بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد وصلِّ اللهمَّ على أصحابه الطيبين المنتجبين.
الزميل القادسية وبقية القراء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.إن تردِّي مفاهيم إدراك (أبعاد) اللفظ والمفهوم الإلهي للنبوة والمشيئة الربوبية في النهج والفكر القرآني إنما يعزو لعدة أسباب أهمها عدم الإلمام (باللغة القرآنية) و(الرأي) ثم عدم فهم الخطاب القرآني الرباني ومفاهيمه.
فالله يقول (إني جاعل) و(جعل)، والناس لم ترتضي ولذلك حقت عليهم كلمة العذاب. جعل سبحانه (الخلافة) في الأرض وما خلق آدم إلا ليجعله في الأرض، وجعل الخليفة بل الخلفاء في الأرض، والأجدر بالخليفة الحق كان أن يكون كما كان المُستخلف ويحذو حذوه، فالخلافة هي مقام شيء مكان الآخر، فيدور الأمر مدار المراتب والدرجات، فكما أن العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام العبودية، فالخلافة هي (تنصيب الله لعباده) في مقام استخلافه وتخصيصها بالصفوة المصطفين المنتجبين الصادقين الصابرين العابدين السائحين الركع السجود الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وهم بأمره يعملون لا يسبقونه بالقول وهم بحكمه ولحكمه قائمون، وهم الذين استودعهم الله علمه وحكمته وما شاء من سره وغيبه واستودعوا (بأمر الله) من خلفائهم من وجدوا فيه الصفات الإيمانية ما أتاح الله لهم من إستيداعه، فالله خلق الخلق ليشرع ويجعل، وجعل وشرَّع ليتبَّع المبلِّغ ولتتمَّ الحجة لله على الخلق ولئلا يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا منذرا أو علما هاديا، فهو لايؤاخذ الناس إلا بما اكتسبوا من الإثم والعدوان ومعصية الرسول، ولا يهلك القرى بظلم بل إلا وأهلها ظالمون، فكيف يقوم الظالمون بمقام الربانيون على ظلمهم لهم واستهزائهم بهم ؟!.
فهل إختلاف البشر في نبوة الأنبياء وتكذيبهم لهم عليهم السلام واستهزائهم بهم ينتقص بطريق أو آخر من نبوتهم وقد قدم الله بالوعيد وما هو بظلام للعبيد؟! بالطبع لا وإن قبلنا بهذا المفهوم الخاطيء فنحن نبايع الظالمين بعد ظلمهم على ظلمهم فيما ظلموا به.
فالخلافة بالإطلاق هي مقام مكان مقام آخر، أما بالإطلاق والتقييد هي الأمر والإمرة والسيادة بما فيها من مميزات وقرائن تدعم شخصية الخليفة نبيا كان أو صديقا أو سبطا أو وصيا أيا كان المسمى، فالله سبحانه اصطفى صفوة الصفوة ولا يعقل ان يستخلفهم بمن هم أدنى واقل حكمة وعلما وإيمانا وتصديقا بل بمن تعلموا فاعتبروا واهتدوا وكانوا ربانيين.
وفي القرآن الكريم، لا يمكن بناء عقيدة على آية بل ولا يصح دونما دراسة كاملة لسياق الآيات المشابهة لها فيه، ففي بعض الآيات هم أنبياء واخرى رسل وأخرى تجد أن إبراهيم إماما، من هنا ينبغي التأني قبل الحكم من منطلق الهوى أو التعصب أو سنة الآباء أو حتى ما (حفظناه) من القرآن الكريم.
فهل مثلا يعقل أن يكون فرعون خليفة الله في الأرض وموسى في الوقت عينه الذي جاءه موسى بتسع آيات فكذب بها؟! إن صحَّ قولكم أن بني آدم البشر بالإطلاق هم الخلفاء؟!
والله يقول:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (30) سورة البقرة
وهذه في الخلق الأول وسلالة البشر الأولى التي كان من أولاد آدم فيها قابيل وهابيل، وتعمَّم على مقام النبوة للتالين بشهادة قوله سبحانه:
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (26) سورة ص
فهل كان في الأرض غير الذين أرسل إليهم وفيهم ومنهم داوود عليه السلام وجعله خليفته في الأرض دون تبليغهم ودون الأمر بتبليغهم؟! بالطبع لا فهذا ينافي ما نزه الله نفسه عنه ومنه (الظلم).
وإبراهيم مثلا عندما أتمَّ كلَّ ما أمر بتبليغه رفع الله مقامه وقدره:
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة
بل حتى الكتاب إمام للمتقين فما هو مقام مبلغه؟!
{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} (17) سورة هود
{وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} (12) سورة الأحقاف
إن كان مقصودكم ومفهومكم للخلافة والحكم أنه دولة مستقلة ذات سيادة وجيش وحدود ورايات وقوة وبطش فهو مفهوم خاطيء لعدة إعتبارات منها:
لم يؤمر كل الأنبياء بالقتال وكان الله يهلك القرى.
لم يؤمر كل الأنبياء بالهجرة والتوسع.
لم يرسل الأنبياء إلا من ولقومهم ولينذرونهم بلسانهم.
ومن هنا سألتك سابقا بالنسبة لجغرافية الأرض، والهجرة الشعوبية.
فموسى توجه من مدينة فرعون تلقاء مدين ووجد فيها نبيا.
وإبراهيم أمر بالهجرة بزوجه وولده وتركهم في البقعة المباركة فعاد ووجد قوما لديهم، وفي هذين دليلين واضحين لعدة أمور منها:
التطور الجغرافي والهجرة الشعوبية
أن لكل قوم كان منذر وهاد نبيا أو صديقا قائما بالحكم في الإنتظار لنبي جديد.
ولنا في نوح خير دليل على ذلك من سورة نوح بالتحديد وباختصار التي فيها صراحة مما امتلىء قلبه قيحا على أمة لم تؤمن به على طول مكثه وبعثه وثرة إنذاره وكثرة استهزائهم واستكبارهم إلى أن انتهى الأمر بالدعاء والأمر الإلهي بفتح أبواب السماء فقد:
أولا: أمره الله ان يسلك في السفينة من آمن وزوجين اثنين من كل شيء وأهله (من آمن منهم).
ثانيا: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (26) سورة نوح
وهذا فيه دليل واضح أنه عليه السلام أنذر كل من في الأرض ولم يكن غير قومه متواجدين (على الأرض) أو إنما دعا على الكافرين (على كل الأرض) وآوى الصالحين معه، وقد كانت تتزامن نبوتين بوقت واحد كلوط وإبراهيم عليهم السلام، كل في قريته أو مدينته أو المكان الذي أرسل إليه والقوم الذين ارسل منهم فيهم ليطاعوا بإذن الله وعلينا العودة لتاريخ نوح جيدا للإستدراك هل كان من قوم غيرهم أم لا، إذ لا يجوز له وعليه الدعوة على الكافرين إلا بعد إنذارهم. والله لم يجوِّز على ساحة قدسه الظلم (وما ربك بظلام للعبيد) ولم يكن ليهلك القرى (إلا) وأهلها ظالمون ولم يكن ليهلكهم إلا بعد تمام الحجة عليهم وهو سبحانه القائل:
{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} (134) سورة طـه
من هنا تجد أنَّ لله في امر الخلافة والإستخلاف نظرة إلهية قدسية لا يسع أيا كان القيام بها إلا إن كان من المصطفين الذين هم على نور من ربهم وبأمره يعملون بعكس النظرة البشرية الإنسانية لها ومفهومهم المقيَّد لها وعملهم بها، تطورت وتبلورت ونفذت كاملة بمحمَّد صلى الله عليه وآله وسلم أتم وأكمل ما نفذت فلم يكن في زمنه أي صيحة او إهلاك أو أمر لله بهلاك العباد كلهم مرة واحدة وهذا فيه دلائل عظيمة لا يدركها بمفهومها الصادق إلا الله والراسخون في العلم،
وهو سبحانه لم يقبل شورى الملائكة بالأمور التكوينية التشريعية فكيف بالبشر الخطاؤون أن تكون أمورهم بالشورى بينهم؟!.
عبر التاريخ وبحسب الظروف والتطور الإنساني الإجتماعي لعلم الله بخاصية وحالة الكل وإلى أين المنتهى والرجعى كان الرسول واوصيائه (خلفائه) هم الخلفاء القائمين بالقسط بين الناس كل يؤدي دوره الموكل إليه.
نعم إن في الأرض أقوام إرتضوا بتأمير وزعومية وزعامة السفهاء والفسقة والفجرة والظلمة والمستكبرين والظالمين فغير الله جعلهم بإرساله الرسل، ولك في صريح القرآن الكريم خير دلائل منها:
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (4) سورة القصص
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (30) سورة الرعد
هنا نسخ الله حكمهم وحكمتهم بحكمته البالغة وحكمه الرشيد وما أرسل من رسول إلا ليطاع ومنذر ومذكر وليس بمسيطر ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، ومن آياته إختلاف ألسنتنا وألواننا،
فهل خلافة فرعون والنمرود وأصحاب لوط الظالمين كان لله فيها رضى وللعاملين فيها أجر وثواب ثم عاقبهم الله بغير استحقاق للعقاب؟ لا! فلكل أناس إمام،
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (71) سورة الإسراء
والإمام كالخليفة جاءت في عدة مواضع من القرآن كلها تدعم بعضها بعضا.
فبطاعة الخليفة الشرعي لك الجر والثواب والعاملين بالصدق والصادقين بعملهم لهم جنات عدن، وما ارسل النبي فيهم إلا لينذرهم ويعملوا الصالحات، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويبلغهم رسالات الله، أما العاملين بخلافة من لا يستحق الخلافة والمستكبرين على الخلفاء الشرعيين فلا يكلمهم الله واستحقوا العذاب لأنهم أمروا بالمنكر وتناهو عن المعروف ذلك بما أضلهم الشيطان على (علم) أو من بعد (علم) ولله في ذلك نقمة عليهم بما كانوا يستكبرون على الحق والحق بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير فهو تارة يمدهم بطغيانهم يعمهون وتارة ينزل بهم أشد العذاب لما استحقوا من غضب الله أولئك الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
لذلك، بما أنه يجب أن يكون النبي على نور وهدى من ربهم مطهرا منزها طاهر المولد والنسب منزها عن الإثم والفواحش ما ظهر منها وما بطن، وقوله الحق والصدق، أمينا مؤتمنا، صادقا مخلِصا ومخلَصا عالما معلما من الله وجب على الخلفاء في أرض اله أن يكونوا كما هم ولكن ليسوا بمنزلتهم النبوية الرسالية
والله يقول
{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (33) سورة آل عمران
وهم ذرية بعضها من بعض
فهل يجوز أن الله سبحانه يصطفي العاصي والمستكبر والضال؟!
هل يصطفي الله إلا صفوة الصفوة؟! وإلا لكان للناس حجة على الرسل وكفى بالله هاديا وكفى بالله حسيبا وكفى به رقيبا.
وآخر كلامنا أن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
تعليق