إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

رسائل حُب ٍ لا تنتهي ...

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (95)


    نظرَ اليها ، فأطرقت برأسها ، وابعدت عينيها عنهُ
    قال لها : لِما تفعلين ذلك ؟!
    قالت لهُ : ماذا افعل ؟!
    أخذ نفسٌ عميق وقال لها : قيل " آلا ان عين المرء عنوان قلبه ، تُخبر عن اسراره شاء أم ابى "
    قالت لهُ : لا ادري .
    قال لها : لِما كُل هذهِ القسوة ؟!
    قالت لهُ بحزن : لا ادري .. ولكن قيل " ما كان هذا القلب يوماً قاسياً او ظالماً او جائراً ، بل ارهقتهُ معارك الحياة وخيبتهُ سوء الظنون "
    قال لها : دعي الذكريات !
    قالت لهُ : " قيل " وأما عن الذكريات ، فهي دائما اوفى من اصحابها لأنهم يرحلون وهي تبقى "

    قال لها : قيل " العالم مليء بالخوف كُن انتَ الامان لأحدهم "

    قالت لهُ : قيل "الحياة موحشة ، ولكنها اكثر انصافا من ضجيج يمتلئ بالنفاق"
    نظر اليها بغضب وقال : أي نفاق ؟!
    لاذت بالصمت ..
    قال لها : لِما تصمتين ، ارجو الرد ؟!
    قالت له : قيل " ليس كُل ما في القلبِ يُقال ، ليس كل ما نشعرُ به يوصف ، ليس كل ما نُفكر بهِ يُحكى ، بعض الصمت بالرغم من انهُ قاتلنا الا انه واجب ، وليس كل صامت غير قادر على الرد ، هناك من يصمت حتى لا يجرح غيره ، وهناك من يصمت لأنه يتألم وكلامه سيزيدهُ ألما "
    قال لها : جوابك يُهمني
    قالت له : قيل " استمعي للرجل فقط من باب الذوق ، اما من باب الاحتياط فلا تصدقي كُل شيء ؟! "
    قال لها والغضب يملئ عينيه : نفاق ، وكذب ، وماذا بعد ؟!
    قالت لهُ : ارجوك كُن بعيداً عنهما ، لأنها تنخر حبل المودة كما تنخر الارضة قطع الاثاث .

    لاذ بالصمت ..

    وقال لها ليُزيل حُزنها : دعينا نُكمل حديثنا هل الله سبحانه خلق الجنة لفئة معينة ؟! ومصير اغلبية الناس الى جنهم ، للزم من ذلك ان يكون غضب الله غالبا على رحمته ، لأن اكثر الناس عن الحق لغرباء ، ومن اهتدى منهم بنور الحق فهو واقع في الضلال من حيث العمل والتطبيق . أيذهب هولاء المخترعون والمكتشفون العظماء بكل ما أسدوه من خدمات لا تنسى للبشرية جمعاء الى جهنم ! أيذهب أديسون وباستور وامثالهم الى النار ويخلد المقدسون العاطلون الذين انفقوا اعمارهم في زوايا المساجد في الجنة ؟!
    قالت لهُ : انتظر سأُجيبك .


    يُتبع .


    تعليق


    • (96)

      قالت له : تذكر في نقاشنا هذا لا نهدف الى معرفة مصير الاشخاص اي ليس القصد منهُ مثلا تعيين كون باستور او اديسون او انشتاين وامثالهم من اهل الجنة والنار ، والسبب لأننا لا نعرف بوجه الدقة ما كانت عليه في الواقع افكارهم ومعتقداتهم ، وما هي نياتهم ، وملكاتهم الروحية والاخلاقية ، كُل ما نعرفه عنهم هو انجازاتهم العلمية ، ولأن حساب الاشخاص لا يكون الا بيد الله سبحانه وليس لأي شخص الحق ان يعطي رأيا قاطعا في شخص ما بأنهُ في الجنة او في النار وهذا لا يشمل فقط غير المسلمين ، انما حتى المُسلم والذي لا نعرف عنهُ الا صلاحه وايمانه الظاهري ، فلا يمكن الجزم انهُ من اهل الجنة ، لأن الله وحده المطلع على ضمائر الاشخاص والعارف بحقيقة السرائر وخفايا النفوس .
      قال لها : وهل يوجد ما يدل على كلامك هذا ؟!
      قالت له : نعم ففي صدر الاسلام ابدى المسلمين تصرفات من هذا القبيل فمنعهم رسول الله من الخوض فيها ومنها قصة عثمان بن مظعون

      فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بن مَظْعُونٍ، قَالَتْ امْرَأَةٌ - وفي رواية: امرأته -: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ، فَنَظَرَ رَسُولُ الله إِلَيْهَا نَظَرَ غَضْبَانَ، فَقَالَ: «وَمَا يُدْرِيكِ؟»، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، فَارِسُكَ وَصَاحِبُكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله : «وَاللَّهِ إِنِّي رَسُولُ الله وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي»
      ومثل هذه الحادثة حصلت ايضا مع سعد بن معاذ ، فعندما تكلمت ام سعد مخاطبة نعشه بما يشبه تلك الجملة رد عليها رسول الله " اسكتي لا تُحتمي على الله " .

      قال لها : قول الرسول «وَاللَّهِ إِنِّي رَسُولُ الله وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي» اليس قوله ما يدل انهُ ليس عنده علم بالامور الغيبية ؟!
      قالت لهُ : لا تخلط الامور ، قلنا ان اعمال الانسان وبالتالي مصيره اين ، لا يمكن القطع بها ، والله وحده الذي يعلم بالمصائر الحقيقة ، فالاية تنفي العلم بالمصير النهائي متعلقة بما اذا حاول النبي او اي شخص آخر التنبؤ بالمصير معتمدا او مطمئنا بنفسه وعمله ، اما الايات الاخرى والتي تبين كون الرسول على علم بعاقبته او عاقبة الاخرين فهي ناظرة الى ذلك الحاصل بوحي من الله وارادته .
      قال لها : اذن نتوصل الى انهُ كُل شخص لهُ حرية اختيار مُعتقده ودينه ، والاعمال التي تصدر منهُ وان كان مُعتنق غير الاسلام دين فهي مقبولة

      قالت له : لا يوجد شيء اسمه الكل صح وعلى اثرها يكون القول ان الاديان والفرق والمذاهب كلها مُعتبرة في كل زمان فهذه من الافكار الخاطئة ، فقولنا اننا لا نحكم على الاخرين فندخل من نشاء الجنة والنار يختلف عن الكلام هل الحق واحد ام مُتعدد ؟! والاختلاف كما ذكرنا سابقا بأننا لا نُحتم على الله شيء ، ولأنهُ نحنُ غير مطلعين على نوايا البشر ، وهل كفرهم او اتباعهم لغير دين الحق عن قصور ام تقصير ، اما هل الحق واحد ام متعدد فلكل زمان دين واحد حق فحسب ، وفي كل زمان يأتي النبي بشريعة من الله يُكلّف الناس بها بأتباعها وتطبيقها في المجالات العبادية والمجالات الاخرى حتى وصل الدور الى خاتم الانبياء ففي زمان رسول الله وما بعده اذا شاء انسان ان يجد طريقه الى الله فلا بد من اتباع الدين الذي جاء به وبالشكل وبالطريقة التي ارادها الله سبحانه منهُ فالقرآن يقول (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .
      اما حول قبول الاعمال ...
      قاطعها قائلاً : لنأخذ استراحة قصيرة ، تعالي لأُريكِ شيئاً ...
      فأراها وردة جميلة اعتنى بها مِن اجلها ...
      وقال لها : كُل شيء يُمكن شراءه الا النية الطيبة مثل عطر هذهِ الوردة فهي تنبع من بئر سحري داخل القلوب الطاهرة فقط .
      قالت لهُ : سوف اغار من الورد لجميل كلامك بحقه ...
      ضحك وقال : لي القدرة الان أن اشرب اطنان من عصيرك ، ولكن لا اقوى ان اكتم قول س.. ا..ذ..جة دقيقة واحدة

      يُتبع .

      تعليق


      • (97)

        قال لها : وصلنا الى قبول الاعمال ، وقد قُلتي سابقا ان هناك ثلاثة اراء فيها ، منها رأي المُتسامحين أو المتنورين والمتشددين والحالة الوسطية بينهما ، وكل شخص لهُ ادلته العقلية والنقلية في ما قدمهُ مِن رأي ، وبذلك كُل مجموعة تعتبر نفسها على حق وبذلك لا يمكن ان نُدرك الصواب ؟!
        قالت لهُ : لا يُمكن ان لا يوجد صواب ، الصواب موجود والاختلاف في قرب وبعد الاراء عنهُ ، ولو أخذنا رأي كل مجموعة سوف نتوصل بعد مناقشة ادلتها للرأي الاقرب الى الصواب عندما تكون نظرتنا نظرة شمولية وليست جزئية ، وان بقى الاخر مُصراً على رأيه ، لا يعني ان الصواب غير موجود ، انما حُجبت عنهُ ، كما تحجب الغيوم او العمى عين الشمس ، فالمشكلة ليست في الشمس ، انما في تلك الحجب التي تمنع رؤيتها ، ولو ذهبنا الى الرأي الاول وهو رأي المُتسامحين او المتنورين فهم يقولون ان الحسن والقبح ليست اموراً اعتبارية وانما اموراً ذاتية ، اي ان الصدق والاستقامة والاحسان هي امور حسنة بذاتها وهكذا الاعمال السيئة فهي سيئة بذاتها ، وكون الصدق حسن والكذب قبيحاً ليس من جهة ان الله سبحانه أمر بها بل على العكس ، اي لما كان الصدق امراً حسنا فان الله امر به ولما كان الكذب سيئاً فان الله قد نهى عنهُ ، وبعبارة مختصرة فأن امر ونهي الله تابعان للحسن والقبح الذاتيين للافعال وليس للعكس ، وعليه فان العمل يبقى عملا حسنا وان صدر من كافر ، والعمل السيء يبقى سيئا وان صدر من مُسلم ، وعلى هذا الاساس والواجب على الله ان يمنح الكافر الثواب على الاعمال الحسنة ، كما يعطي الثواب للمُسلم ، بالاضافة الى ذلك هم يستدللون على ذلك من الادلة النقلية في انه لا ترجيح بين ابناء البشر في جزاء الخير بالخير وجزاء الشر بالشر ، فاليهود مثلا كانوا داعين الى الترجيح ونجد ان القرآن قاومهم ، بل انهُ قاوم كل من يحذو حذوهم من المسيح او المسلمين فاليهود قالوا : (وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
        ثم اضيف مع اليهود المسيحيين فقالوا ( وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
        ثم اُضيف الى اليهود والمسيح المسلمون في قوله تعالى ( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)
        بالاضافة الى الايات التي تُشير الى قبول الاعمال من عامة الناس مسلمين او غير مسلمين ومنها (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
        وفي مُقابل هولاء نجد المتشددين والذين يقولون لو فرضنا قبول الاعمال من المسلم وغير المسلم فما هو الفرق اذن بين كون الانسان مسلماً او غير مسلم ؟ فما هو اثر الاسلام في هذا المجال اذا تساوى المسلم والكافر؟! فهذا يعني ان الاسلام امرا زائد ولغو ولا فائدة منهُ ثم بهذه المقدمة العقلية يقدمون ادلتهم النقلية في ان الاعمال لا تُقبل الا من المُسلم كما في قوله تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
        ومعنى ذلك ان ما نراهُ من اعمال عظيمة وخدمات جليلة والتي ننبهر بها وتملئ العين وقد يراها البسطاء انها اعظم حتى من خدمات الانبياء اذا لم تقترن بالايمان بالله فهي جميعا عبث وهباء وعظمتها خيال كالسراب
        وهنا نجد ان هذين الرأيين قدم فيها كل واحد منهم ادلته العقلية والنقلية ، فهل تقديم هذه الادلة على حسب فهمهم يعني انهُ لا وجود للصواب ، واختلاف الاراء تجعلنا لا نستطيع ان نُدرك الصواب ، وعليهِ نعتبر كُل الاراء صائبة حسب فهم كل مجموعة لما تتبناه من رأي ؟!
        نعم لا اُكفر او اُدخل اي شخص يتبنى رأي وصل اليه حسب جهده في التفكير الى الجنة او النار لأنه كما قُلنا هذا ليس من اختصاصنا لأن الله هو اعلم بنواياهم الحقيقة في ما وصلوا اليه من فهم ، فهل فسلموا به بعدما بذلوا جهدا وطاقة في التقصي عن الحق والحقيقة ، او عرفوا رأيا آخر واستشعروا بعقلهم وقلبهم بصحته ولكن جحدوه لعناد وجدال وهوى فبقوا مُتمسكين برأيهم ، ولكن ان نعتبر كل رأي صائب فقط لاختلاف وجهات النظر في مسألة معينة ونبني انهُ لا وجود للصواب لاختلاف الاراء هذا ما لا يقبله اي عاقل ، وهنا يأتي الرأي الثالث
        توقفت عن الكلام ... فقد رأت التعب بادياً عليه ، واضافت سوف نُكمل في وقتاً لاحق ...
        قال لها : لِما توقفتي اكملي فاذا طابت العقول بأفكارها ، طابت الالسن بحديثها...
        قالت لهُ : التعب بادياً عليك ، لنترك الحديث لوقتٍ آخر ...
        قال لها : وهل أمري يُهمك ...
        قالت لهُ : انتظر قليلاً سوف اقوم بتحضير ما يُعيد اليك نشاطك ..


        يُتبع

        تعليق


        • (98)

          قال لها : أكملي حديثك ...
          قالت له : حسناً ...
          لكي نفهم الرأي الثالث نحتاج الى معرفة ان الكفر على نوعين وقد ذكرتُ لكَ ذلك في بداية كلامي وهما ... كفر على سبيل العناد والجدال والجحود ، وكفر عن جهالة وعدم معرفة بالحقيقة ، بالنسبة للنوع الاول فالادلة القطعية العقلية والنقلية تثبت ان الشخص الذي يعرف الحقيقة ويجحدها فهو مستحق للعقوبة اما الكفر من النوع الثاني عندما تكون عن جهالة وعدم معرفة على ان لا تكون ناتجة عن تقصير من قبل المكلف فهي في موضع نظر الله ورحمته ولطفه ، ولكي نفهم موضوع العناد والتسليم لابد من التطرق الى موضوع التسليم ، لأن التسليم شرط اساسي لقبول الاعمال (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) والشرط الاساسي لسلامة القلب يمر بثلاثة مراحل وهو تسليم الجسم ، وتسليم العقل وتسليم القلب .
          قال لها : وما الفرق بين هذه الانواع الثلاثة ؟!
          قالت له : تسليم الجسم هو التسليم الذي يشمل الظاهر ولا يعم الفكر ولا الشعور ، مثلاً الانسان المنتصر على خصمه ، فالاخير سوف ينحني لهُ اذعانا بأنتصاره عليه ولكن عواطفه واحساساته فهي مشمئزة من عدوه ، اذن تسليم الجسم لم يُسخر سوى ما يسخره الاجبار والقوة .

          اما تسليم الفكر والعقل ، يستطيع المرء ان يسيطر بهما على قوة المنطق والاستدلال ، اما قوة العضلات هنا ليس لها اي دور ، مثلا لا نستطيع ان نُقنع طالب بأن حاصل ضرب 2 في 2 يساوي اربعة الا عن طريق الاستدلال ، فالعقل هنا يضطر الخصم للتسليم بالاستدلال والفكر ، ومثال على ذلك في المشهور عن جاليلو انه عندما كان يُعذب على عقيدته في حركة الارض حول الشمس ومركزية الشمس للكواكب ، هُدد بالاحراق بالنار فاضطر لأعلان توبته ولكن في الوقت نفسه كان يخط شيئا على الارض ولما لاحظوه وجدوه يكتب " توبة جاليلو لا توقف الارض عن دورانها " ، فالقوة تضطر الانسان للتراجع عن اقواله اما فكره فيبقى غير خاضع ولا مستسلم حتى تقنعه قوة المنطق والبرهان .

          قال لها : كلامك يجعلني اذهب الى فكرة لِما ان الاسلام الظاهري وان تسبب للمرء حُرمة له عند نطق الشهادتين ولكن تجعلنا نعرف انها ليس دليل على ايمان الشخص لأنهُ لم يُذعن بفكره وعقله وسلوكه للاسلام والنماذج في التاريخ كثيرة ، ولِما عمار بن ياسر رغم ما اظهره من كفر للقوم تحت التعذيب ، كان مؤمنا لأن قلبه وعقله وفكره يعيش التسليم لوحدانية الله .
          قالت له: نعم احسنت ، عندما تصح المباني الفكرية والعقلية ، يصح بعدها التفكير عندما نبدأ بقراءة التاريخ والاحداث ، اما الاعوجاج في المباني يجعل ما بعده من تفكير في اعوجاج ويعيش المرء في حالة تخبط كبير وضياع وتشتت فكري .
          قال لها : وما هو تسليم القلب ؟!
          قالت لهُ : هو صميم الايمان ، فاذا لم يقترن تسليم اللسان والعقل بتسليم القلب فأنهُ لا ايمان ، لأن تسليم القلب يعني استسلام كل الوجود الانساني ونفي كل نوع من انواع الجحود والعناد ، لأنهُ من الممكن ان يستسلم الانسان عقليا ومنطقيا امام فكر خاص ، اما قلبه يوجد فيه حالة التعصب والعناد واللجاجة اما لهوى او لمنافع شخصية ، فعقله وفكره مقتنعان ، ولكن روحه متمردة فاقدة للايمان واكبر شاهد على هذهِ الحالة الشيطان فيقول القرآن
          (وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) رغم ان الشيطان كان يعرف الله وبأعترافه هو بأن الله قد خلقه ( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) ويعرف يوم الاخرة والحساب بقوله ( قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ويعرف المخلصين من عباده والذين لا يقعون تحت سيطرته من اولياء الله الصالحين
          (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ففي الوقت الذي ينسب فيه القرآن معرفة هذه الامور كلها للشيطان فهو يطلق عليه اسم الكافر ، ومن هنا نعرف انهُ لا تكفي المعرفة والعلم اي التسليم الفكري والادراك لكي يكون الانسان مؤمناً وانما هناك شرط آخر وهو التسليم القلبي ، فالشيطان قد ادرجهُ القرآن في عداد الكافرين لأنهُ حُرم من هذا الشرط وهو تسليم القلب .


          قال لها : نحن نفهم ان هذا مُسلم لأنهُ في بلاد المسلمين ، وهذا كافر لأنهُ في بلاد الكافرين ؟!
          قالت لهُ : بعدما وضحنا فكرة التسليم وماهيته سوف نعرف ان هذا التقسيم هو تقسيم جغرافي وليس حقيقي وهذا الحكم ليس له اي قيمة حقيقة ، لا في حكم كونهُ مسلما ولا في حكم كونهُ كافراً ، فالكثير منا مسلمون تقليديون جغرافيون لأننا ولدنا من اب وام مسلمين ، اما الاسلام الواقعي والذي يحمل القيمة الروحية السماوية فهو في ان يكون الشخص قد استوعب حقيقة التسليم في قلبه ، واوسع للحقيقة مكانا في صدره فيقبل ما هو حق ويعمل به بعد ان يكون قد قبله على اساس الفحص والتحقيق من جهة وعلى اساس التسليم وعدم التعصب من جهة اخرى ، فلو ان انسانا يتمتع بصفة التسليم للحقيقة ولكنه لعلل اخرى لم يهتد الى حقيقة الاسلام فهو لا يكون حينئذ مقصرا والله سبحانه لا يُعذبه وانما هو من الناجين حيث يقول تعالى ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ) اي من المستحيل ان يعذب الله انساناً دون ان تكون الحجة تامة عليه ، ويطلق عليها المختصون بمصطلح ( قبح العقاب بلا بيان )
          قال لها : من باب المثال مثلُ من ؟!
          قالت لهُ : المختصون يذكرون خير مثال لهذهِ الحالة الفيلسوف الفرنسي ديكارت فهو نموذج جيد لهذا الطراز من الناس وحسب تصريحاته عن نفسه فهو قد ذكر ان فلسفته بدأت من الشك ، اذ اعتراه الشك في كل معلوماته وبدأ من الصفر واتخذ فكرة نقطة البدء فقال ( أنا افكر اذن انا موجود ) ، وبدأ يقترب قليلا قليلا بعد رحلة الشك الى اختيار الدين ، فأختار الدين المسيحي لأنه الدين الشائع في وقته ، ولهُ حديث جميل يقول فيه " انني لا ادعي ان المسيحية قطعا افضل دين في الارض ، ولكن اقول ان المسيحية هي الافضل بالقياس الى الاديان الاخرى التي اعرفها وقد تناولتها في البحث والتحقق ، وليس لي اي عداء مع الحقيقة فقد يكون هناك اماكن اخرى من الدنيا دين ومذهب هو افضل واحسن من المسيحية لا علم لي بها " .
          فاشخاص كديكارت لا يمكن تسميتهم بالكفار لأن هولاء لا يتصفون بالعناد ولا يخفون الحق ، لأن الكفر ما هو الا العناد وتغطية الحقيقة ، فهولاء مسلمون بالفطرة ، وان كنا لا نستطيع تسميتهم بالمسلمين ، فنحن لا نستطيع تسميتهم بالكافرين ، وذلك لأن تقابل المسلم والكافر ليس من قبيل تقابل السلب والايجاب ، انما هو من قبيل تقابل الضدين بأصطلاح الفلاسفة والمنطقيين .
          قال لها : وكيف حكمتي عليه بأنه قد يكون مُسلم ومن الناجين ؟!
          قالت لهُ : ليس القصد من ذكر ديكارت انهُ نبدي وجهة نظرنا في الاشخاص ، فذكرت لكَ هذا اولا واخير راجع لله سبحانه ولكن المقصود من التمثيل بديكارت انهُ لو كان صادقا في حديثه ومستسلما للحقيقة بالمقدار الذي يدعيه لنفسه وانه قد بحث واستقصى بكل جهوده ولم يصل الى اكثر مما وصل اليه فهو يعتبر حينئذ مسلما بالفطرة .
          وكل كلامنا هذا هو مدخل الى الاخلاص وشرطه في قبول الاعمال .
          قاطعها قائلا : توقفي لوقتٍ آخر ...
          قالت لهُ : الا زال التعب يتكور عليك كما يتكور الليل على النهار ؟!
          قال لها : نعم ...
          قالت لهُ : دعنا نُكمل في وقتٍ آخر ...
          قال لها : لكن لا تذهبي ، وجودك يزرع الاطمئنان في قلبي ...
          قالت لهُ : لا يزرع الاطمئنان في القلب أكثر من الاطمئنان بوجود الله سبحانه بيننا فهو الاقرب للانسان ، يعرفُ حقيقة التعب والالم ومقداره ،فَيُنزل سكينته عليه من بوابة لطفه ورحمته به ، هو الذي يبقى حيث الكل يرحل ، هو الذي يفهم حيث الكل يتخلى عن الادراك والفهم ، هو الذي يعذر ولا يرى الذنب نهاية كُل شيء بينه وبين عبده ، هو الذي يرى الاهات والدموع المنحدرة من قلب الروح ، ونزيفها حيث لا يرى الاخرين الا وجهاً صامت او يبتسم ، هو الذي يستحق ان لا يتم التخلي عنهُ ، لأنهُ لا يتخلى عن الانسان في احلك الظروف ، حين يتخلى عنهُ الكل ...
          ابتسم لها وقال : جميل ان نجد في هذهِ الحياة مَن يُذكرنا به اذا نسيناه ، ويجعلنا نستشعر وجوده اذا ما غفلنا عنهُ .

          قالت لهُ : ارجوك دعني اراهُ فيك ، ذكرني به ، لا تجعلني اتخلى عنهُ في ساعة الغفلة ، لا تجعلني اتخلى عنهُ ، بغلبة هوى ، فما يموت في سبيله سوف ينمو عنده عطاء وتوفيق لكلينا .
          نظر اليها عميقاً وصمت ...

          يُتبع .

          تعليق


          • (99)

            وجدت المكان مُظلماً ، بارداً ، وكأنه ُخرابة غادرها اصحابها مُنذ زمن ...
            فأنارة الاضواء ، واشعلت بعض الشموع ، ثم رمت بعض اعواد الخشب في الموقد ...
            سمعَ صوت الحياة يدبُ في المكان ...
            قال : مَن هُناك ...
            قالت لهُ :لا تخف ، هذه انا ...
            قال لها : لِما لم تذهبي ...
            قالت لهُ : لأن هناك اشياء تتجاوز المادة ، فلا يُمكن ان تتلاشى كنجمة مُحتضرة ، أو تذوب كالشمعة ، أو تختفي كالحي الذي يموت ...
            قال لها : اُفضّل الوحدة الان ، تكسرت كلماته مع صوت سُعاله ، وبدت ذابلة كملامح وجهه المُتعبة والحزينة ...
            ظلت صامته ...
            واخذت تُحضر لهُ كوباً من الاعشاب لتخفف ألمه ...
            قدمتهُ أليه ، فارادَ ان يُبعدها عنهُ بأي طريقة.. فالقى الكوب من بين يديها ، ليتكسر على الارض ويتناثر الى اشلاء ...
            وقال : هكذا بعض البشر يتكسرون الى اشلاء عندما يسقطون من العين على ارض النفس فلا يكونوا بعدها الا شظايا تؤلم كلما تحركت قطعة منها ...
            ظلت صامته وحزينة ...
            أخذت تجمع قطع الزجاج المُتكسرة ...
            ارادَ ان يُبعدها أكثر ...
            قال لها :ساذجة اتركي الزجاج لا شأن لكِ به ...
            ظلت صامته والدمع أخذ ينحدر مِن عينيها ...
            قال لها لِيُبعدها أكثر وأكثر : دموعك لا تهمني ، انتِ لا شيء بالنسبة لي ...
            اخذت قطع الزجاج تنغرز براحتيها ، وهي لا تشعر بها لأن الالم الذي هي فيه أكبر مِن ألم قطع الزجاج المنغرزة بيديها ...
            قال لها بقلق : انتبهي ليديكِ ، واخفض صوته واضاف ... انها تنغرز في قلبي ...
            ثم قال لها بعطف : لمَ لا تسمعين كلامي ... لا تدعيني اؤذيك ... اتركيني لوحدي ...
            قالت لهُ وهي تجهش بالبكاء : كل شيء يمكن ان يتغير ، الا الصادقون بمشاعرهم لا يتغيرون ، وهم الذين يضعون رضا الله في الاخرين نصب أعينهم ، فيجب ان يكون هناك قلب واحد على الاقل ، تعرف يقينا انك لن تسقط منه ابدا ، ان تبقى مطمئنا وأنتَ فيه ، ويبقى يدعو لكَ دائماً ..
            قال لها : لِما تبكين ...
            قالت لهُ : احيانا لايؤذي الالم بقدر ما يؤلمنا سوء تقدير الاخرين لنا ...
            قال لها : اتركيني لوحدي ...
            قالت لهُ: من كان موسميا هذا ديدنه الرحيل ، اما من كان مُزهراً على الدوام فهو يبقى يفوح عبقاً لا تبدده الايام ...
            قال لها : المكان موحش ومُظلم اخافُ عليكِ
            قالت لهُ : رُغم الظلام الوردة تبقى وردة ، تقف بشموخ ، لا تأبه لأعاصير الظُلمات ، تمنح عطراً تستقطب بهِ ارواحاً قد تاهت في دروب الحياة ، لتأخذها الى افق فجرٍ جديد ، عندما يمرون على الاخطاء والهفوات وقد اُنريت كشموع يهتدون بها في مسيرتهم في قطع الليل الحالك ، على عكس الاخطاء والهفوات التي بقيت غير مُشتعلة لأنهزام اصحابها ، وانسحابهم من معركة الحياة ، ومجابهة مشاكلهم بأسدال الستار عليها ، فاخطاء الامس هي شموع اليوم ، اخطاء الامس التي لا يمكن اصلاحها ، هي بداية لسعادات اُناس اخرين يتعلمون منها فيحذروا من الوقوع فيها فيكتبوا نهاية سعيدة لأنفسهم عندما لا يكررون نفس الاخطاء ، ومن احيا عقلا او قلبا ، كأنما احيا الناس جميعاً .
            قال لها ونظرة الحنان في عينيه : انا اعيشُ في العتمة ...
            قالت له : ربما قد يختارك الكثيرون حين توهجك فهذا امر طبيعي ولكنك حين تنطفئ ويبقى شخص معك في عتمتك فهذا شيء نادر لأن وجوده يدلُ ليس لمصلحة ...
            قال لها بصوتٍ حازم: كفي عن جمع الزجاج ، اتركيه ، سوف أجمعه انا ... وكفكفي دموعك .. واخذ اعواداً مِن الخشب والقاها في الموقد ...ثم جلب ضماداً ليديها...
            وقال بعطفٍ لها : أكملي حديثك ...
            ابتسمت لهُ : حسناً .. ثم رمت بعض اعواد الخشب في الموقد ...

            يُتبع .

            تعليق


            • (100)



              قالت لهُ : أين وصلنا ؟!
              قال لها : الى ان الاخلاص أو الايمان هو شرط في قبول الاعمال .
              قالت لهُ : نعم فالمتنورين او المتسامحين ذهبوا ان اعمال الخير والتي يقوم بها الكفار مقبولة عند الله وذكرتُ سبب قولهم هذا يعود الى ان قبح وحسن الاعمال امر ذاتي وليس عرضي ، فعمل الخير سواء صدر من مؤمن او كافر فماهيته خير ولا بد ان يقبل عند الله لأن الخير من كل شخص خير ، والشر من كل احد هو شر ، ونسبة الله الى كل عباده واحدة .
              قال لها : ولكن هذا الكلام اراهُ صحيح ولا غُبار عليه .
              قالت لهُ : صحيح ولكن يجب علينا ان نزيد في المعرفة والاطلاع لنعرف الصورة الكاملة للموضوع ، فالاستقطاع ، النظرة غير الشاملة ، قد يوقعنا ايضا في متاهة فكرية .
              قال لها : وكيف ؟!
              قالت لهُ : مثلا في رأي المتنورين او المتسامحين استدلالهم صحيح ولكن هناك امر تم التغافل عنه ولابد من ذكر بعض المصطلحات الاصولية وهو في الوقت الذي عرفنا ان القبح والحسن هو امر ذاتي وليس عرضي علينا ان نعرف ان الحسن والقبح على نوعين : فعلي وفاعلي ، وكل عمل له بعدان وناحيتان ولكل ناحية من حيث الحسن والقبح حساب مستقل ، فالعمل الواحد من الممكن ان يكون حسنا بلحاظ احد ابعاده ولكن قبيح بلحاظ بعده الثاني ، وقد يكون كلا بعديه متصفين بالحسن او كلاهما بالقبح .
              قال لها : وضحي أكثر .
              قالت لهُ : البعد الاول للعمل يتصل لما لهذا العمل من اثر مفيد او ضار في الخارج اي في مجتمعتنا البشري ، وهناك بُعد ثاني للعمل وهو انتساب العمل الى فاعله بما ينطوي عليه من دوافع نفسية وروحية حركتهُ نحو هذا العمل ، فمن حيث البعد الاول ننظر الى اي مدى هذا العمل مُضراً او مُفيداً ، وفي البعد الثاني لابد ان نحلل الوضع الروحي والفكري للعامل لننظر نوعية السلوك الذي دفعه لهذا الفعل واي الاهداف يقصد ، وعليه فالسجل التاريخي للبشر يقضي بشأن الاثر النافع والضار للاعمال البشرية وهو الذي يقوم بمدحها وذمها ، اما انتساب الاعمال الى الروح البشرية وما يتعلق بأهدافها وقصدها يُسجل في السجلات العلوية الملكوتية ، فالتاريخ البشري يُريد عملا نافعا ومفيدا وضخما ، اما السجلات العلوية تُريد مثل هذا العمل ولكن مُضافا اليها النية والقصد من هذا العمل .
              قال لها : ما يُراد هو اصالة العمل في المجتمع البشري ، أما اصالة النية والفكر فهي ما بينه وبين الله ، فأنا اليوم اُريد بناء وتقدم وتطور وعمران ، ثم ما الدافع من وراء هذه الاعمال ليس لي شأن بها ؟!
              قالت لهُ : على هونك ، نحنُ حديثنا هل اعمال الكفار مقبولة عند الله ام لا ، هذا اولا ، وعليهِ لكي نعرف هل هي مقبولة ام لا كان اصل حديثنا ولابد عندها من التطرق الى اصالة الفكر والنية لنعرف هل هي مقبولة ام لا ، لأنهُ عندما قلنا ان للعمل بعدان بعد فعلي وفاعلي ، وقلنا ان التاريخ البشري هو الذي يقضي بشأن الاثر النافع والضار للاعمال البشرية انهُ الناس سوف تذهب الى ما ذهبت أنت َ اليه في انها تُريد العمل الجيد ولا شأن لها بنية العمل ، ولكن الله سبحانه ماذا يُريد مِن البشر ؟ هل يُريد فقط العمل الجيد اي فقط بعده الفعلي ، ام البعد الفاعلي ايضا لكي يُسجل في السجلات الملكوتية ؟!

              واضافت ... فأصالة الفكر والنية ليست بأقل من اصالة العمل ، فالذي ينسب الاصالة للعمل ويجرد الفكر والنية منها انما هو فكر مادي ، لأن القرآن يرى ان شخصيتنا الحقيقة كامنة في روحنا ، فالنية وموقعها في روح الانسان هي التي تدفعه للعمل ، اذن النية هي جزء من العمل واصالتها لا تقل عن اصالة العمل ، اذ ان الحسن والقبح الفعليان في البعد الاول يرتبطان بالاثر الخارجي لذلك العمل ، اما الحسن والقبح الفاعليان في البعد الثاني فهما مرتبطان بكيفية صدور الفعل من فاعله ، ففي الحالة الاولى يكون حكمنا على الفعل بلحاظ النتيجة الخارجية والاجتماعية له ، اما في الحالة الثانية فحكمنا عليه بلحاظ التأثير الداخلي في اعماق الشخص الفاعل .

              قال لها : وماذا نستفيد من الاهتمام من البعد الثاني او البعد الفاعلي ؟!
              قالت لهُ : نستفيد منهُ ليسجل العمل في السجلات الملكوتية وليست فقط في السجلات التاريخية ، بالاضافة الى ان غاية الخلق هو ليبلوكم ايكم احسن عملا ، ولو تأملت قال احسن ولم يقل أكثر عملا وذلك لأننا اذا قمنا بعمل متأثرين بالدوافع الروحية فانهُ بالاضافة الى ظاهر العمل من قيم اجتماعية عند الناس ، فأن العمل قيمة معنوية عند الله سبحانه فمثلا عندما يتم تشييد مستشفى او مدرسة من قبل احد الافراد فلا شك ان هذا العمل من وجهة نظر اجتماعية وفي مقياس التاريخ البشري هو عمل خير ونافع ومفيد لخلق الله ، ولا يهمنا هل قام بتشييدها للرياء او للتظاهر والتباهي ، او لدوافع انسانية ، فهنا الناس والتاريخ لا يهتم بنيات الاشخاص ، انما ينظر الى العمل الظاهري ويطلق عليه عمل خير ، ولكن بلحاظ الحسن الفاعلي فلا يتم النظر الى الاثار الاجتماعية للفعل وانما نلاحظ ارتباط العمل بالفاعل ، وعندها ليس كافيا كون العمل مُفيداً للمجتمع لكي نعدهُ عمل خير ، وانما لابد من البحث عن نية الفاعل واهدافه والقصد من وراء اعماله ، فاذا كان الفاعل ادى الفعل بنية طاهرة ونقية فأن عمله يتصف بالخير فيصبح بذلك ناجحاً ببُعديه ، البعد الاجتماعي التاريخي ، والبعد المعنوي السماوي ، اما اذا الفاعل ادى العمل بدافع الرياء او لجلب المنافع الشخصية فان لعمله بعدا واحدا ، فهو ناجح بحكم التاريخ ولكنه ساقط من حيث البعد المعنوي الالهي ، وبذلك فهو قدم خدمة للمجتمع ولكن لم يخدم نفسه ، فالعمل المُفيد اجتماعيا ، لا يكون عملا مُفيداً روحيا ومعنويا للشخص مما يجعله يتحرك نحو التكامل فيترك عبادة الذات ويتمسك بالاخلاص والصفاء . وبذلك يتخلخل الدليل العقلي الذ اعتمده المستنيرون في كون القبح والحسن للاعمال ذاتية وليست عرضية ، وفي ان الثواب يشمل المؤمن والكافر

              قال لها : ولكن الناس المهم عندها هو عمل الخير وليس مهما نية العمل !
              قالت له : يوجد تفاوت اساسي بين القوانين الالهية والقوانين البشرية فالقوانين الالهية لها بعدان ، اما البشرية لها بعدا واحد ، فالقوانين البشرية لا تهتم بالنظام الروحي والتكامل المعنوي ، فمثلا دولة تقوم بجمع الضرائب من المواطنين ، فهي لا تهتم بنيتهم اذا كان اعطائهم للمال عن كراهية ، او طيب خاطر او عن خوف واجبار ، لأن هدفها هو جمع المال ، ولكن القوانين الالهية تأبى ذلك ، لأنها تُريد العمل مقترن بالنية المخلصة وقصد القربة ، فالاسلام يُريد العمل حيا ولا يُريده ميتاً لا روح فيه ، لذلك نرى انهُ حتى المُسلم اذا ادى مثلا الزكاة وخالطه بشيء من الرياء فأن عمله غير مقبول لهذا ورد الكثير من الاحاديث التي تولي النية اهميم كبيرة وفي عدة اقوال منها ( انما الاعمال بالنيات ) ( ولكل امرئ ما نوى) (لا عمل بلا نية ) ( انما الاعمال بالنية وانما لامرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه ) ( اجعلوا اعمالكم لله لا للناس ، وذلك لأن كل ما لله فهو اليه يتجه ، وكل ما للناس فهو لا يرتفع الى الله ) ، وبذلك فالنية روح العمل فكما ان الجسم الانساني شريف بالروح فكذلك شرف العمل يرتبط بروحه ، وروح العمل هو الاخلاص يقول الله تعالى ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)

              قاطعها ...قائلا : هل تظنين بكلامك البسيط هذا تُغيرين شيئا ؟!
              قالت لهُ : لا تظن ان اصابة الحق والهدف مُتعلق ببساطة الكلام أو تعقيده بالفلسفة والمصطلحات اللغوية والحوزوية ،ولو كان كذلك لما اليوم القرآن بين اظهرنا وهو كلام الله سبحانه وكل الناس بمختلف مستوياتهم يغرفون منهُ ما تيسر منهُ بوعاء عقلهم ، فالهداية والتوفيق والوصول الى الصواب ليس فقط جهد شخصي ، انما هو توفيق الهي ليس فقط عند الوصول اليه ، انما في استمرار الثبات عليه . واضافت : لن استطيع ان اُغير فكرة شخص ، وليس هذه غايتي بقدر ان ازرع فكرة يمكن ان تنمو في عقل الاخر اذا ما اراد سقايتها بالتفكر .

              أبتسمت ...
              قال لها : لِما تبتسمين ؟!
              قالت لهُ : لأمرٍ في نفس يعقوب ...

              يُتبع .

              تعليق


              • (101)
                قال لها : اذن وحسب كلامك فأنتِ تؤيدين رأي المتشددين والذين يرون اذا تساوى المسلم وغير المسلم في كون اعمالهم مقبولة عند الله فالاسلام اذن زائد ولا فائدة منهُ ؟!
                قالت لهُ : كلا لم نذهب الى رأي المُتشددين ، لوجود ما يدفع قولهم ، وبما قد وضحناهُ سابقاً في ان الكفر نوعان وليس نوع واحد ،فالآيات القرآنية والروايات الشريفة لم تأتي في ما يخض الناس في سياق واحد وذلك لأختلاف واقع الاشخاص المعنيين، فهناك عوامل تغير الحكم اتجاههم ومن هذه العوامل الجحود والعناد وعدم المعرفة والنية ، والتي ذكرناها سابقا ، في ان من تصلهُ الحقيقة فتغلق عليه ابواب الشبهات ويسلم لها عقله ولكن بعد ذلك يجحدها في قلبه لميل وهوى فيعاند ولا يؤمن فهذا مصداق للكفر وما يترتب على ذلك من عذاب وعدم قبول الاعمال ،ولكن هناك اصناف من الناس يختلفون عن هذا النوع من غير المسلمين ممكن ان يشملهم الله برحمته ويرفع عنهم العذاب.
                قال لها : ومن هولاء ؟!
                قالت لهُ : المستضعفون ،والمرجوون لأمر الله قال تعالى ( الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ) وقال تعالى ( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم )

                والمستضعفون اصناف كما وضحت العديد من الاحاديث الشريفة ، فعن الصادق قال ( ان المستضعفين ضروب يخالف بعضهم بعضا...)
                ومِن هؤلاء:
                * من لم تصل إليه الحجة
                قال تعالى (...وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ).
                فعن الإمام الكاظم : ( الضعيف من لم يرفع إليه حجة ، ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف).
                وعن الإمام علي ( لا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها اذنه ووعاها قلبه )
                وعن الصادق ( لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا )
                وعنهُ ( حقيق على الله ان يدخل الضلال الجنة ، فقال زرارة كيف ذلك جعلت فداك ، قال يموت الناطق ولا ينطق الصامت فيموت المرء بينهما فيدخله الله الجنة) وروي عن امير المؤمنين الإسلام هو التسليم...)إن بعض الاشخاص تجدهُ مسلّمًا للحق تابع له اذا علمه ولكنه لضروف كثيرة ومن اهمها الزمان والمكان حجبته عن الاسلام ولم يتوصل إليه، ومثل هؤلاء المسلمين للحق الغير جاحدين له اذا وصلوا اليه لا يدخلون بتعريف الكفر لأنهم غير جاحدين او متسترين عن الحق ،
                روي عن الباقر (كل شئ يجره الاقرار والتسليم فهو الايمان وكل شئ يجره الانكار والجحود فهو الكفر ).
                * المستضعفين (بسطاء العقول)
                أن المستضعفين والذين لا خبر لهم عن حكم أصلا معذورون ، ولا يتعلق بهم حكم الكفر ، فالذي لم تصل إليه الدعوة في جميع الامور أو في بعضها لعدم سماعه أو عدم فهمه فهو ضال أو مستضعف ، ليس بكافر ولا مؤمن ، وهو أهون الناس عذابا بل أكثر هؤلاء لا يرون عذابا وإليهم الاشارة بقوله سبحانه

                ( إلا المستضعفين من الرجال و النساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ).
                قال لها : واعمالهم مقبولة ام لا ؟!
                قالت له ُ : ذكرنا سابقا ان اعمال غير المسلمين الجبارة والتي قدمت للبشرية خدمات جليلة كمن اكتشف الكهرباء والدواء وآلات النقل وما شابه وحتى الاعمال الفردية الصغيرة فهل تنفع صاحبها ام لا ؟! ووضحنا سابقاً ذلك بقولنا ان للعمل بُعدا ظاهريا وبُعدا روحيا ، والناس عادة تنظر الى البعد الظاهري المادي اما بالنسبة لله سبحانه فهو ينظر الى العمل على الصعيد المادي والمعنوي فأحيانا يعمل الانسان عملا كبيرا يخدم فيه المجتمع ولكن نيته لم تكن لله ولا لنفع المجتمع بل لأنانيته، فمثلا ان شخصا اكتشف امرا ما يخدم الانسانية فإن كان انانيا خبيثا جاحدا للحق واكتشف امر اخر يدمر البشرية ممكن ان ينشره اذا كان يستفيد منه اما اذا لم يكن انانيا ويكون بدافع القربى او بدافع خدمة الغير فلا يقدم على نشر ما يدمر البشرية وان كان فيه نفعا كبيرا لذاته, وعلى هذا الفارق الكبير يكون الحساب.
                وقد جائت الايات والروايات وهي تشير الى ان عمل بعض الناس يذهب هبائا منثورا يوم القيامة ، لأنهُ لم يقصد البعد المعنوي والقربى من الله سبحانه وان كان يُعطيه لله سبحانه في الدنيا جزاء عمله بمال او بذكر حسن او شهرة وما شابه ذلك فيكسب اجره في الدنيا اما الطيبون والذين يخدمون ويقدمون حبا للخير وللبشرية فقد جائت الاشارة اليهم في بعض الروايات بأنتفاعهم بذلك وان كانوا من غير المسلمين ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : (كان في بني إسرائيل رجل مؤمن وكان له جار كافر فكان يرفق بالمؤمن ويوليه المعروف في الدنيا ، فلما أن مات الكافر بنى الله له بيتا في النار من طين ، فكان يقيه حرها ، ويأتيه الرزق من غيرها ، وقيل له : هذا بما كنت تدخل على جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق وتوليه من المعروف في الدنيا )
                و عن الصادق: ( أن مؤمنا كان في مملكة جبار فولع به ، فهرب منه إلى دار الشرك ، فنزل برجل من أهل الشرك فأظله ، وأرفقه ، وأضافه ، فلما حضره الموت أوحى الله عز وجل إليه : "وعزتي وجلالي لو كان لك في جنتي مسكن لأسكنتك فيها ولكنها محرمة على من مات بي مشركا ، ولكن : يا نار هيديه ولا تؤذيه ، ويؤتى برزقه طرفي النهار . قلت : من الجنة ، قال : من حيث يشاء الله )
                قال لها : هناك من يرى انهُ ما دام مُسلماً أو انه على المذهب الفلاني فأن كل اعماله مقبولة ، وانهم لا محالة في الجنة ؟!
                قالت لهُ : لا قرابة لله مع احد حتى لو كان مُسلماً او على على المذهب الفلاني

                يقول محمد بن مارد قال : قلت للامام الصادق : حديث روي لنا أنك قلت : ( إذا عرفت فاعمل ما شئت ؟ فقال : قد قلت ذلك ، قال : قلت وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر فقال لي : إنا لله وإنا إليه راجعون ; والله ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم ، إنما قلت : إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فإنه يقبل منك.)
                بل نجد ان الائمة يدفعون مثل هذا التفكير ، ففي حديث طاووس مع الامام زين العابدين (...فقلت : أنا طاووس يا ابن رسول الله ، ما هذا الجزع والفزع ؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جافون ! أبوك الحسين بن علي ، وأمك فاطمة الزهراء ، وجدك رسول الله ! قال : فالتفت إلي وقال : هيهات هيهات يا طاووس ، دع عني حديث أبي وأمي وجدي ، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان عبدا حبشيا ، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولدا قرشيا .أما سمعت قوله تعالى : " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " والله لا ينفعك غدا إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح).
                ونحن لو رأينا رواد التشيع كسلمان وابو ذر لوجدناهم من المجتهدين في العمل والورع عن المحارم والخوف من الله سبحانه ايما خوف ، ولو كان الشيعي مثلا ينجى قطعا بالشفاعة لعلموا ذلك من الامام ولم نرى منهم هذا الخوف ، بل الائمة أنفسهم كانوا منقطعين بالعمل والاجتهاد بالعبادة وترك المحارم ولا بد ان يكون هناك تجانس بين التابع والمتبوع .

                فقبول العمل لا يكون الا بقصد وجه الله والاخلاص لهُ فلا يكفي اي انسان سواء مسلم او غير مسلم او مسلم وعلى مذهب مُعين ان يقوم بعمل صالح ونافع وكفى ، لهذا لابدّ ان يجد الانسان في تحصيل الاخلاص لله والمحافظة عليها فعن الباقر قال ( الابقاء على العمل اشد من العمل ، فقال الرواي وما الابقاء على العمل ؟قال يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فيكتب له سراً ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ثم يذكرها وتكتب لهُ رياء )

                و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال حين بُعث إلى اليمن : يا رسول الله ، أوصني ، قال ( أخلص دينك يكفك العمل القليل )
                وأخبر الرسول عن أول ثلاثة تُسعر بهم النار :(قارىء القرآن , والمجاهد , والمتصدق بماله , الذين فعلوا ذلك ليقال : فلان قارىء فلان شجاع , فلان مُتصدق , ولم تكن أعمالهم خالصة لله )

                فهؤلاء الثلاثة ومن على شاكلتهم تُسعر بهم النار أول ما تُسعر , ذلك لأنهم ما أخلصوا أعمالهم لله، وإنما كانت لنيل عرض عاجل من أعراض الدنيا من الجاه والمنصب ومن السمعة والشهرة
                ولهذا مدح الله عزّ وجلّ الذين أخلصوا عملهم لوجهه دون سواه , وأثنى عليهم بقوله ( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً , إنما نطعمكم لوجه الله , لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً ) .
                قال لها : بينتي ذلك في ما يخص المسلم وغير المسلم ، ولكن نحنُ نعلم ان المسلمين فرق ومذاهب ، فكيف يكون حكمهم ؟!
                قالت لهُ : المباني نفسها ، يمكن تطبيقها بتغيير المسلم وغير المسلم الى اكبر فرقتين يتفرق اليه المسلمين ، فاذا كان قصدك حول الولاية لأهل البيت والبرائة من اعدائهم ،فمن وصلت أليه الحجه ولم يقبلها جحودا منه للبرهان والحقيقة فهذا يكون مصداق للكثير من الروايات التي تجعل عمله غير مقبول وهو من الهالكين يوم القيامة ، اما اذا كان غير ملتفت ولامعاند ولا جاحد للحق ولم يقصر في طلب الحق فقد صرحت الروايات بدخوله الجنة اذا كان مطيعا لله سبحانه ومنها عن الصادق (..ومن لم يكن من أهل القبلة ناصبا فهو مستضعف ). وقد بينا آية المستضعفين سابقا ، و عن أبي عبد الله عن آبائه قال ( إن للجنة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيون والصديقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منه شيعتنا ومحبونا ، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت)
                و عن زرارة ، قال : سئل أبو عبد الله وأنا جالس عن قول الله ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " يجري لهؤلاء ممن لا يعرف منهم هذا الامر ؟ فقال : لا إنما هذه للمؤمنين خاصة ، قلت له : أصلحك الله ، أرأيت من صام وصلى واجتنب المحارم وحسن ورعه ممن لا يعرف ولا ينصب ، فقال : إن الله يدخل أولئك الجنة برحمته) ، وعن ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر قال : قلت له ( جعلت فداك ما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ، ولا يعرفون ولايتكم ؟ فقال : أما هؤلاء فإنهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنه يخد له خدا إلى الجنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتى يلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فإما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، فهؤلاء الموقوفون لأمر الله . قال : وكذلك يفعل بالمستضعفين ... والأطفال وأولاد المسلمين ، الذين لم يبلغوا الحلم ) ، وعن أبي عبد الله في قوله عز وجل : ( " إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " فقال : لا يستطيعون حيلة إلى النصب فينصبون ، ولا يهتدون سبيل أهل الحق فيدخلون فيه ، وهؤلاء يدخلون الجنة باعمال حسنة ، وباجتناب المحارم التي نهى الله عز وجل عنها ، ولا ينالون منازل الأبرار)
                واضافت ... وبذلك واذا ما رجعنا الى بداية حديثنا فأن الاعمال الصالحة تعود على صاحبها بالنفع ، اما منفعة دنيوية اذا كان قصدهُ منها فقط هذا البعد المادي ، او منافع دنيوية وروحية ، اذا كان قصدهُ الله سبحانه ، فعطاء الله ليس محضورا لمن يُريد الدنيا او يُريد الاخرة (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) وحسب مقصدهم ووجهتم التي تتجه اليها نية اعمالهم ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا). وليس لنا الحق ان نحكم او نحاسب الاخرين فندخل من نشاء الجنة او من نشاء النار ، لأن الله وحده هو الاعلم بنيات الناس واحوالهم.
                قال لها : لما ترين ان الشيعة هي الفرقة الناجية ؟! فجعلتي قياس الحق والباطل عليها ؟!
                قالت لهُ : كل فرقة او ديانة ترى ذلك في نفسها وهذا ليس حركاً على فرقة مُعينة ، وفق المباني التي يعتمدها كُل مذهب او ديانة ، وعليهِ ان يجدّ الانسان في الوصول الى الفرقة والمذهب والدين الاقرب الى ما يُريده الشارع المُقدس منهُ ،وان يُخلص نيته مع الله سبحانه فهذا هو طريق النجاة الحقيقي ، اما عدم اخلاصه مع الله في البحث والتقصي وممارسة الجحود والعناد اذا ما استشعر ضعف حجته او التماسه الحق من الاخر فهو الخاسر لا غيره في يومٍ لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ، اما ونحنُ هُنا في هذه الدنيا ليس لنا الا التعايش السلمي مع بعضنا البعض حتى يقضي الله امره في تم الاختلاف فيه ، وعليه لغة التكفير والاستهزاء واستخدام كلمات فيها قلة ادب تمس شخوص او عقيدة الاخرين ، ليست من ادب الاسلام الذي يجتمع تحت لوائه جميع المسلمين بمختلف فرقهم ومذاهبهم .
                ابتسم لها وقال : يُقال " اقترب ممن يفتحون في روحك ابواب من نور ، ويقولون لك انه في وسعك ان تُضيء العالم "
                قالت لهُ : جميل ان نجد اشخاص يُفكرون بفتح ابواب النور في ارواحنا ، ليكونوا لنا ملاذاً وسنداً عندما تهجم العتمة من نوافذ الحياة .

                قال لها ضاحكاً : طفلتي ، ام صغيرتي ، ام ساذجتي ، لا ادري كلها الان تليق بكِ ..
                اقطبت جبينها وقالت : لا تُعيدها على مسامعي ، والافضل ان اقوم بتحضير مُُثلجات ..
                قال لها ضاحكاً : مجنونة في الشتاء ومثلجات لا استحق هذهِ العقوبة منكِ .

                تعليق


                • قال لها : كيف سترين ما افعلهُ مِن أجلك وانتِ تغضين الطرف عني ؟!
                  قالت لهُ : لا تقلق سوف اُخبر بهِ اذا كان ما تفعلهُ مِن أجلي صادقاً .
                  ابتسم وقال : كيف ؟!
                  قالت لهُ : يراهُ بصيرة قلبي ، ويتحسسه وجداني ، ويلمس دفئه انامل روحي .

                  تعليق


                  • (103)


                    قالت لهُ : ما هي أكبر الاخطاء التي يقع فيها الشباب ؟!
                    قال لها : أن يبحث عن لمعان جمالها ، وأن تبحث عن بريق ماله .
                    قالت لهُ : سيضحكون عليك لأنك تُغرّد خارج السرب !؟
                    قال لها : ولما يضحكون ؟!
                    قالت لهُ : لإن الرَجُل يقول لمعان جمالها هو الذي يأسُرني وهو الذي سوف اتعايش معه ، ما شأني بنضوج عقلها وكمال روحها ، والمرأة تقول بريق ماله هو الذي يوفر لي ما اُريده مَن ترف الحياة ، لا شخصيته وأخلاقه .
                    قال لها : بل لامستُ بجناحي الواقع ، فنحنُ نتذوق المعنى من الكلمات ، وتُعجبنا الافكار مِن العقول ، وتشدنا الايحاءات مِن الصور ،
                    ونستأنس بأصدقاءٍ لم نرى الا ارواحهم ، والمعنى والافكار والايحاءات والشخصية هي روح تلك الماديات ، فكيف اتغاضى عن اهمية الروح وطباعها وسلوكها في شريكٍ سيكون دائمي واهتم بجانبه المادي فقط ؟!
                    قالت لهُ : وما دليلك ؟!
                    قال لها : تجارب الاخرين ..(يأتي أو تأتي ) ويقول بعد شهر من الزواج الشريك ليس نفس الشخص الذي أسرني واحببته ، انقلب الى شخصٍ اخر ؟! في حين هو ليس انقلاب بقدر ان لمعان الجمال قد افل بالتعود عليه وبقى يتعامل مع اخلاقها وروحها ، وبريق المال صدأ بالشعور بالنقص الروحي ، وبقيت تتعامل مع سلوكه وشخصيته .
                    قالت لهُ مُبتسمة : الجمال يأسركم هذهِ حقيقة
                    ضحك وقال : وهذه الحقيقة أكبر خدعة يقع فيها الرَجُل يقول روبرت دي نيرو وهو ممثل ومنتج امريكي " اكبر خدعة يقع فيها اغلب الرجال ، حين يعجب احدهم بوجه فتاة فيتزوجها كلها "

                    تعليق


                    • (104)




                      قالت لهُ : تتذكر ...
                      عندما قلت للنجمة ،
                      أنحدري .. أنحدري ..
                      حتى يبقى المسافر على سفر ...
                      قالت لهُ : تتذكر ...
                      عندما قلت للوردة ،
                      تفتحي .. تفتحي ..
                      ليبقى بستان الروح يعبقُ بالعطر ..
                      قالت لهُ : تتذكر ...
                      عندما قلت للامطار ،
                      أنهمري .. أنهمري ..
                      ليعود الى الناي لحنهُ الاخضر ..
                      قال لها : كفي ... أرجوك كفي ..
                      لا تُحركي ملح البحار القديمة على روحٍ لم تنسى لا زالت تتذكر !

                      تعليق


                      • (105)
                        قالت لهُ : قيل " مَن لم يراك في الصحو ، لن يراك في الضباب "
                        ابتسم لها وقال : ولكنّي اراكِ !
                        قالت لهُ : حقا تراني ؟
                        ابتسم وقال : بعيون القلوب وهمس النفوس على الفطرة
                        قالت لهُ : وكيف ؟!
                        أن الذي يعلق في الذاكرة ليس لون الورد أنما عطره .

                        تعليق


                        • المشاركة الأصلية بواسطة راهبة الدير
                          (105)
                          قالت لهُ : قيل " مَن لم يراك في الصحو ، لن يراك في الضباب "
                          ابتسم لها وقال : ولكنّي اراكِ !
                          قالت لهُ : حقا تراني ؟
                          ابتسم وقال : بعيون القلوب وهمس النفوس على الفطرة
                          قالت لهُ : وكيف ؟!
                          أن الذي يعلق في الذاكرة ليس لون الورد أنما عطره .




                          لا ادري لعل هذهِ الصيغة أجمل !

                          قالت لهُ : انا اسكن مُدن الضباب ، لا تستطيع رؤيتي ؟!
                          أبتسم وقال : أستطيع أن اراكِ ؟!
                          قالت لهُ مُندهشه : حقاً ؟!
                          قال لها : اراكِ بعين القلوب وهمس النفوس ، على الفطرةِ .
                          قالت لهُ : وكيف أنكشف لكَ ذلك ؟!
                          قال لها : تجاوزت الطين ، فأنا مِن طين السماء ،
                          فالكل يرى لون الورد فيأسرهُ ،وأنا أخذتُ أرى عطره ..
                          فلا يستهويني الذي يذبل أو يموت ، بل الذي يبقى مدى الدهرِ يعبقُ جمالاً في الذاكرة!

                          تعليق


                          • (106)


                            قال لها : وكيف تتعاملين مع ما تكتبين ؟!
                            قالت لهُ : كما تتعامل الورقة مع ما حبر القلم ، أجعلهُ يستريح على صفحة روحي سلوكاً قبل أن أنطقه .
                            قال لها : ولماذا ؟!
                            قالت لهُ : كَبر مُقتاً عند الله أن نقول ما لا نفعله .
                            قال لها : صعب !
                            قالت لهُ : نعم .. جُند الظلام مِن الهوى والناس ، والشيطان الاكبر مِن ورائهم ينفثُ وساوسه ، وتخيل أنا وحدي في ساحة المعركة ، ففي الجهاد الاكبر كُرٌ وفرٌ ويوماً يصرعنا ، ويوماً نصرعه !
                            قال لها : جعلتي أياس من خوض المُغامرة ؟!
                            قالت لهُ : لا يأس مع الله ، أن كيد الشيطان كان ضعيفاً عندما يُمددك ربك بجنود مِن العون مسومة .
                            قال لها : وما الفائدة ؟!
                            قالت لهُ : الا ترى كَثر الوعاظ ، والناصحين ..
                            لا تظلم ، لا تكذب ، لا ترتشي ، تعاون ، لا تكُن بخيلاً ، لا تَكُن جاهلاً ، كُن مُخلصاً ، كُن مُتعلماً ، كُن انساناً ..
                            ولا زلنا مِن الامم المُتخلفة ؟!
                            لأن الامم لا تُزهر بالاقوال ، انما بالافعال هي مُتقدمة .

                            تعليق


                            • (107)


                              وقفت على شجرة عيد الميلاد ...
                              قال لها : أي الامنيات علّقتي ؟!
                              قالت لهُ : أمنيةٌ أخذت بمجامع قلبي ...
                              غادرت المكان ...
                              التفت الى شجرة عيد الميلاد ...
                              وقال : سأعلق أمنيتي ...

                              أمنيتي هو ( أنتِ ) .

                              تعليق


                              • (108)



                                نظر اليها بتأمل ٍوقال لها : لِما تتعمد أن تجعل أيامها ، كمن يرى الاشياء عبر نافذة قطار مُسرع ، نائية ، جميلة ، ولكن القبض عليها مُستحيل ، لما تبدو كالوهم
                                كالحلم ، كالخيال لناظرها ؟!
                                قالت لهُ : هي تبدو سراباً ليبتعد انصاف واشباح البشر عنها ،
                                وتبدو واحة لمن يتمسكون بأحلامهم بقوة .
                                قال لها : سأمسك بأحلامي ولن أدعها
                                ارادت أن تقول لهُ بحروفٍ مُبعثرة لنمضي...
                                قاطعها وقال لها بأصرار: لن تذهبي .

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X