النبوة - الإسلام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخت إيما مرحبا بك ولم أتعجب من ردودك فقد سبق ونبهت الأخوة المشاركين أنكِ ستقارعينهم الحجة بالحجة ولن يكون الحوار معك سهلا ولا بسيطا ومن طريقة كلامك فإنك لست ممن يلهو ويلعب أو ممن يستفز الآخرين وخاصة اللغة الأدبية التي تسطرين بها كلماتك .. ولكن يا أختاه الثقة الكبيرة والزائدة بالنفس مهما بلغت درجة الذكاء والنباهة تقارب في بعض مراحلها الغرور وهو شيء ممقوت فتنبهي.. وأنصحك كأخ أن تنفتحي على الآخرين وليس فقط أن تقنعيهم بما أنت به مقتنعة فالكل مقتنع بما لديه والأمر ليس سهلاً ولا تنسي يا أختاه أنك لا تحاورين علماء (على ما أظن) ولذلك لن تأخذي كفايتك من أجوبتنا نحن البسطاء (وعلى الأقل أتكلم عن نفسي) والنقاش على هذه الطريقة المطروحة سيطول ويتشعب وتضيع معه الأفكار وقد لا نصل لنتيجة مفيدة...
أعود لكلامك لو سمحتِ وأرد على ما يخصني منه:
خيي أبو اسكندر... مش عارفة كيف أشكرك على محاولتك لإقناعي... لكن أنا مصرة إنو المسيحية هي الصح... وإنتظروني... بس في شي صغير في كلامك أثارني..
أختي الكريمة لا داعي للشكر لأنني لم أكن أحاول إقناعك فما نقلته وقد وجّهته للجميع دون استثناء وهذا ما أؤمن به فعلا والكلام منقول عن أحد مشائخنا الكرام - كما ذكرت سابقاً - وليس لي فيه لا يد ولا حيلة وأنا العبد الفقير لمولاي. وإصرارك أنّ المسيحية هي الصح ليس في محله لأسباب:
- أولا أفضل شخصيا البحث عن ما يوحد ويجمع فنلتقي على نقاط الإتفاق ونبتعد عن نقاط الخلاف...
- إصرارك هذا سيقابله إصرار من الطرف الآخر وإن لم يكن الحوار بناء وعلى أصوله قد نصل لصِدام...
- إذا كان كل منا يقول أنا الصح وغيري غلط فعلى الدنيا السلام وسنقع في شرك العصبية...
- ليس من دين إلا وهو كامل ولكن ممارسة أو فهم الناس لهذا الدين تتفاوت وهنا تقع الأخطاء...
بالنسبة لما ذكرتيه عن تعدد الفرق والقضايا والخلافات العقائدية فهو موجود عند كل الأديان وحتى المسيحية منها وليس الأمر كما ذكرتيه في بعض كلامك بأنه سمن على عسل مع احترامي لكلامك:
يقول, "ول ديورانت":
(أنّ أتباع المسيح انقسموا في القرون الثلاثة الأولى إلى مئة عقيدة وعقيدة.أمّا الشيع الضالة الأخرى فقد كانت مِمّا يخطئه العد والحصر, كالمتخيلة, والثيودوتية, والمتبنية, والظاهرية, والسابلية وغيرهن) قصة الحضارة: ج11, ص 194.
وقد أوضح صاحب الكتاب أنّ المتخيلة هي التي تقول أنّ جسم المسيح لم يكن لحماً ودماً, بل شبحاً وخيالاً.
الثيودوتية: التي لم تر في المسيح أكثر من إنسان.
المتبنية: التي ترى أنّ المسيح كان بمولده رجلاً عادياً.
الظاهرية: القائلة أنّ الأب والإبن والروح القدس ليست أقانيم منفصلة, بل هي صور مختلفة يظهر الله بها للإنسان.
وبعد أن ذكر عدة فرق غيرها وشرح معتقداتها ختم قائلاً:
وهكذا بدأ الجدل الذي دام مئتا عام سينتهي إلى إفناء شخصية المسيح إفناءً تاماً.
وهذه القضايا والخلافات العقائدية في الديانة المسيحية لا تهمّنا وليست من شأننا فلها أهلها والعاملون عليها, ولكن ما نتمناه من أصحابها عدم التدخل في شؤوننا وليهتموا فيما يهمّهم حتى لا يسمعوا ما يغمّهم, فالإسلام والمسلمون رغم ما جرى بينهم بألف خير بالنسبة لغيرهم.
وختاماً أخاطب صاحِبَنا بقول السيد المسيح عليه السلام:
لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي هي في عينيك فلا تفطن لها.
أو كيف تقدر أن تقول لأخيك يا أخي دعني أخرجُ القذى الذي في عينيك وأنت لا تنظر الخشبة التي في عينك.
يا مُرائي
أخرِجْ الخشبة من عينك وحينئذٍ تبصرُ جيداً أن تخرج القذى الذي في عين أخيك.
(انجيل لوقا: الإصحاح السادس 41-42).
مع أننا والحمد لله لا يوجد قذى في أعيننا ولا خلافاتٍ في عقيدتنا...
قبيحٌ من الإنسانِ ينسى عيوبهُ + ويذكرُ عيباً في أخيه قد اختفى
ولو كان ذا عقلٍ لما عابَ غيرهُ + وفيه عيوبٌ لو رآها, بها اكتفى
(أشير إلى أنّني أخذت هذا الكلام من كتاب "المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام" لمؤلفه فضيلة الشيخ حسين محمد المظلوم وذلك في معرض ردّه على الكاتب اللبناني عماد شمعون, في كتابه المطبوع سنة 1955م, تحت عنوان "آية الله السيد حسين فضل الله.. داعية حوار.. أم ذمية", والصادر عن دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلان, بطبعته الأولى ولست أوجّه هذا الكلام للأخت إيما ولكن اقتضت حاجة السؤال).
أما قولك:
بس أنت ما سألت حالك يا أخي أبو إسكندر...؟
هل الله ينزل اليهودية وبعدين يمحيها ثم المسيحية ويمحيها ثم الإسلام؟
طيب وين عدل الله؟ طيب ما قدر ينزل الإسلام مباشرة؟ وشو إللي يضمن للمسلمين إنو إعتقادهم هو آخر إعتقاد؟ وشكراً على حضورك الجميل.... الله يباركك في حياتك ودينونتك.....
وأراك هنا تسحبينني لبقية الأسئلة وكنت أتمنى لو نميت معارفك واطلاعك عن الأديان وبالأخص الإسلام لما احتجت لهذه التساؤلات ومع هذا وذاك فإليك يا أختاه مقتطفات من كتاب (منارة الرشاد إلى صحة الإعتقاد) لمؤلفه فضيلة الشيخ حسين محمد المظلوم علّه يوفي بالغرض من الجواب على ما طرحتيه هنا وفي باقي أسئلتك:
النبوة - المعجزة دليل النبوة - صفات النبوة... هذه ثلاث مباحث وردت حول النبوة في الباب الرابع من هذا الكتاب وأكتفي بذكر ما جاء حول النبوّة وإن أردت الباقي أزودك بهم لاحقاً:
وبعد كلام له في تعريف النبوة يقول:
وبالنتيجة فالنبي شخصٌ من البشر ومن الناس أنفسهم إلا أنه يمتاز عنهم بعـدة خصائص وسنأتي علي بيانها بعون الله فيجتبيه الله تعالى على سائر بني نوعه ويختصه بعنايته وهدايته فيوحي إليه أو يكلمه من وراء حجاب أو يرسل إليه رسولاً لقوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)الشورى/51/ فهذه هي الطرق الثلاث المصرح عنها في كتاب الله والتي يحصل بها اتصال النبي بالله ويتلقى عبرها المعارف الإلهية والتي فيها السعادة اللامتناهية ويأمره بهداية سائر الناس بها وإبلاغهم إياها لتتم الحجة عليهم وتنفتح أمامهم سُبل النجاح والفلاح لأنه من المعلوم وبالإجماع بأن الله جلّ جلاله وتقدس كماله لم يخلق هذا الخلق العظيم عبثاً بل خلقهم لحكمة بالغة ومصلحة نافعة تعود عليهم وهي العبادة له والانصياع لأمره وقد تقدم لنا إيضاح ذلك، وتقرر انه لم يتركهم سُدى فثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن لا بد لهم حينئذٍ من نبي مرشدٍ لهم، يهديهم إلى سبيل الهُدى ويردعهم عن سبيل الغي والردى ليبين لهم الحـــق والصواب ويظهر لهم ما هم صائرون إليه من الثواب والعقاب ، ومن كمال لطف الله بالإنسان أنه قد زوده بالفطـــرة لتهديه إلى طريق الخير والصلاح ليسلكه ويصل إلى هدفه وربما انحرف الإنسان عن الطريق القويم الذي تفرضه الفطرة فلا تتمكن بعد هذا من القيام بعملها المتمثل في هدايته، وهنا يأتي دور النبوة في حياة الإنسان لأن الله أجل وأعظم وألطف من أن يتركه يتابع سيره الخاطئ الذي يبعده عن كماله بل يرسل له الأنبياء والرسل ليقوّموا اعوجاجه ويعيدوه إلى فطرته لقول أمير المؤمنين عليه السلام:
(واصطفى سبحانه من ولده (أي من ولد آدم) أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقه واتخذوا الأنداد معه واجتالتهم الشياطينُ عن معـرفته واقتطعتهـم عن عبادته، فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءَه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول ، ويروهم الآيات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعائش تحييهم، وآجالٍ تفنييهم، وأوصاب تهرمهم، وأحداث تتتابع عليهم0
ولم يخلِ الله سبحانه خلقه من نبي مُرسل ، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة، رُسُلٌ لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكذبين لهم، من سابق سمي له من بعده، أو غابرٍ عرفه من قبله)0 (نهج البلاغة)
وعلى هذا الأساس الواضح كانت بعثة الرسل العظام من لدن آدم إلى ما بعد عيسى عليهم السلام إذ حمل كل واحد منهم إلى قومه رسالة ربه ودعاهم إلى التوحيد وعبادة الله، ونبذ ما هم عليه مــن ضلال وكفر ، فمنهم مـن آمن به، ومنهم من صدّ عنه فأخذ الله بعض هؤلاء الصادّين بعـذاب أليم، وبعضهم بريح عاصف، وبعضهم بطوفان مغرق إلى غير ذلك من أنواع التنكيل والتعذيب، وكان كل رسول يُبعث برسالة تطابق روح عصره وتلائم أهل زمانه، وكان الجميع يتحدثون في أصول العقائد وأمهات التوحيد، ويختلفون فيما وراء ذلك وكان كل رسول يُرسل إلى قوم معيّنين وجماعة مخصوصين لا يتخطاهم ولا يدعو سواهم (إلى أن بعث الله سبحانه محمداً صلى الله عليه وآله لإنجاز عدته وإتمام نبوته، مأخوذاً على النبيين ميثاقه مشهورة سماته، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذٍ مللٌ متفرقة، وأهواء منتشرةٌ ، وطوائف متشتتةٌ بين مشبهٍ لله بخلقه، أو ملحدٍ في اسمه، أو مشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة) نهج البلاغة (أرسله بالدين المشهور والعلم المأثور ، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع،والأمر الصادع، إزاحــــة للشبهات واحتجاجاً بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمثلات)،(فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً، وأعز الأرومات مغرساً، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه، وانتخب منها أمناءه، عترته خير العتر، واسرته خير الأسر، وشجرته خيرُ الشجر،نبتت في حرمٍ، وبسقت في كرم، لها فــروعٌطوالٌ، وثمرٌ لا ينال، فهو إمام من أتقى، وبصيرة من اهتدى0 سراج لمع ضوءُه، وشهاب سطع نوره، وزندٌ برق لمعه، سيرته القصد، وسنته الرشد، وكلامه الفصل، وحكمه العدل، على حين فترة من الرسل، وهفـــوة عن العمــل، وغباوة من العمل)، (فبالغ في النصيحة، ومضى على الطريق، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة) نهج البلاغة0
فقام في الدعوة سراً في بادئ الأمر، ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، فأنذرهم وحذرهم،ثم أمره أن يجهر بالدعوة وأن يعلنها للناس جميعاً وأن يدعوهم إليها فصدع بالأمر وأرسلها مدويةً في الآفاق، وأعلن للناس مبدأه العام الخالد (أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله) فملأ به سمع الدنيا واهتزت له جنبات الأرض ورؤوس الجبال، وقد أرسل بكتبه الداعية إلى الله إلى هرقل وإلى كسرى وإلى المقوقس وإلى غيرهم من أساطين العالم يوم ذاك فزُلزلت عروشهم وهدت ممالكهم وقوضت تيجانهم0
ولما استتب الأمر له ص وقويت شوكت الدين، وهدأ الصحابة العاملون أخذ يبين لهم الأحكام ويبلغ ما أمر الله به ويوضح من التنزيل ما اشتكل أمره عليهم واُبهم لديهم، وأذن في الناس جميعاً بقوة وحمية (الناسُ سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) فسوّى بين الصغير والكبيروالعظيم والحقير في حدود الدين فلم يترك غنياً لغناه، ولا وجيهاً لجاهه، ولا حابى عظيماً لعظمته، ولا أميراً لإمارته، فمحا فوارق الطبقات، وبث دعائم المساواة، والمآخاةبين الناس، وأعلن استقلال الفكر والحرية في الرأي بشرط ألا يخرج واحد منهما عن دائرته المشروعة0
==============================================
==============================================
أما حديثك عن الإسلام فقد ورد في نفس الكتاب الباب الأول عدة مباحث هي: الدين - الإسلام - الإيمان - اليقين المعرفة.. أنتقي لك ما يخص حول الإسلام وعذراً على التطويل الذي لا غنى عنه لإشباع كل الأفكار المطروحة:
الإسلام هو التسليم لله بقلب سليم ، والعمل بأحكامه من أصول اعتقادية إيمانية وفروع فقهية تعبدية ، وهو الخضوع والانقياد لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو دين كافة الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين وملائكة الله المقربين لقوله تعالى في كتابه المبين: ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ )،( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 0)
فالإسلام دين كائن قديم من قوله تعالى: ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ) وليس المراد بالقدم انه جاء قبل الأديان ولكن المراد أن قواعده السامية مقررة قديمة إذ أنه لم يأتِ بجديد في أصول الأديان بل جاء يوحدها وينظفها مما شابها من الأفكار والتقاليد، وجدد من القواعد والنظم ما يساير أحوال الناس في كل زمان ومكان، واستبعد من القواعد والتشاريع ما لا يتفق مع طبيعة البشرية، وما تتعفف عنه الانسانية0
فالدين الإسلامي خالدٌ بدليل أن الباحث في قواعده السامية ومبادئه الصالحة المستقيمة يجد أنها تتماشى مع الفطرة وتتفق مع الذوق السليم، لأنه دينُ الفطرة من قوله تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم ُ)الروم/30
وقد عرّفه أمير المؤمنين بأجلى بيان وأوضح برهان ونسبه نسبةً لم يسبقه إليها سابقٌ ولن يلحقه بها لاحقٌ عندما قال: (الإسلام هو التسليم والتسليم هو التصديق ، والتصديق هو اليقين، واليقين هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل0) (نهج البلاغة)
ومهما بالغ الإنسان في وصفه فلن يصل إلى هذا المستوى الراقي من التصوير فالإسلام جامعٌ وكاملٌ لا يوجد شيءٌ يُطلب من خارجه فهو مقرون بالتقوى والهدى والحياء والورع والدين والعمل الصالح، وأساسه حب أهل البيت عليهم السلام لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا يدخل الجنة إلا من كان مسلماً0
فقال له أبو ذر: يا رسول الله وما الإسلام؟
فقال: الإسلام عريان ولباسه التقوى، وشعاره الهدى، ودثاره الحياء، وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل الصالح، ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت0)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة، وجعل له نوراً، وجعل له حصناً، وجعل له ناصراً، فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم)0
فالإسلام أولُ مراتب العبودية وجوهره التسليم الذي لا يكون إلا بقلب سليم ، وعلامته الصدق والشكر والحياء وحسن الخلق ، وهو مقرونٌ بالتصديق المعبّر عنه بالإيمان الذي لا يتم إلا باليقين الخالي من الظن والتخمين لأن للإيمان درجات متفاوتات ومراتب متداخلات واليقين أعلاها وأسماها، وهو يُترجمُ بالإقرار الصادق والأداء الخالص والعمل الكامل0
فالإسلام علمٌ وعملٌ0
والعلمُ إيمانٌ ويقين0
والعملُ إقرارٌ وطاعةٌ0
وقد أوضح السيدُ الرسول صلى الله عليه وآله علامات الإسلام بقوله ص وآله: وأما علاماته فهي الإيمان والعلم والعمل0
أما علامات الإيمان فأربعةٌ: الإقرار بتوحيد الله، والإيمان به، والإيمان بكتبه، والإيمان برسله0
وأما علامة العلم فأربعةٌ: العلم بالله، والعلم بمحبيه، والعلم بفرائضه،والحفظ لها حتى تؤدى 0
وأما علامة العمل : فالصلاة والصوم والزكاة والإخلاص0
أما قواعده: فهي سبعةٌ شرحها أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد فقال: قواعد الإسلام سبعةٌ:
فأولها: العقل وعليه بني الصبرُ0
والثانية: صون العرض وصدق اللهجة0
والثالثة: تلاوة القرآن على جهته0
والرابعة: الحب في الله والبغض في الله0
والخامسة: حق آل محمد(ع) ومعرف ولايتهم0
والسادسة: حق الأخوان والمحاماة عليهم0
والسابعة: مجاورة الناس بالحسنى0
فهذا هو الإسلام الجامع للأصول والفروع والآداب والحاوي لجميع معارف الدنيا والآخرة ، وهو كنه الأديان السماوية وحقيقتها وليس وراءه إلا الوثنية والإشراك، وانه سببُ النجاة في كل وحي سماوي وقد دانت به الرسلُ الكرام والأنبياء العظام، وهو دين الرحمة والعدل، دينٌ حميدٌ بأخلاقه، عظيمٌ بقانونه، حكيمٌ بدستوره، عادلٌ بنظامه، وإن الله عز وجل لم يطلق لفظة مسلم أو مسلمين على أمةٍ خاصةٍ أو أهل دينٍ خاصٍ وإنما على الذين أسلموا له ضمائرهم وعقولهم مخلصين صادقين من أهل الأديان جميعاً وإن ما جعل الإسلام مختصاً بالشريعة المحمدية خاصة ذلك من باب تغليب جانب السلطة القادرة المفكرة الخبيرة بتصرف الأمور على ما سواها من الشرائع الدينية والنواميس الإلهية، وذلك بما انطوى تحتها من تدبير شؤون الدولة والقيام بعزم وحزم على إدارة سياستها الأهلية والاقتصادية والمدنية كاقامة الحدود وتوزيع المناصب الدينية التي لا تنعقد صحيحة إلا في استدلال الأحكام الشرعية الفرعية من أصول القرآن والحديث والإجماع والعقل0
وبالنتيجة فإن الإسلام هو دين الاجتماع وإذا صلح الاجتماع كانت المدنية الحقة والسعادة المنشودة فلما جاء حرر العقل من ربقة التقليد الأعمى وسلطان الأوهام، وأطلق الفكر من عقاله يجول في ملكوت السموات والأرض، وما خلق الله من شيء ، ويطرد بنوره الساطع ظلام الجهل ، ويبدد بأشعته الوهاجة سُحُبَ التضليل والخرافات والسخافات فجنى العالم من غرس مبادئه القويمة ثمار الحكمة والاتزان واعتدال الرأي وسلامة الفكر وعلو الهمة وكمال الإيمان ، وفتح باب الاجتهاد وتصريف المواهب والقوى لما خلقت لإجله0
فقد كان الناس في جزيرة العرب قبل الإسلام أقرب إلى الوحشية منهم إلى الإنسانية ، كانوا يئدون البنات ويلعبون الميسر ويشنون الغارات لأوهن الأسباب ، وكانوا يتخذون الأصنام آلهةً لا كلمة تربطهم ، ولا نظام يرتب صفوفهم، يتباغضون ويتحاسدون وكانوا أقرب إلى الوحوش الضواري منهم إلى الإنسان العاقل، وبقي العرب على هذه الحالة حتى دوى صوتُ محمد في جزيرة العرب فخشعت الأصوات لدويه، وتفتحت القلوب لهديه بعد طول عناء ، وسعد الناس برسالته بعد طول الشقاء ، فدعاهم إلى معرفة الله والهدى ودين الحق ، وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد0
أخذ الإسلام أنصاره بالتصون للنفس والتجافي عن مواضع النقص، والأنف من الرضاء بالجهل والغباوة أو الضعة أو الضراعة، وهذا خُلقٌ ينهض ولا شك بصاحبه إلى الفضائل وينفر به عن الشهوات الجامحة ويحثه على طلب الكمال0
فالإسلام هو الرسالة السماوية الكاملة والمكملة للنفوس الفاضلة والمنقذة لها من الأعلاق الفاسدة، وكمال الإسلام عند ذوي الأفهام هو الإيمان، والإيمان في منهاجنا العلوي هو إخلاص الولاية لمن أمر الله بولائهم واتباعهم والإقتداء بهم قولاً وفعلاً0
وأختم هذا الفصل بما روي عن أمير المؤمنين في وصف الإسلام قال:
(أما بعد فإن الله تبارك وتعالى شرع الإسلام وسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه لمن حاربه، وجعله عزاً لمن تولاه، وسلماً لمن دخله، وهُدى لمن ائتم به، وزينة لمن تجلله، وعُذراً لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به، وحبلاً لمن استمسك به، وبرهاناً لمن تكلم به، ونوراً لمن استضاء به، وعوناً لمن استغاث به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاج به، وعلماً لمن وعاه، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن قضى، وحلماً لمن جرب، ولباساً لمن تدبر، وفهماً لمن تفطن، ويقيناً لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، وتوءدة لمن أصلح، وزُلفى لمن اقترب، وثقة لمن توكل، ورجاء لمن فوض، وسبقة لمن أحسن، وخيراً لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباساً لمن اتقى، وظهيراً لمن رشد، وكهفاً لمن آمن، وآمنة لمن أسلم، ورجاءً لمن صدق، وغنى لمن قنع.
فذلك الحق، سبيله الهدى، ومآثره المجد، وصفته الحسنى، فهو أبلج المنهاج، مشرق المنار ، ذاكي المصباح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، سريع السبقة، أليم النقمة، كامل العدة، كريم الفرسان.
فالإيمان منهاجه، والصالحات، مناره، والفقه مصابيحه، والدنيا مضماره، والموت غايته، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه0
فبالإيمان يُستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يُرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة، وبالقيامة تُزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة المتقين، والتقوى سنح الإيمان
وقال عليه السلام:
(إن الله خصكم بالإسلام ،واستخلصكم له، وذلك لأنه اسم سلامة، وجماع كرامة، اصطفى الله تعالى منهجه، وبين حججه، من ظاهر علم، وباطن حكم، لا تفنى غرائبه، ولا تنقضي عجائبه، فيه مرابيع النعم، ومصابيح الظلم، لا تفتح الخيرات إلا بمفاتيحه، ولا تكشف الظلمات إلا بمصابيحه، قد أحمى حماه، وأرعى مرعاه، فيه شفاءُ المستشفي، وكفاية المكتفي)0
وقال عليه السلام:
(إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه، واصطنعه على عينه، واصطفاه خيرة خلقه، وأقام دعائمه على محبته، أذل الأديان بعزته، ووضع الملل برفعه، وأهان أعداءه بكرامته، وخذل محاديه بنصره، وهدم أركان الضلالة بركنه، وسقى من عطش من حياضه، وأتأق الحياض بمواتحه، ثم جعله لا انفصام لعروته، ولا فك لحلقته، ولا انهدام لأساسه، ولا زوال لدعائمــه، ولا انقلاع لشجرته، ولا انقطاع لمدته، ولا عفاء لشرائعه، ولا جذّ لفروعه، ولا ضنك لطرقه، ولا وعوثة لسهولته، ولا سواد لوضوحه، ولا عوج لانتصابه، ولا عَصَلَ في عوده،ولا وعث لفجه، ولا انطفاء لمصابيحه، ولا مرارة لحلاوته، فهو دعائمُ أساخَ في الحق أسناخها، وثبت لها أساسها، وينابيع غزرت عيونها، ومصابيح شبت نيرانها، ومنار اقتدى بها سُفارها، واعلام قصد بها فجاجها ، ومناهل روي بها ورادها، جعل الله فيه منتهى رضوانه، وذروة دعائمه، وسنام طاعته، فهو عند الله وثيق ، رفيع البنيان، منير البرهان، مضيء النيران، عزيز السلطان، مشرف المنار، مُعوِذُ المثال، فشرفوه واتبعوه، وأدوا إليه حقه، وضعوه مواضعه)0
خادم أهل الولاية جمعاء
أخوكم الأصغر
أبو اسكندر
المشاركة الأصلية بواسطة Lady Emma
الأخت إيما مرحبا بك ولم أتعجب من ردودك فقد سبق ونبهت الأخوة المشاركين أنكِ ستقارعينهم الحجة بالحجة ولن يكون الحوار معك سهلا ولا بسيطا ومن طريقة كلامك فإنك لست ممن يلهو ويلعب أو ممن يستفز الآخرين وخاصة اللغة الأدبية التي تسطرين بها كلماتك .. ولكن يا أختاه الثقة الكبيرة والزائدة بالنفس مهما بلغت درجة الذكاء والنباهة تقارب في بعض مراحلها الغرور وهو شيء ممقوت فتنبهي.. وأنصحك كأخ أن تنفتحي على الآخرين وليس فقط أن تقنعيهم بما أنت به مقتنعة فالكل مقتنع بما لديه والأمر ليس سهلاً ولا تنسي يا أختاه أنك لا تحاورين علماء (على ما أظن) ولذلك لن تأخذي كفايتك من أجوبتنا نحن البسطاء (وعلى الأقل أتكلم عن نفسي) والنقاش على هذه الطريقة المطروحة سيطول ويتشعب وتضيع معه الأفكار وقد لا نصل لنتيجة مفيدة...
أعود لكلامك لو سمحتِ وأرد على ما يخصني منه:
خيي أبو اسكندر... مش عارفة كيف أشكرك على محاولتك لإقناعي... لكن أنا مصرة إنو المسيحية هي الصح... وإنتظروني... بس في شي صغير في كلامك أثارني..
أختي الكريمة لا داعي للشكر لأنني لم أكن أحاول إقناعك فما نقلته وقد وجّهته للجميع دون استثناء وهذا ما أؤمن به فعلا والكلام منقول عن أحد مشائخنا الكرام - كما ذكرت سابقاً - وليس لي فيه لا يد ولا حيلة وأنا العبد الفقير لمولاي. وإصرارك أنّ المسيحية هي الصح ليس في محله لأسباب:
- أولا أفضل شخصيا البحث عن ما يوحد ويجمع فنلتقي على نقاط الإتفاق ونبتعد عن نقاط الخلاف...
- إصرارك هذا سيقابله إصرار من الطرف الآخر وإن لم يكن الحوار بناء وعلى أصوله قد نصل لصِدام...
- إذا كان كل منا يقول أنا الصح وغيري غلط فعلى الدنيا السلام وسنقع في شرك العصبية...
- ليس من دين إلا وهو كامل ولكن ممارسة أو فهم الناس لهذا الدين تتفاوت وهنا تقع الأخطاء...
بالنسبة لما ذكرتيه عن تعدد الفرق والقضايا والخلافات العقائدية فهو موجود عند كل الأديان وحتى المسيحية منها وليس الأمر كما ذكرتيه في بعض كلامك بأنه سمن على عسل مع احترامي لكلامك:
يقول, "ول ديورانت":
(أنّ أتباع المسيح انقسموا في القرون الثلاثة الأولى إلى مئة عقيدة وعقيدة.أمّا الشيع الضالة الأخرى فقد كانت مِمّا يخطئه العد والحصر, كالمتخيلة, والثيودوتية, والمتبنية, والظاهرية, والسابلية وغيرهن) قصة الحضارة: ج11, ص 194.
وقد أوضح صاحب الكتاب أنّ المتخيلة هي التي تقول أنّ جسم المسيح لم يكن لحماً ودماً, بل شبحاً وخيالاً.
الثيودوتية: التي لم تر في المسيح أكثر من إنسان.
المتبنية: التي ترى أنّ المسيح كان بمولده رجلاً عادياً.
الظاهرية: القائلة أنّ الأب والإبن والروح القدس ليست أقانيم منفصلة, بل هي صور مختلفة يظهر الله بها للإنسان.
وبعد أن ذكر عدة فرق غيرها وشرح معتقداتها ختم قائلاً:
وهكذا بدأ الجدل الذي دام مئتا عام سينتهي إلى إفناء شخصية المسيح إفناءً تاماً.
وهذه القضايا والخلافات العقائدية في الديانة المسيحية لا تهمّنا وليست من شأننا فلها أهلها والعاملون عليها, ولكن ما نتمناه من أصحابها عدم التدخل في شؤوننا وليهتموا فيما يهمّهم حتى لا يسمعوا ما يغمّهم, فالإسلام والمسلمون رغم ما جرى بينهم بألف خير بالنسبة لغيرهم.
وختاماً أخاطب صاحِبَنا بقول السيد المسيح عليه السلام:
لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي هي في عينيك فلا تفطن لها.
أو كيف تقدر أن تقول لأخيك يا أخي دعني أخرجُ القذى الذي في عينيك وأنت لا تنظر الخشبة التي في عينك.
يا مُرائي
أخرِجْ الخشبة من عينك وحينئذٍ تبصرُ جيداً أن تخرج القذى الذي في عين أخيك.
(انجيل لوقا: الإصحاح السادس 41-42).
مع أننا والحمد لله لا يوجد قذى في أعيننا ولا خلافاتٍ في عقيدتنا...
قبيحٌ من الإنسانِ ينسى عيوبهُ + ويذكرُ عيباً في أخيه قد اختفى
ولو كان ذا عقلٍ لما عابَ غيرهُ + وفيه عيوبٌ لو رآها, بها اكتفى
(أشير إلى أنّني أخذت هذا الكلام من كتاب "المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام" لمؤلفه فضيلة الشيخ حسين محمد المظلوم وذلك في معرض ردّه على الكاتب اللبناني عماد شمعون, في كتابه المطبوع سنة 1955م, تحت عنوان "آية الله السيد حسين فضل الله.. داعية حوار.. أم ذمية", والصادر عن دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلان, بطبعته الأولى ولست أوجّه هذا الكلام للأخت إيما ولكن اقتضت حاجة السؤال).
أما قولك:
بس أنت ما سألت حالك يا أخي أبو إسكندر...؟
هل الله ينزل اليهودية وبعدين يمحيها ثم المسيحية ويمحيها ثم الإسلام؟
طيب وين عدل الله؟ طيب ما قدر ينزل الإسلام مباشرة؟ وشو إللي يضمن للمسلمين إنو إعتقادهم هو آخر إعتقاد؟ وشكراً على حضورك الجميل.... الله يباركك في حياتك ودينونتك.....
وأراك هنا تسحبينني لبقية الأسئلة وكنت أتمنى لو نميت معارفك واطلاعك عن الأديان وبالأخص الإسلام لما احتجت لهذه التساؤلات ومع هذا وذاك فإليك يا أختاه مقتطفات من كتاب (منارة الرشاد إلى صحة الإعتقاد) لمؤلفه فضيلة الشيخ حسين محمد المظلوم علّه يوفي بالغرض من الجواب على ما طرحتيه هنا وفي باقي أسئلتك:
النبوة - المعجزة دليل النبوة - صفات النبوة... هذه ثلاث مباحث وردت حول النبوة في الباب الرابع من هذا الكتاب وأكتفي بذكر ما جاء حول النبوّة وإن أردت الباقي أزودك بهم لاحقاً:
وبعد كلام له في تعريف النبوة يقول:
وبالنتيجة فالنبي شخصٌ من البشر ومن الناس أنفسهم إلا أنه يمتاز عنهم بعـدة خصائص وسنأتي علي بيانها بعون الله فيجتبيه الله تعالى على سائر بني نوعه ويختصه بعنايته وهدايته فيوحي إليه أو يكلمه من وراء حجاب أو يرسل إليه رسولاً لقوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)الشورى/51/ فهذه هي الطرق الثلاث المصرح عنها في كتاب الله والتي يحصل بها اتصال النبي بالله ويتلقى عبرها المعارف الإلهية والتي فيها السعادة اللامتناهية ويأمره بهداية سائر الناس بها وإبلاغهم إياها لتتم الحجة عليهم وتنفتح أمامهم سُبل النجاح والفلاح لأنه من المعلوم وبالإجماع بأن الله جلّ جلاله وتقدس كماله لم يخلق هذا الخلق العظيم عبثاً بل خلقهم لحكمة بالغة ومصلحة نافعة تعود عليهم وهي العبادة له والانصياع لأمره وقد تقدم لنا إيضاح ذلك، وتقرر انه لم يتركهم سُدى فثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن لا بد لهم حينئذٍ من نبي مرشدٍ لهم، يهديهم إلى سبيل الهُدى ويردعهم عن سبيل الغي والردى ليبين لهم الحـــق والصواب ويظهر لهم ما هم صائرون إليه من الثواب والعقاب ، ومن كمال لطف الله بالإنسان أنه قد زوده بالفطـــرة لتهديه إلى طريق الخير والصلاح ليسلكه ويصل إلى هدفه وربما انحرف الإنسان عن الطريق القويم الذي تفرضه الفطرة فلا تتمكن بعد هذا من القيام بعملها المتمثل في هدايته، وهنا يأتي دور النبوة في حياة الإنسان لأن الله أجل وأعظم وألطف من أن يتركه يتابع سيره الخاطئ الذي يبعده عن كماله بل يرسل له الأنبياء والرسل ليقوّموا اعوجاجه ويعيدوه إلى فطرته لقول أمير المؤمنين عليه السلام:
(واصطفى سبحانه من ولده (أي من ولد آدم) أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقه واتخذوا الأنداد معه واجتالتهم الشياطينُ عن معـرفته واقتطعتهـم عن عبادته، فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءَه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول ، ويروهم الآيات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعائش تحييهم، وآجالٍ تفنييهم، وأوصاب تهرمهم، وأحداث تتتابع عليهم0
ولم يخلِ الله سبحانه خلقه من نبي مُرسل ، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة، رُسُلٌ لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكذبين لهم، من سابق سمي له من بعده، أو غابرٍ عرفه من قبله)0 (نهج البلاغة)
وعلى هذا الأساس الواضح كانت بعثة الرسل العظام من لدن آدم إلى ما بعد عيسى عليهم السلام إذ حمل كل واحد منهم إلى قومه رسالة ربه ودعاهم إلى التوحيد وعبادة الله، ونبذ ما هم عليه مــن ضلال وكفر ، فمنهم مـن آمن به، ومنهم من صدّ عنه فأخذ الله بعض هؤلاء الصادّين بعـذاب أليم، وبعضهم بريح عاصف، وبعضهم بطوفان مغرق إلى غير ذلك من أنواع التنكيل والتعذيب، وكان كل رسول يُبعث برسالة تطابق روح عصره وتلائم أهل زمانه، وكان الجميع يتحدثون في أصول العقائد وأمهات التوحيد، ويختلفون فيما وراء ذلك وكان كل رسول يُرسل إلى قوم معيّنين وجماعة مخصوصين لا يتخطاهم ولا يدعو سواهم (إلى أن بعث الله سبحانه محمداً صلى الله عليه وآله لإنجاز عدته وإتمام نبوته، مأخوذاً على النبيين ميثاقه مشهورة سماته، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذٍ مللٌ متفرقة، وأهواء منتشرةٌ ، وطوائف متشتتةٌ بين مشبهٍ لله بخلقه، أو ملحدٍ في اسمه، أو مشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة) نهج البلاغة (أرسله بالدين المشهور والعلم المأثور ، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع،والأمر الصادع، إزاحــــة للشبهات واحتجاجاً بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمثلات)،(فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً، وأعز الأرومات مغرساً، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه، وانتخب منها أمناءه، عترته خير العتر، واسرته خير الأسر، وشجرته خيرُ الشجر،نبتت في حرمٍ، وبسقت في كرم، لها فــروعٌطوالٌ، وثمرٌ لا ينال، فهو إمام من أتقى، وبصيرة من اهتدى0 سراج لمع ضوءُه، وشهاب سطع نوره، وزندٌ برق لمعه، سيرته القصد، وسنته الرشد، وكلامه الفصل، وحكمه العدل، على حين فترة من الرسل، وهفـــوة عن العمــل، وغباوة من العمل)، (فبالغ في النصيحة، ومضى على الطريق، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة) نهج البلاغة0
فقام في الدعوة سراً في بادئ الأمر، ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، فأنذرهم وحذرهم،ثم أمره أن يجهر بالدعوة وأن يعلنها للناس جميعاً وأن يدعوهم إليها فصدع بالأمر وأرسلها مدويةً في الآفاق، وأعلن للناس مبدأه العام الخالد (أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله) فملأ به سمع الدنيا واهتزت له جنبات الأرض ورؤوس الجبال، وقد أرسل بكتبه الداعية إلى الله إلى هرقل وإلى كسرى وإلى المقوقس وإلى غيرهم من أساطين العالم يوم ذاك فزُلزلت عروشهم وهدت ممالكهم وقوضت تيجانهم0
ولما استتب الأمر له ص وقويت شوكت الدين، وهدأ الصحابة العاملون أخذ يبين لهم الأحكام ويبلغ ما أمر الله به ويوضح من التنزيل ما اشتكل أمره عليهم واُبهم لديهم، وأذن في الناس جميعاً بقوة وحمية (الناسُ سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) فسوّى بين الصغير والكبيروالعظيم والحقير في حدود الدين فلم يترك غنياً لغناه، ولا وجيهاً لجاهه، ولا حابى عظيماً لعظمته، ولا أميراً لإمارته، فمحا فوارق الطبقات، وبث دعائم المساواة، والمآخاةبين الناس، وأعلن استقلال الفكر والحرية في الرأي بشرط ألا يخرج واحد منهما عن دائرته المشروعة0
فهذه هي الحكمة التي من أجلها بعث الله الأنبياء، وهذا هو الهدف من بعثتهم لهداية الناس إلى معرفة ربهم واعادتهم إلى فطرتهم الأولى التي فُطروا عليها فسبحان الفاعل لما يشاء وهو على كل شيء قدير0
==============================================
==============================================
أما حديثك عن الإسلام فقد ورد في نفس الكتاب الباب الأول عدة مباحث هي: الدين - الإسلام - الإيمان - اليقين المعرفة.. أنتقي لك ما يخص حول الإسلام وعذراً على التطويل الذي لا غنى عنه لإشباع كل الأفكار المطروحة:
الإسلام هو التسليم لله بقلب سليم ، والعمل بأحكامه من أصول اعتقادية إيمانية وفروع فقهية تعبدية ، وهو الخضوع والانقياد لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو دين كافة الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين وملائكة الله المقربين لقوله تعالى في كتابه المبين: ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ )،( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 0)
فالإسلام دين كائن قديم من قوله تعالى: ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ) وليس المراد بالقدم انه جاء قبل الأديان ولكن المراد أن قواعده السامية مقررة قديمة إذ أنه لم يأتِ بجديد في أصول الأديان بل جاء يوحدها وينظفها مما شابها من الأفكار والتقاليد، وجدد من القواعد والنظم ما يساير أحوال الناس في كل زمان ومكان، واستبعد من القواعد والتشاريع ما لا يتفق مع طبيعة البشرية، وما تتعفف عنه الانسانية0
فالدين الإسلامي خالدٌ بدليل أن الباحث في قواعده السامية ومبادئه الصالحة المستقيمة يجد أنها تتماشى مع الفطرة وتتفق مع الذوق السليم، لأنه دينُ الفطرة من قوله تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم ُ)الروم/30
وقد عرّفه أمير المؤمنين بأجلى بيان وأوضح برهان ونسبه نسبةً لم يسبقه إليها سابقٌ ولن يلحقه بها لاحقٌ عندما قال: (الإسلام هو التسليم والتسليم هو التصديق ، والتصديق هو اليقين، واليقين هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل0) (نهج البلاغة)
ومهما بالغ الإنسان في وصفه فلن يصل إلى هذا المستوى الراقي من التصوير فالإسلام جامعٌ وكاملٌ لا يوجد شيءٌ يُطلب من خارجه فهو مقرون بالتقوى والهدى والحياء والورع والدين والعمل الصالح، وأساسه حب أهل البيت عليهم السلام لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا يدخل الجنة إلا من كان مسلماً0
فقال له أبو ذر: يا رسول الله وما الإسلام؟
فقال: الإسلام عريان ولباسه التقوى، وشعاره الهدى، ودثاره الحياء، وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل الصالح، ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت0)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة، وجعل له نوراً، وجعل له حصناً، وجعل له ناصراً، فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم)0
فالإسلام أولُ مراتب العبودية وجوهره التسليم الذي لا يكون إلا بقلب سليم ، وعلامته الصدق والشكر والحياء وحسن الخلق ، وهو مقرونٌ بالتصديق المعبّر عنه بالإيمان الذي لا يتم إلا باليقين الخالي من الظن والتخمين لأن للإيمان درجات متفاوتات ومراتب متداخلات واليقين أعلاها وأسماها، وهو يُترجمُ بالإقرار الصادق والأداء الخالص والعمل الكامل0
فالإسلام علمٌ وعملٌ0
والعلمُ إيمانٌ ويقين0
والعملُ إقرارٌ وطاعةٌ0
وقد أوضح السيدُ الرسول صلى الله عليه وآله علامات الإسلام بقوله ص وآله: وأما علاماته فهي الإيمان والعلم والعمل0
أما علامات الإيمان فأربعةٌ: الإقرار بتوحيد الله، والإيمان به، والإيمان بكتبه، والإيمان برسله0
وأما علامة العلم فأربعةٌ: العلم بالله، والعلم بمحبيه، والعلم بفرائضه،والحفظ لها حتى تؤدى 0
وأما علامة العمل : فالصلاة والصوم والزكاة والإخلاص0
أما قواعده: فهي سبعةٌ شرحها أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد فقال: قواعد الإسلام سبعةٌ:
فأولها: العقل وعليه بني الصبرُ0
والثانية: صون العرض وصدق اللهجة0
والثالثة: تلاوة القرآن على جهته0
والرابعة: الحب في الله والبغض في الله0
والخامسة: حق آل محمد(ع) ومعرف ولايتهم0
والسادسة: حق الأخوان والمحاماة عليهم0
والسابعة: مجاورة الناس بالحسنى0
فهذا هو الإسلام الجامع للأصول والفروع والآداب والحاوي لجميع معارف الدنيا والآخرة ، وهو كنه الأديان السماوية وحقيقتها وليس وراءه إلا الوثنية والإشراك، وانه سببُ النجاة في كل وحي سماوي وقد دانت به الرسلُ الكرام والأنبياء العظام، وهو دين الرحمة والعدل، دينٌ حميدٌ بأخلاقه، عظيمٌ بقانونه، حكيمٌ بدستوره، عادلٌ بنظامه، وإن الله عز وجل لم يطلق لفظة مسلم أو مسلمين على أمةٍ خاصةٍ أو أهل دينٍ خاصٍ وإنما على الذين أسلموا له ضمائرهم وعقولهم مخلصين صادقين من أهل الأديان جميعاً وإن ما جعل الإسلام مختصاً بالشريعة المحمدية خاصة ذلك من باب تغليب جانب السلطة القادرة المفكرة الخبيرة بتصرف الأمور على ما سواها من الشرائع الدينية والنواميس الإلهية، وذلك بما انطوى تحتها من تدبير شؤون الدولة والقيام بعزم وحزم على إدارة سياستها الأهلية والاقتصادية والمدنية كاقامة الحدود وتوزيع المناصب الدينية التي لا تنعقد صحيحة إلا في استدلال الأحكام الشرعية الفرعية من أصول القرآن والحديث والإجماع والعقل0
وبالنتيجة فإن الإسلام هو دين الاجتماع وإذا صلح الاجتماع كانت المدنية الحقة والسعادة المنشودة فلما جاء حرر العقل من ربقة التقليد الأعمى وسلطان الأوهام، وأطلق الفكر من عقاله يجول في ملكوت السموات والأرض، وما خلق الله من شيء ، ويطرد بنوره الساطع ظلام الجهل ، ويبدد بأشعته الوهاجة سُحُبَ التضليل والخرافات والسخافات فجنى العالم من غرس مبادئه القويمة ثمار الحكمة والاتزان واعتدال الرأي وسلامة الفكر وعلو الهمة وكمال الإيمان ، وفتح باب الاجتهاد وتصريف المواهب والقوى لما خلقت لإجله0
فقد كان الناس في جزيرة العرب قبل الإسلام أقرب إلى الوحشية منهم إلى الإنسانية ، كانوا يئدون البنات ويلعبون الميسر ويشنون الغارات لأوهن الأسباب ، وكانوا يتخذون الأصنام آلهةً لا كلمة تربطهم ، ولا نظام يرتب صفوفهم، يتباغضون ويتحاسدون وكانوا أقرب إلى الوحوش الضواري منهم إلى الإنسان العاقل، وبقي العرب على هذه الحالة حتى دوى صوتُ محمد في جزيرة العرب فخشعت الأصوات لدويه، وتفتحت القلوب لهديه بعد طول عناء ، وسعد الناس برسالته بعد طول الشقاء ، فدعاهم إلى معرفة الله والهدى ودين الحق ، وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد0
أخذ الإسلام أنصاره بالتصون للنفس والتجافي عن مواضع النقص، والأنف من الرضاء بالجهل والغباوة أو الضعة أو الضراعة، وهذا خُلقٌ ينهض ولا شك بصاحبه إلى الفضائل وينفر به عن الشهوات الجامحة ويحثه على طلب الكمال0
فالإسلام هو الرسالة السماوية الكاملة والمكملة للنفوس الفاضلة والمنقذة لها من الأعلاق الفاسدة، وكمال الإسلام عند ذوي الأفهام هو الإيمان، والإيمان في منهاجنا العلوي هو إخلاص الولاية لمن أمر الله بولائهم واتباعهم والإقتداء بهم قولاً وفعلاً0
وأختم هذا الفصل بما روي عن أمير المؤمنين في وصف الإسلام قال:
(أما بعد فإن الله تبارك وتعالى شرع الإسلام وسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه لمن حاربه، وجعله عزاً لمن تولاه، وسلماً لمن دخله، وهُدى لمن ائتم به، وزينة لمن تجلله، وعُذراً لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به، وحبلاً لمن استمسك به، وبرهاناً لمن تكلم به، ونوراً لمن استضاء به، وعوناً لمن استغاث به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاج به، وعلماً لمن وعاه، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن قضى، وحلماً لمن جرب، ولباساً لمن تدبر، وفهماً لمن تفطن، ويقيناً لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، وتوءدة لمن أصلح، وزُلفى لمن اقترب، وثقة لمن توكل، ورجاء لمن فوض، وسبقة لمن أحسن، وخيراً لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباساً لمن اتقى، وظهيراً لمن رشد، وكهفاً لمن آمن، وآمنة لمن أسلم، ورجاءً لمن صدق، وغنى لمن قنع.
فذلك الحق، سبيله الهدى، ومآثره المجد، وصفته الحسنى، فهو أبلج المنهاج، مشرق المنار ، ذاكي المصباح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، سريع السبقة، أليم النقمة، كامل العدة، كريم الفرسان.
فالإيمان منهاجه، والصالحات، مناره، والفقه مصابيحه، والدنيا مضماره، والموت غايته، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه0
فبالإيمان يُستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يُرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة، وبالقيامة تُزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة المتقين، والتقوى سنح الإيمان
وقال عليه السلام:
(إن الله خصكم بالإسلام ،واستخلصكم له، وذلك لأنه اسم سلامة، وجماع كرامة، اصطفى الله تعالى منهجه، وبين حججه، من ظاهر علم، وباطن حكم، لا تفنى غرائبه، ولا تنقضي عجائبه، فيه مرابيع النعم، ومصابيح الظلم، لا تفتح الخيرات إلا بمفاتيحه، ولا تكشف الظلمات إلا بمصابيحه، قد أحمى حماه، وأرعى مرعاه، فيه شفاءُ المستشفي، وكفاية المكتفي)0
وقال عليه السلام:
(إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه، واصطنعه على عينه، واصطفاه خيرة خلقه، وأقام دعائمه على محبته، أذل الأديان بعزته، ووضع الملل برفعه، وأهان أعداءه بكرامته، وخذل محاديه بنصره، وهدم أركان الضلالة بركنه، وسقى من عطش من حياضه، وأتأق الحياض بمواتحه، ثم جعله لا انفصام لعروته، ولا فك لحلقته، ولا انهدام لأساسه، ولا زوال لدعائمــه، ولا انقلاع لشجرته، ولا انقطاع لمدته، ولا عفاء لشرائعه، ولا جذّ لفروعه، ولا ضنك لطرقه، ولا وعوثة لسهولته، ولا سواد لوضوحه، ولا عوج لانتصابه، ولا عَصَلَ في عوده،ولا وعث لفجه، ولا انطفاء لمصابيحه، ولا مرارة لحلاوته، فهو دعائمُ أساخَ في الحق أسناخها، وثبت لها أساسها، وينابيع غزرت عيونها، ومصابيح شبت نيرانها، ومنار اقتدى بها سُفارها، واعلام قصد بها فجاجها ، ومناهل روي بها ورادها، جعل الله فيه منتهى رضوانه، وذروة دعائمه، وسنام طاعته، فهو عند الله وثيق ، رفيع البنيان، منير البرهان، مضيء النيران، عزيز السلطان، مشرف المنار، مُعوِذُ المثال، فشرفوه واتبعوه، وأدوا إليه حقه، وضعوه مواضعه)0
فهذا هو الإسلام في نهج الإمام عليه السلام وهكذا يراه ويعتقده كل مسلم علوي العقيدة والولاء والدين والانتماء، وهذا هو تعريفه الأكمل ووصفه الأجمل لمن أراد أن يعمل به ليكمل0
================================================== ===========
================================================== ===========خادم أهل الولاية جمعاء
أخوكم الأصغر
أبو اسكندر
تعليق