إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الإمام علي مجمع الفضائل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإمام علي مجمع الفضائل

    الإمام علي مجمع الفضائل




    العلامة السيد محمد علي الموسوي البحراني

    لا مشاحة في أن الفضل والفضيلة في الإسلام منحصر في أربع:

    1- التقدم في الإسلام.

    2- العلم والتفقه في الحلال والحرام.

    3- الجهاد في سبيل الله.

    4- الزهادة في الدنيا.

    وهذه الأربع هي أمهات الفضائل وأصولها وما عداها فرع بالنسبة إليها.

    ولاشك أن هذه الفضائل الأربع كلها مجتمعة في علي أمير المؤمنين على اكمل وجه ومتفرقة في شذاذ من الصحابة, فعليه لا غرو من أن نقول. أن مجموع الفضائل مسجل في سجل علي خاصة دون غيره إلا النبي العظيم (صلى الله عليه وآله), إذ هو الأصل في وجود هذه المكارم.

    1- أما التقدم في الإسلام

    فقد تسالم المحققون من المسلمين وغيرهم على أن عليا (عليه السلام) هو أول من اسلم وجها لله وتمسك بالدين الإسلامي الحنيف من الرجال. لم يسبقه في ذلك أبو بكر ولا غيره, كيف لا؟!

    وكتب الأثر والتاريخ ملاء من ذكر ذلك عن الرسول والوصي والصحابة والتابعين على وجه لا يدع مجالا للشك والريب فإليك بعضها:

    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أولكم واردا- وورودا- على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب)(1), وقال (صلى الله عليه وآله): لابنته فاطمة: (أما ترضين إني زوجتك أول المسلمين إسلاما وأعلمهم علما)(2), وقال لها أيضا: (انه لأول أصحابي إسلاما أو: اقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما)(3)وقال مشيرا إلى علي: (أن هذا أول من آمن بي وهو أول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب الدين)(4).

    وقال الإمام علي (عليه السلام): (أنا أول من اسلم مع النبي)(5).

    وقال: (أنا أول من صلى مع رسول الله)(6). وقال: (أسلمت قبل أن يسلم الناس بسبع سنين)(7).

    وقال: (بعث رسول الله يوم الاثنين وأسلمت يوم الثلاثاء)(8).

    وقال: (أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر)(9). وقال: (أنا عبد الله وأخو رسوله, وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر. لقد صليت قبل الناس سبع سنين)(10). وقال في كتاب له إلى معاوية: (إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا أقربها إلى رسول الله, واعلمها بالكتاب وافقهها في الدين وأولها إسلاما وأفضلها جهادا)(11).

    وقال عمر بن الخطاب: (أما علي فسمعت رسول الله يقول فيه ثلاث خصال لوددت أن تكون لي واحدة منهن وكانت احب إلي مما طلعت عليه الشمس, كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه, إذ ضرب النبي على منكب علي (عليه السلام) فقال له: (يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا وأول المسلمين إسلاما وأنت مني بمنزلة هارون من موسى)(12).

    وقال عبد الله بن عباس: (أول من صلى علي)(13).

    وقال سلمان الفارسي: (أول هذه الأمة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب)(14).

    وقال زيد بن الأرقم: (أول من آمن بالله بعد رسول الله علي بن أبي طالب (عليه السلام))(15).

    وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: (بعث النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء)(16)وقال بريدة الأسلمي: (أوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين صلى علي يوم الثلاثاء)(17).

    وقال أبو ذر الغفاري والمقداد الكندي وأبو سعيد الخدري: (أن علي بن أبي طالب أول من اسلم)(18).

    وقال أبو رافع: (صلى النبي (صلى الله عليه وآله) أول يوم الاثنين, وصلت خديجة آخره, وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد)(19).

    قال عفيف الكندي: جئت في الجاهلية إلى مكة وأنا أريد أن ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها فأتيت العباس بن عبد المطلب وكان رجلا تاجرا فأنا عنده جالس حيث انظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت وذهب إذ جاء شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم قام مستقبل الكعبة ثم لم البث إلا يسيرا حتى جاء غلام فقام على يمينه, ثم لم البث إلا يسيرا حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة, فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة, فقلت: يا عباس أمر عظيم. قال العباس: أمر عظيم أتدري من هذا الشاب؟ قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله ابن أخي, أتدري من هذا الغلام؟ هذا علي ابن أخي, أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته. أن ابن أخي هذا اخبرني أن ربه رب السماء والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه. ولا والله ما على الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة(20).

    قال بن عبد البر في الاستيعاب: اتفقوا على أن خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه بما جاء به ثم علي بعدها(21).

    وقال الحاكم صاحب المستدرك في كتاب المعرفة(22): (ولا اعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أولهم إسلاما).

    هذا غيض من فيض مما جاء في الموضوع(23).

    قدمناه إلى القارئ الكريم ليبدو له جليا ويعلم بوضوح أن عليا (عليه السلام) هو أول من استجاب لله تعالى والمتفرد بالفوز بهذه الفضيلة السامية. قال سبحانه: (والسابقون السابقون* أولئك المقربون)(24).

    2- وأما العلم والتفقه في الحلال والحرام:

    فلا ريب أن عليا (عليه السلام) له الكأس الأوفى والحظ الأوفر من ذلك وانه اعلم الناس في الدين وافقهم في أحكام الشريعة ولا غرو, إذ كانت الصحابة يرجعون إليه في المشاكل والمعضلات ولا يرجع إلى أحد منهم بشيء واحتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل دليل واضح على أعلميته وأفقهيته.

    ويكفيك دليلا ساطعا وبرهانا قاطعا شهادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وكبار الصحابة على ذلك فدونك بعضها!

    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعلي بابها)(25), وقال: (أنا دار الحكمة وعلي بابها)(26), وقال: (اعلم أمتي من بعدي علي ابن أبي طالب)(27), وقال: (علي وعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتي منه)(28), وقال: (علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي)(29), وقال: (علي خازن علمي)(30), وقال: (علي عيبة علمي)(31). (أقضى أمتي علي)(32)وقال: (أقضاكم علي)(33). وقال: (قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا)(34)إلى غير ذلك.

    وقال ابن عباس: (والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر)(35)وقال: (علم النبي من علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علي, وما علمي وعلم الصحابة في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر)(36).

    وقال: (العلم ستة أسداس لعلي خمسة أسداس وللناس سدس ولقد شاركنا في السدس حتى لهو اعلم به منا)(37).

    وقال أبن مسعود: (قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وعلي أعلمهم بالواحد منها)(38), وقال: (اعلم بالفرائض علي بن أبي طالب)(39), وقال: (كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي)(40), وقال: (افرض أهل المدينة وأقضاها علي)(41), وقال أن القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وان علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن)(42).

    وقال عدي بن حاتم- في خطبة له-: (والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنة. انه (يعني عليا) لأعلم الناس بهما ولئن كان إلى الإسلام انه لأخو نبي الله والرأس في الإسلام ولئن كان إلى العقول والنحائز(43)انه لأشد الناس عقلا وأكرمهم نحيزة)(44).

    وقال أبو سعيد الخدري: (أقضاكم علي)(45).

    وقالت عائشة: (علي اعلم الناس بالسنة)(46).

    وسئل عطاء أ كان في أصحاب محمد أحد اعلم من علي؟!

    قال: (لا والله ما اعلمه)(47).

    وقال عمر بن الخطاب: (علي أقضانا)(48), وقال: (أقضانا علي)(49), ولعمر كلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى علي أمير المؤمنين اخرج نبذة منها العلامة الأميني في كتابه (الغدير ج3و6).

    منها قوله غير مرة: (لولا علي لهلك عمر)(50). وقوله: (كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب)(51). وقوله: (لولا علي لضل عمر)(52), وقوله: (اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب)(53), وقوله: (أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها)(54). وقوله: (أعوذ بالله من معضلة لا علي بها)(55). وقوله: (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن)(56). وقوله: (اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي)(57)إلى غير ذلك....

    وقال سعيد بن المسيب: (كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن)(58).

    وقال معاوية: (كان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه من علي)(59).

    وقد تواتر عن علي (عليه السلام) قوله: (أن رسول الله اسر إلي ألف حديث في كل حديث ألف باب وفي كل باب ألف مفتاح وإني اعلم بهذا العلم)(60). وقوله (عليه السلام): (سلوني والله ما تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا اعلم أ بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل)(61).

    وقوله (عليه السلام): (سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن كتاب الله وما من آية إلا وأنا اعلم حيث أنزلت بحضيض جبل أو سهل ارض وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت من كسبها ومن يقتل فيها)(62).

    قال أبو سعيد البحتري: (رأيت عليا (عليه السلام) على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو متقلد بسيفه ومتعمم بعمامته (صلى الله عليه وآله) فجلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال: (سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) زقا. فو الله (لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فيقولان: صدق علي قد أفتاكم بما انزل في وانتم تتلون الكتاب أ فلا تعقلون)(63).

    وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: (سلوني إلا علي بن أبي طالب)(64).

    وكان (عليه السلام) إذا سئل عن مسالة يكون فيها كالسكة المحماة ويقول:


    إذا المشكــــــلات تصديـن لي***كشفــــــت حقائقهــــا بالنظـــــــــر

    فان برقت في مخيل الصـواب***عميـــاء لا يجتليهـــا البصــــــــــر

    مقنعـــــة بغيــــوب الأمــــــور***وضعــت عليهــا صحيـح الفكـــــر

    لسانـــا كشقشقــــة الأرحبــــي***أو كالحســــام اليمانـــي الذكــــــر

    وقلبــــا إذا استنطقتـــه الفنـون***ابــــــر عليهــــــا بــــــــــواه درر

    ولســـــت بإمعة(65) في الرجال***يسائـــل هـــذا وذا مــا الخبــــر؟

    ولكننـــي مذرب الأصغرين(66)***أبيــن مـع ما مضى ما غبر(67)


    هذا غيض من فيض مما جاء في أعلميته (عليه السلام) من جميع الصحابة وبه الكفاية.

    ويجد القارئ الكريم في غضون كتب الحديث والتاريخ من آثاره وأخباره(عليه السلام) ما يدعم شهادة هؤلاء بوضوح.

    ولو لم يكن هناك شاهد سوى نهج البلاغة, الذي هو رشحة من رشحات علمه الفياض ونفحة من نفحات بيانه وما انطوى عليه سجيته الكريمة لكفانا مؤونة البرهان وتكلف الاستدلال.

    إذا انك ترى الكتاب كما انه نهج البلاغة والفصاحة (بحيث أن الكلام فيه فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق) كذلك تجده نهج العلم والمعارف. نهج السياسة والتدبير. نهج الوعظ والتبليغ نهج البرهان التوحيدي والدلالة على ذات الله وصفاته.

    فقل لي يا ترى: أليس في نهج البلاغة من ينبوع الحكمة الآلهية والمعارف الكونية, ما عجز عن إدراكها أعاظم الحكماء والفلاسفة, فترى العلم الحديث قد كشف الكثير من غوامضها ودقائقها المدهشة؟

    فقل لي يا ترى:

    أليس في النهج من الآداب العالية ما يرشدنا إلى أن مبدعها الفذ لم يتكلف هذا الفن وان طبعه الفياض لا يباريه مثل ولا يجاريه ند في الوجود؟!

    أليس نهج البلاغة هو الذي فتح لأرباب الكلام البرهان العقلي الفني على وجود الباري ووحدانيته بما لم يسبق له مثيل ولا عرفه الناس من قبل وإنما حذوا حذوه من بعده؟!

    أليس النهج نهج الوعظ والإرشاد والأمر والزجر ونهج كل شيء وفيه من مناهج السياسة وعلوم الاجتماع ما يصلح لان يكون مصباحا يستضاء به لتدبير البلاد وقيادة العباد. فتراه ينبئ بان ربانه السياسي المحنك والعالم الاجتماعي الخبير, لم يأخذ العلم من أفواه الرجال وقراطيس الكتب. وإنما أخذه عن المدبر الحكيم بواسطة صاحب الرسالة. فانك لو أمعنت النظر في عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر وحده. لعرفت مبلغ علم الإمام في ذلك العصر الأعزل عن أمثال هذه المعارف.

    هذا هو كتاب نهج البلاغة. فهل يا ترى انه لا يعرب عن تقدم منشيه بالعلم وبكل فضيلة. وتفوقه في كل مكرمة وفضل فعز عن المثيل والند والنظير؟!

    3- وأما الجهاد في سبيل الله:

    فلا مشاحة في أن الجهاد هو الركن المقوم لانتعاش الدعوة المحمدية وحياة الدولة الإسلامية وانه من اجل الفضائل والمكارم بعد الإسلام وواضح لدى الجميع, انه لم يمثل الجهاد كما يريده الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) أحد مثل الإمام علي (عليه السلام) حيث قام (روحي فداه) بنصرة الدين الحنيف (على الرغم من صغر سنه) منذ أبان الدعوة إلى أن فارق النبي الحياة. بل وبعد النبي إلى أن فاز بالشهادة.

    فكم له (عليه السلام) في غضون هذه المدة من موقف رهيب تجاه المشركين والمنافقين.

    لبس برد النبي الحضرمي الأخضر وبات على فراشه (صلى الله عليه وآله) ليلة آلهجرة, ليلة هرب النبي من المشركين إلى الغار وفداه بنفسه.

    وقد جاء في الحديث انه سبحانه أوحى إلى جبرائيل وميكائيل: إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة.

    فأوحى الله إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب: آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثر بالحياة, اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه, فنزلا فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرائيل ينادي, بخ بخ من مثلك يا علي يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة. فانزل الله على رسوله وهو متوجه إلى المدينة. في شان الإمام علي: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله)(68).

    اجل: لقد كان (عليه السلام) لهذه الفضيلة (فضيلة الجهاد) بأسمى مكان وارفع مقام. حيث قام بشؤونه بين يدي الرسول (صلى الله عليه وآله) على وجه لم يقم باليسير منه غيره من شيوخ القوم وكهولهم. وعلى نحو عجز عن مثله أهل الحنكة والتدريب من صناديدهم وفرسانهم العارفين بفنون الغزو.

    فهذه بدر. واحد. وتلك الأحزاب. وتلك خيبر وحنين وو...

    فسل عنها: من كان فارسها الأول, وبطلها الفذ؟ أترى فيها غير أبي الحسن؟ يضرب خراطيم المشركين بين يدي رسول الله ويخطف أرواحهم ويجرعهم كاس المنون. حتى انصاعوا إلى كلمة الشهادتين ودخلوا أفواجا في الدين الحنيف وظهر الدين الإسلامي على الدين كله.

    ولذلك ترى أسيد بن أبي إياس الكناني مكبرا لعلي من هذه الناحية مخاطبا قريشا ومحرضا إياهم عليه بقوله:


    في كل مجمع غايــــــة أخزاكــــــم***جذع ابر على المذاكي القــرح(69)

    لله دركــــــم المـــــــــا تنكـــــــــروا***قـــــد ينكـر الضيم الكريم ويستحــى

    هــــــذا ابــــن فاطمــة الذي أفناكم***ذبحــــــا ويمشـــــــى آمنا لم يجــرح

    أيـــــــن الكهــول؟ وأين كل دعامة؟***للمعضلات وأين زين الأبطح؟(70)

    أفنـــــــاهــــم ضـــــربا بكـــــل مهند***صلــــــت وحـــــد غــراره لم يصفـح


    لو لم يكن له (عليه السلام) من تلك المواقف الجمة التي نصر بها الإسلام سوى موقفه في حادثة الخندق تجاه الأحزاب وقائدها عمرو فارس يليل لكفاه فخرا وشرفا وعزة ومجدا, وذلك حينما ابتلى المؤمنون (كم أنبأ سبحانه) (وزلزلوا زلزالا شديدا* وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا* واذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا)(71).

    هذا والنبي الكريم يحرض المسلمين للبراز ومقاتلة عمرو. والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير ينظرون إليه نظر المغشي عليه من الموت. فمن يا ترى كشف الكرب عن وجه الرسول في ذلك الموقف الرهيب الذي كاد إن يقضى على الإسلام وأهله غير المرتضى أبي الحسن؟

    ومن قتل عمرا ذلك الشجاع المهيب بضربة نجلاء تخآلها صاعقة نزلت من السماء فبدد بقتله جحافل الشرك ومزق الأحزاب سوى أبي السبطين؟

    اجل: عمل الإمام علي (عليه السلام) في ذلك اليوم عملا قال له الرسول (صلى الله عليه وآله): (ابشر يا علي فلو وزن عملك اليوم بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم)(72) وقال: (لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق افضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة)(73).

    ولم يزل (عليه السلام) على هذه الوتيرة مجاهدا بالنفس والنفيس وقيدوما لجيش المسلمين في كل موطن تجاه أعداء الدين من الكافرين والمنافقين, في عهده (صلى الله عليه وآله) وبعده فكم أزاح في جراء ذلك ما وقع من الحسك والقتاد دون دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) وكم أجال الكرب عن وجهه الكريم؟!

    فحاز بذلك من هذه الفضيلة (فضيلة الجهاد) ما لم يحزه غيره من كبار المسلمين, قال سبحانه: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما)(74).

    4- وأما الزهادة في الدنيا:

    فلا أخال أحدا (له اقل إلمام في التاريخ الإسلامي وفي أحوال الصحابة وسيرتهم في الحياة) يجهل أن عليا (عليه السلام) له الدرجة القصوى والمرتبة العليا من هذه الفضيلة. وحسبك دليلا كتابه إلى عامله بالبصرة عثمان بن حنيف حيث قال فيه: (إلا وان لكل مأموم إمام يقتدي به, ويستضئ بنور علمه, ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه)(75)ومن طعمه بقرصيه, ألا وأنكم لا تقدرون على ذلك, ولكن أعينوني بورع واجتهاد (وعفة وسداد) فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا, ولا ادخرت من غنائمها وفرا(76), ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا(77), (ولا حزت من أرضها شبرا, ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة(78), ولهي في عيني أوهى من عفصة مقرة) بلى كانت في أيدينا فدك(79)من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس(قوم) آخرين, ونعم الحكم الله.

    وما اصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث(80)تنقطع في ظلمته آثارها, وتغيب أخبارها, وحفرة لو زيد في فسحتها, وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر. وسد فرجها التراب المتراكم, وإنما هي نفسي أروضها(81)بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر, وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل, ولباب هذا القمح, ونسائج هذا القز(82)ولكن هيهات أن يغلبني هواي, ويقودني جشعي(83)إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص, ولا عهد له بالشبع! أو أبيت مبطنا وحولي بطون غرثى, وأكباد حرى, أو أكون كما قال القائل:

    وحسبك داء أن تبيت ببطنة*** وحولك أكباد تحن إلى القد!

    أأقنع من نفسي بان يقال هذا: امير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة(84)العيش, فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها, أو المرسلة شغلها تقممها(85)تكترش من أعلافها, وتلهو عما يراد بها(86)....).

    وقال (عليه السلام): (والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم(87).

    دخل ضرار بن ضمره (وكان من خواص علي (عليه السلام)) على معاوية وافدا. فقال. صف لي عليا. قال: اعفني. قال معاوية: (لابد من ذلك. فقال: أما إذا كان لابد من ذلك, فانه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا, يتفجر العلم من جوانبه, وتنطق الحكمة من نواحيه, يعجبه من الطعام ما خشن ومن اللباس ما قصر (وكان والله) يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه, وكنا والله على تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له, ولا نبتدؤه لعظمه في نفوسنا, يبسم عن ثغر كاللؤلؤ المنظوم.

    يعظم أهل الدين ويرحم المساكين, ويطعم في المسغبة(88)

    يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة, يكسو العريان, وينصر اللهفان ويستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته, وكأني به وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين, ويقول: يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إلي تشوقت؟ هيهات هيهات لا حان حينك(89)قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك. عمرك قصير وعيشك حقير. وخطرك يسير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق)(90).

    قال عمر بن عبد العزيز: (ازهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب)(91).

    وقال زيد بن وهب: (خرج علينا علي وعليه رداء وإزار قد وثقه بخرقه فقيل له. فقال: إنما البس هذين الثوبين ليكون ابعد لي من الزهو وخيرا لي في صلاتي وسنة للمؤمن)(92).

    وروى عبد الله بن شريك عن جده: أن علي بن أبي طالب أتى بفالوذج فوضع قدامه فقال: انه طيب الريح حسن اللون طيب الطعم ولكن اكره أن أعود نفسي ما لم تعتد)(93).

    وكان علي (عليه السلام) يقسم بيت المال في كل جمعة حتى لا يبقى منه شيئا ثم يرش له ويقيل(94)فيه ويتمثل بهذا البيت:


    هذا جنائي وخياره فيه*** إذ كل جان يده إلى فيه(95)


    وقال عنترة دخلت على علي بالخورنق وهو فصل شتاء وعليه قطيفة وهو يرعد فيه فقلت يا أمير المؤمنين: أن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيبا وأنت تفعل هذا بنفسك فقال: والله ما أرزأكم(96)شيئا وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة(97).

    وعن علي بن أرقم عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول: من يشتري مني سيفي هذا والله لقد جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولو أن لي ثمن إزار ما بعته)(98). وفي رواية أخرى انه قال لو كان عندي أربعة دراهم ثمن إزار لم أبعه)(99).

    وقال سفيان: أن عليا لم يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وان كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب)(100)وكان (عليه السلام) يختم على الجراب الذي يأكل منه ويقول: لا احب أن يدخل بطني إلا ما اعلم)(101).

    وقال عمر بن قيس رئي على علي إزار مرقوع فقيل له فقال: (يقتدى به المؤمن ويخشع به القلب)(102).

    وقال الحسن بن علي (عليه السلام) (في صبيحة الليلة التي قتل فيها أمير المؤمنين بعد ذكر أبيه وفضله وسابقته: والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة درهم ارصد لجارية)(103)وفي رواية: سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما)(104) وفي أخرى: ما ترك إلا ثلاثمائة درهم(105).

    هذه نبذة من فضائل المرتضى أبي الحسن التي تفرد بها وطل من وابل مكارمه (عليه السلام) التي قد سمى بها الدرجة القصوى التي أعدمته الند والمثيل في جميع صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله) ولعمرك أنها منزلة شامخة ومرتبة عالية تفوق المنازل والمراتب إلا النبوة, وهي كما قال الشاعر:


    مناقــــب لجــــت فـــي علو كأنها***تحـــاول ثارا عند بعض الكواكب

    محاسن من مجد متى يقرنوا بها***محاســـن أقـــــوام تعد كالمعائب




    يتبع....

  • #2
    وناهيك من منزلة صيرته مقياسا ومحكا لتمييز الخبيث من الطيب ونبراسا يمتاز به المؤمن عن المنافق.

    فقد اخرج أئمة الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)(106).

    وقال الإمام علي (عليه السلام): (والذي فلق الحبة وبرا النسمة انه لعهد النبي الأمي إلي: انه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق)(107).

    وقال أبو بكر: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء المولد)(108).

    وقالت أم المؤمنين أم سلمة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن)(109).

    وقال ابن عباس: نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي فقال: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)(110).

    وقال أبو ذر: (ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا بثلاث: بتكذيبهم الله ورسوله, والتخلف عن الصلاة, وبغضهم علي بن أبي طالب)(111).

    وقال أبو سعيد الخدري: (كنا نعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب)(112).

    وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: (ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم علي بن أبي طالب)(113)إلى غير ذلك(114).

    اجل لقد سطعت أنوار هذه الفضائل وأضعاف أضعافها من مولانا علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فتاهت في سبيلها العقول وما زالت عظمة هذا الإمام الأكبر تملا الدنيا بلمعانها كما تملا النفوس بشعاعها اللألاء.

    ولا غرو, إذ أن شعاع هذه العظمة كهربائي بجاذبته, ومغناطيس للقلوب من قريب وبعيد ودان وقاص مسلم وغير مسلم(115).

    واليكم أبياتا ثلاثة لنصراني متكهرب بعظمته (عليه السلام) يقول فيها:


    علي أمير المؤمنين صريمة(116)***وما لسواه في الخلافــــة مطمـــع

    له النسب العالي وإسلامـــه الذي***تقـــــدم فيـــــه والفضائــــل اجمــــع

    ولــــو كنـت أهوى ملة غير ملتي***لما كنــــت إلا مسلما أتشيع(117)


    إذا عرفت ذلك, فلنشرع في ذكر نبذة من تلكم النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي أثبتها فطاحل علم الحديث من أهل السنة في كتبهم القيمة الدالة بوضوح على اختصاص الخلافة بعلي أمير المؤمنين وأولاده آلهداة الميامين (عليهم السلام).




    الهوامش:

    1- أخرجه الحاكم في المستدرك ج3 ص136. والخطيب في تاريخه, ج2, ص81.

    2- مستدرك الحاكم ج3. كنز العمال ج6, ص13.

    3- مسند احمد, ج5, ص26. الاستيعاب, ج3, ص36. الرياض النضرة, ج2, ص194. الزوائد, ج9, ص101و114. السيرة الحلبية ج1, ص285. كنز العمال, ج6, ص153.

    4- مجمع الزوائد, ج9, ص102.

    5- تاريخ بغداد للخطيب, ج4, ص233.

    6- المعارف لابن قتيبة, ص74. الاستيعاب, ج2, ص458.

    7- الرياض النضرة, ج2, ص158.

    8- مجمع الزوائد, ج9, ص102. تاريخ القرماني, ج1 ص215, الصواعق, ص72. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص112, إسعاف الراغبين ص148.

    9- المعارف لابن قتيبة, ص74.

    10- خصائص النسائي, ص3. مستدرك الحاكم, ج3, ص112. سنن ابن ماجه ج1, ص57. تاريخ الطبري, ج2, ص56, ط م1357. تاريخ الكامل لابن الأثير ج2, ص37. شرح النهج لابن أبي الحديد, ج3, ص257.

    11- كتاب صفين لابن مزاحم, ص168, ط م.

    12- رسالة الإسكافي, مناقب الخوارزمي, شرح النهج لابن ابن الحديد, ج3, ص258.

    13- جامع الترمذي, ج2, ص215, تاريخ الطبري, ج2 ص55 ط م1357, الكامل لابن الأثير ج2, ص37 شرح ابن أبي الحديد ج3, ص256.

    14- الاستيعاب ج2, ص457. مجمع الزوائد ج9, ص102.

    15- الاستيعاب ج2, ص459.

    16- تاريخ الطبري ج2, ص55, ط م1357 الكامل لابن الأثير ج2, ص37 شرح ابن أبي الحديد ج9, ص258.

    17- مستدرك الحاكم ج3, ص112.

    18- الاستيعاب ج2, ص456, المواهب اللدنية ج1, ص45.

    19- عيون الأثر ج1 ص92, الرياض النضرة, ج2, ص158, شرح ابن أبي الحديد ج3, ص258.

    20- خصائص النسائي, ص3. تاريخ الطبري, ج2, ص56, ط م1357. الرياض النضرة ج2, ص158. الاستيعاب ج2, ص459. عيون الأثر ج1, ص93. كامل ابن الأثير ج2, ص37. السيرة الحلبية ج1, ص288. البداية والنهاية لابن كثير ج3, مجلد2, ص25. مسند احمد ج1, ص209, مع اختلاف يسير.

    21- الاستيعاب ج2, ص457.

    22- ص22.

    23- قد جمع العلامة الأميني في(الغدير) ج3, ص219- 243, ط2 مائة حديث في أن عليا أول من اسلم وحقق الموضوع بما لا مزيد عليه, فراجع, وقد اقتبسنا بعض ما ذكرناه منه.

    24- سورة الواقعة, الآية 10و11.

    25- اخرج العلامة الأميني في(الغدير) ج6 ص61- 77 ط2, الحديث المذكور عن مائة وثلاثة وأربعين مصدرا منها مستدرك الحاكم ج3, ص126- 128. تاريخ ابن كثير, ج7, ص358. تاريخ بغداد ج2, ص377, وج4, ص348, وج7 ص173, وج11 ص204. الاستيعاب ج2, ص461. ينابيع المودة ص65. تذكرة سبط ابن الجوزي ص29. الرياض النضرة ج1, ص192. مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص114. حياة الحيوان للدميري ج1 ص55. الجامع الصغير للسيوطي ج1ص374. المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص143. تهذيب التهذيب للعسقلاني ج7 ص337.

    26- ينابيع المودة ص71.

    27- مناقب الخوارزمي ص49. مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص43. كنز العمال ج6 ص153.

    28- شمس الأخبار ص49.

    29- كنز العمال ج6 ص156. كشف الخفاء ج1 ص204.

    30- شرح النهج لابن أبي الحديد ج2 ص448.

    31- الجامع الصغير للسيوطي ج4 ص356. قال المناوي في فيض القدير عند شرح الحديث: قال ابن دريد: وهذا من كلامه(صلى الله عليه وآله) الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة إختاصه بأموره الباطنة التي لا يطلع عليها أحد غيره.... الخ.

    32- مصابيح البغوي, ج2 ص277. الرياض النضرة, ج2 ص198.

    33- مواقف القاضي الايجي ج3 ص276. شرح النهج ج2 ص235.

    34- حلية الأولياء ج1 ص65. (الغدير ج3 ص96).

    35- الاستيعاب ج3 ص40. الرياض النضرة ج2 ص194.

    36- ينابيع المودة ص70.

    37- مناقب الخوارزمي ص55. فرائد السمطين في الباب68.

    38- كنز العمال ج5 ص156و401, نقلا عن غير واحد من الحفاظ.

    39- الاستيعاب ج3 ص41. الرياض النظرة ج2 ص194.

    40- مستدرك الحاكم ج3 ص41. أسنى المطالب للجزري ص14. الصواعق ص76.

    41- الرياض النضرة ج2 ص198. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص115.

    42- مفتاح السعادة ج1 ص400. (الغدير ج3 ص99 ط2).

    43- النحائز: جمع نحيزة ومعناها الطبيعة.

    44- جمهرة خطب العرب ج1 ص202.

    45- فتح الباري ج8 ص136.

    46- الاستيعاب ج3 ص40 هامش الإصابة. الرياض النضرة ج2 ص193, مناقب الخوارزمي ص54. الصواعق ص76. تاريخ الخلفاء ص115.

    47- الاستيعاب ج3 ص40. الفتوحات الإسلامية ج2 ص337.

    48- حلية الأولياء ج1 ص65. الرياض النضرة ج2 ص189و244. تاريخ ابن كثير ج7 ص359, وقال: (ثبت عن عمر). أسنى المطالب للجزري ص14. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص115.

    49- الاستيعاب ج3 ص41. تاريخ ابن عساكر ج2 ص325. مطالب السؤول ص30.

    50- الاستيعاب ج3 ص39. الرياض النضرة ج2 ص194. تفسير النيسابوري ج3 في سورة الأحقاف. مناقب الخوارزمي ص48. تذكرة السبط ص87. فيض القدير ج4 ص357. السنن الكبرى ج7 ص442. ذخائر العقبى ص82. تفسير الرازي ج7 ص484. كفاية الكنجي ص105. الدر المنثور ج1 ص288, وج6 ص40.

    51- كفاية الكنجي ص96, الفصول المهمة لابن صباغ ص18.

    52- تمهيد الباقلاني ص199.

    53- تذكرة السبط ص87. مناقب الخوارزمي ص58. مقتل الخوارزمي ج1 ص45 وللخوارزمي قصيدة يمدح فيها عليا قال فيها:

    إذا عمـر تخبـــط فـــي جواب***ونبهه علـــــــي بالصـــــواب

    يقــــول بعدلــــه لـــولا علــي***هلكت هلكت في ذاك الجواب

    انظر الغدير ج4 ص397 ط2.

    54- تاريخ ابن كثير ج7 ص359. الفتوحات الإسلامية ج2 ص306.

    55- نور الأبصار للشبلنجي ص79.

    56- ترجمة علي بن أبي طالب ص79.

    57- الرياض النضرة ج2 ص194.

    58- الاستيعاب هامش الإصابة ج3 ص39. صفة الصفوة ج1 ص121. تذكرة السبط ص85. طبقات الشافعية للشيرازي ص10. الإصابة ج2 ص509, الصواعق ص76. فيض القدير ج4 ص357.

    59- الرياض النضرة ج2 ص194. مطالب السؤول ص30.

    60- ينابيع المودة ص72.

    61- جامع بيان العلم ج1 ص114. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص124. الإتقان ج2 ص319. تهذيب التهذيب ج7 ص338. فتح الباري ج8 ص485. عمدة القارئ ج9 ص167. مفتاح السعادة ج1 ص400.

    62- ينابيع المودة ص74.

    63- ينابيع المودة ص74.

    64- جامع بيان العلم ج1 ص114. الرياض النضرة ج2 ص198. الصواعق ص76.

    65- الإمعة, بكسر آلهاء وتشديد الميم: الذي لا رأى له فهو يتابع كل أحد على رأيه وآلهاء فيه للمبالغة.

    66- المذرب الحاد. والأصغرين: القلب واللسان.

    67- جامع بيان العلم ج2, ص113. زهر الآداب للقيرواني ج1 ص38. جمع الجوامع للسيوطي كما في ترتيبه ج5 ص242. تاج العروس ج5 ص268. وقد اعتمدنا في غير واحد من مصادر هذا الفصل على ما في الغدير ج3و6.

    68- سورة البقرة, الاية207. وحديث المبيت هذا من المتواتر المقطوع على صحته وقد أخرجه جمع غفير من أئمة الحديث منهم: الثعلبي في تفسيره. والغزالي في (إحياء العلوم) ج3 ص238.

    والكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) ص114. والصفوري في (نزهة المجالس) ج2 ص209. وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص33. وسبط ابن الجوزي في التذكرة ص21, والشبلنجي في نور الأبصار ص86. وفي المصادر الثلاثة الأخيرة: قال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعرا قآله في تلك الليلة:


    وقبت بنفسي خير من وطأ الحصـــا***واكــرم خلق طاف بالبيت والحجـــــر

    وبــــت أراعـــي منهم ما يسوءنـــي***وقد صبرت نفسي على القتل والأسر

    وبات رســـــول الله فـــــي الغار آمنا***ومـــا زال فــي حفظ الآله وفي الستر


    ويوجد حديث المبيت أيضا في مسند احمد ج1 ص348. تاريخ الطبري ج2 ص99و101 ط1357. وطبقات ابن سعد ج1 ص122. وتاريخ اليعقوبي ج2 ص29. وسيرة ابن هشام ج2 ص291. والعقد الفريد ج3 ص284 ط1. وتاريخ بغداد للخطيب ج13 ص191. وتاريخ ابن الأثير ج2 ص72 ط1349. وتاريخ أبي الفداء جج1 ص126. ومناقب الخوارزمي ص75. والإمتاع للمقريزي ص39. وتاريخ ابن كثير ج7 ص338. السيرة الحلبية ج2 ص29. وغيرها انظر الغدير ج2 ص48- 49.

    69- الجذع بحركتين: له معان. والمراد هنا: الشاب الحدث: والمذاكي: الخيل التي تم سنها وكملت قوتها. والقارح من ذي الحافر: الذي شق نابه وطلع.

    70- انظر الإصابة لابن حجر العسقلاني ج4 ص369 ط مصر1325.

    71- سورة الأحزاب, الايه11- 13.

    72- مجمع البيان ج4 تفسير سورة الأحزاب عن حذيفة.

    73- مقتل الخوارزمي ج1 ص45.

    74- سورة النساء, الاية95.

    75- الطمر بالكسر: الثوب الخلق.

    76- التبر: فتات الذهب والفضة قبل أن يصاغ. والوفر: المال.

    77- أي ما كان (عليه السلام) يهيئ لنفسه طمرا آخر بدلا عن الثوب الذي يبلى بل كان ينتظر حتى يبلى ثم يعمل الطمر. والثوب هنا عبارة عن الطمرين فان مجموع الرداء والإزار يعد ثوبا واحدا فبهما يكسو البدن لا بأحدهما.

    78- أتان دبرة: هي التي عقر ظهرها فقل أكلها.

    79- فدك بالتحريك: قرية كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) صالحه أهلها على النصف من نخيلها بعد وقعة خيبر. وإجماع الشيعة على انه (صلى الله عليه وآله) كان أعطاها فاطمة (عليها السلام) قبل وفاته, إلا أن أبا بكر اغتصبها منها وجعلها لبيت المال.

    واخرج البخاري في صحيحه ج2 ص122 ط م1351 باب فرض الخمس من كتاب الجهاد. عن عروة بن الزبير: إن عائشة أم المؤمنين أخبرته: إن فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) سالت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهجرت أبا بكر. فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستة اشهر. قالت: وكانت فاطمة بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك... إلى أن قالت فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فأما خيبر وفدك فامسكهما).

    أقول: وما في الحديث المذكور من قول أبي بكر: انه (صلى الله عليه وآله) قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) فقول تفرد بنقله أبو بكر فحسب لتبرير عمله. وهو مع انه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ومخالف لنصوص القران وعموماته. قال سبحانه: (وورث سليمان دواد) سورة النمل, الاية16, وقال فيما اقتص من اثر يحيى بن زكريا: (فهب لي من لدنك وليا* يرثني ويرث من آل يعقوب) سورة مريم, الاية 5 و 6, وقال: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) سورة الأنفال, الاية75. وقال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) سورة النساء, الاية11, إلى غير ذلك فبهذه الآيات وغيرها ردت الصديقة فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر قوله ودحضت فريته في ضمن خطبتها المشهورة (انظر كتاب بلاغات النساء ص12- 20 لأبي الفضل احمد بن ابي طاهر المتوفي280للهجره) وحيث لم تجد منه تجاوبا للحق الصراح هجرته وغضبت عليه حتى ماتت, هذا وقد اخرج البخاري في صحيحه باب مناقب فاطمة ج2 ص199 ط م1351 عن المسور بن مخرمه: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني).

    80- المضان: جمع مظنة وهو المكان الذي يظن فيه وجود الشيء. وموضع النفس الذي يظن وجودها فيه. في غد جدث بالتحريك أي قبر.

    81- أروضها: أذللها.

    82- إذ انه (عليه السلام) كان إماما عالي السلطان واسع الإمكان فلو أراد التلذذ بأي اللذائذ شاء لم يمنعه مانع.

    83- الجشع: شدة الحرص.

    84- الجشوبة: الخشونة.

    85- التقاطها للقمامة: أي الكناسة, وتكترش أي تملا كرشها.

    86- نهج البلاغة ج3 ص78 أو ص70 شرح محمد عبده, وج4 ص76 شرح بن أبي الحديد ط دار الفكر بيروت, الكتاب رقم45.

    87- نهج البلاغة ج3, ص205. عراق ككتاب: ذكره في القاموس لمعان وهو هنا من الحشا ما فوق السرة معترضا البطن. والمجذوم: المصاب بمرض الجذام, وما اقذر كرش الخنزير وأمعائه إذا كانت في يد مشوهة بالجذام, الله اكبر ما أحقر الدنيا وأقذرها في عينك يا علي وما أقدرك على تصويرها بما تنفر منه الطباع وتشمئز النفوس حتى وان كانت النفوس سبعيه والطبائع بهيميه.

    88- المسغبة: المجاعة.

    89- أي لا جاء وقت وصولك.

    90- مروج الذهب للمسعودي ج2 ص33 طبع 1367.

    91- الكامل لابن الأثير ج3 ص202 ط م 1356.

    92- منتخب كنز العمال هامش مسند احمد ج5 ص58.

    93- منتخب كنز العمال هامش مسند احمد ج5 ص58.

    94- أي ينام نومه قيلولة.

    95- العقد الفريد ج3 ص95.

    96- أرزأكم: أنقصكم.

    97- الكامل لابن الأثير ج3 ص200.

    98- منتخب كنز العمال هامش المسند ج5 ص56.

    99- الكامل لابن الأثير ج3 ص201.

    100- نفس المصدر.

    101- نفس المصدر.

    102- منتخب الكنز ج3 ص57.

    103- الكامل ج3 ص201.

    104- الإمامة والسياسة ج1 ص170 ط1.

    105- العقد الفريد ج3 ص124 ط1.

    106- أخرجه احمد بن حنبل في مسنده ج1 ص95و128. والخطيب في تاريخ بغداد ج14 ص426, والنسائي في سننه ج8 ص117 وفي خصائصه ص27. وأبو نعيم في (الحلية) ج4 ص185 وابن حجر العسقلاني في الإصابة ج4 ص271 ط م1325 وغيرهم.

    107- أخرجه احمد في مسنده ج1 ص84, وابن ماجه في سننه ج1 ص55, والخطيب في تاريخ بغداد ج2 ص255, وابن كثير في تاريخه ج7 ص354, والنسائي في سننه ج8 ص117 وكثير غيرهم.

    108- أخرجه الحافظ محب الدين الطبري في الرياض النضرة ج2 ص189.

    109- أخرجه الترمذي في جامعه ج2 ص213, وفي طبعة دار إحياء التراث العربي لبنان ج5 ص635 الباب21 حديث رقم3717 تحقيق إبراهيم عطوه عوض. وابن الجوزي في تذكرته ص15, والبيهقي في المحاسن والمساوي ج1 ص29 وغيرهم.

    110- أخرجه الحافظ بن حجر آلهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص133.

    111- أخرجه محب الدين الطبري في الرياض ج2 ص215 والجزري في أسنى المطالب ص8.

    112- أخرجه الترمذي في جامعة ج2 ص299.

    113- أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب هامش الإصابة ج3 ص46.

    114- انظر (الغدير) للعلامة الأميني ج3 ص182و183, وج4 ص322- 325 ط2.

    115- قال الأستاذ البحاثة المسيحي (بولس سلامة) في كتابه: (ملحمة الغدير) ص27- 28: قد يقول قائل: ولم آثرت عليا دون سواه من أصحاب محمد بهذه الملحمة ولا اجيب على هذا السؤال إلا بكلمات فالملحمة كلها جواب عليه. وسترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون فيقولون: (رضى الله عنه, وكرم الله وجهه, والسلام عليه) ويذكره النصارى في مجالسهم فيتمثلون بحكمه ويخشعون لتقواه, ويتمثل به الزهاد في الصوامع فيزدادون زهدا وقنوتا. وينظر إليه المفكر فيستضئ بهذا القطب الوضاء ويتطلع إليه الكاتب الألمعي فيأتم ببيانه ويعتمده الفقيه المدره- المدره بكسر الميم وسكون الدال: زعيم القوم والمتكلم عنهم- فيسترشد بأحكامه.

    أما الخطيب فحسبه أن يقف في السفح ويرفع الرأس إلى هذا الطود الشامخ لتنهل عليه الآيات من عل. وينطلق لسانه بالكلام العربي المبين الذي رسخ قواعده أبو الحسن إذ دفعها إلى أبي الأسود الدؤلي فقال: انح هذا النحو. وكان علم النحو. ويقرا الجبان سيرة علي فتهدر في صدره النخوة وتستهويه البطولة. إذ لم تشهد الغبراء ولم تظل السماء أشع من ابن أبي طالب فعلي ذلك الساعد الأجدل اعتمد الإسلام يوم كان وليدا. فعلي هو بطل بدر, وخيبر, والخندق, ووادي الرمل, والطائف, واليمن.... وهو المنتصر في صفين ويوم الجمل والنهروان والدافع عن الرسول يوم أحد وقيدوم السرايا ولواء المغازي.

    واعجب من بطولته الجسدية بطولته النفسية فلم ير اصبر منه على المكاره إذا كانت حياته موصولة بالآلام منذ فتح عينيه على النور في الكعبة حتى أغمضها على الحق في مسجد الكوفة... وبعد فلم تجادلني في أبي الحسن؟ أو لم تقم في خلال العصور فئات من الناس تؤله الرجل؟ ولا ريب أنها الضلالة الكبرى. ولكنها ضلالة تدلك على الحق إذ تدلك على مبلغ افتتان الناس بهذه الشخصية العظمى ولم يستطع خصوم الرجل أن يأخذوا عليه مأخذا فاتهموه بالتشدد في إحقاق الحق. أي انهم شكوا كثرة فضله فأرادوه دنيويا يمارى ويداري. وأراد نفسه روحانيا رفيعا يستميت في سبيل العدل. لا تأخذه في سبيل الله هوادة. وإنما الغضبة للحق ثورة النفوس القدسية التي يؤلمها أن ترى عوجا. أو لم يغضب السيد المسيح وهو الذروة في الوداعة والحكم يوم دخل آلهيكل فوجد فيه باعة الحمام والصيارفة المرابين فاخذ بيده السوط وقلب موائدهم وطردهم قائلا: بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغارة للصوص.

    بقى لك بعد هذا أن تحسبني شيعيا, فإذا كان التشيع تنقصا لأشخاص أو بغضا لفئات أو تهورا في المزالق الخطرة فلست كذلك أما إذا كان التشيع حبا لعلي وأهل البيت الطيبين الأكرمين وثورة على الظلم وتوجعا لما حل بالحسين وما نزل بأولاده من النكبات في مطاوي التاريخ فإنني شيعي....)

    116- الصريمة: العزيمة والوجوب.

    117- كتاب (أنا مدينة العلم وعلي بابها) لبدر الدين العاملي.




    تعليق


    • #3
      الإمام علي (عليه السلام) في مواجهة التّاريخ


      محمد مهدي شمس الدين

      كان أميرُ المؤمنين عليّ (عليه السّلام)، كما يخبرنا هو، وكما سنرى خلال هذه الدراسة يوجّه عناية فائقة إلى التاريخ، عناية جعلت من التاريخ عنصراً بارزاً فيما وصل إِلينا من كلامه في مختلف الموضوعات الّتي كانت تثير اهتمامه.

      وعناية الإمام بالتاريخ ليست عناية القاصّ والباحث عن القصص. كما أنّها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسيّة وأساليب التمويه الّتي يعالج بها تذمّر الشعب، وإنّما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي.

      إِنّ القاصّ يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادّة للتّسلية والإثارة. والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة.

      والمؤرّخ يقدم لهذا وذاك المادّة التاريخيّة الّتي يجدان فيها حاجتهما.

      أمّا الرائد الحضاري، رجل الرسالة والعقيدة ورجل الدولة فهو يبحث ليجد في التاريخ جذور المشكل الإنساني، ويتقصّى جهود الإنسانيّة الدائبة في سبيل حلّ هذا المشكل بنحو يعزّز قدرة الإنسان على التكامل الروحي - المادّي، كما يعزّز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية.

      وقد كان الإمامُ عليّ (عليه السلام) يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة، ومن ثم فلم يتوقّف عند جزئيّات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهداً ورموزاً، وإِنّما تناول المسألة التاريخيّة بنظرة كلّيّة شاملة، ومن هنا فقلّما نرى الإمام في خطبه وكتبه يتحدّث عن وقائع وحوادث جزئيّة، وإِنّما يغلب على تناوله للمسألة التاريخيّة طابع الشمول والعموميّة.

      والإمام ليس مؤرخاً، ولذا فليس من المتوقع أن نجد عنده نظرة المؤرخ وأسلوب في سرد الوقائع وتحليلها والحكم عليها، وإنّما هو رجل دولة حاكم، ورجل عقيدة ورسالة فيها كل حياته، فهو يتعامل مع التاريخ باعتباره حركة تكوِّن شخصية الإنسان الحاضرة والمستقبلة، ولذا فهي تشغل حيّزاً هاماً وعلى درجة كبيرة من الخطورة في عملية التربية والتحرك السياسي، وهذا ما يجعل رجل رسالة وحاكماً كالإمام علي (عليه السلام) حريصاً على أن يدخل في وعي أمّته الّتي يحمل مسؤولية قيادتها ومصيرها...إلى التاريخ سليمة تجعله قوة بانية لا مخرّبة ولا محرّفة.

      ونحن نعرف عناية الإمام عليّ (عليه السلام) الفائقة بالتاريخ واهتمامه البالغ بشأنه من نص ورد في وصيته الّتي وجهها إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السّلام) كتبها إليه بحاضرين(1) عند انصرافه من صفّين، قال فيه: (أيْ بُنَيَّ إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه).

      وكان قبل ذلك قد وجّه الإمام الحسن (عليه السلام) في هذه الوصية إلى تعرّف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة، قال: (أحْيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ... وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا، وَعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا. فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ).

      وهذا النص يحملنا على الإعتقاد بأنّ الإمام (عليه السّلام) تحدّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسيّة وتربيته الفكرية لمجتمعه، ولرجال إدارته، ولخواصّ أصحابه.

      ولكنّ النّصوص السياسيّة والفكريّة التي اشتمل عليها نهج البلاغة مِمّا يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جدّاً، وإنْ كانت النصوص الوعظيّة الّتي بنيت على الملاحظة التاريخية كثيرة نسيباً.

      ولا نستطيع أن نفسّر نقص النصوص السياسيّة والفكريّة - التاريخيّة إلا بضياع هذه النصوص لنسيان الرّواة أو لإهمال الشّريف الرضي لما وصل إليه منها، لأنّه جعل منهجه في تأليف كتاب نهج البلاغة: (اختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحِكم والأدب)(2). وقد أدّى هذا المنهج بطبيعة الحال إلى إهمال الكثير من النّصوص السياسيّة والفكريّة لأنّه لم يكن في الذّروة من الفصاحة والبلاغة.

      ومن المؤكّد أنّ الكثير من كلام أميرِ المؤمنين في هذا الباب وغيرِه لم يصل إلى الشّريف الرضي كما اعترف هو بذلك في قوله: (... ولا أدّعي - مع ذلك - أنّي أحيط بأقطار جميع كلام عليه السّلام حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ، ولا يندّ نادّ، بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي)(3).

      وعلى أيّة حال فإنّ سُؤالاً هاماً يواجهنا هنا، وهو:

      مِنْ أين استقى الإمام معرفته التاريخيّة ؟

      إنّه يقول عن نفسه: «... نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ.

      فما الوسيلة الّتي توصّل بِها إلى معرفة أعمالهم لينظر فيها هو كيف تسنّى له أن اطّلع على أخبارهم ليفكّر فيها ؟

      نقدّر أنّ الإمام عليه السّلام قد اعتمد في معرفته التاريخية على عدّة مصادر:


      1- القرآن الكريم:

      يأتي القرآن الكريم في مقدّمة هذه المصادر الّتي استقى منها الإمام معرفته التاريخيّة. وقد اشتمل القرآن على نصوص تاريخيّة كثيرة منبثة في تضاعيف السّور تضمنت أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها، وانحطاطها، واندثار كثير منها، وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النّبوات في تاريخ البشرية، وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلّ أمة وجيل لرسالات اللّه تعالى الّتي بشّر بها الأنبياء سلام اللّه عليه أجمعين..

      وقد كان أميرُ المؤمنين عليّ (عليه السّلام) أفضل الناس - بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) - معرفة بالقرآن من حيث الظاهر والباطن، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والأهداف والمقاصد، والأبعاد الحاضرة والمستقبلة، وغير ذلك من شؤون القرآن. كانت معرفته بالقرآن شاملة مستوعبة لكلّ ما يتعلق بالقرآن من قريب أو بعيد. والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام التاريخي من حيث المنهج ومن حيث المضمون، كما هو شديد الوضوح في كلّ جوانب تفكيره الأخرى.

      وقد حدّث الإمام عن نفسه في هذا الشأن كاشفاً عن أنّه كان يلحّ في مسائله لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في شأن القرآن من جميع وجوهه. قال: «وَاللّه مَا نَزَلَتْ آيَة إلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ. أنّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُولاً وَلِسَاناً سَؤُولاً»(4).

      وشهاداتُ معاصريه له في هذا الشأن كثيرة جداً. منها ما رُوِي عن عبد اللّه بن مسعود، قال: «إنّ القرآنَ أُنْزِل على سبعِة أحرُفٍ، مَا منها حرفُ إلا له ظهر وبطن، وإنّ عليَّ بنَ أبي طالبِ (عليه السّلام) عنده علم الظاهر والباطن».(5).


      2- التعليم الخاص:

      التعليم الخاص الّذي آثر به رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عليّاً مصدر آخر من مصادر معرفته التاريخيّة وغيرها.

      وفقد استفاضت الروايات الّتي نقلها المحدثون، وكتّاب السيرة، والمؤرخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم - استفاضت هذه الروايات - بل تواترت إِجمالاً - بأنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) قد خص أميرَ المؤمنين عليّاً بجانبٍ من العلم لم يرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له.

      فمن ذلك ما قاله عبد اللّه بن عباس: «وَاللّهِ لَقدْ أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبِي طَالِب (عليه السلام) تِسْعَةَ أعْشَارِ العلمِ، وَايمُ اللّهِ لَقدْ شَارَكَكُمْ فِي العُشرِ العَاشِرِ»(6).

      وما رُوِي عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «عَلِيّ عَيبَةُ عِلْمِي»(7).

      وما رواه أنس بن مالك، قَالَ: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللّه عَمَّنْ نَكْتُبُ الْعِلْمَ ؟ قالَ: عَنْ عَلِيّ وَسَلمَانَ»(8).

      وقال الإمام (عليه السّلام): «عَلَّمَني رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله) ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم كُلُّ بابِ يَفتَحُ ألفَ بابٍ»(9).

      وقد صرّح فيما وصل إِلينا من نصوصِ كلامه في نهج البلاغة بذلك في عدّة مناسبات، فقال:

      1- بَلِ انْدَمَجْتُ(10) عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوبُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ لأرشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ(11) الْبِعيدَةِ»(12).

      2- وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْم...»(13).

      3- لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ(14) عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ(15) تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ»(16).

      4- يَا أَخَا كَلْبٍ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ»(17).

      وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيبات (علم المستقبل)، فإنَّ غيرها مطلق يشمل الماضي، وإِذا كان الإمام قد اطّلع من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على بعض المعلومات المتعلقة بالمستقبل فمن المرجّح أنه قد اطلع منه على علم الماضي.


      3- السّنة النّبويّة:

      إِشتملت السّنّة النبويّة على الكثير المتنوع من المادة التاريخيّة.

      منه ما ورد في تفسير وشرح القرآن الكريم، ومن ما اشتمل إِجمالاً أو تفصيلاً على حكاية أحداث تاريخيّة لم ترد في القرآن إِشارة إِليها.

      وقد كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أعلم أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة قاطبة بما قاله رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أو فعله وأقرّه، فقد عاش علي (عليه السلام) في بيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) منذ طفولته، وبعث الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلي عنده، وكان أوّل من آمن به، ولم يفارقه منذ بعثته (صلى الله عليه وآله) إِلى حين وفاته إِلا في تنفيذ المهمات الّتي كان يكلّفه بها خارج المدينة وهي لم تستغرق الكثير من وقته، ومن هنا، من تفرغه الكامل لتلقي التوجيه النبوي، ووعيه الكامل لِما كان يتلقّاه كان الإمام أعلم الناس بسنّة رسول اللّه وكتاب اللّه.


      4- القراءة:

      فقدّر أنّ الإمام عليّاً قد قَرأ مدونات تاريخية باللّغة العربيّة أو بغيرها من اللغات الّتي كانت متداولة في المنطقة الّتي شهدت نشاطه، وخاصة بعد أن انتقل من الحجاز إِلى العراق واضطرّته مشكلات الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا، وإِن كنا لا نعلم ما إِذا كانت هذه المدوّنات قد دفعت إِليه صدفة أو أنّه بحث عن كتب كهذه وقرأها أو قرئت له بلغاتها الأصلية مع ترجيحنا أنّه (عليه السّلام) كان يعرف اللّغة الأدبيّة الّتي كانت سائدة في المنطقة العراقيّة السّوريّة.


      5- الآثار القديمة:

      وربما كانت الآثار العمرانية للأمم القديمة من جملة مصادر المعرفة التاريخيّة عند الإمام (عليه السّلام)، ويعزّز هذا الظن بدرجة كبيرة قوله في النص الآنف الذكر: «وَسِرْتُ في آثَارِهِمْ» ممّا يحمل دلالة واضحة على أنّ مراده الآثار العمرانية.

      وقد خبر الإمام في حياته أربعة من أقطار الإسلام، هي: شبه الجزيرة العربية، واليمن، والعراق، وسوريا.

      ونقدّر أنه قد زار الآثار الباقية من الحضارات القديمة في هذه البلاد، وإِذا كان هذا قد حدث - ونحن نرجّح حدوثه - فمن المؤكّد أنّ الإمام لم يزر هذه الآثار زيارة سائح ينشد التسلية إِلى جانب الثقافة، أو زيارة عالم آثار يتوقف عند الجزئيات، وإنّما زارها زيارة معتبر مفكر يكمل معرفته النظرية بمصائر الشعوب والجماعات بمشاهدة بقايا وأطلال مدنها ومؤسّساتها الّتي حلّ بها الخراب بعد أنِ انحطّ بناتها وفقدوا قدرتهم على الإستمرار فاندثروا.

      هذه هي، فيما نقدّر، المصادر المعلومة والمظنونة والمحتملة الّتي استقى منها الإمام علي (عليه السلام) معرفته التاريخيّة.




      الهوامش:

      1- قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 16 / 52 - أمّا قوله «كتبها إليه بحاضرين» فالّذي كنّا نقرؤه قديماً، «كتبها إليه بالحاضرّينِ،» على صيغة التّثنية، يعني حاضر حلب وحاضر قنسرين، وهي الأرباض والضواحي المحيطة بهذه البلاد، ثم ـ بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام، ولم يفسّروه، ومنهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التّثنية، ومنهم من يقول: خناصرين يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها. وقد طلبتُ هذه الكلمة في الكتب المصنفة سيّما في البلاد والأرضين فلم أجدها، لعلي أظفر بها فيما بعد فألحقها في هذا الموضع.

      قال الشيخ محمد عبده في شرحه: حاضرين: اسم بلدة بنواحي صفّين.

      2- من مقدمة الشريف الرضي نهج البلاغة.

      3- من مقدَمة الشّريف الرّضي لنهج البلاغة.

      4- ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 2 قسم 2 ص 101، والمتقي الهندي: كنز العمال 6 / 396 - وقال: أخرجه ابن سعد وابن عساكر، وقالوا (لِسَاناً طَلِقاً سَؤولاً) وأبو نعيم: حُلية الأولياء 1 / 67.

      5- أبو نعيم: حلية الأولياء: 1 / 65.

      6- أسد الغابة 4 / 22 والإستيعاب: 2 / 462.

      7- كنز العمال 6 / 153 وفتح القدير: 4 / 456.

      8- تاريخ بغداد: 4 / 158.

      9- كنز العمال: 6 / 392.

      10- اندمجتُ: انطويتُ، كناية عن معرفته بأمور خاصة جداً.

      11- الأرْشِية: جمع رشاء، الحبل. والطّويّ جمع طوية وهي البئر.

      12- نهج البلاغة - الخطبة رقم: 5.

      13- نهج البلاغة - الخطبة رقم: 16.

      14- طُوي: حُجب عِلمُه عَنكُمْ.

      15- الصِّعُدات: جمع صَعيد. يُريدُ: لَذهبتْ عنكم الدّعةُ والإستقرارُ في منازِلكم وخرجتُم مِنها قلقينَ على مَصيرِكم.

      16- نهج البلاغة - رقم الخطبة: 116.

      17- نهج البلاغة - رقم الخطبة: 128.







      تعليق


      • #4
        مضاعفات وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)



        الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر

        وفاة الرسول الأعظم أعظم فاجعة مرت على تاريخ البشرية على الطلاق، والتي يمثل الجزء الأول منها انقطاع الوحي في تاريخ البشرية.

        هذه الظاهرة التي لم يعرف الإنسان في تاريخه الطويل الطويل ظاهرة يمكن أن تماثلها وأن تناظرها في القدسية والجلال والأثر في حياة الإنسان وتفكيره، ويمثل الجزء الآخر من الفاجعة الإنحراف داخل المجتمع الإسلامي، على يد المؤامرة التي قام بها جناح من المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنحرف بذلك الخط عما كان مقرراً له من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ومن قبل الله تعالى.

        كان هذا اليوم المشؤوم بداية إنحراف طويل ونهاية عهد سعيد بالوحي، تمثل في مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، كما في بعض الروايات وكان بداية ظلام ومحن ومآس وفواجع وكوارث من ناحية اُخرى تمثل في ما عقب وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحداث في تاريخ العالم الإسلامي هذه الأحداث المرتبطة أرتباطاً شديداً وقوياً بما تم في هذا اليوم من الفاجعة على ما في زيارة الجامعة التي نقرؤها، بيعتهم التي عمت شؤمها الإسلام، وزرعت في قلوب الأمة الآثار وعنفت سلمانها، وضربت مقدادها، ونفت جندبها، وفتحت بطن عمارها، وأباحت الخمس للطلقاء أولاد الطلقاء وسلطت اللعناء على المصطفين الأخيار، وأبرزت بنات المهجرين والأنصار إلى الذلة والمهانة وهدمت الكعبة وأباحت المدينة وخلطت الحلال بالحرام إلى غير ذلك من الاوصاف.

        وأود الآن أن أقتصر على الجزء الأول من هذه الفاجعة يعني أن أنظر إلى الحدث الذي وقع في هذا اليوم بوصفه حدثا قد وضع حداً لتلك الظاهرة العظيمة التي اقترنت مع هبوط الإنسان على وجه الأرض، ظاهرة الوحي ظاهرة أرتفاع الإنسان وتفانيه للإتصال المباشر مع الله سبحانه وتعالى.

        ففي مثل هذا اليوم وضع حد نهائي لهذه الظاهرة المباركة الميمونة وفي بعض الروايات إن جبرائيل (عليه السلام) حينما أرتفع ملائكة السماء بروح محمد (صلى الله عليه وآله) إلى ربها راضية مرضية، التفت إلى الأرض مودعاً ثم طار إلى سماواته.

        هذا اليوم كان يوم انقطاع الإنسانية عن الاتصال المباشر باللّه سبحانه بانتهاء حياة خاتم الأنبياء والمرسلين.

        بهذه المناسبة أريد أن أعطي فكرة موجزة على مستوى بحث اليوم عن الوحي، الوحي الذي يتمثل في أتصال خاص بين الإنسان وبين الله.

        فالوحي هو ضرورة من ضرورات تخليد الإنسان على وجه الأرض وبهذا خلق الله الإنسان وأودعه الاستعداد الكامل والارضية الصالحة بافاضة هذه الموهبة منه سبحانه لأن ضرورة الوحي يمكن أن توضع في قبال جانبين في الإنسان الآن اقتصر على أحد الجانبين:


        الإنسان خلق حسياً أكثر منه عقلياً خلق يتفاعل مع حسه أكثر مما يتفاعل مع عقله، يعني إن النظريات والمفاهيم العقلية العامة في إطارها النظري هذه المفاهيم حتى لو آمن بها الإنسان إيماناً عقلياً حتى لو دخلت إلى ذهنه دخولاً نظرياً مع هذا لا تهزه ولا تحركه ولا تبنيه ولا تزعزع ما كان فيه ولا تنشئه من جديد إلا في حدود ضيقة جداً. على عكس الحس فان الإنسان الذي يواجه حساً، ينفعل بهذا الحس وينجذب إليه، وينعكس هذا الحس على روحه ومشاعره وانفعالاته وعواطفه بدرجة لا يمكن أن يقاس بها انعكاس النظرية والمفهوم المجرد عن أي تطبيق حسي.

        وليس من الصدفة إن كان الإنسان على طول الخط في تاريخ المعرفة البشرية أكثر ارتباطاً بمحسوساته من معقولاته وأكثر تمسكاً بمسموعاته ومنظوراته من نظرياته.

        فإن هذا هو طبيعة التسليم الفكري والمعرفي عند الانسان وليس من الصدفة أن قرن إثبات أي دين بالمعجرة وكانت أكثر معاجز الانبياء معاجز على مستوى الحس لأن الإنسان يتأثر بهذا المستوى أكثر مما يتأثر بأي مستوى آخر إذن: (فالإنسان بحسب طبيعة جهازه المعرفي وتكوينه النظري خلق حسياً أكثر منه عقلياً) خلق متفاعلاً مع هذا المستوى من الانخفاض من المعرفة أكثر مما هو متفاعل مع المستوى النظري المجرد عن المعرفة وهذا يعني إن الحس أقدر على تربية الإنسان من النظر العقلي المجرد ويحتل من جوانب وجوده وشخصيته وأبعاد مشاعره وعواطفه وانفعالاته أكثر مما يحتل العقل: المفهوم النظري المجرد.

        بناء على هذا كان لا بد للإنسانية من حس مربي، زائد على العقل والمدركات العقلية الغائمة الغامضة التي تدخل إلى ذهن الإنسان بقوالب غير محدودة وغير واضحة.

        إضافة إلى هذه القوالب كان لا بد لكي يربى الإنسان على أهداف السماء على مجموعة من القيم والمثل والاعتبارات كان لا بد من أن يربى على أساس الحس وهذا هو السبب في أن كل الحضارات التي يعرفها تاريخ النوع البشري إلى يومنا هذا إلى حضارة الإنسان الاوروبي التي تحكم العالم ظلماً وعدواناً كل هذه الحضارات التي انقطعت عن السماء رباهاً الحس ولم يربها العقل، لأن الحس هو المربي الأول دائماً فكان لا بد لكي يمكن تربية الإنسان على اساس حس يبعث في هذا الإنسان إنسانيته الكاملة الممثلة لكل جوانب وجوده الحقيقية كان لا بد من خلق حس في الإنسان يدرك تلك القيم والمثل والمفاهيم ويدرك التضحية في سبيل تلك القيم والمثل إدراكاً حسياً لا إدراكاً عقلانياً بقانون الحسن والقبح العقليين فقد وهذا يعني ما قلناه من إن ضرورة الإنسان في خط التربية تفرض أن يودع في طبيعة تكوينه وخلقه أرضية تكون صالحة، لأن تكون فيه حسيا بحسن العدل بقبح الظلم بآلام المظلومين، أن تكون فيه حسا بكل ما يمكن للعقل إدراكه وما لا يمكن إدراكه من قيم ومثل واعتبارات.

        وهذه الأرضية أو هذا الاستعداد الكامل الذي كان الارتباط المباشر مع الله سبحانه وتعالى لكي تنكشف كل الصحف كل الستائر عن كل القيم وكل المثل وكل هذه الاعتبارات والاهداف العظيمة لكي ترى رؤية العين وتسمع سماع الأذن لكي يلمسها بيده يراها بعينه.

        كان لا بد من أن توجد بذرة مثل هذا الحس في النوع البشري إلا أن وجدان هذه البذرة في النوع البشري لا يعني أن كل إنسان سوف يصبح له مثل هذا الحس وينفتق إدراكه عنه وانما يعني إن الامكانية الذاتية موجودة فيه إلا أن هذه الامكانية لن تخرج إلى مرحلة الفعلية إلا ضمن شروطها وظروفها وملابساتها الخاصة كأي إمكانية اخرى في الإنسان.

        هناك شهوات وغرائز موجودة في الإنسان منذ يخلق وهو طفل ولكنه لا يعيش تلك الشهوات ولا يعيش تلك الغرائز إلى مراحل متعاقبة من حياته فإذا مر بمراحل متعاقبة من حياته تفتحت تلك البذور حينئذ أصبح يعيش فعلية تلك الشهوات والغرائز كذلك على مستوى هذا الحس الذي هو أشرف واعظم واروع ما أودع في طبيعة الإنسان.

        هذا قد لا يعيشه مئات الملايين من البشر في عشرات الآلاف من السنين، قد لا يتفتح يبقى مجرد استعداد خام وأرضية ذاتية تمثل الامكان الذاتي لهذه الصيغة فقط دون أن تتفتح عن وجود مثل هذا الحس لأن تفتحه يخضع لما قلناه من الملابسات والشروط التي لها بحث آخر أوسع من كلامنا اليوم.

        أرضية أن يحس الإنسان بتلك القيم والمثل تصبح امراً واقعياً في أشخاص مميزنين يختصهم الله تعالى بعنايته ولطفه واختياره وهؤلاء هم الأنبياء والمرسلون الذين يرتفعون إلى مستوى أن تصبح كل المعقولات الكاملة محسوسات لديهم يصبح كل ما نفهمه وما لا نفهمه من القيم والمثل أمراً حسياً لديهم يحسونه ويسمعونه ويبصرونه.

        ذلك إن الافكار التي ترد إلى ذهن الإنسان تارة ترد إلى ذهنه وهو لا يدرك إدراكاً حسياً مصدر هذه الافكار، الافكار التي ترد إلى الإنسان كلنا نؤمن بأنها أفكار بقدرة الله وعنايته وردت إلى ذهن الإنسان و إلى فكره لكن إيماننا بذلك إيمان عقلي نظري لا حسيّ لأن اللّه سبحانه وتعالى هو مصدر العلم والمعرفة والأفكار الخيرة في ذهن الإنسان ولهذا أي فكرة من هذا القبيل تطرأ في ذهن الإنسان نؤمن عقلياً بأنها من اللّه سبحانه وتعالى.

        لكن هناك فارق كبير بين حالتين: بين حالة أن ترد فكرة إلى ذهن الإنسان فيحس بأن هذه الفكرة القيت إليه من أعلى بحيث يدرك إلقاءها من أعلى كما تدرك أنت الآن أن الحجر وقع من أعلى يدرك هذا بكل حسه وبصره يدرك أن هذه القطرة هذا الفيض هذا الاشعاع قد وقع من اعلى ألقي عليه من اللّه سبحانه وتعالى.

        واخرى لا يدرك هذا على مستوى الحس يدركه عقلياً يدرك إن هناك فكرة تعيش في ذهنه نيرة خيرة لكنه لم ير بعينه أن هناك يداً قذفت بهذه الفكرة إلى ذهنه.

        وهذه الافكار التي تقذف في ذهن الإنسان فيتوفر لدى ذاك الإنسان حس بها بأنها قذفت إليه من الله سبحانه وتعالى وافيضت عليه من واجب الوجود واهب الوجود وواهب المعرفة فهي أيضاً على أقسام.

        لأن هذا الإنسان تارة قد بلغ حسه إلى القمة فاستطاع أن يحس بالعطاء الإلهي من كل وجوهه وجوانبه يسمعه ويبصره يراه في جميع جهاته يتعامل معه ويتفاعل معه بكل ما يمكن للحس أن يتفاعل مع الحقيقة هذا هو الذي يعبر عنه بمصطلح الروايات على ما يظهر من بعضها بمقام عال من الإنبياء مقام الرسول الذي يسمع الصوت ويرى الشخص أيضاً.

        ويمكن أن نفترض أن هناك ألواناً أخرى من الحس تدعم هذا الحس السمعي والبصري عند هذا الإنسان العظيم فهو يحس بالحقيقة المعطاة من الله تعالى من جميع جوانبها يحس بها بكل ما اوتي من أدوات الحس بالنسبة إليه هذه هي الدرجة العالية من الحس وقابلية الاتصال مع العمل الإلهي.

        وأخرى يفترض أنه يحس بها من بعض جوانبها وهو الذي عبر عنه بأنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص هذا احساس إلا أنه احساس ناقص وقد يفترض أنه أقل من ذلك وهو الذي عبر عنه في بعض الروايات بأنه يرى الرؤيا في المنام هنا يرى هذه الرؤيا المنامية وهي طبعاً تختلف عن الرؤيات في اليقظة من حيث درجة الوضوح.

        فهنا فارق كيفي بين الحس والرؤيا المنامية والرؤيا في عالم اليقظة والانتباه الكامل.

        هناك درجات من الحس وعلى وفق هذه الدرجات وضعت مصطلحات الرسول والنبي والمحدّث والإمام، ونحو ذلك من المصطلحات، أنه الذي يمثل أعلى هذه الدرجات هو الوحي المتمثل في ملك يتفاعل معه النبي تفاعلاً حسياً من جميع جوانبه كما كان يعيش سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) مع جبرائيل (عليه السلام) هنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعيش الحقيقة الإلهية عيشاً حسياً من جميع جوانبها. يعيشها كما نعيش نحن على مستوى حسناً ووجود رفيقنا وصديقنا، لكن مع فارق بين هذين الحسين بدرجة الفارق بين المحسوسين.

        هذا الحس هو الذي استطاع أن يربي شخص النبي (صلى الله عليه وآله) وأعد لكي يكون المثل الأول والرائد الأول لخط هذه القيم والمثل والأهداف الكبيرة.

        يعني هذا الحس قام بدور التربية للنبي (صلى الله عليه وآله) لانه استنزل القيم والمثل والأهداف والاعتبارات العظيمة من مستواها الغائم المبهم من مستواها الغامض العقلي من مستوى النظريات العمومية فأعطاها معالم الحس التي لا ينفعل الإنسان كما قلنا بقدر ما ينفعل بها بهذا تصبح الصورة المحسوسة التي هبطت على النبي (صلى الله عليه وآله) على أي نبي من الأنبياء ملء وجوده ملء روحه ملء كيانه.

        تصبح همه الشاغل في ليله ونهاره لأنها أمامه يراها يحسها... يلمسها ويشمها بأروع مما نلمس ونشم ونسمع ونبصر.

        ثم هذا الشخص الذي استطاع أن يربيه الحس القائم على الوحي يصبح هو حساً مربياً للآخرين. فالآخرون من أبناء البشرية الذين لم تتح لهم الظروف، ظروفهم وملابساتهم وعناية الله أن يرتفعوا هم إلى مستوى هذا الحس الذين لم يتح لهم هذا الشرف العظيم سوف يتاح لهم الحس لكن بالشكل غير المباشر حس بالحس لا حس بالحقيقة الإلهية مباشرة، حس بالمرآة الحقيقية الإلهية انعكست على هذه الحقيقة الإلهية يعني المعطى الإلهي - الثقافة الإلهية - انعكست على هذه المرآة والآخرون يحسون بهذه المرآة بينما النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه كان يحس مباشرة بتلك الثقافة الإلهية بما هي امر حسي لا بما هي امر نظري أما نحن نحس محمداً (صلى الله عليه وآله) بما هو رجل عظيم بما هو رجل استطاع أن يثبت للبشرية أن هناك اعتباراً وهدفاً فوق كل المصالح والاعتبارات فوق كل الأنانيات فوق كل الامجاد المزيفة والكرامات المحدودة إن هناك إنساناً لاينقطع نفسه إذا كان دائماً بيسير على خط رسالة الله سبحانه وتعالى هذا المضمون الذي للإنسان أن يدركه عقلياً هذا المضمون الذي حشد ارسطو وافلاطون مئات الكتب بالبرهنة العقلية عليه على امكانية الاستمرار اللامتناهي من اللامتناهي هذا المعنى أصبح لدى البشرية امراً محسوساً خرج من نطاق اوراق ارسطو وافلاطون التي لم تستطع أن تصنع شيئاً والتي لم تستطع أن تفتح قلب إنسان على الصلة بهذا اللامتناهي وأصبحت أمراً حسياً يعيش مع تاريخ الناس لكي يكون هذا الأمر المحسوس هو التعبير القوي دائماً عن تلك القيم والمثل وهو المربي للبشرية على أساس تلك القيم والمثل.

        فالوحي بحسب الحقيقة إذن هو المربي الأول للبشرية الذي لم يكن بالامكان للبشرية أن تربى بدونه لأن البشرية بدون الوحي ليس لديها إلا حس بالمادة وما على المادة من ماديات، وإلا إدراك عقلي غائم قد يصل إلى مستوى الإيمان بالقيم والمثل وباللّه إلا انه إيمان عقلي على أي حال لا يهز قلب هذا الإنسان ولا يدخل إلى ضميره ولا يسمع كل وجوده ولا يتفاعل مع كل مشاعره وعواطفه.

        فكان لا بد أن يستنزل ذلك العقل على مستوى الحس لا بد أن تستنزل تلك المعقولات على مستوى الحس وحيث أن هذا ليس بالامكان أن يعمل مع كل الناس لأن كل إنسان مهيأ لهذا ولهذا استصفي لهذه العملية أناس معينون أوجد الله تبارك وتعالى فيهم الحس القائد الرائد هذا الحس رباهم هم أولا وبالذات ثم خلق وجوداً حسياً ثانوياً هذا الوجود الحسي الثانوي كان هو المربي للبشرية.

        والخلاصة لئن بقيت القيم والمثل والأهداف والاعتبارات عقلية محضة فهي سوف تكون قليلة الفهم ضعيفة الجذب بالنسبة إلى الإنسان وكلما أمكن تمثيلها حسياً أصبحت أقوى وأصبحت أكثر قدرة على الجذب والدفع.

        إذا كان هذا حقاً فيجب أن نخطط لأنفسنا ونخطط في علاقاتنا مع الآخرين على هذا الأساس.

        يجب أن نخطط في أنفسنا على هذا المستوى ومعنى أن نخطط في أنفسنا على هذا يعني أن لا نكتفي بأفكار عقلية نؤمن بها نضعها في زاوية عقلنا كإيمان الفلاسفة بآرائهم الفلسفية لا يكفي أن نؤمن بهذه القيم والمثل إيماناً عقلياً صرفاً بل يجب أن نحاول... أن نستنزلها إلى أقصى درجة ممكنة من الوضوح الحسي طبعاً نحن لا نطمع أن نكون أنبياء ولانطمع أن نحظى بهذا الشرف العظيم الذي انغلق على البشرية بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ولكن مع هذا الوضوح مقول بالتشكيك على حسب اصطلاح المناطق ليس كل درجة من الوضوح معناها النبوة هناك ملايين من درجات الوضوح قبل أن تصبح نبياً. يمكن أن تكسب ملايين من درجات الوضوح، وهذه المراتب المتصاعدة قبل أن تبلغ إلى الدرجة التي اصبح فيها موسى (عليه السلام) في لحظة استحق فيها أن يخاطبه اللّه سبحانه وتعالى أو قبل أن يصل الإنسان إلى الدرجة التي بلغ إليها محمد (صلى الله عليه وآله) حينما هبط عليه اشرف كتب السماء هناك ملايين من الدرجات هذه الملايين بأبها مفتوح أمامنا ولا بد أن لا نقتصر أن لا نزهد في هذا التطوير العقلي للقيم والمثل الموجود عندنا لا بد لنا أن لا نقتصر وأن نطمع في أكثر من هذا الوضوح وفي أكثر من هذا من التحدد ومن الحسية لا بد لنا أن نفكر في أن يعبأ كل وجودنا بهذا القيم والمثل لكي تكون على مستوى المحسوسات بالنسبة إلينا.

        من أساليب استنزال هذه القيم والمثل إلى مستوى المحسوسات هو التأثير الذهني عليها باستمرار حينما توحي إلى نفسك باستمرار بهذه الأفكار الرفيعة حينما توحي إلى نفسك باستمرار بانك عبد مملوك للّه سبحانه وتعالى وأن الله تبارك وتعالى هو المالك المطلق لامرك وسلوكك ووجودك وهو المخطط لوضعك ومستقبلك وحاضرك وأنه هو الذي يرعاك بعين لا تنام في دنياك وآخرتك حينما توحي إلى نفسك باستمرار بمستلزمات هذه العبودية من أنك مسؤول أمام هذا المولى العظيم مسؤول أن تطيعه أن تطبق خطه، أن تلتزم رسالته، أن تدافع عن رايته أن تلزم شعاراته حينما تسر إلى نفسك وتؤكد على نفسك باستمرار أن هذا المعنى للعبودية لأنك دائماً وأبداً يجب أن تعيش مع الله.

        حينما توحي إلى نفسك بانك يجب أن تعيش للّه سوف تتعمق دقة العيش للّه في ذهنك سوف تتسع سوف تصبح بالتدريج شبحاً يكاد أن يكون حسياً بعد أن كان نظرياً عقلياً صرفاً.

        أليس هناك أشخاص من الأولياء والعلماء والصديقين قد استطاعوا أن يبصروا محتوى هذه القيم والمثل بام أعينهم ولم يستطيعوا أن يبصروها بأم أعينهم إلا بعد أن عاشوها عيشا تفصيلياً مع الالتفات التفصيلي الكائن وهذه عملية شاقة جداً لأن الإنسان كما قلنا ينفعل بالحس وما أكثر المحسوسات من أمامه ومن خلفه الدنيا كلها بين يديه تمتع بحسه في مختلف الأشياء وهو يجب عليه دائماً وهو يعيش في هذه الدنيا التي تنقل إلى عينه مئات المبصرات، وتنقل مئات المسموعات، يجب عليه أن يلقن نفسه دائماً بهذه الافكار ويؤكد هذه الأفكار خاصة في لحظات ارتفاعه وفي لحظات تساميه لأن أكثر الناس إلا من عصم الله تحصل له لحظات التسامي، وتحصل له لحظات الإنخفاض.

        ليس كل إنسان يعيش محمداً (صلى الله عليه وآله) مئة بالمئة وإلا لكان كل الناس من طلابه الحقيقيين كل إنسان لا يعيش محمداً إلا لحظات معينة تتسع وتضيق بقدر تفاعل هذا الانسان برسالة محمد (صلى الله عليه وآله).

        إذن ففي تلك اللحظات التي تمر على أي واحد منا ويحس بأن قلبه منفتح لمحمد (صلى الله عليه وآله) وأن عواطفه ومشاعره كلها متأججة بنور رسالة هذا النبي العظيم (صلى الله عليه وآله). في تلك اللحظات يغتنم تلك الفرصة ليخترن وأنا اؤمن بعملية الاختران يعني أؤمن بأن الإنسان في هذه اللحظة إذا استوعب أفكاره وأكد على مضمون معين وخزنه في نفسه سوف يفتح له هذا الاختران في لحظات الضعف بعد هذا حينما يفارق هذه الجلوة العظيمة حينما يعود إلى حياته الاعتيادية سوف يتعمق بالتدريج هذا الرصيد هذه البذرة التي وضعها في لحظة الجلوة في لحظة الانفتاح المطلق على أشرف رسالات السماء تلك البذرة سوف تشعره وسوف تقول له في تلك اللحظة إياك من المعصية إياك من أن تنحرف قيد انملة عن خط محمد (صلى الله عليه وآله).

        كلما ربط الإنسان نفسه في لحظات الجلوة والانفتاح بقيود محمد (صلى الله عليه وآله) واستطاع أن يعاهد نبيه العظيم (صلى الله عليه وآله) على أن لا ينحرف عن رسالته على أن لا يتململ عن خطه على أن يعيشه ويعيش أهدافه ورسالته وأحكامه حينئذ بعد هذا حينما تفارقه هذه الجلوة وكثيراً ما تفارقه إذا أراد أن ينحرف يتذكر عهده يتذكر صلته بمحمد (صلى الله عليه وآله) تصبح العلاقة حينئذ ليست مجرد نظرية عقلية بل هناك اتفاق هناك معاهدة هناك بيعة أعطاها لهذا النبي (صلى الله عليه وآله) في لحظة حس في لحظة قريبة من الحس.

        كان كأنه يرى النبي أمامه فبايعه.

        لو أن أي واحد منا استطاع أن يرى النبي (صلى الله عليه وآله) بأم عينه. أو رأى أمامه إمام زمانه عجل اللّه تعالى فرجه رأى قائده بأم عينه وعاهده وجهاً لوجه على أن لا يعصي على أن لا ينحرف على أن لا يخون الرسالة هل بالامكان لهذا الإنسان بعد هذا لو فارقته تلك الجلوة ولو ذهب إلى ما ذهب ولو عاش أي مكان وأي زمان هل بإمكانه أن يعصي؟ هل يمكنه أن ينحرف أو يتذكر دائماً صورة ولي الأمر عجل اللّه تعالى فرجه وهو يأخذ منه هذه البيعة وهذا العهد على نفسه.

        نفس هذه العملية يمكن أن يعملها أي واحد منا لكن في لحظة الجلوة في لحظة الأنفتاح.

        كل إنسان من عندنا يعيش لحظة لقاء الإمام عجل اللّه تعالى فرجه من دون أن يلقى الإمام عجل اللّه تعالى فرجه ولو مرة واحدة في حياته هذه المرة الواحدة أو المرتين والثلاثة يجب أن نعمل لكي تتكرر لأن بالامكان أن نعيش هذه اللحظة دائماً هذا ليس أمراً مستحيلاً بل هو أمر ممكن والقصة قصة إعداد وتهيئة لأن نعيش هذه اللحظة حتى في حالة وجود لحظات أكثر بكثير تعيش فيها الدنيا تعيش فيها أهواء الدنيا ورغبات الدنيا وشهوات الدنيا مع هذا يجب أن تخلف فينا هذه اللحظة رصيداً يجب أن تخلق فينا بذرة منعة عصمة قوة قادرة على أن تقول: لا، حينما يقول الإسلام: لا، ونعم حينما يقول الإسلام ذلك.

        هذه اللحظة يجب أن نغتنمها ويجب أن نختزن لكي تتحول بالتدريج هذه المفاهيم إلى حقائق وهذه الحقائق إلى محسوسات وهذه المحسوسات إلى جهاد نعيشه بكل عواطفنا ومشاعرنا وانفعالاتنا أناء الليل وأطراف النهار ونحن ما أحوجنا إلى ذلك لأن المفروض أننا نحن الذين يجب أن نبلغ للناس نحن الذين يجب أننشع بنور الرسالة على الناس. نحن الذين يجب أن نحدد معالم الطريق للأمة والمسلمين إذن فما احوجنا إلى أن يتبين لنا الطريق تبيناً حسياً تبيناً اقرب ما يكون إلى تبين الأنبياء وطرقهم.

        ليس عبثاً وليس صدفة أن رائد الطريق دائماً كان إنساناً يعيش الوحي لأنه كان لا بد له أن يعيش طريقه بأعلى درجة ممكنة للحس حتى لا ينحرف حتى لا يتململ حتى لا يضيع حتى لايكون سبباً في ضلال الآخرين. ونحن يجب أن ندعو أن نتضرع إلى اللّه دائماً لان يفتح أمام أعيننا معالم الطريق أن يرينا الطريق رؤية عين لا رؤية عقل فقط أن يجعل هذه القيم وهذه المثل والطريق إلى تجسيد هذه القيم وهذه المثل شيئاً محسوساً بكل منعطفات هذا الطريق وبكل صعوبات هذا الطريق وما يمكن أن يصادفه في أثناء هذا الطريق.

        لا بد لنا أن نفكر في أن نحصل أكبر درجة ممكنة من الوضوح في هذا الطريق هذا بيننا وبين أنفسنا..

        وأما العبرة التي نأخذها بالنسبة إلينا مع الآخرين نحن أيضاً يجب أن نفكر في أننا سوف لن نطمع في هداية الآخرين عن طريق إعطاء المفاهيم فقط عن طريق إعطاء النظريات المجردة فقط وتصنيف الكتب العميقة كل هذا لا يكفي القاء المحاضرات النظرية لا يكفي.

        لا بد لنا أن نبني تأثيرنا في الآخرين أيضاً على مستوى الحس يجب أن نجعل الآخرين يحسون منا بما ينفعلون به إنفعالاً طيباً طاهراً مثالياً فان الآخرين مثلنا، الآخرون هم بشر والبشر ينفعلون بالحس أكثر مما ينفعلون بالعقل فلا بد إذن أن نعتمد على هذا الرصيد أكثر مما نعتمد على ذلك الرصيد.

        كتاب مئة كتاب نظري لا يساوي أن تعيش الحياة التي تمثل خط الأنبياء حينما تعيش الحياة التي تمثل خط الأنبياء بوجودك بوضعك باخلاقك بإيمانك بالنار والجنة إيمانك بالنار والجنة حينما ينزل إلى المستوى الحس إلى مستوى الرقابة الشديدة إلى مستوى العصمة حينما ينزل إلى هذا المستوى يصبح أمراً محسوساً يصبح هذا الإيمان أمراً حسياً حينئذ سوف يكهرب الآخرين ولا نطمع بالتأثير عليهم على مستوى النظريات فحسب فان هذا وحده لا يكفي وإن كان ضرورياً أيضاً ولكن يجب أن نضيف إلى التأثير على مستوى النظريات تطهير أنفسنا وتكميل أرواحنا وتقريب سلوكنا من سلوك الأنبياء (صلى الله عليه وآله) وأوصياء هؤلاء الأنبياء لنستطيع أن نجسد تلك القيم والمثل بوجودنا أمام حس الآخرين قبل أن نعطيها بعقول الآخرين أو توأماً مع إعطائها لعقول الآخرين...

        اللهم وفقنا للسير في خط أشرف انبيائك والالتزام بتعالميه غفر اللّه لنا ولكم جميعاً.







        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم( علي ابن ابي طالب نسخة مفردة لم ير الشرق ولا الغرب صورة طبق الاصل لا قديما ولا حديثا) ان علي ابن ابي طالب علمنا كيف نتعلم من التارخ ونهج البلاغة دليل على ما نذهب اليه نعم امير المؤمنين لم يكن رجل تاريخ ولا رجل اقتصاد ولا عالم نحوي ولا عالم فبزياء او عالم في العلوم الاخرى لان العالم يحتاج الى القراءة والمطالعة وامير المؤمنين نبع العلم من قلبه فهو صاحب العلم الحضوري الذي يكون اساسه8 التوجيه الرباني والعناية المحمدية ولذا فقد تمثل هذه الحقيقة احد علمائنا بقوله يصف كلام امير المؤمنين (ان الكلمة مرآة الروح لذا فان كل كلمة تتعلق بنفس العالم الذي ترتبط به روح صاحبها فالكلمات التي تتعلق بعوالم عديدةتكون علامةعلى تلك الروح التي لم تنحصر في عالم واحد .حيث ان روح الامام علي (ع) لاتتحدد بعالم خاص .بل هو الانسان الكامل الجامع لجميع مراتب الانسانية والروحية والمعنوية ,فلا تختص كلماته ايضا بعالم واحد....وهكذا فان من مميزات كلام الامام علي (ع)انه ذو ابعاد متعددة وليس ذا بعد واحد ) مرتضى مطهري

          تعليق


          • #6
            دور الإمام علي في الحفاظ على الشريعة الإسلامية




            الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر


            حينما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلّف أمة ومجتمعا ودولة. وأقصد بالأمة المجموعة من المسلمين الذين كانوا يؤمنون برسالته ويعتقدون بنبوته واقصد بالمجتمع تلك المجموعة من الناس التي كانت تمارس حياتها على أساس تلك الرسالة وتنشئ علاقاتها على أساس التنظيم المقرر لهذه الرسالة وأقصد بالدولة القيادة التي كانت تتولى، تزعم التجربة في ذلك المجتمع، والاشتغال على تطبيق الإسلام وحمايته مما يهدده من أخطار وإنحراف.

            الإنحراف الذي حصل يوم السقيفة، كان أول ما كان في كيان الدولة، لأن القيادة كانت قد اتخذت طريقاً غير طريقها الطبيعي، وقلنا بأن هذا الإنحراف الذي حصل يوم السقيفة، في زعامة التجربة أي الدولة، كان من الطبيعي في منطق الاحداث أن ينمو ويتسع، حتى يحيط بالتجربة نفسها، فتنهار الزعامة التي تشرف على تطبيق الإسلام.

            هذه الزعامة باعتبار إنحرافها، وعدم كونها قادرة على تحمل المسؤولية، تنهار في حياتها العسكرية والسياسية، وحينما تنهار الدولة، حينما تنهار زعامة التجربة ينهار تبعاً لذلك المجتمع الإسلامي، لأنه يتقوم بالعلاقات التي تنشأ على أساس الإسلام، فاذا لم تبق زعامة التجربة لترعى هذه العلاقات وتحمي وتقنن قوانين لهذه العلاقات، فلا محالة ستتفتت هذه العلاقات، وتتبدل بعلاقات اُخرى قائمة على أساس آخر غير الإسلام، وهذا معناه زوال المجتمع الإسلامي.

            تبقى الإمة بعد هذا وهي أبطأ العناصر الثلاثة تصدعاً وزوالاً، بعد أن زالت الدولة الشرعية الصحيحة، وزال المجتمع الإسلامي الصحيح، تبقى الأمة، إلا أن هذه أيضاً من المحتوم عليها أن تتفتت، وأن تنهار، وأن تنصهر ببوتقة الغزو الكافر، الذي أطاح بدولتها ومجتمعها. لأن الأمة التي عاشت الإسلام زمناً قصيراً، لم تستطع أن تستوعب من الإسلام ما يحصنها، ما يحدد أبعادها ما يقويها، ما يعطيها أصالتها وشخصيتها وروحها العامة وقدرتها على الاجتماع على مقاومة التميع والتسيب والانصهار في البوتقات الأخرى.

            هذه الأمة بحكم أن الإنحراف قصّر عمر التجربة، وبحكم أن الإنحراف زوّر معالم الإسلام، بحكم هذين السببين الكمي والكيفي، الأمة غير مستوعبة، الأمة تتحصّن بالطاقات التي تمنعها وتحفظها عن الإنهيار أمام الكافرين وأمام ثقافات الكافرين، فتتنازل بالتدريج، عن عقيدتها عن آدابها، عن أهدافها وعن أحكامها، ويخرج الناس من دين اللّه أفواجاً، وهذا ما أشارت إليه رواية عن أحد الأئمة (عليهم السلام) يقول فيها بأن أول ما يتعطل من الإسلام هو الحكم بما أنزل اللّه سبحانه وتعالى، وآخر ما يتعطل من الإسلام هو الصلاة، هذا هو تعبير بسيط عما قلناه من إن أول ما يتعطل هو الحكم بما أنزل اللّه أي إن الزعامة والقيادة للدولة تنحرف، وبإنحرافها سوف يتعطل الحكم بما أنزل اللّه. وهذا الخط ينتهي حتماً إلى أن تتعطل الصلاة، يعني إلى تمييع الأمة، تعطل الصلاة هو مرحلة أن الأمة تتعطل، إن الأمة تتنازل عن عقيدتها، إن الأمة تضيع عليها رسالتها وآدابها وتعاليمها.

            الحكم بغير ما أنزل اللّه، معناه إن التجربة تنحرف، إن المجتمع يتميّع... في مقابل هذا المنطق وقف الأئمة (عليهم السلام) على خطين:


            الخط الأول: هو خط محاولة تسلم زمام التجربة، زمام الدولة، محو آثار الإنحراف، إرجاع القيادة إلى موضعها الطبيعي لأجل أن تكتمل العناصر الثلاثة: الأمة والمجتمع والدولة.

            الخط الثاني: الذي عمل عليه الأئمة (عليهم السلام)، هو خط تحصين الأمة ضد الإنهيار، بعد سقوط التجربة واعطائها من المقومات، القدر الكافي، لكي تبقى وتقف على قدميها، وتعيش المحنة بعد سقوط التجربة، بقدم راسخة وروح مجاهدة، وبإيمان ثابت.

            والآن، نريد أن نتبين هذين الخطين في حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، مع استلال العبر في المشي على هذين الخطين.


            على الخط الأول خط محاولة تصحيح الإنحراف وإرجاع الوضع الاجتماعي والدولي في الأمة الإسلامية إلى خطه الطبيعي، في هذا الخط، عمل (عليه السلام) حتى قيل عن الإمام علي (عليه السلام) أنه أشد الناس رغبة في الحكم والولاية، أتهمه معاوية بن أبي سفيان، بأنه طالب جاه، وأنه طالب سلطان. أتهمه بالحقد على أبي بكر وعمر، أتهمه بكل ما يمكن أن يتهم الشخص المطالب بالجاه وبالسلطان وبالزعامة.

            أمير المؤمنين (عليه السلام) عمل على هذا الخط خط تسلم زمام الحكم، وتفتيت هذا الإنحراف، وكسب الزعامة زعامة التجربة الإسلامية إلى شخصه الكريم، بدأ هذا العمل عقيب وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) مباشرة، حيث حاول إيجاد تعبئة وتوعية فكرية عامة في صفوف المؤمنين وإشعارهم بأن الوضع وضع منحرف.

            إلا أن هذه التعبئة لم تنجح لأسباب ترتبط بشخص الإمام علي (عليه السلام)، ولأسباب أخرى ترتبط بإنخفاض وعي المسلمين أنفسهم. لأن المسلمين وقتئذ لم يدركوا أن يوم السقيفة كان هو اليوم الذي سوف ينفتح منه كل ما انفتح من بلاء على الخط الطويل لرسالة الإسلام، لم يدركوا هذا، ورأوا إن وجوهاً ظاهرة الصلاح قد تصدّت لزعامة المسلمين ولقياداتهم في هذا المجال، ومن الممكن خلال هذه القيادة، أن ينمو الإسلام وأن تنمو الأمة.

            لم يكن يفهم من الإمام علي (عليه السلام) إلا أن له حقاً شخصياً يطالب به، وهو مقصر في مطالبته، إلا أن المسألة لم تقف عند هذا الحد، فضاقت القصة على أمير المؤمنين (عليه السلام) من هذه الناحية، ومن أننا نجد في مراحل متأخرة من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) المظاهر الأخرى لعمله على هذا الخط، لمحاولة تسلمه أو سعيه في سبيل تسلم زعامة التجربة الإسلامية وتفادي الإنحراف الذي وقع، إلا أن الشيء الذي هو في غاية الوضح، من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه (عليه السلام) في عمله في سبيل تزعم التجربة، وفي سبيل محاربة الإنحراف القائم ومواجهته بالقول الحق وبالعمل الحق، وبشرعية حقه في هذا المجال، كان يواجه مشكلة كبيرة جداً، وقد استطاع أن ينتصر على هذه المشكلة إنتصاراً كبيراً جداً أيضاً.

            هذه المشكلة التي كان يواجهها هي مشكلة الوجه الظاهري لهذا العمل والوجه الواقعي لهذه العمل.

            قد يتبادر إلى ذهن الإنسان الاعتيادي لأول مرة إن العمل في سبيل معارضة زعامة العصر، والعمل في سبيل كسب هذه الزعامة، إنه عمل في إطار فكري، إنه عمل يعبَّر عن شعور هذا العامل بوجوده، وفي مصالحه، وفي مكاسبه، وبأبعاد شخصيته، هذا هو التفسير التلقائي الذي يتبادر إلى الأذهان، من عمل يتمثل فيه الإصرار على معارضته في زعامة العصر على كسب هذه الزعامة، وقد حاول معاوية كما أشرنا أن يستغل هذه البداهة التقليدية في مثل هذا الموقف من أمير المؤمنين (عليه السلام).

            إلا أن الوجه الواقعي لهذا العمل من قبل الإمام (عليه السلام) لم يكن هذا، الوجه الواقعي هو أن علياً كان يمثل الرسالة وكان هو الأمين الأول من قبل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)على التجربة على استقامتها وصلابتها، وعدم تميعها على الخط الطويل، الذي سوف يعيشه الإسلام والمسلمون بعد النبي (صلى الله عليه وآله). فالعمل كان بروح الرسالة ولم يكن بروحه هو، كان عملاً بروح تلك الأهداف الكبيرة، ولم يكن عملاً بروح المصلحة الشخصية، لم يكن يريد أن يبني زعامة لنفسه، وإنما كان يريد أن يبني زعامة الإسلام وقيادة الإسلام في المجتمع الإسلامي، وبالتالي في مجموع البشرية على وجه الأرض.

            هذان وجهان مختلفان، قد يتعارضا في العامل نفسه، وقد يتعارضان في نفس الأشخاص الآخرين، الذين يريدون أن يفسروا عمل هذا العامل.

            هذا العامل قد يتراءى له في لحظة انه يريد أن يبني زعامة الإسلام لا زعامة نفسه، إلا أنه خلال العمل، إذا لم يكن مزوداً بوعي كامل. إذا لم يكن مزوداً بإرادة قوية، إذا لم يكن قد استحضر في كل لحظاته وآنات حياته، إنه يعيش هذه الرسالة ولا يعيش نفسه، إذا لم يكن هكذا، فسوف يحصل في نفسه ولولا شعوريا انفصام بين الوجه الظاهري للعمل وبين الوجه الحقيقي للعمل، وبمثل هذا الإنفصام سوف تضيع أمامه كل الاهداف أو جزء كبير من تلك الاهداف سوف ينسى إنه لا يعمل لنفسه بل هو يعمل لتلك الرسالة سوف ينسى إنه ملك غيره وإنه ليس ملكاً لنفسه: كل شخص يحمل هذه الاهداف الكبيرة، يواجه خطر الضياع في نفسه، وخطر أن تنتصر أنانيته على هذه الاهداف الكبيرة، فيسقط في أثناء الخط، يسقط في وسط الطريق، وهذا ما كان الإمام علي (عليه السلام) معه على طرفي نقيض. الإمام علي (عليه السلام) كان يصّر دائماً على أن يكون زعيماً، يصّر دائماً على أن يكون هو الأحق بالزعامة، الإمام علي الذي يتألم، الذي يتحسّر إنه لم يصبح زعيماً بعد محمد (صلى الله عليه وآله) الذي يقول: لقد تقصمها ابن ابي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، في غمرة هذا الألم، في غمرة هذه الحساسية، يجب أن لا ننسى أن هذا الألم ليس لنفسه، إن هذه الحساسية ليست لنفسه، إن كل هذا العمل وكل هذا الجهد، ليس لأجل نفسه بل من أجل الإسلام. وكذلك كان يربي أصحابه على أنهم أصحاب تلك الاهداف الكبيرة، لا أصحاب زعامته وشخصه، وقد انتصر الإمام علي (عليه السلام) انتصاراً عظيماً في كلتا الناحيتين.

            انتصر الإمام على نفسه، وانتصر في إعطاء عمله إطاره الرسالي وطابعه العقائدي انتصاراً كبيراً.

            الإمام علي ربي أصحابه على أنهم أصحاب الأهداف لا أصحاب نفسه. كان يدعو إلى أن الإنسان يجب أن يكون صاحب الحق، قبل أن يكون صاحب شخص بعينه. الإمام علي هو الذي قال: (اعرف الحق تعرف أهله) كان يربي أصحابه، يربى عماراً وأبا ذرّ والمقداد على أنكم اعرفوا الحق... ثم احكموا على علي (عليه السلام) في إطار الحق. وهذا غاية ما يمكن أن يقدمه الزعيم من إخلاص في سبيل أهدافه. أن يؤكد دائماً لأصحابه وأعوانه - وهذا مما يجب على كل المخلصين - إن المقياس هو الحق وليس هو الشخص. إن المقياس هو الأهداف وليس هو الفرد.

            هل يوجد هناك شخص أعظم من الإمام علي بن ابي طالب. لا يوجد هناك شخص اعظم من الإمام علي إلا أستاذه، لكن مع هذا جعل المقياس هو الحق لا نفسه.

            لما جاءه ذلك الشخص وسأله عن الحق في حرب الجمل هل هو مع هذا الجيش أو مع ذلك الجيش، كان يعيش في حالة تردد بين عائشة وعلي، يريد أن يوازن بين عائشة وعلي، أيهما أفضل حتى يحكم بأنه هو مع الحق أو عائشة. جهودها للإسلام أفضل أو جهود علي أفضل، قال له: اعرف الحق تعرف اهله.

            الإمام علي كان دائماً مصرّاً على أن يعطي العمل الشخصي طابعه الرسالي، لا طابع المكاسب الشخصية بالنسبة إليه، وهذا هو الذي يفّسر لنا كيف إن علياً (عليه السلام)، بعد أن فشل في تعبئته الفكرية عقيب وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، لم يعارض ابا بكر وعمر معارضة واضحة سافرة طيلة حياة ابي بكر وعمر، وذلك إن أول موقف اعتزل فيه الإمام علي المعارضة بعد تلك التعبئة الفكرية واعطائها شكلاً واضحاً صريحاً كان عقيب وفاة عمر، يوم الشورى حينما خالف ابا بكر وعمر، هذا عندما حاول عبد الرحمن بن عوف حينما اقترح عليه المبايعة أن يبايعه على كتاب اللّه وسنة رسول وسنة الشيخين، قال (عليه السلام): بل على كتاب اللّه وسنة نبيه واجتهادي. هنا فقط اعلن عن معارضة عمر، في حياة أبي بكر وعمر بعد تلك التعبئة، لم يبد موقفاً إيجابياً واضحاً في معارضتهما، والوجه في هذا، هو أن علياً (عليه السلام) كان يريد ان تكون المعارضة في إطارها الرسالي، وأن ينعكس هذا الإطار على المسلمين، أن يفهموا أن المعارضة ليست لنفسه، وإنما هي للرسالة، وحيث أن أبا بكر وعمر كانا قد بدآ الإنحراف، ولكن الإنحراف لم يكن قد تعمق بعد والمسلمون قصيرو النظر، الذين قدموا أبا بكر على الإمام علي (عليه السلام) ثم قدموا عمر على أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، هؤلاء المسلمون القصيرو النظر لم يكونوا يستطيعون أن يعمقوا النظر إلى هذه الجذور، التي نشأت في أيام أبي بكر وعمر فكان معنى مواصلة المعارضة بشكل جديد أن يفسر من أكثر المسلمين، بأنه عمل شخصي، وإنها منافسة شخصية مع أبي بكر وعمر وأن بدأت بهم بذور الإنحراف في عهدهما إلا أنه حتى هذه البذور كانت الاغلب مصبوغة بالصبغة الإيمانية، كانا يربطانها بالحرارة الإيمانية الموجودة عند الأمة، وحيث إنها حرارة إيمانية بلا وعي، ولهذا لم تكن الأمة تميز هذا الإنحراف.

            عمر ميز بين الطبقات، إلا أنه حينما ميز بين الطبقات، حينما أثرى قبيلة بعينها دون غيرها من القبائل؟! أتعرفون أي قبيلة هي التي اثراها، هي قبيلة النبي (صلى الله عليه وآله)، عمر أغنى قبيلة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) اغنى عم محمد (صلى الله عليه وآله) اعطى زوجات النبي عشرة آلاف، كان يعطي للعباس اثني عشر ألفا، كان يقسم الأموال الضخمة على هذه الأسرة، هذا الإنحراف لا يختلف في جوهره عن إنحراف عثمان بعد ذلك، عثمان حينما ميز، إلا أن عمر فقط ربط هذا الإنحراف بالحرارة الإيمانية عند الإمة، لأن الحرارة الإيمانية عند الأمة كانت تقبل مثل هذا الإنحراف. هؤلاء أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، هذا عم النبي (صلى الله عليه وآله)، هذه زوجة النبي (صلى الله عليه وآله)، إذن هؤلاء يمكن ان يعطوا يمكن أن يثروا على حساب النبي (صلى الله عليه وآله)، لكن عثمان حينما جاء لم يرد على هذا الإنحراف شيئاً، إلا أنه لم يرتبط بالحرارة الإيمانية، بدّل عشيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعشيرته هو، وهذا أيضاً إنحراف مستمر لذلك الإنحراف، إلا أنه إنحراف مكشوف. ذاك إنحراف مقنّع، ذاك إنحراف مرتبط بالحرارة الإيمانية عند الأمة، وهذا إنحراف يتحدى مصالح الأمة، والمصالح الشخصية للأمة، ولهذا استطاعت الأمة أن تلتفت إلى إنحراف عثمان بينما لم تلتفت بوضوح إلى إنحراف أبي بكر وعمر، وبهذا بدأ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) معارضته لأبي بكر وعمر في الحكم بشكل واضح، بعد أن مات أبو بكر وعمر، لم يكن من المعقول تفسير هذه المعارضة على إنها معارضة شخصية بسبب طمع في سلطان، بدأ هذه المعارضة وأعطى رأيه بأبي بكر وعمر.


            علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد أن تم الأمر لعثمان، بعد أن بويع عثمان يوم الشورى، قال: أن سوف اسكت ما سلمت مصالح المسلمين وأمور المسلمين، وما دام الغبن علي وحدي، وما دمت أنا المظلوم وحدي، وما دام حقي هو الضائع وحدي. أنا سوف اسكت سوف أبايع سوف أطيع عثمان، هذا هو الشعار الذي أعطاه بصراحة مع أبي بكر وعمر وعثمان، وبهذا الشعار أصبح في عمله رسالياً، وأنعكست هذه الرسالة على عهد أمير المؤمنين، وبقي (عليه السلام) ملتزماً بما تعهّد به من السكوت إلى أن بدأ الإنحراف في حياة عثمان بشكل مفضوح، حيث لم يرتبط بلون من ألوان الحرارة الإيمانية التي أرتبط بها الإنحراف في أيام الخليفة الأول وفي أيام الخليفة الثاني، بل أسفر الإنحراف، ولهذا أسفر الإمام علي (عليه السلام) عن المعارضة وواجه عثمان بما سوف نتحدث عنه بعد ذلك.

            فالإمام علي (عليه السلام) في محاولته لتسلم زمام التجربة وزعامة القضية الإسلامية كان يريد أن يوفق بين هذا الوجه الظاهري للعمل، وبين الوجه الواقعي للعمل، وأستطاع أن يوفق بينهما توفيقاً كاملاً، استطاع هذا في توقيت العمل، واستطاع هذا في تربيته لأصحابه، على أنهم أصحاب الأهداف لا أصحاب الأشخاص، واستطاع في كل هذه الشعارات التي طرحها، أن يثبت أنه بالرغم من كونه في قمة الرغبة لأن يصبح حاكماً، لم يكن مستعداً أبداً لان يصبح حاكماً مع اختيار أي شرط من الشروط المطلوبة التي تنال من تلك الرسالة.

            ألم تعرض عليه الحاكمية والرسالة بعد موت عمر بشرط أن يسير سيرته؟ فرفض الحاكمية برفض هذا الشرط.

            علي بن ابي طالب (عليه السلام) بالرغم من أنه كان في أشد ما يكون سعياً وراء الحكم، جاءه المسلمون بعد أن قتل عثمان، عرضوا عليه أن يكون حاكماً، قال لهم بايعوا غيري وأنا أكون كأحدكم، بل أكون أطوعكم لهذا الحاكم، الذي تبايعونه، ما سلمت أمور المسلمين في عدله وعمله، يقول ذلك، لأن الحقد الذي تواجهه الأمة الإسلامية كبير جداً، تتمادى بذرة الإنحراف، الذي عاشه المسلمون بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن قتل عثمان، هذا الإنحراف الذي تعمق، الذي أرتفع، هذا الإنحراف الذي طغى والذي استكبر، الذي خلق تناقضات في الأمة الإسلامية، هذا عبء كبير جداً.

            ماذا يريد أن يقول، يريد أن يقول: لأني أنا لا أقبل شيئاً إلا على أن تصفّوا الإنحراف، أنا لا أقبل الحكم الذي لا يصفي هذا الإنحراف لا الحكم الذي يصفّيه، هذه الاحجامات عن قبول الحكم في مثل هذه اللحظات كانت تؤكد الطابع الرسالي، بحرقته بلوعته، لألمه لرغبته أن يكون حاكماً، استطاع أن ينتصر على نفسه، ويعيش دائماً لأهدافه، واستطاع أن يربي أصحابه أيضاً على هذا المنوال. هذا هو الخط الأول وهو خط محاولة تسلمه لزمام التجربة الاسلامية.


            أما على الخط الثاني:

            وهو خط تحصين الأمة لقد كانت الأمة تواجه خطراً، وحاصل هذا الخطر هو أن العامل الكمي والعامل الكيفي، سوف يجعلان هذه الأمة لا تعيش الإسلام، إلا زمنا قصيراً.

            بحكم العامل الكمي الذي سوف يسرع، في إفناء التجربة وسوف لن تعيش إلا مشوهة بحكم العامل الكيفي، الذي يتحكم في هذه التجربة، ولذا بدأ الإمام بتحصين الأمة، وبالتغلب على العاملين: العامل الكمي والعامل الكيفي.

            أما التغلب على العامل الكمي فكان في محاولة تحطيم التجربة المنحرفة وتحجيمها وإفساح المجال للتجربة الإسلامية لتثبت جدارتها وذلك بأسلوبين:

            الإسلوب الأول: هو التدخل الإيجابي الموجه في حياة هذه التجربة بلحاظ قيادتها.

            القادة والزعماء الذين كانوا يتولون هذه التجربة، كانوا يواجهون قضايا كثيرة لا يحسنون مواجهتها، كان يواجههم مشاكل كثيرة لا يحسنون حلّها، ولو حاولوا لوقعوا في أشد الأضرار والأخطار، لأوقعوا المسلمين في أشد التناقضات، ولأصبحت النتيجة محتومة أكثر، ولأصبحت التجربة أقرب إلى الموت، وأقرب إلى الفناء وأسرع إلى الهلاك، هنا كان يتدخل الإمام (عليه السلام) وهذا خط عام سار الأئمة (عليهم السلام) كلهم عليه كما قلنا، كما سوف نقول، فكان الإمام (عليه السلام) يتدخل تدخلاً إيجابياً، موجهاً في سبيل أن ينقذ التجربة من المزيد من الضياع ومن المزيد من الإنحراف، ومن المزيد من السير في الضلال.

            كلنا نعلم، بأن المشاكل العقائدية التي كانت تواجهه (عليه السلام) والزعامة السياسية بعد النبي (صلى الله عليه وآله). هذه المشاكل العقائدية التي كان يثيرها، وتثيرها القضايا الأخرى التي بدأت تندرج في الأمة الإسلامية والأديان الأخرى التي بدأت تعاشر المسلمين، هذه المشاكل العقائدية لم تكن الزعامات السياسية وقتئذ على مستوى حلها كان الإمام (عليه السلام) يعين تلك الزعامات في التغلب على تلك المشاكل العقائدية.

            كلنا نعلم بأن الدولة الإسلامية واجهت في عهد عمر خطراً من أعظم الأخطار، خطر إقامة إقطاع لا نظير له في المجتمع الإسلامي، كان من المفروض أن يسرع في دمار الأمة الإسلامية، وذلك حينما وقع البحث بين المسلمين بعد فتح العراق، في أنه هل توزع أراضي العراق على المجاهدين المقاتلين، أو أنها تبقى ملكاً عاماً للمسلمين، وكان هناك إتجاه كبير بينهم إلى أن توزع الأراضي على المجاهدين الذين ذهبوا إلى العراق وفتحوا العراق، وكان معنى هذا أن يعطى جميع العالم الإسلامي، أي يعطي العراق، وسوريا وإيران ومصر وجميع العالم الإسلامي الذي أسلم بالفتح، سوف يوزع بين أربعة أو خمسة آلاف أو ستة الآف من هؤلاء المسلمين المجاهدين، سوف تستقطع أراضي العالم الإسلامي لهؤلاء، وبالتالي يتشكل إقطاع لانظير له في التاريخ.

            هذا الخطر الذي كان يهدد الدولة الإسلامية، وبقي عمر لاجل ذلك أياماً متحيراً لأنه لا يعرف ماذا يصنع، لا يعرف ما هو الأصلح، وكيف يمكن أن يعالج هذه المشكلة.

            علي بن ابي طالب (عليه السلام) هو الذي تدخل كما تعلمون وحسم الخلاف، وبيّن وجهة النظر الإسلامية في الموضوع، وأخذ عمر بنظر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وانقذ بذلك الإسلام من الدمار الكبير.

            وكذلك له تدخلات كبيرة وكثيرة، النفير العام الذي اقترح على عمر والذي كان يهدد العاصمة في غزو سافر، كان من الممكن أن يقضي على الدولة الإسلامية، هذا الاقتراح طرح على عمر، كاد عمر أن يأخذ به، جاء الإمام علي (عليه السلام) إلى المسجد مسرعاً على ما أتذكر في بعض الروايات تقول: جاء مسرعاً إلى عمر، قال له: لا تنفر نفيراً عاماً، كان عمر يريد أن يخرج مع تمام المسلمين الموجودين آنذاك في المدينة، وعندما تفرغ عاصمة الإسلام ممن يحميها من غزو المشركين والكافرين، منعه من النفير العام.

            وهكذا كان الإمام علي (عليه السلام) يتدخل تدخلاً إيجابياً موجهاً في سبيل أن يقاوم المزيد من الإنحراف، والمزيد من الضياع، كي يطيل عمر التجربة الإسلامية ويقاوم عامل الكم الذي ذكرناه. هذا أحد أسلوبي مقاومة العامل الكمي.

            الاسلوب الثاني: لمقاومة العامل الكمي كان هو المعارضة. يعني كان تهديد الحكام ومنعهم من المزيد من الإنحراف، لا عن سبيل التوجيه، وإنما عن سبيل المعارضة والتهديد.

            في الأول كنا نفرض أن الحاكم فارغ دينياً، وكان يحتاج إلى توجيه، والإمام (عليه السلام) كان يأتي ويوجه، أما الأسلوب الثاني، فيكون الحاكم فيه منحرفاً ولا يقبل التوجيه، أذن فيحتاج إلى معارضة، يحتاج إلى حملة ضد الحاكم هذا، لاجل إيقافه عند حده، ولاجل منعه من المزيد من الإنحراف. وكانت هذه هي السياسة العامة للأئمة (عليهم السلام).

            ألسنا نعلم بأن عمر صعد على المنبر وقال: ماذا كنتم تعملون لو أنا صرفناكم عما تعلمون إلى ما تنكرون.

            كان يريد أن يقدر الموقف.

            وماذا سيكون لو أنا صرفناكم مما تعلمون إلى ما تنكرون.

            لو أنحرفنا شيئاً قليلاً عن خط الرسالة ماذا سيكون الموقف.

            لم يقم له إلا الإمام علي (عليه السلام) قال له: لو فعلت ذلك لعدّلناك بسيوفنا.

            كان هذا هو الشعار العام للإمام (عليه السلام) بالرغم من إنه لم يتنزل في عملية تعديل عمر بالسيف خلال حكم عمر، لظروف ذكرناها، إلا أنه قاد المعارضة لعثمان، واستقطب آمال المسلمين ومشاعر المسلمين، واتجاهات المسلمين، نحو حكم صحيح، ولهذا كان هو المرشح الأساسي بعد أن فشل عثمان، واجتمع عليه المسلمون.


            الإمام علي (عليه السلام) يتصدى للمعارضة لاجل أن يوقف الإنحراف:

            هذان اسلوبان كانا هما الاسلوبان المتبعان لمواجهة العامل الجديد. ثم هذه المعارضة نفسها كانت تعبر من ناحية أخرى عن الخط الثاني، وهو المحافظة على الأمة الإسلامية من الإنهيار بعد سقوط التجربة حيث أن المسلمين لم يعيشوا التجربة الصحيحة للإسلام، أو بعدوا عنها، والتوجيه وحده لا يكفي، لأن هذا العمل لا يكفي لأن يكسب مناعة. المناعة الحقيقية والحرارة الحقيقية للبقاء والصمود كأمة، إذن كان لا بد من أن يحدد الموقف. من أن يحدد الوجه الحقيقي للإسلام، في سبيل الحفاظ على الإسلام، وهذا الوجه الحقيقي للإسلام قدمه الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) من خلال معارضته للزعامات المنحرفة أولاً، ومن خلال حكم الإمام بعد أن مارس الحكم بنفسه.

            من خلال هذين العملين، ومن خلال العمل السياسي المتمثل في المعارضة، والعمل السياسي المتمثل في رئاسة الدولة بصورة مباشرة، قدم الوجه الحقيقي للإسلام، الاطروحة الصحيحة للحياة الإسلامية الاطروحة الخالية من كل تلك الألوان من الإِنحراف.

            طبعاً هذا لا يحتاج إلى حديث، ولا يحتاج إلى تمثيل لأنه واضح لديكم.

            أمير المؤمنين حينما تولى الحكم، لم يكن يستهدف من تولي الحكم تحصين التجربة أو الدولة، بقدر ما كان يستهدف تقديم المثل الأعلى للإسلام، لأنه كان يعرف إن التناقضات، في الأمة الإسلامية، بلغت إلى درجة لا يمكن معها أن ينجح عمل إصلاحي أزاء هذا الإنحراف مع علمه إن المستقبل لمعاوية، وأن معاوية هو الذي يمثل القوى الكبيرة الضخمة في الأمة الإسلامية.

            كان يعرف إن الصور الضخمة الكبيرة التي خلقها عمر وخلقها عثمان والتي خلقها الإنحراف هذه القوى، كلها إلى جانب معاوية، وهو ليس إلى جانبه ما يعادل هذه القوى، لكن مع هذا قبل الحكم، ومع هذا بدأ تصفية وتعرية الحكم والإنحراف الذي كان قبله، ومع هذا مارس الحكم وضحى في سبيل هذا الحكم بعشرات الآلاف من المسلمين، في سبيل أن يقدم الاطروحة الصحيحة الصريحة للإسلام وللحياة الإسلامية.

            وقد قلت بالأمس، وأؤكد اليوم مرة أخرى بأن علي بن ابي طالب (عليه السلام) في معارضته، وعلي بن ابي طالب في حكمه لم يكن يؤثر على إنحراف الشيعة فقط، بل كان يؤثر على مجموع الأمة الإسلامية، علي بن ابي طالب ربى المسلمين جميعاً شيعة وسنة، حصن المسلمين جميعاً شيعة وسنة، علي بن ابي طالب أصبح اطروحة ومثلاً أعلى للإسلام الحقيقي، من الذي كان يحارب مع علي بن ابي طالب؟ هؤلاء المسلمون الذين كانوا يحاربون في سبيل هذه الاطروحة العالية في سبيل هذا المثل الأعلى، أكانوا كلهم شيعة بالمعنى الخاص؟ لا، لم يكونوا كلهم شيعة. هذه الجماهير التي انتفضت بعد علي بن ابي طالب علي مر التاريخ، بزعامات أهل البيت بزعامات العلويين الثائرين من أهل البيت، الذين كانوا يرفعون راية علي بن ابي طالب للحكم، هؤلاء كلهم شيعة؟

            كان أكثرهم لا يؤمن بعلي بن ابي طالب إيماننا نحن الشيعة، ولكنهم كانوا ينظرون إلى الإمام علي أنه المثل الأعلى، إنه الرجل الصحيح الحقيقي للإسلام، حينما أعلن والي عبد اللّه بن الزبير سياسة عبد اللّه بن الزبير، وقال بأننا سوف نحكم بما كان يحكم به عمر وعثمان، وقامت جماهير المسلمين تقول لا بل بما كان يحكم به علي بن ابي طالب، فعلي بن ابي طالب كان يمثل اتجاهاً في مجموع الأمة الإسلامية.

            والخلافة العباسية كيف قامت؟ كيف نشأت؟ قامت على أساس دعوة كانت تتبنى زعامة الصادق من آل محمد (صلى الله عليه وآله). الحركة السلمية التي على اساسها نشأت الخلافة العباسية كانت تأخذ البيعة للصالح، للإمام الصادق من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، يعني هذه الحركة استغلت عظمة الإسلام، عظمة هذا الإتجاه، وتجمع المسلمون حول هذا الإتجاه، ولم يكن هؤلاء مسلمين شيعة، أكثر هؤلاء لم يكونوا شيعة، لكن كانوا يعرفون أن الإتجاه الصالح، الإتجاه الحقيقي، الإتجاه الصلب العنيف كان يمثله علي بن ابي طالب (عليه السلام)، والواعون من أصحاب الإمام علي (عليه السلام ) والواعون من أبناء الإمام علي (عليه السلام). ولهذا كثير من أبناء العامة، ومن أئمة العامة، من أكابر أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، كانوا أناساً عامين يعني كانوا أناساً سنة، ولم يكونوا شيعة.

            دائماً كان الأئمة (عليهم السلام) يفكرون، في أن يقدموا الإسلام لمجموع الأمة الإسلامية، أن يكونوا مناراً، أن يكونوا أطروحة، أن يكونوا مثلاً أعلى.

            كانوا يعملون على خطين، خط بناء المسلمين الصالحين، وخط ضرب مثل أعلى لهؤلاء المسلمين، بقطع النظر عن كونهم شيعة أو سنة.

            هناك علماء من أكابر علماء السنة، افتوا بوجوب الجهاد، وبوجوب القتال بين يدي ثوار آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وأبو حنيفة قبل أن ينحرف، قبل أن يرشيه السلطان ويصبح من فقهاء عمال السلطان، أبو حنيفة نفسه الذي كان من نواب السنة، ومن زعماء السنة، هو نفسه خرج مقاتلاً ومجاهداً مع راية من رايات آل محمد وآل علي (عليه السلام)، وافتى بوجوب الجهاد مع راية من رايات الإمام علي (عليه السلام)، مع راية تحمل شعار علي بن ابي طالب، قبل أن يتعامل ابو حنيفة مع السلاطين.

            إذن فاتجاه علي بن ابي طالب، لم يكن اتجاهاً منفرداً، اتجاهاً محدوداً، كان اتجاهاً واسعاً على مستوى الأمة الإسلامية كلها، لاجل أن يعرّف الأمة الإسلامية وأن يحصن الأمة الإسلامية بالإسلام، وبأهداف الإسلام، وكيف يمكن للإنسان أن يعيش الحياة الإسلامية في إطار المجتمع الإسلامي.

            المهم من هذا الحديث، أن نأخذ العبرة وأن نقتدي، حينما نرى أن علي بن ابي طالب (عليه السلام) على عظمته يربي أصحابه على أنهم أصحاب الهدف، لا أصحاب نفسه. يجب أن لا أفكر انا، ويجب أن لا تفكر أنت، بأن تربي أصحابك على أنهم أصحابك، وإنما هم أصحاب الرسالة، أي واحد منكم ليس صاحباً للآخر، ولهذا يجب أن نجعل الهدف دائماً مقياساً، نجعل الرسالة دائماً مقياساً. أحكموا علي باللحظة التي أنحرف فيها عن الهدف، لأن الهدف هو الأعز والأغلى، هو رب الكون، الذي يجب أن تشعروا بأنه يملككم، بأنه بيده مصيركم، بيده مستقبلكم، أنه هو الذي يمكن أن يعطيكم نتائج جهادكم.

            هل أنا أعطيكم نتائج جهادكم، أو أي إنسان على وجه الأرض يمكن أن يعطي الإنسان نتائج جهاده، نتائج عمله، نتائج إقدامه على صرف شبابه، حياته، عمره، زهده على تحمله آلام الحياة، تحمله للجوع تحمله للظلم، تحمله للضيم، من الذي يعطي أجر كل هذا؟ هل الذي يعطي أجر هذا أنا وأنت، لا أنا ولا أنت يعطي أجر هذا، وإنما الذي يعطي أجر هذا هو الهدف فقط. هذا هو الذي يعطي النتيجة والتقييم. هو الذي سوف يفتح أمامنا أبواب الجنة، هو الذي سوف يغير أعمالنا، هو الذي سوف يصحح درجاتنا.

            إذن لا تفكروا في أن أي واحد منكم، في أن أي واحد منا، مرتبط مع أي واحد منا، بل فكروا هكذا: إن أي واحد منا مرتبط كله مع أكبر من أي واحد منا، هذا الشيء الذي هو أكبر، هو اللّه سبحانه هو رضوان اللّه، هو حماية الإسلام، هو العمل في خط الأئمة الأطهار (عليهم السلام).



            تعليق


            • #7
              أولويات القيادة الرسالية لدى الإمام علي




              مقداد عبد الرحمن

              القيادة الإسلامية أو القيادة الرسالية على وجه الخصوص تختلف عن القيادات والزعامات الأخرى على أكثر من صعيد ومستوى باعتبار أنها تستوحي تعاليمها من الله سبحانه وتعالى، وتسعى لتطبيق شريعته وأحكامه في الأرض اعتقاداً منها بهذه الشريعة والأحكام، وسعياً لنيل الرضا الإلهي وبلوغه، هذا فضلاً عن أن منصب القيادة لا يعني من منظور الإسلام ولا من وجهة نظر القائد الإسلامي عملية تسام واستعلاء على الأمة واستحواذ عليها وتلاعب بمقدراتها. كما أن هذا المنصب لا يوفر للقائد الإسلامي نوعاً من الامتيازات التي تميزه عن الأمة وينفرد بها دونهم، وإنما هو في الحقيقة مسؤولية خطيرة ومهمة شاقة الهدف منها هداية الأمة عبر الطريق السليم باتجاه تحقيق الأهداف الإسلامية وتطبيق أحكام الدين التي توفر حياة أفضل للأمة وإبعادها عن كل ما يمكن أن يوقعها في مشاكل وويلات هي في غنى عنها.

              وانطلاقاً من ذلك كلما كانت القيادة الإسلامية أكثر فهماً للإسلام وأكثر استيعاباً له، كلما كانت أجدر من غيرها على تطبيق الإسلام في حياة الأمة وقيادتها باتجاه الهدف الإلهي. وكلما كانت أكثر إيماناً بالله تعالى واعتقاداً بالمبادئ الإسلامية وأنها المبادئ الوحيدة القادرة على انتشال الإنسانية من مهاوي السقوط وتوفير حياة كريمة لها، كانت احرص من غيرها على رؤية الأمة وهي تتحرك وفق تلك المبادئ وتنطلق على ضوئها.

              وعلى ضوء المهمة الخطيرة التي تقع على عاتق الزعيم الرسالي وما يسعى إليه من ترسيخ دعائم الإسلام وتبيان مفاهيمه وأحكامه بشكلها الناصع الصحيح، وتعزيز الجانب العقائدي لدى الأمة، فلابد له أن يحدد بعض الاولويات في سياسته ويؤكد على عدد من المنطلقات التي يستطيع أن يضمن بواسطتها نجاح مهمته القيادية وتحقيق الهدف المرجو من زعامة الأمة.

              وقد استعراض الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر (رض) لمواقف الإمام علي (عليه السلام) وسياسته الرسالية كقائد إسلامي وزعيم مبدئي مثّل الإسلام ومارس عملية الحكم لبضع سنوات نحن نحاول في هذا المقال استقراء تلك الاولويات والأهداف، وأهم تلك الاولويات التي حددها الإمام علي (عليه السلام) وأكّد عليها خلال استلامه لزمام الأمور، وأصرّ عليها من اجل تطبيق الإسلام وتحقيق الهدف الإسلامي الكبير هي:


              1 - بناء طليعة عقائدية وقاعدة جماهيرية رسالية:

              فالقيادة الإسلامية إذا لم تكن تمتلك القاعدة الجماهيرية المؤمنة بأهداف القيادة، ولم تعمل على بناء تلك الطليعة العقائدية التي تحمل أفكار وتطلعات القيادة، فستكون حينئذ عاجزة تماماً عن أداء دورها القيادي، وتحقيق الأهداف التي تصبو إليها. إذ لا يمكن للقائد أي قائد أن ينجز مهمته لوحده، وينهض بمسؤولياته بمفرده. فلابد له من كوادر وشخصيات يعتمد عليها في إنجاز تلك المهمة الشاقة، ولابد له من قاعدة جماهيرية مؤيدة تتفاعل مع طروحه وبرامجه، وتمدّ له يد العون والدعم في إنجاح تلك الطروحات والبرامج.

              ويتحدث الشهيد الصدر عن هذا الهدف الذي كان الإمام علي (عليه السلام) يسعى لتحقيقه قائلاً: (انه أي الإمام كان يريد أن يرسخ قاعدة سلطانه في قطر جديد من أقطار العالم الإسلامي، وهذا القطر هو العراق. وكان شعب العراق وأبناء العراق مرتبطين روحياً وعاطفياً مع الإمام، ولم يكن شعب العراق ولا أبناء العراق يعون رسالة علي (عليه السلام) وعياً حقيقياً كاملاً، ولهذا كان الإمام بحاجة إلى أن يبني تلك الطليعة العقائدية وذلك الجيش العقائدي الذي يكون أميناً على الرسالة وأميناً على الأهداف، وساعداً ومنطلقاً لترسيخ هذه الأهداف في كافة أرجاء العالم الإسلامي. والإمام (عليه السلام) لم يكن يملك هذه القاعدة، بل كان بحاجة إلى أن يبنيها).

              والوعي عنصر مهم وأساس وجزء من العناصر التي يجب أن تتحلى بها الفئة الحاملة للرسالة إضافة إلى عنصر الإيمان. فالإيمان القائم على الوعي، إيمان راسخ يمتلك مقومات الثبات والديمومة وعوامل التحدي: تحدي كل ما يمكن أن يعترض المسيرة من عقبات وتحديات محتملة وغير محتملة. بينما الإيمان العاطفي أو بعبارة أخرى الإيمان اللاواعي، هو في الحقيقة إيمان هش لا يستند إلى دعامة ولا يعتمد على قاعدة، ومن الممكن أن يتهشم مع هبوب أول عاصفة. ولهذا لا نعجب حينما نشاهد تساقط الكثيرين من أصحاب هذا النوع من الإيمان حين مواجهة الضغوط الأولى، وربما تحولهم إلى المعسكر المناوئ، لعدم امتلاكهم للوضوح الذي يحفظ لهم التصاقهم بالمبدأ، وعدم توفّر البصيرة التي تمكنهم من رؤية ما لديهم من قوة واصالة ونقاء، وما لمناوئيهم من خواء وزيف وضباب.

              وفي ظل هذه الحقائق، هل يمكن للقائد الرسالي أن يقف موقف اللامبالاة ويترك الأمة للأحداث والظروف لتفعل بها ما تريد، أم أنّ عليه أن يتخذ الخطوات المناسبة من اجل انتزاع الأمة من قبضة تلك الأحداث والظروف، وينشئها تنشئة ربانية موضحاً لها الحقائق وواضعها أمام مسؤولياتها والتزاماتها؟

              وتحقيق مثل هذا الهدف لا يتسنى للقائد الرسالي الاّ حينما يكون صريحاً مع الأمة ومتحرقاً على العقيدة، وواضحاً وحازماً في مواقفه. بتعبير آخر إن القائد يجب أن يكون حريصاً كل الحرص على تطبيق مبادئ الإسلام، وبعيداً كل البعد عن كل ما يسيء إلى مبدئيته وعقائديته، ومصراً كل الإصرار على سلوك الطريق بحزم وعزم مهما كانت الضغوط والعقبات.

              وفي مثل هذه الأجواء فقط، يمكن للقائد الرسالي أن يصنع القاعدة الواعية والطليعة الرسالية القادرة على مواصلة الطريق، وتحمل المسؤولية، وحفظ أصالة المبدأ وحيوية المفاهيم والأحكام.

              ويردّ الشهيد الصدر على أولئك الذين أشاروا على الإمام علي (عليه السلام) بمساومة مناوئيه واللجوء إلى أنصاف الحلول ريثما تتوطد له الأمور، فيقول (إنّ شخصاً لا يمكن أن يعيش في جو من المساومات وأنصاف الحلول فيكتسب روحية أبي ذر أو عمار بن ياسر وروحية الجيش العقائدي الواعي البصير بأنّ المعركة ليست للذات وإنما للأهداف الكبيرة التي هي اكبر من الذات).

              فالإمام علي (عليه السلام) كقائد رسالي كان بحاجة أذن إلى شخصيات مثل أبي ذر وعمار ومالك والمقداد، كي يمكنه أن يؤدي رسالته الإلهية اعتماداً على مثل هذه الشخصيات، ولن يتسنى له خلق مثل هذه الشخصيات إذا لم يتعامل بوضوح، ولم يصرّ على الحلول بشكلها الكامل الصحيح، فكان كما يقول الشهيد الصدر (لابد لآلاف من مالك الاشتر أن يشهدوا إنساناً لا تزعزعه المغريات ولا يتنازل إلى أي نوع من المساومات، حتى يستطيعوا من خلال حياة هذا الرجل العظيم أن يتبينوا المدلول الرسالي الكامل لأطروحته والأبعاد الواسعة للصيغة الإسلامية للحياة).


              2 - إصلاح كافة الأجهزة والمؤسسات

              القائد الرسالي حينما يسعى لتحقيق أهدافه الكبرى وإحداث التغيير المرجوّ في المجتمع، لابد له من أجهزة ومؤسسات سليمة نقية تُدار من قبل شخصيات تحمل هموم القائد وأهدافه وتطلعاته، وتحذو حذوه في رؤية الإسلام وقد أمتد إلى حياة الأمة وشؤونها وسلوكها. ولا يمكن لأي أجهزة لا تمتلك مثل هذه المؤهلات أن تنهض بأعباء المهمة التي يسعى القائد الرسالي لتحقيقها.

              وانطلاقاً من ذلك، لابد من تغيير المؤسسات والأجهزة اللاإسلامية أو التي تتميز بظاهر إسلامي فقط، وإيجاد بدلاً منها مؤسسات إسلامية أصيلة منبثقة من قلب النظام الإسلامي وذات ظاهر وجوهر إسلامي، من اجل أحداث عملية التغيير في المجتمع على شتى الأصعدة. ولا يمكن بحال من الأحوال الإبقاء على المؤسسات السابقة بشكلها وكادرها ونظامها، حتى لو حاولت التظاهر بالتعاطف مع السياسة التي تنتهجها القيادة الرسالية.

              ولا يمكن ضمن هذا الإطار القبول بالفكرة القائلة بضرورة الإبقاء على هذه المؤسسات وإقرارها مؤقتاً، ثم العمل على استبدالها بعد ذلك. ويرد الشهيد الصدر على أصحاب هذا الرأي قائلاً: (لو افترضنا أنّ الزعيم المسؤول عن إصلاح تلك البيئة، اقرّ الأجهزة الفاسدة التي يتوقف الإصلاح على إزالتها وتبديدها مؤقتاً، ثم بعد أن اكتسب القوة والمزيد من القدرة وامتد أفقياً وعمودياً في إبعاد هذه التجربة التي تزعمها، استبدل هذه الركائز بركائز أخرى، هذا المنطق لا يتفق مع طبيعة العمل الاجتماعي ومع طبيعة الأشياء، وذلك لأنّ هذا الزعيم من أين سوف يستمد القوة؟ هل تهبط عليه هذه القوة بمعجزة من السماء؟ لا... وإنما سوف يستمد هذه القوة من تلك الركائز نفسها).


              3 - استثمار لحظة الارتفاع الثوري لدى الأمة

              عندما تمر الأمة بمرحلة ثورية، وتطغى على الجماهير حالة الحماس أو الارتفاع الثوري، لا سيما تلك الحالة التي ترافق كل ثورة، فلابد للقائد الرسالي الذي يرقب بدقة ووعي كل ما يعتري الأمة من تحولات وما يطرأ عليها من تغيرات أن ينتهز تلك الحالة لصالح الأهداف الإسلامية العليا، وان لا يدعها تمر دون أن يحرك ساكناً أو يوجهها بالاتجاه الذي يصب في رافد حركته الرسالية، ويدعم التيار الإسلامي الواعي.

              فالحركات الثورية والثورات الجماهيرية ظاهرة لا تتكرر كثيراً، ولابد من انفتاح القائد على هذا الحدث واستيعابه كي يتمكن من التعامل معه بما تمليه عليه المسؤولية الشرعية والإنسانية، وما تفرضه عليه ظروف المرحلة التي يمر بها. وهي في الواقع فرصة ذهبية أمام القيادة الربانية تسهّل عليها عملية تنفيذ ما لديها من برامج ومخططات، ودفع الأمة باتجاه الأهداف الإسلامية العليا. وانّ أي عملية تلكؤ أو تعثر على هذا الصعيد، تُعدّ في الواقع خطأً تاريخياً يرتكبه القائد في حق المبدأ والأمة.

              وإذا عجز القائد عن استثمار الحالة الثورية لدى الأمة أو حماسها الجماهيري من اجل تقويم مسيرة الأمة والقضاء على الانحرافات وإضعاف الجبهة المناوئة للإسلام الأصيل النقي، فهو اعجز ولا شك عن فعل ذلك في ظل ظروف غير مواتية لا تجد فيها الجماهير حماساً يدفعها للتفاعل مع أهداف القائد ولا ارتفاعاً ثورياً يقفز بها من فوق العقبات والعراقيل.

              ويتحدث الشهيد الصدر عن الإمام علي (عليه السلام) وهو يستثمر لحظة الارتفاع الثوري لدى الأمة التي أعقبت مقتل الخليفة الثالث، فيقول: (وماذا ينتظر القائد الرسالي غير لحظة ارتفاع في حياة امة، لكي يستطيع أن يستثمر هذه اللحظة في سبيل إعادة هذه الأمة إلى سيرها الطبيعي. كان لابد للإمام علي (عليه السلام) أن يستثمر لحظة الارتفاع الثوري هذه، لانّ المزاج النفسي والروحي وقتئذ لشعوب العالم الإسلامي لم يكن المزاج الاعتيادي الهادئ الساكن لكي يمشي حسب مخطط تدريجي... وكان لابد للحاكم الذي يستلم زمام المسؤولية في مثل هذه اللحظة أن يعمق هذه اللحظة ويرسخ المضمون العاطفي والنفسي عن طريق الإجراءات الثورية... ولو أنّ الإمام علياً (عليه السلام) أبقى الباطل مؤقتاً...ولو انه سكت عن معاوية وعن أحزاب أخرى مشابهة لمعاوية، أذن لهدأت العاصفة ولا نكمش هذا التيار العاطفي. وبعد انكماش هذا التيار العاطفي وهدوء تلك العاصفة، سوف لن يكون بمقدور الإمام (عليه السلام) أن يقوم بمثل هذه الإجراءات).


              4 - التأكيد على رسالية الصراع وعقائديته

              لابد للقائد الرسالي أن يخوض صراعاً مع العناصر المناوئة التي تصر على مواقفها وتحركاتها المناهضة للنهج الرسالي الذي ينهجه القائد، وتعمل بكل ما لديها من قوة وامكانات لإحباط تيار الجبهة العقائدية. ولابد للقائد وهو يخوض ذلك الصراع أن يؤكد ضمن ذلك على عقائدية ذلك الصراع وكونه صراعاً رسالياً إلهياً وليس صراعاً شخصياً أو مصلحياً، كي تفهم الأمة من جهة أنّ قيادتها لا تتحرك لا سيما في مثل هذه الخطوات الخطيرة التي ربما ستكلف الأمة الكثير من الخسائر والضحايا انطلاقاً من مصلحة شخصية أو عقدة نفسية، وكي يدرك الخصوم والمناوئون من جهة أخرى أنهم إنما يواجهون الرسالة بما تمتلك من قوى معنوية وقاعدة جماهيرية وكوادر رسالية، ولا يواجهون القيادة فحسب.

              وحيثما يتم الأمر ضمن هذا الإطار، فستتبلور حينئذ قضية أنّ الصراع الناشب إنما هو صراع بين الحق والباطل، وصراع بين الإسلام بجوهره النقي الساطع وبين الحركات المضادة التي قد تتظاهر بظاهر إسلامي في بعض الأحيان. ومن الطبيعي أنّ تأثير ذلك الفهم سوف لن ينعكس على المرحلة التي شهدت ذلك الصراع فحسب، وإنما حتى على المراحل القادمة أو المستقبل الإسلامي ككل، وهو ما يعني توفير رصيد إسلامي للحركة الإسلامية على طول الخط، ومساعدة هذه الحركة على الانطلاق في مسارها اعتماداً على ما تملكه من وضوح ووعي واصالة وفّرتها رسالية الصراع بين القيادة الربانية والقيادة الدنيوية.

              وحينما يستعرض الشهيد الصدر الصراع الذي كان قائماً بين الإمام علي (عليه السلام) كقائد إسلامي وبين خصوصه الدنيويين يؤكد: (إن الإمام كان حريصاً على أن تدرك الأمة كأمة أنّ المعركة بينه (عليه السلام) وبين خصومه... إنما هي معركة بين الإسلام والجاهلية. كان حريصاً على أن يفهم الناس أنّ واقع المعركة هو واقع المعركة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والجاهلية التي حاربته في بدر وأحد وغيرهما من الغزوات).

              ولو كان الإمام (عليه السلام) قد فعل غير هذا، ولم يبد تحمساً لتجسيد المعركة بهذا اللون (لترسخ في أذهان الناس، وفي أذهان المسلمين بشكل عام شك في أن القضية ليست قضية رسالية، وإنما هي قضية أهداف حكم).

              ثم يرى الشهيد الصدر أنّ )أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يريد وقد أدرك الأمة في اللحظات الأخيرة من وجوده المستقل، أن يمدد هذا الوجود المستقل ويُشعر الأمة بأنها ليست سلعة تباع وتشترى وليست شيئاً يساوم عليه).


              5 - تقديم أطروحة واضحة وصريحة للإسلام

              القيادة الإسلامية وهي تقود المجتمع الإسلامي على كافة الأصعدة وفي شتى الاتجاهات، وتتطلع إلى تحقيق الأهداف الإسلامية الكبرى، لابد لها من أن تقدم الإسلام بقوانينه وأحكامه ومفاهيمه بشكله الصحيح وصورته الواضحة، بعيداً عن كل ما يمكن أن يضع الأمة في حالة شك أو تردد، وكل ما يمكن أن يفسّر تلك القوانين بأكثر من تفسير. وهذا يتطلب بطبيعة الحال قائداً مستوعباً للإسلام وهاضماً لكافة تعاليمه وآرائه، فضلاً عن ضرورة تميزه بالتقوى والوعي.

              وتبدو هذه الحاجة أكثر مساساً في الفترات التي تمر فيها الأمة بأوضاع تحفل بالاضطراب الفكري والعقائدي واختلاط الآراء والقيم، واستشراء حالة التشكيك وتوجيه أصابع الاتهام. لهذا لابد من وقوف القيادة الإسلامية موقفاً صريحاً وحازماً لدعم كل فكرة إسلامية ورأي عقائدي منبثق من صميم الإسلام. ولابد لها من طرح الأفكار والآراء بشكل واضح ومتبلور، وتبديد الضباب عن المفاهيم الحقيقية التي يحاول الانتهازيون إظهارها بشكل آخر.

              وقد سلك الإمام علي (عليه السلام) حينما اختارته الأمة لقيادة المسلمين هذا السلوك بالذات لأنه كما قال الشهيد الصدر (لم يكن يتعامل مع الفترة الزمنية القصيرة التي عاشها فقط، وإنما كان يحمل هدفاً اكبر من ذلك... وكان يفكر على مستوى آخر أوسع وأعمق... هذا المستوى يعني أن الإسلام كان بحاجة إلى أن تُقدّم له بين يدي الأمة أطروحة واضحة صريحة نقية لا شائبة فيها ولا غموض، لا التواء فيها ولا تعقيد، لا مساومة فيها ولا نفاق ولا تدجيل).



              تعليق


              • #8
                - لايبغض علياً إلا كافر ولايحبه إلا مؤمن
                - علي ابن ابي طالب (ع) قسيم النار والجنه

                روى جمع غفير من أعلامكم وعلمائكم عن النبي (ص) أنه قال(لا يحب عليا الا مؤمن ولا يبغضه الا منافق)

                خرجه كثير من محدثيكم وعلمائكم الكبار منهم :

                جلال الدين السيوطي في الدر المنثور .
                الثعلبي في تفسيره .
                العلامة الهمداني في مودة القربى .
                احمد بن حنبل في المسند .
                ابن حجر في الصواعق .
                الخوارزمي في المناقب.
                العلامة ابن المغازلي في المناقب .
                الحافظ القندوزي في الينابيع.
                ابن أبي الحديد في شرح النهج .
                الطبراني في الأوسط .
                المحب الطبري في ذخائر العقبى .
                النسائي في الخصائص.
                العلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب .
                محمد بن طلحة في مطالب السؤول.
                وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص .

                ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة وغير هؤلاء جمع غفير خرجواهذا الحديث باسنادهم وبطرق شتى حتى كاد ان يصل التواتر ومن الواضح أن مصير الكافر والمنافق الى النار والسعير وانقل لكم بالمناسبة ما رواه العلامة الكنجي الشافعي في آخر الباب الثالث من الكتابه كفاية الطالب : بسده المتصل بموسى بن طريف عن عباية عن علي بن أبي طالب قال (أنا قسيم النار يوم القيامة أقول خذي ذا وذري ذا هكذا رواه الحافظ أبوالقاسم الدمشقي في تاريخه ورواه مرفوعا الى النبي (ص).

                ثم قال العلامة الكنجي :
                فان قيل سند هذا ضعيف قلت قال محمد بن منصور الطوسي كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل :
                يا أبا عبدالله ما تقول في الحديث الذي يروي أن عليا قال (أنا قسيم النار) فقال أحمد (ما تنكرون من هذا الحيث !
                أليس روينا أن النبي (ص) قال لعلي :
                لا يحبك ألا مؤمن ولا يبغضك الا منافق؟ قلنا بلى قال : فأين المؤمن قلنا في الجنة
                قال: فأين المنافق؟ قلنا في النار .

                قال: فعلي قسيم النار هكذا ذكره في طبقات أحمد رحمه الله.

                وقال الله سبحانه(ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا)

                تعليق


                • #9
                  مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ



                  ومن كتاب الإمام علي عليه السلام من المهد إلى اللحد / السيد محمد كاظم القزويني

                  علي (عليه السلام) ليلة المبيت

                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  الحمد لله رب العالمين وسلام على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.

                  قال الله تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ".

                  حديثنا ـ الليلة ـ حول ما قام به علي (عليه لسلام) من التضحية والتفادي في سبيل رسول الله والدفاع عنه، ولقد ذكرنا في الليلة الماضية شيئاً يسيراً مما قام به أبوه سيدنا أبو طالب (عليه السلام) في الدفاع عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والحماية له.
                  ومن هذه الليلة نبدأ بشرح ما قام به علي (عليه السلام) من توطين النفس لكل بلاء ومكروه في سبيل الإسلام
                  ولقد صدق من قال:


                  ولولا أبو طالب وابنـــه ***** لما مثل الدين شخصاً وقاما
                  فذاك بمكة آوى وحامى ***** وهـــذا بيثرب جس الحماما
                  فـللـــه ذا فاتحاً للهـــدى ***** ولله ذا للمعــالــــي ختـــاما

                  فقد خلق الله تعالى علياً (عليه السلام) ليكون أحسن وزير وأشرف نصير للرسول وأوفى مدافع وأقوى مجاهد في سبيل الإسلام، ولقد تحقق الهدف الذي خلق علي (عليه السلام) من أجله، وقد ذكرنا نهضته المباركة يوم الإنذار وإجابته طلب الرسول وتلبيته لندائه، وكانت تلك النهضة فاتحة قيامه وجهاده، إذ تجلت فيها شخصية علي (عليه السلام) وعبقريته، وظهر مدى اعتماده على الله تعالى وعلى نفسه المتشبعة بالإيمان وقلبه المطمئن بذكر الله.

                  واستمر الأمر من ذلك اليوم فكأنه فترة التدريب أو الامتحان التمهيدي الذي لا بد منه لكل مصلح منقذ أن يجس نبض المجتمع ليكون على بصيرة أكثر فينضج فكره بالتجارب لاتخاذ التدابير اللازمة لمشروعه الذي ينوي القيام به والسير على المخطط الذي جعله برنامجاً لحياته.

                  ولولا خشية الافتراء على علي (عليه السلام) لقلت: إن قلب علي (عليه السلام) هو أقوى قلب خلقه الله في صدور البشر، وإن أعصاب علي كانت تستمد القوى من طاقة غير متناهية.
                  وإلا فكيف يمكن للبشر أن لا يدخل الخوف قلبه، ولا تتوتر من الأهوال أعصابه، ولا يخشى من المستقبل المبهم الغامض ولا تستولي عليه الغرائز: غريزة حب الذات، حب الحياة، الأنانية وغيرها من الطبائع التي كثيراً ما تحول بين الإنسان وبين ما يريد؟

                  ومن هذا الحديث ندرك الشجاعة التي خامرت نفس علي (عليه السلام) من صباه: عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) أنه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة ـ لما بارزه علي (عليه السلام) ـ : يا قضم؟
                  قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان وكانوا إذا خرج رسول الله يرمونه بالحجارة والتراب، وشكى ذلك إلى علي (عليه السلام)، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إذا خرجت فأخرجني معك.

                  فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين (عليه السلام) فتعرض الصبيان لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) كعادتهم، فحمل عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم، الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون: قضمنا علي (عليه السلام) قضمنا علي.
                  فسمي لذلك: القضم.

                  ولقد حاول المشركون وكفار مكة خنق الإسلام والقضاء على حياة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بشتى الطرق والأساليب، فكانت حركاتهم فاشلة، وجاءوا إلى أبي طالب وسألوه أن يمنع الرسول عن سب الآلهة!! وإفساد الشبان!! وتسفيه الأحلام! فلم يجدوا التجاوب من أبي طالب (عليه السلام).
                  فجعلوا يحاربون النبي حرب الأعصاب، وجاءوا عن طريق التهديد والوعيد وإسناد السحر والجنون إليه، وقذفه بالحجارة وتلويث ثيابه بالدم والأقذار.
                  وكتبوا الصحيفة القاطعة وقاطعوا بني هاشم أقسى مقاطعة، كل ذلك لا يزيد النبي إلا ثباتاً واستقامة، وخاصة لما نزلت عليه الآية "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ" واستمر الحال على هذا المنوال حتى توفيت السيدة خديجة الكبرى وبعد مدة يسيرة توفي سيدنا أبو طالب، وكانا بمنزلة جناحين لرسول الله، وخيمت الأحزان على قلب الرسول حتى سمي تلك السنة (عام الحزن).

                  وعند ذلك خلا الجو للمشركين، واستضعفوا النبي لفقدان الناصر، وعزموا على اغتيال النبي وقتله، وإليكم التفصيل:
                  اجتمع المشركون في دار الندوة وتذاكروا حول قتل النبي (صلّى الله عليه وآله) وتقرر أخيراً أن يجتمع من كل قبيلة رجل واحد ويهجموا على النبي (صلّى الله عليه وآله)، ويقتلوه في بيته، واجتمع أربعون رجلاً من أربعين قبيلة واجتمعوا على باب دار النبي (صلّى الله عليه وآله) ونزل جبرائيل على النبي وأخبره بمكيدة القوم وأمره بالهجرة من مكة إلى المدينة.

                  فأرسل النبي إلى علي وقال له: يا علي إن الروح هبط علي يخبرني أن قريشاً اجتمعت على المكر بي وقتلي وأنه أوحى إلي عن ربي أن أهجر دار قومي وأن أنطلق إلى غار ثور، تحت ليلتي، وأنه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري فما أنت قائل وصانع؟
                  فقال علي (عليه السلام): أوَ تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبي الله؟
                  قال: نعم
                  فتبسم علي (عليه السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من سلامته، فكان علي (عليه السلام) أول من سجد لله شكراً، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
                  فلما رفع رأسه قال له: امضي لما أمرت، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكون فيه كمسرتك وأقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله،
                  وقال النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أو أن ألقي عليك شبهة مني، أو قال: شبهي
                  قال: أن يمنعوني نعم
                  قال: فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي، ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يا ابن أم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم (عليه السلام) والذبيح إسماعيل (عليه السلام)، فصبراً صبراً، فإن رحمة الله قريب من المحسنين، ثم ضمه النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى صدره وبكى إليه وجداً به، وبكى علي (عليه السلام) جزعاً على فراق رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

                  وفي رواية: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ لعلي (عليه السلام) ـ : أرضيت أن أُطلب فلا أُوجد وتوجد؟ فلعله أن يبادر إليك الجهال فيقتلوك؟
                  قال: بلى يا رسول الله رضيت أن يكون روحي لروحك وقاءً ونفسي لنفسك فداء، بل رضيت أن يكون روحي ونفسي فداء أخ لك أو قريب...
                  وهل أحب الحياة إلا لخدمتك، والتصرف بين أمرك ونهيك، ولمحبة أوليائك ونصرة أصفيائك ومجاهدة أعدائك.
                  لولا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة.
                  وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لعلي (عليه السلام) فإذا قضيت ما أمرتك من أمر فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إلي لقدوم كتابي عليك، ولا تلبث بعده.

                  فانطلق النبي إلى الغار، ونام علي في مكانه ولبس برده، فجاء قريش يريدون أن يقتلوا النبي (صلّى الله عليه وآله)، فجعلوا يرمون علياً وهم يرون أنه النبي وكان علي (عليه السلام) يتضور (يتلوى) من الألم ولا يتكلم لئلا يعرفوه، وكان القوم يريدون الهجوم على البيت ليلاً، فيمنعهم أبو لهب ويقول لهم: يا قوم إن في هذه الدار نساء بني هاشم وبناتهم، ولا نأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن، فيبقى ذلك علينا مسبة وعاراً إلى آخر الدهر في العرب.
                  فجلسوا على الباب حتى طلع الفجر، فتواثبوا إلى الدار شاهرين سيوفهم، وقصدوا نحو مضجع النبي ومعهم خالد بن الوليد، فقال لهم أبو جهل: لا تقعوا به وهو نائم لا يشعر، ولكن ارموه بالأحجار لينتبه بها ثم اقتلوه، أيقظوه ليجد ألم القتل، ويرى السيوف تأخذه!! فرموه بأحجار ثقال صائبة.
                  فكشف عن رأسه، وقال: ما شأنكم؟ فعرفوه، فإذا هو علي (عليه السلام)
                  فقال أبو جهل: أما ترون محمداً كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به؟ وينجو محمد، لا تشتغلوا بعلي المخدوع لينجو بهلاكه محمد، وإلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربه يمنع عنه كما يزعم.
                  ثم قالوا: أين محمد؟
                  قال: أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم: نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم.
                  فأرادوا أن يضربوه فمنعهم أبو لهب، وقالوا لعلي: أنت كنت تخدعنا منذ الليلة (أي بنومك على فراش النبي خدعتنا وظننا أنك محمد) وبقي النبي (صلّى الله عليه وآله) في الغار ثلاثة أيام وكان علي يأتيه بالطعام والشراب وفي رواية: استأجر ثلاث رواحل للنبي ولأبي بكر ولدليلهم.
                  وخرج النبي بعد ذلك من الغار وتوجه نحو المدينة.

                  روى الثعلبي في تفسيره قال: لما أراد النبي (صلّى الله عليه وآله) الهجرة خلف علياً (عليه السلام) لقضاء ديونه، ورد الودائع التي كانت عنده وأمر ليلة خرج إلى الغار، وقد أحاط المشركون بالدار.
                  وقال له يا علي: اتشح ببردي الحضرمي، ثم نم على فراشي فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله، ففعل ما أمره، فأوحى الله عز وجل إلى جبرائيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟
                  فاختار كل منهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما "ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمد (صلّى الله عليه وآله) فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا"، فكان جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرائيل يقول: بخ بخ! من مثلك يا بن أبي طالب، يباهي الله بك ملائكته؟؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله (صلّى الله عليه وآله) وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ".

                  قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): نزل علي جبرائيل صبيحة يوم الغار
                  فقلت: حبيبي جبرائيل أراك فرحاً
                  فقال: يا محمد وكيف لا أكون كذلك وقد قرت عيني بما أكرم الله به أخاك ووصيك وإمام أمتك علي بن أبي طالب (عليه السلام)
                  فقلت: بماذا أكرمه الله؟
                  قال: باهى بعبادته البارحة ملائكته، وقال "ملائكتي! انظروا إلى حجتي في أرضي بعد نبيي وقد بذل نفسه، وعفر خده في التراب تواضعاً لعظمتي، أشهدكم أنه إمام خلقي ومولى بريتي".

                  وكان علي (عليه السلام) يعتز ويفتخر بهذه الموفقية التي نالها من عند الله تعالى فقال شعراً:


                  وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى ***** ومــن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
                  محمـــد لما خاف أن يمكـــروا بــه ***** فوقـاه ربــــــي ذو الجلال من المكر
                  وبتُّ أراعـيهــم متـــــى ينشرونني ***** وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
                  وبات رســـول الله فـــي الغار آمـناً ***** هـنـاك وفــي حفظ الإله وفــــي ستر
                  أقام ثلاثاً ثـــم زمـــــت قلائــــــص ***** قلائـــص يفرين الحصى أينما تفـري

                  إن هذا العمل العظيم الذي قام به الإمام العظيم علي (عليه السلام) وقع من أهل السماوات موقع الإعجاب والإكبار والتقدير، وهذه المواساة هي الفريدة من نوعها في تاريخ الإسلام بل وفي تاريخ الأنبياء، فلا غرو ولا عجب إذا طأطأ العظماء رؤوسهم إجلالاً لعلي (عليه السلام) ونثروا الثناء الجميل نظماً ونثراً، ولم ينحصر التنويه والإشادة بهذه المكرمة بالمسلمين، بل شاركهم من غير المسلمين كل من تطبع بروح الفضيلة وحمل بين جوانح صدره قلباً وعى جزءً من الفتوة والشهامة والنجدة وكل يعمل على شاكلته، وكل إناء بالذي فيه ينضح.
                  أما من المسلمين فالسيد ابن طاووس له كلام لطيف وتحقيق ظريف سنذكره.
                  وأما من غير المسلمين فأحدهم جورج جرداق الكاتب المعاصر وبولس سلامة في ملحمة الغدير، ونكتفي ـ هنا ـ بكلام ابن طاووس وجورج جرداق وبولس سلامة.

                  قال السيد ابن طاووس في كتاب الإقبال...
                  ومن أسرار هذه المهاجرة: أن مولانا علياً (عليه السلام) بات على فراش المخاطرة وجاد بمهجته لمالك الدنيا والآخرة ولرسوله (صلّى الله عليه وآله) فاتح أبواب النعم الباطنة والظاهرة، ولولا ذلك المبيت واعتقاد الأعداء أن النائم على الفراش هو سيد الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) لما كانوا صبروا عن طلبه إلى النهار حتى وصل إلى الغار، فكانت سلامة صاحب الرسالة من قبل أهل الضلالة صادرة عن تدبير الله جل جلاله بمبيت مولانا علي (عليه السلام) في مكانه وآية باهرة لمولانا علي (عليه السلام) شاهدة بتعظيم شأنه، وأنزل الله جل جلاله في مقدس قرآنه "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" فأخبر أن لمولانا علي (عليه السلام) كانت بيعاً لنفسه الشريفة، وطلباً لرضاء الله جل جلاله دون كل مراد، وقد ذكرنا في الطرائف من روى هذا الحديث من المخالف، ومباهاة الله جل جلاله تلك الليلة بجبرائيل وميكائيل في بيع مولانا علي (عليه السلام) بمهجته، وأنه سمح بما لم يسمح به خواص ملائكته.
                  ومنها: أن الله جل جلاله زاد مولانا علياً (عليه السلام) من القوة الإلهية والقدرة الربانية إلى أنه ما قنع له أن يفدي النبي (صلّى الله عليه وآله) بنفسه الشريفة، حتى أمره أن يكون مقيماً بعده في مكة مهاجراً للأعداء قد هربه منهم وستره بالمبيت على الفراش وغطاه عنهم، وهذا ما لا يحتمله قوة البشر إلا بآيات باهرة من واهب النفع ودافع الضرر.
                  ومنها: أن الله عز وجل لم يقنع لمولانا علي (عليه السلام) بهذه الغاية الجليلة حتى زاده من المناقب الجميلة، وجعله أهلاً أن يقيم ثلاثة أيام بمكة لحفظ عيال سيدنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأن يسير بهم ظاهراً على رغم الأعداء وهو وحيد من رجاله، ومن يساعده على ما بلغ من المخاطرة إليه.
                  ومنها: أن فدية مولانا علي (عليه السلام) لسيدنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كانت من أسباب التمكين من مهاجرته ومن كل ما جرى من السعادات والعنايات بنبوته، فيكون مولانا علي (عليه السلام) قد صار من أسباب التمكين من ما جرت حال الرسالة عليه ومشاركاً في كل خير فعله النبي (صلوات الله عليه)، وبلغ حاله إليه، وقد اقتصرت في ذكر أسرار المهاجرة الشريفة النبوية على هذه المقامات الدينية، ولو أردت بالله جل جلاله أوردت مجلداً منفرداً في هذه الحال، ولكن هذا كاف شاف للمنصفين وأهل الإقبال.

                  وقال الكاتب المسيحي جورج جرداق في كتابه: (صوت العدالة الإنسانية): أما علي بن أبي طالب، فما كان أعجب أمره يوم غامر في سبيل عقيدته التي هي عقيدة محمد بن عبد الله، وفي سبيل الحق ورعاية الشرف والإخاء هذه المغامرة التي لم يعرف التاريخ أجل منها، وأقوى وأدل على وحدة الذات بين عظيم وعظيم.
                  وإنها لإرادة على التضحية قل أن تجد لها مثيلاً إلا في الظروف النادرة التي تقف بها النفس الإنسانية الواعية بين حالين من وجود وفناء في حيز من إدراك معنى الوجود على مثال خاص.
                  فإما أن تؤثر لهذا الجسد عيشاً يقربه دون ما يحييه من قيم الحياة الصاعدة، فتنكر هذه القيم وتفضل عليها وجوداً هو أشبه بالفناء من حيث أن الوجود حياة تحيا! وإما أن تؤثر لهذا الكيان الإنساني انصهاراً بكليات القيم دونما نظر إلى وجود عضوي لا يتصل بروح الوجود الفذ، فتأتي هذه القيم سالكاً إليها طريق التهلكة.
                  وما فناؤك آنذاك إلا دليل على أن الوجود إنما هو لديك حياة تحيا لا عيش يعاش!
                  أجل، إنها لتضحية قل أن تجد لها مثيلاً إلا في اختيار سقراط للموت وفي مسلك غيره من السقارطة، تضحية علي بن أبي طالب يفدي النبي بنفسه راضياً مختاراً على صورة أهون منها على لقاء الموت في ساحة القتال، أو على شفاه قمقم السم! فما أصعب على المرء أن يأخذ مكان رجل حكم عليه المجرمون بالقتل.
                  وأن يرقد في فراشه فلا يخطئه هؤلاء إذا دخلت إرادتهم طور التنفيذ وهم منه على خطوات ينظرون إليه ويسمع إليهم.
                  ثم إنه يترقب بين حين وحين رؤية أنظارهم تتوامض بالغدر تحت عينيه، وسيوفهم تتلامع بالموت فوق رأسه، طوال ليلة كاملة!
                  لقد كان علي بمغامرته هذه استمراراً لمحمد.
                  وكانت تضحيته من روح المقاومة التي عرف بها ابن عمه العظيم، وكان مبيته في فراش النبي تزكية للدعوة وحافزاً على الجهاد الطويل! ثم إن في هذه المغامرة ما يوجز الحقيقة عن الإمام وطباعه ومزاجه، فإذا هي صادرة عنه كما تصدر الأشياء عن معادنها دون تكلف ودون إجهاد.
                  ففيها نموه الذهني المبكر الذي جعله يدرك من الدعوة التي يدق فهمها فهماً صحيحاً على من كان في مثل سنه.
                  وفيها زهده بالحياة إذا لم تكن عمراً لمكارم الأخلاق.
                  وفيها صدقه المر وإخلاصه العجيب.
                  وفيها عدله بين نفسه وبين سواه من أهل الجهاد وما يتوخاه بذلك من نصرة للمظلومين والمستضعفين إذا قتل هو ونجحت الرسالة على يدي صاحب الهجرة.
                  وفيها مواجهته للأمور بسماحة وبساطة لا يعرف معهما إلى الكلفة سبيلاً.
                  وفيها المروءة والوفاء والطيبة والشجاعة وسائر صفات الفروسية التي يمثلها علي بن أبي طالب.
                  بل قل هي شيء من استشهاده المقبل

                  وقال الأستاذ بولس سلامة في ملحمة الغدير:


                  هــــزه الشوق للنبــــــي فشـــــد ***** العزم يهفــــو إلى جماع المآثر
                  في رمال الصحراء يسري وحيداً ***** مقـفـر الكـف أعـوزته الأباعـر
                  صابر في العذاب والجوع حتـــى ***** عجب القـفر مـن تقـشف صابر

                  إلى أن يقول:


                  لا فـراش ســوى الثرى، لا غــطاء ***** لا ضياء سـوى النجوم الزواهر
                  فيناجي السهى يصعــد فــــي الأجــــ ***** ــــواء طرفاً يشـق ستــــر الدياجر
                  إن هذا الصمت الرهـيب لقـــــــدس ***** يغسل المــرء بالعـــذاب الصاهر
                  فالخطــــــوب الجســـــام والألم الممــ ***** ـــدود وحــــــي مطهــــر للضمائر
                  فإذا كان طاهـــــــــــراً كعلــــــــــي ***** شــــــــد لله قـلبـــــه بأواصــــر
                  يذكـــــــــــر الله بكـــــرة وعـشيـــا ***** ويـصــلي فــي كل ومضة خاطر
                  فالمناجــاة والصــــــلاة عـطــــــور ***** تتعـالـــى إلـــى السماء مباخـــر
                  يا رمال الصحـــراء هــــذا عـلـــــي ***** فاملــئي الدرب والضفاف أزاهر
                  هـــو بعـــد النبـــــي أشرف ظـــــل ***** لاح في الـسبسب الخلــي مهاجر
                  حملـــــي أجنــــــح الأثيـــــر نسيماً ***** من جفــون الأسحار ريان عاطر
                  وابسطــي حولـــه الزنابــــق فـرشاً ***** وانشري فـوقـــه الغمام مقاصر
                  أَبْشِرْ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ


                  " لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ، قَوْلَهُ "الم * أحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْركُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ"عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لاَ تَنْزِلُ بِنَا وَرَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بَيْنَ أَظْهُرِنَا.
                  فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتي أَخْبَرَكَ اللهُ بِهَا؟
                  فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدِي.
                  فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُد حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتَ لِي: أَبْشِرْ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ.
                  فَقَالَ لي: إِنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ، فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذَنْ.
                  فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيسَ هذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، وَلكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ البشرى وَالشُّكُرِ"
                  (من جواب لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه لسائل سأله عن الفتنة)

                  " فَإِنْ أقُلْ يَقُولُوا: حَرَصَ عَلَى الـمُلْكِ، وَإنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا: جَزعَ مِنَ المَوْتِ!
                  هَيْهَاتَ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي!
                  وَاللهِ لاَبْنُ أَبي طَالِب آنَسُ بالمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي أُمِّهِ
                  بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْم لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الاَْرْشِيَةِ في الطَّوِيِّ البَعِيدَةِ!"
                  ( من خطبة له صلوات الله وسلامه عليه)


                  وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللهِ لَمُشْتَاقٌ


                  "إِنِّي وَاللهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ طِلاَعُ الاَْرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلاَ اسْتَوْحَشْتُ
                  وَإِنِّي مِنْ ضَلاَلِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلى بَصِيرَة مِنْ نَفْسِي وَيَقِين مِنْ رَبِّي.

                  وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللهِ لَمُشْتَاقٌ
                  وَلِحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاج

                  وَلكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ [أَمْرَ ]هذِهِ الاُْمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا
                  فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللهِ دُوَلاً، وَعِبَادَهُ خَوَلاً، وَالصَّالِحِينَ حَرْباً، وَالْفَاسِقِينَ حِزْباً"
                  ( من خطبة له صلوات الله وسلامه عليه)





                  بِاَبي اَنْتَ وَاُمِّي يا نُورَ اللهِ التّامَّ



                  روى السّيد عبد الكريم ابن طاووس عن صفوان الجمّال قال : لما وافيت مع جعفر الصّادق (عليه السلام)الكوفة يريد أبا جعفر المنصور قال لي : يا صفوان انخ الرّاحلة فهذا قبر جدّي امير المؤمنين (عليه السلام)، فانختها ثمّ نزل فاغتسل وغيّر ثوبه وتخفّى وقال لي : افعل مثل ما أفعله، ثمّ أخذ نحو الذّكوة « النّجف » وقال قصّر خطاك وألق ذقنك الارض، فانّه يكتب لك بكلّ خطوة مائة ألف حسنة، ويمحى عنك مائة ألف سيّئة، وترفع لك مائة ألف درجة، وتقضى لك مائة ألف حاجة، ويكتب لك ثواب كلّ صدّيق وشهيد مات أو قتل، ثمّ مشى ومشيت معه على السّكينة والوقار نسبّح ونقدّس ونهلّل الى أن بلغنا الذّكوات والتّلول، فوقف (عليه السلام) ونظر يمنة ويسرة وخط بعكازته فقال لي :

                  اطلب فطلبت، فاذا أثر القبر، ثمّ أرسلَ دُموعَه على خدّه وقال : اِنّا للهِ وَاِنّا اِلَيْهِ راجِعُونَ

                  وقال : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْوَصِيُّ الْبَرُّ التَّقِيُّ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا النَّبَأُ الْعَظيمُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الصِّدّيقُ الرَّشيدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْبَرُّ الزَّكيُّ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَصِيَّ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللهِ عَلَى الْخَلْقِ اَجْمَعينَ، اَشْهَدُ اَنَّكَ حَبيبُ اللهِ وَخاصَّةُ اللهِ وَخالِصَتُهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَمَوْضِعَ سِرِّهِ، وَعَيْبَةَ عِلْمِهِ وَخازِنَ وَحْيِهِ

                  ثمّ انكب على القبر وقال :

                  بِاَبي اَنْتَ وَاُمِّي يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ
                  بِاَبي اَنْتَ وَاُمِّي يا حُجَّةَ الْخِصامِ
                  بِاَبي اَنْتَ وَاُمِّي يا بابَ الْمَقامِ
                  بِاَبي اَنْتَ وَاُمِّي يا نُورَ اللهِ التّامَّ

                  اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ما حُمِّلْتَ، وَرَعَيْتَ مَا اسْتُحْفِظْتَ، وَحَفِظْتَ مَا اسْتُوْدِعْتَ، وَحَلَّلْتَ حَلالَ اللهِ، وَحَرَّمْتَ حَرامَ اللهِ، وَاَقَمْتَ اَحْكامَ اللهِ، وَلَمْ تَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى أَتاكَ الْيَقينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلَى الاَْئِمَّةِ مِنْ بَعْدِكَ .

                  ثمّ قام (عليه السلام) فَصَلّى عند الرّأس ركعات وقال : يا صفوان من زار امير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الزّيارة وصَلّى بهذه الصّلاة رَجع الى أهله مغفُوراً ذنبه، مشكُوراً سعْيه، وَيكتب له ثواب كلّ مَن زاره منَ المَلائكة .
                  قلت : ثواب كلّ من يزوره من الملائكة ؟
                  قال : بلى يزوره في كلّ ليلة سَبْعون قبيلة
                  قلت : كم القبيلة ؟
                  قال : مائة ألف

                  ثمّ خرج من عنده القهقرى وهو يقول : يا جَدّاهُ يا سَيِّداهُ يا طَيِّباهُ يا طاهِراهُ، لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْكَ، وَرَزَقَنِي الْعَوْدَ اِلَيْكَ وَالْمَقامَ في حَرَمِكَ وَالْكَوْنَ مَعَكَ وَمَعَ الاَْبْرارِ مِنْ وُلْدِكَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعلَى الْمَلائِكَةِ الُْمحْدِقينَ بِكَ

                  قال صفوان : قلت يا سيّدي أتأذن لي أن أخبر أصحابنا مِن أهل الكوفة وادلّهم على هذا القبر؟
                  فقال : نعم واعطاني دراهم وأصلحت القبر .

                  تعليق


                  • #10
                    أحسنتم و بوركتم

                    أعجبني ما جاء في ملحمة الغدير كثيرا و لم أقرأه من قبل

                    شكرا لكم إخوتي

                    تعليق


                    • #11
                      (10) ومن أشعار بولص سلامة المعاصر اللبناني في «ملحمة الغدير» (ص11 ـ المقدمة وص 340) قال :


                      يا أمير المؤمنين حَسبي فَخْراً *** اِنني منك ماليءٌ اصغريا


                      جلجل الحق في المسيحي حتى *** عُدَّ من فرطِ حُبِّهِ علويّا


                      أنا مَن يَعشق البطولة والالهام *** والعَدل والخلاق الرَضيا


                      فاِذا لم يكن علي نبيّاً *** فلقد كان خُلقُه نبَويّا


                      لا تَقُل شيعة هُواة علي *** اِن في كل مُنصف شيعيّاً


                      انما الشمس للنواظر عيدٌ *** كل طرف يرى الشعاع سَنيّاً

                      http://www.u-of-islam.net/uofislam/m...ein/04/a57.htm

                      تعليق


                      • #12
                        بسم الله الرحمن الرحيم
                        شكرا لك يا ابنتي على الملاحظه القيمه
                        و شكرا لما اردت نقله من الوصله و الذي هو

                        ======

                        لاربعين في حب امير المؤمنين(ع)ج4




                        الفصل الحادى والستون بعد المئة ما من عبد يموت وفي


                        قلبه مثقال حبة خردل من حب علي إلا أدخله اللّه الجنّة





                        روى شيخ الطائفة الطوسي قدّس سرّه باسناده من طريق العامة عن أبي سلام مولى قيس قال :
                        خرجَتُ مع مَولاي قيس الى المدائنُ ، قال : سمعت سعد بن حذيفة يقول : سمعت أبي حذيفة يقول : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول :
                        «ما مَنْ عَبد يمُوتُ وفي قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّ علي بن ابي طالب الا أدخَلَهُ الله الجنة»(1) .















                        --------------------------------------------------------------------------------

                        (1) أمالي الطوسي : ص210 .
                        ـ ورواه في «القطرة» (ج1 ب2 ص119 ح104) عن محمد بن الحسن الصفار عن حذيفة (رض) عن النبي (صلى الله عليه وآله)وكذا الشيخ قدس سره عن أبي سلام مولى قيس بعين ما تقدم . ورواه محمد بن ابي القاسم الطبري في «بشارة المصطفى» (ص236) باسناده من طريق العامة عن سعد بن حذيفة عن أبيه . ورواه في البحار : ج39 ص246 ح2 .


                        ==============


                        تحياتي الولائيه
                        ابراهيم علي عوالي العاملي

                        تعليق


                        • #13
                          مناظرة السيد محمد جواد المُهري مع الأستاذ عمر الشريف في النص على الأئمة الاثنى عشر عليه السلام


                          المُناظرة الثانية والاربعون
                          مناظرة السيد محمد جواد المُهري مع الأستاذ عمر الشريف في النص على الأئمة الاثنى عشر عليه السلام



                          يقول السيد محمد جواد المُهري في مذكراته المدرسية : بعد بضع ساعات وعندما حان وقت لقائنا، دخلت غرفة المعلمين بهلع وحذر، فلما وجدت الاَستاذ في مكانه كالمعتاد شعرت بالاِرتياح، وبعد ما حييته رد الجواب وحدثته بما دار بيني وبين المدير، فبدأ عليه الاِستياء والضجر، وقال بدهشة وحيرة:
                          كنت راغباً بالحوار والحديث أكثر من هذا، وأود معرفة رأيكم بشأن عدة قضايا فقهية مختلف فيها، وأريد معرفة آراء علماء وفقهاء الشيعة في ما يخص التقية، ومصحف فاطمة، والسجود على التربة، والجمع بين الصلاتين ، والكثير من المواضيع الاخرى، ولكن من الاَفضل في ظل هذا الوضع الذي استجد أن نطوي ملف المواضيع السابقة، إلى حين توفر الفرصة المناسبة في المستقبل لنواصل الحوار الممتع بإذن الله، وإلا فأنني آمل الاِطلاع على آراء الشيعة بشأن القضايا المختلفة من خلال التحقيق في كتبهم.
                          عبّرت له عن أسفي عمّا حصل ووعدته عقد لقاء أو لقائين آخرين لمواصلة حوارنا من أجل إنهاء موضوع الخلافة وأوصياء الرسول صلى الله عليه وآله فوافق على هذا الرأي. واصلت بحثنا السابق على الرغم من استيائنا لما حصل.
                          فقلت: كان موضوعنا يدور حول أهل البيت عليهم السلام الذين أوصى بهم الرسول صلى الله عليه وآله في مواقف شتى ، وأمر أمتة بالرجوع إليهم واتباعهم وطاعتهم ، وأن لا يتخلفوا عنهم فيهلكوا، وتبيّن أن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسنان عليهم السلام، وليس المراد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله ولا غيرهن.
                          وهنا سأل الاستاذ: أليس سائر أئمتكم من أهل البيت عليهم السلام ؟
                          قلت: إنهم ليسوا سوى أهل البيت عليهم السلام ، هم آل الرسول صلى الله عليه وآله وأوصياؤه وخلفاؤه بالحق، لهم الحكومة والاِمامة على اُمّة محمد إلى يوم القيامة، وهم وإن كانوا في الظاهر تحت كبت الحكومات الغاصبة الجائرة في عهودهم، إلاّ أنهم كانوا أئمة عصرهم وخلفاءه، وكان يجب على الناس ـ استناداً إلى أمر الرسول صلى الله عليه وآله ـ طاعتهم واتباعهم والاِنصياع لاَوامرهم كالاِنصياع لاَمر رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد كان لهم بطبيعة الحال أتباع أوفياء في كل عصر، لم يتخلفوا عنهم لحظة تحت أسوء الظروف السياسية ، ويتمسكون بأوامرهم الشرعية والاَخلاقية وإلاجتماعية والسياسية.
                          وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وآله أهل بيته بعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام لاَن هؤلاء فقط هم الذين كانوا في زمنه، وإلا فإن أهل البيت أو آل محمد يشمل جميع الاَئمة الذين يفتخر الشيعة بالاِنتماء اليهم، ولم يتخلفوا لحظة عن اتباعهم امتثالاً لاَمر الرسول صلى الله عليه وآله فيهم.
                          ومثلما أوصى الرسول لعلي عليه السلام ، فقد أوصى لاَبناء علي أيضاً، وهذا ما لم يشر اليه أبناء العامة في هذه الروايات بالكامل إلا بعض المنصفين منهم، مثل مؤلف كتاب « ينابيع المودّة » رحمه الله، لقد حدد الرسول الاَئمّة والاَوصياء بعده بإثني عشر خليفة وإماماً، وهذا ما بلغ حدّ التواتر في كتب الفريقين، فإن فكرة الاَئمة أو الخلفاء الاثني عشر لا تنطبق إلاّ على عقيدة الشيعة ، الذين يعتقدون بإثني عشر إماماً.
                          الاَستاذ: هل يمكنك ذكر الروايات التي تصفها بالمتواترة؟
                          قلت: لقد دونت بعض هذه الروايات احتياطاً مع اختلافها في الاَلفاظ وجلبتها معي ؛ لاَني كنت أعلم أن بحثنا سيتناول أوصياء الرسول صلى الله عليه وآله ، وهي كالتالي:
                          1 ـ « الاَئمة من بعدي إثنا عشر، من أهل بيتي » (1) .
                          تلاحظ في هذا الحديث أن الرسول جاء بكلمة « الاَئمة » وبعبارة « أهل بيتي »، حيث يتبيّن أن الاَئمة من بعده هم أهل بيته، وأهل بيته كما ثبت لدينا هم علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام .
                          2 ـ « يملك هذه الاَمّة إثنا عشر كعّدة نقباء بني إسرائيل » (2) .
                          وردت أكثر روايات السنة في هذا الموضوع تحت عنوان: « نقباء بني إسرائيل »، ووردت في بعضها عبارة: « عدة أصحاب موسى »، وهي إشارة إلى الآية الشريفة: ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً ) (3) .
                          ويفهم من هذه الآية ـ كما تلاحظون ـ أن الله هو الذي بعث النقباء الإثني عشر إلى بني إسرائيل، ومن الطبيعي أن اُولئك النقباء كانوا أنبياءً، ولكن بما أن نبيّنا صلى الله عليه وآله هو خاتم الاَنبياء، لهذا فإن النقباء ـ الاَئمة عليهم السلام ـ من بعده ليسوا أنبياء، وإن كانوا في مصاف الاَنبياء ، بل ويفوقونهم من حيث الفضيلة والعصمة ووجوب الاتباع.
                          الاَستاذ: في الحقيقة كنت أرغب خوض البحث في قضية الغلو والمبالغة عندكم أنتم الشيعة (4) بشأن علي وأبنائه، فكيف تعتبرون أئمتكم أفضل من الاَنبياء؟ (5)
                          قلت: لو أنك قرأت الروايات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله بحقّهم ، واعتقدت بهم لوصلت إلى النتيجة نفسها، فثمة موارد يعتبر فيها الرسول صلى الله عليه وآله علماء أُمّته أفضل من أنبياء بني إسرائيل، ولا شكّ أن الاَئمة المعصومين عليهم السلام الذين اصطفاهم الله لخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ، أفضل من العلماء (6) .
                          3 ـ « لا تزال اُمتي على الحقّ ظاهرين ، حتّى يكون عليهم اثنا عشر أميراً كلّهم من قريش » (7) .
                          4 ـ « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (8)
                          وقد وردت نظير هذه العبارات التي سقناها في أكثر من أربعين سنداً معتبراً في كتب السنة، وهي تدلل في جميع الاَحوال على امتداد خط النبوة على يد اثني عشر إماماً من قريش إلى يوم القيامة، وهذا الامتداد في خط النبوة والاِمامة باق إلى يوم القيامة، ولا ينطبق مطلقاً إلا على عقيدة الشيعة.
                          وورد في كتاب « ينابيع المودة » صراحة ، أن هؤلاء الخلفاء الإثني عشر هم من بني هاشم، « بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من بني هاشم » (9) ، وجاءت في بعض المصادر كما نقل، عبارة « من أهل بيتي »، روى الحافظ ابراهيم الحمويني عن ابن عباس أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله قال: « إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لاِثنا عشر ، أولهم أخي وآخرهم ولدي.
                          قيل: يا رسول الله، ومن أخوك؟
                          قال: علي بن أبي طالب.


                          قيل: فمن ولدك؟
                          قال: المهدي ، الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (10) .
                          ومن جهة أخرى نقل الخطيب الخوارزمي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: « من أحب أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنة التي وعدني ربّي، فليتولّ علي بن أبي طالب ، وذريّته الطاهرين ، أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده، فإنّهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة » (11) .
                          وجاء في روايات كثيرة في كتب السنة أن الرسول صلى الله عليه وآله وصف وبيّن الاَئمة بعد علي بن أبي طالب عليه السلام بصفة « خلفائي » أو « أوصيائي » أو « سادات أمّتي » أو « حجج الله على خلقه بعدي » أو « الاَئمة الراشدين من ذريتي » وتدل بأجمعها على إمامة وخلافة هؤلاء الإثني عشر ، الذين أولهم علي وآخرهم المهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
                          الاَستاذ: ذكرت مصادر الروايات التي تبيّن عدد خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله ولم يأت ذكر لصحيح البخاري وصحيح مسلم، فهل يحتوي هذان الكتابان على مثل هذه الروايات أو لا؟
                          قلت: أولاً: ليس من الضروري أن تكون جميع الروايات في هذين الكتابين، ألا تكفي كل كتب الحديث والتفسير التي ذكرت؟ ثم إنه قد يكون للشك في مثل هذه الرواية ـ إذا كانت في كتاب أو كتابين ولها سند واحد أو سندان لا أكثر ـ مجال، لكنها وردت في كتب كثيرة وبأكثر من أربعين سنداً، ونُقلت بعبارات مختلفة، فهي إذن في حدّ التواتر وفي الحدّ القطعي، ولا يبقى مجال للشكّ فيها.
                          ثانياً: إن هذه الروايات وردت أيضاً في صحيحي البخاري ومسلم، وقد دونتها وسأشير اليها الآن، ويبدو أن سؤالك قد جاء في محلّه.
                          نقل البخاري في صحيحه عن جابر بن سمرة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: « يكون اثنا عشر أميراً »، فقال : كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: « كلهم من قريش » (12) .
                          وجاءت في صحيح مسلم، كتاب الاِمارة، روايتان بهذا المضمون:
                          1 ـ « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثني عشر خليفة كلهم من قريش ».
                          2 ـ « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً » (13) .
                          الاَستاذ: لم يأت شيء في هذين الكتابين يشير إلى أنهم من أهل البيت ، أو من أبناء علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فمن أين تستدلّ على أنّهم هم أئمّة الشيعة الإثنا عشر لا غيرهم؟
                          قلت: إذن مَنْ يكونون؟
                          الاَستاذ: لا أدري ماذا قال علماء السنّة الكبار في هذه الآية؟ فهل تعاملوا معها كتعاملهم مع سائر الاَحاديث الاَخرى التي نقلوها بأنفسهم ومرّوا عليها مرور الكرام، أم أنهم عرضوا رأيهم فيها؟ وعلى كل حال فبعد الخلفاء الراشدين، والحسن والحسين، عُرف بعض خلفاء بني اُمية كعمر بن عبدالعزيز ، وبعض خلفاء بني العباس بالعدالة، فلعلّهم هم المقصودون.
                          قلت: أولاً: إن كان الاَمر كما ذكرت لانقطع تسلسل الخلفاء؛ فهل يمكن احتساب شخصين من البداية، وشخصين من الوسط، وشخصين من النهاية، وإهمال الآخرين؟ ثم إنه بإستثناء عمر بن عبدالعزيز الذي كان أفضل نسبياً من سائر خلفاء بني أمية ، ماذا يمكن أن يشاهد في هؤلاء الخلفاء سوى الظلم والجور على عباد الله، والتبذير في بيت المال، وارتكاب المحرمات، وشرب الخمر، والمجاهرة بالفساد؟
                          والتأريخ حافل بشتى صور الظلم والاضطهاد والقتل والتعذيب والفساد الذي ارتكبه خلفاء بني اُميّة وبني العباس، ويؤسفني أن الوقت لا يسمح لي بالحديث عن هذا الموضوع أكثر، وإلاّ فإنَّ أمثلة ظلمهم وجورهم بحدٍ من الكثرة، بحيث سوّدت صفحات كتب السنّة كما سوّدت صفحات التاريخ.
                          ثانياً: من الجدير بالذكر أن الكثير من علماء السنّة الذين أوردوا هذه الروايات سعوا إلى جعلها تتطابق بشكل أو بآخر على حكام بني أمية وبني العباس، بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك حتّى جعلوها تنطبق على السلاطين العثمانيين، فأصبحت عارية عن الحقيقة، بل وتثير السخرية والاِستهزاء.
                          ويكفي أن نشير على سبيل المثال إلى ما قاله المفكر السني الكبير جلال الدين السيوطي في هذا الصدد: « وجد من الاَثني عشر خليفة الخلفاء الاَربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير، وعمر بن عبدالعزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم اليهم المهتدي من العباسيين لاَنه فيهم كعمر بن عبدالعزيز في بني اُميّة، وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الاَثنان المنتظران أحدهما المهدي لاَنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وآله » (14) .
                          هل يمكن العثور على تحليل يثير السخرية أكثر من هذا؟ وكيف ذكر الحسن عليه السلام ولم يذكر الحسين عليه السلام ؟ ثم كيف أن الرسول صلى الله عليه وآله يجعل علياً عليه السلام خليفة له، ويجعل العدو اللدود ـ أعني معاوية ـ في قبال علي عليه السلام ، ومعاوية هو الذي أراق كل تلك الدماء ظلماً ، وارتكب كل تلك الجرائم، خليفة له؟
                          لا ينقضي تعجبي من السيوطي مع سعة علمه كيف يعتبر معاوية من خلفاء الرسول، ويتجاهل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله مع علو مقامه ومرتبته؟
                          وكيف يعد معاوية من الخلفاء وهو الذي فرض سبّ علي عليه السلام علناً ، وقتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الاَوفياء ، ونصب ابنه شارب الخمر خليفة على المسلمين، ولا يعد الحسين بن علي عليه السلام خليفة ، وهو الذي قال الرسول صلى الله عليه وآله عنه وعن أخيه: « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة » (15) ، « الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا » (16) ؟
                          ويكون معاوية الذي لعنه الرسول صلى الله عليه وآله عدّة مرات علانية (17) وأمر بقتله، خليفة، ولا يحسب لاَبناء علي عليه السلام الذين أذعن العالم بأسره لعظمتهم ، وإيمانهم وتقواهم ومكانتهم ، وأرغموا الصديق والعدو على تقديرهم وإجلالهم، أي حساب!

                          الاَستاذ: ومتى أمر الرسول بقتل معاوية؟
                          قلت: في قوله صلى الله عليه وآله : « اذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » (18) .
                          يا أستاذ، إن مساوىء ومثالب ومفاسد معاوية بحدٍ من الكثرة بحيث لا تستلزم البيان، ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رآه مقبلاً هو وعمرو بن العاص رفع يديه إلى السماء وقال: « اللهم أركسهما ركساً ودعهما إلى النار دعاً » (19) .
                          هذا مضافاً إلى ما أشار الرسول صلى الله عليه وآله إليه في بعض المواقف إلى الفتن التي ستقوم بعده ، وأمر الناس صراحة في مثل هذه الموارد بالتمسّك بعلي وأبنائه عليهم السلام .
                          قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب (20) فإنّه أول من يراني ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الاَكبر ، وفاروق هذه الاُمّة، يفرق بين الحقّ والباطل » (21) .
                          واستجابة لاَمر الرسول صلى الله عليه وآله فقد تمسّكنا في جميع الفتن بعلي وآل علي، ونحن على ثقة أن النجاة والفلاح لاَتباع وشيعة علي عليه السلام ، لكن الذين تخلفوا عنه، ولم يرجعوا إليه ـ وهو فاروق الاُمّة بالنصّ الصريح الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله ـ ماذا سيكون جوابهم غداً أمام الله؟
                          إن من يعتبر معاوية خليفة لابدّ وأن يطيعه، ومن يطيعه يسبّ علياً بالنتيجة، وهو من قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله : « من سبَّ علياً فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله » (22) .
                          فكيف يوالي إخواننا السنّة معاوية، ويدعون في الوقت نفسه موالاة علي عليه السلام ؟ أليس من المحال الجمع بين النقيضين؟
                          وإذا ما تجاوزنا هذا، فما هو قولكم في سائر الخلفاء الاِثني عشر؟ كيف يمكن تحديد الخلفاء الحقيقيين الاِثني عشر للرسول صلى الله عليه وآله من بين كل هؤلاء الذين هم في الظاهر خلفاء للرسول عليه السلام ؟ وهنا يجب الرجوع إلى صديق الاَمة الاَكبر وفاروق الحق من الباطل ألا وهو علي عليه السلام .
                          وعلى كل حال فإذا كانت الكتب الروائيه السنية قد ذكرت عدد الاَئمة فقط، أو نقلت في بعض الموارد أسماءهم بالتفصيل أو بالايجاز، فإن كتبنا نحن الشيعة قد ذكرت الاسماء المباركة للاَئمة الاِثني عشر نقلاً عن لسان الرسول صلى الله عليه وآله وعن لسان أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو ممّا لا شك فيه.
                          أنا آسف لاَن الوقت قد انتهى وإلاّ لقرأت لك آية من القرآن تبيّن الاَئمة الاِثني عشر، ولكن نتركها إلى اللقاء القادم الذي سيكون آخر لقاء بيننا.
                          الاَستاذ: تقول آية من القرآن؟!
                          قلت: نعم، وهل هذا أمر عجيب؟
                          الاَستاذ: لابد انك تقصد قرآن الشيعة، لا القرآن المتداول؟
                          قلت: يا أستاذ، نحن لا نقبل بغير القرآن الموجود الذي: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) (23) ، ومثل هذه القضايا لم تأت في القرآن بوضوح وصراحة، وتستلزم مزيداً من الدراسة الجادة والدقيقة، وكن على ثقة حتى لو أن أسماء الاَئمة الاِثني عشر وردت في القرآن صراحة لتجاهلوها ، ولاَنكروها كما فعلوا مع سنّة الرسول عليه السلام .
                          الاَستاذ: إذن فأنتم تأولونه؟
                          قلت: بل هو تصريح أوضح من التأويل، إنتظر هنيهةً ليتّضح لك ذلك في اللقاء القادم باذن الله.
                          الاَستاذ: إلى اللقاء.
                          قلت: في أمان الله حتّى اللقاء القادم (24) .
                          ____________



                          المصادر

                          ___________
                          (1) ينابيع المودة للقندوزي: ص258 (ب 56).
                          (2) كنز العمال : ج 12 ص33 ح 33857 ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير : ج 2 ص 34.
                          (3) سورة المائدة: الآية 12.
                          (4) وخير من تصدى لرد هذه الفرية الحجة الاَميني عليه الرحمة في كتاب الغدير كما ذكر نماذج من الغلو عند بعض الفرق من مصادرهم ، راجع : ج 3 ص 291 وج 7 ص 34 وص69 ـ 200 وج 11 ص 76 الخ .
                          (5) من تمعن بعين البصيرة والاِنصاف في الآيات الشريفة والاَحاديث والاَخبار الخاصة بأهل البيت عليهم السلام لا يعدو هذا الرأي ، وإليك على سـبيل المثال بعض الاَدلّـة والتـي يسـتفاد منها تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فمنها :
                          1 ـ قوله تعالى ( وأنفسنا وأنفسكم ) من آية المباهلة ، إذ المقصود باتفاق المفسرين هو أمير المؤمنين عليه السلام إذ حكمت الآية بأنه نفس النبي صلى الله عليه وآله ، إذ لم يرد نفس ذاته ، كما لا يصحّ دعاء الاِنسان نفسه إلى نفسه ولا إلى غيره ، فلم يبق إلاّ أنّه أراد علياً عليه السلام فإذا كان علي عليه السلام بمثابة نفس الرسول صلى الله عليه وآله والرسول أفضل الخلق فكذا هو عليه السلام أفضل الخلق بعده .
                          2 ـ قوله صلى الله عليه وآله : اللهمّ إئتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أمير المؤمنين وأكل معه ، ولا يكون أحب الخلق إليه إلاّ لكونه أعظمهم ثواباً عنده تعالى ، وأكرمهم عليه ، وذلك لا يكون إلاّ بكونه أفضلهم عملاً ، وأرضاهم فعلاً ، وأجلهم في مراتب العابدين ، راجع : مجمع الزوائد : ج 9 ص 125 ـ 126 ، تاريخ بغداد : ج 3 ص 171 وج 8 ص 382 وج 9 ص 369 ، العلل المتناهية لابن الجوزي : ج 1 ص 228 ـ 235 .
                          3 ـ قوله صلى الله عليه وآله : هم شر الخلق والخليقة ـ يعني الخوارج ـ يقتلهم خير الخلق والخليقة . راجع: المناقب لابن المغازلي : ص 56 ح 79 ، تذكرة الخواص : ص 105 ، مجمع الزوائد : ج 6 ص 239 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 2 ص 267 .
                          4 ـ قوله صلى الله عليه وآله : علي خير البشر ومن أبى فقد كفر . راجع : ينابيع المودة : ص 180 ب56،الرياض النضرة : ج 3 ص 198 ، تاريخ بغداد : ج 7 ص 421 ، فضائل الصحابة : ج2ص 564 ح 949 ، مجمع الزوائد : ج صلى الله عليه وآله ص 131 .
                          5 ـ ما روي عنه صلى الله عليه وآله : لولا رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام لم يخلق الله سماءً ولاأرضاً ولا جنةً ولا ناراً . (فرائد السمطين : ج 1 ص 36 ، ينابيع المودة للقندوزي : ص485).
                          6 ـ ما روي عنه صلى الله عليه وآله : أنه لا يجوز أحدٌ الصراط يوم القيامة إلا مَن معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام من النار ، (المناقب لابن المغازلي : ص 131 ح 172 ، وص 242 ح 289 ، الرياض النضرة : ج 3 ص 137 ، ذخائر العقبى : ص 71 ، فرائد السمطين : ج 1 ص292 ح230) .
                          7 ـ ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أسري بي في ليلة المعراج فاجتمع علي الاَنبياء في السماء فأوحى الله تعالى إليَّ سلهم يا محمد بماذا بُعثتم ؟ فقالوا : بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وحده وعلى الاِقرار بنبوّتك والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، رواه الحافظ أبو نعيم . (ينابيع المودة : ص238 ح 49 في المناقب السبعين) .
                          8 ـ ما روي عن عمر بن الخطاب انه قال : هذا علي بن أبي طالب عليه السلام أشهد انّي سمعت رسول الله يقول : لو أن إيمان أهل السماوات والاَرض وضع في كفة ووضع إيمان علي في كفّة لرجح إيمان علي بن أبي طالب عليه السلام (ينابيع المودة : ص 254) .
                          9 ـ قول جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله لو اجتمعت امتك على حب علي بن أبي طالب عليه السلام ما خلق الله النار (ينابيع المودة : ص251).
                          10 ـ ما روي عن محمد بن أبي عمير الكوفي عن عبدالله بن الوليد بن السمان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : ما يقول الناس في اُلي العزم وصاحبكم أمير المؤمنين عليه السلام؟ قال : قلت : ما يقدمون على اُلي العزم أحداً.
                          قال : فقال أبو عبدالله : إن الله تبارك وتعالى قال لموسى عليه السلام ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة ) ولم يقل كل شيء موعظة ، وقال لعيسى عليه السلام : ( ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) ولم يقل كل شيء ، وقال لصاحبكم أمير المؤمنين عليه السلام : ( قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) وقال الله عزوجل ( ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) وقال : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) ، وعلم هذا الكتاب عنده . ( بصائر الدرجات للصفار : ص229 ج5 ب5 ح6 ، الاحتجاج للطبرسي : ج2 ص375).
                          11 ـ ما روي عن الصادق عليه السلام أما والله لو لم يخلق الله علي بن ابي طالب صلوات الله عليه لما كان لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله كفوٌ عن الخلق آدم فمن دونه (الكافي :ج1 ص461 ح10 ، المناقب لابن شهر أشوب : ج2 ص 181 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج1 : ص66 ، الفردوس : ج3 ص 418 ح5170 .
                          الى غير ذلك من الأدلة التي سيقت في المقام ولا يحصرها عدٌ ، ومن أراد التوسع في ذلك فليراجع : رسالة تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام للمفيد ، ج7 من مصنفات الشيخ المفيد عليه الرحمة .
                          (6) لا يخفى أن الكثير من العلماء يعتقدون بأن مراد الرسول من العلماء في مثل هذه الروايات ـوهي روايات كثيرة ـ هم الاَئمة لا أحد سواهم.
                          (7) المعجم الكبير للطبراني : ج 2 ص 253 ح 1061 .
                          (8) المعجم الكبير للطبراني ج2: ص199 ح 1808 و 1809، المستدرك للحاكم : ج4 ص501، مسند أحمد بن حنبل : ج5: ص86 و89 و 90 و 93، الصواعق المحرقة لابن حجر:ص20، مسند أبي يعلي : ج8 ص444 ح 5031، كنز العمال : ج6 ص89 ح 14971،فتح الباري : ج13 ص181، البداية والنهاية لابن كثير، (باب ذكر الاَئمة الاثني عشر) : ج6 ص248، مجمع الزوائد للهيثمي : ج5 ص190، (ب الخلفاء الاثني عشر) ، تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير : ج2 ص34.
                          (9) ينابيع المودّة للقندوزي: ص258 ب (56).
                          (10) فرائد السمطين للجويني : ج2 ص312 ح 562، ينابيع المودّة للقندوزي: ص487 (ب94).
                          (11) المناقب للخوارزمي: ص75 ح 55، تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج 11 ص 589 ، المعجم الكبير للطبراني : ج 5 ص 194 ح 5067 ، ينابيع المودّة للقندوزي : ص 127 (ب43).
                          (12) صحيح البخاري : ج9 ص101، (ك الاَحكام ب الاِستخلاف).
                          (13) صحيح مسلم : ج3 ص1452 ح 6 (ك الاِمارة ب 1).
                          (14) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص10.
                          (15) تقدمت تخريجاته .
                          (16) بحار الاَنوار : ج 43 ص 291 ح 5 وج 44 ص 1 ح 2 .
                          (17) راجع: تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج10: ص58 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص79 و ج 6 ص 289، وقعة صفين: ص216 ـ 221 ، الطبقات الكبرى لابن سعد: ج7 ص78(في ترجمة عاصم بن عاصم الليثي) .
                          (18) جاء في روايات أخرى: « اذا رأيتموه يخطب على منبري فاقتلوه »، وورد في أخرى: « اذا رأيتموه جالساً على منبري يخطب فاضربوا عنقه »، راجع: تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج10 ص58 ، تاريخ بغداد للخطيب : ج12 ص181، اللآلىء المصنوعة : ج1 ص424، تهذيب التهذيب : ج2 ص428، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص32.
                          (19) مسند احمد بن حنبل : ج4 ص421، وقعة صفين: ص219.
                          (20) وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت ـ كما جاء في المستدرك للحاكم : ج 3 ص 114 ـ 115:


                          إذا نحــن بايعنا علياً فحسبنا * أبو حسن مما نخـاف من الفتــن
                          وجدناه أولى الناس بالناس أنه * أطب قريــش‌بالكتــاب وبالسنن
                          وإن قــريشاً ما تشق غباره * إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن
                          وفيه الذي فيهم من الخير كله * وما فيهم كل الذي فيــه من حسن


                          (21) ترجمة الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق، لابن عساكر : ج3 ص157، كنز العمال : ج11 ص612 ح 32964، الاستيعاب، لابن عبدالبر : ج3 ص1091، المناقب للخوارزمي: ص105 ح108، الاصابة، لابن حجر العسقلاني: ج4 ص170 ترجمة رقم: 994.
                          (22) راجع : مسند أحمد بن حنبل : ج 6 ص 323 ، مجمع الزوائد : ج 9 ص 130 ، المستدرك للحاكم : ج 3 ص 121 ، كنز العمال : ج 11 ص 602 ح 32903 ، مشكاة المصابيح : ج 3 ص 1722 ح 6092 ، بحار الاَنوار : ج 27 ص 227 ح 26 وج 39 ص 311 ح 1 .
                          (23) سورة فصلت: الآية 42.
                          (24) مذكرات المدرسة للسيد محمد جواد المُهري : 147 ـ 157 .

                          تعليق


                          • #14
                            نقلا عن احد المواقع المواليه

                            عدم إذن الله لأبي بكر وعمر بالزواج من الزهراء ع، على ماذا يدل..؟؟

                            --------------------------------------------------------------------------------


                            بسم الله الرحمن الرحيم،،

                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

                            إستمع للشيخ عبدالحميد كشك وهو يقول:
                            http://66.36.173.182/sound/zwaj.mp3

                            هذا إعترافٌ بأن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أفضل من الجميع، كيف لا وهو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله..!!

                            وقد كتبت موضوعا في السابق وقد وضعته في أحد المواضيع لأحد الأخوة وكان بعنوان:


                            لو لم يكن نصٌ في أمير المؤمنين عليه السلام
                            لكفانا هذا المحور الطاهر في إثبات إمامته



                            بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمدٍ وعليٍ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذريته.

                            صلى الله عليك أيتها البتول الطاهرة، أيتها الحوراء الإنسية، والبضعة المحمدية،،،
                            على مر الزمن، يا سيدتي ومولاتي، كنت شامخة لا يسبقك الأولون ولا يلحقك بك الآخرون،،،
                            أيتها الحجة الباهرة،،،
                            جعلت العقول حائرة «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ»...غافر/18.
                            فكُنْتِ قرآناً يمشي على الأرض ،،،«لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله»...الحشر/21.
                            وكنت بعد إستشهادك قرآناً يتلى فنستمع وننصت لأنك صراط مستقيم «يَهْدِي بِهِ الله مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»..المائدة/16.
                            فالسَّلاَمُ عَلَيْكِ يَوْمَ وُلِدْتِ وَيَوْمَ أَسْتُشْهِدْتِِ وَيَوْمَ تُبْعَثِينَ، يوم ينادي المنادي «أن غضوا أبصاركم».

                            لو لم يكن نصٌ في أمير المؤمنين ع، لكفانا هذا المحور الطاهر في إثبات إمامته أعني بهذا المحور الزاهر الطاهر فاطمة الزهراء صلى الله عليها، وذلك من نواحٍ عدة، ولكن تختصر المقام بذكر محورين أساسين:
                            المحور الأول من هــــــــــــو زوج فاطمة عليها السلام.
                            كل رجل شريفٍ مؤمنٍ يريد أن يزوج إبنته، لا يختار لها إلا أفضل وأشرف رجل وطأ الحصى، فهذا رسول الله صلى الله عليه الزهراء وسلم أعرض عن تزويجها لأبي بكر وعمر، أخرج النسائي (المجتبى) في سننه ج: 6 ص: 62/ح3221 أخبرنا الحسين بن حريث قال حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال ثم خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه (الزهراء) وسلم إنها صغيرة فخطبها علي (عليه السلام) فزوجها منه.
                            صحيح على شرط مسلم، والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (3020).

                            فلنذكر ما نقله بن حبان في هذا الشأن، صحيح ابن حبان ج: 15 ص: 393/6944 أخبرنا أبو شيبة داود بن إبراهيم بن داود بن يزيد البغدادي بالفسطاط حدثنا الحسن بن حماد حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه (الزهراء) وسلم فقعد بين يديه فقال يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني قال وما ذاك قال تزوجني فاطمة قال فسكت عنه فرجع أبو بكر إلى عمر فقال له قد هلكت وأهلكت قال وما ذاك قال خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه (الزهراء) وسلم فأعرض عني قال مكانك حتى آتي النبي صلى الله عليه (الزهراء) وسلم فأطلب مثل الذي طلبت فأتى عمر النبي صلى الله عليه (الزهراء) وسلم فقعد بين يديه فقال يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني قال وما ذاك قال تزوجني فاطمة فسكت عنه فرجع إلى أبي بكر فقال له إنه ينتطر أمر الله فيها قم بنا إلى علي حتى نأمره يطلب مثل الذي طلبنا قال علي فأتياني وأنا أعالج فسيلا لي فقالا إنا جئناك من ثم بن عمك بخطبة قال علي فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي حتى أتيت النبي صلى الله عليه (الزهراء) وسلم فقعدت بين يديه فقلت يا رسول الله قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وإني وإني قال وما ذاك قلت تزوجني فاطمة قال وعندك شيء قلت فرسي وبدني قال أما فرسك فلا بد لك منه وأما بدنك فبعها قال فبعتها بأربع مائة وثمانين فجئت بها حتى وضعتها في حجره فقبض منها قبضة فقال أي بلال ابتغنا بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها...... وقال -أي الرسول صلى الله عليه الزهراء- اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ثم قال لعلي (عليه السلام) ادخل بأهلك بسم الله والبركة

                            ومن ناحية أخرى نعرف من خلال هذا الحديث، أن الرسول صلى الله عليه الزهراء، أعرض بوجهه عنهم، وإلا لو كانوا أهلاً ومقاماً ومنزلة عند الله كالزهراء عليه السلام، لزوجها أولهم فضلاً عن تاليه،ففي المستدرك على الصحيحين ج: 2 ص: 179/2695 أخبرني عبد الله بن الحسين القاضي حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا يزيد بن هارون أنبأ عبد الحميد بن سليمان حدثنا محمد بن عجلان عن وثيمة البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فأنكحوه الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. إنتهى. أي لا تردوا من كان خلق ودين، وهذا يعني:
                            أولاً: إما أنهما ناقصا دين،
                            ثانياً: وإما ناقصا خلق،
                            ثالثاً: وإما كلا الأمرين معاً.

                            فعندما خطبها عليٌ عليه السلام، زوجها له، وهذا دليلٌ ناصعٌ واضحٌ على أن أمير المؤمنين عليه السلام كفؤٌ للزهراء عليها السلام، وغيره لا يكون، وكيف لا يكونون كذلك وهم عصمة الله وحبل الله المتين «إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»..الأحزاب/33.

                            وأكتفي بهذا القدر من الموضوع الأصلي.... ننتظر تعليقكم..!!

                            والسلام

                            تعليق


                            • #15
                              موضوع جميل أخي إبراهيم

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                              استجابة 1
                              10 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                              ردود 2
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X