إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كتاب الهداية الكبرى لشيخ العلويين السيد ابي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    الغلـوّ والغـلاة

    الغلـوّ والغـلاة

    عرّف بعضهم الغلو بقوله: هو التجاوز عن الحد والخروج عن القصد.

    وهنا نسأل ما هو هذا الحد الذي من تجاوزه صنّف مغالياً
    ؟

    أهو القول بأن عليّاً (ع) هو أفضل الصحابة ؟
    أو الإعتقاد بأنه الخليفة الشرعي للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ؟
    أو الإيمان بعصمته وعصمة أبنائه الكليّة ؟
    أو التصديق بأن الله أيدهم بخوارق المعجزات ؟
    أو التسليم اليقيني بكل ما ورد عنهم وصدر منهم ؟
    فهل هذا هو الغلو الذي من قال به اعتبر متجاوزاً للحد خارجاً عن القصد ؟

    فإن كان هو كما صرّح بذلك بعض المتعصبين والمقصرين فان الشيخ ومن قال بقوله من العلماء والفقهاء يعدون من أكثر الناس غلوّا.

    ولكن هل نسي مطلقو هذه الفريّة بأن الأدلّة على صحة هذه المقولات الاعتقادية أكثر من أن تُحصى، وهي مبثوثة بكثرة ملحوظة في كتب الفريقين رواها عشرات العلماء في مصنّفاتهم المعتمدة والموثوقة عند أجلّتهم.

    أقول متيقّناً بأنهم لم ينسوا ذلك، ولكنها الغايات التي تبرر الوسائل عندهم، حتى وإن كانت هذه الوسائل تنصبّ في تكفير أهل الايمان واليقين.

    إنّ تجاوز الحد والخروج عن القصد ليس في قول ما هو صحيح و ثابت، بل هو كما اتفق عليه في تأليه الأئمة، أو تأليه غيرهم، وفي تصوري أنه لا يوجد من يقول بذلك لا من هنا ولا من هناك.

    وعلى هذا الأساس الراسخ فان الاتهام بالغلو هو مرض قديم وداء عضال ابتليت به الأمة الاسلامية فأدى الى زيادة تنفير أبنائها من بعضهم البعض مما أعان عليها أخصامها الأَلدَّاء، وهذا المرض الخبيث له أسبابه المباشرة ومن جملتها:

    - اختلاف أبنائها في العقائد وانقسامهم الى فرق ومذاهب.
    - اختلاف أبناء المذهب الواحد سببه تفاوت في العقول وتفاضل في الأذهان.


    فحينما يختلف هذا مع ذاك في تفضيل شخص على آخر سينتج عن خلافهما طعن وتكفير يؤدي الى افتراقهما وهذا الافتراق يؤدي إلى إختلاق الاتهامات المتبادلة.
    وفي يقيني أنهما لو تبصّرا في عاقبة فعلهما لما تجرّءا على فعل ما فعلا.
    وحينما ينكر أحدهما ما أقرّ به صاحبه فسيصدر عن المنكر تكفير بحق المقر، وعن المقر تضعيف بحق المنكر وهكذا الى ما لا نهاية.

    إذاً فالغلو كذبة قديمة لا أساس لوجودها والاتهام بها صورة ضعف وعجز المتهم الذي لا حجة له إلا التكفير لستر عجزه المكشوف.


    وبعد هذا التقديم السليم، والتعريف اللطيف، والتحليل الجميل أقول بأن بعض العلماء عرّف فرقة الغلاة بالقول التالي:
    ( هم الذين غلوا في حق النبي وآله حتى أخرجوهم عن حدود الخليقة ) (1) .
    وقد عدّهم الشهرستاني ( المشكوك بنزاهته والمعروف بافراطه في التعصب ) بأنهم إحدى عشر صنفاً وذكر من جملتهم النصيرية، وذكر آراءهم وعقائدهم (2).

    ويرى بعض الفقهاء كالعلامة الشيخ جعفر السبحاني بأن ما ذكره الشهرستاني من الصنوف وما نسب إليهم من الآراء السخيفة غير ثابت جداً، وبرهن على صحة قوله بشواهد كثيرة إلى أن قال نقلاً عن أحد العلماء:
    ( هذه ليست أول قارورة كسرت في التاريخ، بل لها نظائر وأمائل كثيرة، فكم من رجال صالحين شوّه التاريخ سمعتهم (3) وكم من أشخاص طالحين قد وزن لهم التاريخ بصاع كبير، وعلى أي تقدير فلا نجد لأكثر هذه الفرق بل جميعها مصداقاً في أديم الأرض).(4)
    وقال أيضاً:
    ( فلا جدوى في البحث عن الغلاة على النحو الذي ذكره الشهرستاني وغيره ( كالكشي والنوبختي ) في كتابه فان الرواة الواردين في اسناد الروايات منزهون عن الغلو بهذا المعنى الذي يوجب الخروج عن التوحيد والاسلام ويلحق الرجل بالكفار والمشركين ) .

    ثم أبان عن الفرقة الغالية بقوله:
    ( ان الفرقة المعروفة بالغلو هي فرقة المفوضة غير أنه يجب تحقيق معناها حتى يتبين الصحيح من الزائف ) .

    ثم أوضح معنى التفويض وفصل بين الصحيح والزائف إلى أن قال:
    ( المراجع إلى كلمات القدماء يجد أنهم يرمون كثيرا من الرواة بالغلو حسب ما أعتقد به في حق الأئمة، وان لم يكن غلواً في الواقع ).

    واستشهد بقول الوحيد البهبهاني في الفوائد الرجالية حيث يقول:
    ( فأعلم أن الظاهر أن كثيراً من القدماء لا سيما القميّين منهم والغضائري كانوا يعتقدون للأئمة عليهم السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوزون التعدي عنها، وكانوا يعدون التعدي ارتفاعاً وغلواً حسب معتقدهم، حتى أنهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلواً بل ربما جعلوا مطلق التفويض اليهم، أو التفويض الذي اختلف فيه، أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم، أو الاغراق في شأنهم واجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص، واظهار كثير قدرة لهم وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض (جعلوا كل ذلك ) ارتفاعاً مورثاً للتهمة به، لا سيما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين ) .

    وبالجملة الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية أيضاً، فربما كان شيء عند بعضهم فاسداً، أو كفراً، أو غلواً، أو تفويضاً، أو جبراً، أو تشبيهاً، أو غير ذلك، وكان عند آخر مما يجب اعتقاده أو لا هذا ولا ذاك.
    فيجب على العالم الباحث، التحقيق في كثير من النسب المرمي بها الأجلة، لما عرفت من أنه لم يكن في تلك الأزمنة ضابطة واحدة ليتميز الغالي عن غيره. (5)

    ولا بد من التأمل في جرحهم بأمثال هذه الأمور ومن لحظ مواقع قدحهم في كثير من المشاهير كيونس بن عبد الرحمن، ومحمد بن سنان، والمفضل بن عمر وأمثالهم، عرف الوجه في ذلك، وكفاك شاهداً اخراج أحمد بن محمد بن عيسى، أحمد بن محمد بن خالد البرقي من قم، بل عن المجلسي الأول، أنه أخرج جماعة من قم، بل عن المحقق الشيخ محمد ابن صاحب المعالم، أن أهل قم كانوا يخرجون الراوي بمجرد توهم الريب فيه.
    فاذا كانت هذه حالتهم وذا ديدنهم فكيف يعوّل على جرحهم وقدحهم بمجرّده، بل لا بد من التروي والبحث عن سببه والحمل على الصحة مهما أمكن، كيف لا، ولو كان الاعتقاد بما ليس بضروري البطلان عن اجتهاد، موجباً للقدح في الرجل، للزم القدح في كثير من علمائنا ( الكلام للممقاني ) المتقدمين، لأن كلاً منهم نسب اليه القول بما ظاهره مستنكر فاسد.

    ومما يؤيد ذلك ما ذكره الوحيد البهبهاني في ترجمة أحمد بن محمد بن نوح السيرافي قال:
    ( انه حُكيَ في الخلاصة أن الشيخ كان يذهب الى مذهب الوعيدية ( وهم الذين يكفّرون صاحب الكبيرة ويقولون بتخليده في النار )، وهو وشيخه المفيد إلى أن الله تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد كما هو مذهب الجبائي والسيد المرتضى الى مذهب البهشمية من أن ارادته عرض لا في محل، والشيخ الجليل ابراهيم بن نوبخت الى جواز اللذة العقلية عليه سبحانه، وأن ماهيته معلومة كوجوده وأن ماهيته الموجود، والمخالفين يخرجون من النار ولا يدخلون الجنة، والصدوق وشيخه ابن الوليد والطبرسي الى جواز السهو على النبي، ومحمد بن عبدالله الأسدي إلى الجبر والتشبيه، وغير ذلك مما يطول تعداده، والحكم بعدم عدالة هؤلاء لا يلتزمه أحد يؤمن بالله، والذي ظهر لي من كلمات أصحابنا المتقدمين، وسيرة أساطين المحدثين أن المخالفة في غير الأصول الخمسة لا يوجب الفسق، الا أن يستلزم انكار ضروري الدين كالتجسيم بالحقيقة لا بالتسمية، وكذا القول بالرؤية بالانطباع أو الانعكاس، وأما القول بها لا معها فلا، لأنه لا يبعد حملها على ارادة اليقين التام، والانكشاف العلمي، وأما تجويز السهو عليه وادراك اللذة العقلية عليه تعالى مع تفسيرها بارادة الكمال من حيث أنه كمال فلا يوجب فسقاً ) .

    ثم قال:
    ( ونسب ابن طاووس ونصير الدين المحقق الطوسي وابن فهد والشهيد الثاني وشيخنا البهائي وجدي العلامة وغيرهم من الأجلة الى التصوف، وغير خفي أن ضرر التصوف انما هو فساد الاعتقاد من القول بالحلول أو الوحدة في الوجود أو الاتحاد أو فساد الأعمال المخالفة للشرع التي يرتكبها كثير من المتصوفة في مقام الرياضة أو العبادة. و غير خفي على المطلعين على أحوال هؤلاء الأجلة من كتبهم وغيرهم أنهم منزهون من كلتا المفسدتين قطعاً، ونسب جدي العالم الرباني والمقدس الصمداني مولانا محمد الصالح المازندراني وغيره من الأجلة الى القول باشتراك اللفظ، وفيه أيضاً ما أشرنا اليه ونسب المحمدون الثلاثة والطبرسي الى القول بتجويز السهو على النبي، ونسب ابن الوليد والصدوق أيضاً منكر السهو الى الغلو، وبالجملة أكثر الأجلة ليسوا بخالصين عن أمثال ما أشرنا اليه، ومن هذا يظهر التأمل في ثبوت الغلو وفساد المذهب بمجرد رمي علماء الرجال من دون ظهور الحال).

    ونحن بعدما قرأنا ذلك انتقلنا الى ما ذكره العلامة الزمخشري في حق نفسه حيث يقول:
    تعجبت من هذا الزمان وأهله == فما أحد من ألسن الناس يسلم

    والذي تبين لنا من مراجعة هذه الكلم هو أن أكثر علماء الرجال، أو من كان ينقل عنه علماء الرجال لم يكن عندهم ضابطة خاصة لتضعيف الراوي من حيث العقيدة، بل كلما لم تنطبق عقيدة الراوي وعقيدته رماه بالغلو والضعف في العقيدة، وربما يكون نفس الرامي مخطئاً في اعتقاده بحيث لو وقفنا على عقيدته لحكمنا بخطئه، أو وقف في كتاب الراوي على أخبار نقلها هو من غير اعتقاد بمضمونها فزعم الراوي أن المؤلف معتقد به، الى غير ذلك مما يورث سوء الظن، مثل اذا ادّعى بعض أهل المذاهب الفاسدة أن الراوي منهم وليس هو منهم.


    فتلخّص أن تضعيف الراوي من جانب العقيدة لا يتم الا بثبوت أمرين:
    الأول: أن يثبت أن النظرية مما توجب الفسق.
    الثاني: أن يثبت أن الراوي كان معتقداً بها.
    وأنى لنا بإثبات الأمرين.

    أما الأول، فلوجود الخلاف في كثير من المسائل العقيدية حتى مثل سهو النبي في جانب التفريط أو نسبة التفويض في بعض معانيها في جانب الإفراط.
    وأما الثاني، فإن إثباته في غاية الإشكال، خصوصاً بالنظر إلى بعض الأعمال التي كان يقوم بها بعض الرواة في حق بعض، من الاخراج والتشديد بمجرد النقل عن الضعفاء وان كان ثقة في نفسه، وما لم يثبت الأمران لا يعتني بهذه التضعيفات الراجعة الى جانب العقيدة.(6)

    فالتكفير لا يجوز اذا في متفرعات الأصول وجزئيات كلياتها الا أن يكون الأمر المقال من قبل قائله مزيلاً للأصل المعتمد ومتناقضاً معه.

    فالتوحيد أصلٌ بلا خلاف، وان عدم اعتقاده كفر محض، والقول بالشريك يضاده، وقائل ذلك مشرك وراويه مشكوك بأمره ومطعون به، فاما أن يكون معتقده فيحكم بشركه وكفره، واما لا فيحكم بتخطئته لروايته ما يخالف عقيدته.
    وأما مبحث الصفات فلا يستوجب التكفير الا في حال تشبيه الخالق بالمخلوق، وايقاعه في حدود العجز، ونسبة ما لا يليق بذاته اليه، وما عدا ذلك فمتروك لأن تناوله يؤدي الى الوقوع في ملابسات عديدة وحالة فريدة تؤدي بنا الى عدم وجود مؤمن بين المسلمين، ولا مسلماً بين المخلوقين، وذلك لأن القائلين بالصفات على أقسام:
    قسم يقول بعينيتها.
    وقسم يقول بغيريتها.
    وقسم يقول بأنها ليست عين الذات وليست غيرها.

    فالأسلم ترك هذه الأمور المتعلقة في بحث عدالة الراوي ما دام مؤمناً بالله ورسوله واليوم الآخر ومقرّاً بولاية أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين ومسلماً لهم ومستسلماً لأمرهم.
    وكذلك فالنبوة أصل بلا نزاع، ومن لم يعتقدها أو أنكر أصلاً من أصولها كالوحي، والعصمة 000فليس بمسلم، أما فيما يتعلق بالعصمة الكلية، أو الجزئية، أو نفي السهو عن النبي أو عدمه، فلا يستوجب التكفير والتفسيق، وانما يستوجب تحديد اللفظ بمقتضى الأمر المتعلق به.
    وكذلك فان ضعف الراوي لا يستوجب القدح كما هو دأب الكثيرين، ونقله عن الضعيف لا يدل على ضعفه الا عند الضعفاء فربما نقل رواية صحيحة عن ضعيف فهل يستوجب ذلك تضعيفه، أو نقل رواية مشبوهة لغاية ما ولكنه لا يعتقدها فهل يستحق التفسيق على ذلك، فيجب بحث الأسباب أولاً، ثم يأتي الحكم منزهاً عن الأهواء والغايات ثانياً.

    وان الميزان الصحيح في تنقيح الروايات وتصحيحها هو كتاب الله وسنة رسوله ونهج الأئمة المعصومين عليهم السلام، وليس محدودية عقول الرجال وأهواءهم لأن ذلك يؤدي الى انكار الضروريات.


    أما التقليد في توثيق الرجال وتضعيفهم فباطل لأسباب (7):

    - إن أكثر المصنفين في علم الرجال ليسوا بأفضل من الذين تحدثوا عنهم، والمفضول عند ذوي العقول لا يقيّم الفاضل بل العكس هو الصحيح.
    - إن بعضهم ارتكز على عقيدته في تقييم الرجل وهذا التقييم غير سليم وذلك تحسباً من أن تكون عقيدة المصنف معلولة فستكون النتيجة مجهولة والمقيّم مظلوماً.
    - إن بعضهم لم يشاهد الرجل الذي تحدث عنه بل اعتمد على السماع وهذا الاستدلال باطل بالبديهة.
    - إن بعضهم اعتمد على رواية الرجل فحكم عليه من خلال اتفاقها مع عقيدته أو عدمها.
    ان أكثرهم نقل عمن كان قبله ومن كان قبله يندرج ضمن الأقسام المذكورة أعلاه.

    فالتقليد المقبول والمعمول به هو تقليد أهل العصمة، ولكنه عسير اذ يقتضي التحقق من صحة الروايات الواردة بحق الأشخاص. فيقتضي اذا الاجتهاد في هذا المجال بموجب ما عرف عن الرجل المستقصى عن حاله دراية ورواية، قولاً وفعلاً، وهذا أيضاً عسير لأن الاجتهاد يتطلب شروطاً عديدة يصعب على الكثيرين امتهانها واتقانها، فأسلم الطرق وأسهلها هو التسليم لله بقلب سليم وحسن الظن بأهل الولاية وعدم التقحم في المسالك العويصة التي تؤدي الى ما لا يحمد عقباه.



    وختاماً لهذا البحث أقول:


    هذه هي حالة الاتهامات بين علماء المذهب الواحد وفقهائه، أما من حيث اتهام علماء المذاهب لبعضها البعض فهو كما أوضحنا بأنه لمجرد قول الامامي بأن علياً (ع) أفضل الصحابة أو الاعتقاد بعصمته كان يُرمى بالغلو والمروق عن الدين ويتّهم بالزندقة والضلال المبين، وخصوصاً في العصر العباسي الذي فاق سابقه بطغيان حكامه، وتعصب فقهائه، فتبيّن لنا أن الغلو كما ذكره ملصقوه لا أساس لوجوده، أو لوجود فرقة تقول به بل هو عبارة عن وصمة كانت تلصق بكل معارض لسياسة عصره وملوك زمانه، ولو سلمنا جدلاً بوجوده فهو غير القرمطة المعروفة تاريخياً، وهاتين التهمتين لا تجتمعان في شخص واحد، والشيخ الخصيبي (ق) من أبعد الناس عنهما لصفاء عقيدته الاسلامية، وصحة ولايته العلوية، ومن يراجع الهداية الكبرى المعتمدة والمتقنة عند الثقاة يتضح له بأن هذا الشيخ الجليل : متّبع غير مبتدع، ولم ينطق بكلمة واحدة الا من بعد التحقق بأنها صادرة عن أئمته المعصومين عليهم السلام. وان ما رواه فيها من الأخبار الصادقة فهو محض عقيدته بدليل أنه ألّفها وهو مطمئن البال ومن دون حذر وكان ذلك في عصر الدولة الحمدانية المعروف عن أمرائها تمسكهم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولاية أهل البيت عليهم السلام.

    وبعد هذا البيان المؤيد بالدليل والبرهان أقول انه من المعيب والمخجل اعتماد بعض الكتّاب بل أكثرهم على ما جاء في كتاب تاريخ العلويين لمحمد أمين غالب الطويل فيما يتعلق بالشيخ الخصيبي، لعلم أهل الانصاف ومعرفتهم بأن الطويل استقى معلوماته من ساداته الأتراك والفرنسيين الذين أملوا عليه هذا التاريخ العليل المليء بالأباطيل والذي لا يمت الى الحقيقة بصلة، ولا يمكن الاعتماد عليه كمستند تاريخي لمغايرته للواقع، وهذه الحقيقة التي سنبرهن عنها في كتاب آخر أكّدناها سابقاً باختصار لذوي الأفكار.

    ومن التّهم التي ألصقت بحق الشيخ من قبل المغرضين القول بأن له رأياً خاصاً في حادثة كربلاء مفادها أن الامام الحسين (ع) لم يُقتل على الحقيقة بل رفعه الله الى السماء كما فعل بعيسى بن مريم (ع)، ولا أدري من أين استقى معلوماته مُطلق هذه الفريّة ؟ ومن أوحى له بها، وكأنه أراد أن يقول بأن الشيخ قد غاير علماء زمانه في مفهوم الامامة.

    وهنا لا بد لي من القول:
    بأن رأي الشيخ في مصرع الامام الحسين (ع) وموقفه من حادثة كربلاء الأليمة في غاية الوضوح، ولا يختلف في ذلك مع رواة الحديث وأهل العلم من الفقهاء الاماميين ومن أراد التوسع فليقرأ هذا الخبر ليتضح له من خلاله الأمر:

    قال الحسين بن حمدان الخصيبي شرّف الله مقامه:

    حدّثني أبو الحسين محمد بن علي الفارسي عن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر (ع) قال:
    لما أراد الحسين بن علي (ع) الخروج الى الشآم بعثت اليه أم سلمة وهي التي كانت ربّته وكان هو أحبّ اليها من كل أحد وكانت أرأف الناس عليه، وكانت تربة الحسين عندها في قارورة مختومة دفعها اليها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لها اذا خرج ابني الى العراق فاجعلي هذه القارورة نصب عينيك فاذا استحالت التربة في القارورة دماً عبيطاً فاعلمي أن ابني الحسين قد قتل، فقالت له أذكرك رسول الله أن تخرج الى العراق قال: ولم يا أم سلمة ؟
    قالت: سمعت رسول الله صلى اله عليه وآله يقول يقتل ابني الحسين بالعراق، وعندي يا بني تربتك في قارورة مختومة دفعها اليّ النبي صلى الله عليه وآله، فقال:
    يا أم سلمة اني مقتول لا محالة فأين أفر من القدر والقضاء المحتوم والأمر الواجب من الله سبحانه وتعالى، قالت: واعجباه فأين تذهب وأنت مقتول ؟
    قال: يا أمّ اني ان لم أذهب اليوم ذهبت غداً، وان لم أذهب غداً ذهبت بعد غد وما من الموت مفر، والله يا أمّ اني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه والساعة التي أحمل فيها والحفرة التي أدفن فيها وأعرف قاتلي ومحاربي والمجلب عليّ والسائق والقائد والمحرّض ومن هو قاتلي ومن يحرّضه ومن يقتل معي من أهلي وشيعتي رجلاً رجلاً وأحصيهم عدداً وأعرفهم بأعيانهم وأسمائهم وقبائلهم وعشائرهم كما أعرفك وان أحببت أريتك مصرعي ومكاني فقالت: فقد شئت, فما زاد عليّ أن تكلم باسم الله فخضعت له الأرض حتى أراها مضجعه ومكانه ومكان أصحابه وأعطاها من تلك التربة التي كانت عندها ثم خرج الحسين (ع) وقال لها يا أمّ اني لمقتول يوم عاشوراء يوم السبت فكانت أم سلمة تعد الأيام وتسأل عن يوم عاشوراء فلما كانت تلك الليلة صبحته قتل الحسين (ع) فرأت في منامها أشعث مغبرّاً باكياً، وقال دفنت الحسين وأصحابه الساعة فانتبهت أم سلمة وخرجت صارخة بأعلى صوتها واجتمع اليها أهل المدينة فقالوا لها ما الذي دهاك ؟
    قالت: قتل الحسين بن علي وأصحابه (ع) ، قالوا: أضغاث أحلام, فقالت: مكانكم فان عندي تربة الحسين فأخرجت اليهم القارورة فاذا هي دم عبيط فحسبوا الأيام فاذا الحسين قتل في ذلك اليوم. (8)


    فلو تبصّر منصف في هذا الخبر الصحيح المروي في عدة مراجع (9) لتبيّن له رأي الخصيبي (ق) في حادثة كربلاء ولاتّضح له أيضاً بأنه لا يختلف في ذلك مع بقية العلماء.

    وألفتُ نظر القارىء الكريم الى أن كلمة (القتل ) وردت في هذا الخبر احدى عشر مرة، ومن أراد المزيد فعليه بالهداية ليستفيد ويفيد ويرغم كل أفّاك عنيد، وجاهل بليد.

    ------------------------------------------------------------------------------

    (1) - كنا نتمنى على هذا العالم أن يبين لنا ما هي حدود الخليقة حتى نعلم متى يخرج القائل الأئمة عنها بقوله فيهم حسب معتقده القائم على ما تحققه من النصوص الواردة عنهم من خلال الأمناء ؟ فهل القول بأنهم فوق المخلوقين ودون الخالق، أو أنهم يفعلون ما يعجز عنه غيرهم، أو أن الله اختصهم بخصائص لم يختص بها غيرهم غلوّاً ؟ أم أن مراده بحدود الخليقة اخراجهم عن الحدوث والامكان ؟ فهذه الناحية لا يقرّها علوي، أما الناحية الأولى المنصبّة على الاعتراف بخصائصهم وفضائلهم فهي عقيدة الشيخ ومقلديه القائمة على قواعد ثابتة والمنطلقة من أسس راسخة لا تتغير وهي القول أنهم عباد مكرمون.

    (2) - لا يُلام الشهرستاني على كلامه لأن تعصبه هو الذي يُملي عليه أحكامه، فلو أن النصيريين قالوا بمقالته لصنّفهم من أعلام الشريعة وسدنتها، ولن يكونوا كذلك لا عنده ولا عند غيره لأنهم لن يغيروا مقالتهم العلوية بمقالة ناصبية.

    (3) - أمثال شيخنا الأجل الذي نحن بصدد الحديث عنه والتبرك بذكره.

    (4) - هذا ما بينّاه وبرهناه في مواضع عدة من كتابنا- المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام - وأكدنا على أن أكثر الفرق المذكورة في كتب الفرق والنحل لا أساس لوجودها الّا في خيال أصحابها.

    (5 - 6) - كليات في علم الرجال.

    (7) - باستثناء الثقات الذين لا يشك في عقيدتهم وعدالتهم.

    (8) - الهداية الكبرى ص /203/204/.

    (9) - روى هذا الخبر العلامة محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار نقل عن القطب الراوندي، ورواه عن المجلسي المحقق البهبهاني في الدمعة الساكبة، ورواه عن الشيخ الخصيبي صاحب صحيفة الأبرار وغيره.

    تعليق


    • #47
      تعقيب مفيد

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      أسعد الله أوقاتكم جميعا بالخير والبركات..
      أطل عليكم مجدداً متمنيا لكم قضاء وقت مفيد في متابعة ما أنقله لكم من خيرات..
      وأحمل إليكم الآن روابط لمواضيع جانبية تفيد موضوعنا المطروح حول السيد الخصيبي (قده) وقد ورد طرف من ذكرها في هامش البحث السابق (الغلو والغلاة) وأقصد (الشهرستاني + كتب الفرق) ليزداد من يريد من المتابعين الكرام بالمزيد من التوضيحات والمعلومات :
      التعريف بــ : الغزالي + الشهرستاني + ابن تيميّة + القلقشندي.

      كتب الفرق ومخلفاتها السلبية.

      وسيكون موضوعنا المقبل على حسب تسلسل كتاب "الشيخ الخصيبي قدوة مُثلى يُحتذى" هو (الخصيبي "ق" وبطلان ما نسب اليه) فتابعونا أثابكم الله...

      صلوا على محمد وآل محمد واتقوا الله في أقوالكم وأفعالكم إنّ الله يُحب المتقين..
      والسلام على من اتّبع الهُدى...

      تعليق


      • #48
        الشيخ الخصيبي (ق) وبطلان ما نُسب إليه.

        الخصيبي "ق"
        و
        بطلان ما نسب اليه


        ذَكَرَ أصحاب التراجم والمعاجم مؤلفات عدة للشيخ الخصيبي (ق) أكثرها نُسِبَ اليه قديماً، وبعضها حديثاً، وقسمٌ منها وضعه الحاقدون لغاياتٍ لا تُخفى على المنصفين، وللأسف الشديد فقد اعتُبرَت هذه الكتب عند البعض كمصادر أساسية للتعريف عن عقيدة الشيخ (ق)، فراحوا يعبّون منها ويروون عنها، ولكننا لو وضعناها وقارنّاها بأزاء ما ثبت أنه للشيخ كــ"الهداية الكبرى" لتلاشت بكليتها وذلك لتناقضها معها، ومع بعضها البعض.

        وقد قام المرحوم السيد محسن الأمين العاملي بايراد أسماء مؤلفات الشيخ ق، وأسماء من أتوا على ذكرها، ومحض تلك الآراء والأقوال المتعددة في دقة وأمانة فصحّ له منها عشرة كتب أتى على ذكرها في موسوعته الكبرى (أعيان الشيعة ) ولم يصل الينا منها سوى كتاب " الهداية الكبرى " المعتمد عند الثقاة، وفي يقيني أن هذا الكتاب كافٍ للتعريف عن الشيخ وعقيدته فأخباره امامية، وأدلّته علوية، ولكن الذين في قلوبهم مرض أبوا الا تشويه الحقائق، وذلك باختلاق الأباطيل والأكاذيب على الشيخ الخصيب المتسامي بعقيدته العلوية الطاهرة عن أدنى عيب، ولا بأس من ايراد بعض الكتب المنسوبة اليه ظلما:

        أولاً:
        ذكر الطويل بتاريخه العليل كتاباً للشيخ لم يسمع به لا هو ولا أحد من مقلديه اسمه ( راست باش ) وكنّا قد أوضحنا بأن كتاب محمد أمين غالب الطويل لا قيمة له ولا اعتماد عليه الا عند المغرضين وذلك لمغايرته للواقع من جهة، ولأن المستشرقين الفرنسيين هم الذين كتبوه ودبّجوه والى الناس أخرجوه، وقام الطويل ابنهم المدلل بتبنّيه، ومن يقرأ هذا التاريخ يرى فيه العَجب العُجاب الذي لم يجتمع في كتاب، وكنت قد أفردت فصلاً للرد على مفترياته.

        ثانياً:
        أورد صاحب كتاب "تاريخ الأدب العربي" "كارل بروكلمان" بأن للخصيبي ديواناً من الشعر، وقد قام بعضهم بطبعه مؤخراً، ومن يقرأه ويلاحظ كثرة متناقضاته لا يداخله أدنى شك بأنه منسوب للشيخ، والأمر الغريب الذي نطرحه للمناقشة يتلخّص بالأسئلة التالية:

        - كيف غفل المؤرخون العرب و أصحاب التراجم عن هذا الديوان ولم يفطن له سوى السيد بروكلمان
        ؟
        - متى كان هذا الكاتب وغيرهم من المستشرقين الحاقدين على العروبة والاسلام أعرف وأخبر من أصحاب التراجم الموثوقين كالسيد الأمين بالمؤلفات الاسلامية.؟؟
        - فهل أوحيَ اليهم ؟
        - أم شاهدوا ذلك في المنام ؟
        فلا هذا ولا ذاك بل أضغاث أحلام، وحقد على الاسلام، وسعي الى الفتنة، واثارة النعرات الطائفية.

        والشيء المخجل هو أن بعض الكتّاب العرب والمسلمين يعتمدون على هذه المصادر المشبوهة كل الاعتماد وكأنها نصّ مُحكم غير قابل للجدال مع علمهم اليقيني بحقد المستشرقين على الاسلام الذي قام على أنقاض وثنيتهم، ولا يخفي على أرباب العقول وأهل الانصاف بأنَّ هناك الكثير من الجامعات والمكتبات الغربية قد أنشئت وخصصت لدراسة عقائد الفرق الدينية لغاية معروفة ونيّة مكشوفة وهي دس واختلاق الأباطيل الواهية لتصل من خلال ذلك الى:
        - الطعن بالدين الاسلامي من جهة.
        - واثارة النعرات الطائفية بين أبنائه من جهة أخرى.

        وقد خرّجت هذه الجامعات العديد من المستشرقين الذين كان لهم الدور البارز والفعّال في هذا المجال، وقد ارتكبوا ذلّات أكثرها تعمّداً وذلك استجابة لنياتهم الخبيثة، وتحقيقاً لأغراضهم السياسية العائدة بالنفع الى حكوماتهم التي هيّأتهم لهذه المهمة. فشوَّهوا الحقائق وفسّروها بما يوافق أغراضهم ومساعيهم، وقد تصدّوا للروايات الضعيفة يروّجونها، وللكتب التي ليست بذات ثقة في نقلها يعتمدون عليها، وينقلون منها
        (1) ثم يبنون على ذلك أحكامهم ويؤكدون استنباطاتهم.

        إن هذه السياسة الملتوية والدنيئة هي التي ضخّمت الخلافات بين المسلمين ولا تزال تُغذّى حتى الآن، تارة بنشر البحوثات الدينية المنحولة الى فرق اسلامية، وطوراً بتشجيع الكتابات عنها بصورة مباشرة، والغاية الأساسية كما هو معروف
        استعباد الشرق العربي وتسخير خيراته، ومن يسعى الى ذلك منذ مئات السنين فليس بالأمر الغريب أن يفعل أي شيء لتحقيق مآربه.

        ثالثاً:
        أخيراً وليس آخراً وصلنا كتاب اسمه "المائدة" حققه ونشره الكاتب "أحمد على رجب" زاعماً أنه من مصنفات الشيخ الخصيبي ق، وذلك لمجرد وجود خبر فيه يحمل هذا الاسم.

        وهنا أؤكد جازماً بأن هذا الكتاب هو غير كتاب المائدة الذي ذكره السيد الأمين العاملي في أعيانه، وعدّه من مصنفات الشيخ ق، ولو نظرنا الى ما قاله ناشره في مقدمته لتبين لنا صحة ذلك حيث أنه يقول:
        ( حتى قيّض الله لي أحد الأخوة زعم أنه رأى كتاباً عند أحدهم نسخته عتيقة مهترئة فطلبت منه أن يصطحبني لرؤيته، وبشوق وفضول قرأته فأعجبني مضمونه لكن للأسف وجدت النسخة بلا غلاف ولا عنوان وبلا مقدمة أولها بسم الله الرحمن الرحيم (باب في طلب العلم )، والذي جعلني أحتمل كونه كتاب المائدة وجود خبر فيه بهذا الاسم أما احتمال كونه للشيخ أبي عبدالله فهو وجود أخبار متعددة يرويها عن رجاله عن الأئمة عليهم السلام ).

        أولاً: إن من ينظر الى تعاليله العليلة، وحججه الهزيلة التي أوردها يتيقن بعدم صحة كون هذا الكتاب المطبوع حديثاً للشيخ, لأن الزعم والاحتمال اللذين ذكرهما لم يكونا يوماً من الأيام من اليقينيات المسلّم بها والمطمئن اليها عند المنطقيين.

        ثانياً: ان قوله ( وجدت النسخة بلا غلاف ولا عنوان وبلا مقدمة ) يؤكد ما ذهبنا اليه من أن هذا الكتاب منسوب الى الشيخ.

        ثالثاً: ان احتماله أن يكون هذا الكتاب للشيخ وجود أخبار يرويها عن رجاله، لا يعتبر دليلا قاطعاً، لأن رجال الشيخ مشهورون بالرواية وقد روى عنهم كثيرون غيره، هذا بالاضافة الى وجود اضطرابات في بعض الأحاديث لا تصدر عن أمثالهم من أهل التحقيق والتدقيق.



        وفي الختام أقول:
        بأن ما ثبت أنه للشيخ الخصيبي (ق) هو ما وافق نهج الأئمة المعصومين عليهم السلام، وأما ما شذّ عنهم فهو منسوب إليه من قبل أصحاب النفوس الحاقدة والعقول الجامدة.
        فالشيخ هو الذي يُقيّم صحّة الأحاديث من وضعها، وذلك لصحة عقيدته المأخوذة بالدليل القاطع والبرهان الساطع عن الثقاة الأمناء الميامين الذين رووا عن أهل العصمة ومعدن الحكمة عليهم السلام.


        ------------------------------------------------------------------------------------

        (1) المراد بهذه الكتب هي ((كتب الفرق والنحل )) التي وضعها بعض المتعصبين لخدمة السلاطين وما زلنا حتى الآن نعاني من ويلاتها.



        ---------------------------
        البحثين القادمين حسب التسلسل مهمّين جداً فتابعوهما وفقكم الله لما فيه مرضاته:
        1- تخريجاً لأهم الأحاديث التي بسببها طعن الضعفاء بالشيخ (قده).
        2- أسباب نشوء القدح.
        صلوا على محمد وآل محمد...

        تعليق


        • #49
          اخي الكريم
          لا اعرف كيف اشكرك على المجهود الكبير
          الذي بذلته في سبيل اظهار الحق
          والدفاع عن شيخ الدين
          السيد ابي عبد الله بن حمدان الخصيبي((قدس الله مقامه))
          ولا تستغرب قلة الردود
          لان المخالفين اعيتهم الحيلة
          امام الحقائق التي وضعتها
          بأنتظار انضمامك للحوار الشيعي
          حتى نفتح موضوع جديد عن العلويين
          والسلام عليكم

          تعليق


          • #50
            مراجعة

            المشاركة الأصلية بواسطة ولايتي لابي تراب
            اخي الكريم
            لا اعرف كيف اشكرك على المجهود الكبير
            الذي بذلته في سبيل اظهار الحق
            والدفاع عن شيخ الدين
            السيد ابي عبد الله بن حمدان الخصيبي((قدس الله مقامه))
            ولا تستغرب قلة الردود
            لان المخالفين اعيتهم الحيلة
            امام الحقائق التي وضعتها
            بأنتظار انضمامك للحوار الشيعي
            حتى نفتح موضوع جديد عن العلويين
            والسلام عليكم
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
            شهر خير وبركات عليك أخي العزيز "ولايتي لابي تراب" واشكر لك مرورك الكريم:

            - لا شكر على واجب أخي العزيز ولكن اسمحلي أن أعيد الفضل لصاحبه, فما بذلته من جهد هنا لا مجال لمقارنته مع جهد من كتب وألف هذا الكتاب الذي أنهل منه "الشيخ الخصيبي قدوة مُثلى يُحتذى" فجلّ ما أقوم به هو النقل من الكتاب والنشر هنا (وهذا بعدما تشرّفت بإذن من المؤلف شخصياً أطال الله عمره الشريف) وكذلك فالفضل لك لأن الموضوع موضوعك وأنت من افتتحه وأنا بعد إذنك أكمله...

            - الحجج قوية والحقائق واضحة والبراهين ساطعة لمن ينصف في قراءته وحكمه كما قلت أخي الكريم ولا أستغرب قلة الردود أبداً بل إنني سعيد أنّ المتابعين كثر والحمد لله على أمل أن يستفيدوا مما أنقل وأعتقد أنهم كذلك. باستثناء قلة قليلة هم الحاقدون الموتورون الذين لن ينفع معهم لا حجة ولا دليل لأن تعصبهم أعماهم وحقدهم تلبسهم وحسدهم قتلهم وهؤلاء لا شأن لنا معهم ولن نتعاطى وإياهم بل نقول أصلحهم الله وهداهم فإنه خير لنا ولهم...

            - منذ دخلت هذا المنتدى الكريم كما تعلم يا أخي كان هناك تهجّم وتعدي وفحش في التعبير نلنا منه الأذى والضرر ممّن لا يخافون الله وكنت أنت من يتصدى للجميع وكنت أراقب بعض المواضيع متجنبا التدخل ولكن لما طفح الكيل وجدت أنّه لا بد (على حسب الطاقة والقدرة) من توضيح بعض الأمور الغامضة على الأخوة من كثرة التشويش والتهويل الذي يُحاك حول العلويين على صفحات الأنترنيت وذلك رأفة بهم وبنا ورحمة لهم ولنا.. وتلاحظ الآن بعدما تبيّن للأخوة هنا ما كشفناه من الحقائق ووضعنا الصورة الصحيحة بمحلها نلقى بحمد الله كل إحترام وتوقف الرشق بالإتهامات وسرد المفتريات عبثا وجدلا وحتى أنّ القرّاء ابتعدوا عن المواضيع المكررة التي حاولت النيل منّا مجدداً ولم يُعيروها أي اهتمام يُذكر وكل هذا التغيير نعمة زائدة نشكر الله عليها ونسأله دوامها على أمل التقارب والتواصل والتحابب الدائم مع إخواننا في الدين من بقية هذه الأمة الإسلامية...

            - بالنسبة لدخول الحوار الشيعي فالأمر متروك للأخوة المشرفين وقد سبق أن تقدمت بطلب ولن ألحقه بآخر.. ولكن بكل الأحوال لما أنتهي من نقل هذا الكتاب كله -وعلى حسب وقتي الضيق- سأضع مواضيع منفردة تخص العلويين وسأنقلها من بعض الكتب التي بحوذتي والتي اعتدت أن أنقل منها في مواقع أخرى والأفضل لهذه المواضيع أن تكون مقروءة للجميع بدل أن تكون في الغرف المغلقة.. وسأركز في البداية على دفع الشبهات تماما كما كنت أفعل في منتديات ذو الفقار.. ولن آتي بشيء من خيالي بل ولن أجيب على ما لا علم لي به بل ما أجد جوابه في الكتب التي معي أجيب وغير ذلك فلا أتحمل مسؤولية الإجابة بالرأي والقياس إذ أنني لست إلا أحد الشباب الضعفاء المساكين من هذه الطائفة العلوية الكريمة ولا أمثل إلا نفسي ولست أهلاً للسؤال ولا كفؤاً له إلا أنني تجنبا لأي مطبات أعتمد الكلام الموثوق الذي صدر عن علمائنا الكرام الموثوقين في طائفتنا وهذا ما أراه الطريق السليم للتعريف بالعلويين (من لسان علمائهم وبإجماعهم لا من لسان المغرضين...)...

            - ولما أتمّم الموقع الذي أعمل عليه وهو طبعا أوسع وأشمل ويتضمّن الكثير من الفوائد والمعلومات التي تخص العلويين تاريخهم عقائدهم أدبهم سلوكهم اشعارهم... وذلك من الكتب الموثوق بها والمُجمع عليها عندنا ساعتها أظهره و يسهل على القرّاء الإنضمام للإطلاع بشكل شامل و موسّع متى شاؤوا وأحبوا وكثيرة هي المفاجآت السارة أتركها ولقتها إنشاءالله.

            هذه مراجعة بسيطة أحببت مشاركتكم بها فادعوا لنا بالتوفيق...
            والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
            صلوا على محمد وآل محمد...

            -------------------------------------------
            وأذكّر: البحثين القادمين حسب التسلسل مهمّين جداً فتابعوهما وفقكم الله لما فيه مرضاته:
            1- تخريجاً لأهم الأحاديث التي بسببها طعن الضعفاء بالشيخ (قده).
            2- أسباب نشوء القدح.

            تعليق


            • #51
              المشاركة الأصلية بواسطة أبو اسكندر
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
              شهر خير وبركات عليك أخي العزيز "ولايتي لابي تراب" واشكر لك مرورك الكريم:

              - لا شكر على واجب أخي العزيز ولكن اسمحلي أن أعيد الفضل لصاحبه, فما بذلته من جهد هنا لا مجال لمقارنته مع جهد من كتب وألف هذا الكتاب الذي أنهل منه "الشيخ الخصيبي قدوة مُثلى يُحتذى" فجلّ ما أقوم به هو النقل من الكتاب والنشر هنا (وهذا بعدما تشرّفت بإذن من المؤلف شخصياً أطال الله عمره الشريف) وكذلك فالفضل لك لأن الموضوع موضوعك وأنت من افتتحه وأنا بعد إذنك أكمله...

              - الحجج قوية والحقائق واضحة والبراهين ساطعة لمن ينصف في قراءته وحكمه كما قلت أخي الكريم ولا أستغرب قلة الردود أبداً بل إنني سعيد أنّ المتابعين كثر والحمد لله على أمل أن يستفيدوا مما أنقل وأعتقد أنهم كذلك. باستثناء قلة قليلة هم الحاقدون الموتورون الذين لن ينفع معهم لا حجة ولا دليل لأن تعصبهم أعماهم وحقدهم تلبسهم وحسدهم قتلهم وهؤلاء لا شأن لنا معهم ولن نتعاطى وإياهم بل نقول أصلحهم الله وهداهم فإنه خير لنا ولهم...

              - منذ دخلت هذا المنتدى الكريم كما تعلم يا أخي كان هناك تهجّم وتعدي وفحش في التعبير نلنا منه الأذى والضرر ممّن لا يخافون الله وكنت أنت من يتصدى للجميع وكنت أراقب بعض المواضيع متجنبا التدخل ولكن لما طفح الكيل وجدت أنّه لا بد (على حسب الطاقة والقدرة) من توضيح بعض الأمور الغامضة على الأخوة من كثرة التشويش والتهويل الذي يُحاك حول العلويين على صفحات الأنترنيت وذلك رأفة بهم وبنا ورحمة لهم ولنا.. وتلاحظ الآن بعدما تبيّن للأخوة هنا ما كشفناه من الحقائق ووضعنا الصورة الصحيحة بمحلها نلقى بحمد الله كل إحترام وتوقف الرشق بالإتهامات وسرد المفتريات عبثا وجدلا وحتى أنّ القرّاء ابتعدوا عن المواضيع المكررة التي حاولت النيل منّا مجدداً ولم يُعيروها أي اهتمام يُذكر وكل هذا التغيير نعمة زائدة نشكر الله عليها ونسأله دوامها على أمل التقارب والتواصل والتحابب الدائم مع إخواننا في الدين من بقية هذه الأمة الإسلامية...

              - بالنسبة لدخول الحوار الشيعي فالأمر متروك للأخوة المشرفين وقد سبق أن تقدمت بطلب ولن ألحقه بآخر.. ولكن بكل الأحوال لما أنتهي من نقل هذا الكتاب كله -وعلى حسب وقتي الضيق- سأضع مواضيع منفردة تخص العلويين وسأنقلها من بعض الكتب التي بحوذتي والتي اعتدت أن أنقل منها في مواقع أخرى والأفضل لهذه المواضيع أن تكون مقروءة للجميع بدل أن تكون في الغرف المغلقة.. وسأركز في البداية على دفع الشبهات تماما كما كنت أفعل في منتديات ذو الفقار.. ولن آتي بشيء من خيالي بل ولن أجيب على ما لا علم لي به بل ما أجد جوابه في الكتب التي معي أجيب وغير ذلك فلا أتحمل مسؤولية الإجابة بالرأي والقياس إذ أنني لست إلا أحد الشباب الضعفاء المساكين من هذه الطائفة العلوية الكريمة ولا أمثل إلا نفسي ولست أهلاً للسؤال ولا كفؤاً له إلا أنني تجنبا لأي مطبات أعتمد الكلام الموثوق الذي صدر عن علمائنا الكرام الموثوقين في طائفتنا وهذا ما أراه الطريق السليم للتعريف بالعلويين (من لسان علمائهم وبإجماعهم لا من لسان المغرضين...)...

              - ولما أتمّم الموقع الذي أعمل عليه وهو طبعا أوسع وأشمل ويتضمّن الكثير من الفوائد والمعلومات التي تخص العلويين تاريخهم عقائدهم أدبهم سلوكهم اشعارهم... وذلك من الكتب الموثوق بها والمُجمع عليها عندنا ساعتها أظهره و يسهل على القرّاء الإنضمام للإطلاع بشكل شامل و موسّع متى شاؤوا وأحبوا وكثيرة هي المفاجآت السارة أتركها ولقتها إنشاءالله.

              هذه مراجعة بسيطة أحببت مشاركتكم بها فادعوا لنا بالتوفيق...
              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
              صلوا على محمد وآل محمد...

              -------------------------------------------
              وأذكّر: البحثين القادمين حسب التسلسل مهمّين جداً فتابعوهما وفقكم الله لما فيه مرضاته:
              1- تخريجاً لأهم الأحاديث التي بسببها طعن الضعفاء بالشيخ (قده).
              2- أسباب نشوء القدح.
              بسم الله الرحمن الرحيم
              ان تواضعك اخي الكريم
              هو تواضع العلويين الخصيبيين
              الذي لا نلمسه
              إلا من انسان طاهر السريرة ومؤمن بهذه العقيدة الاثني عشرية العلوية
              اخي الكريم
              ان بعض ردودي لا ترتقي إلا مستوى اخلاقنا وتربيتنا
              ولا الى مستوى ديننا ومذهبنا
              لأن ردي كان على السبابيين
              هو سبهم
              والشتامين
              هو شتمهم
              وصغار العقول
              بما يناسب عقولهم
              وانا منذ سنتان تقريباً
              كنت بأنتظار شخص فاضل مثلك لكي يؤازرني ويسندني
              لذلك اخي الكريم
              بعد ان خفت الهجمة الشرسة
              من اخواننا الموالين علينا
              سأخذ بنصيحتك القيمة
              وان شاء الله ستكون كل ردودي من
              مصادر موثوقة
              مصادر علمائنا ومشايخنا الكرام
              جزاك الله كل خير
              والسلام عليكم

              تعليق


              • #52
                تخريجاً لأهمّ الأحاديث

                تخريجاً لأهم الأحاديث
                التي بسببها طعن الضعفاء بالشيخ الخصيبي (قده)


                قلنا في تمهيدنا لهذا الكتاب أن التشكيك براو من الرواة لغاية سلبية يُؤدّي في مطلق الأحيان الى إضعاف الرواية الصحيحة الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام، والمندرجة ضمن الأصول الواجب اعتقادها وعلى هذا الأساس الثابت أقول:

                إنّ من أهم الأحاديث وأبرزها والتي بسببها طعن الضعفاء بالشيخ ق حديث الرجعة المروي بالأسانيد الصحيحة والمعتبرة عن الامام جعفر الصادق(ع).

                مع العلم بأن الشيخ لم ينفرد برواية هذا الحديث، بل رواه كثيرون من أهل العلم والفقه في موسوعاتهم ومصنفاتهم وذلك اثباتاً للرجعة التي تُعتبر من ضروريات المذهب، والتي أجمعت الثقاة على ثبوتها في جميع الأعصار، وقد اكتفيت بهذا الحديث حصراً دون سواه لدقته وشموليته ولأنه يتناول أهم القضايا وأجلّها، ومن خلالها تتميز الرجال ( من حيث القوة والضعف، والوثاقة وعدمها )، وأن الناقدين حملوا على الشيخ من خلال هذا الحديث دون سواه من العلماء وهو أمر يدعو الى الاستغراب, وراحوا يطلقون عليه التهم جزافاً، وقد قلّدهم على ذلك في الآونة الأخيرة السيد هاشم معروف الحسني في كتابه ( الموضوعات في الآثار والأخبار ) حيث يقول من بعد اعتباره أن هذا الحديث:
                ( من موضوعات الغلاة، أو الزنادقة الذين دسّوا آلاف الأحاديث في أخبار جعفر بن محمد الصادق (ع) لتشويه وجه التشيع الناصع بمثل هذه الخرافات التي لا تقبلها العقول، ولا تنسجم مع مبادىء الاسلام وأهدافه الرفيعة السامية). (1)



                ثم قال: (من المتفق عليه أن محمداً بن نصير من الغلاة الكذّابين). (2)

                وقال أيضاً: ( وقد اشتمل سند الرواية بالاضافة الى المفضل على عمر بن الفرات، والحسين بن حمدان، وهما من الغلاة الكذّابين الذين لا يوثق بهم ولا يعُتمد على مرويّاتهم).

                وقال: ( واتفق المؤرخون في الرجال على أن الحسين بن حمدان كذّاب صاحب مقالة فاسدة ملعون لا يلتفت اليه على حد تعبيرهم ).

                وهنا أقول باختصار معقول
                ردّاّ على هذا الكلام المعلول والخارج عن الآداب والأصول:


                أولاً:
                إنّ هذا الحديث الذي اعتبره من موضوعات الغلاة والزنادقة قد أثبته العلماء الثقات في مصنفاتهم المختصرة، وموسوعاتهم الكبرى، كصاحب بحار الأنوار العلامة المجلسي حيث يقول متحدّثاً عن الرجعة:
                (أجمعت الشيعة على ثبوت الرجعة في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار، حتى نظموها في أشعارهم، واحتجوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم، وشنّع المخالفون عليهم في ذلك وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم، منهم الرازي والنيسابوري وغيرهما وكيف يشك مؤمن بحقيّة الأئمة الأطهار فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح، رواها نيّفاً وأربعون من الثقاة العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم، كثقة الاسلام الكليني، والصدوق محمد بن بابويه، والشيخ أبي جعفر الطوسي، والسيد المرتضى، والنجاشي، والكشي والعياشي، وعلي بن ابراهيم، وسليم الهلالي، والشيخ المفيد، والكراجكي، والنعماني، والصفار، وسعد بن عبدالله، وابن قولويه، وعلي بن عبد الحميد، والسيد علي بن طاوس، وولده صاحب كتاب زوائد الفوائد، ومحمد بن علي بن ابراهيم، وفرات بن ابراهيم، ومؤلف كتاب التنزيل والتحريف، وأبي الفضل الطبرسي، وابراهيم بن محمد الثقفي، ومحمد بن العباس بن مروان، والبرقي، وابن شهر أشوب، والحسن بن سليمان،والقطب الراوندي، والعلامة الحلي، والسيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم، وأحمد بن داود بن سعيد، والحسن بن علي بن أبي حمزة، والفضل بن شاذان، والشيخ الشهيد محمد بن مكي، والحسين بن حمدان، والحسن بن محمد بن حمهور، والحسن بن محبوب، وجعفر بن محمد بن مالك الكوفي، وطاهر بن عبدالله، وشاذان بن جبرائيل، ومؤلف الكتاب العتيق، ومؤلف كتاب الخطب، وغيرهم من مؤلفي الكتب التي عندنا ولم نعرف مؤلفهم على التعيين (3).
                واذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء يكون دعوى التواتر مع ما روته كافة الشيعة خلفاً عن سلف، وظني أن من يشك في أمثالها فهو شاك في أئمة الدين ولا يمكنه اظهار ذلك من بين المؤمنين، فيُحتال في تخريب الملة القويمة بإلقاء ما يتسارع اليه عقول المستضعفين من استبعادات المتفلسفين وتشكيكات الملحدين ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). انتهى.

                وبعد أن أتى على ذكر هؤلاء الأعلام الذين أوردوا أحاديثاً تثبت الرجعة نقل حديث المفضل بسنده عن الشيخ الخصيبي واعتمده كمصدر موثوق في اثباتها، وكذلك رواه عنه صاحب كتاب العوالم بكليته، وقال العلامة عبدالله شبر في كتابه ( حق اليقين في معرفة أصول الدين ):
                (روى الشيخ حسن بن سلمان في منتخب البصائر باسناد معتبر وغيره عن المفضل بن عمر عن الصادق في حديث طويل في ظهور القائم وكيفيته وعلامته)، ثم ذكر جزءاً من الحديث الذي رواه الخصيبي في الهداية، وأراد بالاسناد المعتبر الخصيبي والرجال الذين روى عنهم كمحمد بن اسماعيل وعلي بن عبدالله الحسنيان وأبي شعيب وعمر بن الفرات ومحمد بن المفضل والمفضل بن عمر.
                وروى هذا الحديث أيضاً صاحب كتاب "الدمعة الساكبة" البهبهاني (4) ورواه كثيرون غير الذين ذكرناهم، اذاً فلا اعتبار لما قاله السيد الحسني ومن نقل عنهم مع احترامنا لأهل العلم والدراية.



                ثانياً:
                كنا نتمنى أن يُقدّم لنا دليلاً مقبولاً ومعقولاً على قوله: (ومن المتفق عليه أن محمداً بن نصير النميري من الغلاة الكذّابين).

                - فمتى جرى هذا الاتفاق ؟
                - ومن هم المتفقون ؟
                - وما هي قيمتهم التي تؤهلهم للطعن بالرجال ؟
                - وما هي أدلتهم على غلوّه وكذبه ؟
                - وما مقامهم أمام رفيع شأنه الذي اكتسبه من أئمته ؟

                وردّنا على هذا الادّعاء الظالم يتجلّى بقول العلامة الشيخ جعفر السبحاني حيث يقول (في معرض حديثه عن السيد أبي شعيب):
                ما ورد من النسب في هذا الكلام ( يقصد بذلك كلام النوبختي والكشي والأشعري والبغدادي والطوسي والأسفرياني وابن أبي الحديد، والشهرستاني والحلي ) مما يستبعده العقل جدّاً، اذ كيف يُمكن أن يتبنّى أحد في حاضرة الخلافة الاسلامية هذه المنكرات التي لا


                يرتضيها أي انسان ساذج ؟ ولو كان داعياً الى هذه الأمور في أجواء نائية بعيدة ربما يسهل تصديقه ).

                وقال أيضاً:
                (الحق أن يُقال أن ابن نصير شخصية قلقة يكتنفها كثير من الغموض،
                فتارة يعدّونه من أفاضل أهل البصرة علماً وأنه ضعيف (المامقاني في تنقيح المقال )،
                وأخرى من أصحاب الامام الجواد ع (الطوسي )،
                وأخرى أنه من أصحاب الامام العسكري ع وأنه غالٍ (الطوسي)،
                وطوراً عدّوه فهرياً بصرياً مع أن هذين لا يجتمعان (الكشي),
                وأخيراًتحيّروا في أمرهذا الرجل ووضعوا اسمه في قائمة المشتركات ( المامقاني - تنقيح المقال ).

                فلو نظرنا الى هذه المتناقضات الغريبة والمتضادات العجيبة التي لا تخلو من غايات لتبين لنا بأن ما نُسِجَ حوله من الأقوال المُغرضة لا حقيقة لها، فكيف يتفق أن يكون من أصحاب الامامين العسكريين وفي نفس الوقت مُغالياً فيهما أو في أحداهما ؟

                ثم لو نظرنا نظرة ثانية بامعان الى ما قاله الشيخ السبحاني في أصحاب كتب الرجال من أنهم تحيروا في أمره، لصرفنا أنظارنا وأسماعنا عن حيرتهم التي تورث التعب وعُدنا بعقولنا ونفوسنا وقلوبنا الى إيماننا ويقيننا ودقة تحقيقنا الذي يوضح لنا بالأدلة النقلية والعقلية بأن السيد محمد بن نصير النميري المعروف بأبي شعيب من الثقات الأمناء والأصحاب النجباء الذين ما حادوا عن نهج أئمتهم قيد أنملة، وهو من رواة الأحاديث الصحيحة عن أهل العصمة، ومن أفاضل عصره وأساطين دهره، وكان كما هو معروف من جلساء الامامين العسكريين عليهما السلام، وباباً للإمام الحسن ووكيلاً للمهدي المنتظر عجّل الله فرج المؤمنين بظهوره.
                وان ما تعرّض له من الطعن والقدح تارة، والاتهام بالغلو واباحة المحارم طوراً فما ذلك الا حسد من مناوئيه ومنافسيه، وتعصب من مبغضيه، وان هذه المثالب الصادرة لا قيمة لها عند المحققين المنصفين، المدركين لعللها وأسبابها، والعارفين خلفياتها وغاياتها، وان ما رواه بعض الكتّاب من أن الامام لعنه وتبرّء منه فحديث موضوع لا يطمأن اليه ولا يوثق فيه ولا براويه، فأهل العصمة عليهم السلام أدرى وأعرف بجلسائهم من غيرهم (5) وإن تلك الحقبة الزمانية قد شابها الكثير من الغموض مما أدّى إلى وصول الكثير من المتناقضات التي تسقط بكليتها أمام مجهر الحقيقة.

                وأرى أنه من المفيد أن أنقل جواب المغفور له العالم الدكتور الشيخ علي سليمان الأحمد ق على سؤال محرّر جريدة الديار الأستاذ نبيل فياض، بخصوص السيد أبي شعيب (رض)، قال رحمه الله تعالى:
                (أما أبو شعيب فحقاً إن الأقوال عنه قليلة ومتضاربة ولكن يسهُل فهم علّة ذلك ودون أن يلحق قدره أي إنتقاص بالقليل من التفكير بأحوال أئمة أهل البيت في زمنه فقد كانوا عليهم السلام حينما تكتفي السلطات الحاكمة بالإغضاء عنهم موضع حذرٍ ورقابة شديدين ولكن ذلك لم يمنع لما كان لهم من المكانة الرفيعة والمحتد الكريم أن يكونوا مصدر إشعاع روحي ومادي كبيرين ومحط رحال تجتمع الناس حولهم أشتاتا من الولي الحميم حتى المتجسس عليهم فصنفوا فئاتٍ ثلاث عامة وخاصة وخاص الخواص وكل فئة كان يخرج إليهم من علمهم على قـدر منـازلهم.


                وإن مشايعيهم كانوا هم أيضاً موضع إسترابة ورقابة، وكم لحق من الأذى ببعضهم ما لحق وكم يروي لنا التاريخ من حكاية عن سجن بعض واستصفاء أموال بعض إلى قتل آخرين فنتج عن ذلك تنوع في أحاديثهم تبعاً لنوع الفئة المخاطبة بل أنهم طردوا من حضرتهم خلّصاً كي يصرفوا عنهم أذى السلطان وليس دائماً عن قِلَى كما يطيب للبعداء والأخصام القول. بدليل أنهم جميعاً يروون عنهم (لا تلعنوا بلعنتنا) ولا داعي للإسهاب فذلك ثمرة واقع المجتمع يضاف لذلك ما فُطِرَتْ عليه الطبائع من التحاسد والغيرة التي في النفوس التي لم تتطهر، فلا غروَ إذاً إن تضاربت أقوال أصحابهم ببعضهم بعضاً وذرّ بينهم الخصام وجرى لهم ما يجري على الناس.
                أما مردّ قلة الأخبار عنه بما لا يتناسب مع مكانته فالأحرى إرجاع ذلك إلى خمول الفترة وقلة الموارد عن هذه الحقبة وأيضاً إلى قلة المنقبين عن أخبارها.
                ومع ذلك فلدينا ما يكفي للتدليل على عظيم مكانته عند الإمام الحسن الآخر فهذا بحار الأنوار الذي يجمع كل ما قيل فيه من خير وشر يورد خبراً يلقم كل ما يأفكون لمن يتأمله وذلك أنه (عندما يظهر المهدي فسيكون محمد بن نصير بابه). وكفى بذلك تنويهاً بعظيم قدره واطمئناناً لموثّقيه بصحة مستندهم) (6).

                ومسك الأدلة وأنقاها، وأدقها وأقواها على وثاقة السيد أبي شعيب محمد بن نصير هو توثيق الخصيبي له، ونقله عنه. فالثّقة هو الذي يوثق الرجال لعلمه بأحوالهم وأخبارهم، وفحصه لعلومهم وأقوالهم، أما الضعفاء فهم يحكمون على الشخص من خلال ضعفهم وقلة علمهم.



                ثالثاً:
                إنّ طعنه بالمفضل بن عمر وعمر بن الفرات والشيخ الخصيبي لا يُعبّأ به ولا يُلتفت إليه، وهو يفتقر إلى الدليل كما أنه فيه الجرأة المبالغة على أصحاب الأئمة وثقاتهم، وإن طرح الكلام على عواهنه يدل على ضعف المتكلم.

                - فالمفضل بن عمر كان باباً للإمام جعفر الصادق (ع) كما ذكر ذلك صاحب كتاب "كاشف الغمة في تاريخ الأئمة" الميرزا محمد بن محمد رضا بن اسماعيل بن جمال الدين القمي وصاحب كتاب "مصباح الكفعمي" تقي الدين ابراهيم بن علي بن الحسن العاملي الكفعمي وصاحب كتاب "تاريخ الأئمة" الشيخ الأقدم إبن أبي الثلج البغدادي.

                وقال السيد محمد صادق بحر العلوم في هامش ترجمته من ( الفهرست ص 201) للطوسي:
                ( وعَدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام).

                وفي كتاب "الغيبة": (من قوام الأئمة عليهم السلام، وأنه كان محموداً عندهم، ومضى على منهاجهم).

                وصرّح الشيخ المفيد في "الإرشاد" بأنه (ممن روى النص عن أبي عبدالله الصادق على إبنه أبي الحسن موسى عليهما السلام، قال أنه من شيوخ أصحاب أبي عبدالله (ع)، وخاصته، وبطانته، وثقات الفقهاء الصالحين).

                وفي "الكافي" بسنده عن يوسف بن ظبيان قال قلت لأبي عبدالله (ع) : ألا تنهي هذين الرجلين عن هذا الرجل.
                فقال: من هذا الرجل ومن هذان الرجلان؟
                قلت: ألا تنهي حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة عن المفضل بن عمر.
                فقال: يا يونس قد سألتهما أن يكفا عنه فلم يفعلا, فدعوتهما وسألتهما وكتبت إليهما وجعلته حاجتي إليهما فلم يكفا عنه, فلا غفر الله لهما فوالله لكثير غرة أصدق في مودته منهما فيما ينتحلان من مودتي حيث يقول: ألا زعمت بالغيب إلا أحبها إذا أنا لم يكرم على كريمها.
                أما والله لو أحباني لأحبا من أحب.

                وفي "الكشي" في ترجمة المفضل أيضاً بسنده عن بشير الدهان قال قال أبو عبدالله (ع) لمحمد بن بكير الثقفي: ما تقول في مفضل بن عمر؟
                قال: ما عسيت أن أقول فيه لو رأيت في عنقه صليباً وفي وسطه صليباً لعلمت أنه على الحق بعدما سمعتك تقول فيه ما تقول.
                قال: رحمه الله كان حجر بن زائدة وعامر بن جذاعه أتياني فشتماه عندي فقلت لهما لا تفعلا فإني أهواه فلم يقبلا, فسألتهما وأخبرتهما أن الكف عنه حاجتي فلم يقبلا, فلا غفر الله لهما أما أني لو كرهت عليهما لكرم عليهما من يكرم علي ولقد كان كثير غرة في مودته لها أصدق منهما في مودتهما، حيث يقول:
                لقد علمت بالغيب أني أخونها إذا هي لم يكرم عليّ كريمها
                أما أني لو كرمت عليـهمـا لكرم عليهما من يكرم عليّ.


                - أما عمر بن الفرات فقد جاء في "مصباح الكفعمي" بأنه كان باب الإمام علي الرضا (ع).

                وفي "الفصول المهمة" للميرزا محمد القمى، وتاريخ الأئمة لابن أبي الثلج أوضحا بأنه باب للإمام محمد الجواد (ع).


                - أما الخصيبي فقد إعترف بوثاقته من يثق به السيد هاشم الحسني، وهو السيد محسن الأمين العاملي في أعيانه، وقد أتينا على ذكر ذلك فيما مضى من القول، فحينما طعن السيد الحسني برجب البرسي إعتمد في ذلك على صاحب الأعيان، واعتبره بأنه أول من وضع البرسي في قفص الإتهام وحذّر من إقتناء كتابه وقراءته، وتأسف ايضاً لتهجم السيد الأميني صاحب موسوعة الغدير على السيد الأمين العاملي بسبب الشيخ البرسي، وعلى هذا أقول:

                - هل قرأ السيد الحسني ما قاله ثقته الأمين في الخصيبي، ودفاعه عنه؟
                - ولماذا لم يعتمد عليه من حيث توثيقه للخصيبي كما اعتمد عليه من حيث تضعيفه للبرسي؟.
                - أم أنه يأخذ عنه ما يراه، ويترك ما لا ينسجم مع هواه!!.

                أما قوله عنه: (أنه من الغلاة الكذابين الذين لا يوثق بهم ولا يعتمد على مروياتهم).
                فجوابنا هو أننا لاحظنا وقرأنا عكس ذلك كلياً من حيث إعتماد الكثير من أصحاب الموسوعات على رواياته، وقد أتينا على ذكر بعضهم.(7)

                أما من حيث الوثاقة فنحيله إلى:
                التلعكبري،
                وصاحب الرياض قديماً،
                والسيد محسن الأمين
                والشيخ جعفر السبحاني حديثاً، وإلى كتابه الهداية الكبرى الذي رواه بكليته الثقات، واعتمده أهل العلم والمعرفة، وإن التشكيك بما جاء فيه من الأخبار هو تشكيك بفضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام.

                أما قوله: (إن الرجال اتفقوا على أنه كذاب صاحب مقالة فاسدة ملعون لا يلتفت إليه).
                فجوابنا على هذا الإسراف في البغض هو قولنا:
                بأن إتهام الشيخ بالكذب هو إتهام مباشر لكل من روى عنه، وروي عنهم، وهذا أمر لا يقبله عاقل مقر بولاء أهل العصمة عليهم السلام، فالكذاب عند العلماء المحققين والفقهاء المدققين هو الذي يُكذب الأحاديث الصادقة، والناطقة بفضائل الأئمة عليهم السلام.

                أما القول بـ (أنّ الجميع اتفقوا على تكذيبه).
                فكلام مبالغ فيه والوقائع وشهادات العلماء تدحضه وتنفيه، وقد قلنا وأثبتنا بأن الكثيرين من العلماء وثقوه وصدقوه، ورووا عنه واعتمدوه، وهذا غير خاف على المطّلعين على مراجع القوم.

                وأما (مقالته التي نعتها بالفاسدة) من حيث لا يدري.
                فهي الإقرار بالشهادتين والعمل بأحكام الدين الإسلامي من أصول عقائدية وفروع فقهية، والتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولاية أهل البيت عليهم السلام والقول بعصمتهم المثبتة في كتاب الله وتصديق معاجزهم التي رواها عن الأمناء، واليقين الثابت والإيمان الراسخ بأنهم الخلفاء الشرعيون لصاحب الرسالة الغراء، والتعبد وفق مذهبهم المأخوذ عن أبيهم أمير المؤمنين (ع) عن جدهم صلى الله عليه وآله وسلم.
                هذه المقالة الحقة والعقيدة المحقة هي محض اعتقاده وما ينطوي عليه فؤاده وبها نجاته ونجاة مقلديه، فلو أن السيد هاشم الحسني بحث عن الحقيقة بتجرد وطرح التقليد جانباً لقرأ هذه العقيدة في هداية الشيخ، ولما تجرأ على تكفير أعلام الولاية.

                أما القول (أنه ملعون).
                فهذا النعت لا يُسيء إلا إلى مُطلقيه لأنه يتنافى مع آداب الأئمة المعصومين، والمتمسكين بولائهم، وكنا نتمنى لو أن هذا السيد تنبه لما قاله وعلّق عليه حول قضية الشتم (حيث أنه اعتبر نفسه ضدها وضد مطلقيها) لما كان أقدم على نقل هذه العبارات التي أطلقها البعض على الشيخ، قال:
                (أما التشفي بالسب والشتم الذي يلجأ إليه الحمقى من الناس أحياناً فليس من شأنهم ولا من أخلاقهم ولم يرض علي ع لشيعته ومُحبيه أن يستعملوه مع معاوية الذي أسرّ الشرك وأظهر الإسلام، فكيف يرضاه الإمام الصادق لمن هو أطهر من معاوية وأمثاله بعشرات المرات.)
                وهنا أقول أن الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يرضوا من محبيهم أن يشتموا مبغضيهم فكيف يرضون منهم شتم محبيهم المتمسكين بولائهم؟!.

                أما القول: (أنه لا يلتفت إليه…)
                فنحن لا نطلب من أحد ذلك، ولا يهمنا إن إلتفت البعض إليه، أو إلى معاديه، بل ما نطلبه من الآخرين أن يتأدبوا بآداب أهل العصمة ويتخلقوا بأخلاقهم التي تأبى الشتم والقذف، ويكفي أن نلتفت نحن إليه ألتفاتاً كلياً ولنا في ذلك الشرف الأسمى إذ أنه فوق شبهات المغرضين وتخرصات المتقولين وطعونات الحاسدين، فهو:
                من كبار أساطين الشريعة، ونخبة أعلام الشيعة، والمجتهدين في استنباط الأحكام البديعة، ما حاد عن نهجهم الباسق، ولا قصد غير بابهم الواثق، ولا شرب إلا من غديرهم، الدافق ولا استضاء إلا بمصباح علمهم البارق.
                فكل ما قيل من السوء فيه فهو تدليس من مناوئيه وحسد من بعض مُعاصريه وجَهل من مُبغضيه وفي كل الأحوال فهو عائد إلى قائليه.

                ونكتفي بهذا القدر من الرد على هذه المفتريات ولو أردنا الإسهاب في ذلك لاقتضى الأمر إلى وضع كتاب بهذا الخصوص أضعاف كتابنا هذا.

                وأختم هذا الفصل بجواب العالم الدكتور الشيخ علي سليمان الأحمد ق على سؤال الأستاذ نبيل فياض:
                قال متحدثاً عن الخصيبي:
                (وهو أيضاً قد كثر الخبط في أخباره إبتداءً من تصحيف اسمه في المراجع، إلى نعته بذي المذهب الفاسد أحياناً لكن من الثابت أيضاً أنه في عداد شيوخ أعلام مجمع على وثاقتهم كالتلعكبري مثلاً.
                وقد روى عن الثقات وروى الثقات عنه وهذا مما يجعله عدلاً وثقة وحسب ميزان الرجال. وأما إطلاقك القول بأنهم كانوا يقولون عنه في المصادر الشيعية أنه صاحب مذهب فاسد مستشهداً بكتاب أعيان الشيعة فقول ظالم مرتين ظالم له مرة وظالم لصاحب أعيان الشيعة مرة أخرى.
                أما أنك ظالم له فلأن هذا الإطلاق معلول ويكاد ينحصر بمؤلف واحد إسمه الغضائري والذي يقيّمه صاحب أعيان الشيعة "لم يسلم منه أحد لذلك لم يعتن العلماء بذمومه".
                وأما أنك ظالم ومتجنٍ على صاحب أعيان الشيعة فلأنه على العكس مما توحي به واضح الميل إلى توثيقه بإثبات رواية التلعكبري عنه واستجازته. وقوله لم يقدح فيه الشيخ وثناء صاحب الرياض عليه بقوله (فاضل عالم محدث)، ورواية أبو العباس بن عقدة عنه وثناؤه عليه ثم ذكرُه لما قيل من أنه كان يؤم سيف الدولة وكأنه في معرض الدفاع عنه والرد على أخصامه حيث يقول: "والقدماء كانوا يقدحون بفساد المذهب والتخليط لأشياء كانوا يرونها غلواً وهي ليست كذلك" وقوله "لا غرابة في افتراء هؤلاء النسب الباطلة إلى العلماء" فمن يصبح عندك الأحق بالذم حسب ما جاء في أعيان الشيعة أهو أم الفضائري.
                ألا ترى معي بأنه لا ينقص هذا العرض إلى الدعوة لأن ننشد بحق الغضائري قول المتنبي:
                وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ = فهي الشهادة لي بأني كاملُ
                ما لنا ولكل هذا فلسنا مطالبين بالحكم على مكنون الضمائر بل يكفي لما نحن فيه أن نعلم بأنه من الورثة الروحيين للسيد أبي شعيب حتى يُصبح عُرضةً ولنفس الأسباب لكل الإتهامات والتّقولات التي تجرها هذه الوراثة خصوصاً وأنه بعد غيبة الإمام احتفظت كل فئات أصحابه بخلافاتها وتحاسدها واستمرت بذلك) (انتهى).

                والفقير لله يقول ويؤكد: بأن السبب الأساسي والعامل الأبرز الذي دفع بعض المصنفين كالنجاشي والغضائري وغيرهما إلى الطعن بالشيخ الخصيبي ق هو ثقته التامّة بالسيد أبي شعيب (رض) ونقله عنه وقوله ببابيته ولولا ذلك لصنّفوه في أرفع درجات الوثاقة والفضل، ولأطنبوا في مدحه والثناء عليه أضعاف ما قالوا في غيره، وفي هذا كفاية لذي عقل وإنصاف.


                ---------------------------------------------------------------------------------

                (1) الموضوعات في الآثار والأخبار - عرض ودراسة: هاشم معروف الحسيني ص 193.

                (2) سبب قوله هذا ما جاء في الحديث بأن الامام الحجة - يخرج أمره الى ثقاته ووكلائه ويقعد ببابه محمد بن نصير في غيبته، وأعتقد أيضاً بأن هذا هو السبب المباشر لطعنه بهذه الرواية.

                (3) كل هؤلاء العلماء رووا أحاديثاً صحيحة عن المعصومين في اثبات الرجعة، وبعضهم روى عين الحديث الموجود في الهداية باختلاف بسيط في الألفاظ وبعضهم نقل الحديث وأسنده الى الشيخ، وبهذا تسقط مقولة الحسني بقوله ( متحدثاً عن المفضل وابن الفرات والخصيبي ) بأنهم لا يوثق بهم ولا يعتمد على مروياتهم. ولا أعتقد بأن أمثال هؤلاء العلماء ينقلون عن الغلاة والمتهمين.

                (4) أورد العالم المحقق محمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني المتوفي سنة 285هـ في كتابه "الدمعة الساكبة" أسماء المصادر التي اعتمدها وأسماء مؤلفيها فبلغت مائة وثمانين كتاباً ومن جملتها الهداية الكبرى للشيخ الثقة الأجل الحسين بن حمدان التي جاء ترتيبها التاسع عشر وقال في معرض حديثه عنها وعن مؤلفها ما يلي:
                "وكتاب الهداية الكبرى في تاريخ النبي والأئمة ومعجزاتهم عليهم السلام للشيخ أبي عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلائي وهو مشتمل على أخبار كثيرة في الفضائل، لكن غمز عنه بعض أصحاب الرجال، وروى عنه التلعكبري على ما في كتاب الرجال للسيد الأمير مصطفى ورجال المتوسط للميرزا أحمد، وقد عثرنا على أحد عشر كرّاساً له أيضاً، واحد منها في شطر من أحوال الامام الحادي عشر ومنها في أحوال الخلف الثاني عشر، وكيفية ظهوره، ورجعة النبي وأمير المؤمنين وأوصيائه عليهم السلام برواية مفضل بن عمر الطويلة الآتية انشاء الله في آخر المجلد الرابع من هذا الكتاب، وثلاثة منها في أحوال اثنا عشر رجلاً هم ابواب الأئمة الاثني عشر، وأظن أن هذه الكراريس تكملة للهداية وجزء ثاني منها، فانه قد كتب في آخرها تم الجزء الثاني. على أن أصحاب الرجال لم يذكروا للحسين بن حمدان في تاريخ النبي والأئمة الا كتاباً واحداً فالظن أنها تتمة الهداية". البهبهاني.

                (5) قال العلامة المجلسي في بحاره: (كيف يكون من أصحاب الأئمة عليهم السلام رجل فاسد المذهب كذاب غال مع أنهم كانوا متوسمين يعرفون كلا بسيماه وحليته وسريرته).

                (6) العالم الدكتور الشيخ علي سليمان الأحمد ق.

                (7) من يراجع كتاب "الدمعة الساكبة" للمحقق البهبهاني يجد أنه نقل أكثر من ثلث كتاب الهداية الكبرى فليراجع.

                -----------------------------------------------------------------------------------

                تعليق


                • #53
                  مراجعة

                  المشاركة الأصلية بواسطة ولايتي لابي تراب
                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  ان تواضعك اخي الكريم
                  هو تواضع العلويين الخصيبيين
                  الذي لا نلمسه
                  إلا من انسان طاهر السريرة ومؤمن بهذه العقيدة الاثني عشرية العلوية
                  اخي الكريم
                  ان بعض ردودي لا ترتقي إلا مستوى اخلاقنا وتربيتنا
                  ولا الى مستوى ديننا ومذهبنا
                  لأن ردي كان على السبابيين
                  هو سبهم
                  والشتامين
                  هو شتمهم
                  وصغار العقول
                  بما يناسب عقولهم
                  وانا منذ سنتان تقريباً
                  كنت بأنتظار شخص فاضل مثلك لكي يؤازرني ويسندني
                  لذلك اخي الكريم
                  بعد ان خفت الهجمة الشرسة
                  من اخواننا الموالين علينا
                  سأخذ بنصيحتك القيمة
                  وان شاء الله ستكون كل ردودي من
                  مصادر موثوقة
                  مصادر علمائنا ومشايخنا الكرام
                  جزاك الله كل خير
                  والسلام عليكم
                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                  أخي الكريم ولايتي لابي تراب قد أخجلتني بلطفك وغمرتني بإحسانك وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني عند حسن ظنّك الطيب بي..
                  وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ

                  قد لاحظت أخي الكريم أنّ لك بعض الردود التي لم أتمناها لك وقد أحزنني رؤيتها مع علمي ويقيني بما كنت تتعرض له وما كان دافعك إلا الغيرة على كرامتك وعرضك ودينك وأهلك حيث لم يترك السفهاء شيئا لم ينالوا منه ولكن بكل الأحوال أخي العزيز فلنترفّع عن مجادلة من لا يخاف الله بل دعهم في طغيانهم يعمهون وقد نلنا عبر التاريخ الكثير الكثير الكثير من المظالم... فلم يؤثر بنقائنا وصفاوتنا وأصلنا وولائنا بل بالعكس ازددنا تمسكا وحبا بمحمد وآله وفي حبهم لا نبالي بما في الدنيا كلها من ويلات ومصائب وموعدنا وإياهم يوم الحساب والأمر يومئذ لمالك الرقاب سبحانه وتعالى...
                  وأشجعك على ما نويت عليه من الأخذ بالنصيحة فذلك الطريق الأسلم والإعتراف بالخطأ فضيلة أيها الأخ الفاضل...


                  لا بدّ أنّك والأخوة المتابعين الكرام قرأتم البحث السابق ( تخريجاً لأهمّ الأحاديث) الغني بالفوائد..
                  وهنا أحبّ أن أذكّر بما سبق أن وعدت به في موضوع حيدرة بشار الاسد قبل أن أتفاجأ وقتها بحذف الموضوع من أساسه وآخر تعليق فيه اضطررت الرد عليه في قسم الشكاوى موضوع أين موضوع ((حيدرة بشار الأسد))؟؟!! حيث تكرّم علينا المشرفون وقتها بإعادة حيدرة بشار الاسد ولكن بشكل مقفل كما وتم أيضاً إقفال أين موضوع ((حيدرة بشار الأسد))؟؟!! فعدت مجدداً لأستفسر عن سبب الإقفال وطلبت دمج الموضوعين أعلاه لترابطهما فكان موضوعي اللاحق ((حيدرة بشار الأسد)) للمرة الأخيرة. ولم ألقى جوابا مقنعاً ولم يتم الدمج وأقفل هذا الموضوع أيضا!!!
                  فألحقتهم بعد فترة بـ موضوع مُغلق ...

                  ما دعاني الآن للتذكير بهذا كلّه أنني وقتها وعدت ببحث عن السيد أبي شعيب محمد بن نصير مدار الحديث في ذلك الموضوع وكنت أنوي انتقاءه من الكتاب الذي بين أيدينا "الشيخ الخصيبي قدوة مُثلى يُحتذى" وبالتحديد من هذين البحثين: (تخريجاً لأهمّ الأحاديث) المنشور أعلاه والبحث القادم بإذن الله تعالى (أسباب نشوء القدح) فها أنا أنجز وعدي بحول الله وقوته ولم أتهرّب كما تم الإدعاء بـ:
                  ((((( اعتقد ان الموضوع انتهى بالتزام ابواسكندر الصمت وانكشاف العجز عن الرد العلمي على ماطرح من ادلة لاعلم له بها!
                  وقد فهمت منذ البدء ان القصد كان بمثابة اعلان او دعاية للنصيرية لااكثر لكن الطرح لم يكن موفقا
                  ))))).


                  تابعوا معنا (أسباب نشوء القدح) وما التوفيق إلا بالله عليه توكلنا وبه المستعان ربنا يسّر...
                  وصلوا على محمد وآل محمد...

                  تعليق


                  • #54
                    أسباب نشوء القدح

                    أسباب نشوء القدح


                    كما هو معروف بالدليل المنقول والمعقول بأن لكل شيء سبباً، وان المرء عدو ما جهل، وبالنتيجة فإن السبب المباشر في نشوء القدح ببعض الثقات هو الجهل بمضامين رواياتهم التي أدلوا بها نقلاً عن أئمتهم عليهم السلام.

                    هذه الروايات الصحيحة التي دقّ فهمها على الكثيرين كانت العامل الأساسي في الطعن بمن رواها، إذ أن الطاعن إتهم الراوي بوضعها واختلاقها لإثبات عقيدته التي يعتقدها، وما درى ذلك الغافل بأن طعنه هذا إنما هو ناتج عن قصور فهمه في ما يجب اعتقاده، فنشأ عن ذلك تكفيراً للأمناء الأبرار،وتكذيباً واسقاطاً للكثير من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار والتي تكتظّ بها متون الأسفار.

                    فالخلاف إذا ناتج حول ما يجوز في حق الأئمة وما لا يجوز.

                    والعلماء انقسمو في ذلك ما بينَ وبين، فراح كل طرف يلصق بالثاني ما يشاء ويختار:
                    - فمن قال بمعاجز الأئمة الأطهار صنَّف منكريها بالتقصير وقلة الدراية والإنكار.
                    - ومن استعظم بعضها ولم يتقبلها اتهم مصدّقيها بالغلو والوضع والاكثار.
                    فنشأ عن هذا الجدال العقائدي تهمتين، هما:
                    - تهمة الرمي بالغلو.
                    - تهمة الرمي بالتقصير.

                    فالأولى وجودها ذهنياً خيالياً ظنياً أصحابها قوم آمنوا وصدقوا بما جاء عن الأئمة المعصومين فأُلبِسوا ظلماً ثوب الغلو.

                    والثانية وجودها حقيقياً واقعياً أصحابها قوم عجزوا عن تصديق ما جاء عن الأئمة المعصومين فارتدوا بأنفسهم ثوب التقصير.

                    وراح كلاً منهما يُزيل عن نفسه وصمَة الثاني بحُجَجهِ وأدلته فامتلأت كتب الرجال بالتضعيف والتشكيك والتجهيل والرمي بالغلو والإتهام بالمنكرات لقوم، وبالتوثيق والمدح والتعظيم لآخرين إلى ما هنالك مما لا يحصى...

                    وما يزيد الأمر وضوحاً وجلاءً ما رواه شيخُ القميين وثقتهم أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل عن جابر قال:
                    قال أبو جعفر (ع) قال رسول الله :
                    " إنّ حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم وعرفتموه فأقبلوه وما اشمأَذّت منه قلوبكم وانكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد وانما الهالك ان يحدّث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول والله ما كان هذا ثلاثاً ". (1)

                    يُستفاد من هذا الخبر بأن علوم آل محمد عليهم السلام لا يحتملها الجميع لأن العقول تتفاوت والأذهان تتفاضل، فمن البديهي القول بأن الإنسان إذا كبر عليه أمراً من أمورهم أو علماً من علومهم نفى نسبته إليهم ورمى ناقله بالوضع ومعتقده بالغلو من دون أن يدري بأنّ في ذلك هلاكه إذ أنه يرد على أئمته عليهم السلام ويُكفر ثقاتهم وخواصّهم.

                    فإن قال لنا قائلٌ:
                    ما هو هذا الصعب المستصعب من علوم آل محمد عليهم السلام؟
                    ومن أين أتيتم بهذه الحجة لتبرئة ساحة الرجال؟

                    قلنا له:
                    رويداً أيها المتبجح بفهمك المتسرع بحكمك فلا يذهب بك الظن إلى إختلاف ما اختلقوه فإن ما تعرفه وتقرُّ به الآن هو عين ما دقّ فهمه على بعض المقصرين وكفّروا لأجله السادة المحققين، وإنّ فهمك لمّا صَعُبَ على غيرك ما هو إلا نتيجة لتوضيح من جاء بعدهم من المدققين فوصل إليك بصيغة استساغها عقلك وصورة تقبّلها ذهنك فليس الجهد جهدك ولا التدقيق شأنك ولولا فضل من تقدم لذهبت إلى ما ذهب إليه غيرك من المسارعة بالرد على الأئمة عليهم السلام.

                    أما الصعب المستصعب من علوم الأئمة: هو إخبارهم بالمغيبات وما جرى على أيديهم من المعجزات الخارقات التي استعظمها البعض واعتبرها من الموضوعات ظاناً بأن ذلك من صفات الخالق وكأنه بظنه هذا قد أدرك كليات الصفات وما يجوز وما لا يجوز من الإمدادات، ولم يعلم بأن الله يختص برحمته من يشاء ويفيض على خواص أوليائه النعم والآلاء ويكرمهم بغرائب الأشياء التي يصعب فهمها على الضعفاء.

                    وان ظهور تلك الكرامات على أيدي المعصومين إنما تدل على عظيم مكانتهم عند رب العالمين وعلوّهم على بقية المخلوقين ولولا ذلك فأين التفاضل بينهم وبين غيرهم من المحدودين.

                    وإنّ مُنكر تلك الآثار وجاحد هاتِيك الأخبار إنما هو جاهلٌ بفضائل الأئمة الأطهار ولا فرق بينه وبين الأغيار بل ربما ارتفع بعضهم عليه بما يقر به ويرويه ويتقبله ولا يجافيه.

                    وإنّ الدليل على وجود أخبار أسرّتها الأئمة لخواصهم ما رواه الشيخ الخصيبي في هدايته عن جعفر بن أحمد بن قصير عن صالح بن أبي حماد، والحسين بن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق ، قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري:
                    إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك وأسألك عما شئت.
                    قال جابر: في أي الأوقات أحببت يا سيدي.
                    فخلا به أبي في بعض الأيام فقال له يا جابر: أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وما أخبرتك أمي أي شيء مكتوب في اللوح.
                    قال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فهنّأتها في ولادة الحسين ورأيت بيدها لوحاً أخضر ظننت أنه زمرد ورأيت كتاباً أبيض شبه نور الشمس قلت لها بأبي وأمي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح.
                    قالت: هذا اللوح أهداه الله إلى رسوله صلى الله عليه وآله فيه اسم أبي واسم بعلي وأسماء أبنائي وأسماء الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليسرّني بذلك.
                    قال جابر: ثم أعطتني إياه أمك فاطمة فقرأته ونسخته.
                    فقال أبي: فهل لك يا جابر تعرضه عليّ.
                    قال: نعم، فمشى أبي معه حتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج أبي صحيفة من ورق وقال:
                    يا جابر انظر بكتابك لأقرأ عليك فنظر جابر بنسخته وقرأ أبي عليه فما خالف حرف لحرف.
                    فقال جابر: أشهد بالله هكـذا مكتـوب، وهـو:


                    بسم الله الرحمن الرحيم

                    هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، اني أنا الله لا إله إلا أنا قاصم الجبارين ومديل المظلومين وديان يوم الدين، إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه احداً من العالمين، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل، اني لم أبعث نبياً فأكملت ايامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً، واني فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء واكرمتك بشبليك وسبطيك حسناً وحسيناً فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحي، واكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وارفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده، بعترته اثيب وأُعاقب، اولهم عليّ سيد العابدين وزين اوليائي العارفين الماضيين، وابنه شبه جده المحمود محمد باقر علمي، والمدن لحكمتي (لحكمي) سيهلك المرتابون في جعفر، الرّاد عليه كالرّاد عليَّ، حق القول مني لأكرُمَنّ مثوى جعفر ولأسرّنه في أشياعه وأنصاره واوليائه، انتجبت بعده موسى واتيحت بعده فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى، وان اوليائي يُسقون بالكأس الاوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي ومن غير آيةً من كتابي فقد افترى عليَّ، ويل للمفترين الجاحدين، عند انقضاء مدة عبدي موسى وخيرتي وان المكذب بالثامن مكذب بكل اوليائي علي ولي وناصري ومن اضع عليه اعباء النبوة وامنحه الاضطلاع عليها، يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأسرّنّه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي وموضع سري وحجتي على خلقي، لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، واختم بالسعادة لابنه علي ولي وناصري والشاهد في خلقي واميني اخرج منه الداعي الى سبيلي والخازن لعلمي الحسن واكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين عليه كمال صفوة آدم ورفعة ادريس وسكينة نوح وكلم ابراهيم وشدة موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب، ستذل اوليائي في غيبته وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ويقتلون ويحرقون ويكونون خائفين وجلين تضيق بهم الأرض، ويغشوا الويل والرنة في نسائهم، اولئك اوليائي حقاً بهم ادفع كل فتنة عمياء حندس وبهم اكشف الزلازل وارفع الاصال والاغلال. اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة اولئك هم المهتدون.

                    قال عبد الرحمن بن سالم: قال ابو بصير جدي لابي:لو لم تسمع يا بني في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك، فصنه إلا عن اهله (2).

                    وروى الصدوق في كمال الدين وعيون اخبار الرضى عن ابي محمد الحسن بن حمزة العلوي عن ابي جعفر محمد بن الحسين بن درست السرويٌ عن جعفر بن محمد بن مالك عن محمد بن عمران الكوفي عن عبد الرحمن بن ابي نجران وصفوان بن يحيى عن اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله الصادق انه قال لاسحاق بن عمار:
                    يا اسحاق الا ابشرك.
                    فقال له اسحاق: بلى وجعلت فداك يا ابن رسول الله.
                    فقال له الامام: وجدنا صحيفة باملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط امير المؤمنين عليه السلام فيها: (وذكر حديث اللوح الذي رواه جابر عن الامام الباقر) وفي ختامه قال الامام لإسحاق:
                    يا اسحاق هذا دين الملائكة والرسل فصنه عن غير اهله يصنك الله ويصلح بالك.
                    ثم قال : من دان بهذا أمن عقاب الله سبحانه وتعالى.

                    والفقير لله تعالى يقول:
                    لو نظر ذو عقل ثاقب الى قول الامام الصادق لاسحاق بن عمار: (فصنه عن غير اهله يصنك الله) وقول ابو بصير لعبد الرحمن بن سالم (فصنه الا عن اهله) لتبين له صحة ما قلناه من وجود اخباراً كثيرة كان الائمة لا يلقونها الا الى مستحقيها وذلك رفقاً بضعفاء شيعتهم وتقية على اعدائهم من الحكام المتسلطين والشيوخ المتعصبين ولمثل هذه الاخبار طُعِنَ بالشيخ الخصيبي وغيره من الثقات امثال ابي شعيب وعمر بن الفرات والمفضل بن عمر وأتُهموا بالغلو ووضع الأحاديث، فالإسراع في التكفير بدل التفكير يؤدي بلا خلاف الى الوقوع في ورطة التقصير التي هلك بها الأكثرون ونجا منها الاقلون.

                    وإنّ الائمة المعصومين عليهم السلام امروا شيعتهم بالرد إليهم وحذّروهم من الرد عليهم لأن في ذلك خروجاً عن الولاية وتخبطاً في الغواية والى القارئ الكريم ما يثبت ذلك:
                    جاء في منتجب البصائر للصفار انه قال:
                    حدثنا احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن ابي عبيدة الحذاء عن ابي جعفر قال سمعته يقول:
                    اما والله إنّ أحب أصحابي الي أورعهم وأفقههم وأكتمهم بحديثنا
                    وان أسؤاهم عندي حالاً وأمقتهم اليَّ الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروي عنا فلم يعقله ولم يقبله اشمأذ منه وجحده وكفر بمن دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خَرج وإلينا سند فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا.

                    وفيه أيضاً:
                    حدثني الهيثم الهندي عن محمد بن عمر بن يزيد عن يونس عن ابي يعقوب بن اسحاق بن عبدالله عن ابي عبدالله قال:
                    إنّ الله تبارك وتعالى حصر عباده بآيتين من كتابه:
                    " الا يقولوا حتى يعلموا ولا يردوا ما لم يعلموا"
                    إنّ الله تبارك وتعالى يقول:
                    أَلم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب الا يقولوا على الله إلا الحق وقال بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمَّا يأتهم تأويله.

                    وفيه ايضاً:
                    حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن اسماعيل عن حمزة بن يزيع عن علي السناني عن ابي الحسن انه كتب اليه رسالة:
                    ولا تقل لما بلغك عنا او نُسب إلينا هذا باطل وان كنت تعرفه خلافه لا تدري لما قلنا وعلى أي وجه وصفه.

                    وفيه ايضاً:
                    عن احمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن جعفر بن بشير عن ابي بصير عن ابي جعفر قال:
                    لا تكذبوا بحديث اتاكم احد فانكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبوا الله فوق عرشه.


                    ومن خلال هذه الاخبار يتضح لنا معنى قوله تعالى:
                    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.

                    فقد امر الله تبارك وتعالى بالتبيّن من خبر الفاسق وعدم رفضه ابتداءً تحسباً من الندامة الناتجة عن نكران الحق لجهله فربما أتى الفاسق بحديث صحيح فرفضه بسبب حامله يؤدي الى إنكار الحق الكامن في طيّاته وإنّ احتياط البعض في رفض حديث الفاسق من دون تبيّن باطلٌ ومخالفٌ لنص الآية الدالة على التبيّن وإنّ طريق التبيّن من الخبر هو عرضه على كتاب الله والسنة النبوية لقول الامام الصادق :
                    كل شيء مردود الى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف.
                    وقد خطب النبي بمعنى فقال:
                    أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.


                    وبعد هذا التمهيد السديد والتوضيح المفيد أورد للقارئ الرشيد خمسة وجوه في أسباب نشوء القدح ببعض الثقات، من كتاب "صحيفة الابرار" للعلامة ميرزا محمد تقي فقد رأيت فيها تأييداً لما اوردته في فصول كتابي ورداً واضحاً على ما قاله السيد هاشم معروف الحسني وغيره بحق الثقات الصادقين أمثال المفضل بن عمر وعمر بن الفرات والشيخ الخصيبي ومن كان في منزلتهم من رواة العلم عن المعصومين ع، قال في تمهيده:

                    إنّ أوهن الطرق طريق من حصر وجه رد الاخبار وقبولها على ضعف رجال السند ووثاقتهم لأنه يؤدي بالبديهة الى طرح طائفة من الاخبار التي نقطع بان فيها ما ورد عن المعصومين عليهم السلام قطعاً وجزماً إن لم يكن الكل ولأنه شأن من لا يرى الطريق فيحتاج الى عصا في المسير واما من فتح الله مسامع قلبه فعرف لحن كلام ساداته وحفظ الميزان الذي قررنا فيما سبق من العرض على محكمات الكتاب والسنة فمثله لا يحتاج الى هذا التكلف الموقع صاحبه في المحذورات والمهلكات بل يقبل كلما وجده موافقاً للقسطاس المستقيم وان جاء به كافر ودهري، ويرده او يؤوله اذا لم يجده كذلك وان جاء به افضل من يوثق به،
                    على انك لو تتبعت زبر اصحابنا الاكابر وجدتهم لا يسلكون في العمل بالاخبار الا هذا المسلك الذي قررناه فكم من خبر ضعيف يقبلونه ويعملون به اذا وجدوه موافقاً لميزان الكتاب والسنة وكم من صحيح يطرحونه اذا وجدوه مخالفاً لذلك
                    فليت شعري اذا كان المرجع في العمل بالاخبار وتركه ذلك فما الحاجة الى التكلفات التي ارتكبوها في تشخيص احوال الرجال؟
                    ان قلت: الداعي لنا الى ذلك قول الله سبحانه (ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) الآية قلنا:
                    نعم قول الله تعالى صادق وصدق ولكنك حرّفت معناه فانه تعالى لم يقل (ان جائكم فاسق بنبإ فاطرحوه) وانما قال (فتبينوا) واي تبيّن اعظم من عرض النبأ على الكتاب والسنة القطعية،
                    إن قلت: ان اهل البيت عليهم السلام امرونا في عدة اخبار بالاخذ بقول الاوثق والاعدل والاورع ناهيك هذا في اعتبار علم الرجال، قلنا:
                    حفظت شيئاً وغابت عنك اشياء ان الائمة عليهم السلام انما امرونا بذلك اذا كان في قضيته روايتان واعوزنا سائر وجوه الترجيح وامكننا تشخيص وثاقة الراويين وعدالتهما وهذا انما يتفق في نادر من الفروض جداً ولا يوجب سلوك هذا المسلك في الكلية لا سيما في الاصول والعقائد التي هي المقصودة من تمهيد هذا العنوان فإنما نجد كثيراً من معاصرينا الذين ينتحلون العلم اذا ورد عليهم حديث بما لا تهوى انفسهم ينكرونه استناداً الى مجرد كون راويه ضعيفاً على زعمهم من غير ان يتدبروا معناه ويعرضوه على الموازين التي وضعها لنا حملة الكتاب عليهم السلام وتلقاها بالقبول جميع الاصحاب هذا كله على تقدير تسليم صحة ما دوَّنَه علماء الرجال في كتبهم من التوثيقات والتضعيفات حتى يمكن لنا العلم بوثاقة الراوي وضعفه واما ان رجعنا الى التحقيق فالكلام فيه طويل يحتاج الى بسط وتفصيل ولا بد من الاشارة الى جملة من ذلك ليدل على ما لم نذكر حذراً من الاطالة.

                    فنقول وبالله التوفيق:
                    ان من تتبع زبر اصحاب الرجال وتدبر وجوه القدح والمدح فيها وجد أساسها مبنياً على فساد العقائد واستقامتها, واذا حققت ذلك ورجّعت مأخذ تشخيصهم لعقائد الرجال وجدتهم يستندون في ذلك الى ادنى شبهة في حقه او في حق كتابه لا يسمن ولا يغني من جوع بعد بناء اساس القدح على مخالفة ما ارتضوه عندهم من الاعتقاد في اصول المذهب وانت تعلم ان درجات الناس في معرفة العقائد الدينية والوقوف على فروعها وتفاصيلها متفاوتة لا تكاد تنضبط لكثرة انبساط شعبها بحيث لا تجد اثنين في درجة واحدة في ذلك ولا ريب ان كلاً من المخالفين يرى من يخالفه ليس على شيء وناهيك في تصديق ذلك قول الأمام :
                    لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد اخى رسول الله ص وآله بينهما فما ظنك بسائر الخلق الخبر…
                    وقد مرّ في "العنوان" السابق:
                    فمع ذلك كيف يجوز بناء أساس القدح على مخالفة ما عند القادح من الإعتقادات النظرية على فرض نص المقدوح بالمخالفة فكيف بشبهة الخلاف فإنه غلط على غلط.

                    وبالجملة انّ من تتبع مطاوي الأخبار وجالس خلال السير والأثار وجد وجوه القدح في كثير من أكابر الرواة تدور على أحد وجوه:

                    - منها:
                    أنّ أصحاب الأئمة عليهم السلام كانوا متفاوتي الدرجات في العلم والمعرفة والورع والتقوى والإنقطاع إلى أهل بيت الطهارة وما أشبه ذلك من وجوه التفاضل ولا ريب أنهم عليهم السلام ما كانوا يسوون بين الفاضل والمفضول بل كان تقريبهم لهم وإظهار التلطف بهم على حسب تفاضلهم في الأمور المذكورة فكانوا عليهم السلام يعتنون بشأن بعضهم بما لا يعتنون به شأن الآخرين وربما كانوا يحيلون بعض الأمور إليهم من الوكالة في أخذ الحقوق والإذن في الإفتاء والمحاورة مع الخصوم وأشباهها وأنت تعلم أن هذا يورث حسداً عظيماً من أكثر أقرانه عليه إلا قليل ممن قتل ابليس نفسه ودخل صرح التسليم وعرف مقام إمامه وأنه لا يختار إلا من هو أهل لذلك وهذا ديدن جارٍ في حواشي كل رئيس فإنهم إذا رأوا اختصاص واحد منهم بالرئيس وميل ذلك الرئيس إليه هاج في كثير منهم عرق الحسد لا محالة فيأخذون في قدحه وذمه وذكر مساوئ له مفتريات عند ذلك الرئيس ليسقطوه عن مكانته عنده وهكذا كان حال جملة من أصحاب النبي والأئمة وديدنهم.
                    الا ترى كيف بعث تقريب النبي ص وآله لأمير المؤمنين عليه السلام وإظهار فضائله بين الناس أصحابه المنافقين على الحسد عليه إلى أن آل بهم الحال إلى أن نسبوا إليه من الأمور الفظيعة ما لا يساعد اللسان بذكره من رميه بتزويج بنت أبي جهل على فاطمة عليها السلام وغضب النبي ص وآله بذلك ، ونسبته إلى ترك الصلاة وغير ذلك من الشنائع والفضائح فإذا كان هذا حال مثل أمير المؤمنين عليه السلام بين أصحاب النبي ص وآله ومكانه من الله ومن رسوله ص وآله فما ظنك بسائر الخلق ، هذا أحد أسباب شيوع القدح في حق من ليس له بمستحق.(3)

                    - ومنها :
                    أنّ قوماً منهم إذا وجدوا بعض الخواص من الأصحاب عنده ما ليس عندهم من العلوم وشاهدوا رجوع الناس إليه في معالم دينهم واخذهم عنه مراشد يقينهم ، واشتهاره بذلك بين الناس أورث ذلك لا محالة حسداً وخنقاً وغيظاً اخر منهم عليه كما هو عادة كثير من المعاصرين بعضهم مع بعض فيبعثهم الحسد على الوقيعة فيه وإطفاء نوره وما كان كل من صحب الإمام عليه السلام أو دان بدين التشيع قد هتك هذا الحجاب (4)
                    وقد نقل عن السيد الجليل صاحب الكرامات والمقامات علي بن طاوس قدس الله سره المأنوس انه قال في ذكر محمد بن سنان الزاهري:
                    (اني اتعجب ممن ذمّوه أليسوا رووا اخبار مدحه عن الائمة الثلاثة صلوات الله عليهم)
                    ثم قال: (انه يكون بعض الاشياء من بعض المعاصرين مع بعضهم فان الفضل بن شاذان ذكر ان لا تردوا احاديث محمد بن سنان عني ما دمت حيا وارووها بعد موتي)
                    ثم قال السيد رحمه الله: (فلا تعجل في ذم من ذموا) الى آخر كلامه رحمه الله.

                    - ومنها:
                    إنّ منهم من كان من اهل المعرفة وحملة الاسرار المكنونة المحفوظة عن الاغيار والضعفاء في كثير من ابواب الاصول الدينية (5) فكانت الائمة عليهم السلام يلقون اليه من العلوم والحقائق ما لا يلقونه الى من هو دونه رتبة لعدم تحمّل أمثاله لذلك لكونه من الصعب المستصعب الذي لا يحتمله الا مؤمن ممتحن فإن باح من هذا حاله بشيء من تلك الاسرار واتصل ذلك الى من ليس له باهل قابله بالانكار واخذ في الطعن على من روى ذلك واعتقده فصار هذا من اكبر دواعي القدح والتضعيف لجمٍ غفير من حملة الاخبار ومن اخذ عنهم ودان بما اخذ فوصفهم تارة بأنه يروي المنكرات واخرى بانه من الغلاة وطـوراً بأنـه زنديق وأشباه ذلك من الاوصاف المنكرة، وكان اكثر ذلك في مراتب الائمة الطاهرين عليهم السلام،
                    اما اني لا اقول ان كل من وصفوه بتلك الاوصاف فهو بريء منها (6) وانما اقول انهم خلطوا الغث بالثمين فرموا بها بعض من لا يستحقها من أصحاب أئمتنا عليهم السلام ومن تأخر عنهم كجابر بن يزيد والمفضل بن عمر ومحمد بن سنان وأمثالهم من الأصحاب ومن تأخر عنهم.
                    فإذاً أذكر مذكر وأعتبر معتبر وجد أن كثيراً من القول في كثير من الأصحاب إنما نشأ من اجتهاد القادحين في روايات المقدوحين وأقوالهم ولم تعلموا أنه يمكن أن يكون الضعف في عقول القادحين لا في عقول المقدوحين.

                    - ومنها:
                    أنّ جمعاً من عظماء الأصحاب كانوا قد اشتهروا بين الناس بالإختصاص والإنقطاع إلى الأئمة عليهم السلام وكان هذا موجباً لدخول الضرر والأذى عليهم من المخالفين لا محالة فكانوا عليهم السلام ربما يظهرون البراءة ممن علموا منه وقوع ذلك في حقه دفاعاً عنه ووقاية له من شر الأعداء وهذا هو وجه ما ورد من القدح في شأن ثلة من الأصحاب المتفق على جلالة شأنهم كمحمد بن مسلم وزرارة بن أعين وأبي جعفر الأحول وبريد بن معاوية واضرابهم.
                    فمن ليس له مسكة في معرفة لحن الكلام وتصرف في موارد الشبهات إذا وقف على أخبار القدح في شأن بعض هؤلاء حمل على ظاهرها وطعن في جملة من الأكابر.

                    - ومنها:
                    أنّ الأئمة عليهم السلام كانوا في زمن الإستتار والتقيّة وغلبت الباطل على الحق وكان جهد سلاطين زمانهم والأمراء الخونة من حواشيهم في إطفاء نورهم بأي وجه قدروا عليه وكانت الأئمة عليهم السلام ربما يلقون إلى بعض الأصحاب ما لا يجوز إظهاره عند الأعداء بل وعند الضعفاء من الشيعة حتى أنهم ما كانوا يظهرون دعواهم الإمامة وأنهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا لمن يختص بهم وربما كان بعض هؤلاء يظهرون شيئاً من ذلك من فرط حبهم او ثقة منهم على بعض الناس عند غيرهم ولما كان السامعون ليسوا له بأهل وكان في شيوع ذلك الامر مفاسد كثيرة فكانوا يجيئون ويسئلونهم عن ذلك ويقولون أخبرنا فلان عنك بكيت وكيت فكانت الائمة عليهم السلام يتبرؤن من ذلك ويكذبون ذلك الشخص بل ربما كانوا يلعنونه حفظاً لاصل الدين لكن على طور لا يلزم منه الكذب كما قال ابراهيم:
                    بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون.
                    فانه علق وقوع الفعل من كبيرهم على النطق الذي لا يأتي منه تورية فمن لا يعرف معاريض الكلام اذا وقف على مثل تلك الاخبار اتخذه من اسباب القدح في حق من هو اجلّ شأناً من ذلك.

                    فهذه خمسة وجوه في اسباب نشوء القدح اوردناها عن غيرنا عقيب كلامنا لجهة:
                    إلزام الآخرين بها،
                    ورداً على ما قيل بحق الصادقين
                    فعسى ان تعيها آذان صاغية وقلوب واعية.


                    وقبل ختام هذا الفصل اورد بعض عقائد المقصرين نقلاً عنه وهي قوله:
                    فمن اهل التفريط كثير من المتكلمين وغيرهم مما نشأ على ممارسة كتب اهل الاراء وحرم عن تتبع آثار ائمة الهدى وعن تسليم ما في شأنهم مما يخالف مذهب اصحاب الآراء فمن هؤلاء من زعم انهم عليهم السلام كانوا لا يعرفون كثيراً من الاحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم.
                    ومنهم من يقول انهم كانوا يلجأون في حكم الشريعة الى الرأي والظنون.
                    ومنهم من أنكر جواز صدور المعجزة عنهم عليهم السلام ونفى سماعهم كلام الملائكة ولو بدون رؤيتهم.
                    ومنهم من أنكر تفضيلهم على غير النبي من سائر الانبياء وكذا الملائكة حتى انه قال بعضهم بتفضيل جبرائيل وميكائيل واولى العزم من النبيين عليهم، بل قال بعضهم بتفضيل سائر الانبياء عليهم.
                    وقد قال بعضهم من الغلو نفي السهو عنهم او القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون الى غير ذلك من الآراء الفاسدة والخيالات الكاسدة الناشئة عن قصور علمهم عن معرفة الائمة عليهم السلام وعجزهم عن ادراك غرائب احوالهم وعجائب شؤونهم.
                    وقد نسب المفيد رضي الله تعالى عنه بعض هذه المذاهب إلى بني نوبخت من علماء الإمامية وهؤلاء الجماعة قد ابتلوا بانكار اكثر ما اشتمل عليه خصائص الائمة من الروايات وقدحوا في كثير من الرواة لنقلهم بعض غرائب الصفات وعجائب المعجزات ورموهم بالغلو والكذب والزندقة واشباهها كمحمد بن سنان والمفضل بن عمر ويونس بن عبد الرحمن ونظائرهم (7) بل مهما يتفحص الانسان يجد اكثر من رُمِي بالغلو انه ممن روى في شأن الائمة عليهم السلام بعض المناقب الجليلة التي نقلتها ثقات علمائنا في كتبهم معتقدين بها ولا تستلزم الغلو أصلاً عند التأمل الصادق. (8)


                    ان من يمعن التفكير بما اوردناه في فصلنا هذا يتيقن معنا بأن قدح اكثر اصحاب الكتب الرجالية مبنيٌ على حجج واهية لا تنصر حقاً ولا تدفع باطلاً، ولذلك فإن مؤلفاتهم لا يعوّل عليها ولا يرجع اليها إلا ما ندر، وان اجتهاداتهم وقناعاتهم تلزمهم وحدهم ولسنا مضطرين إلى تقليدهم ما دمنا والفضل لله نمتلك عقولاً ووسائلاً نُميّز بها ومن خلالها بين الطيب والخبيث ونفرق بين الحق والباطل.

                    فتشكيكهم بالرواة لم يكن مستنداً على الكتاب والسنة بل عل محدود افكارهم وضعف مداركهم بدليل ان ما رواه شيخنا الخصيبي لم يخرج قيد انملة عن نهج المعصومين عليهم السلام القائم على الكتاب والسنة.


                    -------------------------------------------------------------------------------

                    (1) بصائر الدرجات الكبرى للصفار المتوفي سنة 290/ ص 40/ مؤسسة الأعلمي.

                    (2) روى هذا الخبر المعروف بلوح فاطمة عليها السلام اكثر من اربعين رجل عن جابر بن عبدالله الانصاري وقد ذكر الصدوق أسماءهم في كتابيه "عيون اخبار الرضا"، و "كمال الدين".
                    ورواه أيضاً الشيخ الكليني في اصول الكافي في كتاب الحجة،
                    وصاحب مسند فاطمة الشيخ عزيز الله العطاردي،
                    وصاحب الصراط المستقيم الى مستحقي التقديم النباطي وغيرهم.

                    (3) لو نظر عاقل إلى هذا الوجه الجلي المؤيد بالدليل السني لتبين له بأن هذا ما حدث فعلاً ،ثم لو تأملنا في مثله حول حسد بعض الحواشي وما ينتج عنه من قدح وذم لأشخاص وذكر مساوءٍ لهم لإسقاطهم من عين رئيسهم لحق لنا أن نسأل عن تلك النسب التي قيلت بحق ميامين هل أزيلت من متون كتب الرجال أم بقي العمل على أساسها ساري المفعول وفي تقديري بأنها ما زالت عند البعض مستنداً يرجع إليه في تشخيص الأصحاب.

                    (4) إن صحبة المعصوم وملازمته لا تورث العدالة ولا تدل عليها فكم من أناس صحبوا الرسول والأئمة لملىء بطونهم أو ستر عيباتهم أو للتزين بهم والتعالي على الآخرين ، بل ما يوّرث العدالة والثقة هو الإقتداء بالمعصوم قولاً وفعلاً والتسربل بآدابه والوقوف عند أمره ونهيه وعدم الخروج عليه قيد أنملة.

                    (5) لقد طعن كثيراً باقوام وفئات بسبب هذه الكلمات (لتوهم البعض بأنها تندرج في اصول الطرق الخاصة السرية) فتارة اتهموهم بالغلو وطوراً باعتقاد الباطن او ما شابه ذلك وقد ساعدهم على ذلك القول بالتقية والعمل بها في اوقات معينة وضمن ظروف خاصة، مع العلم بان هذه الاسرار المكنونة المحفوظة عن الاغيار في عصر الائمة عليهم السلام لاسباب ذكرناها هي عين ما اشتهر في عصرنا في المراجع الكبرى كالكافي والوافي والبحار والخرائج والصراط المستقيم وغيرها من الكتب المعتبرة وما زال البعض يشكك بها ويعتبرها من الموضوعات وكأنه عاصر الائمة وادرك جميع ما قالوه واطّلع على تفاصيل احوالهم.

                    (6) امثال ابو يعقوب اسحاق بن محمد بن ابان النخعي المعروف بالاحمر الذي جاء فيه قدحاً وذماً في الهداية وغيرها كالخلاصة وكتاب الكشي. ويتضح من خلال الهداية بأن اسحاق كان يدعي لنفسه البابية.

                    (7) مثال السيد أبو شعيب محمد بن نصير رضي الله تعالى عنه.

                    (8) صحيفة الأبرار.

                    تعليق


                    • #55
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      اللهم صل على محمد وآل محمد..

                      أيها المتابعون الكرام بقي لدينا القليل ونطوي صفحة هذا الكتاب القيّم متأملين من الله عز وجل أن نكون وفّقنا في نقله إليكم...
                      الموضوع المقبل هو ( الخصيبي (ق) وحكام زمانه ) وبعد استعراض تلك الفترة
                      وذلك لاعطاء صورة واضحة عن المعانات التي عايشها ومر بها وتعرض له (قده).
                      نصل لـ ( أهم الأحداث ) ومن بعدها ( كلمة لا بد منها ) ثم (تلخيص وخاتمة) وبعدها ( قصيدة الختام ) وكل شهر رمضان وأنتم بخير أعاده الله على أمّة محمد بالخير والعافية...

                      والسلام على من اتبع الهُدى...

                      تعليق


                      • #56
                        المشاركة الأصلية بواسطة أبو اسكندر
                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                        اللهم صل على محمد وآل محمد..

                        أيها المتابعون الكرام بقي لدينا القليل ونطوي صفحة هذا الكتاب القيّم متأملين من الله عز وجل أن نكون وفّقنا في نقله إليكم...
                        الموضوع المقبل هو ( الخصيبي (ق) وحكام زمانه ) وبعد استعراض تلك الفترة
                        وذلك لاعطاء صورة واضحة عن المعانات التي عايشها ومر بها وتعرض له (قده).
                        نصل لـ ( أهم الأحداث ) ومن بعدها ( كلمة لا بد منها ) ثم (تلخيص وخاتمة) وبعدها ( قصيدة الختام ) وكل شهر رمضان وأنتم بخير أعاده الله على أمّة محمد بالخير والعافية...

                        والسلام على من اتبع الهُدى...
                        على بركة الله
                        ان شاء الله متابعين معكم اخي الكريم
                        ونتمنى من الاخوة المشرفين
                        تسريع النظر في انضمامكم للحوار الشيعي
                        والسلام عليكم

                        تعليق


                        • #57
                          الخصيبي (ق) وحكام زمانه

                          الخصيبي (ق) وحكام زمانه

                          عاصر الشيخ الخصيبي تسعةً من الخلفاء العباسيين في زمانه، فقد كانت ولادته سنة 260هجرية وذلك بعد مضي اربع سنين من حكم المعتمد العباسي، وتوفي سنة 346هجرية لاثني عشر سنة مضت من حكم المطيع لله، وقد جرت في عصره احداث كثيرة واضطرابات عديدة هزّت الدولة الاسلامية من اقصاها الى ادناها سنأتي على ذكر اهمها باختصار بعد ذكر اسماء الخلفاء الذين عاصرهم الشيخ، وذلك لاعطاء صورة واضحة عن المعانات التي عايشها ومر بها وتعرض لها.


                          المعتمد على لله، ابو العباس احمد بن جعفر المتوكل
                          256-279هـ
                          بعد ان قتل المهتدي بالله بن الواثق بايع الناس المعتمد يوم الثلاثاء لاربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 256هـ، وهو ابن خمس وعشرين سنة، ومات في رجب سنة 279هـ، فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة.
                          لم تخلو ايامه من اضطرابات وحروب داخلية من الخوارج وصاحب الزنج، وتمرد يعقوب بن الليث الصفار على النظام وتبعه على ذلك جماعات كثيرة، واظهروا انواع الفساد في الاماكن والمناطق التي وصلوا إليها، وهجم الصليبيون على البلاد الاسلامية فكانت الدماء تراق، والنفوس تزهق، حرقاً وغرقاً، والاموال تسلب والنساء تنهب، حتى الاطفال لم ينجوا من شرور تلك الحوادث الاليمة.
                          ومن أقبح الجرائم التي ارتكبها المعتمد اثناء حكمه وابشعها هي سجنه للامام الحسن العسكري u مرات عدة، وتضييقه الخناق عليه، ومن ثم قتله بعد ان وكّل من يدس له السم في طعامه وذلك سنة 260هـ يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الاول.
                          وفي السنة التي توفي فيها الامام العسكري u ولد الشيخ الاجل السيد ابي عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي في جنبلاء العراق.
                          وقبل هذا التاريخ بثلاث سنوات ولد الامام الثاني عشر محمد بن الحسن الحجة u يوم الجمعة الفجر لثمان ليالِ خلون من شعبان سنة 257هـ قبل مضي ابيه بسنتين وسبعة اشهر.


                          المعتضد بالله، ابو العباس احمد بن طلحة
                          279-289هـ
                          بويع المعتضد بالله في اليوم الذي مات فيه المعتمد وهو يوم الثلاثاء لاثني عشر ليلة بقيت من رجب سنة 279هـ وكانت وفاته يوم الاحد لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة 289هـ فكانت خلافته تسع سنين وتسعة اشهر ويومين، وتوفي بمدينة السلام وله سبع واربعون سنة.
                          ذكر المسعودي بان الفتن سكنت في عصره وصلحت البلدان وارتفعت الحروب ورخصت الاسعار، وهدأ الهرج… وقال ايضاً: بانه كان قليل الرحمة كثير الاقدام، سفاكاً للدماء، شديد الرغبة في ان يمثل بمن يقتله.
                          توفي في عصره السيد ابو محمد عبدالله بن محمد العابد الزاهد الجنان الجنبلاني(ق) وذلك سنة 287هـ. وكان هذا السيد الجليل ممن شاهد الامامين العسكريين عليهما السلام وذهب مع من ذهبوا من جنبلاء الى سامراء سنة 257هـ لتهنئة الامام العسكري بولادة الحجة عليهما السلام.


                          المكتفي بالله ابو محمد علي بن احمد المعتضد
                          289-295هـ


                          بويع المكتفي بمدينة السلام في اليوم الذي توفي فيه اباه المعتضد، يوم الاحد لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة 289هـ، وأخذ له البيعة الوزير ابو الحسن القاسم بن عبيدالله، والمكتفي يومئذ بالرقة، وكانت وفاته يوم الاحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 295هـ وهو يومئذٍ ابن احدى وثلاثين سنة وثلاثة اشهر، فكانت خلافته ست سنين وسبعة اشهر واثنين وعشرين يوماً.
                          وفي عصره تحرك القرمطي في الشام وهو يحيى بن زكرويه فاستمر القتال بينه وبين عسكر الخليفة الى ان قتل سنة 290هـ، وقام مقامه أخوه الحسين الى ان قتل الثاني سنة 291هـ.
                          وروى المسعودي وآخرون ان وزير المكتفي القاسم بن عبيد الله كان سفاكاً للدماء، وكان الكبير والصغير على رعب وخوف منه، ولا يعرف احد منه لنفسه نعمة معه، وحينما مات قال فيه بعض اهل الادب:
                          شربنا عشية موت الوزير ونشرب يا قوم في ثالثه
                          فلا قدس الله تلك العظام ولا بارك الله في وارثه.



                          المقتدر بالله ابو الفضل جعفر بن احمد المعتضد

                          295-320هـ
                          بويع المقتدربالله في اليوم الذي توفي فيه اخوه المكتفي بالله، وكان يوم الاحد لثلاث عشر ليلة خلت من ذي القعدة سنة 295هـ، وكان عمره وقتها ثلاث عشر سنة، وقتل ببغداد بعد صلاة العصر يوم الاربعاء لثلاث ليال بقين من شوال سنة 320هـ، فكانت خلافته اربعاًوعشرين سنة وأحَدَ عشر شهراً وستة عشر يوماً، وبلغ من السن ثمانية وثلاثين سنة وخمسة عشر يوما.
                          وفي سنة 301هـ قبض على الحسين بن منصور الحلاج وكان يكنى ابا محمد، واحضر الى دار الوزير علي بن عيسى فصلب ثلاثة ايام كل يوم من اوله الى انتصافه، وكان يعاد الى السجن، فافتتن به جماعة منهم نصر القشوري وغيره، وضج الناس وفحش امره، ثم اخرج من سجنه وقطعت يداه ورجلاه ثم ضربت عنقه، واحرق، وكنت قد ذكرت بأن الشيخ ناظره وافلج حججه الواهية، وتبرأ من اعتقاداته الفاسدة الداعية الى الحلول.
                          وذكر الذهيبي ان النظام اختل كثيراً في ايام المقتدر لصغر سنه.
                          وفي سنة 306هـ صار الامر والنهي لحرم الخليفة ونسائه لركاكته، وآل الامر الى ان امرت ام المقتدر بمثل القهرمانة ان تجلس للمظالم وتنظر في رقاع الناس كل جمعة، فكانت تجلس وتحضر القضاة والاعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها.
                          وروى السيوطي ان المقتدر كان مؤثر للشهوات والشراب مبذراً، وكان النساء غلبن عليه، فأخرج عليهن جميع جواهر الخلافة ونفائسها، واعطى بعض حظاياه الدرة اليتيمة ووزنها ثلاثة مثاقيل، واعطى زيدان القهرمان سبحة جوهر لم ير مثلها، واتلف اموال كثيرة.
                          وفي عصره دخلت الروم ملطية بالسيف وذلك سنة 314هـ، ودخلوا ايضاً دمياط واخذوا من فيها وما فيها وضربوا الناقوس في جامعها سنة 315هـ.
                          وفي سنة 317هـ نزل القرمطي الكوفة، وخاف اهل بغداد من دخوله إليها، فاستغاثوا ورفعوا اصواتهم والمصاحف، وسبوا المقتدر.


                          القاهر بالله ابو منصور محمد بن احمد المعتضد
                          320-322هـ
                          بويع القاهر يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال سنة 320هـ، ثم خلع يوم الاربعاء لخمس خلون من جمادي الاولى سنة322وسملت عيناه، وكانت خلافته سنة وستة اشهر وستة ايام.
                          وكان اول شيء فعله ان صادر آل المقتدر، وعذبهم وضرب ام المقتدر حتى ماتت من العذاب.
                          وفي سنة 321هـ شغب عليه الجند، واتفق مؤنس وابن مقلة وآخرون (وهم اعيان دولته) على خلعه بابن المكتفي فتحيل عليهم الى ان امسكهم وذبحهم وطين على ابن المكتفي بين حائطين، واما ابن مقلة فاختفى، وهنا احرق داره ودور مخالفيه.
                          قال عنه الصولي: كان اهوج سفاكاً للدماء قبيح السيرة كثير التلون والاستحالة مدمن الخمر.
                          وقال المسعودي: كانت اخلاقه لاتكاد تحصل (تثبت) لتقلبه وتلونه، وكان قليل التثبت في امره، مخوف السطوة، واخبر السيوطي انه وضع حربة يحملها فلا يطرحها حتى يقتل بها انساناً.
                          كان سبب خلعه سوء سيرته، وسفكه الدماء فامتنع عن الخلع فسملوا عينه حتى سالت على خديه.


                          الراضي بالله، ابو العباس محمد بن جعفر المقتدر
                          322-329هـ
                          بويع الراضي يوم الخميس لِسِتٍ خلون من جمادي الاولى سنة322هـ فأقام في الخلافة الى ان مضى من ربيع الاول عشرة ايام سنة 329هـ ومات حتف انفه (على فراشه) بمدينة السلام، وكانت خلافته ست سنين واحد عشر شهراً وثلاثة ايام.
                          حينما تولى الحكم امر ابن مقلة ان يكتب كتاباً في مثالب القاهر ويقرأ على الناس.
                          وفي السنة الاولى من حكمه ظهر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن ابي العَزاقر، وادعى الالوهية فقُتِلَ وصُلب وقتل معه جماعة من اصحابه، وقيل انه احرق.
                          وفي هذه السنة انقطع الحج من بغداد حتى عام 327هـ.
                          وفي سنة 328هـ غرقت بغداد غرقاً عظيماً حتى بلغت زيادة الماء تسعة عشر ذراعاً وغرق الناس والبهائم وانهدمت الدور.


                          المتقي بالله، ابو اسحق ابراهيم بن المقتدر
                          329-333هـ
                          بويع المتقي لعشر خلون من ربيع الاول سنة 329هـ، وخلع وسملت عيناه يوم السبت لثلاث خلون من صفر سنة 333هـ، وكانت خلافته ثلاث سنين وأحد عشر شهراً وثلاث وعشرين يوماً.
                          في عصره اشتد امر البريديين بالبصرة، وانطلقوا منها الى بغداد سنة 330هـ، واستولوا عليها، وخربوا عمائرها، وسلبوا قصر الخليفة، فكاتَب الخليفة الحسن بن عبدالله بن حمدان (ناصر الدولة) مستنجداً به، فعزَّ الامر على الحسن فكتب الى اخيه علي بن عبدالله بن حمدان (سيف الدولة) المقيم في نصيبين ان يهبَّ لانقاذ الخليفة فانطلق الامير نحو بغداد ولكن البريدي كان قد تم له الظفر على الخليفة الذي هرب في طريقه الى الموصل فالتقى بسيف الدولة في الطريق فاصطحبه الامير الحمداني على رأس جيشه الى بغداد لاستردادها من البريديين ولحق بهم الحسن بن حمدان، وما كان البريديون يحسون بقدومهما حتى تركوا بغداد وولوا الادبار نحو الجنوب فدخل الخليفة الى قصره، وخلع على علي بن عبدالله لقب سيف الدولة، وعلى اخيه الحسن لقب ناصر الدولة، وامر ان تكتب اسماؤهم على الدنانير والدراهم، وبعدها تغلب سيف الدولة على البريديين قرب المدائن، وأنزل بهم هزيمة نكراء، وأسَرَ عدداً كبيراً من قوادهم وجنودهم، وتابع مطاردتهم حتى أزاحهم عن واسط التي كانوا عسكروا بها وأعد العدة للزحف إلى عاصمتهم البصرة للقضاء عليهم نهائياً، ولكن خيانة القواد الأتراك حالت دون تحقيق ذلك.



                          المستكفي بالله أبو القاسم عبد الله بن علي المكتفي
                          333-334هـ
                          بويع المستكفي يوم السبت لثلاث خلون من صفر سنة 333هـ، وخلع في شعبان سنة 334هـ لسبع بقين من هذا الشهر فكانت خلافته سنة وأربعة أشهر إلا أياماً.
                          كان قد بويع له بالسبق على نهر عيسى من أعمال بادوريا بإزاء القرية المعروفة بالسندية في الوقت الذي سملت فيه عينا المتقي، وسلّم إليه ضريراً وأثناء ذلك هرب المطيع (الذي سنأتي على ذكره) من داره فهدمها له المستكفي.
                          وفي عصره سقطت حلب في يد سيف الدولة الحمداني وذلك سنة 333هـ التي كان يحكمها من قبل الإخشيد (يأنس المؤنس) وبعدها حمص فدمشق، وبذلك أصبح له الملك من حدود الروم شمالاً إلى أعمال دمشق جنوباً وما لبث أن تركها (دمشق) بعد هجوم معاكس من قبل الإخشيديين، واتجه شمالاً إلى حمص، وسار الإخشيد في مطاردته، والتقى الجيشان الحمداني والاخشيدي عند قنسرين وجرت بينهما معركة كبيرة انتصر فيها سيف الدولة على الاخشيدي بشرف كبير.
                          بعد استقرار سيف الدولة في حلب دخل اليها الشيخ الخصيبي ق قاصداً مليكها لما عرف عنه من العدالة والنزاهة وصدق الولاء لآل البيت عليهم السلام، وقد لاقى منه الاحترام الكبير، والثقة المطلقة، لما عرف الامير عن هذا الشيخ من صحة العقيدة والولاء الصادق لاهل البيت عليهم السلام والاخلاق الفاضلة، وكنا قد ذكرنا سابقاً بأن الشيخ قد وضع كتابين هما الهداية الكبرى والمائدة واهداهما الى سيف الدولة، وقد أكد السيد الامين العاملي ائتمام سيف الدولة بالشيخ اثناء الصلاة.
                          وعوداً على ذي بدء فقد اورد السيوطي بأن معزّ الدولة (احمد بن بويه) تخيل من المستكفي، فدخل عليه في جمادي الآخرة(1) سنة 334هـ فوقف والناس وقوف على مراتبهم- فتقدم اثنان من الديلم الى الخليفة فمد يديه إليهما ظناً انهما يريدان تقبيلهما، فجذباه من السرير حتى طرحاه الى الارض وجراه بعمامته، وهجم الديلم على دار الخلافة الى الحرم ونهبوها، فلم يبق فيها شيء، ومضى معزّ الدولة الى منزله، وساقوا المستكفي ماشياً اليه، وخلع، وسملت عيناه يومئذ.

                          (1) اورد المسعودي انه خلع في شعبان، والفرق بين التاريخين ايام قلائل وكلام المسعودي أصح لانه عاصره.


                          المطيع لله ابو القاسم الفضل بن جعفر المقتدر
                          334-363هـ
                          بويع المطيع لسبع بقين من شعبان سنة 334هـ وقيل انه بويع في جمادي الاولى من هذه السنة، وغلب على الامر ابن بويه الديلمي، والمطيع في يده لا امر له ولا نهي ولا خلافة تعرف، ولا وزارة تذكر، وقرر له ابن بويه كل يوم نفقة مائة دينار.
                          وفي هذه السنة اشتد الغلاء ببغداد حتى اكلوا الجيف، ومات الاخشيد صاحب مصر وهو محمدبن طغج الفرغاني.

                          وفي سنة 335هـ جدد معزّ الدولة الايمان بينه وبين المطيع وازال عنه التوكيل، واعاده الى دار الخلافة.

                          وفي سنة 339هـ اعيد الحجر الاسود الى موضعه، وجعل له طوق فضة يشد به وكان قد بقي عند القرامطة اثني وعشرين عاماً وذلك على اثر الغارة التي قادها ابو طاهر القرمطي بمكة يوم التروية على الحجاج فقتل منهم عدداً كبيراً، والقى بهم في بئر زمزم، ودفنهم في الحرم من دون اكفان ولا صلاة، ونهب كسوة الكعبة واخذ الحجر الاسود، وانفذهم الى عاصمتهم هجر.

                          وفي سنة 346هـ نقص البحر ثمانين ذراعاً وظهر فيه جبال وجزائر واشياء لم تعهد، وكان بالري ونواحيها زلازل عظيمة، وخسف ببلد الطالقان ولم يفلت منها الا نحو ثلاثين رجلاً، وخسف بمائة وخمسين قرية من قرى الري، واتصل الامر الى حلوان فخسف باكثرها، وقذفت الارض عظام الموتى، وتفجرت منها المياه، وتقطع بالري الجبل، وعلقت قرية بين السماء والارض بمن فيها نصف نهار، ثم خسف بها وانخرقت الارض خروقاً عظيمة، وخرج منها مياه منتنة ودخان عظيم: (هكذا نقل ابن الجوزي)(تاريخ الخلفاء).
                          وفي هذه السنة ايضاً يوم الاربعاء لاربعة ليال خلت من ذي القعدة توفي الشيخ الجليل الثقة النبيل ابو عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي ق في مدينة حلب عاصمة الحمدانيين، وصلى على جنازته اميرها العلوي سيف الدولة علي بن عبدالله، ودفن بمشهد الدكة في الجانب الغربي من بر حلب كما ذكرنا سابقاً.

                          وفي سنة 347هـ عادت الزلازل بقم وحلوان والجبال، فاتلفت خلقاً عظيماً، وجاء جراد طبق الدنيا فأتى على جميع الغلات والاشجار.


                          وفي سنة 350هـ اخذت الروم جزيرة اقريطش من المسلمين، وكانت فتحت في حدود الثلاثين والمائتين.

                          وفي سنة 354هـ بنى يعقوب ملك الروم قيسارية قريباً من بلاد المسلمين وسكنها ليغير كل وقت.

                          وفي سنة 356هـ مات معز الدولة فأقيم ابنه بختيار مكانه في السلطنة ولقبه المطيع(عز الدولة).

                          وفي سنة 357هـ ملك القرامطة دمشق ولم يحج فيها أحد لا من الشام ولا من مصر وعزموا على قصد مصر ليملكوها فجاء الفاطميون فأخذوها فقامت دولتهم في المغرب ومصر والعراق.

                          وفي سنة 359هـ أذّنوا في مصر بحي على خير العمل، وشرعوا في بناء الجامع الازهر ففرغ في رمضان سنة 361هـ وكان ذلك في عصر المعز وأمره.

                          وفي سنة 360هـ اعلن المؤذّنون بدمشق في الآذان بحي على خير العمل، بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعز بالله، ولم يجسر احد على مخالفته.

                          وفي سنة 363هـ حصل للمطيع فالج، وثقل لسانه فدعاه حاجب عز الدولة الى خلع نفسه وتسليم الامر الى ولده الطائع لله، ففعل، وعقد له الامر يوم الاربعاء في الثالث عشر من ذي القعدة فكانت مدة خلافة المطيع تسعاً وعشرين سنة واشهراً، ومات في واسط سنة 364هـ (1).


                          (1) هذه الاحداث المؤرخة مأخوذة باختصار عن مروج الذهب للمسعودي، وتاريخ الامم والملوك للطبري، وتاريخ الخلفاء للسيوطي.


                          ========================================


                          قام بعد المطيع خلفاء كثيرون لا حاجة الى ذكرهم لان الغاية كما اوضحنا في بداية هذا الفصل ذكر الخلفاء الذين عاصرهم شيخنا الخصيبي ق، ولا بأس من ايراد صورة ملخصة عن اهم احداث تلك الحقبة الزمانية:

                          كانت الدولة الاسلامية طول القرن الثاني وفترة من القرن الثالث الهجري متماسكة الاطراف، مترابطة الامصار إلا في القليل النادر حين تقوم ثورة من هنا، وفتنة من هناك لا تلبس ان تنتهي وتعود الامور إلى نصابها.

                          فقد كانت هذه الدولة تبسط سلطانها على العراق وبلاد فارس وما وراء النهر حتى حدود الهند شرقاً، وبلاد الشام والجزيرة ومصر وجزء من شمال افريقيا غرباً، وما ان جاء النصف الثاني من القرن الثالث حتى بدأت أركانها تتصدع، وامصارها تستقل، وولاياتها تنفصل عنها، واصبحت عاصمتها بغداد وكراً للدسائس والمؤامرات، فتقلص ظل الخلافة، وذابت سطوتها، وأصبح الخليفة اسير قصوره وقواده، لا يكاد يملك من امر نفسه شيئاً، اضافة الى ذلك فهو مهدد بين الحين والآخر بالخلع أو القتل، وما ذلك في يقيني إلا لأن هؤلاء الملوك والأمراء قد قام سلطانهم على إراقة دماء بني هاشم، والتنكيل بشيعتهم المؤمنين.

                          ان اول انفصال جرى كان في سبحستان وذلك بقيام يعقوب الصفار وإعلان نفسه حاكماً عليها، منتهزاً فرصة إختلال الأمن فيها، ومن ثم إخضاعه (هراة) التي كانت في قبضة الطاهرين، فدب بذلك الرعب في قلب الخلافة فحاولت إسكاته، واخماد طموحه فاقتطعته ولايات كرمان وبلخ، والسند فلم يرض بذلك بل استغل ضعف الخلافة وخوفها منه، وقام بالاستيلاء على شيراز وطبرستان ثم خراسان وفارس والمقاطعات المجاورة لهذه المناطق فاضطرت الخلافة الى الإعتراف به رسمياً حاكماً على هذه الولايات، فزاده ذلك طموحاً ورنا ببصره نحو بغداد وانطلق كالسهم في جيش كبير بهدف الإستيلاء عليها فخرج له الموفق نائب الخليفة (المعتمد) على رأس جيش لا يقل قوة عن جيشه، والتقى الجيشان عند (دير عاقول) جنوب بغداد لقاء المستميت، فانهزم الصفار هزيمة بالغة، وانسحب الى تخوم العراق، فاحتفظ بالولايات التي اعترفت بها الخلافة، وبعد موته خلفه أخاه عمرو بن ليث، وعقد معاهدة مع نائب الخليفة الموفق اصبح بموجبها والياً على ما فتحه أخوه من المدن.
                          وفي طبرستان قام مرداويج بحركة عسكرية فتغلب على الزيدية المقيمين بها، وأصبح حاكماً عليها، وكان تحت إمرته بويه الديلمي الذي كان له من الاولاد علي وحسن واحمد فتولى علي حكم الكرج من قبل مرداويج، وتمكن بمعاونة اخوته من إحتلال اصفهان ثم فارس، وجعل من شيراز عاصمة له ثم اتسعت هذه الإمارة الجديدة لتمتد إلى بلاد الجبل وكرمان، وقام أخوه احمد بن بويه بالاستيلاء على بغداد عاصمة العباسيين، وتربع على دست الحكم فأطلق عليه الخليفة لقب (معز الدولة).

                          وفي جزيرة العرب ثار يحيى بن الحسين الرسى وأقام دولة اتخذت من العقيدة الزيدية مذهبا، وكان مقرها مدينة صعدة في اليمن فأصلح بين القبائل المتنابذة ووحّدها، وانفصل عن الدولة العباسية انفصالاً تاماً، واستمر ملكه حتى سنة 299هـ وترك لأبنائه ملكاً ثابت الأركان لم يلبثوا إلا قليلاً حتى بسطوا سلطانهم على البلاد كلها.

                          وفي سنة 323هـ أعلن الوالي العباسي محمد بن طغج الإخشيد إمرته على مصر، واستقل بها، ولم يخضع الى الخليفة العباسي إلا من الناحية الإسمية، ومن ثم بسط سلطانه على الشام، وولّى الولاة من قبله على دمشق وحلب فبقيت كل من مصر والشام تحت حكم الإخشيد مستقلتين عن بغداد حتى سنة 358هـ، باستثناء منطقة حلب التي انتزعها سيف الدولة قتالاً سنة 333هـ كما اسلفنا.

                          لم يقف الأمر عند هذا الحد من ثورة الولاة واستقلالهم بالبلاد، بل شاعت فتن لا تحصى، وكثرت الإضطرابات في قصور الخلفاء الذين أصبحوا كالدمى في أيدي الوزراء والقواد، وفي تلك الأجواء المكفهرة، والمتغيرات المستمرة قامت ثورة الزنج منطلقة من البصرة بقيادة رجل اسمه علي بن محمد، فاستولوا على ضواحيها، ولقت جيوش الخليفة منهم شر الهزائم، ثم أقاموا عاصمة لمنطقتهم وذلك ببناء بلدة جديدة أطلقوا عليها إسم المختارة، وتوجهوا شرقاً على خوزستان، واتسعت رقعتهم وازداد خطرهم، فتصدى لهم الموفق، وبنى بالقرب من عاصمتهم مدينة أطلق عليها اسم الموفقية، وظل يغير عليهم بين الحين والآخر حتى سقطت المختارة على يد أحد قواده، فقضى على هذه الثورة التي دامت حوالي خمسة عشر عاماً.

                          ثم جاءت الطامة الكبرى بقيام حركة القرامطة التي نشأت فكرتها في العراق سنة 277هـ، وأنشأها رجل يدعى حمدان قرمط فنسبت اليه، ولم يقتصر خطرها على العراق فقط بل امتد الى سورية، وتمكنوا من تحريك الأعراب الذين عاثوا في البلاد فساداً، واستولوا على حمص وحماه وقتلوا اهلها، وأبادوا سكان السلمية، ورغم نشاط الخلافة في محاربتهم وقتل اكثر من واحد من زعمائهم إلا أنهم كانوا قد ثبتوا اقدامهم في بلاد العرب، وخاصة في منطقة الاحساء وانشأوا دولة مستقلة وبنوا عاصمة لها اطلقوا عليها اسم (المؤمنية) بدلا من هجر العاصمة القديمة.

                          كل هذه الأمور التي ذكرناها وما تشعب عنها كانت السبب المباشر الذي شجع الروم على ان يَغيروا على الثّغور الإسلامية، وان ينتقموا لأنفسهم مما قد أصابهم من هزائم في الماضي، فأغاروا على ديار بكر غير مرة، وأصابوا نجاحاً في هزيمة المسلمين، ولولا شجاعة الحمدانيين ورباطة جأشهم، وقوة عزيمتهم، وصحة عقيدتهم التي دفعتهم لصد اكثر تلك الغارات لما كان لبلاد المسلمين أثر يذكر، ولا نريد الخوض في مآثرهم الكثيرة فكتب التاريخ شاهدة على بطولاتهم، وجهادهم.


                          وختاماً أقول:

                          ان من يتمعن في هذه الأحداث التي وقعت في تلك الحقبة الزمانية التي قضاها الشيخ الخصيبي فسيتعرّف من خلالها على المعانات الكثيرة التي لاقاها وتعرض لها أبّان قيامه بواجباته الدينية المُنصَبَّة في الوعظ والارشاد والتدريس لعلوم الائمة المعصومين عليهم السلام، وقد تعرض لكثير من المصائب الأليمة والنوائب الجسيمة التي لم تصرفه عن واجبه المقدس، وذلك لقوة عزيمته، وصحة عقيدته التي ابت عليه اليأس والخمول، بل كلما تعرض لنكبة ازدادت ثقته، واشتدت همته لمتابعة ما بدأهُ من مسيرة الجهاد في سبيل الولاية.

                          واننا لو تأملنا مجريات التاريخ الذي استعرضناه، وسيرة الخلفاء والفقهاء لتبينت لنا اسباب اتهام الشيخ بما لا ينسجم مع عقيدته العلوية حيث ان فقهاء ذلك الزمان الأغبر الأعور كانوا يكيلون التهم ويلصقونها بمن خالف مذهبهم، فعلى سبيل المثال:
                          انّ اتهام الشيخ بالقرمطة كان سبباً لزجه في ظلمات السجون، حيث ان هذه الدعوة الخطيرة كانت تشكل خطراً على الخلفاء وعلى الامة جمعاء فلمجرد شك الخليفة بأن احداً اعتنقها كان عقابه الموت او السجن، ولم يكن ذلك العقاب منطلقاً من غيرته على الدين او الامة بل خوفاً على سلطانه، فاستغل بعضهم هذه المخاوف وراح يلقي بهذه التهمة على كل من شاء أذيته والحط من كرامته، وكنّا قد ألمحنا الى هذه الناحية سابقاً،
                          وأضافة الى ذلك فإن حسد الفقهاء وتعصب بعض الولاة والامراء كان لهما الدور الفعال في عدم استقرار الشيخ في مكان يطمئن اليه مما اضطره ذلك الى كثرة الانتقال من مدينة الى أخرى طلباً للأمن والأمان وذلك لمتابعة رسالته النبيلة،
                          وقد احيا الشيخ في مسيرته المعطائة الكثير من القلوب المتلهفة والمتعطشة لغدران الولاية، فأعقب رجالاً عقم الزمان ان يأتي بمثلهم، وراحوا يتابعون مسيرة شيخهم في نشر فضائل ائمتهم عليهم السلام، وترسيخ نهجهم، فكانوا الزاد الفكري النير لأبناء هذه الطائفة المسلمة العلوية، المؤمنة بولائها لمن أمر الله بولائهم في الكتاب(1)، والرسول في صريح الخطاب(2)، ولكن ظلم الحكام الطغاة البغاة، والملاحقات التي جرت تحت رعايتهم وبأمرهم اضاعت الكثير من مؤلفات هؤلاء الشيوخ الأجلاء حرقاً وردماً وتمزيقاً وتمييعاً فخسرت هذه الطائفة خاصة، والمكتبة الإسلامية عامة ثروة ثقافية ضخمة يعجز الفكر الإنساني عن تعويضها(3)،
                          حيث أننا أوضحنا سابقاً بأن الشيخ كان يروي عن الأمناء الصادقين والمعاصرين للمعصومين عليهم السلام، وكان يلقي تلك الأخبار والأجوبة والفتاوى على تلامذته، وكانوا بدورهم يدوّنونها في صحائفهم، فأورثوها الى تلامذتهم وأبنائهم التابعين، ولكن الحروب الكثيرة، والملاحقات التي ذكرتها، والهجرات العديدة كانت من أهم عوامل ضياعها مما دفع ذلك ببعض المغرورين الى إتهام هذه الطائفة بالجهل، وقلة العلم، وعدم التأليف، وما ان بزغت شمس الحرية على ربوع أهل الولاية إلا وانطلقت العقول النيرة الوقّادة للبروز على ساحة العلم والمعرفة بكافة فروعها، فانتجت كمّاً لا يستهان به من الأدب والشعر والفلسفة واللغة والفقه والبيان يمتاز على غير كيفاً.

                          ------------------------------------------------

                          (1) ومن ذلك قوله تعالى: انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.(المائدة 55) اكدت أكثر كتب التفسير على نزول هذه الآية في الإمام علي بن أبي طالب ع وذلك عندما تصدق بخاتمهِ وهو راكع في صلاته. فليراجع التفسير الكبير للفخر الرازي- الكشاف للزمخشري- الدر المنثور للسيوطي- مجمع الزوائد للهيثمي- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني- تفسير الطبري- تفسير القرطبي- اسباب النزول للواحدي- تفسير ابن كثير- تفسير النسفي- احكام القرآن للجصاص- جامع الأصول لإبن الأثير- تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنبلي- ينابيع المودة للقندوزي الحنفي- الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي- مطالب السؤول لإبن طلحة الشافعي وغيرها من المصادر فتصدير الآية ب(إنما) وهي من أقوى أدوات الحصر يفيد بأن الولاية هنا من اختصاص الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب (ع) وهذه الولاية الحقة لأمير المؤمنين لها امتدادٌ في أبنائهِ المعصومين عليهم السلام الحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء وعلي سيد العابدين، محمد الباقر جعفر الصادق موسى الكاظم علي الرضا محمد الجواد علي الهادي الحسن العسكري الإمام محمد بن الحسن الحجة عليهم السلام، وهذا مما لا خلاف فيه عند أهل الولاية.

                          (2) ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: اني اوشك أن أُدعى فأجيب واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي أهل بيتي وإنَّ اللطيفَ الخبير اخبرني انهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فأنظروا كيف تخلفوني فيهما. وان هذا الحديث المعروف بحديث الثقلين قد بلغ حد التواتر والاشتهار، فقد دونته كتب الحديث والتفسير والتاريخ والسير والتراجم واللغة نذكر منها على سبيل الإختصار: المستدرك على الصحيحين للحاكم ج3، الدر المنثور للسيوطي ج2، جامع الأصول لإبن الأثير ج1، المعجم الكبير للطبراني ص137، احياء الميت للسيوطي ص30-32، مجمع الزوائد للهيثمي ج9، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص84-85، ينابيع المودة للقندوزي الباب4، مصابيح السنة للبغوي ص206، ذخائر العقبي للطبري ص16، اسد الغابة في معرفة الصحابة لإبن الأثير الشافعي ج2، تفسير الخازن ج1، مناقب علي بن أبي طالب لإبن المغاذلي الشافعي ص234، فرائد السمطين للحمويني الشافعي ج2، كنز العمال للمتقي الهندي ج1، الطبقات الكبرى لإبن سعد ج2، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص232، الفتح الكبير للنبهاني ج1، الصواعق المحرقة لإبن حجر ص194، المعجم الصغير للطبراني ج1، تاج العروس للزبيدي ج7، القاموس للفيروز ابادي ص1256 وغيرها.

                          (3) من جملة المكتبات التي احرقت في بغداد خزانة كتب بين السورين التي تحدّث عنها الحموي بقوله: لم يكن في الدنيا أحسن كتباً منها كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة واحترقت في ما أحرق من محال الكرخ عند ورود ضغرل بك اول ملوك السلجوقية الى بغداد سنة 447هـ.

                          تعليق


                          • #58
                            كلمـــــة لا بدّ منها


                            كلمـــــة لا بُدّ منها

                            قبل نهاية المطاف لا بد لنا من ان ندلي بكلمة موجزة نخاطب بها اولائك المُغرَمين بسماع الطعون بحق غيرهم لنطلعهم على حقيقة يجب عليهم معرفتها، والإنتباه إليها، وهي هذه:

                            لقد حوربت الفضيلة في الماضي مجتمعة في شخص أمير المؤمنين وامام المتقين علي بن أبي طالب ، وذلك كما هو معروف من قبل معاوية بن أبي سفيان حيث أنه جعل مسبّة علي والبراءة منه سُنّة متبعة في عصره وتناقلتها الأجيال الفاسدة من بعده إلى أن قيض الله سبحانه وتعالى لها رجلاً يرفعها وينهي عنها وهو الخليفة عمر بن عبد العزيز ولكنها بقيت قائمة في نفوس بعض المنافقين من الذين لم يستقر الإسلام يوماً في قلوبهم، وامتدت الحرب على الفضيلة أينما وُجِدت فكان من نتائجها المؤلمة مصرع ائمة الهدى أهل العصمة عليهم السلام ما بين مقتول بسيف أو مسموم بطعام، وبقيت هذه الحرب الرعناء قائمة ومستمرة تلاحق اتباع الأئمة المخلصين واصحابهم المقربين فنالت من أكثرهم بطرق مختلفة ومتعددة فمنهم من نُفي، ومنهم من سُجن، ومنهم من قـُتل، ومنهم من اتُّهم، والغاية من كل ذلك ضرب الفضيلة من جذورها، واجتثاثها من أصولها لأن أعداءها لا يتحملون مشاهدتها بارزة أمامهم فهي تُظهِر مساوئهم التي تشمئز منها النفوس الفاضلة.

                            ومن جملة من اتهم ظلماً، وطُعن به عُدواناً شيخنا الأجل الثقة الأمين السيد ابي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ق) والذي نحن بصدد التحدث عن تاريخه، وتبرئة ساحته الطاهرة مما نُسِب إليه عمداً والصق به تعصباً وحقداً من قبل الحاسدين والمغرضين والمقلدين، وهو غني عن دفاعنا عنه فتاريخه النقي، واعتقاده الجَلي، وخُلقه الرَضي، وعلمه السَني شاهدون على حقيقته المشرقة التي لا غبار عليها، ولكننا لغيرتنا على الفضيلة وتمسكنا بها رأينا انه لزاماً علينا ان نُعلن رفضنا لكل زور وبهتان.

                            تعليق


                            • #59
                              شكرا لك يا اخي بارك الله فيك

                              تعليق


                              • #60
                                وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا


                                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                                لا شكراً على واجب أيها الأخوة الكرام (ولايتي لابي تراب) و (متين الأنطاكي)... على الرحب والسِعَة.

                                وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا


                                اللهم فاشهد أن لا حجّة لمن يحتج علينا ويتطاول على أولياء الله الصالحين الموالين الحقيقيين المخلصين لآل بيت رسول الله..
                                اللهم فاشهد أنّ آل محمد ومواليهم الكرام قد أوذوا واضطهدوا ولم يرحمهم الظالمون ولم يراعوا فيهم حرمة جدّهم الرسول الأعظم سيدنا محمد ص وآله وسلم..
                                اللهم فاشهد أنّ في تطاول البعض على أوليائك الصالحين تطاول متجدد متكرر على آل بيتك..
                                اللهم فاشهد أنّ في كل طعنة وتعدٍ بغير حق على أوليائك هو في حقيقته طعنة غدر متجددة متكررة في ظهر الإمام الحسين الشهيد بكربلاء عليه سلام الله...
                                اللهم إن طُعِن الحسين فاشهد أنّه ما زال يُطعن...
                                اللهم عجّل عجّل عجّل الفرج وإننا كما عهِدتنا يا مولانا إنشاءالله من الصابرين...
                                وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ


                                فلنتابع معاً أيها المتابعون الكرام ما تبقـّى لدينا من هذا الكتاب القيّم (تلخيـــص وخاتمــــة) وعلى الله الإتكــــال..

                                صلوا على محمد وآل محمد واتقوا الله في أقوالكم وأفعالكم إنّ الله يُحبّ المُتّقين...
                                والسلام على من اتّبع الهُــــدى....

                                تعليق

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
                                استجابة 1
                                11 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
                                ردود 2
                                13 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                يعمل...
                                X