بارك الله بك اخي العزيز محب حيدر الكرار وجعل هذا النقل المفيد في ميزان حسناتك ..... فلقد استفدنا كثيرا مما ذكرت ونسأل الله ان ينفعنا به في الدنيا والاخرة ....
بسم الله الرحمن الرحيم
احسن الله اليكم جميعا ووفقكم لمراضيه وجنبكم معاصيه
نعم اختي الكريمه زينه البغدادي هناك انشاء الله سوف انقل لكم مناظرات اخرى مروية في كتب التاريخ لعلنا نستفيد مما جاء فيها , وارجو منكم ايضا اضافة مناظرات ان تمكنتم من ذلك لتكون مرجعا لكل من يريد الحق ويترفع عن الباطل . جعلنا الله واياكم من اهل الحق ومن المدافعين عنه .
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه على ما انعم به فكفى،
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، محمد النبيالامي
واهل بيته ذوي الكرم والوفاء.
اما بعد:
فهذه صورة بحث وقع لهذا الفقير الى رحمة ربه الغني
حسينبن عبد الصمد الجبعي في حلب سنة احدى
وخمسينوتسعمائة.
1 اضافني بعض فضلاء حلب، وكان ذكيا بحاثا، ولي معه
خصوصية وصداقة وكيدة بحيث لا اتقيه، وكان ابوه مناعيانها.
فقلت له: انه يقبح بمثلي ومثلك بعد ان صرف كل منا عمره
في تحصيل العلوم الاسلامية، وتحقيق مقدماتها ان يقلدفي
مذهبه الذي يلقى اللّه به، والتقليد مذموم بنص القرآن، وليس
حجة منجية لان كل احد يقلد سلفه، فلو كان حجة كانالكل
ناجين، وليس كذلك.
فقال: هلم حتى نبحث.
فقلت: هل عندكم نص من القرآن، او من الرسول(ص) على
وجوب اتباع ابي حنيفة؟
فقال: لا.
فقلت: هل اجمع اهل الاسلام على وجوب اتباعه؟
فقال: لا.
فقلت: فما سوغ لك تقليده؟
فقال: انه مجتهد وانا مقلد، والمقلد فرضه ان يقلد مجتهدا من
المجتهدين.
فقلت: فما تقول في جعفربن محمد الصادق عليه السلام، هل
كان مجتهدا من المجتهدين؟
فقال: هو فوق الاجتهاد، وفوق الوصف في العلم والتقى والنسب
وعظم الشان، وقد عد بعض علمائنا من تلاميذه نحواربعمائة
رجل كلهم علماء فضلاء مجتهدون، وابو حنيفة احدهم.
فقلت: قد اعترفت باجتهاده وتقواه، وجواز تقليد المجتهد،
ونحن قد قلدناه، فمن اين تعلم انا على الضلالة وانكم
علىالهداية؟! مع انا نعتقد عصمته، وانه لا يخطىء، بل ما يحكم
به هو حكم اللّه، ولنا على ذلك ادلة مدونة، وليس كابيحنيفة
يقول بالقياس والراي والاستحسان ويجوز عليه الخطا.
وبعد التنزل عن عصمته، والاعتراف بانه يقول بالاجتهاد كما
تزعمون، فلنا دلائل على وجوب اتباعه ليس في ابيحنيفة
واحد منها.
(احدها): اجماع كل اهل الاسلام حتى الاشاعرة والمعتزلة
على غزارة علمه، ووفور تقواه، وعدالته، وعظم شانه،بحيث اني
الى يومي هذا مع كثرة ما رايت من كتب اهل الملل والتواريخ
والسير وكتب الجرح والتعديل ونحو ذلك لمار قط طاعنا عليه
بشيء من مخالفيه. واعداء شيعته مع كثرتهم، وعظم شانهم في
الدنيا، لانهم كانوا ملوك الارض،والناس تحب التقرب اليهم
بالصدق والكذب، ولم يقدر احد ان يفتري عليه كذبا في الطعن
ليتقرب به الى ملوك عصره،وما ذاك الا لعلمه انه ان افترى
كذبا كذبه كل من سمعه، وهذه مزية تميز هو وآباؤه وابناؤه
الستة بها عن جميعالخلق.
فكيف يجوز ترك تقليد من اجمع الناس على علمه وعدالته
وجواز تقليده، ويقلد من وقع فيه الشك والطعن؟! مع انالجرح
مقدم على التعديل كما تقرر في موضعه.
وهذا امامكم الغزالي صنف كتابا سماه ((المنخول))
موضوعه الطعن على ابي حنيفة، واثبات كفره بادلة
يطولشرحها.
وصنف بعض فضلاء الشافعية كتابا سماه ((النكت الشريفة في
الرد على ابي حنيفة)) رايته في مصر، ذكر فيه جميعما
ذكره الغزالي وزاد اشياء اخر.
ولا شبهة في وجوب تقليد المتفق على علمه وعدالته، لان
ظن الصواب معه اغلب، ولا يجوز العمل بالمرجوح معوجود
الراجح اجماعا، والجرح مقدم على التعديل كما تقرر.
ثانيها: انه (عندنا) من اهل البيت المطهرين بنص القرآن،
والتطهر هو: ((التنزه عن الاثام، وعن كل قبيح)) كما نص عليه
ابنفارس في مجمل اللغة، وهذا نفس العصمة
التي يدعيها الشيعة.
وابو حنيفة ليس منهم اجماعا، ويتحتم تقليد المطهر بنص
القرآن لتيقن النجاة معه.
قال: نحن لا نسلم انه من اهل البيت عليهم السلام، اذ قد صح
في احاديثنا انهم خمسة.
فقلت: سلمنا انه ليس من الخمسة، ولكن حكمه حكمهم في
العصمة، ووجوب الاتباع لوجهين:
الاول: ان كل من قال بعصمة الخمسة قال بعصمته، ومن لا
فلا، وقد ثبتت عصمة الخمسة بنص القرآن، فثبتت عصمتهلانه
قد وقع الاجماع على انه لا فرق بينه وبينهم، فالقول بعصمتهم
دونه خلاف اجماع المسلمين.
الثاني: انه اشتهر بين اهل النقل والسير ان جعفر الصادق وآباءه
عليهم السلام لم يترددوا الى مجالس العلماء اصلا، ولمينقل
انهم ترددوا الى مخالف ولا مؤالف، مع كثرة المصنفين في
الرجال، وطرق النقل، وتعداد الشيوخ والتلاميذ، وانماذكروا انه
اخذ العلم عن ابيه محمد الباقر عليه السلام، وهو اخذه عن ابيه
زين العابدين عليه السلام، وهو اخذه عن ابيهالحسين عليه
السلام وهو من اهل البيت عليهم السلام اجماعا.
وقد صح عندنا انهمعليهم السلام لم يكن قولهم بطريق
الاجتهاد، ولهذا لم يسال احد قط صغيرا ولا كبيرا عن
مسالةفتوقف في جوابها، او احتاج الى مراجعة.
وقد صرحواعليهم السلام ان قول الواحد منهم كقول آبائهم،
وقول آبائهم كقول النبي(ص)، وثبت ذلك عندنا
بالطرقالصحيحة المتصلة بهم.
فقولهعليه السلام هو قول المطهرين بنص القرآن.
وثالثها: ما ثبت في صحاح احاديثكم بالطرق الصحيحة
المتكثرة، المتحدة المعنى، المختلفة اللفظ، من
قولهعليهالسلام: ((اني مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا
بعدي، الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي اهل بيتي، وانهما لن
يتفرقاحتى يردا علي الحوض)).
وفي بعض الطرق: ((اني تارك فيكم خليفتين: كتاب اللّه
وعترتي)).
فصرحعليه السلام بان المتمسك بكتاب اللّه وعترته لن يضل،
ولم يتمسك بهما الا الشيعة كما لا يخفى لان الباقينجعلوا
عترته كباقي الناس، وتمسكوا بغيرهم.
ولم يقل: مخلف فيكم كتاب اللّه وابا حنيفة، ولا الشافعي.
فكيف يجوز ترك التمسك بمن تتحقق النجاة بالتمسك به،
ويتمسك بمن لم تعلم النجاة معه؟! ان هذا الا لمحض
السفهوالضلال.
وهذا يقتضي العلم بوجوب اتباعهم، وان نوزع فيه فلا ريب في
اقتضائه ظن وجوب الاتباع، وذلك كاف لوجوب العملبالراجح،
واختيارهمعليهم السلام بهذه المرجحات على غيرهم من
المجتهدين، فلا يكون العدول عنهم الا اتباعاللهوى والتقليد
المالوف.
فقال: انا لا اشك في اجتهادهم، وغزارة علمهم، ونجاة مقلدهم،
ولكن مذهبهم لم ينقل ولم يشتهر، كما نقلت المذاهبالاربعة.
فقلت: ان كان مرادك ان الحنفية والشافعية لم ينقلوه،
فمسلم، ولكن لا يضرنا، لانا لم ننقل مذهبهما ايضا، والشافعية
لمينقلوا مذهب ابي حنيفة، وبالعكس، وكذا باقي المذاهب،
وليس ذلك طعنا فيها عندكم.
وان كان مرادك انه لم ينقله احد من المسلمين، فهذه مكابرة
محضة، لان شيعتهم، وكثيرا من اهل السنة وباقي الطوائفقد
نقلوا اقوالهم وآدابهم وعباداتهم، واعتنى الشيعة بذلك اشد
الاعتناء، وبحثوا عن تصحيح الناقلين وجرحهموتعديلهم اشد
البحث، وهذه صحاح احاديثهم وكتب الجرح والتعديل عندهم
مدونة مشهورة بينهم لا يمكنانكارها.
وعلماء الشيعة وان كانوا اقل من علماء السنة، ولكن ليسوا اقل
من فرقة من فرق المذاهب الاربعة، خصوصا الحنابلةوالمالكية،
فان الشيعة اكثر منهم يقينا.
ولم يزل بحمد اللّه علماء الشيعة في جميع الاعصار اعلم
العلماء واتقاهم، واحذقهم في فنون العلوم:
اما في زمن الائمة الاثنى عشرعليهم السلام، فواضح انه لم
يساوهم احد في علم ولا عمل، حتى فاق تلاميذهمواشتهروا
بغزارة العلم، وقوة الجدل كهشام ابن الحكم، وهشامبن سالم،
وجميلبن دراج، وزرارةبن اعين، ومحمدبنمسلم، واشباههم،
ممن عرفهم مخالفوهم في المذهب واثنوا عليهم بما لا مزيد
عليه.
واما بعد زمان الائمة فمنهم مثل ابن بابويه، والشيخ الكليني،
والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والسيد المرتضى،واخيه،
وابني طالاوس، والخواجة نصير الدين الطوسي، وميثم
البحراني، والشيخ ابي القاسم المحقق، والشيخ جمالالدين ابن
المطهر الحلي، وولده فخر المحققين، واشباههم من المشايخ
المشاهير الذين قد ملاوا الخافقين بمصنفاتهمومباحثهم، ومن
وقف عليها علم علو شانهم، وبلوغهم مرتبة الاجتهاد وقوة
الاستنباط.
وانكار ذلك اما لتعصب او جهل.
فقد لزمك القول بصحة مذهبنا وارجحية من قلدناه، بل يلزم
ذلك كل من وقف نفسه على جادة الانصاف، ولا يلزمناالقول
بصحة مذهبك لانا قد شرطنا في المتبع ((العصمة))، فنكون
نحن الفرقة الناجية اجماعا.
وانتم وان لم تقولوا بصحة مذهبنا، ولكن يلزمكم ذلك بحسب
قواعدكم، للدليل المسلم المقدمات عندكم، اذ سببنجاتكم
انكم قد قلدتهم مجتهدا، وهذا بعينه حاصل لنا باعترافكم، مع
ترجيحات فيمن اتبعناه لا يمكنكمانكارها.
فبهت، ولم يجب بشيء، ولكن عدل عن سوق البحث، وقال:
اني اسالكم عن سبكم اكابر الصحابة، واقربهم من رسول
اللّه(ص) الذين نصروه باموالهم وانفسهم، حتى ظهر
الدينبسيوفهم، في حياته وبعد موته، حتى فتحوا البلاد ونصروا
دين اللّه بكل ما امكنهم، والفتوحات التي فتحها عمر لم
يقعمثلها في زمن النبي(ص)، كمصر والشام، وبيت المقدس،
والروم والعراق وخراسان، وعراق العجم، وتوابعذلك مما
يطول شرحه ولا يمكن انكاره، كما لا يمكن انكار قوته في
الدين وسطوته، وشدة باسه، واني اذا نظرت فيادلتكم وجدتها
واضحة قوية. واذا رايت مذهبكم سب اكابر اصحاب رسول
اللّه(ص) وخواصه الذين سبقوا فيالاسلام، وكانوا من المقربين
عنده حتى تزوج بناتهم وزوجهم بناته، ومدحهم اللّه في كتابه
بقوله: (محمد رسول اللّهوالذين معه اشداء على الكفار حماء
بينهم تراهم ركعا سجدا...)«الفتح: 29» الى آخر الاية، فاذا رايت
ذلك نفرتنفسي، وجزمت بفساد مذهبكم.
فقلت له: ليس في مذهبنا وجوب سبهم، وانما يسبهم عوام
الناس المتعصبون، واما علماؤنا فلم يقل احد بوجوبسبهم،
وهذه كتبهم موجودة.
واقسمت له ايمانا مغلظة بانه لو عاش احد الف سنة وهو يتدين
بمذهب اهل البيتعليهم السلام ويتولاهم، ويتبرا مناعدائهم،
ولم يسب الصحابة قط، لم يكن مخطئا، ولا في ايمانه قصور.
فتهلل وجهه، وانس بذلك لانه صدقني فيه.
فقلت له: اذا ثبت عندك غزارة علم اهل البيتعليهم السلام،
واجتهادهم، وعدالتهم، وترجيحهم على غيرهم، فهماولى
بالاتباع، فتابعهم.
فقال: اشهد على اني متابع لهم، ولكني لا اسب الصحابة.
فقلت: لا تسب احدا منهم، ولكن اذا اعتقدت عظم شان اهل
البيتعليهم السلام عند اللّه ورسوله(ص)، فما تقولفيمن
عاداهم وآذاهم؟
فقال: انا بريء منهم.
فقلت: هذا يكفيني منك.
فاشهد اللّه ورسوله وملائكته انه محب لهم، ومتابع، وبريء من
اعدائهم.
وطلب مني كتابا في فقههم، فدفعت اليه ((النافع))
وتفرقنا.
(2) ثم رايته بعد ذلك في غضب وتكدر من التشيع، بواسطة ما
رسخ في قلبه من عظم شان الصحابة، واعتقاده انالشيعة
تسبهم.
فقلت له في ليلة اخرى: ان عاهدت اللّه على الانصاف، وكتم
الامر علي، بينت لك امر السب فعاهد اللّه على ذلك مادمت حيا
بايمان مغلظة، ونذور مؤكدة.
وسالته: ما تقول في الصحابة الذين قتلوا عثمان؟
فقال: ان ذلك وقع باجتهادهم، وانهم غير ماثومين، وقد صرح
اصحابنا بذلك.
فقلت: وما تقول في عائشة وطلحة والزبير واتباعهم الذين
حاربوا علياعليه السلام (يوم الجمل)، وقتل في حربهم
منالفريقين نحو ستة عشر الفا؟
وما تقول في معاوية واصحابه الذين حاربوا في صفين، وقتل
من الفريقين (نحو) ستين الفا؟
فقال: كالاول.
فقلت: هل جواز الاجتهاد مقر على فرقة من المسلمين دون
فرقة؟
قال: لا كل احد له صلاحية الاجتهاد.
فقلت: اذا جاز الاجتهاد في قتل اكابر الصحابة، وقتل خلفاء
المؤمنين، وحرب اخي رسول اللّه(ص)، وابن عمه وزوجفاطمة
سيدة نساء العالمين، اعلم الخلق، وازهدهم، واقربهم من رسول
اللّه(ص)، ووارث علمه، الذي قام الاسلامبسيفه، ومن اثنى عليه
اللّه ورسوله بما لا يمكن انكاره، حتى جعله اللّه ولي الناس كافة
بقوله تعالى: (انما وليكم اللّهورسوله والذين آمنوا) يعني
علياعليه السلام بالاجماع.
وقال النبي(ص): ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
((انا مدينة العلم وعلي بابها)).
((اللهم آتني باحب خلقك اليك)).
و((انت مني بمنزلة هارون من موسى)) ، واشباه ذلك
مما يطول تعداده فلم لا يجوز الاجتهاد في سب
بعضالصحابة؟! فانا لا نسب الا من علمنا انه اظهر العداوة لاهل
البيت، ونحب المخلصين منهم، الحافظين وصية اللّه
ورسولهفيهم، كسلمان، والمقداد وعمار، وابي ذر، ونتقرب الى
اللّه بحبهم، ونسكت عن المجهول حالهم، هذا اعتقادنافيهم.
وهذا معاوية قد سب علي واهل بيتهعليهم السلام، واستمر
ذلك في زمن بني امية ثمانين سنة، ولم ينقص ذلك منقدره
عندكم.
وكذلك الشيعة اجتهدوا في جواز سب اعداء اهل البيت منهم،
ولو كانوا مخطئين فهم غير ماثومين.
ومدح اللّه تعالى لهم في القرآن نقول به، لانهم ممدوحون بقول
مطلق، لان فيهم اتقياء ابرارا، وليس كلهم كذلك جزما،وحديث
الحوض يوضح ذلك.
وايضا فيهم منافقون بنص القرآن، فلا يمنع مدح اللّه لهم فسق
بعضهم او كفره، واجتهادنا في جواز سب ذلكالبعض.
فقال كالمتعجب : او يجوز الاجتهاد بغير دليل؟!
فقلت: ادلتهم في ذلك كثيرة واضحة.
فقال كالمستبعد: بين لي منها واحدا.
فقلت: ساذكر لك ما لا يمكنك انكاره، وذلك انه قد ثبت
عندكم وعندنا ان النبي(ص) لما جعل اسامةبن زيد
اميراوجهزه الى الشام، امر الصحابة عموما باتباعه، وخصص ابا
بكر وعمر وامرهما باتباعه وقال: ((جهزوا جيش اسامة، لعناللّه
من تاخر عن جيش اسامة)) وقد تخلف الرجلان باجماع
المسلمين، فكانا ملعونين بنص الرسول ونص اللّه،لانه لم ينطق
عن الهوى.
فقال: انما تخلفا باجتهاد، وشفقة على الرسول والمسلمين،
وقالا: ((كيف نمضي ونترك نبينا مريضا، نسال عنه
الركبان؟!))ورايا صلاح المسلمين في تخلفهما.
فقلت: هذا خطا محض، فان الاجتهاد انما يجوز في مسالة لا
نص فيها، ولا يجوز مقابل النص باجماع علماء الاسلام،وقد قال
اللّه تعالى: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) «النجم:
3 و4» فاجتهادهما هذا رد على اللّه وعلىرسوله، وذلك كفر.
وهل يتصور مسلم انهما اعلم بصلاح المسلمين من اللّه
ورسوله؟!
ما هذا (الا) العمى عن الحق والتلبس بالشبهات.
فقال: امهلني حتى انظر.
فقلت: قد امهلتك الى يوم القيامة.
ثم ذكرت له بعد ذلك حديث الحوض، وهو ما رواه في
الجمع بين الصحيحين للحميدي، في الحديث
الحاديوالثلاثين بعد المائة، من المتفق عليه من مسند
انسبن مالك قال: ان النبي(ص) قال: ليردن علي الحوض
رجال ممنصاحبني، حتى اذا رايتهم ورفعوا الي رؤوسهم
اختلجوا، فاقولن: اي رب اصحابي! فيقال لي: انك لا تدري ما
احدثوابعدك.
ورواه ايضا في الجمع بين الصحيحين من مسند ابن عباس
بلفظ آخر، والمعنى متفق، وفي آخره زيادة: ((انهم لم
يزالوامرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم)).
ورواه ايضا في الجمع بين الصحيحين من مسند سهلبن سعد،
في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه، وفيآخره
زيادة: ((فاقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي)).
ورواه ايضا في الحديث السابع والستين بعد المائتين من مسند
ابي هريرة، من عدة طرق، وفي آخره زيادة ((فلا يخلصمنهم
الا همل النعم)).
وقد روى مثل ذلك من مسند عائشة بعدة طرق.
ومن مسند اسماء بنت ابي بكر بعدة طرق.
ومن مسند ام سلمة بعدة طرق.
ومن مسند سعيد بن المسيب بعدة طرق.
وهذا ذم لهم على لسان الرسول(ص) الثابت في صحاحكم، قد
بلغ حد التواتر، وهو عين ما ندعيه من ميل كثير منهمالى
الملك والرئاسة والحياة الدنيا، وبسبب ذلك اظهروا العداوة
لاهل البيتعليهم السلام وجدوا في اذاهم.
وقد سمعنا بسير الملوك الذين قتلوا ابناءهم، والابناء الذين
قتلوا آباءهم حرصا على الملك، واظهر من ذلك في القرآن،فقد
اخبر بوقوع اكبر الكبائر منهم، وهي الفرار من الزحف، قال اللّه
تعالى: (ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغنعنكم شيئا
وضاقت عليكم بما رحبت ثم وليتم مدبرين).
وقد كانوا اكثر من عشرة آلاف فلم يتخلف معه الا عليعليه
السلام والعباس وجماعة اخرى، والباقون سلموا نبيهم
الىالقتل ولم يخشوا العار ولا النار، ولم يستحيوا من اللّه ولا من
رسوله، ومما يشاهد انهما عيانا.
وقال اللّه تعالى: (واذا راوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك
قائما) كانوا يتركون الصلاة خلفه للتفرج على القافلة،
فكيفيستبعد ميلهم الى الدنيا بعده، واتباعهم هوى انفسهم
في طلب الملك، وقد اخبر النبي(ص) بذلك في
الاخبارالمتقدمة.
وذكرت له قول ابي بكر: ((ان لي شيطانا يعتريني)) ،
وعزله عن براءة، فلم يؤمن عليها، وهي سورة
واحدة،وهزيمته وهزيمة عمر في خبير وعدة
مواطن.
ومنعه فاطمة ارثها بحديث تفرد بروايته، مخالف للقرآن يجب
رده، وقالت له : ((اترث اباك ولا ارث ابي؟! افي كتاب
اللّهذلك؟!)).
ويلزم ان يكون النبي(ص) قد قصر في انه لم ينذر الا ابا بكر،
ولم ينذر اهل البيتعليهم السلام، وقد قال اللّه تعالىوانذر
عشيرتك الاقربين).
ومنعها فدك التي انحلها اياها ابوها، وشهد لها على
والحسنانعليهم السلام، وام ايمن، ورد شهادتهم
وهممطهرون تعصبا وعنادا، او جهلا بالاحكام، فماتت مغضبة
عليهما، واوصت الا يصليا عليها، وان تدفن ليلا، وقدقال
ابوها(ص): ((فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني)) ومن
آذى رسول اللّه فقد آذى اللّه.
وقد قال اللّه تعالى: (ان الذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه في
الدنيا والاخرة لهم عذابا مهينا) «الاحزاب:57».
وذكرت له منع عمر من الكتاب الذي لا يضل بعده، وشتمه
للنبي بقوله: ((دعوه فان نبيكم يهجر)) وهذا رد
علىرسول اللّه وعلى اللّه، وهو كفر.
ومنع من المغالاة في المهور فنبهته امراة، فقال: ((كل الناس
افقه من عمى حتى المخدرات (في الحجال))).
وقال: ((متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وانا انهي عنهما،
واعاقب عليهما)) وهذا يقدح في ايمانه.
وابدع في (قيام) نوافل رمضان جماعة، واعترف بانهما بدعة،
مع ان كل بدعة ضلالة.
وذكرت له ان عثمان ولي امور المسلمين للفساق، لمحض
القرابة، بعد ان نهاه الصحابة، ولم يلاحظ اللّه في ذلك
حتىاظهروا المناكير من القتل وشرب الخمر، وضرب
عبداللّه بن مسعود حتى كسر بعض اضلاعه، وضرب
عماربن ياسر حتى حدث به فتق، ونفى ابا ذر مع
عظم شانه، وتقدمه في الاسلام، ولا ذنب له سوى انكاره على
بعضمنكراته.
وآوى طريد رسول اللّه(ص) الى المدينة بعد ان طرده رسول
اللّه منها، وسئل قبل ذلك ابا بكر وعمر في رده فلم
يقبلا،فعند ذلك ثار عليه الناس فقتلوه، وكان الصحابة
والتابعون بين قاتل.
وراض، ولم يحم عنه منهم احد وترك ثلاثة ايام بغير
دفن.
وقد شهد عمار بن ياسر، وزيد بن ارقم، وحذيفةبن اليمان،
وجماعة آخرون بكفره وقالوا: (من لم يحكم بما انزل
اللّهفاولئك هم الكافرون) «المائدة: 44» وكانوا يقولون علانية:
((قتلناه (بحمد اللّه) كافرا)).
ثم بينت له ان عمر قد فتح البلاد بسيوف الصحابة وامداد اهل
البيتعليهم السلام كما نقل، ومع ذلك لا يدل علىمدعاكم
فيه، لان ذلك للزيادة في ملكه، ونحن نجد الملوك يسفكون
الدماء لفتح البلاد والزيادة في الملك، واناستوجب العقاب في
الاخرة، وما فعله عمر لزيادة ملكه واظهار صيته، وليس عليه
في الاخرة منه لوم فاي دليل علىصلاح باطنه؟!
وذكرت له امثال ذلك مما يطول شرحه، واتفق اهل النقل من
الشيعة والسنة والمعتزلة على نقله وصحته، فلم
يمكنهمانكاره، ولهذا تاولوه بتكلفات تصغر عن النقل، ويحكم
بفسادها كل ذي عقل.
وكان يجيبني في المجلس عن بعضها بما ذكروه من التكلفات،
فارده بايسر وجه، وقلت له: ان اتباع الحق يحتاج الىانصاف،
وترك الهوى، والتقليد المالوف، والا فمعاجز نبينا(ص) والدالة
على صدقة، كالقرآن وانشقاق القمر لا تبقىلاحد شكا، والكفار
لما سلكوا التعصب والعناد والتقليد المالوف لهم، نشزت
انفسهم عن قبول ذلك، وقابلوهبالشبهات، فبقوا على كفرهم.
فاعترف بذلك. ودخلت الى عنده يوما، فرايت بين يديه كتبا
منها ((صحيح البخاري))فتذكرت الاحاديث التي فيه ((ان
الائمة اثنا عشر اميرا، فقال كلمة لم اسمعها، فقال ابي: (انه
قال كلهم منقريش.
وثانيهما: الى ابن عيينة قال: قال رسول اللّه(ص): لا يزال امر
الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا.
ثم تكلم بكلمة خفيت علي، فسالت ابي: ماذا قال رسول اللّه؟
فقال: قال: كلهم من قريش.
وروى بطريق آخر الى ابن عمر قال: قال رسول اللّه(ص): لا
يزال هذا الامر في قريش ما بقي منهماثنان.
وذكرت له ان مسلما روى في صحيحه هذا الحديث بلفظه،
وروى مسلم ايضا في صحيحه الحديث الاول بطرقمتعددة،
وكان صحيح مسلم عنده فاتى به، فاريته ذلك فيه.
وفي بعض طرقه: لا يزال هذا الدين عزيزا.
فقلت له: هذا عين ما تقوله الشيعة وشاهد بصحة معتقدهم، فلا
يتم الا على مذهبهم، فيكونون هم ((الفرقة الناجية))لانهم هم
المتمسكون بالخليفتين اللذين لن يفترقا حتى يردا الحوض،
القائلون بالاثنى عشر خليفة، الموادون اهل بيتنبيهمعليهم
السلام، الذين جعل اللّه ودهم اجر الرسالة بقوله تعالى: (قل لا
اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى)«الشورى: 13» فان غير
الشيعة لم يميزوهم، بل قدموا غيرهم عليهم، فلا يضرهم
تلبيس المتلبسين بالشبهات، ولامعاداة المعاندين.
ثم باحثته في مسائل كلامية، كالرؤية، والقضاء، والقدر، وفي
مسائل فرعية كالمسح والمتعة، وذلك بعد ان كان قد
اذعنواستقر الايمان في قلبه، وسب اعداء اهل البيت عموما،
لما تبين له احوالهم، وما وقع منهم، واتضحت له حقيقة
الحال،وصار من خواص الشيعة.
وللّه الحمد اولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى اللّه على سيدنا
محمد وآله الطيبين الطاهرين الى يوم الدين.
تعليق