تداعيات الاستياء السعودي من التقارب الإيراني – الأميركي
هناء عليان
برزت في الآونة الأخيرة دلائل واضحة لا لبس فيها حول شعور المملكة العربية السعودية، التي عرفت بعلاقتها القوية مع الولايات المتحدة، بالقلق والاستياء نتيجة التقارب الودي بين إيران والولايات المتحدة، وعلى ضوء ما أبدته دول كبرى من ارتياحها لما حققته المحادثات بين الجانبين بشأن البرنامج النووي الإيراني حتى الآن، والمرونة التي أبدتها واشنطن في تعاملها مع الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، والتي وصلت حد مهاتفته من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما في سابقة لم تحدث منذ عقود.
الاستياء الصادر عن السعودية جراء بوادر إذابة الجليد الذي كان يخيم على العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، يترافق مع جملة ملفات خلافية أخرى مع واشنطن، منها الانزعاج السعودي الكبير من الموقف الأميركي الجديد حيال النظام السوري، والخلاف المتسع بين الرياض وواشنطن حول الأوضاع في مصر، كل ذلك دفع بالرياض إلى الخروج عن حلفها القديم مع الأميركيين وانتهاج سياسات مغايرة للقرارات الأميركية، لكن هل يسفر الغضب السعودي عن مواقف أكثر حدة كوقف إمدادات الطاقة لواشنطن مثلاً كما فعلت في العام 1973؟ ولماذا قرر الأميركيون التخلي عن حليفهم السعودي الذي جمعتهم معه مصالح سياسية ونفطية متفرقة؟
ظلت السعودية لفترة طويلة تتحدث بلهجة عدم الرضى عن تجاوب واشنطن مع إيران ومع النظام الروسي الداعم لسورية، إلا أن التباعد بينهما برز للعيان أخيراً من خلال رفض المملكة لمقعد مؤقت في مجلس الأمن، وامتناع وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل سابقاً عن إلقاء كلمة أمام الأمم المتحدة، علماً أن الديبلوماسية السعودية تكون في العادة غامضة ومن وراء الكواليس، فعندما ألغى الفيصل خطاب المملكة السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة على الإطلاق كانت رسالته بالغة الوضوح، خصوصاً أنها أتت في أوج الاتفاق الأميركي – الروسي حول سورية.
ولا يمثل رفض إلقاء كلمة مقررة بالنسبة لأغلب الدول أكثر من مجرد احتجاج ديبلوماسي بسيط، لكن بالنسبة للسعودية التي تفضل العمل السياسي في الخفاء على العمل العلني، كان ذلك تحركاً صريحاً بشكل غير معهود.
إلى جانب غضب السعودية من أوباما كونه امتنع عن توجيه ضربة عسكرية إلى سورية، تعتبر الرياض أن واشنطن خذلت أصدقاءها العرب في ملف آخر هو الملف الإيراني، وذلك باتباع سياسات يرونها ضعيفة وساذجة، وكان مسؤولون في السعودية يشعرون بالفعل بالقلق من تردد الولايات المتحدة في دعم المعارضين الساعين للإطاحة بالرئيس بشار الأسد؛ أقوى حليف عربي لطهران، لكن القلق اشتد وهم يرون واشنطن تتواصل مع الرئيس الإيراني الجديد وهم بالطبع يرفضون أن تعقد الإدارة الأميركية صفقة كبيرة مع إيران، وترى الرياض بالفعل أن قبول أوباما لاتفاق الأسلحة الكيماوية مع دمشق دليل على أن الولايات المتحدة تبنت نهجاً ليناً بالفعل، فالمسألة لا تتعلق برفض التفاوض بين إيران والولايات المتحدة فحسب، وإنما لأن التفاوض جاء في وقت غير مناسب بحيث إن الإيرانيين والروس اختبروا الرئيس الأميركي بالفعل وثبت أنه لا يمكنه التمسك بكلمته.
ورقة النفط
وبحسب الخبراء المطلعين، فإن السعودية مستعدة لتحدي واشنطن دفاعاً عن مصالحها الإقليمية، ولا يستبعد البعض أن تلجأ إلى الضغط بورقة إمدادات الطاقة كما فعلت قبل نحو 40 عاماً عندما فرضت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) حظراً نفطياً بسبب دعم الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” في حرب عام 1973.
لكن يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة لكل الاحتمالات قبل أن تفتح أي جبهة خلافاً مع السعودية، فردّاً على هذه التهديدات المبطنة وغير المباشرة بوقف إمدادات النفط، قامت الولايات المتحدة بنشر تقارير تؤكد أن ثورة الطاقة الأميركية ستنهي نظام الأوبك القديم، وقد تزامنت هذه التقارير الأميركية التي تظهر تقليص الاعتماد الأميركي على النفط السعودي بالتزامن مع الذكرى السنوية الأربعين لحظر النفط العربي عام 1973.
مما ذكرته التقارير أن جوهر سياسة الطاقة في الولايات المتحدة يقوم على وضع ضوابط لمواجهة استخدام النفط كأداة سياسية من قبل الدول المصدرة للنفط، وهو ما دفع أول الأمر إلى إنشاء وكالة الطاقة الدولية، كما أن الولايات المتحدة وشركاءها في وكالة الطاقة الدولية أقاموا مخزوناً استراتيجياً لمنع تسييس تجارة النفط من جانب المصدرين، وتقليص المخاوف بشأن تعرض اقتصاداتها إلى ارتفاع أسعار النفط، فضلاً عن أن ثورة إمدادات الطاقة التي تم اكتشافها في الولايات المتحدة ستقلب الموازين، في هذا الإطار، تؤكد دراسات دولية، أن إنتاج النفط الصخري سيضع الولايات المتحدة على قائمة الدول المنتجة للنفط بنهاية العام الجاري 2013، لتسبق بذلك السعودية، التي تعد إلى الآن أكبر منتج للنفط.
ومن شأن تفوق الولايات المتحدة، وهي أكبر مستهلك للنفط في العالم بنحو 19 مليون برميل يومياً، في إنتاج النفط أن يقلص من حجم وارداتها والتي تصل إلى 12 مليون برميل يومياً، وهو ما سينعكس سلبياً على الدول المنتجة وفي طليعتها السعودية، وربما يفسر ذلك عدم الاكتراث الأميركي بالغضب السعودي والإصرار على المضي قدماً في سياسات جديدة حيال سورية وإيران ومصر رغماً عن إرادة السعوديين.
انعطاف حاد
في الواقع، إن ما نشهده اليوم هو انعطاف حاد في العلاقات التي تجمع السعودية مع الولايات المتحدة، وقد حمل ذلك مفاجأة للسعوديين وإحساساً بأنهم تعرضوا للغدر من قبل حليفهم الأميركي الأقرب رغم كل ما قدموا لها من تنازلات.
تفاجأت السعودية بأن المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيسين الأميركي والإيراني هي في حقيقتها تتويج لتفاهمات أوسع وأخطر مما يبدو على السطح، اكتشفت السعودية أن ما يجري بين واشنطن وموسكو وطهران ودمشق ربما يكون في حقيقته برنامجاً جديداً متكاملاً للشرق الأوسط ليس فيه للسعودية ولنفطها المكان المفترض، على سبيل المثال، جرى سحب الملف السوري من يد السعودية وطلب إليها وقف دعم المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد، بينما في المقابل، بدأت واشنطن تتقرب من إيران وتوافق على منحها دوراً في شؤون المنطقة.
على المقلب الآخر، ما أن رفضت السعودية مقعداً في مجلس الأمن حتى انهالت عليها الانتقادات والاستنكارات من قبل وسائل الإعلام الأميركية، التي أظهرت موقفها المخفي تجاه المملكة، وللمرة الأولى شنت الصحف الأميركية هجوماً على السعودية أظهر مدى التباعد الديبلوماسي الحاصل بين البلدين، صحيفة “نيويورك تايمز” مثلاً، هاجمت المملكة بحدة، حيث أكدت أن السعودية تدعم الديكتاتوريات في المنطقة، وأنها لن تكون في مأمن من الثورات المحيطة بها، متوقعة تمزق دول الخليج في وقت قريب، خصوصاً السعودية.
وتحدثت عن “حملة الراتب ما يكفي الحاجة” التي أطلقها مواطنون سعوديون أخيراً، إذ إن رواتبهم لا تكفيهم، والتي تؤكد أن أطيافاً واسعة من الشعب السعودي تعيش في حالة فقر على عكس الصورة التي يتم الترويج لها، وقالت الصحيفة إن السعودية صرفت الكثير من الأموال لتهدئة الشارع السعودي لعدم القيام باحتجاجات وثورات كالتي ضربت بعض الدول العربية، وأشارت إلى أن البترول سينضب وتنخفض أسعاره، وستعيش السعوية في ورطة اقتصادية نظراً لارتفاع استهلاكه الداخلي وإمكانية انخفاضه على المستوى الدولي.
من جهتها صحيفة “واشنطن بوست”، تساءلت عن سبب اعتذار الرياض عن مقعدها في مجلس الأمن، معتبرة أن “هناك أسباباً منطقية، مثل الأزمة السورية والملف النووي الإيراني، لكن لماذا لا تدخل مجلس الأمن وتتحرك بفاعلية لفرض وجهة نظرها داخل المجلس”.
وطالبت الصحيفة واشنطن بالتخلي عن النفط السعودي في أقرب وقت ممكن، نظراً لأن للولايات المتحدة سياسة خارجية مختلفة تماماً عن سياسة السعودية، بخلاف الإشكالات المحتملة والمتوقع حدوثها في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد مواقف السعودية الأخيرة.
وتوقعت الصحيفة أن العقوبات التي فرضتها واشنطن على مصر دفعت السعودية لاتخاذ هذا الموقف أيضاً.
الحقد السعودي
كان السفير الأميركي جيفري فيلتمان قال إن السعوديين “عندما رأوا علامات تقارب أميركي – إيراني جن جنونهم، لدرجة أن وزير الخارجية سعود الفيصل لم يكتف بعدم إلقاء كلمة بلاده في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بل إنه لم يوزعها على الحضور”، وتساءل فيلتمان: “هل يعقل هذا الحقد”؟
وأشار فيلتمان إلى أن الرياض تتعامل بالطريقة نفسها مع لبنان، فهي “لا تريد أن تسمع كلمة عن لبنان، ولا حتى اسم رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وكل ذلك بسبب سوء إدارتها”، مؤكداً أن “السعودية لا تريد حكومة في لبنان مطلقاً، وهي تعطل كل شيء فيه”، وبدا واضحاً من تصريحات فيلتمان أن الولايات المتحدة تحاول توجيه رسالة معينة إلى السعوديين لعدم التصدي للإرادة الأميركية في المنطقة، لأن واشنطن مقتنعة بما تقوم به، ولا تريد من يعكر صفو سياساتها، بل إنها ستواجهه بقوة حتى لو كان حليفها السعودي.
النفط الأميركي
كشفت الإدارة الأميركية عن أن الولايات المتحدة ستتجاوز السعودية وقطر لتصبح المنتج الأكبر للنفط والغاز في العالم هذا العام، وهو ما يعني تحولاً كبيراً في إعادة تشكيل السوق النفطي، فضلاً عن إضعاف نفوذ الدول الغنية بمصادر الطاقة التقليدية كالسعودية.
وقالت الوكالة الأميركية للمعلومات حول الطاقة، إن ارتفاع الإنتاج الأميركي ساهم في تعزيز الاكتشافات المثيرة لوجود الغاز الصخري، وكذلك النفط الصخري، وهو وضع ما لم يكن تصوره ممكناً قبل عقد من الزمن.
وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ووكالة الطاقة الدولية، فإن الولايات المتحدة أنتجت ما يعادل نحو 22 مليون برميل من النفط والغاز وأنواع الوقود ذات الصلة يومياً خلال تموز الفائت.
وقد خفضت الولايات المتحدة من واردتها من النفط السعودي بنحو 250 برميلاً في اليوم على أساس سنوي، وهناك خشية من أن تقوم بخفض الواردات إلى حد أكبر، لأن الرياض عندها ستخسر كثيراً.
هذا وتتطلع الولايات المتحدة في أن تصبح أكبر منتج للنفط في العالم بحلول العام 2017، وتبني طموحاتها في هذا الصدد على مشروعات كبيرة تنفذها حالياً في استخراج ما يعرف بالنفط الصخري، الأمر الذي سيشكل انقلاباً في عالم النفط والغاز.
تقرير عربي
توقع تقرير اقتصادي متخصص أن تشهد السوق النفطية العالمية عدداً كبيراً من التطورات مع بداية العام 2014 في ضوء الإعلان عن اكتشافات نفطية جديدة في عدد من دول العالم، إضافة إلى التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وقال التقرير إن هناك تحديات تواجه الدول الخليجية النفطية، من أبرزها ما يعرف بـ”ثورة النفط والغاز الصخريين” التي تشهدها الولايات المتحدة.
وذكر أن هذه الثورة النفطية تحمل في طياتها تداعيات مهمة، متوقعاً طبقاً لتقارير وكالة الطاقة الدولية أن تصبح الولايات المتحدة مكتفية ذاتياً من الطاقة بحلول العام 2035، وإنه إذا صحت تلك التوقعات، فسيعني ذلك تقليل اعتماد وارداتها النفطية من دول الخليج العربية تدريجياً، وأضاف أنه في المقابل ستصبح الأسواق الناشئة الوجهة الرئيسية لصادرات الدول الخليجية، لا سيما أن الاقتصادات الصاعدة في آسيا تشهد زيادات مطردة في استهلاكها.
وأوضح التقرير أن من العوامل التي تؤثر في السوق النفطية في العالم الزيادة الكبيرة التي يشهدها الإنتاج العراقي حالياً، والذي بلغ أخيراً نحو 3.4 ملايين برميل يومياً، وهو المستوى الأعلى له منذ العام 1979 ويعتبر أحد العوامل التي يمكن أن تهدد الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية.
وذكر أن العراق يخطط لزيادة إنتاجه إلى 12 مليون برميل يومياً بحلول العام 2017، وذلك وفقاً لجولات التراخيص التي تم توقيعها مع شركات النفط الأجنبية عامي 2009 و2010، مضيفاً أن ذلك قد يخلق تخمة نفطية في السوق تهوي بالأسعار إلى مستويات تقل كثيراً عن مستوياتها الحالية البالغة 100 دولار للبرميل في المتوسط، وهو ما يؤثر مباشرة على النفط السعودي.
وقال إن العراق يطالب بحصة داخل منظمة أوبك تصل لنحو 4.35 ملايين برميل يومياً، أي أن حصته ستعادل تقريباً حصتي كل من الكويت والإمارات داخل المنظمة، موضحاً أن إعادة العراق للعمل بحصص الإنتاج داخل المنظمة سيتأتى على حساب السعودية المنتج الأكبر داخل الأوبك، وهو أمر بدأ يقلق السعوديين ويثير استياءهم بدوره.
وأفاد التقرير بأن من التحديات التي تواجهها دول الخليج التهديد الإيراني المستمر بغلق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، وهو ما يعرض الصادرات الخليجية لخطر حقيقي، لا سيما أن 80 في المئة من صادراتها تمر عبر ذلك الممر.
المصدر: الثبات
تعليق