مقدمة
الأخ زكي مبارك الأخت سمية الزبيدي .. السلام عليكم..
قرأت باهتمام بالغ ما تفضلتم به ولا أخفي أعجابي بأسلوب الحوار الهادئ والمنطقي في نقاش القضية.
الموضوع وكما طرحها الأخوين ذو بعدين ؛ بعد خاص وهي مسألة تكفير أبي بكر لقبائل عربية وتحديدا بتهمة الارتداد بذريعة عدم دفع الزكاة.
البعد الثاني وأقصد البعد العام والشمولي لمسألة التكفير في التاريخ الإسلامي.
أما في القضية الأولى وهي ما تذرع به أبو بكر في محاربة العام واتخاذه ذريعة في قتل الخصوم، فأنقل جانبا بسيطا يحلل الفكرة إلى مفرداتها الأساسية:
1- هناك مرتدون حقيقيون وهم مسيلمة الكذاب وطليحة وغيرهم وهم فئة قليلة أعلنت عن ردتها وهذا لا خلاف في وجوب محاربتهم وقتلهم.
2- الغالبية العظمى كان على الإسلام وامتنعو عن الدفع لأسباب وظروف متعددة مع اعتقادهم بوجوبها:
- البداية والنهاية - ابن كثير ج 6 ص 342 :
وجعلت وفود العرب تقدم المدينة . يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة ، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق ، وذكر أن منهم من احتج بقوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) قالوا : فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا ، وأنشد بعضهم : أطعنا رسول الله إذ كان بيننا * فواعجبا ما بال ملك أبي بكر.
3- عمل أبي بكر شخصي وقد خالف فيه جميع المهاجرين والأنصار.
- كنز العمال - المتقي الهندي ج 5 ص 660 : ( 14164 - )
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم اشرأب ( 2 ) النفاق بالمدينة ، وارتدت العرب ، وارتدت العجم وأبرقت
صفحة 661 :
وتواعدوا نهاوند وقالوا : قد مات هذا الرجل الذي كانت العرب تنصر به فجمع أبو بكر المهاجرين والانصار وقال : إن هذه العرب قد منعوا شاتهم وبعيرهم ورجعوا عن دينهم ، وإن هذه العجم قد تواعدوا نهاوند ليجمعوا لقتالكم وزعموا أن هذا الرجل الذي كنتم تنصرون به قد مات فأشيروا علي فما أنا إلا رجل منكم وإني أثقلكم حملا لهذه البلية فأطرقوا طويلا ثم تكلم عمر بن الخطاب فقال : أرى والله يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقبل من العرب الصلاة وتدع لهم الزكاة فانهم حديث عهد بجاهلية لم يقدهم الاسلام ، فاما أن يردهم الله إلى خير ، وإما أن يعز الله الاسلام فنقوى على قتالهم ، فما لبقية المهاجرين والانصار يدان للعرب والعجم قاطبة فالتفت إلى عثمان فقال : مثل ذلك ، وقال علي : مثل ذلك ، وتابعهم المهاجرون ثم التفت إلى الانصار فتابعوهم ، فلما رأى ذلك صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم والحق قل
صفحة 662 :
شريد والاسلام غريب طريد قدرث حبله وقل أهله ، فجمعهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم الامة الباقية الوسطى والله لا أبرح أقو بأمر الله وأجاهد في سبيل اله حتى ينجز الله لنا وعده ويفي لنا عهده ، فيقتل من قتل منا شهيدا في الجنة ، ويبقى من بقي منا خليفة الله في أرضه ووارث عبادة الحق فان الله تعالى قال لنا ليس لقوله خلف : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم ) والله لو منعوني عقالا مما كانوا يعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل معهم الشجر والمدر والجن والانس لجاهدتهم حتى تلحق روحي بالله إن الله لم يفرق بين الصلاة والزكاة ، فجمعهما فكبر عمر وقال : والله قد علمت حين عزم الله لابي بكر على قتالهم أنه الحق . ( خط في رواة مالك ) .
- البداية والنهاية - ابن كثير ج 6 ص 342 :
وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى
صفحة 343 :
يتمكن الايمان في قلوبهم : ثم هم بعد ذلك يزكون ، فامتنع الصديق من ذلك وأباه * وقد روى الجماعة في كتبهم سوى ابن ماجة عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال لابي بكر : علام تقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ؟ فقال أبو بكر : والله لو منعوني عناقا ، وفي رواية : عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاقاتلنهم على منعها ، إن الزكاة حق المال ، والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، قال عمر : فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق...
4- كيف تعامل أبو بكر مع هذا الملف وكيف كان يستند إلى كفر هذه القبائل:
- كنز العمال - المتقي الهندي ج 5 ص 659 :
( 14161 - ) عن ابن إسحاق قال : حدثني طلحة بن عبيد الله بن أبي بكر يأمر أمراءهم حين كان يبعثهم في الردة إذا غشيتم دارا فان سمعتم بها أذانا فكفوا حتى تسألوهم ماذا تنقموا فان لم تسمعوا أذانا فشنوها غارة واقتلوا واحرقوا وانهكوا في القتل والجراح لا يرى بكم وهن لموت نبيكم.
- كنز العمال - المتقي الهندي ج 5 ص 666 :
( 14169 - ) ( مسند الصديق ) عن نافع قال : كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد في قتال أهل الردة ، لا تظفرن بأحد قتل المسلمين إلا قتلته ونكلت به عبرة ومن أجببت ممن حاد الله أو ضاده ممن ترى أن في ذلك صلاحا فاقتله فأقام على بزاخة شهرا يصعد عنها ويصوب ويرجع إليها في طلب أولئك وقتلهم : فمنهم من أحرق ، ومنهم من قمطه ورضخه بالحجارة ، ومنهم من رمى به من رؤوس الجبال .
ولا أريد الخوض في مسألة الشهيد مالك بن نويرة فهو مما وقع عليه الإجماع في ظلم أبي بكر وقائده له وأنه خصمهما يوم القيامة.
أخي زكي أختي سمية..
هذه المقدمة المجتزئة إنما أمهد بها لتحليل واقعة الردة تحليلا يتلائم وطبيعة المرحلة أسبابا ونتائج.. أوضح فيها إنشاء الله كيف استعمل أبو بكر الردة كذريعة لبسط نفوذه على فرقائه المختلفين أما معه وإما عليه، مثله مثل باقي خلفاء هذا التاريخ الإسلامي مثلهم مثل الجماعات الإرهابية التكفيرية في عصرنا الحاضر.
الأخ زكي مبارك الأخت سمية الزبيدي .. السلام عليكم..
قرأت باهتمام بالغ ما تفضلتم به ولا أخفي أعجابي بأسلوب الحوار الهادئ والمنطقي في نقاش القضية.
الموضوع وكما طرحها الأخوين ذو بعدين ؛ بعد خاص وهي مسألة تكفير أبي بكر لقبائل عربية وتحديدا بتهمة الارتداد بذريعة عدم دفع الزكاة.
البعد الثاني وأقصد البعد العام والشمولي لمسألة التكفير في التاريخ الإسلامي.
أما في القضية الأولى وهي ما تذرع به أبو بكر في محاربة العام واتخاذه ذريعة في قتل الخصوم، فأنقل جانبا بسيطا يحلل الفكرة إلى مفرداتها الأساسية:
1- هناك مرتدون حقيقيون وهم مسيلمة الكذاب وطليحة وغيرهم وهم فئة قليلة أعلنت عن ردتها وهذا لا خلاف في وجوب محاربتهم وقتلهم.
2- الغالبية العظمى كان على الإسلام وامتنعو عن الدفع لأسباب وظروف متعددة مع اعتقادهم بوجوبها:
- البداية والنهاية - ابن كثير ج 6 ص 342 :
وجعلت وفود العرب تقدم المدينة . يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة ، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق ، وذكر أن منهم من احتج بقوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) قالوا : فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا ، وأنشد بعضهم : أطعنا رسول الله إذ كان بيننا * فواعجبا ما بال ملك أبي بكر.
3- عمل أبي بكر شخصي وقد خالف فيه جميع المهاجرين والأنصار.
- كنز العمال - المتقي الهندي ج 5 ص 660 : ( 14164 - )
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم اشرأب ( 2 ) النفاق بالمدينة ، وارتدت العرب ، وارتدت العجم وأبرقت
صفحة 661 :
وتواعدوا نهاوند وقالوا : قد مات هذا الرجل الذي كانت العرب تنصر به فجمع أبو بكر المهاجرين والانصار وقال : إن هذه العرب قد منعوا شاتهم وبعيرهم ورجعوا عن دينهم ، وإن هذه العجم قد تواعدوا نهاوند ليجمعوا لقتالكم وزعموا أن هذا الرجل الذي كنتم تنصرون به قد مات فأشيروا علي فما أنا إلا رجل منكم وإني أثقلكم حملا لهذه البلية فأطرقوا طويلا ثم تكلم عمر بن الخطاب فقال : أرى والله يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقبل من العرب الصلاة وتدع لهم الزكاة فانهم حديث عهد بجاهلية لم يقدهم الاسلام ، فاما أن يردهم الله إلى خير ، وإما أن يعز الله الاسلام فنقوى على قتالهم ، فما لبقية المهاجرين والانصار يدان للعرب والعجم قاطبة فالتفت إلى عثمان فقال : مثل ذلك ، وقال علي : مثل ذلك ، وتابعهم المهاجرون ثم التفت إلى الانصار فتابعوهم ، فلما رأى ذلك صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم والحق قل
صفحة 662 :
شريد والاسلام غريب طريد قدرث حبله وقل أهله ، فجمعهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم الامة الباقية الوسطى والله لا أبرح أقو بأمر الله وأجاهد في سبيل اله حتى ينجز الله لنا وعده ويفي لنا عهده ، فيقتل من قتل منا شهيدا في الجنة ، ويبقى من بقي منا خليفة الله في أرضه ووارث عبادة الحق فان الله تعالى قال لنا ليس لقوله خلف : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم ) والله لو منعوني عقالا مما كانوا يعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل معهم الشجر والمدر والجن والانس لجاهدتهم حتى تلحق روحي بالله إن الله لم يفرق بين الصلاة والزكاة ، فجمعهما فكبر عمر وقال : والله قد علمت حين عزم الله لابي بكر على قتالهم أنه الحق . ( خط في رواة مالك ) .
- البداية والنهاية - ابن كثير ج 6 ص 342 :
وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى
صفحة 343 :
يتمكن الايمان في قلوبهم : ثم هم بعد ذلك يزكون ، فامتنع الصديق من ذلك وأباه * وقد روى الجماعة في كتبهم سوى ابن ماجة عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال لابي بكر : علام تقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ؟ فقال أبو بكر : والله لو منعوني عناقا ، وفي رواية : عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاقاتلنهم على منعها ، إن الزكاة حق المال ، والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، قال عمر : فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق...
4- كيف تعامل أبو بكر مع هذا الملف وكيف كان يستند إلى كفر هذه القبائل:
- كنز العمال - المتقي الهندي ج 5 ص 659 :
( 14161 - ) عن ابن إسحاق قال : حدثني طلحة بن عبيد الله بن أبي بكر يأمر أمراءهم حين كان يبعثهم في الردة إذا غشيتم دارا فان سمعتم بها أذانا فكفوا حتى تسألوهم ماذا تنقموا فان لم تسمعوا أذانا فشنوها غارة واقتلوا واحرقوا وانهكوا في القتل والجراح لا يرى بكم وهن لموت نبيكم.
- كنز العمال - المتقي الهندي ج 5 ص 666 :
( 14169 - ) ( مسند الصديق ) عن نافع قال : كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد في قتال أهل الردة ، لا تظفرن بأحد قتل المسلمين إلا قتلته ونكلت به عبرة ومن أجببت ممن حاد الله أو ضاده ممن ترى أن في ذلك صلاحا فاقتله فأقام على بزاخة شهرا يصعد عنها ويصوب ويرجع إليها في طلب أولئك وقتلهم : فمنهم من أحرق ، ومنهم من قمطه ورضخه بالحجارة ، ومنهم من رمى به من رؤوس الجبال .
ولا أريد الخوض في مسألة الشهيد مالك بن نويرة فهو مما وقع عليه الإجماع في ظلم أبي بكر وقائده له وأنه خصمهما يوم القيامة.
أخي زكي أختي سمية..
هذه المقدمة المجتزئة إنما أمهد بها لتحليل واقعة الردة تحليلا يتلائم وطبيعة المرحلة أسبابا ونتائج.. أوضح فيها إنشاء الله كيف استعمل أبو بكر الردة كذريعة لبسط نفوذه على فرقائه المختلفين أما معه وإما عليه، مثله مثل باقي خلفاء هذا التاريخ الإسلامي مثلهم مثل الجماعات الإرهابية التكفيرية في عصرنا الحاضر.
تعليق