أشخاص يحملون الجنسيات البريطانية والألمانية والفرنسية والأميركية والصينية والرومانية، ويعيشون جميعاً في الصين.
وتوضح بانتر «أول شيء فعلناه هو التزلج في توجال» المنتجع الصغير لهذه الرياضة في شمال العاصمة، وتضيف «بعد ذلك سنذهب إلى أصفهان وشيراز ويزد، المدن الإيرانية الرائعة الثلاث التي تعدّ ممراً إلزاميّاً في كل رحلة إلى إيران».
وترى الحكومة الإيرانية أنَّ عائدات السياحة يمكن أن تعوّض انخفاض أسعار النفط وتحدّ، مع مرور الوقت، من الاعتماد عليه. وتهدف للوصول إلى أكثر من عشرين مليون سائح سنوياً بحلول العام 2025، ومضاعفة العائدات السنوية بالقطع لتبلغ أكثر من ثلاثة مليارات دولار.
ويبدو الوضع مشجعاً، إذ إنَّ إيران استقبلت 4.16 ملايين سائح في الأشهر التسعة الأولى من السنة الإيرانية التي بدأت في آذار 2015، بزيادة نسبتها خمسة في المئة عن السنة التي سبقت، بحسب منظمة السياحة. لكن ثلثي هؤلاء جاؤوا من الدول المجاورة، أي العراق وأذربيجان وأرمينيا وباكستان وأفغانستان. وكثيرون منهم زوار يتوجّهون الى مدينتي مشهد وقم المقدّستين. ومع ذلك، بدأ السيّاح الغربيّون الذين امتنعوا عن زيارة إيران منذ عشر سنوات، بالعودة، وإن كانوا ليسوا بأعداد كبيرة، مع استعادة إيران مكانتها.
ويقول إبراهيم بورفرج، رئيس وكالة «باسارغاد» للسياحة ورئيس جمعية وكالات السياحة الإيرانية، إنَّ «هناك طلباً كبيراً من وكالات السفر الأوروبية، وكذلك من اليابان وأستراليا». ويضيف أنَّه «بالنسبة إلى السياح، فإنَّ الشعور بالأمان والهدوء مهمّ جدّاً. الاتفاق النووي وزيارة الرئيس حسن روحاني إلى إيطاليا وفرنسا عزّزتا هذه الظاهرة».
وتشرح مديرة شركة «2001 ترافل اجينسي» في طهران، أعظم ايوبيان، أنَّ «عدد السياح (الغربيين) كبير إلى درجة أنّنا لم نعد قادرين على تلبية الطلب. بالمقارنة مع السنة الماضية، يمكننا بسهولة الحديث عن زيادة بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف».
وتوضح أنَّ كل المرشدين السياحيين الذين يتحدّثون الفرنسية والانكليزية، محجوزون حتى نهاية العام 2017، والفنادق من درجة أربع أو خمس نجوم في أصفهان وشيراز ويزد لا أماكن فيها لعدّة أشهر مقبلة. كذلك تؤكّد أنَّ «السيّاح الذين يزورون إيران لأسباب غير دينيّة، تتجاوز أعمارهم عموماً الخمسين عاماً وهم أكثر تطلّباً من الشباب».
وتقول ايوبيان إنهم زوار «سافروا كثيراً في العالم ويريدون عطلة بنوعية عالية»، وتضيف «لا نستطيع وضعهم في فنادق غير مناسبة».
وسيكون على إيران، التي سهلت أصلاً إجراءات الدخول بمنح التأشيرة عند الوصول لرعايا معظم الدول، التكيّف بسرعة لتلبية طلبات هؤلاء الزبائن. فمن أصل 1100 فندق في البلاد، هناك 130 فقط بدرجة أربع أو خمس نجوم. لذلك فهي تحتاج 400 فندق إضافي من هذا النوع لتتمكّن من استقبال عشرين مليون سائح تأمل قدومهم خلال عشر سنوات. وبحسب بورفرج: «لو كانت البنية التحتيّة متوفّرة، لاستطعنا تلبية طلبات إضافية بـ30 في المئة إضافية في السياحة غير الدينية».
***
* حكاية باكستان مع صفقات الغاز
عون هادي حسين - خاص العهد
كان لافتا هذا الأسبوع زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لقطر، ولقائه بالأمير القطري تميم بن حمد آل خليفة، الذي افتتح زياراته الرسمية بعد توليه المنصب بباكستان العام الماضي، الزيارة الباكستانية الأخيرة جاءت تحت عنوان "توقيع معاهدة استيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر".
باكستان التي تعاني الأمرين في مجال الطاقة، أبرمت اتفاقا مع الشركة القطرية للغاز المسال المحدودة يتم بموجبه توريدها 3.75 مليون طن من الغاز سنويا لمدة 15 عاما، ومن المتوقع أن تصل الشحنة الأولى في شهر آذار/ مارس المقبل، وبذلك أصبح مصير مشروع أنابيب الغاز بين باكستان وإيران، الذي تم الاتفاق عليه بين حكومة البلدين السابقتين مجهولا. إيران التي نفذت حصتها من المشروع بمد الأنابيب إلى الحدود الباكستانية.
المشروع الباكستاني – الإيراني، كان سيمكن باكستان من استيراد 21.5 مليون متر مكعب من الغاز (ليس بالمسال يوميا ولمدة 25 عاما، وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن خيار الغاز الإيراني كان الأنسب بالنسبة لباكستان لعدة أسباب منها:
أولا: وبحسب قاعدة "السوق القريبة أفضل من السوق البعيدة"، إيران تجاور باكستان واستيراد الغاز منها أقل كلفة بكثير من استيراده من قطر .

ثانيا: الغاز القطري مسال، ما يعني ضرورة إعادة تغويزه (إعادته إلى حالته الغازية) وهذه العملية تضاف إلى الكلفة، بينما الغاز الإيراني كان سيستورد بحالته الغازية.
ثالثا:الاتفاق الباكستاني – الإيراني مدته خمسة وعشرون عاما، بينما الاتفاق الباكستاني – القطري مدته خمسة عشر عاما.
رابعا : إيران لا تمثل فقط سوقا لإستيراد الغاز، بل هي سلة من الصفقات والمشاريع الاقتصادية التي كان من الممكن أن تستفيد منها باكستان، خصوصا بعدما تم رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وفق الاتفاق النووي الإيراني. ويضيف هؤلاء الخبراء أن باكستان، ووفق الاتفاق مع إيران ستتحمل تعويضات مالية تصل إلى 200 مليون دولار شهريا حال تأخيرها في إنجاز حصتها من المشروع... والوقت المقرر لذلك انتهى في أكتوبر 2015!
منذ اللحظة الأولى من إعلان مشروع أنابيب الغاز الباكستاني – الإيراني، والولايات المتحدة الأميريكية بمعية حلفائها الخليجيين، تخوفوا من التقارب بين إسلام آباد وطهران، وفي أكثر من مناسبة قامت واشنطن بتحذير إسلام آباد من المضي في تنفيذ المشروع، كونه انتهاكا للحصار الاقتصادي المفروض على طهران (في تلك الأيام).
ويرى مراقبون أنه لا بد وأن قامت باكستان قبل توقيعها الاتفاق مع إيران بعرض صفقة استيراد الغاز الطبيعي على كافة الدول الرائدة في هذا المجال بمن فيهم قطر (الأولى عالميا) وإيران (الثانية)، وبينما وافقت الثانية يبدو أن الأولى رفضت، أما توقيع باكستان المعاهدة مع قطر فيرونه نتيجة لضغوطات أميريكة – خليجية، وتخوف خليجي من دخول إيران الأسواق العالمية.
وفي الخلاصة، يقول الصحفي الباكستاني أبو بكر كهوكهر، أن باكستان تجمعها علاقة صداقة مع قطر، ويهم الباكستانيون أن تتمكن حكومة بلادهم من حل أزمة الطاقة المتفاقمة مهما كان مصدر الطاقة، لكن ما يخشاه أبو بكر هو أن تكون هذه الصفقة مع قطر كهبة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز للجيش اللبناني أي حبر على ورق، وأنابيب غاز خالية.
***
* الإمام الخميني وخليفته: ولّى زمن الهزائم
د. محسن صالح - خاص العهد
يحتفل الشعب والمؤسّسات والقوّات الحامية للثورة والدولة في إيران بالذكرى الـ37 لقيام الجمهورية الإسلاميّة في إيران. يحتفل مع الجمهوريّة والشعب الإيراني كلّ الشعوب والقوى التي ترى في إيران دولةً صديقةً وسنَدًا مخلِصًا تعتمد عليه. تجربة السنوات هذه أصبحت كافيةً لمراجعة كلّ الأطراف العربيّة والإسلاميّة والدوليّة حساباتها في العلاقة مع إيران (قيادةً وشعبًا). فقد تبيّن أنّ إيران دولةٌ فاعلةٌ في المنطقة وتعيد صناعة تاريخها الحديث.
يكاد التاريخ يذوي بدون فاعلين، ولا يسجّل فيه حدثٌ ولا محرّكٌ ولا دورة حياة، فالتاريخ ليس إلا دورة حياة يصنعها الأقوياء في نفوسهم وعزائمهم. ويكاد العالم الإنساني يذوي من التاريخ بدون قادة، فالتاريخ المدوّن إن هو إلا صياغة عقلٍ وإرادة وحرية. فالقادة دائمًا كانوا صنّاعًا مهرةً للوجود الجماهيري. وإن كان القادة بلا جماهير، كالهواء بلا موجودات تتنشق. فالجماهير (الناس) مشاريع عقل القادة. والقادة سر الثورات، وسر الديانات، والسر في حركة الشعوب والأوطان والأمم. والقادة رموزٌ تفكّر وتحكي وتفعل. والرموز هي حركة العقل، والعواطف، والوجدان في سير الإنسان نحو ذاته... ونحو الآخر، أيًّا كان هذا الآخر. وهذه هي الثقافة المثاليّة. إنها العقل في فهمه لذاته وواقعه.
فالعقل بلا ذاتٍ وهوية، يشكو ويتألم، يتوجّد، يشعر بالكآبة، لا يشعر بالوجود الحقيقي وهو مستغرب. هذا هو حال الأمم التي لم تجد، ولم تُوجِد لنفسها مساحةً في التاريخ، أو يصادر تاريخها آخرٌ بلا قيمٍ عقليّةٍ إنسانيّةٍ مهذّبة. غريزيّة القهريّة المهيمنة تسخّر من الآخر وتسخّره وتستعبِده. هذا حالُ العرب. وهذا ما كان حال الشعب الإيراني قبل أيّام الإمام الخميني (قده)، في ظلّ حكمٍ بادَ وأصبح حطبًا من حطب أبي لهب.
جمال العقل والصبر والحرية والالتفاف حول القائد صنع أمّةً جديدة، الأمّة الإيرانيّة، أو الأمّة الإسلاميّة، التي سعتْ للوجود في ظلّ فكر قائدٍ نقلها من براثن الاستبداد والعيش في غياهب السيطرة الغربية الأمريكية، الامبراطورية العولمية الجديدة، بعد الحرب العالمية الثانية.

أمّة حضنت القائد وعقله وشعوره وإيثاريته وإنسانيته، فاحْتَضَنها شعورٌ مختلفٌ ودنيا مختلفة، وحضورٌ في التاريخ والسياسة والإقتصاد والتحدّي، بشكلٍ مختلف. أمّة نقلها شعورُ قائدٍ بالحاجة إلى الحرية والتغيير، وعيش قضاياها كما أحبّ أن تقهر عدوّها وتنْتَصر. أمّة قادها رجلٌ تاريخي فأدْخلها التاريخ، انتصَرَتْ به وانتصر بها. تحول إلى تاريخٍ موحّدً فعّالٍ مستدام، تُبنى عليه أمجاد المستقبل. خرج شعبٌ من ركام كهف القهر الشاهنشاهي إلى معابر الحرية الخمينية، فأضحى الخميني قائدُها ورائدُها وإمامُها وفقيهُها ومنقذُها.
الإمام الخميني (قده) جاهد نظامًا جبروتيًّا، تدعمه قوة قاهرة، فقاوم وصبر وصمد وانتصر. رجلٌ زاهدٌ في الدنيا، أدخل أمة إلى عالم الدنيا. رجلٌ فكّرَ عن أمته، فأضْحَتْ أمَتُه فكرته وعقله وقلبه. سكنت به وسكن بها، حتى أضحت إيران الخمينية.
إمامٌ عظيمٌ أنجب أمة عظيمة، وأمة عظيمة عرفت بهدايتها التاريخية والعاطفية الدينية أنّه هو القائد، فاستلهَمتْ أفكاره وتمثلَتها كآياتٍ تُقرأ مع كل صباح، وعاشَتْ مواقفه فاكتظت شوارع المدن بمواقفها المذهلة، بما يحفظ صوت الخميني، وأوامر القائد. مع القائد والعالِم والصادق والشجاع تُصبح الأوامر جزءًا أصيلاً من الحرية. لأنّ هذه الأوامر رفعت القيود وخلعت "ملك الملوك"، وحطَمتْ النّاهب لثروات الشعب.
وصمدَ وريث الإمام قائدًا محافظًا على الثورة وقِيَمها، والدولة وأنظمتها وتشريعاتها، وعاش صراعًا مع مرض الأعداء، حتى أنهكهم بصبره، وثباته على القيم، وانتصر المؤسّس حتى غدت إيران أمّةً من الأمم، وشعبًا من أوائل الشعوب، وحضارةً تاريخيةً يرأسُها الدين، والسياسة إحدى مرتكزات كياستها البديهية. عاشت الثورة وقامت الدولة، وستبقى هذه الثورة، كما كلّ الثورات الشعبية النبيلة، حركات مقاومة بمبادئها ومنطلقاتها وأهدافها النورانية، وستبقى هذه الدولة بتشريعاتها تفوح منها رائحة الثورة، لا بل ستبقى صانعة الثورات والمقاومات.
منذ 37 سنة، عاد الإمام الخميني (قده) قائدًا في بلده وملهمًا لغيرها من البلدان، بعد نفيٍ استنْكَرَه بعض الشعب الإيراني، وعندما عاد إلى طهران في مثل هذه الأيام، كان الشعب الإيراني كله في انتظاره. عاش "لحظات" الثورة والسعادة التي حفرت في التاريخ، ولولا الثورة لما كانت إيران كما هي اليوم تسهم في صناعة التاريخ العالمي. تصنعُ ذاتَها وتكون نموذجًا للأمم الأخرى في الصبر والتحمل والاعتماد على الذات. قوّتها بذاتها قهرت كل "القوى" التي تستجدي فائض قوة الآخرين لتمنحها الوجود والبقاء على قيد الحياة.
غير أنّ شعبها وقيادتها استحقت جدارة الحياة، لأنها قارعت كلّ أشكال الاستكبار والعداوة، وجدواها بمعنوياتها ونموذجها. إنها استطاعت أن تعطي درسًا في علم الحياة، وعلم القوّة، وعلم الوجود. لذا، لا غنى عنها في هذا التاريخ، ولعلّ في خلفية ثقافتها ما يمنح أمّة أو أممًا أخرى سرّ البقاء والتقدم، فالعالم فضّل أن ينهي عداوته معها (عدا الأعداء)، لأنّه لم يعد يستطيع أن يرى الحياة السياسية بعيدًا عن مشاركتِها في هندستها.
نموذج الإمام الخميني (قده) وَجَد صنوه في لبنان – في أمّتنا – مع قائد المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني في لبنان السيّد حسن نصرالله. الذي استطاع أن يأسر لُباب العقول وقلوب جميع المقاومين التوّاقين للحرية والتحرير. فكما أمَّ الإمام الخميني (قده) الشعب الإيراني في دولة حرّة، فالسيّد نصرالله أمَّ جميع الأحرار من العرب وغيرهم، إلى المقاومة في مواجهة الاحتلال والتكفير، وانتصر.
السيّد نصرالله عاش قضية الاحتلال والانقسام والانفصام اللبناني/العربي وحوّلها إلى منطلقاتٍ للتحرير والوحدة والتماسك والقوة. عاش الأمل بالقوة الثورية وفلسفتِها وثقافتها، فأحياه في أنفس من تبَقّى على قيد الحياة من الشباب العربي.
مقاومة تحمل في ضميرها ووجدانها الجنوب، وجنوب الجنوب، والقدس وأقصاها وما حولها، والأمة وقضاياها كافة. قاد فأحسن القيادة، وتكلّم كإمام حقٍ يصدح بالحق. والإمام من يتقدّم بعقله وعلمه وقلبه وسلوكه، ليصبح شكل القضية ومضمونها، هيكلها وروحها، حروفها وكلماتها، معانيها ورموزها. هو القضية، والقضية ما يفكر فيه ويقوله. عاش الصبر مع كل الإفك، وخلع كل الدنيا ورفاهيتها واحتمل بصبره كل مشاكل الداخل، ليتفرغ للهموم الموحّدة والمشتركة.
بشخصيتة المتعالية عاش زهد الإمام الخميني (قده)، وبعقله الفذ استحوذ على مضامين الوجود، وبصبره الكابح للإنفعال، عاش حالة الفعل. عاش الصدق مع ذاته ومع محبّيه، فكان رمزًا للمحبة والاتباع والتقليد والإمامة.
الإمام الخميني (قده) في مقاومته لنظام الشاه ومَن ورائه مِن المستكبرين كان السيّد حسن نصرالله في شبابه ونضاله وجهاده، والسيّد نصرالله في عقله ومقاومته لما تبقّى من "شاهنشاهات" العقول البائدة، هو الإمام الخميني (قده) قائدًا جماهيريًّا لا ييأس محبّوه من اتّباعه ومحبته ولا يكلّون من المهام الكبرى التي يتصدّى لها. وعلى قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ... فأتى عزمه خمينيًّا وفكره نبوئيًّا. هكذا كان الإمام الخميني (قده) يصدح بالثورة، وهذا هو السيّد نصرالله، روحُ روحِ الله الخميني، يصدح بالمقاومة ويطّهر العقول من المذهبية التكفيرية والصهيونية الجاثمة على صدر فلسطين وعلى تاريخ الأمة. فلا نُخَب السافاك أعاقتْ الإمام الخميني (قده) عن الثورة، ولا موساد الصهاينة أرمش السيّد نصرُالله...
قائدٌ ورثَ قائدا...قادا الأمة إلى قضاياها الجوهرية... حيث تبدأ صيغ الحرية والتحرير تُحاك في العقول، وتعودُ إلى القلوب فتعيش وتتفاعل معها... ومع كل خطابٍ كان يقوله الإمام الخميني (قده) كانت تقوم الثورة وتشتد وتنتصر، ومع كل عهدٍ يقطعه السيّد نصرالله يأتي انتصارٌ جديد وأملٌ بالمزيد، من لبنان إلى مواجهة الاحتلال - كان السيّد نصرالله يضع المتردّدين الخائفين أمام مرآة الحقيقة، هكذا ننتصرُ بالقول والفعل، منذ أن عاش القيادة لاقاها بكل ما تحتاجه لأنه "بالطّبع والفطرة معدًّا لها".
فالقيادة افتخرت بنموذجية هذين القائدين التاريخيين، لأنها وجدت معاييرها فيهما لتبقى على قيد الحياة، بعد أن كادت تفقِدُ معاييرها التاريخية. وقُزّمت على قياس منتحلي صفات القيادة.
كان الإمام الخميني متأكداً أن الجمهورية الإسلامية ستقوم وقامت، كما كان قائدُ المقاومة متأكداً أنّ الصهاينة سيندحرون من لبنان واندحروا "إنّ إسرائيل هذه هي أوهن من بيت العنكبوت" ... "وقد ولّى زمن الهزائم وبدأ زمن الانتصارات". قالها الإمام الخميني (قده) "إنّ إسرائيل هذه غدّة سرطانيّة" في الوقت الذي كانت أكبر دولة عربية توقّع اتفاقًا استسلاميًّا تتخلّى بموجبه عن فلسطين وتعترف بالكيان الغاصب الصهيوني. قالها السيّد حسن نصرُالله: "لو بقينا وحدنا في العالم، فلن نعترف بهذا الكيان الغاصب"، وقال:"حبرُنا لن يكون مع الحبر الإسرائيلي".
إنّه عصر الإمام الخميني (قده) المستمر مع وريثه السيّد نصرالله. فكر الإمام الخميني (قده) ومواقفه في كلّ المراحل: فقيهًا، مناضلاً، مجاهدًا، قائدًا، محررًا، وحاكمًا. سيبقى في تاريخ الشعب الإيراني والإسلامي وثقافته إلى أبد الآبدين، كما وأنّ خليفته السيّد نصرالله سيبقى قائدًا محرّرًا، ونبضًا لكلّ قلبٍ مقاومٍ، وصوتًا لكلِّ مجاهدٍ من فلسطين إلى كلّ زاويةٍ في العالم العربي، وإيران، وتركيا، وعالم الأحرار.... فيتكامل القائدان في حركتهما الثورية في هذا العالم لتنتصر الأمّة بهما...
***
* ’الديمقراطية الايرانية’ و’الديماغوجية الغربية’
علي عوباني - خاص العهد
يجهل كثيرون ايران، يتحدثون عن جهل وغير دراية بما لا يعلمون، يرفعون عناوين كثيرة ويتحدثون عن تركيبة نظام الجمهورية الاسلامية، وعن ولاية الفقيه، والديمقراطية في ايران. لكن بعيدًا عن هذا الصخب السياسي والاعلامي، فإن الباحث عن الحقيقة لا يجد عناء في استخلاص وتوصيف الواقع انطلاقًا من الوقائع الموجودة على الارض، وليس انطلاقًا من الهوى السياسي لهذا أو ذاك، واسترضاءً لمصلحة هذه الدولة أو تلك.
لو عدنا بالتاريخ الى مرحلة تأسيس نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، لوجدنا ان اشكال واساليب الممارسة الديمقراطية كانت حاضرة بقوة منذ البدء في ادبيات الثورة الاسلامية وممارساتها، والدليل أن اللبنة الاولى للنظام الاسلامي في ايران عقب الثورة ارتكزت على الاستفتاء الشعبي الذي أجراه الامام الخمنيي (قده) في آذار 1979 على مشروع الدستور الايراني. فعلى الرغم من ان الشعب الايراني كان يسير آنذاك رهن اشارته، وانه كان بإمكانه تكريس النظام الذي يريد، لكن الامام الذي انطلق من الشعب أبى ذلك وعاد للشعب مجددًا، لتأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية ووضع دستورها بموافقة أكثر من 98 بالمئة من خلال الاستفتاء، الذي يعد أحد ابرز اشكال الممارسة الديمقراطية المعتمدة لدى الدول الغربية، لتعود وتتجلى الديمقراطية لاحقا في عدة عمليات انتخابية، وفي الاستفتاء على تعديل الدستور بعد 10 سنوات من وضعه (1989) والذي جرى بموافقة أكثر من 97 بالمئة، ومنذ انطلاق الثورة الاسلامية الايرانية حتى اليوم، شهدت ايران قرابة 37 عملية انتخابية خلال 37 سنة، بمعدل عملية انتخابية كل سنة، من بينها 11 انتخابات رئاسية، و9 انتخابات لمجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) و4 دورات انتخابية لمجلس خبراء القيادة، الذي يختار بدوره القائد، و4 انتخابات للمجالس البلدية، وبعد عدة أسابيع تجري انتخابات نيابية وانتخابات لمجلس خبراء.
اجراء انتخابات بمعدل انتخاب كل سنة على مدى 37 عاما، وعلى الرغم من الحرب العراقية المفروضة على ايران، وفي ظل الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، تبرز ميزة هامة لدى النظام الاسلامي في ايران، لا يمكن لاحد اغفالها، وهي ايمان القيادة والشعب الايراني بأهمية تداول السلطة، لا سيما وان البلد لا تحكمه رؤية حزبية واحدة ولا ثنائية انما هناك تعددية حزبية في ايران، تتوزع على عشرات الاحزاب التي تصنّف ما بين خانتي المحافظين والاصلاحيين، الذين يتناوبون باستمرار على حكم البلاد، وفق مشاريع ورؤى سياسية متنافسة لخدمة الشعب الايراني. وهو ما يعد من ارقى اساليب الممارسة الديمقراطية وتداول السلطة في العالم.

تتجلى اوجه الديمقراطية الايرانية، اولا بأن الشعب مصدر لجميع السلطات في ايران، بما يتآلف مع تنظيرات الديمقراطية نفسها، والشاهد على ذلك أن كل مؤسسات الحكم في ايران تنتخب مباشرة من الشعب، وبذلك يكون الشعب هو مصدر سلطة رئيس الجمهورية في ايران، ينتخب مباشرة من قبله، ليقوم لاحقا بتعيين الحكومة بناء على الثقة التي منحه اياها الشعب، ويعرض تشكيلته على مجلس الشورى (السلطة التشريعية) المنتخب بدوره من الشعب والذي بامكانه ان يعترض على تعيين اي وزير، ويحجب الثقة عنه او عن الحكومة بأكملها، وبذلك يكون الشعب هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكذلك مصدر سلطة مجلس الخبراء ، وينتخب الأخير مباشرة من الشعب ليختار بدوره القائد بناء على مواصفات محددة في الدستور، وبذلك يكون القائد منتخبًا من الشعب وفقًا للانتخاب غير المباشر والذي تطبقه معظم دول العالم. ويعين من جهته مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يقتصر دوره على حسم النزاعات بين مجلس الشورى وبين مجلس صيانة الدستور، وتقديم المشورة الى القائد فيما يحيله إليه من مسائل، وخاصة في تحديد سياسات الدولة العامة ورسم استراتيجيتها على مدى طويل. دون أن ننسى بالطبع مجلس صيانة الدستور، الذي يتكون من ستة من كبار رجال الدين، وستة من رجال القانون، ويعتبر بمثابة مجلس دستوري، اوجدته معظم دساتير الدول الغربية، ومهمته الاساسية تفسير الدستور الايراني ومطابقة مدى انطباق القوانين التي يصدرها مجلس الشورى الاسلامي مع الدستور الايراني. وكذلك دون ان ننسى ايضا ان الشعب الايراني هو مصدر السلطات المحلية البلدية، ويتم اللجوء اليه بالاستفتاء لإجراء التعديلات الدستورية. كما منحه الدستور حق التشريع بصورة مباشرة عبر الاستفتاء العام (المادة 59).
ممارسة اللعبة الديمقراطية في ايران، والتي يعتبر الشعب الايراني مصدرها، تبرز جليًا كذلك في نسب مشاركة هذا الشعب في جميع الانتخابات والاستفتاءات التي جرت وتجاوزت المشاركة بمعظمها سقف الثلثين (77 % عام 2013) ووصلت الى حدود الـ85 بالمئة في بعضها (2009)، وهذه ميزة أخرى، باعتبار أن نسب المشاركة هذه لا نظير لها في أعتى الديمقراطيات في العالم. فحتى في الدول الاوروبية، وفي اميركا التي تتباهى بأنها موئل الديقراطية ومنبعها لا تصل نسبة المشاركة الشعبية في أي انتخابات مهما بلغ حجم التنافس فيها الى حدود الـ50 بالمئة. هذا فضلا عن ان نسب المشاركة الايرانية هذه تعتبر بحد ذاتها بمثابة استفتاء على النظام الاسلامي في ايران، يدلل بشكل واضح على عمق الايمان الشعبي بالنظام الاسلامي في بلاده وثقته بتركيبته وآلياته الديمقراطية، وايمانه بقدرته وفعالية صوته التمثيلية لايصال القادة والرؤساء والنواب والمجالس المحلية.
الترشح للانتخابات
أبعد من ذلك، تتماثل الاصول الديمقراطية المتبعة في جميع دول العالم، مع الاصول المتبعة في ايران، لجهة شروط الترشح والترشيح لاي انتخابات، فما يحصل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الاميركية والفرنسية..، لناحية حصر الترشيحات بالمؤهلين لخوضها، وفقا لشروط محددة سلفا، ينطبق ايضًا على الانتخابات في ايران، وعادة ما يكون هنالك جهة او سلطة قضائية او دستورية مخولة النظر في مدى توافق اهلية المرشح مع النصوص الدستورية والقانونية، وهذه السلطة من اختصاص المجالس الدستورية في اميركا وفرنسا، وكذلك هي في ايران مخوّلة لمجلس صيانة الدستور، الذي يقوم بفرز المرشحين، وحتى يتأهل المرشح للرئاسة ويحصل على موافقة المجلس يجب أن يكون إيراني الأصل، ويحمل الجنسية الإيرانية، وأن يكون شخصية سياسية أو دينية بارزة، وأن يكون له سجل لا تشوبه شائبة من الورع والإخلاص للجمهورية الإسلامية الايرانية. وهذه شروط موجودة بطبيعة الحال في جميع دساتير العالم.
وبحكم ايمان النظام الانتخابي الايراني بجوهر الديمقراطية، في ايران، وايمان القيادة الايرانية المطلق بالشباب، كان من البديهي ان يتم منح جميع الشباب الإيراني ممن تجاوزوا سن الثامنة عشرة من العمر ليس فقط حق الإدلاء بأصواتهم والترشيح بل حق الترشح ايضا. كما ان مدة الرئاسة المحددة بفترة زمنية محددة بأربع سنوات فقط، وطريقة اجرائها على مرحلتين بحال لم ينل اي مرشح ما يفوق الـ50% من الاصوات لينحصر التنافس بين المرشحين اللذين نالا اعلى اصوات في الجولة الاولى، وهو ما يتشابه مع اشكال الانظمة الانتخابية المتبعة في اميركا وبريطانيا وفرنسا، ويعبر عن مدى حرص النظام على تداول السلطة والرجوع للشعب لاخذ موافقته عند اي استحقاق.
لا شك أن قراءة التجربة الإيرانية لجهة النصوص الدستورية، والتجارب الإيرانية في مجال حقوق الانسان والحريات وتداول السلطة بطرق ديمقراطية في ظل وجود سلطة عليا هي سلطة الولي الفقيه، تدلل على ان هذا الدستور الإيراني دستور عصري وراقي، يضاهي ويتفوق في مواده وطريقة اصداره والتصديق عليه وتطبيق نصوصه، الكثير من الدساتير الديمقراطية في العالم، ولا ندعي هنا انه يجعل من النظام الاسلامي في ايران "جمهورية فاضلة"، لكنه يجعلها بلا ادنى شك "الديمقراطية" الافضل على وجه الكرة الارضية قاطبة، جوهرها نظام اسلامي، لا شرقي ولا غربي، متمايز عن كل ما يروج له من ديماغوجية غربية تدعي نشر ديمقراطية زائفة ومشوهة للتتلاعب بمصائر الشعوب.
***
* من الإمام إلى الإمام
تصميم: نور فقيه - خاص العهد
فجر ثورته ورحل.. رحل "الإمام" روح الله الخميني(قده) بعد أن حرَّر ملايين المؤمنين الشرفاء، إلا أن رحيله الفاجعة لم يقوِّض الهدف، لأن إنجازاته الغالية بين يدي "الإمام" علي الخامنئي الأمينة.












تسعى إيران الغنية بالمواقع الأثريّة ومراكز التزلج والصحارى الشاسعة، للاستفادة من رفع الحظر الدوليّ عنها، للانفتاح على السياحة وجذب ملايين الزوار سنوياً. يقول يانيك ليكيلينيك، وهو فرنسي يقوم «كل سنة برحلة استثنائيّة»، إنَّ «عائلتي تعتبر أني مجنون لذهابي إلى إيران، لكنّ الناس لطيفون جداً واستقبالهم حار». ومثله، يصل سيّاح كثر لاستكشاف هذا البلد الشاسع ذي التاريخ العريق.
من جهتها، تقول المدرسة البريطانية ريشيل بانتر (41 عاماً) «نعيش في شنغهاي وجئنا نمضي أسبوعاً في إيران». وتضم مجموعتها عشرة أشخاص يحملون الجنسيات البريطانية والألمانية والفرنسية والأميركية والصينية والرومانية، ويعيشون جميعاً في الصين.
وتوضح بانتر «أول شيء فعلناه هو التزلج في توجال» المنتجع الصغير لهذه الرياضة في شمال العاصمة، وتضيف «بعد ذلك سنذهب إلى أصفهان وشيراز ويزد، المدن الإيرانية الرائعة الثلاث التي تعدّ ممراً إلزاميّاً في كل رحلة إلى إيران».
وترى الحكومة الإيرانية أنَّ عائدات السياحة يمكن أن تعوّض انخفاض أسعار النفط وتحدّ، مع مرور الوقت، من الاعتماد عليه. وتهدف للوصول إلى أكثر من عشرين مليون سائح سنوياً بحلول العام 2025، ومضاعفة العائدات السنوية بالقطع لتبلغ أكثر من ثلاثة مليارات دولار.
ويبدو الوضع مشجعاً، إذ إنَّ إيران استقبلت 4.16 ملايين سائح في الأشهر التسعة الأولى من السنة الإيرانية التي بدأت في آذار 2015، بزيادة نسبتها خمسة في المئة عن السنة التي سبقت، بحسب منظمة السياحة. لكن ثلثي هؤلاء جاؤوا من الدول المجاورة، أي العراق وأذربيجان وأرمينيا وباكستان وأفغانستان. وكثيرون منهم زوار يتوجّهون الى مدينتي مشهد وقم المقدّستين. ومع ذلك، بدأ السيّاح الغربيّون الذين امتنعوا عن زيارة إيران منذ عشر سنوات، بالعودة، وإن كانوا ليسوا بأعداد كبيرة، مع استعادة إيران مكانتها.
ويقول إبراهيم بورفرج، رئيس وكالة «باسارغاد» للسياحة ورئيس جمعية وكالات السياحة الإيرانية، إنَّ «هناك طلباً كبيراً من وكالات السفر الأوروبية، وكذلك من اليابان وأستراليا». ويضيف أنَّه «بالنسبة إلى السياح، فإنَّ الشعور بالأمان والهدوء مهمّ جدّاً. الاتفاق النووي وزيارة الرئيس حسن روحاني إلى إيطاليا وفرنسا عزّزتا هذه الظاهرة».
وتشرح مديرة شركة «2001 ترافل اجينسي» في طهران، أعظم ايوبيان، أنَّ «عدد السياح (الغربيين) كبير إلى درجة أنّنا لم نعد قادرين على تلبية الطلب. بالمقارنة مع السنة الماضية، يمكننا بسهولة الحديث عن زيادة بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف».
وتوضح أنَّ كل المرشدين السياحيين الذين يتحدّثون الفرنسية والانكليزية، محجوزون حتى نهاية العام 2017، والفنادق من درجة أربع أو خمس نجوم في أصفهان وشيراز ويزد لا أماكن فيها لعدّة أشهر مقبلة. كذلك تؤكّد أنَّ «السيّاح الذين يزورون إيران لأسباب غير دينيّة، تتجاوز أعمارهم عموماً الخمسين عاماً وهم أكثر تطلّباً من الشباب».
وتقول ايوبيان إنهم زوار «سافروا كثيراً في العالم ويريدون عطلة بنوعية عالية»، وتضيف «لا نستطيع وضعهم في فنادق غير مناسبة».
وسيكون على إيران، التي سهلت أصلاً إجراءات الدخول بمنح التأشيرة عند الوصول لرعايا معظم الدول، التكيّف بسرعة لتلبية طلبات هؤلاء الزبائن. فمن أصل 1100 فندق في البلاد، هناك 130 فقط بدرجة أربع أو خمس نجوم. لذلك فهي تحتاج 400 فندق إضافي من هذا النوع لتتمكّن من استقبال عشرين مليون سائح تأمل قدومهم خلال عشر سنوات. وبحسب بورفرج: «لو كانت البنية التحتيّة متوفّرة، لاستطعنا تلبية طلبات إضافية بـ30 في المئة إضافية في السياحة غير الدينية».
***
* حكاية باكستان مع صفقات الغاز
عون هادي حسين - خاص العهد
كان لافتا هذا الأسبوع زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لقطر، ولقائه بالأمير القطري تميم بن حمد آل خليفة، الذي افتتح زياراته الرسمية بعد توليه المنصب بباكستان العام الماضي، الزيارة الباكستانية الأخيرة جاءت تحت عنوان "توقيع معاهدة استيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر".
باكستان التي تعاني الأمرين في مجال الطاقة، أبرمت اتفاقا مع الشركة القطرية للغاز المسال المحدودة يتم بموجبه توريدها 3.75 مليون طن من الغاز سنويا لمدة 15 عاما، ومن المتوقع أن تصل الشحنة الأولى في شهر آذار/ مارس المقبل، وبذلك أصبح مصير مشروع أنابيب الغاز بين باكستان وإيران، الذي تم الاتفاق عليه بين حكومة البلدين السابقتين مجهولا. إيران التي نفذت حصتها من المشروع بمد الأنابيب إلى الحدود الباكستانية.
المشروع الباكستاني – الإيراني، كان سيمكن باكستان من استيراد 21.5 مليون متر مكعب من الغاز (ليس بالمسال يوميا ولمدة 25 عاما، وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن خيار الغاز الإيراني كان الأنسب بالنسبة لباكستان لعدة أسباب منها:
أولا: وبحسب قاعدة "السوق القريبة أفضل من السوق البعيدة"، إيران تجاور باكستان واستيراد الغاز منها أقل كلفة بكثير من استيراده من قطر .

ثانيا: الغاز القطري مسال، ما يعني ضرورة إعادة تغويزه (إعادته إلى حالته الغازية) وهذه العملية تضاف إلى الكلفة، بينما الغاز الإيراني كان سيستورد بحالته الغازية.
ثالثا:الاتفاق الباكستاني – الإيراني مدته خمسة وعشرون عاما، بينما الاتفاق الباكستاني – القطري مدته خمسة عشر عاما.
رابعا : إيران لا تمثل فقط سوقا لإستيراد الغاز، بل هي سلة من الصفقات والمشاريع الاقتصادية التي كان من الممكن أن تستفيد منها باكستان، خصوصا بعدما تم رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وفق الاتفاق النووي الإيراني. ويضيف هؤلاء الخبراء أن باكستان، ووفق الاتفاق مع إيران ستتحمل تعويضات مالية تصل إلى 200 مليون دولار شهريا حال تأخيرها في إنجاز حصتها من المشروع... والوقت المقرر لذلك انتهى في أكتوبر 2015!
منذ اللحظة الأولى من إعلان مشروع أنابيب الغاز الباكستاني – الإيراني، والولايات المتحدة الأميريكية بمعية حلفائها الخليجيين، تخوفوا من التقارب بين إسلام آباد وطهران، وفي أكثر من مناسبة قامت واشنطن بتحذير إسلام آباد من المضي في تنفيذ المشروع، كونه انتهاكا للحصار الاقتصادي المفروض على طهران (في تلك الأيام).
ويرى مراقبون أنه لا بد وأن قامت باكستان قبل توقيعها الاتفاق مع إيران بعرض صفقة استيراد الغاز الطبيعي على كافة الدول الرائدة في هذا المجال بمن فيهم قطر (الأولى عالميا) وإيران (الثانية)، وبينما وافقت الثانية يبدو أن الأولى رفضت، أما توقيع باكستان المعاهدة مع قطر فيرونه نتيجة لضغوطات أميريكة – خليجية، وتخوف خليجي من دخول إيران الأسواق العالمية.
وفي الخلاصة، يقول الصحفي الباكستاني أبو بكر كهوكهر، أن باكستان تجمعها علاقة صداقة مع قطر، ويهم الباكستانيون أن تتمكن حكومة بلادهم من حل أزمة الطاقة المتفاقمة مهما كان مصدر الطاقة، لكن ما يخشاه أبو بكر هو أن تكون هذه الصفقة مع قطر كهبة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز للجيش اللبناني أي حبر على ورق، وأنابيب غاز خالية.
***
* الإمام الخميني وخليفته: ولّى زمن الهزائم
د. محسن صالح - خاص العهد
يحتفل الشعب والمؤسّسات والقوّات الحامية للثورة والدولة في إيران بالذكرى الـ37 لقيام الجمهورية الإسلاميّة في إيران. يحتفل مع الجمهوريّة والشعب الإيراني كلّ الشعوب والقوى التي ترى في إيران دولةً صديقةً وسنَدًا مخلِصًا تعتمد عليه. تجربة السنوات هذه أصبحت كافيةً لمراجعة كلّ الأطراف العربيّة والإسلاميّة والدوليّة حساباتها في العلاقة مع إيران (قيادةً وشعبًا). فقد تبيّن أنّ إيران دولةٌ فاعلةٌ في المنطقة وتعيد صناعة تاريخها الحديث.
يكاد التاريخ يذوي بدون فاعلين، ولا يسجّل فيه حدثٌ ولا محرّكٌ ولا دورة حياة، فالتاريخ ليس إلا دورة حياة يصنعها الأقوياء في نفوسهم وعزائمهم. ويكاد العالم الإنساني يذوي من التاريخ بدون قادة، فالتاريخ المدوّن إن هو إلا صياغة عقلٍ وإرادة وحرية. فالقادة دائمًا كانوا صنّاعًا مهرةً للوجود الجماهيري. وإن كان القادة بلا جماهير، كالهواء بلا موجودات تتنشق. فالجماهير (الناس) مشاريع عقل القادة. والقادة سر الثورات، وسر الديانات، والسر في حركة الشعوب والأوطان والأمم. والقادة رموزٌ تفكّر وتحكي وتفعل. والرموز هي حركة العقل، والعواطف، والوجدان في سير الإنسان نحو ذاته... ونحو الآخر، أيًّا كان هذا الآخر. وهذه هي الثقافة المثاليّة. إنها العقل في فهمه لذاته وواقعه.
فالعقل بلا ذاتٍ وهوية، يشكو ويتألم، يتوجّد، يشعر بالكآبة، لا يشعر بالوجود الحقيقي وهو مستغرب. هذا هو حال الأمم التي لم تجد، ولم تُوجِد لنفسها مساحةً في التاريخ، أو يصادر تاريخها آخرٌ بلا قيمٍ عقليّةٍ إنسانيّةٍ مهذّبة. غريزيّة القهريّة المهيمنة تسخّر من الآخر وتسخّره وتستعبِده. هذا حالُ العرب. وهذا ما كان حال الشعب الإيراني قبل أيّام الإمام الخميني (قده)، في ظلّ حكمٍ بادَ وأصبح حطبًا من حطب أبي لهب.
جمال العقل والصبر والحرية والالتفاف حول القائد صنع أمّةً جديدة، الأمّة الإيرانيّة، أو الأمّة الإسلاميّة، التي سعتْ للوجود في ظلّ فكر قائدٍ نقلها من براثن الاستبداد والعيش في غياهب السيطرة الغربية الأمريكية، الامبراطورية العولمية الجديدة، بعد الحرب العالمية الثانية.

أمّة حضنت القائد وعقله وشعوره وإيثاريته وإنسانيته، فاحْتَضَنها شعورٌ مختلفٌ ودنيا مختلفة، وحضورٌ في التاريخ والسياسة والإقتصاد والتحدّي، بشكلٍ مختلف. أمّة نقلها شعورُ قائدٍ بالحاجة إلى الحرية والتغيير، وعيش قضاياها كما أحبّ أن تقهر عدوّها وتنْتَصر. أمّة قادها رجلٌ تاريخي فأدْخلها التاريخ، انتصَرَتْ به وانتصر بها. تحول إلى تاريخٍ موحّدً فعّالٍ مستدام، تُبنى عليه أمجاد المستقبل. خرج شعبٌ من ركام كهف القهر الشاهنشاهي إلى معابر الحرية الخمينية، فأضحى الخميني قائدُها ورائدُها وإمامُها وفقيهُها ومنقذُها.
الإمام الخميني (قده) جاهد نظامًا جبروتيًّا، تدعمه قوة قاهرة، فقاوم وصبر وصمد وانتصر. رجلٌ زاهدٌ في الدنيا، أدخل أمة إلى عالم الدنيا. رجلٌ فكّرَ عن أمته، فأضْحَتْ أمَتُه فكرته وعقله وقلبه. سكنت به وسكن بها، حتى أضحت إيران الخمينية.
إمامٌ عظيمٌ أنجب أمة عظيمة، وأمة عظيمة عرفت بهدايتها التاريخية والعاطفية الدينية أنّه هو القائد، فاستلهَمتْ أفكاره وتمثلَتها كآياتٍ تُقرأ مع كل صباح، وعاشَتْ مواقفه فاكتظت شوارع المدن بمواقفها المذهلة، بما يحفظ صوت الخميني، وأوامر القائد. مع القائد والعالِم والصادق والشجاع تُصبح الأوامر جزءًا أصيلاً من الحرية. لأنّ هذه الأوامر رفعت القيود وخلعت "ملك الملوك"، وحطَمتْ النّاهب لثروات الشعب.
وصمدَ وريث الإمام قائدًا محافظًا على الثورة وقِيَمها، والدولة وأنظمتها وتشريعاتها، وعاش صراعًا مع مرض الأعداء، حتى أنهكهم بصبره، وثباته على القيم، وانتصر المؤسّس حتى غدت إيران أمّةً من الأمم، وشعبًا من أوائل الشعوب، وحضارةً تاريخيةً يرأسُها الدين، والسياسة إحدى مرتكزات كياستها البديهية. عاشت الثورة وقامت الدولة، وستبقى هذه الثورة، كما كلّ الثورات الشعبية النبيلة، حركات مقاومة بمبادئها ومنطلقاتها وأهدافها النورانية، وستبقى هذه الدولة بتشريعاتها تفوح منها رائحة الثورة، لا بل ستبقى صانعة الثورات والمقاومات.
منذ 37 سنة، عاد الإمام الخميني (قده) قائدًا في بلده وملهمًا لغيرها من البلدان، بعد نفيٍ استنْكَرَه بعض الشعب الإيراني، وعندما عاد إلى طهران في مثل هذه الأيام، كان الشعب الإيراني كله في انتظاره. عاش "لحظات" الثورة والسعادة التي حفرت في التاريخ، ولولا الثورة لما كانت إيران كما هي اليوم تسهم في صناعة التاريخ العالمي. تصنعُ ذاتَها وتكون نموذجًا للأمم الأخرى في الصبر والتحمل والاعتماد على الذات. قوّتها بذاتها قهرت كل "القوى" التي تستجدي فائض قوة الآخرين لتمنحها الوجود والبقاء على قيد الحياة.
غير أنّ شعبها وقيادتها استحقت جدارة الحياة، لأنها قارعت كلّ أشكال الاستكبار والعداوة، وجدواها بمعنوياتها ونموذجها. إنها استطاعت أن تعطي درسًا في علم الحياة، وعلم القوّة، وعلم الوجود. لذا، لا غنى عنها في هذا التاريخ، ولعلّ في خلفية ثقافتها ما يمنح أمّة أو أممًا أخرى سرّ البقاء والتقدم، فالعالم فضّل أن ينهي عداوته معها (عدا الأعداء)، لأنّه لم يعد يستطيع أن يرى الحياة السياسية بعيدًا عن مشاركتِها في هندستها.
نموذج الإمام الخميني (قده) وَجَد صنوه في لبنان – في أمّتنا – مع قائد المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني في لبنان السيّد حسن نصرالله. الذي استطاع أن يأسر لُباب العقول وقلوب جميع المقاومين التوّاقين للحرية والتحرير. فكما أمَّ الإمام الخميني (قده) الشعب الإيراني في دولة حرّة، فالسيّد نصرالله أمَّ جميع الأحرار من العرب وغيرهم، إلى المقاومة في مواجهة الاحتلال والتكفير، وانتصر.
السيّد نصرالله عاش قضية الاحتلال والانقسام والانفصام اللبناني/العربي وحوّلها إلى منطلقاتٍ للتحرير والوحدة والتماسك والقوة. عاش الأمل بالقوة الثورية وفلسفتِها وثقافتها، فأحياه في أنفس من تبَقّى على قيد الحياة من الشباب العربي.
مقاومة تحمل في ضميرها ووجدانها الجنوب، وجنوب الجنوب، والقدس وأقصاها وما حولها، والأمة وقضاياها كافة. قاد فأحسن القيادة، وتكلّم كإمام حقٍ يصدح بالحق. والإمام من يتقدّم بعقله وعلمه وقلبه وسلوكه، ليصبح شكل القضية ومضمونها، هيكلها وروحها، حروفها وكلماتها، معانيها ورموزها. هو القضية، والقضية ما يفكر فيه ويقوله. عاش الصبر مع كل الإفك، وخلع كل الدنيا ورفاهيتها واحتمل بصبره كل مشاكل الداخل، ليتفرغ للهموم الموحّدة والمشتركة.
بشخصيتة المتعالية عاش زهد الإمام الخميني (قده)، وبعقله الفذ استحوذ على مضامين الوجود، وبصبره الكابح للإنفعال، عاش حالة الفعل. عاش الصدق مع ذاته ومع محبّيه، فكان رمزًا للمحبة والاتباع والتقليد والإمامة.
الإمام الخميني (قده) في مقاومته لنظام الشاه ومَن ورائه مِن المستكبرين كان السيّد حسن نصرالله في شبابه ونضاله وجهاده، والسيّد نصرالله في عقله ومقاومته لما تبقّى من "شاهنشاهات" العقول البائدة، هو الإمام الخميني (قده) قائدًا جماهيريًّا لا ييأس محبّوه من اتّباعه ومحبته ولا يكلّون من المهام الكبرى التي يتصدّى لها. وعلى قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ... فأتى عزمه خمينيًّا وفكره نبوئيًّا. هكذا كان الإمام الخميني (قده) يصدح بالثورة، وهذا هو السيّد نصرالله، روحُ روحِ الله الخميني، يصدح بالمقاومة ويطّهر العقول من المذهبية التكفيرية والصهيونية الجاثمة على صدر فلسطين وعلى تاريخ الأمة. فلا نُخَب السافاك أعاقتْ الإمام الخميني (قده) عن الثورة، ولا موساد الصهاينة أرمش السيّد نصرُالله...
قائدٌ ورثَ قائدا...قادا الأمة إلى قضاياها الجوهرية... حيث تبدأ صيغ الحرية والتحرير تُحاك في العقول، وتعودُ إلى القلوب فتعيش وتتفاعل معها... ومع كل خطابٍ كان يقوله الإمام الخميني (قده) كانت تقوم الثورة وتشتد وتنتصر، ومع كل عهدٍ يقطعه السيّد نصرالله يأتي انتصارٌ جديد وأملٌ بالمزيد، من لبنان إلى مواجهة الاحتلال - كان السيّد نصرالله يضع المتردّدين الخائفين أمام مرآة الحقيقة، هكذا ننتصرُ بالقول والفعل، منذ أن عاش القيادة لاقاها بكل ما تحتاجه لأنه "بالطّبع والفطرة معدًّا لها".
فالقيادة افتخرت بنموذجية هذين القائدين التاريخيين، لأنها وجدت معاييرها فيهما لتبقى على قيد الحياة، بعد أن كادت تفقِدُ معاييرها التاريخية. وقُزّمت على قياس منتحلي صفات القيادة.
كان الإمام الخميني متأكداً أن الجمهورية الإسلامية ستقوم وقامت، كما كان قائدُ المقاومة متأكداً أنّ الصهاينة سيندحرون من لبنان واندحروا "إنّ إسرائيل هذه هي أوهن من بيت العنكبوت" ... "وقد ولّى زمن الهزائم وبدأ زمن الانتصارات". قالها الإمام الخميني (قده) "إنّ إسرائيل هذه غدّة سرطانيّة" في الوقت الذي كانت أكبر دولة عربية توقّع اتفاقًا استسلاميًّا تتخلّى بموجبه عن فلسطين وتعترف بالكيان الغاصب الصهيوني. قالها السيّد حسن نصرُالله: "لو بقينا وحدنا في العالم، فلن نعترف بهذا الكيان الغاصب"، وقال:"حبرُنا لن يكون مع الحبر الإسرائيلي".
إنّه عصر الإمام الخميني (قده) المستمر مع وريثه السيّد نصرالله. فكر الإمام الخميني (قده) ومواقفه في كلّ المراحل: فقيهًا، مناضلاً، مجاهدًا، قائدًا، محررًا، وحاكمًا. سيبقى في تاريخ الشعب الإيراني والإسلامي وثقافته إلى أبد الآبدين، كما وأنّ خليفته السيّد نصرالله سيبقى قائدًا محرّرًا، ونبضًا لكلّ قلبٍ مقاومٍ، وصوتًا لكلِّ مجاهدٍ من فلسطين إلى كلّ زاويةٍ في العالم العربي، وإيران، وتركيا، وعالم الأحرار.... فيتكامل القائدان في حركتهما الثورية في هذا العالم لتنتصر الأمّة بهما...
***
* ’الديمقراطية الايرانية’ و’الديماغوجية الغربية’
علي عوباني - خاص العهد
يجهل كثيرون ايران، يتحدثون عن جهل وغير دراية بما لا يعلمون، يرفعون عناوين كثيرة ويتحدثون عن تركيبة نظام الجمهورية الاسلامية، وعن ولاية الفقيه، والديمقراطية في ايران. لكن بعيدًا عن هذا الصخب السياسي والاعلامي، فإن الباحث عن الحقيقة لا يجد عناء في استخلاص وتوصيف الواقع انطلاقًا من الوقائع الموجودة على الارض، وليس انطلاقًا من الهوى السياسي لهذا أو ذاك، واسترضاءً لمصلحة هذه الدولة أو تلك.
لو عدنا بالتاريخ الى مرحلة تأسيس نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، لوجدنا ان اشكال واساليب الممارسة الديمقراطية كانت حاضرة بقوة منذ البدء في ادبيات الثورة الاسلامية وممارساتها، والدليل أن اللبنة الاولى للنظام الاسلامي في ايران عقب الثورة ارتكزت على الاستفتاء الشعبي الذي أجراه الامام الخمنيي (قده) في آذار 1979 على مشروع الدستور الايراني. فعلى الرغم من ان الشعب الايراني كان يسير آنذاك رهن اشارته، وانه كان بإمكانه تكريس النظام الذي يريد، لكن الامام الذي انطلق من الشعب أبى ذلك وعاد للشعب مجددًا، لتأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية ووضع دستورها بموافقة أكثر من 98 بالمئة من خلال الاستفتاء، الذي يعد أحد ابرز اشكال الممارسة الديمقراطية المعتمدة لدى الدول الغربية، لتعود وتتجلى الديمقراطية لاحقا في عدة عمليات انتخابية، وفي الاستفتاء على تعديل الدستور بعد 10 سنوات من وضعه (1989) والذي جرى بموافقة أكثر من 97 بالمئة، ومنذ انطلاق الثورة الاسلامية الايرانية حتى اليوم، شهدت ايران قرابة 37 عملية انتخابية خلال 37 سنة، بمعدل عملية انتخابية كل سنة، من بينها 11 انتخابات رئاسية، و9 انتخابات لمجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) و4 دورات انتخابية لمجلس خبراء القيادة، الذي يختار بدوره القائد، و4 انتخابات للمجالس البلدية، وبعد عدة أسابيع تجري انتخابات نيابية وانتخابات لمجلس خبراء.
اجراء انتخابات بمعدل انتخاب كل سنة على مدى 37 عاما، وعلى الرغم من الحرب العراقية المفروضة على ايران، وفي ظل الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، تبرز ميزة هامة لدى النظام الاسلامي في ايران، لا يمكن لاحد اغفالها، وهي ايمان القيادة والشعب الايراني بأهمية تداول السلطة، لا سيما وان البلد لا تحكمه رؤية حزبية واحدة ولا ثنائية انما هناك تعددية حزبية في ايران، تتوزع على عشرات الاحزاب التي تصنّف ما بين خانتي المحافظين والاصلاحيين، الذين يتناوبون باستمرار على حكم البلاد، وفق مشاريع ورؤى سياسية متنافسة لخدمة الشعب الايراني. وهو ما يعد من ارقى اساليب الممارسة الديمقراطية وتداول السلطة في العالم.

تتجلى اوجه الديمقراطية الايرانية، اولا بأن الشعب مصدر لجميع السلطات في ايران، بما يتآلف مع تنظيرات الديمقراطية نفسها، والشاهد على ذلك أن كل مؤسسات الحكم في ايران تنتخب مباشرة من الشعب، وبذلك يكون الشعب هو مصدر سلطة رئيس الجمهورية في ايران، ينتخب مباشرة من قبله، ليقوم لاحقا بتعيين الحكومة بناء على الثقة التي منحه اياها الشعب، ويعرض تشكيلته على مجلس الشورى (السلطة التشريعية) المنتخب بدوره من الشعب والذي بامكانه ان يعترض على تعيين اي وزير، ويحجب الثقة عنه او عن الحكومة بأكملها، وبذلك يكون الشعب هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكذلك مصدر سلطة مجلس الخبراء ، وينتخب الأخير مباشرة من الشعب ليختار بدوره القائد بناء على مواصفات محددة في الدستور، وبذلك يكون القائد منتخبًا من الشعب وفقًا للانتخاب غير المباشر والذي تطبقه معظم دول العالم. ويعين من جهته مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يقتصر دوره على حسم النزاعات بين مجلس الشورى وبين مجلس صيانة الدستور، وتقديم المشورة الى القائد فيما يحيله إليه من مسائل، وخاصة في تحديد سياسات الدولة العامة ورسم استراتيجيتها على مدى طويل. دون أن ننسى بالطبع مجلس صيانة الدستور، الذي يتكون من ستة من كبار رجال الدين، وستة من رجال القانون، ويعتبر بمثابة مجلس دستوري، اوجدته معظم دساتير الدول الغربية، ومهمته الاساسية تفسير الدستور الايراني ومطابقة مدى انطباق القوانين التي يصدرها مجلس الشورى الاسلامي مع الدستور الايراني. وكذلك دون ان ننسى ايضا ان الشعب الايراني هو مصدر السلطات المحلية البلدية، ويتم اللجوء اليه بالاستفتاء لإجراء التعديلات الدستورية. كما منحه الدستور حق التشريع بصورة مباشرة عبر الاستفتاء العام (المادة 59).
ممارسة اللعبة الديمقراطية في ايران، والتي يعتبر الشعب الايراني مصدرها، تبرز جليًا كذلك في نسب مشاركة هذا الشعب في جميع الانتخابات والاستفتاءات التي جرت وتجاوزت المشاركة بمعظمها سقف الثلثين (77 % عام 2013) ووصلت الى حدود الـ85 بالمئة في بعضها (2009)، وهذه ميزة أخرى، باعتبار أن نسب المشاركة هذه لا نظير لها في أعتى الديمقراطيات في العالم. فحتى في الدول الاوروبية، وفي اميركا التي تتباهى بأنها موئل الديقراطية ومنبعها لا تصل نسبة المشاركة الشعبية في أي انتخابات مهما بلغ حجم التنافس فيها الى حدود الـ50 بالمئة. هذا فضلا عن ان نسب المشاركة الايرانية هذه تعتبر بحد ذاتها بمثابة استفتاء على النظام الاسلامي في ايران، يدلل بشكل واضح على عمق الايمان الشعبي بالنظام الاسلامي في بلاده وثقته بتركيبته وآلياته الديمقراطية، وايمانه بقدرته وفعالية صوته التمثيلية لايصال القادة والرؤساء والنواب والمجالس المحلية.
الترشح للانتخابات
أبعد من ذلك، تتماثل الاصول الديمقراطية المتبعة في جميع دول العالم، مع الاصول المتبعة في ايران، لجهة شروط الترشح والترشيح لاي انتخابات، فما يحصل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الاميركية والفرنسية..، لناحية حصر الترشيحات بالمؤهلين لخوضها، وفقا لشروط محددة سلفا، ينطبق ايضًا على الانتخابات في ايران، وعادة ما يكون هنالك جهة او سلطة قضائية او دستورية مخولة النظر في مدى توافق اهلية المرشح مع النصوص الدستورية والقانونية، وهذه السلطة من اختصاص المجالس الدستورية في اميركا وفرنسا، وكذلك هي في ايران مخوّلة لمجلس صيانة الدستور، الذي يقوم بفرز المرشحين، وحتى يتأهل المرشح للرئاسة ويحصل على موافقة المجلس يجب أن يكون إيراني الأصل، ويحمل الجنسية الإيرانية، وأن يكون شخصية سياسية أو دينية بارزة، وأن يكون له سجل لا تشوبه شائبة من الورع والإخلاص للجمهورية الإسلامية الايرانية. وهذه شروط موجودة بطبيعة الحال في جميع دساتير العالم.
وبحكم ايمان النظام الانتخابي الايراني بجوهر الديمقراطية، في ايران، وايمان القيادة الايرانية المطلق بالشباب، كان من البديهي ان يتم منح جميع الشباب الإيراني ممن تجاوزوا سن الثامنة عشرة من العمر ليس فقط حق الإدلاء بأصواتهم والترشيح بل حق الترشح ايضا. كما ان مدة الرئاسة المحددة بفترة زمنية محددة بأربع سنوات فقط، وطريقة اجرائها على مرحلتين بحال لم ينل اي مرشح ما يفوق الـ50% من الاصوات لينحصر التنافس بين المرشحين اللذين نالا اعلى اصوات في الجولة الاولى، وهو ما يتشابه مع اشكال الانظمة الانتخابية المتبعة في اميركا وبريطانيا وفرنسا، ويعبر عن مدى حرص النظام على تداول السلطة والرجوع للشعب لاخذ موافقته عند اي استحقاق.
لا شك أن قراءة التجربة الإيرانية لجهة النصوص الدستورية، والتجارب الإيرانية في مجال حقوق الانسان والحريات وتداول السلطة بطرق ديمقراطية في ظل وجود سلطة عليا هي سلطة الولي الفقيه، تدلل على ان هذا الدستور الإيراني دستور عصري وراقي، يضاهي ويتفوق في مواده وطريقة اصداره والتصديق عليه وتطبيق نصوصه، الكثير من الدساتير الديمقراطية في العالم، ولا ندعي هنا انه يجعل من النظام الاسلامي في ايران "جمهورية فاضلة"، لكنه يجعلها بلا ادنى شك "الديمقراطية" الافضل على وجه الكرة الارضية قاطبة، جوهرها نظام اسلامي، لا شرقي ولا غربي، متمايز عن كل ما يروج له من ديماغوجية غربية تدعي نشر ديمقراطية زائفة ومشوهة للتتلاعب بمصائر الشعوب.
***
* من الإمام إلى الإمام
تصميم: نور فقيه - خاص العهد
فجر ثورته ورحل.. رحل "الإمام" روح الله الخميني(قده) بعد أن حرَّر ملايين المؤمنين الشرفاء، إلا أن رحيله الفاجعة لم يقوِّض الهدف، لأن إنجازاته الغالية بين يدي "الإمام" علي الخامنئي الأمينة.












تعليق