
الحوادث والطوارئ
- في المشرحة: الوجوه سليمة إلا من جُرح!
في تلك اللّيلة الحزينة، توجّهت عائلات الضحايا إلى المشرحة، بغرض التعرف على جثث بناتهن. بقيت العائلات حتى قرابة الساعة الواحدة فجرا، وقد كُشف لهم عن وجوه الفتيات، دون بقية الجسد.
أشرف أكّد بأنه لم يجد على وجه شقيقتيه، فاطمة ومريم، أيّ أثر لجروح عميقة، باستثناء جُرح في جبهة مريم.
سُلّمت العائلة حاجات الفتيات، وهي عبارة عن حقيبة الشقيقتين، التي يُعتقد أنه تمّ تفتيشها في نفس تلك الليلة، وقد سُلّمت الحقيبة من غير رخصة قيادة فاطمة، وبدون هاتفها الذي بقي بحوزة السّلطات لمدة ٣ أيام، حيث سُلّم بعدها، وكان مغلقاً.
أمّا رخصة القيادة فقد دار حولها غموض آخر. فبعد الاستفسار عنها، قيل للعائلة بأنها لدى إدارة المرور، وبأنها أضحت ملكاً للدّولة. وحين سألت العائلة عن مصدر حصول السلطات على رخصة فاطمة، قيل لهم بأنّ أهلها منْ قام بتسليمها للإدارة. وهنا كانت المفاجأة، حيث إنّ أشرف هو ولي أمر فاطمة، بعد وفاة والدهم، وهو لم يسلّم الرخصة لأحد! بادرَ أشرف لسؤال الشرطة عن “الشخص“ الذي سلّمهم الرخصة، ولكن من دون جدوى، حيث لم يحصل على إجابة منطقية واحدة!
ولأن أشرف أبدى شكّاً بأن شيئاً مفقوداً من نقود الشابتين، فقد اتهمته الشرطة بأنه “يُشكّك في رجال الأمن، وبأنه سيُحاسب على ذلك، وسيتحمل المسؤولية كاملةً“!

هل من المعقول آن الجدار لم يتأثر بسبب قوة الحادث!!
نقل السيارة بسرعة.. وعلامات الغموض في كلّ مكان
أشرف لم ييأس من البحث عمّا يمكن أن يكشف الغموض الذي يُخيّم على الحادثة. أصرّ على معاينة السيارة. المريب في الأمر أنّ السيارة نُقلت من الموقع، بعد ساعتين من وقوع الحادثة. وهي سابقة غير معهودة، حيث إن شركات التأمين عادةً ما تتأخّر في إنهاء الإجراءات، وهو ما يعني التأخّر في إزاحة السّيارة المتضرّرة من موقع الحادث، إلا في حال وجودها في مكان يُشكل خطرا على المارة، وهو الأمر الذي لا ينطبق على موقع الحادث المزعوم.
ما كان يبعث أكثر على الشكوك، هو أنّ مقدّمة السيارة كانت متضررةً على نحو كبير، في حين لم تكن خلفية السيارة تشكو من أضرار يمكن أن تفسّر وفاة منْ كنّ فيها!
ماكينة السيارة كانت متضررة جدا، وهو ما يعني، بالضرورة، أنها أفرغت ما فيها من الماء والزيت. إلا أن أشرف، وبعد معاينة دقيقة لموقع الحادث، لم يجد أثرا للزيت أو الماء، أو حتى الزجاج المُهشّم للسيارة! فكيف يكون موقع الحادث،إذن،دون آثار!
حين استفسر أشرف عن كيفية حدوث الحادثة، ادّعت إدارة المرور أن المركبة كان تسير في الطريق المؤدي إلى بلدة سار ناحية شارع عيسى بن سلمان، وكانت قادمةً من الجنوب إلى الشمال بسرعةٍ كبيرة، ونظراً لسوء الأحوال الجوية، وقلّة خبرة السائقة؛ فقد انزلقت المركبة، واصطدمت بجدار إحدى البنايات بالموقع. ولكن، ما كان مثيراً للشكّ أيضاً، هو أن البناية تلك لم تشكُ ضرراً بحسب معاينة أشرف نفسه.
بسرعةٍ تم تسليم جُثث الفتيات المتوفيات، وبسبب هذه السّرعة تم استبدال جثمان مروة بجثمان فاطمة، ثم صُحّح الأمر، بحسب ما يذكر شقيق فاطمة ومريم.
النساء اللاتي باشرن تجهييز الفتيات للدفن؛ أكدن أن الإصابة كانت واضحة جدا، وهي تتركز في الرأس من الخلف، فيما ذكر تقرير الطبيب الشرعي المنتدب من الجهات الرسمية أن تهشّم جمجمة الرأس كان أحد إصابات المتوفيات جميعا.
ظاهرياً، أُوليَ الحادث اهتماما رسميا كبيرا ،وصل لدرجة أن يحضر العزاء ولي العهد الخليفيّ شخصيا، الذي التقاه شقيق فاطمة ومريم وطالبه بإجراء تحقيق مركّز وصادق حول كيفية حصول الحادث، وأخبره بشيءٍ من الإشكاليات التي صارت تشغل قلبه، وتدفعه للشّك في الرواية الرسمية.
ولي العهد وعده خيرا! إلا أنه وبعد شهر كامل، وبمراجعة الشقيق للجهات المعنية وجد ألا تحقيقا، ولا اهتماما ولابحثاً، بل محاولات مستميتة لإسكاته، وإنهاء الأمر بكلمةٍ واحدة فقط: “لازال ملف القضية مفتوحا، وننتظر شاهدا يخبرنا عن كيفية حصول الحادث“!
ومن العلامات الفارقة، أن شقيق الفتاتين طُلِب منه زيارة ولي العهد الخليفي ليُقدّم الشكر له على تفضّله بتقديم واجب العزاء! وردّا على هذا الطلب، أعاد الشقيق طلبه بإجراء تحقيق شامل ومركّز حول الحادث، قائلا: “إنْ كان ولي العهد صادقا في اهتمامه؛فليباشر بإصدار الأوامر لإجراء التحقيق الذي طلبته“، رافضا زيارة ولي العهد، ومشدّدا على أن “الإهمال لا يُقابل بشكر“!
خبراء الحوادث.. والأسئلة المحيّرة
هل تعد أسئلة ذوي الفتيات السّت مشروعة، أم مجرد مبالغة؟
توجّهت (البحرين اليوم) بالسؤال لأحد خبراء الحوادث، وممّن استرعى الحادث انتباهه آنذاك، فأكد أن أسلوب تضرّر السيارة كان غريباً بالنسبة لسيارةٍ اصطدمت بحائط، وهو مايؤكده أيضا الشاب أشرف.
الخبير أوضح أنّ اصطدام سيارة بالحائط يعني أن التضرّر يجب أن يكون من مقدمة السيارة حتى مؤخرتها، بينما يتضح بمعاينة الصور أن تضرر السيارة جاء من الأعلى، وهو ما يفسّره الخبير بأن سيارة الفتيات قد تكون اصطدمت بشئ أعلى من مستواها! حيث لا يمكن أن يكون سبب التضرر حائطا مستويا وثابتا!
وهذه العلامة التي تفتح الطريق إلى اصطدام مركبة عسكرية خليفية بسيارة الفتيات، وفي ظروف شبيهة بالمطاردة، والتسبّب في قتلهن، سواء من خلال الاصطدام أو عبر وسائل أخرى من التصفية، حيث لا يُعقل أن يمتن جميعاً، مرة واحدة، وفي حادث واحد!
في هذا السّياق، يُعيد أشرف الأسئلة المحيّرة التي طالما شغلته: “كيف تتضرّر مقدمة السيارة نتيجة الاصطدام بجدار مستوٍ دون أن تتضرر لوحتها؟! وأين ذهب ماء السيارة وزيتها، وموقع الحادث نظيف من أية آثار؟ ولِمَ العجلة بتسليمنا للجثث، وإزاحة السيارة في حادثٍ غامض، لازلنا نتساءل حوله؟ ألم يكن جديرا بالجهات المختصة أن تتريّث في كلّ ذلك حتى تطمئن لحقيقة وتفاصيل الحادث الذي أودى بحياة ست مواطنات؟!”.

الغموض يلف الحادث
تفريق المواسين.. وبتهديد السلاح
لم تكن وفاة الفتيات شأنا خاصا بعوائلهن، بل تداعت كلّ البحرين لمواساة أهلهن وأنفسهن بهذا الفقد المؤلم لستّ زهرات، وخاصة مع الشك الابتدائي الذي ارتسم أمام الجميع بوجود جريمة مدبّرة من الخليفيين الذين نصبوا الموت في كلّ مكان منذ اندلاع الثورة. اجتمع الناسُ، وبشكل عفوي في اليوم التالي من الحادث، في موقعه المزعوم، إلاّ أن دوريات الداخلية الخليفية ومنتسبيها،فرّقوا الناسَ من هناك قسراً، وتحت تهديد السلاح! وبعد يوم أو يومين من تفريق المتعاطفين الذين زرعوا عند الحائط - الذي يُفترض أن يكون المتَّهم الرئيسي في التّسبب بموت الفتيات - شموعا وأزهارا، وُجِد الموقع محروقا بأيدي مجهولين!
كلّ ذلك كان، ولازال، يثير الريبة في نفوس كثيرين ممّن لم يُصدّقوا الرواية الرسمية.
الشّاب أشرف، وبعد انتهاء مراسم دفن وفاتحة الفتيات، ذهب إلى موقعٍ قريبٍ من مكان الحادث، وحيث كان يعتاد شباب المنطقة على التّسامر فيه كلّ ليلة، حاملا أسئلته لهم. وقد أكدوا له أنهم، وقبل السّاعة العاشرة من مساء تلك الليلة، وهو الوقت التقريبي لحصول الحادث، كانوا يتواجدون في موقعهم، إلا أنهم، ورغم قربهم هناك، لم يسمعوا أو يروا الحادث، حيث فوجئوا بدوريات الأمن والشرطة وهي تُطوّق المكانَ، وتُبعد الناسَ عنه!
يتبع ..........................
تعليق