* النووي الإيراني السلمي..
* تقرير "أمانو" بين الوضوح والضبابية (1)
حميد حلمي زاده
يعتقد المراقبون والخبراء أن من اهم نتائج الإعلان عن تقرير (أمانو) بشأن البرنامج النووي السلمي للجمهورية الإسلامية، هو انه حوّل ملف "پي أم دي"، (بشأن احتمال انطواء الانشطة النووية الايرانية على أبعاد عسكرية) الى جُملة من الإدعاءات الزائفة فضلا عن الأكاذيب التي ثبت بُطلانها بعد نحو 12 سنة من التجاذبات المتبادلة بين ايران من جهة والدول الغربية من جهة اخرى.
فقد برهن تقرير الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية (الياباني) يوكيا أمانو، على ان برنامج طهران النووي يتماشى مع المواصفات التنموية السلمية، الأمر الذي دحض كل المزاعم والإفتراءات والشائعات التي اثيرت حوله في الماضي، والتي تحطمت على صخرة المواقف الإيرانية الحازمة والصادقة والجادة وتمسك الجمهورية الإسلامية بحقوقها المشروعة وثوابتها الوطنية العادلة على الرغم من شدة الحملات وتوالي الضغوط الإستكبارية السياسية والإقتصادية والإعلامية المغرضة طيلة الأعوام المنصرمة.
على صعيد متصل تم عقد اجتماع اللجنة المشتركة بين مساعد وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية الدكتور عراقجي ونظرائه بدول مجمومة 5+1 في العاصمة النمساوية فيينا يوم الإثنين 7 ديسمبر 2015 حيث بحث الطرفان تفاصيل مسودة القرار التي ستعرضها دول المجموعة على مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبحكم التفاهمات المشتركة فإن من المتوقع ان يصادق مجلس الحكام عليه بالإجماع، باعتباره اجراء ضروريا ومدخلا الى إسدال الستار على ملف "پي.أم.دي" في الوكالة.
في هذا المضمار افادت وكالة فارس للأنباء بأن مسؤولا روسيا رفيعا اعلن في تصريح له لوكالة "تاس" على هامش هذا الاجتماع، عن التوصل الى الإتفاق التمهيدي بهذا الشأن بين ممثل الجمهورية الاسلامية ومندوبي مجموعة 5+1 من أجل غلق هذا الملف، وتطبيق مراحل برنامج العمل المشترك الشامل (موضحا) ان الجانبين كتبا المسودة المذكورة وذلك بغية تقديمه الى اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الموعد المحدد له خلال شهر كانون الاول 2015، بهدف الغاء وغلق ملف "ماضي القضية النووية في ايران والشكوك المزعومة بشأن التوجهات العسكرية المحتملة فيه" والذي يعرف بملف (پي أم دي).
ومع ان تقرير السيد أمانو حظي باهتمام كبار المسؤولين الإيرانيين السياسيين منهم والإختصاصيين، باعتباره أفضل من التقرير الذي اصدره عام 2011، إلا ان ذلك لم يمنع صانعو القرار والخبراء والمراقبون في البلاد من التأكيد بالقول: (أن تقرير أمانو في ديسمبر 2015 لا يعتبر تقريرا مثاليا وليس جيدا في كلياته، بل هو خطوة متقدمة على التقريرالسابق لهذا المسؤول الأممي).
وعلى أية فقد أحال "يوكيا أمانو" الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريره الى "مجلس حكام الوكالة" يوم الأربعاء 2 ديسمبر ــ كانون الأول 2015، والذي سيعقد اجتماعه يوم 15 ديسمبر الجاري، وسط تأكيدات بأن يتخذ قراره الصائب باغلاق "ملف الشكوك" المثير للجدل، باعتبار ان اتخاذ هذا القرار يفترض به ان يمهد لتفعيل إتفاق فيينا النووي التاريخي بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ودول مجموعة 5+1 ( اميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين إضافة الى المانيا) والذي أُبرم يوم 14 تموز/ يوليو 2015 يشار الى انه في ضوء هذا .الإتفاق المهم، وقّعت ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خارطة طريق ل "توضيح القضايا العالقة في الماضي والحاضر" في ما يخص البرنامج النووي السلمي للجمهورية الإسلامية، في حين تتطلع الأنظار الى ان يؤدي الإتفاق الى رفع العقوبات الإقتصادية الدولية على طهران، واغلاق قضية (پي أم دي) ذات الأهداف الابتزازية الى الأبد.
وهنا لابد من اثارة الملاحظات على الامور التي تكتنف تقرير امين عام الوكالة الدولية الأخير وهو انه وعلى الرغم من ايجابياته ووضوحه في جوانب، فإنه ما فتئ يراوح في مكانه في جوانب اخرى وسط استخدام عبارات ومصطلحات مبطنة ومطاطة يمكن تأويلها باكثر معنى، وتبعا لإحداثيات السياسة الغربية التي سوف نظل ننظر اليها بعين الريبة والشكك حتى يثبت العكس.
وربما يمكن القول ان ( تقرير أمانو 2015 ) هو ايضا، وكما في امثاله، محكوم بابجديات هذه السياسة ـ شئنا ام أبينا ـ بيد ان التميّز سيتمثل هنا في كيفية إجبار الدول الغربية على تنفيذ مطاليبنا المحقة بعيدا عن الإنسياق معها في مغامراتها الراهنة في الشرق الاوسط، بحجة "محاربة الإرهاب" التي باتت موضة الموسم الاستكباري الراهن فمن الواضح أن مجموعة دول (5 +1 باستثناء الصين) قد انخرطت بشكل او بآخر في حرب اقليمية مقلقة للغاية تحت ذريعة القضاء على دولة "داعش" . وثمة تطورات خطيرة طرأت بحكم تنافس القوى بين العواصم الغربية وموسكو، وادت الى قيام "تركيا الناتوية" بإسقاط قاذفة سوخوي24 روسية عمدا، في علامة يمكن تفسيرها على أنها قد تكون بداية مرحلة عصيبة تريدها الولايات المتحدة، انطلاقا من اجنداتها الفوضوية لتنفيذ "مخطط الشرق الأوسط الجديد". وفي ضوء شكوكنا في ان التحركات الغربية كانت هي الباعث في دحرجة كرة النار التكفيرية الى احضان المنطقة، فإن ثمة هواجس ان تستغل اميركا وحليفاتها الزوايا المظلمة والرمادية (السلبية والقابلة لأكثر من تأويل) في تقرير أمانو النووي لممارسة مزيد من الإبتزاز على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ابتغاء ارغامها على القبول بالخارطة الشرق اوسطية الأميركية.
إذ من المؤكد ان هذا الأمر ترفضه طهران جملا وتفصيلا. فقد أكد كبار المسؤولين الإيرانيين على ان الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 لايعني التفاهم مع أميركا على مختلف قضايا المنطقة. ومن ابرز انعكاسات ذلك التباين القائم في وجهات النظر بين طهران وواشنطن بشأن آليات تسوية الأزمة السورية المتفاقمة منذ 5 أعوام والتي تشتد فصولها ضراوة يوما بعد آخر.
فالثابت ان المنطقة شعوبا وحكومات قد سقطت فريسة بين انياب تجار الحروب الإستكباريين، ولذلك ربما يكون ضربا من التسرع امتداح "تقرير أمانو" بالإجمال، وذلك نظرا لما فيه من ضبابية كثيرة ومصطلحات فضفاضة وتفاصيل تقنية وقانونية معقدة، اعتاد الغربيون على استغلالها وقت الحاجة.
بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في اتفاق فيينا النووي، وذلك بعدما نفذت ايران التزاماتها في الجوانب الخاصة ببرنامجها النووي ذي الأغراض السلمية التنموية، وبما يخدم تهدئة التشنجات وانتزاع التوترات الراهنة ابتغاء اعادة الأمن والأستقرار والطمأنينة الى ربوع المنطقة وشعوبها المحبة للخير والسلام.
***
* النووي الإيراني السلمي..
* تقرير "أمانو" بين الوضوح والضبابية (2)

حميد حلمی زاده
من الأهمية بمكان التأكيد على أن الجمهورية الإسلامية لم تکن، وليست لديها أية مشاكل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامجها النووي السلمي. فإيران كانت وما تزال تحترم القانون الدولي، وقد اثبتت دائما انها ملتزمة بالمواثيق والمعاهدات الأممية الصادرة عن مؤسسات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية، التي يمكن ان تهدد الإنسانية جمعاء، والمعروفة اختصارا باسم معاهدة (أم پي تي).
كما أصدر قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي عام 2003 فتوى تاريخية بتحريم استخدام اسلحة الدمار الشامل، وقد قدمتها حكومة الجمهورية الاسلامية كوثيقة الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا خلال اجتماعها عام 2005. وهذه الفتوى مدوّنة وموجودة في الموقع الرسمي للسيد القائد، وفيما يلي نصها:
"نعتقد إضافة الى السلاح النووي، بأن سائر صنوف اسلحة الدمار الشامل كالأسلحة الكيمياوية والميكروبية تمثل خطرا حقيقيا على الحياة البشرية. وإن الشعب الإيراني باعتباره ضحية لاستخدام السلاح الكيمياوي، يشعر اكثر من غيره من الشعوب بخطر انتاج وتخزين هذه الأنواع من الاسلحة، وهو على استعداد لحشد كافة امكاناته في سبيل مكافحتها. إننا نعتبر استخدام هذه الاسلحة "حراماً". وان السعي لحماية بني البشر من هذا البلاء الكبير هو واجبٌ يقع على عاتق الجميع".
وتشير موسوعة ويكيبديا في معرض توثيقها للفتوى على صفحاتها المتاحة في الإنترنت، الى انه وبعد أربعة ايام من توقيع إتفاق فيينا النووي يوم 14 تموز/ يوليو 2015، نوّه قائد الثورة الإسلامية في خطبته بعد صلاة عيد الفطر المبارك الى هذه الفتوى مؤكدا على انه لا يمكن لأية قوة الوقوف أمام ايران إذا ما أرادت صنع قنبلة نووية، ولكن الجمهورية الاسلامية لا تريد صنعها، وذلك لتعارض هذا العمل مع الشرع الحنيف والإسلام، قائلا:
" لقد اصدرنا فتوى بحرمة الأسلحة النووية قبل سنوات، وذلك لتعارضها مع الشرع والأخلاق، لكن الأميركان ورغم أنهم يعترفون احيانا بأهمية هذه الفتوى، فإنهم يكذبون ويهددون في إعلامهم، ويزعمون أن تهديداتهم هي التي منعت ايران من إنتاج السلاح النووي".
وازاء ما مضى يمكن القطع بأن الجمهورية الإسلامية،هي في غنى عن انتهاك معاهدات المؤسسات الأممية شرعاً وقانوناً وأخلاقاً. الأمر الذي لم يصدُق بعد على أدعياء الشرعية الدولية، ومنها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت هي الوحيدة من دون العالم بأسره، التي استخدمت قنبلتين ذرّيتين بقصفها كلاً من مديني هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. علما أن الحرب كانت قد وضعت أوزارها آنذاك، ولم تكن ثمة حاجة أو ضرورة استدعت تنفيذ تينك الغارتين الوحشيتين بحق الشعب الياباني، وهو الذي ما انفك يعاني من عذابات تلك المجزرة الإرهابية الفظيعة الى وقتنا الحاضر.
إذن وخلافا لكل الإتهامات والمزاعم الجوفاء، جاء تقرير امين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية "يوكيا أمانو" ــ وهو بالمناسبة مواطن ياباني من مواليد عام 1946 م، أي بعد عام واحد من الجريمة الأميركية النكراء بحق بلاده والإنسانية كلهاــ بشأن سلمية البرنامج النووي الإيراني مؤكدا على المصداقية التي تمسكت بها طهران في جميع مواقفها. فقد اشار التقرير الى تعاون ايران الشامل مع والوكالة وفقا لخارطة طريق اتفقتا عليها، وقيّض لهذه المؤسسة التقنية الدولية أسباب الخروج بتقييمها الصحيح والنهائي في هذا الاتجاه.
كما لم يرد في تقرير أمانو اية اشارة الى عدم التزام الجمهورية الاسلامية بتعهداتها وفقا لمعاهدة حظر الإنتشار النووي (أم پي تي)، الأمر الذي يستوجب "اغلاق ملف پي أم دي المرتبط بالشكوك المزعومة"، وبالتالي الغاء اشكال الحظر والعقوبات الإقتصادية الدولية الظالمة طبقا لإتفاق فيينا النووي بين ايران ومجموعة 5 +1.
ويرى المراقبون بأن الحجج القوية الواردة في تقرير "أمانو" تفند الإتهامات المفبركة والإشاعات المنبثقة من تعليمات كواليس السياسة والغرف الأستخبارية الصهيوغربية المغرضة. فالتقرير يدحض كليا وجود اي توجهات عسكرية او حربية في البرنامج النووي الإيراني في ما يتصل بالحاضر او الماضي القريب، على الرغم من أنه ضمَّن ــ عمداً ــ بعض القضايا المزعومة العائدة لفترات طويلة منصرمة، الشيء الذي لا يبعد ان يكون بمثابة مشاجب يمكن تعليق الإتهامات عليها او ممارسة الضغوط بواسطتها مستقبلاً.
ويمكن القول بشكل عام بأن تقرير الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 2 ديسمبر 2015، ومع اننا كنّا نرجو باستمرار ان ينصرف فحسب الى الجوانب التقنية والفنية والمهنية التي هي من صلب مهامه، قد ولد ولادة عسيرة، واتضح ايضا بأنه خرج في بعض تفاصيله أسيرا للسياسات الهيمنية الأميركية التي تعتبر نفسها وصيّة وقيّمة على مصائر الأمم والشعوب.
وقد ضربت هذه الهيمنة الإستكبارية بظلالها على التقريرعبر اشتماله على مناطق سوداء ورمادية الى جانب مناطقها البيضاء المشار الى بعض منها في هذا المقال. ومع ذلك لا يمكن لأهل العقل والمنطق واحرار العالم القبول بهذه النتيجة غير الطبيعية على الرغم من معرفتنا بإرتهان قرارات مؤسسات الشرعية الدولية للغة القوة الغاشمة التي وضعت الشرق الاوسط بل المنطقة الاسلامية والعربية الزاخرة بالثروات والخيرات فوق فوهة بركان يغلي في داخله بضراوة.
ونستخلص من ذلك اننا لايمكن ان نعفي الامين العام، يوكيا أمانو من مسؤولية التراخي امام الضغوط السياسية الآميركية والاوروبية والاسرائيلية، الشيء الذي جعل ايران تخسر العديد من علمائها وكوادرها العاملين في النووي السلمي نتيجة لإفشاء اسمائهم من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في السنوات القليلة الماضية، مع ان الجمهورية الاسلامية وانطلاقا من مصداقيتها وتعاونها كانت قد اسرّت بهذه المعلومات اليها باعتبارها مؤسسة مهنية وليست سياسية او أمنية.
صفوة القول هو ان التقرير يمكن أن يُعد حالة متطورة نحو الإيجاب أكثر منه صوب السلبية. لكن في المحصلة فان الكرة الآن هي في ملعب مجموعة دول (5+1) التي يتوجب ان تفي بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في اتفاق فيينا النووي، وذلك بعدما نفذت ايران التزاماتها في الجوانب الخاصة ببرنامجها النووي ذي الأغراض السلمية التنموية، وبما يخدم تهدئة التشنجات وانتزاع التوترات الراهنة ابتغاء اعادة الأمن والأستقرار والطمأنينة الى ربوع المنطقة وشعوبها المحبة للخير والسلام.
* تقرير "أمانو" بين الوضوح والضبابية (1)

حميد حلمي زاده
يعتقد المراقبون والخبراء أن من اهم نتائج الإعلان عن تقرير (أمانو) بشأن البرنامج النووي السلمي للجمهورية الإسلامية، هو انه حوّل ملف "پي أم دي"، (بشأن احتمال انطواء الانشطة النووية الايرانية على أبعاد عسكرية) الى جُملة من الإدعاءات الزائفة فضلا عن الأكاذيب التي ثبت بُطلانها بعد نحو 12 سنة من التجاذبات المتبادلة بين ايران من جهة والدول الغربية من جهة اخرى.
فقد برهن تقرير الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية (الياباني) يوكيا أمانو، على ان برنامج طهران النووي يتماشى مع المواصفات التنموية السلمية، الأمر الذي دحض كل المزاعم والإفتراءات والشائعات التي اثيرت حوله في الماضي، والتي تحطمت على صخرة المواقف الإيرانية الحازمة والصادقة والجادة وتمسك الجمهورية الإسلامية بحقوقها المشروعة وثوابتها الوطنية العادلة على الرغم من شدة الحملات وتوالي الضغوط الإستكبارية السياسية والإقتصادية والإعلامية المغرضة طيلة الأعوام المنصرمة.
على صعيد متصل تم عقد اجتماع اللجنة المشتركة بين مساعد وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية الدكتور عراقجي ونظرائه بدول مجمومة 5+1 في العاصمة النمساوية فيينا يوم الإثنين 7 ديسمبر 2015 حيث بحث الطرفان تفاصيل مسودة القرار التي ستعرضها دول المجموعة على مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبحكم التفاهمات المشتركة فإن من المتوقع ان يصادق مجلس الحكام عليه بالإجماع، باعتباره اجراء ضروريا ومدخلا الى إسدال الستار على ملف "پي.أم.دي" في الوكالة.
في هذا المضمار افادت وكالة فارس للأنباء بأن مسؤولا روسيا رفيعا اعلن في تصريح له لوكالة "تاس" على هامش هذا الاجتماع، عن التوصل الى الإتفاق التمهيدي بهذا الشأن بين ممثل الجمهورية الاسلامية ومندوبي مجموعة 5+1 من أجل غلق هذا الملف، وتطبيق مراحل برنامج العمل المشترك الشامل (موضحا) ان الجانبين كتبا المسودة المذكورة وذلك بغية تقديمه الى اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الموعد المحدد له خلال شهر كانون الاول 2015، بهدف الغاء وغلق ملف "ماضي القضية النووية في ايران والشكوك المزعومة بشأن التوجهات العسكرية المحتملة فيه" والذي يعرف بملف (پي أم دي).
ومع ان تقرير السيد أمانو حظي باهتمام كبار المسؤولين الإيرانيين السياسيين منهم والإختصاصيين، باعتباره أفضل من التقرير الذي اصدره عام 2011، إلا ان ذلك لم يمنع صانعو القرار والخبراء والمراقبون في البلاد من التأكيد بالقول: (أن تقرير أمانو في ديسمبر 2015 لا يعتبر تقريرا مثاليا وليس جيدا في كلياته، بل هو خطوة متقدمة على التقريرالسابق لهذا المسؤول الأممي).
وعلى أية فقد أحال "يوكيا أمانو" الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريره الى "مجلس حكام الوكالة" يوم الأربعاء 2 ديسمبر ــ كانون الأول 2015، والذي سيعقد اجتماعه يوم 15 ديسمبر الجاري، وسط تأكيدات بأن يتخذ قراره الصائب باغلاق "ملف الشكوك" المثير للجدل، باعتبار ان اتخاذ هذا القرار يفترض به ان يمهد لتفعيل إتفاق فيينا النووي التاريخي بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ودول مجموعة 5+1 ( اميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين إضافة الى المانيا) والذي أُبرم يوم 14 تموز/ يوليو 2015 يشار الى انه في ضوء هذا .الإتفاق المهم، وقّعت ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خارطة طريق ل "توضيح القضايا العالقة في الماضي والحاضر" في ما يخص البرنامج النووي السلمي للجمهورية الإسلامية، في حين تتطلع الأنظار الى ان يؤدي الإتفاق الى رفع العقوبات الإقتصادية الدولية على طهران، واغلاق قضية (پي أم دي) ذات الأهداف الابتزازية الى الأبد.
وهنا لابد من اثارة الملاحظات على الامور التي تكتنف تقرير امين عام الوكالة الدولية الأخير وهو انه وعلى الرغم من ايجابياته ووضوحه في جوانب، فإنه ما فتئ يراوح في مكانه في جوانب اخرى وسط استخدام عبارات ومصطلحات مبطنة ومطاطة يمكن تأويلها باكثر معنى، وتبعا لإحداثيات السياسة الغربية التي سوف نظل ننظر اليها بعين الريبة والشكك حتى يثبت العكس.
وربما يمكن القول ان ( تقرير أمانو 2015 ) هو ايضا، وكما في امثاله، محكوم بابجديات هذه السياسة ـ شئنا ام أبينا ـ بيد ان التميّز سيتمثل هنا في كيفية إجبار الدول الغربية على تنفيذ مطاليبنا المحقة بعيدا عن الإنسياق معها في مغامراتها الراهنة في الشرق الاوسط، بحجة "محاربة الإرهاب" التي باتت موضة الموسم الاستكباري الراهن فمن الواضح أن مجموعة دول (5 +1 باستثناء الصين) قد انخرطت بشكل او بآخر في حرب اقليمية مقلقة للغاية تحت ذريعة القضاء على دولة "داعش" . وثمة تطورات خطيرة طرأت بحكم تنافس القوى بين العواصم الغربية وموسكو، وادت الى قيام "تركيا الناتوية" بإسقاط قاذفة سوخوي24 روسية عمدا، في علامة يمكن تفسيرها على أنها قد تكون بداية مرحلة عصيبة تريدها الولايات المتحدة، انطلاقا من اجنداتها الفوضوية لتنفيذ "مخطط الشرق الأوسط الجديد". وفي ضوء شكوكنا في ان التحركات الغربية كانت هي الباعث في دحرجة كرة النار التكفيرية الى احضان المنطقة، فإن ثمة هواجس ان تستغل اميركا وحليفاتها الزوايا المظلمة والرمادية (السلبية والقابلة لأكثر من تأويل) في تقرير أمانو النووي لممارسة مزيد من الإبتزاز على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ابتغاء ارغامها على القبول بالخارطة الشرق اوسطية الأميركية.
إذ من المؤكد ان هذا الأمر ترفضه طهران جملا وتفصيلا. فقد أكد كبار المسؤولين الإيرانيين على ان الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 لايعني التفاهم مع أميركا على مختلف قضايا المنطقة. ومن ابرز انعكاسات ذلك التباين القائم في وجهات النظر بين طهران وواشنطن بشأن آليات تسوية الأزمة السورية المتفاقمة منذ 5 أعوام والتي تشتد فصولها ضراوة يوما بعد آخر.
فالثابت ان المنطقة شعوبا وحكومات قد سقطت فريسة بين انياب تجار الحروب الإستكباريين، ولذلك ربما يكون ضربا من التسرع امتداح "تقرير أمانو" بالإجمال، وذلك نظرا لما فيه من ضبابية كثيرة ومصطلحات فضفاضة وتفاصيل تقنية وقانونية معقدة، اعتاد الغربيون على استغلالها وقت الحاجة.
بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في اتفاق فيينا النووي، وذلك بعدما نفذت ايران التزاماتها في الجوانب الخاصة ببرنامجها النووي ذي الأغراض السلمية التنموية، وبما يخدم تهدئة التشنجات وانتزاع التوترات الراهنة ابتغاء اعادة الأمن والأستقرار والطمأنينة الى ربوع المنطقة وشعوبها المحبة للخير والسلام.
***
* النووي الإيراني السلمي..
* تقرير "أمانو" بين الوضوح والضبابية (2)

حميد حلمی زاده
من الأهمية بمكان التأكيد على أن الجمهورية الإسلامية لم تکن، وليست لديها أية مشاكل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامجها النووي السلمي. فإيران كانت وما تزال تحترم القانون الدولي، وقد اثبتت دائما انها ملتزمة بالمواثيق والمعاهدات الأممية الصادرة عن مؤسسات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية، التي يمكن ان تهدد الإنسانية جمعاء، والمعروفة اختصارا باسم معاهدة (أم پي تي).
كما أصدر قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي عام 2003 فتوى تاريخية بتحريم استخدام اسلحة الدمار الشامل، وقد قدمتها حكومة الجمهورية الاسلامية كوثيقة الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا خلال اجتماعها عام 2005. وهذه الفتوى مدوّنة وموجودة في الموقع الرسمي للسيد القائد، وفيما يلي نصها:
"نعتقد إضافة الى السلاح النووي، بأن سائر صنوف اسلحة الدمار الشامل كالأسلحة الكيمياوية والميكروبية تمثل خطرا حقيقيا على الحياة البشرية. وإن الشعب الإيراني باعتباره ضحية لاستخدام السلاح الكيمياوي، يشعر اكثر من غيره من الشعوب بخطر انتاج وتخزين هذه الأنواع من الاسلحة، وهو على استعداد لحشد كافة امكاناته في سبيل مكافحتها. إننا نعتبر استخدام هذه الاسلحة "حراماً". وان السعي لحماية بني البشر من هذا البلاء الكبير هو واجبٌ يقع على عاتق الجميع".
وتشير موسوعة ويكيبديا في معرض توثيقها للفتوى على صفحاتها المتاحة في الإنترنت، الى انه وبعد أربعة ايام من توقيع إتفاق فيينا النووي يوم 14 تموز/ يوليو 2015، نوّه قائد الثورة الإسلامية في خطبته بعد صلاة عيد الفطر المبارك الى هذه الفتوى مؤكدا على انه لا يمكن لأية قوة الوقوف أمام ايران إذا ما أرادت صنع قنبلة نووية، ولكن الجمهورية الاسلامية لا تريد صنعها، وذلك لتعارض هذا العمل مع الشرع الحنيف والإسلام، قائلا:
" لقد اصدرنا فتوى بحرمة الأسلحة النووية قبل سنوات، وذلك لتعارضها مع الشرع والأخلاق، لكن الأميركان ورغم أنهم يعترفون احيانا بأهمية هذه الفتوى، فإنهم يكذبون ويهددون في إعلامهم، ويزعمون أن تهديداتهم هي التي منعت ايران من إنتاج السلاح النووي".
وازاء ما مضى يمكن القطع بأن الجمهورية الإسلامية،هي في غنى عن انتهاك معاهدات المؤسسات الأممية شرعاً وقانوناً وأخلاقاً. الأمر الذي لم يصدُق بعد على أدعياء الشرعية الدولية، ومنها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت هي الوحيدة من دون العالم بأسره، التي استخدمت قنبلتين ذرّيتين بقصفها كلاً من مديني هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. علما أن الحرب كانت قد وضعت أوزارها آنذاك، ولم تكن ثمة حاجة أو ضرورة استدعت تنفيذ تينك الغارتين الوحشيتين بحق الشعب الياباني، وهو الذي ما انفك يعاني من عذابات تلك المجزرة الإرهابية الفظيعة الى وقتنا الحاضر.
إذن وخلافا لكل الإتهامات والمزاعم الجوفاء، جاء تقرير امين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية "يوكيا أمانو" ــ وهو بالمناسبة مواطن ياباني من مواليد عام 1946 م، أي بعد عام واحد من الجريمة الأميركية النكراء بحق بلاده والإنسانية كلهاــ بشأن سلمية البرنامج النووي الإيراني مؤكدا على المصداقية التي تمسكت بها طهران في جميع مواقفها. فقد اشار التقرير الى تعاون ايران الشامل مع والوكالة وفقا لخارطة طريق اتفقتا عليها، وقيّض لهذه المؤسسة التقنية الدولية أسباب الخروج بتقييمها الصحيح والنهائي في هذا الاتجاه.
كما لم يرد في تقرير أمانو اية اشارة الى عدم التزام الجمهورية الاسلامية بتعهداتها وفقا لمعاهدة حظر الإنتشار النووي (أم پي تي)، الأمر الذي يستوجب "اغلاق ملف پي أم دي المرتبط بالشكوك المزعومة"، وبالتالي الغاء اشكال الحظر والعقوبات الإقتصادية الدولية الظالمة طبقا لإتفاق فيينا النووي بين ايران ومجموعة 5 +1.
ويرى المراقبون بأن الحجج القوية الواردة في تقرير "أمانو" تفند الإتهامات المفبركة والإشاعات المنبثقة من تعليمات كواليس السياسة والغرف الأستخبارية الصهيوغربية المغرضة. فالتقرير يدحض كليا وجود اي توجهات عسكرية او حربية في البرنامج النووي الإيراني في ما يتصل بالحاضر او الماضي القريب، على الرغم من أنه ضمَّن ــ عمداً ــ بعض القضايا المزعومة العائدة لفترات طويلة منصرمة، الشيء الذي لا يبعد ان يكون بمثابة مشاجب يمكن تعليق الإتهامات عليها او ممارسة الضغوط بواسطتها مستقبلاً.
ويمكن القول بشكل عام بأن تقرير الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 2 ديسمبر 2015، ومع اننا كنّا نرجو باستمرار ان ينصرف فحسب الى الجوانب التقنية والفنية والمهنية التي هي من صلب مهامه، قد ولد ولادة عسيرة، واتضح ايضا بأنه خرج في بعض تفاصيله أسيرا للسياسات الهيمنية الأميركية التي تعتبر نفسها وصيّة وقيّمة على مصائر الأمم والشعوب.
وقد ضربت هذه الهيمنة الإستكبارية بظلالها على التقريرعبر اشتماله على مناطق سوداء ورمادية الى جانب مناطقها البيضاء المشار الى بعض منها في هذا المقال. ومع ذلك لا يمكن لأهل العقل والمنطق واحرار العالم القبول بهذه النتيجة غير الطبيعية على الرغم من معرفتنا بإرتهان قرارات مؤسسات الشرعية الدولية للغة القوة الغاشمة التي وضعت الشرق الاوسط بل المنطقة الاسلامية والعربية الزاخرة بالثروات والخيرات فوق فوهة بركان يغلي في داخله بضراوة.
ونستخلص من ذلك اننا لايمكن ان نعفي الامين العام، يوكيا أمانو من مسؤولية التراخي امام الضغوط السياسية الآميركية والاوروبية والاسرائيلية، الشيء الذي جعل ايران تخسر العديد من علمائها وكوادرها العاملين في النووي السلمي نتيجة لإفشاء اسمائهم من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في السنوات القليلة الماضية، مع ان الجمهورية الاسلامية وانطلاقا من مصداقيتها وتعاونها كانت قد اسرّت بهذه المعلومات اليها باعتبارها مؤسسة مهنية وليست سياسية او أمنية.
صفوة القول هو ان التقرير يمكن أن يُعد حالة متطورة نحو الإيجاب أكثر منه صوب السلبية. لكن في المحصلة فان الكرة الآن هي في ملعب مجموعة دول (5+1) التي يتوجب ان تفي بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في اتفاق فيينا النووي، وذلك بعدما نفذت ايران التزاماتها في الجوانب الخاصة ببرنامجها النووي ذي الأغراض السلمية التنموية، وبما يخدم تهدئة التشنجات وانتزاع التوترات الراهنة ابتغاء اعادة الأمن والأستقرار والطمأنينة الى ربوع المنطقة وشعوبها المحبة للخير والسلام.
تعليق