سفسطائية أهل السنة و الجماعة اكثر من السفسطائيين القدامى
قال آية الله في العالمين العلامة الحلي رضي الله عنه :
أطبق العقلاء بأسرهم ـ عدا الأشاعرة ـ على أنّ الرؤية مشروطة بأُمور ثمانية، (لا تحصل بدونها):
الأوّل: سلامة الحاسّة.
الثاني: المقابَلـة أو [ما في] حُكمها، (كما) في الأعراض، والصور في المرآة، فلا تبصر شيئاً لا يكون مقابلا، ولا في حكم المقابل.
الثالث: عدم القُرب المفرط، فإنّ الجسم لو التصق بالعين، لم تُمْكِن رؤيته.
الرابع: عدم البُعد المُفرِط، فإنّ البعد إذا أفرط لم تُمْكِن رؤيته.
الخامس: عدم الحِجاب، فإنّه مع [وجود] الحجاب بين الرائي
والمرئي، لا تُمكن رؤيته.
السـادس: عـدم الشـفّافيـة، فإنّ الجسـم الشـفّاف الـذي لا لـون لـه ـ كالهواء ـ لا تُمكن رؤيته.
السابع: تعمّد الرائي للرؤية.
الثامن: وقوع الضوء عليه، فإنّ الجسم الملوّن لا يُشاهَد في الظلمة.
وحكموا بذلك حكماً ضرورياً لا يرتابون فيه.
وخالفـت الأشاعرة في ذلك جميع العقـلاء ـ من المتكلّمين والفلاسفة ـ ولم يجعلوا للرؤية شرطاً من هذه الشرائط!.
وهو مكابرة محضة لا يشكّ فيها عاقل!
أجمع العقلاء كافّة ـ عدا الأشاعرة ـ على ذلك ; للضرورة القاضية به، فإنّ عاقلا من العقلاء لا يشكّ في حصول الرؤية عند اجتماع شرائطها.
وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك، وارتكبوا السفسطة فيه، وجوّزوا أن تكون بين أيدينا وبحضرتنا جبال شاهقة، من الأرض إلى عنان السماء، محيطة بنا من جميع الجهات، ملاصقة لنا، تملأ الأرض شرقاً وغرباً بألوان مشرقة مضيئة، ظاهرة غاية الظهور، وتقع عليها الشمس وقت الظهيرة، ولا نشاهدها، ولا نبصرها، ولا شيئاً منها ألبتّة!
وكذا يكون بحضرتنا أصوات هائلة تملأ أقطار الأرض، بحيث ينزعج(2) منها كلّ أحد يسمعها، أشدّ ما يكون من الأصوات، وحواسّنا سليمة، ولا حجاب بيننا وبينها، ولا بُعْد ألبتّة، بل هي في غاية القرب منّا، ولا نسمعها ولا نحسّها أصلا!
وكذا إذا لمـس أحدٌ بباطن كـفّه حديدة محميّـة بالنـار حتّى تبيـضّ، ولا يحسّ بحرارتها! بل يُرمى في تنّور أُذيب فيه الرصاص أو الزيت، وهو لا يشاهد التنّور ولا الرصاص المذاب، ولا يدرك حرارته، وتنفصل أعضاؤه وهو لا يحسّ بالألم في جسمه!
ولا شـكّ أنّ هذا [هو] عين السفسطة، والضرورة تقضي بفساده، ومن يشـكّ في هذا فقد أنكر أظهر المحسوسات [عندنا].
فجوّزوا في الأعمى إذا كان في المشرق، أن يشاهد ويبصر النملة الصغيرة السوداء، على صخرة سوداء، في طرف المغرب، في الليل المظلم! [وبينهما ما بين المشرق والمغرب من البعد]، وبينهما حجبت جميع الجبال والحيطان.
ويسمع الأطرش وهو في طرف المشرق أخفى صوت وهو في طرف المغـرب!
وكفى من اعتقد ذلك نقصاً، ومكابرة للضرورة، ودخولا في السـفسـطة.
[هذا اعتقادهم! وكيف يجوز لعاقل أن يقلّد من كان هذا اعتقاده؟!].
وما أعجب حالهم! يمنعون من لزوم مشـاهدة أعظم الأجسام قدراً، وأشدّها لوناً وإشراقاً، وأقربها إلينا، مع ارتفاع الموانع، وحصول الشرائط! و [من] سماع الأصوات الهائلة القريبة! ويجوّزون مشاهدة الأعمى لأصغر الأجسام وأخفاها في الظُلَم الشديدة، وبينهما غاية البعد! وكذا في السماع!
فهل بلغ أحد من السوفسطائية ـ في إنكار المحسوسات ـ إلى هذه الغاية، ووصل إلى هذه النهاية؟!
مع أنّ جميع العقلاء حكموا عليهم بالسفسطة، حيث جوّزوا انقلاب الأواني التي في دار الإنسان، حال خروجه، أُناساً فضلاء مدقّقين في العلوم، حال الغَـيْبة!
وهـؤلاء جـوّزوا حـصـول مـثـل هـذه الأشـخـاص في الحـضـور، ولا يُشاهَدون، فهم أبلغ في السفسطة من أُولئك!
فلينظر العاقل المنصف المقلِّد لهم! هل يجوز له أن يقلّد مثل هؤلاء القوم، ويجعلهم واسطة بينه وبين الله تعالى، ويكون معذوراً برجوعه إليهم وقبوله منهم، أو لا؟!
فإنْ جوّز ذلك لنفسه ـ بعد تعقّل ذلك وتحصيله ـ فقد خلّص المقلَّدَ من إثمه، وباءَ هو بالإثم ; نعوذ بالله من مزالّ الأقدام!
وقـال بعض الفضلاءـ ونِعم ما قال ـ: كلّ عاقل جـرّب الأُمـور فإنّه لا يشكّ في إدراك السليمِ حرارةَ النار إذا بقي فيها مدّة مديدة حتّى تنفصل أعضـاؤه.
ومحالٌ أن يكون أهلُ بغداد ـ على كثرتهم وصحّة حواسّهم ـ يجوزُ عليهم جيش عظيم، ويُقتلون، وتُضرب فيهم البوقات الكثيرة، ويرتفع الريح، وتشـتدّ الأصوات، ولا يُشاهِد ذلك أحد منهم، ولا يسمعه!
ومحـالٌ أن يَرفع أهلُ الأرض ـ بأجمعهم ـ أبصارهم إلى السـماء، ولا يشـاهدونها!
ومحـالٌ أن يكون في السماء ألف شمس، وكلّ واحدة منها ألف ضعف من هذه الشمس، ولا يشاهدونها!
ومحالٌ أن يكون لإنسان واحد، مُشاهَد أنّ عليه رأساً واحداً، ألف رأس لا يشاهدونها، وكلّ واحد منها مثل الرأس الذي يشاهدونه!
ومحـالٌ أن يخبر واحدٌ بأعلى صوته ألف مرّة، بمحضر ألف نفس، كلّ واحد منهم يسمع جميع ما يقوله، بأنّ زيداً ما قام، ويكون قد أخبر بالنفي، ولم يسمع الحاضرون حرف النفي، مع تكرّره ألف مرّة، وسماع كلّ واحد منهم جميع ما قاله!
بل عِلمُنا بهذه الأشياء أقوى بكثير من عِلمنا بأنّه حال خروجنا من منازلنا، لم تنقلب الأواني ـ التي فيها ـ أُناساً مدقّقين في علم المنطق والهندسـة.
وأنّ ابني الذي شـاهدتُه بالأمس، هو الذي شـاهدتُه الآن.
وأنّه لم يحدث حال تغميض العين ألف شمس، ثمّ تُعـدم عنـد فتحهـا.
مع أنّ الله تعالى قادر على ذلك كلّه، وهو في نفسه ممكن.
وأنّ المولود الرضيع ـ الذي يولد في الحال ـ إنّما يولد من الأبوين، ولم يمرّ عليه ألف سـنة، مع إمكانه في نفسـه، وبالنظر إلى قدرة الله تعـالى.
وقد نسبت السوفسطائية إلى الغلط، وكذّبوا كلّ التكذيب في هذه القضايا الجائزة، فكيف بالقضايا التي جوّزها الأشاعرة التي تقتضي زوال الثقة عن المشاهَدات؟!
ومن أعجب الأشياء جواب رئيسهم، وأفضل متأخّريهم، فخر الدين الرازي في هذا الموضع، حيث قال:
" يجوز أن يخلق الله تعالى في الحديدة المحماة بالنار برودة عند خروجها من النار، فلهذا لا يحسّ بالحرارة، واللون الذي فيها، والضوء المشاهَد منها يجوز أن يخلقه الله تعالى في الجسم البارد ".
وغفل عن أنّ هذا ليس بموضع النزاع ; لأنّ المتنازع فيه أنّ الجسم الذي هو في غاية الحرارة، يلمسه الإنسان الصحيح البنية، السليم الحواسّ، حال شدّة حرارته، ولا يحسّ بتلك الحرارة ; فإنّ أصحابه يجوزون ذلك، فكيف يكون ما ذكره جواباً؟!
قال آية الله في العالمين العلامة الحلي رضي الله عنه :
أطبق العقلاء بأسرهم ـ عدا الأشاعرة ـ على أنّ الرؤية مشروطة بأُمور ثمانية، (لا تحصل بدونها):
الأوّل: سلامة الحاسّة.
الثاني: المقابَلـة أو [ما في] حُكمها، (كما) في الأعراض، والصور في المرآة، فلا تبصر شيئاً لا يكون مقابلا، ولا في حكم المقابل.
الثالث: عدم القُرب المفرط، فإنّ الجسم لو التصق بالعين، لم تُمْكِن رؤيته.
الرابع: عدم البُعد المُفرِط، فإنّ البعد إذا أفرط لم تُمْكِن رؤيته.
الخامس: عدم الحِجاب، فإنّه مع [وجود] الحجاب بين الرائي
والمرئي، لا تُمكن رؤيته.
السـادس: عـدم الشـفّافيـة، فإنّ الجسـم الشـفّاف الـذي لا لـون لـه ـ كالهواء ـ لا تُمكن رؤيته.
السابع: تعمّد الرائي للرؤية.
الثامن: وقوع الضوء عليه، فإنّ الجسم الملوّن لا يُشاهَد في الظلمة.
وحكموا بذلك حكماً ضرورياً لا يرتابون فيه.
وخالفـت الأشاعرة في ذلك جميع العقـلاء ـ من المتكلّمين والفلاسفة ـ ولم يجعلوا للرؤية شرطاً من هذه الشرائط!.
وهو مكابرة محضة لا يشكّ فيها عاقل!
أجمع العقلاء كافّة ـ عدا الأشاعرة ـ على ذلك ; للضرورة القاضية به، فإنّ عاقلا من العقلاء لا يشكّ في حصول الرؤية عند اجتماع شرائطها.
وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك، وارتكبوا السفسطة فيه، وجوّزوا أن تكون بين أيدينا وبحضرتنا جبال شاهقة، من الأرض إلى عنان السماء، محيطة بنا من جميع الجهات، ملاصقة لنا، تملأ الأرض شرقاً وغرباً بألوان مشرقة مضيئة، ظاهرة غاية الظهور، وتقع عليها الشمس وقت الظهيرة، ولا نشاهدها، ولا نبصرها، ولا شيئاً منها ألبتّة!
وكذا يكون بحضرتنا أصوات هائلة تملأ أقطار الأرض، بحيث ينزعج(2) منها كلّ أحد يسمعها، أشدّ ما يكون من الأصوات، وحواسّنا سليمة، ولا حجاب بيننا وبينها، ولا بُعْد ألبتّة، بل هي في غاية القرب منّا، ولا نسمعها ولا نحسّها أصلا!
وكذا إذا لمـس أحدٌ بباطن كـفّه حديدة محميّـة بالنـار حتّى تبيـضّ، ولا يحسّ بحرارتها! بل يُرمى في تنّور أُذيب فيه الرصاص أو الزيت، وهو لا يشاهد التنّور ولا الرصاص المذاب، ولا يدرك حرارته، وتنفصل أعضاؤه وهو لا يحسّ بالألم في جسمه!
ولا شـكّ أنّ هذا [هو] عين السفسطة، والضرورة تقضي بفساده، ومن يشـكّ في هذا فقد أنكر أظهر المحسوسات [عندنا].
فجوّزوا في الأعمى إذا كان في المشرق، أن يشاهد ويبصر النملة الصغيرة السوداء، على صخرة سوداء، في طرف المغرب، في الليل المظلم! [وبينهما ما بين المشرق والمغرب من البعد]، وبينهما حجبت جميع الجبال والحيطان.
ويسمع الأطرش وهو في طرف المشرق أخفى صوت وهو في طرف المغـرب!
وكفى من اعتقد ذلك نقصاً، ومكابرة للضرورة، ودخولا في السـفسـطة.
[هذا اعتقادهم! وكيف يجوز لعاقل أن يقلّد من كان هذا اعتقاده؟!].
وما أعجب حالهم! يمنعون من لزوم مشـاهدة أعظم الأجسام قدراً، وأشدّها لوناً وإشراقاً، وأقربها إلينا، مع ارتفاع الموانع، وحصول الشرائط! و [من] سماع الأصوات الهائلة القريبة! ويجوّزون مشاهدة الأعمى لأصغر الأجسام وأخفاها في الظُلَم الشديدة، وبينهما غاية البعد! وكذا في السماع!
فهل بلغ أحد من السوفسطائية ـ في إنكار المحسوسات ـ إلى هذه الغاية، ووصل إلى هذه النهاية؟!
مع أنّ جميع العقلاء حكموا عليهم بالسفسطة، حيث جوّزوا انقلاب الأواني التي في دار الإنسان، حال خروجه، أُناساً فضلاء مدقّقين في العلوم، حال الغَـيْبة!
وهـؤلاء جـوّزوا حـصـول مـثـل هـذه الأشـخـاص في الحـضـور، ولا يُشاهَدون، فهم أبلغ في السفسطة من أُولئك!
فلينظر العاقل المنصف المقلِّد لهم! هل يجوز له أن يقلّد مثل هؤلاء القوم، ويجعلهم واسطة بينه وبين الله تعالى، ويكون معذوراً برجوعه إليهم وقبوله منهم، أو لا؟!
فإنْ جوّز ذلك لنفسه ـ بعد تعقّل ذلك وتحصيله ـ فقد خلّص المقلَّدَ من إثمه، وباءَ هو بالإثم ; نعوذ بالله من مزالّ الأقدام!
وقـال بعض الفضلاءـ ونِعم ما قال ـ: كلّ عاقل جـرّب الأُمـور فإنّه لا يشكّ في إدراك السليمِ حرارةَ النار إذا بقي فيها مدّة مديدة حتّى تنفصل أعضـاؤه.
ومحالٌ أن يكون أهلُ بغداد ـ على كثرتهم وصحّة حواسّهم ـ يجوزُ عليهم جيش عظيم، ويُقتلون، وتُضرب فيهم البوقات الكثيرة، ويرتفع الريح، وتشـتدّ الأصوات، ولا يُشاهِد ذلك أحد منهم، ولا يسمعه!
ومحـالٌ أن يَرفع أهلُ الأرض ـ بأجمعهم ـ أبصارهم إلى السـماء، ولا يشـاهدونها!
ومحـالٌ أن يكون في السماء ألف شمس، وكلّ واحدة منها ألف ضعف من هذه الشمس، ولا يشاهدونها!
ومحالٌ أن يكون لإنسان واحد، مُشاهَد أنّ عليه رأساً واحداً، ألف رأس لا يشاهدونها، وكلّ واحد منها مثل الرأس الذي يشاهدونه!
ومحـالٌ أن يخبر واحدٌ بأعلى صوته ألف مرّة، بمحضر ألف نفس، كلّ واحد منهم يسمع جميع ما يقوله، بأنّ زيداً ما قام، ويكون قد أخبر بالنفي، ولم يسمع الحاضرون حرف النفي، مع تكرّره ألف مرّة، وسماع كلّ واحد منهم جميع ما قاله!
بل عِلمُنا بهذه الأشياء أقوى بكثير من عِلمنا بأنّه حال خروجنا من منازلنا، لم تنقلب الأواني ـ التي فيها ـ أُناساً مدقّقين في علم المنطق والهندسـة.
وأنّ ابني الذي شـاهدتُه بالأمس، هو الذي شـاهدتُه الآن.
وأنّه لم يحدث حال تغميض العين ألف شمس، ثمّ تُعـدم عنـد فتحهـا.
مع أنّ الله تعالى قادر على ذلك كلّه، وهو في نفسه ممكن.
وأنّ المولود الرضيع ـ الذي يولد في الحال ـ إنّما يولد من الأبوين، ولم يمرّ عليه ألف سـنة، مع إمكانه في نفسـه، وبالنظر إلى قدرة الله تعـالى.
وقد نسبت السوفسطائية إلى الغلط، وكذّبوا كلّ التكذيب في هذه القضايا الجائزة، فكيف بالقضايا التي جوّزها الأشاعرة التي تقتضي زوال الثقة عن المشاهَدات؟!
ومن أعجب الأشياء جواب رئيسهم، وأفضل متأخّريهم، فخر الدين الرازي في هذا الموضع، حيث قال:
" يجوز أن يخلق الله تعالى في الحديدة المحماة بالنار برودة عند خروجها من النار، فلهذا لا يحسّ بالحرارة، واللون الذي فيها، والضوء المشاهَد منها يجوز أن يخلقه الله تعالى في الجسم البارد ".
وغفل عن أنّ هذا ليس بموضع النزاع ; لأنّ المتنازع فيه أنّ الجسم الذي هو في غاية الحرارة، يلمسه الإنسان الصحيح البنية، السليم الحواسّ، حال شدّة حرارته، ولا يحسّ بتلك الحرارة ; فإنّ أصحابه يجوزون ذلك، فكيف يكون ما ذكره جواباً؟!
تعليق