إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

سؤال عن المهدي المنتظر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عفوا سيدي
    هذا السؤال يتوجب عليك انت ان تجيب عليه

    اناقد سالتك عن الفرق بين النبي والامام مادام ان الاثنين يوحى لهما
    فاثبت لي ان هناك فرق بين وحي النبي ووحي الامام

    لاحظ ان المطلوب هو الفرق بين وحي النبي ووحي الامام
    حتى لاتشتت الموضوع بذكر وحي ام موسى او وحي النحل فهم ليو انبياء ولا ائمة

    فقط حدد لنا الفرق بين وحي النبي والامام حتى نتاكد من وجود فرق بين النبوة والامامة

    تعليق


    • لم اللف و الدوران؟؟؟

      القرآن واضح بأن الوحي له أكثر من صوره..

      أم أنك تقول أن كل أنواع الوحي مثل ما كان يوحى لرسول الله صلى الله عليه و آله؟؟

      تعليق


      • فائدة الإمام في زمن الغيبة


        ماهر آل شبر

        أهمية وجود الإمام في زمن الغيبة:

        عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك عندما سأله هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): (أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب)(1).

        في بداية حديثنا عن فوائد الإمام (عليه السلام) في حال غيبته لابد أن نطرح هنا ملاحظة هامة وهي أنه إذا تكلمنا عن غيبة الإمام المهدي فذلك لا يعني أنه (عليه السلام) قابع في جوف الأرض أو سجين في سرداب ما كسرداب الغَيبة كما يظنه بعض الجُهال.

        بل هو موجود بين الناس ويعيش معهم ويخالطهم وفي بعض الأخبار أنه يتزوج منهم أيضاً، غير أن الناس لا يعرفون أنه هو الإمام المهدي المنتظر.

        فعن سدير قال سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: (إن في القائم سنة من يوسف (عليه السلام)... إلى أن قال: فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز وجل يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عز وجل أن يعرفهم بنفسه كما أذن ليوسف)(2).

        فغيبة الإمام إذاً إنما تعني عدم معرفة الناس له (عليه السلام) لا غيابه عن ساحة الأحداث ومجريات الأمور، وهذا ما عبر عنه السيد محمد صادق الصدر (قدس) في كتابه تاريخ الغيبة الكبرى بخفاء العنوان.

        وإذا ما استعرضنا الحديث السابق عن النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يشبه فيه الإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبته بالشمس المجللة بالسحاب يتبادر لنا هنا السؤال التالي.

        - ما هي قيمة الشمس في الواقع، وما فائدتها لنا أو للناس والكون؟

        يقول أصحاب الفلك أن الشمس هي مركز وأساس المجموعة الشمسية، وحولها تدور جميع الكواكب التسعة السيارة بما فيها الكرة الأرضية التي نعيش فيها أو عليها، وهي أيضاً التي تعطي الدفء للأرض مما يجعل الحياة عليها ممكنة الحدوث والاستمرار، هذا بالإضافة إلى النور الضروري للنباتات وباقي الكائنات الحية وعملية التوازن في الأرض وغير ذلك من فوائد الشمس التي لا تعد ولا تحصى.

        فبالتالي بقاء الحياة على الكرة الأرضية بل وبقاء الكون المحيط بنا هو مرتبط ببقاء الشمس وديمومتها، وإذا ما حجبت الغيوم عنا شيء من ضوء الشمس لفترة معينه فهذا لا يبطل فوائد الشمس العديدة الموجبة لاستمرارية البقاء لهذا الكون المحيط بنا.

        ومن هنا نفهم أن الوجود المقدس للإمام المهدي هو ضروري لهذا الكون وبقائه وصلاحه حتى وإن كان (عليه السلام) مستتراً عن الأنظار بالغيبة، ولا تشكل غيبته أي عائق عن الاستفادة من بركات هذا الفيض الإلهي المتمثل بوجوده.

        نسأل الله تعالى أن نكون محل عنايته (عليه السلام) والمقربين منه ومن المنتفعين ببركة وجوده المقدس.


        فوائد الإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبته:


        1- قيام الحجة لله على الخلق في كل عصر وزمان:

        قال تعالى: ) رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً( (3).

        من المعروف أنه لابد لله من حجة على الخلق وللزوم إتمام الحجة على الناس لم تخلوا الأرض يوماً من إمام يُهتدى به ويمثل جانب الحق من الصراع الدائر بين الحق والباطل، ولكي لا يقول أحد ما لو كان لنا قائد سماوي لأخذ بيدنا ولما انحرفنا عن الطريق المستقيم، فمن غير المعقول أن تبطل حجج الله في أي زمن من الأزمنة أو أن يكون الإمام غير معروف للناس وللمؤمنين منهم خاصة، وهذا ما أكد عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) بالقول: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) أو قوله (صلى الله عليه وآله): (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية)(4).

        وهذا الأمر مستمر منذ أن أهبط آدم إلى الأرض وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حيث يقوم حجج الله بالمحافظة على الشرائع السماوية وعدم تلوث الأفكار الأصلية أو تحريفها عن معناها وبمعنى آخر الحفاظ على أصالة الدين والفكر عن الخرافات و الأوهام وانحرافات المنحرفين.

        وهذا المفهوم أكدت عليه الكثير من الروايات والأحاديث التي نستعرض هنا بعضها والتي تنص على أنه لابد أن يكون هناك في كل زمان حجة لله على خلقه.

        فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إن في كل خلف من أمتي عدلاً من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف المغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)(5).

        وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهورا أو خائفاً مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته)(6).

        وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (والله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله آدم إلا وفيها إمام يُهتدى به إلى الله وهو حجة الله على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده)(7).

        وعن سليمان الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السلام): (لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال (عليه السلام): كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب)(8).

        بل وتحدثت بعض الروايات أنه من لم يكن له إمام يهتدي به فأعماله الصالحة محل إشكال، إذ ربما وقعت بشكل غير صحيح أو ربما فيها ما هو مخالف للشريعة كما نفهم من الرواية التالية.

        عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (كل من دان لله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله)(9).

        وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا)(10).

        فوجود الإمام إذاً سبباً لقبول الأعمال ومعرفة الإمام هي الأساس في السير على الطريق الصحيح والصراط المستقيم و الإمام هو باب الله الذي منه يُأتى كما جاء في دعاء الندبة الذي يقرأ في أيام الجمع والأعياد.

        وفي هذا الزمن يمثل الإمام المهدي (عليه السلام) جانب الحق من الصراع وهو بقية حجج الله على خلقه وآخر الأئمة والمعصومين سلام الله عليهم أجمعين، ولذلك تنقل لنا الروايات أن أول ما ينطق به الإمام المهدي بعد خروجه بين الركن والمقام وبعد أن يسند ظهره إلى الكعبة المشرفة هو قول الله تعالى ) بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين( (11) ثم يقول: (أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم)(12).


        2- وجود الإمام لطف من الله بالعباد وأمان لأهل الأرض:

        عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون)(13).

        وعنه أيضاً (صلى الله عليه وآله) قال: (النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض)(14).

        من رحمة الله الواسعة وتلطفه بالعباد والخلق جعل لهم أبواباً للرحمة فلا يعذبهم بما جنت أيديهم ولا يعجل عليهم بالعقوبة على ما اقترفوا من آثام وارتكبوا من أوزار وخطايا، ومن تلك الأبواب والألطاف نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) فلقد بعثه رحمة للعالمين، وقال عنه: ) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون( (15).

        فلقد كان رسول الله أماناً لهذه للأمة من عذاب الاستئصال، فكرامةً له (صلى الله عليه وآله) لم يحدث لهذه الأمة ما حدث للأمم السابقة من عذاب وعقوبة الإهلاك مثل قوم صالح وهود ولوط وغيرهم، وبعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أهل بيته (عليهم السلام) أماناً لهذه الأمة من العذاب ولطف يحوط بأهل الأرض جميعاً، وسبب للفيض الإلهي وسبب لتنزل البركة والرحمة والخيرات من الله عز وجل.

        فعن جابر بن يزيد الجعفي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) لأي شيء يحتاج إلى النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام؟ فقال (عليه السلام): (لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله عز وجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام... بهم يرزق الله عباده وبهم تعمر بلاده وبهم ينزل القطر من السماء وبهم يخرج بركات الأرض وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم)(16).

        وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً قال: (لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منا لساخت بأهلها ولعذبهم الله بأشد عذابه)(17).

        وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة ولا تخلوا الأرض من قائم منا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله)(18).


        3 ـ دعاء الإمام المهدي (عليه السلام) للمؤمنين وتسديده للعـلماء:

        جاء في رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) الأولى للشيخ المفيد: (...أنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء – أي الشدائد – أو اصطلمكم الأعداء).

        وعنه (عليه السلام) في رسالته الثانية للشيخ المفيد أيضاً وهو يتكلم (عليه السلام) عن حفظ الله للمؤمنين فيقول: (... لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب)(19).

        إذاً من أعظم الفوائد التي نستفيدها من الإمام (عليه السلام) في حال غيبته هو شمولنا ببركة دعائه المقدس للمؤمنين، فهو الإمام المستجاب الدعوة وهو المضطر الذي يجاب إذا دعا ) أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض( (20)، ولولا شمولنا ببركة دعائه (عليه السلام) لنا بظهر الغيب لصب علينا البلاء صبا.

        كما أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم بمهمة أخرى ربما أكثر أهمية من الدعاء وهي إصلاح المؤمنين وهدايتهم حتى وإن كانوا لا يعرفون شخصيته الحقيقية.

        فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الأرض لا تخلوا إلا وفيها إمام كي ما إن زاد المؤمنون شيئاً ردهم وإن نقصوا شيئاً أتمه لهم)(21).

        وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: (ما زالت الأرض إلا ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعوا الناس إلى سبيل الله)(22).

        كما يقوم الإمام المهدي (عليه السلام) بتسديد العديد من العلماء الأجلاء ومساعدتهم في الحفاظ على الدين والشريعة واستخراج الأحكام الشرعية الضرورية للحياة ويصوب أخطائهم الاجتهادية في كثير من الأحيان.

        ومثال ذلك ما روي عن المقدس الأردبيلي (قدس) في القصة المعروفة التي نقلها العلامة المجلسي في البحار نقلاً عن أحد طلابه وهو السيد الفاضل أمير علام حيث قال: (كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة بالغري على مشرفها السلام, وقد ذهب كثير من الليل فبينا أنا أجول فيها إذ رأيت شخصاً مقبلاً نحو الروضة المقدسة فأقبلت إليه فلما قربت منه عرفته أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الزكي مولانا أحمد الأردبيلي - قدس الله روحه - فأخفيت نفسي عنه حتى أتى الباب وكان مغلقاً فانفتح له عند وصوله إليه، ودخل الروضة فسمعته يتكلم كأنه يناجي أحداً, ثم خرج وأغلق الباب، فمشيت خلفه حتى خرج من الغري، وتوجه نحو الكوفة، فكنت خلفه بحيث لا يراني حتى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) عنده, ومكث طويلاً, ثم رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو الغري فكنت خلفه حتى قرب من الحنانة, فأخذني سعال لم أقدر على دفعه, فالتفت إلي, فعرفني, وقال: أنت أمير علام؟ قلت: نعم, قال ما تصنع هاهنا؟ قلت: كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن, وأقسم عليك بحق صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة من البداية إلى النهاية. فقال: أخبرك على أن لا تخبر به أحداً مادمت حياً, فلما توثق ذلك مني قال: كنت أفكر في بعض المسائل وقد أغلقت على فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين (عليه السلام) واسأله عن ذلك فلما وصلت إلى الباب فُتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك فسمعت صوتا من القبر أن ائت مسجد الكوفة وسل القائم صلوات الله عليه فإنه إمام زمانك فأتيت عند المحراب وسألته عنها فأُجبت وها أنا أرجع إلى بيتي)(23).

        ومثال ذلك أيضاً القصة التي تروى عن الشيخ المفيد (قدس) حيث يُذكر: (أن أحد القرويين سأله ذات يوم عن امرأة حامل ماتت فهل تدفن مع ولدها أم يجب إخراجه منها؟ فظن الشيخ المفيد أن الولد ميت في بطنها، فقال: لا حاجة لفصله عن أمه بل يجوز أن يدفن معها وهو في بطنها، فلما حملت إلى قبرها أتى إلى النسوة شخص وقال إن الشيخ يأمر أن يشق بطن الحامل ويخرج الجنين إذا كان حياً منها ويخاط الشق ولا يحل أن يدفن معها، فعملت النسوة بما أوحى إليهن ذلك الشخص، ثم أخبر ذلك القروي بعد مدة الشيخ المفيد بما وقع فقال له: أنه لم يرسل أحداً ولا شك أن ذلك الشخص هو صاحب الزمان (عليه السلام)، وأُسقط الشيخ المفيد في يده بأنه أخطأ في الفتوى، فترك الفتيا والتزم بيته لا يغادره حتى جاءه الأمر (أفد يا مفيد، فإن أخطأت فعلينا التسديد) فما كان من الشيخ إلا أن عاود الجلوس على منبر الفتيا)(24).

        ومن تسديدات الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً للشيخ المفيد إرساله لرسالتين إليه فيهما الكثير من الإرشادات والتوجيه له وللمؤمنين وما ينبغي لهم عمله والقيام به في تلك الفترة الزمنية حيث وصلته الأولى في أواخر شهر صفر سنة 410 هـ، بينما وصلته الثانية يوم الخميس 23 ذي الحجة سنة 412 هـ، وقد ورد نص الرسالتين بالكامل في كتاب (الاحتجاج) لأبي منصور أحمد الطبرسي (قدس) من علماء القرن السادس الهجري.

        ومن ذلك أيضاً قصة إجازة الإمام المهدي (عليه السلام) للشيخ الأنصاري بالاجتهاد والاعلمية حيث قال له: أنت المجتهد ثلاثاً، وقد نقلها السيد حسن الأبطحي في كتابه لقاءات مع صاحب الزمان في اللقاء الثاني والخمسين.

        وكذلك ما نقله السيد الأبطحي أيضاً في نفس الكتاب وفي اللقاء الخامس والستين لأحد مراجع التقليد المعاصرين مع الإمام المهدي (عليه السلام) حيث أوصاه بثمان وصايا عظيمة ومن أراد الاطلاع عليها فليراجعها في الكتاب المذكور(25).

        كما سُئل آية الله الشيخ زين العابدين النجفي (قدس) عن حكم الطبول التي تضرب في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) وعن ضرب السيوف والتشابيه أهي جائزة أم حرام؟ فأجاب: (إني كنت متوقفاً في هذه المسألة ومتردداً فيها، فلا أدري هل أفتي بالجواز أم أفتي بالحرمة، فذهبت إلى مسجد السهلة ووصلت بخدمة سيدي ومولاي الحجة ابن الحسن (عليه السلام) وعرضت المسألة عليه وسألته عنها فأفتاني بالجواز، وأنا أفتي كما أفتى سيدي ومولاي بالجواز)(26).

        وهناك أيضاً العديد من اللقاءات التي تنقل بين الإمام (عليه السلام) والعلماء الأجلاء وتسديده لهم وإعانته لهم على كثير من القضايا، من أمثال لقائه مع العلامة الحلي وإعانته له في استنساخ الكتاب، ومكاشفته للعلامة المجلسي وغيرها من القصص التي ذكرت في العديد من الكتب من أمثال كتاب (لقاءات مع صاحب الزمان) للسيد حسن الأبطحي وكتاب (جنة المأوى) للحاج الميرزا حسين النوري وكتاب (رعاية الإمام المهدي (عليه السلام) للمراجع والعلماء الأعلام) للشيخ علي الجهرمي.

        ويقول الشيخ علي كريمي الجهرمي في هذا المجال: (إن مراجع التقليد الأتقياء والعلماء العظام الزاهدين كانوا على الدوام موضعاً للعناية الخاصة من قبل إمام العصر - أرواحنا فداه - سواء كانت هذه العناية والرعاية على شكل لقاء أو إظهار للتقدير أو تقديم الشكر أو الدعاء بالخير أو الإرشاد والتوجيه أو تصحيح الاشتباهات والأخطاء إلى غير ذلك)(27).


        4ـ متابعة الإمام المهدي (عليه السلام) لأعمال الأمة واتصاله بهم في موسم الحج:

        قال تعالى: ) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون( (28).

        من الواضح من الآية المباركة التي ذكرناها قبل قليل أن أعمال العباد تعرض في الحياة الدنيا على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله وعلى المؤمنين، ومن الطبيعي ألا تعرض الأعمال على جميع المؤمنين لاستحالة ذلك، كما أن هناك من أعمال العباد ما يتم في السر بحيث يخفى عن أعين الناس والناظرين فلا يمكن تفسير كلمة ) المؤمنون( في الآية السابقة إلا بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام).

        ومما يدلنا على أن هذا العرض يتم في الحياة الدنيا لا في الآخرة هو المقطع الأخير من الآية المباركة أي ) وستردون إلى عالم...( وهذا المعنى نجده أيضاً في آية سابقه من سورة التوبة حيث يقول سبحانه ) وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تُردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون( (29)، فهناك بعد الموت يتم العرض مرة أخرى للأعمال وينبئ الله العباد بجميع أعمالهم.

        فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير الآية السابقة قال: (تعرض أعمال العباد يوم الخميس على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الأئمة)(30).

        وعنه (عليه السلام) أيضاً في تفسير قوله تعالى: ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً( (31)، قال: (نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة، في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم ومحمد (صلى الله عليه وآله) في كل قرن شاهد علينا)(32).

        إذاً نستنتج مما مضى أن أعمالنا تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الأئمة المعصومين وعلى صاحب الزمان - أرواحنا فداه - ليكونوا شهداء علينا مع جوارحنا ومع الملائكة المكرمين، ولذلك جاء في بعض الروايات التحذير أنه أما تستحون من نبيكم حينما يشاهد أعمالكم السيئة فيسوئه ذلك، وكذلك الأمر إذا ما عرضت الأعمال على إمام العصر (عليه السلام)، ولعل لذلك أكبر الأثر في أن يصلح الإنسان من نفسه ويرتدع عن ظلم الناس ويستزيد من الأعمال الصالحة ليرضي بذلك إمامه المفترض الطاعة عنه.

        فعن رميلة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (يا رميلة ليس مؤمن يمرض إلا مرضنا بمرضه ولا يحزن إلا حزنا بحزنه ولا يدعو إلا أمنا بدعائه ولا يسكت إلا دعونا له، فقلت له: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك هذا لمن معك في القصر أرأيت من كان في أطراف الأرض؟ فقال (عليه السلام): يا رميلة ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها)(33).

        بل أن هناك من الروايات والأحاديث التي تؤكد على أن الله سبحانه وتعالى يُطلع النبي والإمام المعصوم حتى على ما في ضمير الإنسان سواء كان خيراً أو شر، وهذا الأمر ربما يخفى على الملكين الموكلين بكتابة أعمال الإنسان وأقواله ليكون بذلك النبي أو المعصوم شاهداً عند الله على هذا الإنسان وما أضمره في داخله من حقد أو ضغينة أو سوء ظن أو خلافه.

        فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا، إنا كلنا واحد...)(34).

        ولقد جاء في فضل ليلة القدر أن الآجال والأرزاق والبلايا تكتب في تلك الليلة وتعرض على الإمام المعصوم مع إبقاء المشيئة والبداء لله عز وجل.

        فعن أبي عبد لله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين فيها يُفرق كل أمر حكيم( (35)، قال (عليه السلام): (يعني في ليلة القدر كل أمر حكيم، أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل وما يكون في تلك السنة وله فيها البداء والمشيئة يقدم ما يشاء ويخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء، ويلقيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة (عليهم السلام) حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان ويشترط له ما فيه البداء والمشية والتقديم والتأخير)(36).

        وأما فائدة عرض الأعمال على الإمام المهدي (عليه السلام) فتتلخص في النقاط التالية:

        - معرفة إمكانية الظهور إذا ما تهيأت الأسباب والأرضية المناسبة لخروجه.

        - معرفة أنصاره وأعوانه الذين يمكنه الاعتماد عليهم واختيار الأفضل منهم.

        - متابعة أحوال الأمة والإطلاع على أخبارها وإصلاح الفساد الحاصل فيها.

        - الشهادة على أعمال الخلائق عند الله عز وجل والاستغفار للمؤمنين منهم.

        كما أن الإمام المهدي (عليه السلام) يحضر موسم الحج في كل عام ويلتقي بالمؤمنين هناك ويتواصل مع الأمة في تلك الديار المقدسة وربما أكثر الحجاج يلتقون به ويحادثونه وهم لا يعرفون أنه هو إمامهم المنتظر.

        فعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ليفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه)(37).

        وعن محمد بن عثمان العمري - السفير الثاني - قال: (والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه)(38).

        بل ويقوم الإمام المهدي (عليه السلام) في بعض الأحيان في موسم الحج بتعليم المؤمنين معالم دينهم وبعض الأمور الهامة التي تخصهم.

        فمن ذلك ما رواه علي بن إبراهيم الآودي أنه في عام 293هـ، وبعد طوافه حول الكعبة المشرفة جلس في حلقة من المؤمنين عن يمين الكعبة، فبينما هم جلوس إذ خرج عليه الإمام (عليه السلام) وعليه إزاران محرم بهما وفي يده نعلان، فلما رأوه قاموا جميعاً هيبة له فسلم عليهم وجلس متوسطاً بينهم، ثم التفت يميناً وشمالاً ثم قال (عليه السلام): (أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الإلحاح؟ كان يقول: اللهم إني أسألك باسمك الذي تقوم به السماء وبه تقوم الأرض...)(39)، إلى آخر الرواية وهي طويلة بعض الشيء فاكتفينا منها بهذا القدر، وهناك أيضاً العديد من الروايات المشابهة لهذه الرواية.


        5ـ مساعـدة الإمام المهدي (عليه السلام) للمؤمنين في الشدة والمحن:

        قال تعالى عن نبيه (صلى الله عليه وآله): ) و ما أرسلناك إلا رحمة للعـالمين( (40).

        لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده عوناً للأمة على الدوام، كما كانوا مفرجين للهموم والأحزان ومخلصين للناس من المحن والمصاعب والكرب التي تنتابهم، وعلى هذا المنوال أيضاً سار الإمام المهدي (عليه السلام) فهناك الكثير من القصص والأخبار الموثوق بها والتي تتحدث عن تخليصه عليه السلام للمؤمنين من المصاعب والمحن وشفائه للمرضى بإذن الله عز وجل، ولقد نقل لنا السيد حسن الأبطحي في كتابه لقاءات مع صاحب الزمان العديد من تلك القصص التي فرج فيها الإمام المهدي (عليه السلام) عن المؤمنين كربهم وأعانهم على البلاء الذي ألم بهم.

        وأنا أنقل لكم هنا قصتين فقط عن مساعدته (عليه السلام) للمؤمنين وذلك على سبيل المثال لا الحصر وقد ذكرهما الميرزا حسين النوري الطبرسي في كتابه (النجم الثاقب في أحوال الحجة الغائب).

        حيث ينقل (أن أحد الأشخاص ذهب إلى الحج مع جماعة قليلة عن طريق الأحساء وعند الرجوع كان يقضي بعض الطريق راكباً وبعضه ماشياً، فاتفق في بعض المنازل أن طال سيره ولم يجد مركوباً، فلما نزلوا للراحة والنوم نام ذلك الرجل وطال به المنام من شدة التعب حتى ارتحلت القافلة بدون أن تفحص عنه، فلما لذعته حرارة الشمس استيقظ فلم ير أحداً حوله، فسار راجلاً وكان على يقين من الهلاك فاستغاث بالإمام المهدي (عليه السلام)، فرأى في ذلك الحال رجلاً على هيئة أهل البادية راكباً جملاً، وقال له: يا فلان افترقت عن القافلة؟ فقال: نعم، فقال: هل تحب أن أوصلك برفاقك؟ قال: فقلت نعم والله، هذا مطلوبي وليس هناك شيء سواه، فاقترب مني وأناخ راحلته، وجعلني رديفاً له وسار، فلم نسر إلا قليلاً حتى وصلنا إلى القافلة، فلما اقتربنا منها قال: هؤلاء رفقاؤك، ووضعني وذهب)(41).

        وينقل الميرزا في القصة الأخرى (أن جماعة من أهل البحرين عزموا على ضيافة جماعة من المؤمنين بشكل متسلسل في كل مره عند واحد منهم، وساروا في الضيافة حتى وصلت النوبة على أحدهم، ولم يكن لديه شيء ليضيفهم به، فركبه من ذلك حزن وغم شديد، فخرج في بعض الليالي من أحزانه إلى الصحراء، فرأى شخصاً حتى ما إذا وصل إليه قال له: اذهب إلى التاجر الفلاني - وسماه - وقل له: يقول لك محمد بن الحسن: ادفع لي الاثني عشر إشرافيا التي كنت نذرتها لنا، ثم اقبض المال منه واصرفه في ضيافتك.

        فذهب ذلك الرجل إلى التاجر وبلغه الرسالة، فقال له التاجر: أقال لك محمد بن الحسن بنفسه، فقال البحراني: نعم، فقال التاجر: وهل عرفته؟ قال: لا، فقال له: ذاك صاحب الزمان (عليه السلام)، وكنت نذرت هذا المال له، ثم أنه أكرم هذا البحراني وأعطاه المبلغ وطلب منه الدعاء)(42).

        ومن القصص المعتبرة أيضاً في هذا المجال قصة السيد الرشتي التي ذكرها الشيخ عباس القمي (طاب ثراه) في كتابه (مفاتيح الجنان) نقلاً عن الميرزا حسين النوري أيضاً.

        كما أن هناك بعض التوسلات الاستغاثات بالإمام المهدي (عليه السلام) قد وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك عند حلول المحن والشدائد والبلايا.


        6- إدارة الإمام المهدي (عليه السلام) للبشرية والأمة الإسلامية من الخفاء:

        المقصود من الخفاء هنا أنه (عليه السلام) يقوم ببعض أعماله بصفة أنه شخص عادي من المجتمع، فحيث أن الإمام المهدي (عليه السلام) موجود بين الناس ويلتقي بهم ويساعدهم ويصلح شئونهم وهم لا يعرفونه، فهو إذاً لا يعيش مكتوف الأيدي بل يقوم بمهامه الموكلة إليه في زمن الغيبة ويدير الأمة في صراعها ضد قوى الشر.

        ويذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) في كتابه (تاريخ الغيبة الكبرى) بعض من مهام الإمام المهدي (عليه السلام) في حال الغيبة وهي كالتالي (43):


        - القيام بواجب الدعوة الإسلامية وهداية الناس للإسلام والعقيدة الصحيحة .

        - الدفاع عن الإسلام وعن قواعده الشعبية ومواليه ضد الأعداء.

        - الحفاظ على المجتمع المسلم ضد الانحراف ومحاربة الفساد والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر المستطاع.

        - إغاثة الملهوف وإعانة المضطر والمشاركة الفعالة في الأعمال الخيرية أو أية اطروحات فكرية تصب في صالح المجتمعات الإيمانية.

        - قيادة الأمة الإسلامية جمعاء وإدارة البشرية وولاية الكون أيضاً (وهذا ما يسمى بالولاية التكوينية)(44).

        حيث أن للإمام المهدي (عليه السلام) ولاية عامة على الناس والكون أيضاً كما كان ذلك للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) من قبل، فنحن نرى أن الحديد كان ليناً بيد نبي الله داوود (عليه السلام) والجبال والطير كانت تسبح معه كما قال تعالى: ) وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين( (45)، والريح كانت تجري للنبي سليمان (عليه السلام) بأمره غدوها شهر ورواحها شهر كما قال تعالى: ) ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر( (46)، وانشقاق القمر للنبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وشهادة الحجر الأسود للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بالإمامة، وغير ذلك من الأمور.

        كما أن للإمام المهدي (عليه السلام) ولاية مطلقة على هذه الأمة، فكما كان للنبي (صلى الله عليه وآله) الولاية المطلقة على المسلمين وكذلك كان ذلك للإمام علي والأئمة من بعده (عليهم السلام) وذلك في قوله تعالى: ) إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون( (47)، فكذلك تكون الولاية مطلقة للإمام المهدي (عليه السلام).

        فمن المعروف أن هذه الآية نزلت في الإمام علي (عليه السلام) وذلك حينما تصدق بالخاتم وهو راكع في الصلاة، ونلاحظ هنا أن هذه الآية جاءت بصيغة الجمع مع أن الإمام علي (عليه السلام) كان شخص واحد فقط...!.

        حيث يقول بعض المفسرين إنما جاءت الآية بصيغة الجمع لوجود باقي الأئمة الإثني عشر في صلب الإمام علي (عليه السلام) فكانت لهم الولاية جميعا.

        وبالتالي فهذه الولاية المطلقة أو العامة للإمام المهدي (عليه السلام) لا تسقط بغيبته كما يتوهم البعض، ويقول الشهيد مرتضى المطهري (رض) في كتابه (الإمامة) بهذا الشأن أن للإمامة مراتب ثلاثة وهي (48):

        1- الإمامة بمعنى المرجعية الدينية.

        2- الإمامة بمعنى قيادة المجتمع (الرئاسة أو السلطة).

        3- الإمامة بمعنى الولاية العامة (ولهذه مراتب أيضاً).

        وأدنى مرتبة من مراتب الولاية العامة هذه - وهو ما يعتقده غالبية الشيعة الإمامية - أن الإمام (عليه السلام) هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وله السلطة المطلقة عليهم كما كان ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يقول الله تعالى في كتابه ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم( (49).

        ومن بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كان ذلك للإمام علي والأئمة الهداة من ولده (عليهم السلام)، حيث قال الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) للمسلمين يوم غدير خم وهو آخذ بيد علي (عليه السلام): (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: اللهم بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)(50).


        7- إبراز طاقة العلماء وتعويد الأمة على الصبر والاعتماد على الذات:

        لقد كانت الأمة في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده تأخذ أحكامها الشرعية وتعاليمها الإسلامية مباشرة من المعصوم ولم تكن هناك حركة علمية أو اجتهادية كبيرة بالشكل الذي حصل في عصور الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام)، حيث أصبح على العلماء أن يُعملوا الفكر ويجتهدوا ويعتمدوا على أنفسهم في استخراج واستنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة المطهرة، مما أثرى الحياة الفكرية والعلمية في الأمة وأبرز الطاقات الكامنة فيها.

        فإذا لاحظنا على سبيل المثال فترة الغيبة الصغرى وما بعدها بقليل نجد أنها تعج بكثير من العلماء العظام الذين برزوا في تلك الفترة من أمثال الشيخ الكليني والشيخ المفيد والشيخ الصدوق والشريف المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهم.

        وفي العصر الحديث نلاحظ كيف تطور الفكر الإسلامي بشكل كبير، وخصوصاً في المجال الفقهي حيث برزت لنا العديد من المسائل الحديثة في فقه الفضاء وأحكام الاستنساخ والمعاملات البنكية وغير ذلك من المعاملات والقضايا المستحدثة.

        ومما يحضرني هنا في هذا المجال هو الموسوعة الفقهية الكبرى لآية الله العظمى المرحوم السيد محمد مهدي الشيرازي (قدس) والتي تربو على مائة وخمسين مجلدا في شتى أبواب الفقه والمعاملات والأحكام الشرعية.

        كما كان لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً أكبر الأثر في تعويد المؤمنين على الصبر وحثهم على عمل الخير والصالحات لأجل التمهيد لظهوره (عليه السلام)، ولذلك جاء مدحهم من قبل الرسول والأئمة (عليهم السلام) في كثير من الروايات التي تحدثت عن المؤمنين في عصر الغيبة وصبرهم على البلاء ومحنة فقدهم للإمام (عليه السلام).

        فمن ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل يذكر فيه القائم (عليه السلام)، حيث قال: (طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجتهم، أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: ) هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب( (51)(52).

        وعن الحسين بن علي (عليه السلام) بشأن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) قال: (...له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون فيؤذون ويقال لهم ) متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله))(53).

        وعن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً)(54).




        الهوامش:

        1- كمال الدين ج 1 ص 253، إعلام الورى ص 375، كفاية الأثر ص 53.

        2- علل الشرائع ج 1 ص 244، بحار الأنوار ج 12 ص 283، كمال الدين ص 341.

        3- سورة النساء الآية 165.

        4- مسند أحمد ج 5 ص 61، شرح المقاصد ج 5 ص 239، أصول الكافي ج 1 ص 376.

        5- كمال الدين ص 221، وسائل الشيعة ج 5 ص 416، مناقب آل أبي طالب لأبن شهر آشوب ج 1 ص 211.

        6- بحار الأنوار ج 23 ص 20 ح 17، الكافي ج 1 ص 335 ح 3، غيبة النعماني ص 136 ح 1.

        7- علل الشرائع ج 1 ص 197، الإمامة والتبصرة ص 29، بصائر الدرجات ص 505.

        8- الأمالي للصدوق ص 253، فرائد السمطين ج 1 ص 46، كمال الدين ص 207.

        9- أصول الكافي ج1 ص 183 ح 8، مجمع الفائدة ج 12ص 299.

        10- بحار الأنوار ج 25ص 4، مكيال المكارم ج 1 ص 17، الأسرار الفاطمية ص 249.

        11- سورة هود الآية 86.

        12- إثبات الهداة ج 3 ص 570، مستدرك الوسائل ج 12 ص 335، إعلام الورى ص 433.

        13- الصواعق المحرقة ص 150، ينابيع المودة ج 2 ص 442، جواهر العقدين ج 2 ص 189.

        14- كمال الدين ص 205 ح 19، فرائد السمطين ج 2 ص 253، ذخائر العقبى ص 59.

        15- سورة الأنفال الآية 33.

        16- علل الشرائع ج 1 ص 123، بحار الأنوار ج 23 ص 19 ح 14، البرهان ج 1 ص 383.

        17- الإمامة والتبصرة ص 34، كمال الدين ص 204 ح 14، إثبات الهداة ج 1 ص 106.

        18- كمال الدين ج 1 ص 202، نور الثقلين ج 4 ص 369، بحار الأنوار ج 23 ص 35 ح 59.

        19- الإحتجاج ج 2 ص 323، طرائف المقال ج 2 ص 481.

        20- سورة النمل الآية 62.

        21- الكافي ج 1 ص 178 ح 2، غيبة النعماني ص 138، كمال الدين ص 221.

        22- بصائر الدرجات ص 484، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 4 ص 106.

        23- بحار الأنوار ج 52 ص 175، النجم الثاقب ص 334، مجمع الفائدة ج 1 ص 36.

        24- جنة المأوى ص 286، رعاية الإمام المهدي (عليه السلام) للمراجع والعلماء الأعلام – علي الجهرمي ص 61.

        25- لقاءات مع صاحب الزمان – الطبعة الأولى ص 160.

        26- بيان الأئمة ج 2 ص 462.

        27- رعاية الإمام المهدي (عليه السلام) للمراجع والعلماء الأعلام ص 40.

        28- سورة التوبة الآية 105.

        29- سورة التوبة الآية 94.

        30- تفسير البرهان مجلد 2 ص 838.

        31- سورة النساء الآية 41.

        32- تفسير البرهان مجلد 2 ص 79.

        33- بحار الأنوار ج 26 ص 140 ح 11، إلزام الناصب ج 1 ص 16، بصائر الدرجات ص 259.

        34- بحار الأنوار ج 26 ص 6 ح 1، مشارق أنوار اليقين ص 285، إلزام الناصب ج 1 ص 35.

        35- سورة الدخان الآيتان 3 – 4.

        36- تفسير القمي ج 2 ص 290، ينابيع المودة ص 428، المحجة ص 202.

        37- كمال الدين ص 351 ح 48، الكافي ج 1 ص 272، دلائل الإمامة ص 482.

        38- كمال الدين ج 2 ص 440، مكيال المكارم ج 1 ص 78، غيبة الطوسي ص 221.

        39- غيبة الطوسي ص 156، كمال الدين ج 2 ص 470، بحار الأنوار ج 52 ص 9.

        40- سورة الأنبياء الآية 107.

        41- النجم الثاقب ص 241.

        42- النجم الثاقب ص 306.

        43- تاريخ الغيبة الكبرى ص 45.

        44- هذه النقطة لم يذكرها السيد الصدر في كتابه.

        45- سورة الأنبياء الآية 79.

        46- سورة سبأ الآية 12.

        47- سورة المائدة الآية 55.

        48- الإمامة للشهيد مرتضى المطهري ص ( 43– 53 ).

        49- سورة الأحزاب الآية 6.

        50- معاني الأخبار للصدوق ص 67، مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 119، دلائل الإمامة ص 18.

        51- سورة البقرة الآيتان ( 2- 3).

        52- ينابيع المودة ج 3 ص 285، كفاية الأثر ص 56، إثبات الهداة ج 1 ص 577.

        53- إلزام الناصب ج 1 ص 195، الصراط المستقيم ج 2 ص 111، كفاية الأثر ص 231.

        54- كمال الدين ص 319، إعلام الورى ص 384، الاحتجاج ج 2 ص 317.

        تعليق


        • [frame="1 80"]لم اللف و الدوران؟؟؟

          القرآن واضح بأن الوحي له أكثر من صوره..

          أم أنك تقول أن كل أنواع الوحي مثل ما كان يوحى لرسول الله صلى الله عليه و آله؟؟[/frame]

          انا لا اقول شيئا
          انا فقط اريد منك الفرق بين النبي والامام

          تعليق


          • الاخ ابو فيصل الورده
            في بعض الاحيان تاتي الامامه رديفه للنبوه واذا كنت لا تفهم ذلك سوف اوضح لك
            وفي بعض الاحيان تاتي الامامه والنبوه لشخص واحد واذا كنت لا تعلم سوف اوضح لك ذلك

            تعليق


            • بشائرالقرآن بالإمام المهدي

              القرآن الكريم، كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

              فيه تبيان كل شيء، لا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، ما فرطنا في الكتاب من شيء، وهو آخر الكتب السماوية، كما أن الإسلام آخر الأديان.

              أترى القرآن يسكت عن هذا الحادث الجلل الذي يعتبر تبدلاً عظيماً في الحياة؟!

              القرآن الذي أخبر عنه غلبة الروم على الفرس، وعن قيام دولة اليهود بالتعاون مع الدول الكبرى.

              القرآن الذي أخبر عن يأجوج ومأجوج ومصيرهما في المستقبل.

              القرآن الذي أخبر عن إمكانية غزو الفضاء بقوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان).

              أترى القرآن لا يخبر عن ظهور الإمام المهدي واستيلائه على الحكم؟

              كلا، إن القرآن الحكيم أخبر عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقيام حكومته في مواضع عديدة وآيات متعددة.

              وهذه الآيات مؤولة بالإمام المهدي وظهوه كما صرح بذلك أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أنزل القرآن في بيوتهم، وأهل البيت أدرى بما في البيت.

              وإليك بعض تلك الآيات:

              الآية الأولى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).

              ونهج البلاغة ج3 قال علي (عليه السلام): لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا (عليه السلام) ـ عقيب ذلك ـ قوله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).

              قال ابن أبي الحديد في شرحه: إن أصحابنا يقولون: إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك.

              أقول: هذا الحديث مروي بطرق عديدة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولعل الحديث يحتاج إلى شيء من الشرح،: (لتعطفن) يُقال: عطفت الناقة على ولدها أي حنت عليه ودر لبنها، (شماسها) يُقال: شمس الفرس يشمس: أي استعصى على راكبه ومنع ظهره من الركوب، (الضروس): الناقة السيئة الخلق، تعض حالبها.

              ومعنى كلامه (عليه السلام): إن الدنيا تقبل على أهل البيت (عليهم السلام) بعد الجفاء الطويل والمكاره الكثيرة، والمقصود: قيام حكومته أهل البيت وانتصاراتهم على أعدائهم، وتذلل جميع الصعوبات التي وقفت حجر عثرة في طريق نهضتهم المقدسة، وتسهل لهم الدنيا لهم صعوبتها، وتحلو بعد مرارتها، وتخضع بعد تمردها، وتنقاد بعد عصيانها.

              وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: المستضعفون في الأرض، المذكورن في الكتاب، الذين يجعلهم الله أئمة: نحن أهل البيت، يبعث الله مهديهم فيعزهم ويذل عدوهم.

              لقد سبقت هذه الآية الشريفة آية تتحدث عن فرعون وجرائمه- فقال عز وجل: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض). فالمعنى الظاهري هو أن الله يعيد لبني اسرائيل عزهم وكرامتهم ويهلك فرعون وزيره هامان وجنودهما.

              ولكن تأويل الآية ـ أي معناها الخفي غير المعنى الواضح الجلي ـ هو أن المقصود من المستضعفين في هذه الآية: هو آل محمد (عليهم السلام) فقد استضعفهم الناس وظلموهم وقتلوهم وشردوهم وصنعوا بهم ما صنعوا، وقد قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنتم المستضعفون بعدي)، وهذا ماحدث فعلا فإن آل محمد (عليهم السلام) استضعفهم الناس من يوم فارق رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الحياة، ولو راجعت كتاب (مقاتل الطالبيين) وغيره من الكتب لوجدت –هناك- أنواع المصائب والمآسي والنوائب التي انصبت على آل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأن أصحاب السلطة والقدرة استضعفوا هذه الذرية الطاهرة فصنعوا بهم ما شاءت نفوسهم الممتلئة بالحقد والجبروت، حتى وصل الأمر إلى أن الناس كانوا يهدون رؤوس آل محمد إلى الحكام تقربناً إليهم وتفريحاً لقلوبهم، كما فعل ذلك جعفر البرمكي وغيره، وأي استضعاف أشد من هذا؟!.

              ولكن الله تعالى قد تعلقت إرادته أن يتفضل على هذه الذرية الطاهرة المظلومة –عبر التاريخ- وعلى أتباعهم وشيعتهم المضطهدين الذين كانوا ولا يزالون يعيشون تحت الضغط والكبت والذل والهوان، المحرومين من أبسط حقوق البشر، الذين سلبتهم السلطات كل حرية وكل كرامة، أن يتفضل عليهم بحكومة تشمل الكرة الأرضية ومن عليها وما عليها.

              حكومة حدودها القطبان المنجمدان الشمالي والجنوبي، وجميع المحيطات المترامية الأطراف، وهي الحكومة الوحيدة التي تحكم الأرض ومن عليها، بلا مزاحم أو منافس، وتكون لهم السلطة التامة والقدرة الكاملة.

              عن هذه الآية يمكن أن نقول: من الممكن أن يستفاد هذا التأويل من نفس ظاهر الآية، ومن قوله تعالى: (ونريد أن نمن) بلفظ المستقبل، لأن نزول الآية كان بعد آلاف السنين من عصر موسى (عليه السلام) وفرعون، وكان من الممكن أن يقول سبحانه: وأردنا أن نمن. أو: مننا على الذي استضعفوا. كما قال في مكان آخر، بل في أمكنة أخرى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً).

              (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم).

              (ولقد مننا عليك مرة أخرى).

              (ولقد مننا على موسى وهارون).

              ذكر الله تعالى هذه الآيات بلفظ الماضي، وهنا ذكرها بلفظ المستقبل فقال: ونريد أن نمن.

              وهكذا قوله تعالى: (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) فإنه تعالى لم يقل: وأرينا فرعون وهامان.

              وهكذا قوله سبحانه: (نريد) و(نجعلهم) و(نجعلهم) أيضاً، و(نمكن) و (نري) حيث جاءت جميع هذه الألفاظ الستة بصيغة المستقبل لا الماضي.

              ولعل قائلاً يقول: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا قد هلكوا قبل نزول الآية بآلاف السنين، فكيف يمكن تأويل الآية إلى المستقبل؟

              الجواب: لقد صار اسم (فرعون) رمزاً لكل سلطان متجبر جائرٍ يتجاوز في ظلمه، فلكل عصر فرعون، ولكل أمة فراعنة.

              وقد روي عن الإمام محمد الباقر جعفر الصادق (عليهما السلام) –في تأويل هذه الآية- أن المراد من: (فرعون وهامان) –في هذه الآية- هما رجلان من جبابرة قريش، يحييهما الله تعالى عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)- في آخر الزمان –فينتقم منهما بما أسلفا.

              (وجنودهما) أتباع الرجلين، الذين تعاونوا معهما، وساروا على خطهما، وأحيوا ذكرهما.


              الآية الثانية: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).

              هذه الآية من جملة الآيات المؤولة بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ومعنى الآية –على الظاهر-: أن الله تعالى وعد المؤمنين من هذه الأمة، الصالحين بأن يجعلهم يخلفون من قبلهم، أي يجعلهم مكان من كان قبلهم في الأرض، ومن الطبيعي أن البشر لا يعيش إلا في الأرض أي في الكرة الأرضية براً وبحراً، أي يورثهم الله أرض الكفار من العرب والعجم، ويجعلهم الله تعالى يتصرفون في الأرض ويحكمون فيها كما استخلف الله تعالى بعض أوليائه من قبل، وأعطاهم السلطة والإمكانيات والقدرة في تطبيق دين الله الذي ارتضاه لهم، وتتبدل حالة خوفهم إلى حالة الأمن والأمان، لا يخافون أحداً إلا الله، ولا يقدر عليهم أحد من أصحاب القدرة والسلطة، يعبدون الله تعالى بلا خوف ولا تقية من أحد، ويتجاهرون بالحق بكل وضوح.

              وخلاصة البحث: أن الله تعالى وعد المؤمنين الصالحين من هذه الأمة بمجتمع طاهر من كل رجس، وحياة طيبة مقدسة فاضلة، هذا هو المعنى الظاهري للآية الكريمة.

              إن هذا الوعد الإلهي –المؤكد بلام القسم ثلاث مرات؟ وبنون التأكيد ثلاث مرات أيضاً- لم يتحقق إلى يومنا هذا، ومتى كان المؤمنون الصالحون يتمكنون من الحكم على الناس وتطبيق الإسلام بكل حرية، وبلا خوف من أحد؟!.

              ومن هم المؤمنون الذين عملوا الصالحات الذين وعدهم الله تعالى بهذا الوعد العظيم؟!.

              ولو راجعت تاريخ الإسلام والمسلمين منذ طلوع فجر الإسلام إلى يومنا هذا لعلمت علم اليقين أن وعد الله تعالى لم يتحقق خلال ألف وأربعمائة سنة.

              إنني لا أظن أن مسلماً منصفاً يقبل ضميره بأن يكون المقصود من الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الأمويون، أو العباسيون، لأن التاريخ المتفق عليه بين المسلمين –بل وغير المسلمين- يشهد بأن الأمويين والعباسيين ارتكبوا أعظم الجرائم، وأراقوا دماء أولياء الله، وهتكوا حرمات الله، وكانت قصورهم مليئة بأنواع الفجور والمنكرات.

              وبعد هذا... متى تمكن دين الله ـ الذي ارتضاه لعباده ـ في الأرض؟

              حتى يتحقق قوله تعالى: (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم).

              إن الدين الإسلامي كان ولا يزال مهجوراً ضعيفاً يحاربه كل من يستطيع محاربته، إذهب إلى بلاد الصين أو الإتحاد السوفيتي أو بعض البلاد الإفريقية والأوربية حتى تعرف الخوف المستولي على البقية الباقية من المسلمين، والاضطهاد الذي شملهم من جميع جوانب حياتهم، وفي بعض البلاد اللادينية يتعبر اقتناء القرآن أعظم جريمة يستحق الإنسان عليها أعظم العقوبات وأشد أنواع التعذيب، ولا تسأل عن عشرات الملايين من المسلمين الذي قتلوا لأنهم مسلمون وهذا ذنبهم الوحيد، ففي بلاد الصين والإتحاد السوفياتي، ويوغوسلافيا أُقيمت المذابح والمجازر الرهيبة وسالت دماء المسلمين، وحتى اليوم يعاني المسلمون في الفيليبين أنواع الضغط والكبت والحرمان، وفي فيتنام لا يعلم أحد إلا الله عدد المسلمين الذين قتلهم الشيوعيون، ولا تسأل عن عشرات الآلاف من المساجد التي انقلبت إلى اصطبلات ومخازن ومسارح وكنائس، فمتى تحقق وعدُ الله؟!.

              من الممكن أن يقول القائل: بأن الإسلام تمكن في الجزيرة العربية وبلاد الشرق الأوسط من البلاد وخاصة في عهد الفتوحات الإسلامية.

              نجيب على هذا السؤال بما يلي:

              نحن لا ننكر ذلك، فالإسلام كان يحكم على المدينة المنورة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذن فما معنى هذا الوعد الألهي الذي يقول: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات) إلى آخر الآية؟.

              إن معنى هذا الوعد أن الإسلام يحكم على الأرض أي على الكرة الأرضية، والمسلمون يقيمون الطقوس والشعائر الدينية بلا خوف ولا تقية، وأن جميع المناطق المعمورة والمسكونة يسودها الإسلام فقط ولا غيره، وهذا لم يتحقق إلى هذا اليوم.

              إن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ذكروا في تأويل هذه الآية الكريمة أن الوعد الإلهي يتحقق عند ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والأحاديث تصرح بأن هذه الآية ستنطبق على عصر الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإليك بعض تلك الأحاديث:

              في تفسير مجمع البيان للطبرسي وتفسير العياشي وغيرهما عن الإمام علي ابن الحسن (عليه السلام) أنه قرأ الآية وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت، يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأت ظلماً وجوراً.

              وروي نفس هذه الكلام عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام).

              ثم قال الطبرسي: فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات: النبي وأهل بيته (عليهم السلام) وتضمنت الآية البشارة لهم بالإستخلاف، والتمكن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

              وأضاف قائلاً: وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، وأيضاً فإن التمكن في الأرض على الإطلاق لم يتفق فيما مضى، فهو منتظر، لأن الله (عز اسمه) لا يخلف وعده.


              الآية الثالثة: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). إن كان المفسرون قد اختلفوا في معنى الزبور، ومعنى الذكر في هذه الآية، فليس الإختلاف جوهرياً، سواء كان المقصود من الزبور –هنا- هو الكتاب السماوي المنزل على النبي الله داود (عليه السلام)، أو كان المقصود من الزبور هو جنس ما أنزل الله على الأنبياء من الكتب، وسواءاً كان المقصود من الذكر في هذه الآية التوراة أو القرآن أو اللوح المحفوظ، -فالمعنى على حد قول المفسرين-: ولقد كتبنا في الكتاب التي أنزلناها على الأنبياء أو في الزبور نزل على داود (عليه السلام) من بعد كتابه في الذكر –أي في أم الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ أو التوراة أو القرآن-: أن الأرض يرثها عبادي الصالحون.

              وقد روى الطبرسي وغيره في تفسير الآية عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) أنه قال: هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان.

              إن الموضوع الذي كتبه الله تعالى في الزبور –بجميع معانيه- وفي الذكر ينبغي أن يكون موضوعاً له غاية الأهمية، وخاصة بعد الإنتباه إلى كلمة (لقد) و (أن) المستعملة للتحقيق والتأكيد، فإن كان المفسرون ذكروا أن المقصود من (الأرض) في هذه الآية أرض الجنة ليكون المعنى: أن عباد الله الصالحين يرثون أرض الجنة، أو المقصود هي الأرض ترثها الأمة الإسلامية بالفتوحات فهذا معنى التنزيل.

              وأما التأويل –وقد ذكرنا معناه- فيكون المعنى أن عباد الله الصالحين يحكمون الأرض كلها، وقد روى الشيخ الطوسي (عليه الرحمة) في التبيان في تفسير الآية عن الإمام الباقر (عليه السلام): أن ذلك وعد الله للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض.

              وهذه الآية تشبه الآية السابقة من حيث المعنى، حيث يقول تعالى: (ليستخلفنهم في الأرض) وما أجمل التعبير بالإرث والإستخلاف في هاتين الآيتين، فالإرث انتقال المال من الميت إلى الحي، والإستخلاف جعل هذا مكان ذاك عوضاً منه وبدلاً عنه.

              الآية الرابعة: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).

              لقد تكررت هذه الآية في القرآن ثلاث مرات، مما يدل على أهمية الموضوع.

              ولقد تكرر منا الكلام حول التنزيل والتأويل، وهذه الآية أيضاً لها تنزيل وتأويل، فالتفسير أو التنزيل للآية: أن الله تعالى أرسل رسوله محمداً (بالهدى) من التوحيد وإخلاص العبادة، (دين الحق) وهو دين الإسلام (ليظهره) الظهور –هنا-: العلو بالغلبة بكل وضوح، قال تعالى: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا إلا ولا ذمة) أي يغلبوكم ويظفروا بكم.

              فمعنى: (ليظهره على الدين كله) أي يعلو ويغلب دين الحق على جميع الأديان، فإن كان هذا الكلام قد تحقق وكانت الإرادة الإلهية قد تنجزت فالمعنى أن الله تعالى قد أدحض وزيف جميع الأديان الباطلة والملل والشرائع المنحرفة، زيفها بالقرآن وبالإسلام، وبعبارة أوضح إن الإسلام قد أبطل ونسخ جميع الأديان، ورد على كل مُلحد أو زنديق وعلى كل من يعبد شيئاً غير الله.

              أما إذا أردنا أن نتحدث عن الآية عددهم أقل من ربع سكان الأرض، فإن هذا الهدف الإلهي لم يتحقق بعد، فالمسلمون عددهم أقل من ربع سكان الأرض، والبلاد الإسلامية تحكمها قوانين غير إسلامية، والأديان الباطلة تنبض بالحياة والنشاط، وتتمتع بالحرية، بل تجد المسلمين في بعض البلاد أقلية مستضعفة لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً، إذا فأين غلبة الحق على الباطل، وأين قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) وفي أي تحقق هذا المعنى؟.

              إن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ذكروا في تأويل الآية أنها تتعلق بعصر الإمام المهدي (عليه السلام) وظهوره.

              وأما الأحاديث الواردة في تأويل الآية فإليك بعضها:

              في كتاب مجمع البيان –في تفسير الآية- عن عبابة أنه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) أظهر ذلك بعد؟ قالوا: نعم. قال (عليه السلام): كلا، فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا وينادي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله بكرة وعشياً. وفي تفسير البرهان: فلا، والذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا ونودي فيها: بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بكرة وعشياً.

              وفي تفسير البرهان ـ أيضاً ـ عن ابن عباس في قوله (عز وجل): (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا صار إلا الإسلام، حتى تأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد، والإنسان والحية، حتى لا تقرض فارة جرباً وحتى توضع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، وهو قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وذلك يكون عند قيام القائم (عليه السلام).

              وفي تفسير البرهان عن كتاب الكافي عن أبي الفضيل عن الإمام أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) قلت: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)؟ قال (عليه السلام): هو أمر الله رسوله بالولاية والوصية، والولاية: هي دين الحق. قلت: 0ليظهره على الدين كله)؟ قال(عليه السلام): يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم (عليه السلام).

              وروى القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة) والمجلسي (رضوان الله عليه) في كتابه (بحار الأنوار) عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية حديثاً، أما ما ذكره القندوزي فهو كما يلي:

              قال (عليه السلام): والله ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم المهدي (عليه السلام) فإذا خرج لم يبق مشرك إلا كره خروجه، ولا يبقى كافر إلا قُتل.. إلى آخر الحديث.

              وأما ما ذكره المجلسي: فعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى في كتابه: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فقال (عليه السلام): والله ما أُنزل تأويلها بعدُ. قلت: جعلت فداك ومتى ينزل؟ قال: حتى يقوم القائم إن شاء الله فإذا خرج لم يبق مشرك.. إلى آخر الحديث.

              إن الآيات المأولة بالإمام المهدي –حسب ما ورد في الأحاديث- كثيرة جداً وقد جمع بعضها العلامة المعاصر السيد صادق الشيرازي في كتاب سماه: (المهدي في القرآن) فإنه ذكر (106) من الآيات المأولة بالإمام المهدي (عليه السلام) وقد نقلها عن مصادر أهل السنة فقط، ولو أردنا استعراض تلك الآيات والأحاديث الواردة في تأويلها لطال بنا الكلام، وفي هذا المقدار كفاية إن شاء الله.

              تعليق


              • بسـم الله الرحمن الرحيم


                والصلاة والسلام على نبيّـنا محمّـد، وعلى آله الطيّبين، وصحبه المخلَصين ومن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
                وبعـد:
                فإنّ من دواعي كتابة هذا البحث هو التطاول على الحقائق الاِسلامية الثابتة ببعض الكتيّـبات النقدية في الحديث الشريف، لاَسماء نكرة طفحت على الساحة الثقافية فجأة، مع خلوّها من أبسط المعايير العلمية لنقد الحديث، إذ لم تتّصف بشيء منها البتّة، حتّى عادت تلك الكتيّـبات عقبة كَـأْداء من عقبات التواصل الوحدوي على صعيد المجتمع المسلم، بل وأشبه ما تكون بمحاولة جادّة للقضاء على أيّ وسيلة من شأنها أنْ تقرِّب بين وجهات نظر المسلمين، وتلمّ شعثهم، وترأب صدعهم!
                وذلك لابتذال المعايير العلمية في النقد ابتذالاً واضحاً خصوصاً عند من


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 2 )
                يمثّل ثقافة تلقينية أصابها اليأس والاِحباط المستمرّ، مع افتقاره التامّ إلى معرفة الاَُسـس والقواعد العلمية النقدية الثابتة ـ خصوصاً في علم الحديث الشريف ـ التي تؤطّر كلّ دراسة حديثية نقدية بشروط القبـول.
                ولا عذر لمثل هذا، إذ لم تعد مسألة نقد الحديث، مسألة نسـبية تختلف باختلاف الناس وتباين ثقافاتهم.
                ومن ثَـمَّ فإنّ السُـنّة المطهّرة نفسها قد أرست بعض القواعد النقدية العامة، والتي يمكن توظيفها لمواجهة الخطأ.
                فالنبيّ الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم علّمنا مكارم الاَخلاق، وهو ـ بأبي وأُمّي ـ لم يكن فظّـاً غليظ القلب، وإلاّ لانفضّوا من حوله، وإنّما كان في مواجهته للفكر الجاهلي المتعسّف على خُلُق عظيم بشهادة السماء.
                والاَُمّة التي استطاعت أن تواجه الخطأ بهدي سيرته صلى الله عليه وآله وسلم حتّى استطاعت ـ وبمدّة وجيزة ـ أن تقيم صرح حضارة امتدّت جذورها إلى أقصى الاَرض، لَقادرة على هذا أيضاً.
                والذي يحزّ في النفس ألماً، أنّ أُمّتنا قد فقدت المواجهة الصحيحة للخطأ، وعادت رويداً رويداً إلى جاهليةٍ من نوع آخر، فيها من روح الابتعاد عن القرآن الكريم والسُـنّة المطهّرة الشيء الكثير، فما أحوجنا اليوم إلى حوار صادق، ونقد بنّاء، ورجوع حثيث إلى الكتاب والسُـنّة!
                كما أنّنا بحاجة ماسّة إلى معرفة تراثنا الحديثي، لا فرق في ذلك بين كتب الحديث السُـنّية أو الشيعية، فهي كلّها في نظر غير المسلم من تراث الاِسلام؛ وإلى كيفية تنمية المهارات العلمية والقدرات الكفوءة وتوظيفها لخدمة هذا التراث وبنقدٍ يجيد صاحبه التعامل مع الآخرين من منطلق واع يهدف إلى تحقّق غرض النقد وأهدافه، مع التحلّي بأدب الاِسلام، ونبذ التصوّرات الخاطئة، وتجنّب إساءة الظنّ وفكرة سحق الآخر!



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 3 )
                كلّ هذا مع إدراك أنّ التغيير المطلوب نحو الاَفضل لا يمكن الوصول إليه بنقدٍ ظالم متعسّف، يُرام من خلاله إيقاع الهزيمة بطرف من الاَطراف والانتصار لطرف آخر!
                فنقدٌ كهذا لا شكّ أنّه لا يصدر إلاّ عن نقص معرفة أو قصور ذهني في عدم التمييز بين المسائل الثابتة التي لا تقبل جدلاً، وبين المشكوكة الصحّة في كلّ أو بعض ما تتضمّن، وبالتالي فهو لا يملأ فراغاً علمياً، بل على العكس إذ يسهم بإيجاده بدعمه نمطاً نقدياً لا يرى من الصورة غير إطارها، ولا من الشخص إلاّ اسمه، ومع هذا قد يكون صادراً بحسن نيّة.
                إلاّ أنّ نمطاً نقدياً من نوع آخر لا يمكن أن يكون كذلك، ذلك النمط الذي يجعل ما عند الآخر متهافتاً ولو كان في منتهى القوّة، ويصنّف الآخرين بالصورة التي يرغبها هو، صورة ساخرة يحاول أن يمزّقها بقلمه الذي اعتاد النزول إلى الشتائم لدرجة تشعر من خلالها لذّته في الشتم والسباب!
                فتراه يعطي العناوين النقدية ـ لِما هو صواب فعلاً ـ بروزاً ظاهراً وحجماً مميّزاً، وبشكل يبرز عقدة الاستهداف، مع تأصيل الاستبداد النقدي بالرغبة الظاهرة في احتكار الموضوعات بثقافة شخصية تفتقر إلى التوازن النفسي باستعلائها على ذوي الاختصاص في نقد ذلك التراث الضخم بتعليم تلقينيٍّ جامد غالباً ما يؤدّي إلى هيمنة التصوّرات التي لا محصّل لها، والافتراضات الخاطئة في نقد الآخرين.
                كلّ هذا مع حشد الناقد الفاقد لمعايير النقد العلمية ـ سواء في الحديث الشريف أو غيره ـ لجهات أُخرى في محاولة منه لاِعلان حالة من التعبئة العامة لمواجهة الطرف الآخر بعقلية التحريض المضادّ، كما نلحظه اليوم في تذييل الكتابات النقدية أو تصديرها بعناوين التحذير!!
                وهكذا يكون التهديد المباشر، وبلغة بعيدة عن أخلاقيات النقد العلمي


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 4 )
                الموضوعي الهادف على درجة عالية من الفجاجة والاستفزاز، لاَنّه تأطير للعلماء بجهالة من دون تروٍّ مطلوب، ولا أشكّ في أنّ الطرف الآخر سوف لن يقابل الاِساءة بالاِحسان على هذا النحو من التشويه، وإنّما سيكون هو الآخر في حالة اسـتنفار دائم مع التحدّي المستمرّ، وهذا ما يؤكّد بطبيعته مسـيس حاجتنا إلى الرجوع إلى منابع الاِسلام الصافية، مع ضرورة تشخيص تلك الثقافات المنحرفة، فهي كجرثومة السرطان التي إذا ما وجدت بيئـتها في عضوٍ فليس له طبٌّ غير الاسـتئصال!
                كيـف لا؟! وهدفها المعلَن هو التشكيك ببعض المسلَّمات والثوابت الدينية بحجّة اختلافها وتعارضها.. ويأتي في مقدّمة تلكم المسلَّمات والثوابت مسألة الاعتقاد بظهور الاِمام المهديّ عليه السلام في آخر الزمـان.
                نعم، لقد تعرّض لهذه المسألة بالنقد مفتقرو المعايير العلمية لنقد الحديث، وتأثّر بعضهم بمنهج البحث الاسـتشراقي إزاء قضايانا الاِسلامية، حتّى أطلق ـ تبعاً لجولدزيهر، وفلوتن، وولهوسن، وغيرهم ـ خرافة فكرة الاِمام المهديّ وأُسطوريّتها!!
                وهكذا طعنوا إسلامهم في الصميم، ولم يلتفتوا إلى أنّ الاَُسطورة التي بسطت وجودها بهذا الشكل في تراثنا الاِسلامي، ومدّت خيوطها في سائر العصور الاِسلامية، وانتشر الاِيمان بها في كلّ جيل؛ لا شكّ أنّها سلبت عقول فحول علماء المسلمين، وصنعت لاَجيالهم تاريخاً عقائدياً مزيّفاً، وتلك هي الطامّة الكبرى والكارثة العظمى!
                كيـف لا؟! وفي تاريخ المسلمين أُسطورة قد أجمعوا على صحّتها!!
                هذا، مع أنّ التاريخ لا يعرف أُمّة خلقت تاريخَها أُسطورةٌ، فضلاً عن كون أُمّة محمّـد صلى الله عليه وآله وسلم هي من أرقى أُمم العالم حضارة باعتراف المسـتشرقين أنفسهم، ناهيك عن دور القرآن الكريم والسُـنّة المطهّرة في تهذيب نفوس


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 5 )
                المسلمين، ومحاربة البدع والخرافات والاَساطير التي كانت سائدة في مجتمع ما قبل الرسالة السماوية الخالدة.
                ومن هنا، وانطلاقاً من رصد المشاكل الثقافية المهمّة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بواقع النقد وُلِدَ هذا البحث، ليكون مساهمة متواضعة بحاجة إلى النقد العلمي البنّاء، والاِضاءة، والتطوير، لعلّه يؤدّي إلى فهم إسلامي مشترك، ويغلق منافذ التشكيك بواحدة من مهمّات قضايانا الاِسلامية، وهي قضية ظهور الاِمام المهديّ عليه السلام في آخر الزمان، وعلى طبق ما أخبرت به السُـنّة النبويّة المطهّرة(*).
                وسوف أستهلّ البحث بإثبات تواتر أحاديث المهديّ، ذاكراً مَن أخرجها من الاَئمّة الحفّاظ، ومَن أُسندت إليه، ومَن قال بصحّتها أو اعترف بتواترها على نحو الاِيجاز والاختصار، ومِن ثمّ إخضاع ما وقفت عليه من الاَحاديث المختلفة والمتعارضة بهذا الشأن إلى الدراسة والنقد وعلى ضوء ما تعارف عليه أهل الفنّ من الفريقين، راجياً من السادة العلماء، والمشايخ الاَجـلاّء، والباحثين الفضلاء التماس العذر لي على ما يرونه من زلاّت وهفوات وهنات، وأن يغفروا لي ذلك، والله أَوْلى بالمغفرة.
                وهو حسـبي.

                ثامر هاشم حبيب العميدي
                28 المحرّم الحرام 1416 هـ
                قـم المشـَّرفـة









                ____________
                (*) راجع كتاب: «مقدّمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي» للدكتور حسن محمّـد وجيه، إصدار سلسلة عالم المعرفة، رقم 190، الكويت 1415 هـ، فستجد فيه نماذج راقية من أدب الحوار الهادف الذي يمكن توظيفه لخدمة الاَعمال النقدية؛ والحقّ، أنّي استفدت هنا من بعض أفكاره.

                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 6 )


                تواتر أحاديث المهديّ عليه السلام

                إنّ المشهور شهرة واسعة بين جميع المسلمين، وعلى مرّ الاَعصار أنّه لا بُـدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيّد الدين ويظهر العدل، وينشر الاِسلام في بقاع العالم كلّه، ويسمّى بالاِمام المهديّ.
                هذا باعتراف ابن خلدون (ت 808 هـ) الذي حاول مناقشة أحاديث المهديّ وتضعيفها، مع تصريحه بصحّة بعضها كما نشير إليه في محلّه.
                والحقّ أنّ دليل المسلمين على ذلك هو تواتر أحاديث المهديّ والجزم بصحّتها، وليس شهرتها، فقد أخرجها في ما وقفت عليه ببحث مستقلّ جماعة كثيرة من أئمّة الحفّاظ، وأسندوها إلى عدد وافر من الصحابة، واليك الاِشارة السريعة إلى كلّ هذا، فنقـول:
                أخرج أحاديث الاِمام المهديّ عليه السلام ابن سعد (ت 230 هـ)، وابن أبي شـيبة (ت 235 هـ)، والاِمام أحمـد بن حنبـل (ت 241 هـ)، وأبو بكر الاِسكافي (ت 260 هـ)، وابن ماجة (ت 273 هـ)، وأبو داود (ت 275 هـ)، وابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ)، والترمذي (ت 279 هـ)، والبزّار (ت 292 هـ)، وأبو يعلى الموصلي (ت 307 هـ)، والطبري (ت 310 هـ)، والعقيلي (ت 322 هـ)، ونعيم بن حمّاد (ت 328 هـ)، وابن حبّان البستي (ت 354 هـ)، والمقدسي (ت 355 هـ)، والطبراني (ت 360 هـ)، وأبو الحسن الآبري (ت 363 هـ)، والدارقطني (ت 385 هـ)، والخطّابي (ت 388 هـ)، والحاكم النيسابوري (ت 405 هـ)، وأبو نعيم الاَصبهاني (ت 430 هـ)، وأبو عمرو الداني (ت 444 هـ)، والبيهقي (ت 458 هـ)، والخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، وابن عبـد البرّ المالكي (ت 463 هـ)، والديلمي (ت


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 7 )
                509 هـ)، والبغوي (ت 510 أو 516 هـ)، والقاضي عياض (ت 544 هـ)، والخوارزمي الحنفي (ت 568 هـ)، وابن عساكر (ت 571 هـ)، وابن الجوزي (ت 597 هـ)، وابن الجزري (ت 606 هـ)، وابن العربي (ت 638 هـ)، ومحمّـد بن طلحة الشافعي (ت 652 هـ)، والعلاّمة سبط ابن الجوزي (ت 654 هـ)، وابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (ت 655 هـ)، والمنذري (ت 656 هـ)، والكنجي الشافعي (ت 658 هـ)، والقرطبي المالكي (ت 671 هـ)، وابن خلّـكان (ت 681 هـ)، ومحبّ الدين الطبري (ت 694 هـ)، وابن تيميّة (ت 728 هـ)، والجويني الشافعي (ت 730 هـ)، وعلاء الدين بن بلبان (ت 739 هـ)، ووليّ الدين التبريزي (المتوفّى بعد سنة 741 هـ)، والمزّي (ت 742 هـ)، والذهبي (ت 748 هـ)، وسراج الدين ابن الوردي (ت 749 هـ)، والزرندي الحنفي (ت 750 هـ)، وابن قيّم الجوزية (ت 751 هـ)، وابن كثير (ت 774 هـ)، وسعد الدين التفتازاني (ت 793 هـ)، ونور الدين الهيثمي (ت 807 هـ).


                أقـول:
                ذكرنا هؤلاء الاَئمّة الحفّاظ إلى عصر المؤرّخ ابن خلدون (ت 808 هـ) الذي تناول أحاديث المهديّ بالدراسة والنقد، وضعّفها مصرّحاً بصحّة القليل منها مع أنّه لم يتناول من تلك الاَحاديث إلاّ القليل جدّاً؛ لكي يعلم عدم وجود الموافق لابن خلدون، لا قبله، ولا بعده أيضاً، إلاّ شرذمة قليلة ممّن راقها زبرج الثقافة الاستشراقية(1).
                هذا، وقد أسند مَن ذكرنا أحاديثَ الاِمام المهديّ عليه السلام إلى الكثير من
                ____________
                (1) ناقشنا هؤلاء في كتابنا: دفاع عن الكافي 1|167 ـ 611، فراجع.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 8 )
                الصحابة، وأضعافهم من التابعين، وسنذكر بعض من وقفنا عليه منهم بحسب وفياتهم مبتدئين بـ:
                فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ت 11 هـ)، ومعاذ بن جبل (ت 18 هـ)، وقتادة بن النعمان (ت 23 هـ)، وعمر بن الخطّاب (ت 23 هـ)، وأبي ذرّ الغفاري (ت 32 هـ)، وعبـد الرحمن بن عوف (ت 32 هـ)، وعبـدالله بن مسعود (ت 32 هـ)، والعبّاس بن عبـد المطلب (ت 32 هـ)، وكعب الاَحبار (ت 32 هـ)، وعثمان بن عفّان (ت 35 هـ)، وسلمان الفارسي (ت 36 هـ)، وطلحة بن عبـدالله (ت 36 هـ)، وعمّار بن ياسر (ت 37 هـ)، والاِمام عليّ عليه السلام (ت 40 هـ)، وتميم الداري (ت 40 هـ)، وزيد بن ثابت (ت 45 هـ)، وحفصة بنت عمر بن الخطّاب (ت 45 هـ)، والاِمام الحسن السبط عليه السلام (ت 50 هـ)، وعبـد الرحمن بن سمرة (ت 50 هـ)، ومجمع بن جارية (ت نحو 50 هـ)، وعمران بن حصين (ت 52 هـ)، وأبي أيّوب الاَنصاري (ت 52 هـ)، وعائشة بنت أبي بكر (ت 58 هـ)، وأبي هريرة (ت 59 هـ)، والاِمام الحسـين السبط الشهيد عليه السلام (ت 61 هـ)، وأُمّ سلمة (ت 62 هـ)، وعبـدالله بن عمر بن الخطّاب (ت 65 هـ)، وعبـدالله بن عمرو بن العاص (ت 65 هـ)، وعبـدالله بن عبّاس (ت 68 هـ)، وزيد بن أرقم (ت 68 هـ)، وعوف بن مالك (ت 73 هـ)، وأبي سعيد الخدري (ت 74 هـ)، وجابر بن سمرة (ت 74 هـ)، وجابر بن عبـدالله الاَنصاري (ت 78 هـ)، وعبـدالله بن جعفر الطيّار (ت 80 هـ)، وأبي أُمامة الباهلي (ت 81 هـ)، وبشر ابن المنذر بن الجارود (ت 83 هـ ـ وقيل: جدّه الجارود بن عمرو، ت 20 هـ ـ)، وعبـدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي (ت 86 هـ)، وسهل بن سعد الساعدي (ت 91 هـ)، وأنس بن مالك (ت 93 هـ)، وأبي الطفيل (ت 100 هـ)، وشهر بن حوشب (ت 100 هـ).



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 9 )
                إلى غير هؤلاء ممّن لم أقف على تاريخ وفياتهم، كأُمّ حبيبة، وأبي الجحّاف، وأبي سلمى راعي إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبي ليلى، وأبي وائل، وحذيفة بن أُسيد، وحذيفة بن اليمان، والحرث بن الربيع أبي قتادة، وزرّ بن عبـدالله، وزرارة بن عبـدالله، وعبـدالله بن أبي أوفى، والعلاء، وعلقمة بن عبـدالله، وعلي الهلالي، وقرّة بن أياس.
                ولا بأس هنا بإطلالة واحدة على حديث صحابيٍّ واحد فقط ممّن ذكرنا من أسماء الصحابة الّذين أُسندت إليهم أحاديث المهديّ؛ لتتبيّن طرقه وتفرّعاتها في كلّ طبقة من طبقات الرواة، مع كثرة من أخرجه من الاَئمّة الحفّاظ، وهو حديث أبي سعيد الخدري، وقس عليه أحاديث بقيّة الصحابة، التي تعرّض لبعضها أبو الفيض الغماري بتفصيل رائع، وإليك نصّ ما قاله عن الحديث الذي اخترناه.
                قال: «أمّا حديث أبي سعيد الخدري: فورد عنه من طريق:
                أبي نظرة،
                وأبي الصديق الناجي،
                والحسن بن يزيد السعدي.
                أمّا طريق أبي نظرة: فأخرجه أبو داود، والحاكم كلاهما من رواية عمران القطّان، عنه.
                وأخرجه مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن زيد، ومن رواية داود ابن أبي هند كلاهما، عنه. لكن وقع في صحيح مسلم ذِكره بالوصف لا بالاسم كما سيأتي.
                وأمّا طريق أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد: فأخرجه عبـد الرزّاق، والحاكم من رواية معاوية بن قرّة، عنه.
                وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من رواية زيد العمّي،


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 10 )
                عنـه.
                وأخرجه أحمد والحاكم من رواية عوف بن أبي جميلة الاَعرابي، عنه.
                وأخرجه الحاكم من رواية سليمان بن عبيد، عنه.
                وأخرجه أحمد والحاكم من رواية مطر بن طهمان وأبي هارون العبدي كلاهما، عنه.
                وأخرجه أحمد أيضاً من رواية مطر بن طهمان وحده، عنه.
                وأخرجه أيضاً من رواية العلاء بن بشير المزني، عنه.
                وأخرجه أيضاً من رواية مطرف، عنه.
                وأمّا طريق الحسن بن يزيد: فأخرجه الطبراني في الاَوسط من رواية أبي واصل عبـد بن حميد، عن أبي الصدّيق الناجي، عنه. وهو من رواية المزيد في متّصل الاَسانيد»(2).
                وإذا ما نظرنا إلى أحاديث بقيّة الصحابة بهذه الصورة اتّضح لنا أنّ أحاديث المهديّ لا شبهة ولا إشكال في تواترها عند أهل السُـنّة، وقد صرّح بهذا الكثير من أعلامهم كما سيأتي.
                وأمّا ما يتعلّق بالشيعة الاِمامية، فهو لا يكاد يخفى على أحد أنّ الاِيمان بظهور الاِمام المهديّ عندهم أصل من أُصول الاعتقاد، ومن البداهة أنّ المسائل الاعتقادية الصحيحة لا تثـبت بدون تواترها، ولهذا فالاِطالة في إيراد مَن أخرج أحاديث المهديّ منهم مع بيان طرقهم إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيتـه عليهم السلام وصحابته الاَجلاّء رضي الله تعالى عنهم هي إطالة في الواضحات. مع أنّ البحث هو عن نقدِ وتحليلِ التعارض والاختلاف في أحاديث المهديّ عند الفريقين، إلاّ أنّ التمهيد لهذا البحث بما ذكرناه، مع بيان رأي علماء
                ____________
                (2) إبراز الوهم المكنون: 438.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 11 )
                الحديث والنقّاد والحفّاظ المهرة من أهل السُـنّة بهذه الرسالة بالذات، وكشف موقفهم منها ومن أحاديثها، يعطي للبحث طابعه الاِسلامي العامّ ويبعده عن أيّ إطار مذهبي خاصّ.
                ولمّا كان تصريحهم بصحّة أحاديث الاِمام المهديّ عليه السلام ، مع قول الكثير منهم بتواترها، وإفتاء الفقهاء على المذاهب الاَربعة بضرورة تأديب منكِرها، وإرغامه على الرجوع إلى الحقّ باسـتتابته، فإنْ رجع فهو، وإلاّ أُهدر دمه شرعاً؛ لاَنّه استخفّ بالسُـنّة المطهّرة على حدّ تعبيرهم، ممّا لا يسعه صدر البحث؛ لذا سـنشير إجمالاً إلى بعض من صرّح بصحّة أحاديث الاِمام المهديّ أو صرّح منهم بتواترها، مكتفين ببيان اسمه وكتابه وتعيين موضع التصريح وعلى النحو الآتي:
                الترمذي (ت 297 هـ) في سننه(3)، والعقيلي (ت322 هـ) في الضعفاء الكبير(4)، والبربهاري (ت 329 هـ) كما في الاحتجاج بالاَثر(5)، ومحمّـد بن الحسين الآبري (ت 363 هـ) صرّح بتواتر أحاديث المهديّ كما في تذكرة القرطبي(6)، والحاكم (ت 405هـ)(7)، والبيهقي (ت 458 هـ) كما في منار ابن القيّم(8)، والبغوي (ت510 أو 516 هـ)(9)، وابن الاَثير (ت 606 هـ)(10)،
                ____________
                (3) سنن الترمذي 4|505 ـ 506 ح 2230 ـ 2233.
                (4) الضعفاء الكبير 3|253 ح 1257.
                (5) الاحتجاج بالاَثر على من أنكر المهديّ المنتظر: 28.
                (6) التذكرة: 701، وقد نقل القول بتواتر أحاديث المهديّ عن الآبري وارتضاه.
                (7) مستدرك الحاكم 4|429 و 450 و 457 و 464 و 465 و 502 و 520 و 553 و 554 و 557 و 558.
                (8) المنار المنيف: 130 ح 225، وانظر: الاعتقاد ـ للبيهقي ـ: 127.
                (9) مصابيح السُـنّة: 488 ح 4199، وص 492 ـ 493 ح 4210 و 4211 و 4212 و 4213 و 4215.
                (10) النهاية في غريب الحديث 1|290، 2|172 و 325 و 386، 4|33، 5|254.
                .254/5/


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 12 )
                والقرطبي المالكي (ت 671 هـ)(11)، وابن منظور (ت 711 هـ)(12)، وابن تيميّـة (ت 728 هـ)(13)، والمـزّي (ت742 هـ)(14)، والذهـبي (ت 748 هـ)(15)، وابن القيّم (ت 751 هـ)(16)، وابن كثير (ت 774 هـ)(17)، والتفتازاني (ت 793 هـ)(18)، ونور الدين الهيثمي (ت807هـ)(19)، وابن خلدون (ت 808 هـ) اعترف بصحّة بعض أحاديث المهديّ(20)، والجزري الشافعي (ت 833 هـ)(21)، وأحمد بن أبي بكر البوصيري (ت 840 هـ)(22)، وابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)(23)، وشمس الدين السخاوي (ت 902 هـ)(24)، والسيوطي (ت 911 هـ)(25)، والشعراني (ت
                ____________
                (11) التذكرة: 701 و 704.
                (12) لسان العرب 15|59 مادّة «هَدِيَ».
                (13) منهاج السُـنّة 4|211.
                (14) تهذيب الكمال 25|146 ـ 149 رقم 5181 في ترجمة محمّـد بن خالد الجنـدي.
                (15) تلخيص المستدرك 4|553 و 558.
                (16) المنار المنيف: 130 ـ 133 ح 326 و 327 و 329 و 331، و ص 135.
                (17) النهاية في الفتن والملاحم 1|55 و 56.
                (18) شرح المقاصد 5|312، وشرح عقائد النسفي: 169.
                (19) مجمع الزوائد 7|313 ـ 317.
                (20) تاريخ ابن خلدون 1|564 و 565 و 568، الفصل 52.
                (21) أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب: 163 ـ 168.
                (22) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة 3|263 رقم 1442.
                (23) تهذيب التهذيب 9|125 رقم 201 في ترجمة محمّـد بن خالد الجندي، وفتح الباري 6|385.
                (24) كما في: نظم المتناثر من الحديث المتواتر ـ للكتّاني ـ: 226 رقم 289، حكى عنه القول بتواتر أحاديث المهديّ.
                (25) الجامع الصغير 2|672 ح 9241 و 9243 و 9244 و 9245، و 2|438 ح 7489، وحكى عنه البلبيسي في العطر الوردي: 45 أنّه قال بتواترها في بعض 7489، وحكى عنه البلبيسي في العطر الوردي: 45 أنّه قال بتواترها في بعض كتبه.
                .


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 13 )
                973 هـ)(26)، وابن حجر الهيتمي (ت974 هـ)(27)، والمتّقي الهندي (ت 975 هـ) وفي كتابه «البرهان» بيانٌ لاَربع فتاوىً لفقهاء المذاهب الاِسلامية بشأن من أنكر ظهور المهديّ في آخر الزمان وكذّب بالاَحاديث الواردة في هذا الشأن(28)، والشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي (ت 1033 هـ)(29)‌، والبرزنجي (ت 1103هـ)، والزرقاني المالكي(ت (30)(31)، والشيخ محمّـد بن قاسم بن محمّـد جسوس المالكي (ت 1182 هـ)(32)، وأبو العلاء العراقي (ت 1183 هـ)(33)، والسفاريني الحنبلي (ت 1188 هـ)(34)، والزبيدي الحنفي (ت 1205 هـ)(35)، والشيخ الصبّان (ت 1206 هـ)(36)، والسويدي (ت 1246 هـ)(37)، والشوكاني الزيدي (ت 1250 هـ)(38)، والشبلنجي (ت 1291هـ)(39)، وأحمد زيني دحـلان
                ____________
                (26) اليواقيت والجواهر 2|143.
                (27) الصواعق المحرقة: 162 ـ 167.
                (28) البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 177 ـ 183.
                (29) راجع: الاِمام المهديّ عليه السلام عند أهل السُـنّة 2|23.
                (30) الاِشاعة لاَشراط الساعة: 87، وهو من القائلين بالتواتر.
                (31) كما في: إبراز الوهم المكنون: 434.
                (32) كما في: نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 226 ح 289.
                (33) كما في: نظم المتناثر ـ أيضاً ـ: 226 ح 289.
                (34) راجع: الاِمام المهديّ عليه السلام عند أهل السُـنّة 2|20.
                (35) تاج العروس 10|408 ـ 409 مادّة «هَدَى».
                (36) إسعاف الراغبين: 145 و 147 و 152 مصرّحاً بتواتر أحاديث المهديّ عليه السلام .
                (37) سبائك الذهب: 346.
                (38) كما في: الاِذاعة: 125 و 126، وهو من القائلين بتواتر أحاديث الاِمام المهديّ عليه السلام.
                (39) نور الاَبصار: 187 و 189، وهو من القائلين بالتواتر.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 14 )
                مفتي الشـافعية (ت 1304 هـ)(40)، والقنوچي البخـاري (ت 1307 هـ)(41)، وشهاب الدين الحلواني المصري الشافعي (ت 1308 هـ)(42)، والبلبيسي الشافعي (المتوفّى في بداية القرن الرابع الهجري)(43)، والآلوسي الحنفي أبو البركات (ت 1317 هـ)(44)، وأبو الطيّب الآبادي (ت 1329 هـ)(45)، والكتّاني المالكي (ت1345 هـ) وقد نقل القول بتواتر أحاديث المهديّ عن جمع من الحفّاظ(46)، والمباركفوري (ت 1353هـ)(47)، والشيخ منصور علي ناصف (المتوفّى بعد سنة 1371 هـ)(48)، والشيخ محمّـد الخضر حسين المصري (ت 1377 هـ)(49)، وأبو الفيض الغماري الشافعي (ت1380 هـ) الذي أثبت تواتر أحاديث المهديّ بأوضح الاَدلّة وأقواها(50)، والشيخ محمّـد بن عبـد العزيز المانع (ت 1385 هـ)(51)، والشيخ محمّـد فؤاد
                ____________
                (40) الفتوحات الاِسلامية 2|211، وهو من القائلين بالتواتر.
                (41) الاِذاعة: 112 و 114 و 128، وقد صرّح بتواتر أحاديث المهديّ، ونقل عن الاَئمّة الحفّاظ القول بتواترها، فراجع.
                (42) القطر الشهدي في أوصاف المهديّ: 68.
                (43) العطر الوردي: 44 و 45.
                (44) غالية المواعظ: 76 ـ 77.
                (45) عون المعبود شرح سنن أبي داود 11|361.
                (46) نظم المتناثر: 225 ـ 228 ح 289.
                (47) تحفة الاحوذي : في شرح الحديث رقم 2331، باب ما جاء في المهديّ.
                (48) التاج الجامع للاَُصول 5|341.
                (49) نظرة في أحاديث المهديّ ـ مقال نشرته مجلّة «التمدن» لسنة 1370 هـ للشيخ المذكور، في ص 831.
                (50) إبراز الوهم المكنون: 443 وما بعدها، والمهديّ المنتظر: 5 ـ 8، وكلاهما لاَبي الفيض.
                (51) كما في: الاحتجاج بالاَثر: 299.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 15 )
                عبـد الباقي (ت 1388 هـ)(52).
                إلى غيرهم من عشرات العلماء المعاصرين ممّن لهم خبرة واسعة في علوم الحديث رواية ودراية، كالمودودي في البيانات: 166، والاَلباني في مقال حول المهديّ: 644 منشور في مجلّة التمدّن الاِسلامي لسنة 1371 هـ العدد 22، والشيخ صفاء الدين كما في مجلّة التربية الاِسلامية العراقية السـنة 14 العدد 7 ص 30، والشيخ عبـد المحسن العبّاد في محاضرته عن الاِمام المهديّ منشورة في مجلّة الجامعة الاِسلامية بالمدينة المنوّرة لسنة 1388 هـ، وله محاضرة أُخرى نشرتها المجلّة نفسها سنة 1400 هـ حول الردّ على من كذّب بالاَحاديث الصحيحة الواردة في المهديّ، والشيخ التويجري في كتابه «الاحتجاج بالاَثر على من أنكر المهديّ المنتظر»، والشيخ ابن باز كما في تصديره لكتاب «الاحتجاج بالاَثر» المتقدّم، وتعقيبه على محاضرة الشيخ عبـد المحسن العبّاد، وغيرهم.
                فاتّفاق أهل السُـنّة مع الشيعة الاِمامية بشأن صحّة أحاديث المهديّ وتواترها ممّا لا مجال لاِنكاره، واتّفاقهم على أنّ الموعود بظهوره في لسان الاَحاديث اسمه (محمّـد) ولقبه (المهديّ) ممّا لا شكّ فيه؛ لشهادة جميع من ذكرنا بذلك مع صراحة الاَحاديث به أيضاً من طرق الفريقين.
                إذن، فما هو الاختلاف أو التعارض في تلك الاَحاديث الذي حمل البعض على القول بأُسطورية الفكرة وخرافتها؟!
                وهل إنّ التعارض والاختلاف بين تلك الاَحاديث تعارض واختلاف حقيقي لا يمكن إزالته بحال من الاَحوال بحيث يؤدي إلى تهافت الاَحاديث وتساقطها برمّتها، أم إنّه بَدويّ في بعض، ولا أصل له في بعض آخر؟

                ____________
                (52) كما في محاضرة الشيخ العبّاد «عقيدة أهل السُـنّة والاَثر في المهديّ المنتظر» نشرت في العدد 46 من مجلّة الجامعة الاِسلامية السعودية لسنة 1400 هـ.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 16 )
                ثمّ ما هو الميزان الذي يحتكم إليه في معرفة التعارض والاختلاف الحاصلَين في أحاديث المهديّ؟
                وهل تنسجم دعوى صحّة تلكم الاَحاديث وتواترها مع دعوى اختلافها وتعارضها؟
                إنّها أسئلة ملحّة وكثيرة، وجوابها منوط بتقسيم أحاديث المهديّ إلى طوائف، لكي يتّضح من سير البحث ما اختلف منها، وما ائتلف، وما وُضِع، أو شذّ أو ضعف بحيث لا يمكن عدّه معارضاً أو مخالفاً للصحيح الثابت باعتراف علماء الفريقين.



                * * *



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 17 )



                اختلاف الاَحاديث في نسب الاِمام المهديّ عليه السلام


                اختلفت الاَحاديث الواردة بكتب الفريقين اختلافاً ظاهرياً في بيان نسب الاِمام المهـديّ عليه السلام ، ولكن لا يعـني هذا الاختـلاف ـ مع لحـاظ التقيـيد والاِطلاق ـ عدم الائتلاف فيما بينها، إذ بالاِمكان الجمع بينها بأحد الوجوه المنصوص عليها في باب تعارض الخبرين إذا سلمت أسانيدها من كلّ طعن وشين، وتعادلت كفّتها مع الاَحاديث الاَُخرى المصرّحة بأنّه من وُلْد الاِمام الحسـين عليه السلام .
                * والملاحـظ على الاَحاديث المبيّنة لنسـب الاِمام المهديّ أنّها تكاد تنحصر ـ من حيث الصحّة ـ بأنّه قرشيٌّ، هاشميٌّ، علويٌّ، حسينيٌّ، مع تفريعات أُخرى لا تحمل تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً يذكر، إذ نصَّ بعضها على أنّه من قريش.
                وبعضها على أنّه من بني هاشم.
                وبعض آخر على أنّه من أولاد عبـد المطّلب.
                وهذه الطوائف الثلاث لا اختلاف بينها ولا تعارض أصلاً؛ لاَنّ أولاد عبـد المطّلب هم من بني هاشم، وبنو هاشم من قريش، و كلّ واحد من أولاد عبـد المطّلب له أْن يقول: أنا هاشميٌّ قرشيّ.
                ولمّا كانت قبيلة قريش ينتسب إليها الهاشميّون وغيرهم، وبنو هاشم أنفسهم كثرٌ، فيكون ذِكر كون المهديّ من أولاد عبـد المطّلب مقيّداً لِما قبله من إطلاق، والمطلق يحمل على المقيّد بالاتّفاق، فالنتيجة إذاً: إنّه من أولاد عبـد المطّلب.
                * وبعضها نصَّ على أنّه من أولاد أبي طالب.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 18 )
                وفي بعض آخر أنّه من أولاد العبّاس.
                وظاهر أحاديث الطائفتين التعارض والاختلاف، اللّهمّ إلاّ أنْ يقال ـ من باب التسليم بصحّة أحاديث الطائفتين ـ: إنّ أُمّ المهديّ عبّاسيّة، وأباه من أولاد أبي طالب، وبهذا يرتفع التعارض والاختلاف.
                ولكن سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ وبشكل مفصّل أنّ جميع أحاديث كون المهديّ من وُلْد العبّاس إمّا ضعيفة أو موضوعة، بما لا نحتاج معها إلى عملية الجمع المتقدّمة؛ لاَنّها جمع بين الضعيف أو الموضوع من جهة، وبين الصحيح الثابت من جهة أُخرى، وعلى هذا فيبقى المهديّ من أولاد أبي طالب ـ في هذه الطائفة ـ بلا معارض.
                * وفي طائفة أُخرى من الاَحاديث التصريح بأنّه من آل محمّـد صلى الله عليه وآله وسلم .
                وفي طائفة أيضاً أنّه من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
                وفي أُخرى أنّه من عترة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
                وفي هذه الطوائف الثلاث لا يوجد أدنى تعارض أو اختلاف، لاَنّ (الآل) و (العترة) هم (الاَهل) كما صرّح به أقطاب اللغة.
                قال ابن منظور: «وآل الله، وآل رسوله، أولياؤه، أصلها (أهل) ثمّ أُبدلت الهاء همزة، فصارت في التقدير (أأل)، فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً»(53).
                كما صرّح في لسان العرب بأنّ (العترة) هم (أهل البيت) مستدلاًّ بحديث: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» قال: «فجعل العترة أهل البيت»(54).

                ____________
                (53) لسان العرب 1|253 مادّة «أهل».
                (54) لسان العرب 9|34 مادّة «عتر».



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 19 )
                وإذا علمنا بأنّ عليّـاً أمير المؤمنين عليه السلام هو من أهل البيت بالاتّفاق، ويؤيّده حديث الكساء المشهور عند سائر المحدِّثين: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي» تبيّن لنا وبوضوح كيف أنّ الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع النقاط على الحروف في تشخيص نسـب المهديّ كما صرّحت به طائفة جديدة من الاَحـاديث.
                ومفاد هذه الطائفة، أنّه من أولاد عليٍّ عليه السلام .
                ولمّا كان أمير المؤمنين عليه السلام قد أعقب من سيّدة النساء سبطي هذه الاَُمّة، كما أعقب من غيرها بعد وفاتها عليها السلام ذكوراً، لذا جاءت طائفة أُخرى من الاَحاديث لتبيّن للناس جميعاً أنّ المهديّ الموعود به في آخر الزمان إنّما هو من أولاد سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام .
                ولا شـكّ في أنّ الاَحـاديث التي تنصّ على كونه من أولاد فاطمـة الزهراء عليها السلام تقيِّد ما قبلها جميعاً، فتحمل عليها(55).
                وقد جُمعت هذه الطوائف من الاَحاديث في حديث واحد وهو الحديث المرويّ عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: «المهديّ حقٌّ هو؟ قال: نعم، قال: قلت: ممّن هو؟ قال: من قريش، قلت: من أيّ قريش؟ قال: من بني هاشم، قلت: من أيّ بني هاشم؟ قال: من بني عبـد المطّلب، قلت: من أيّ بني عبـد المطلب؟ قال: من وُلْد فاطمة»(56).
                وقد أخرج هذا الحديث ابن المنادي، عن سعيد بن المسيّب مسنداً إلى أُمّ سلمة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، باختلاف يسير(57).

                ____________
                (55) في انتظار الاِمام: 17.
                (56) الفتن لابن حمّاد ـ: 101، نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1|154 رقم 81.
                (57) الملاحم والفتن ـ لابن المنادي ـ: 41، نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1|154 رقم 81.
                1|154 رقم 81.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 20 )
                وفي فتن زكريّا ـ على ما في ملاحم ابن طاووس ـ رواه مسنداً عن ابن المسيّب(58).
                ورواه في «عقد الدرر» كما في رواية ابن المنادي، ثمّ قال: «أخرجه الاِمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي، وأخرجه الاِمام أبو عبـدالله نعيم ابن حمّـاد(59).
                هـذا، وقد أخرج الحديث غير أُولئك أيضاً(60).
                على أنّ حديث: «المهديّ حقٌّ، وهو من وُلْد فاطمة» قد سُجِّل في أربعة وثمانين مصدراً مهمّاً من مصادر الفريقين، أمّا مصادر أهل السُـنّة وحدهم فقد وصلت إلى ستّة وخمسين مصدراً، وما تبقّى من العدد المذكور فهو من مصادر الشيعة الاِمامية، كما هو مفصّل في معجم أحاديث الاِمام المهديّ عليه السلام (61).
                وقد لفت نظري أنّ أربعة من علماء أهل السُـنّة الّذين أخرجوا الحديث الشريف، قد أشاروا صراحة إلى وجوده في صحيح الاِمام مسلم، وهم:
                1 ـ ابن حجر الهيتمي (ت 974 هـ) في الصواعق المحرقة، الباب 11، ص 163.
                2 ـ المتّقي الهندي (ت 975 هـ) في كنز العمّال 14|264 ح 38662.
                3 ـ الشيخ محمّـد بن علي الصبّان (ت 1206 هـ) في إسعاف الراغبين،
                ____________
                (58) الملاحم ـ لابن طاووس ـ: 164 باب 19.
                (59) عقد الدرر: 23 باب 1.
                (60) راجع: الحاوي للفتاوي 2|74، والبرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 95 رقم 20 باب 2.
                (61) معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1|136 رقم 74.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 21 )
                ص 145.
                4 ـ الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي (ت 1303 هـ) في مشارق الاَنوار، ص 112.
                وللاَسف الشديد أنّي لم أعثر على هذا الحديث في صحيح مسلم بثلاث طبعات!
                ولا بأس هنا أْن نسجّل بعض من صرّح بصحّـته:
                منهم: البغوي في «مصابيح السُـنّة» حيث عدّه في فصل الحسان(62)، وصحّحه القرطبي المالكي في التذكرة(63) نقلاً عن الحاكم النيسابوري، وكذلك السيوطي في الحاوي للفتاوى(64)، والجامع الصغير(65).
                ومنهم من احتجّ به وقال بصحّته، كابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة» الفصل الاَوّل من الباب الحادي عشر(66).
                ومنهم من قال بتواتره صراحة، كالبرزنجي في «الاِشاعة» قال: «أحاديث وجود المهديّ، وخروجه آخر الزمان، وأنّه من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من وُلْد فاطمة عليها السلام ، بلغت حدّ التواتر»(67).
                ومنهم من قطع بصحّته، كالشيخ أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية، قال: «المقطوع به أنّه لا بُـدّ من ظهوره وأنّه من وُلْد فاطمة»(68).
                وقال الشيخ الصبّان في بيان المزايا التي اختصّ بها أهل البيت عليهم السلام
                ____________
                (62) مصابيح السُـنّة: 492 رقم 4211.
                (63) التذكرة: 701.
                (64) الحاوي للفتاوي 2|85.
                (65) الجامع الصغير 2|672 رقم 9241.
                (66) الصواعق المحرقة: 162 و 165 و 166.
                (67) الاِشاعة في أشراط الساعة: 87.
                (68) الفتوحات الاِسلامية 2|211.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 22 )
                ـ وقد ذكر الكثير منها ـ: «ومنها: أنّ منهم مهديّ آخر الزمان، وأخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والبيهقي، وآخرون: (المهديّ من عترتي من وُلْد فاطمة)»(69).
                فالنتيجة المتّفق عليها بين أهل السُـنّة والشيعة الاِمامية ـ إلى هنا ـ هو كون الاِمام المهديّ عليه السلام من وُلْد فاطمة الزهراء عليها السلام .
                إذن فلنضع أيدينا على هذه النتيجة المهمّة، ثمّ ندعها قليلاً ونعود إليها ريثما يتمّ الفراغ من مناقشة بعض طوائف أحاديث المهديّ الاَُخرى، وعلى النحو التالي:

                ____________
                (69) إسعاف الراغبين: 45.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 23 )


                أحاديث المهديّ من وُلْد العبّاس

                عـمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم


                نُسِـبَ الاِمام المهديّ في مجموعة من الاَحاديث إلى العبّاس عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وسوف نستعرض جميع تلك الاَحاديث الواردة في كتب السُـنّة، ليتّضح أنّها ليست من نمط الاَحاديث المتعارضة حقيقة مع كون المهديّ من وُلْد فاطمة الزهراء عليها السلام ومن ذرّيّة السبط الشهيد عليه السلام .
                وأنّه لا يصحّ التمسك بها بتصريح أرباب هذا الفنّ من علماء أهل السُـنّة لردّ الاحاديث الصحيحة بحجّة معارضتها لها؛ لثبوت ضعفها عندهم، واتّهام بعض رواتها بالكذب في كتب الرجال.
                وأمّا ما قيل عن صحّة بعضها فلا يصحّ جعله معارضاً لغيره من الصحيح الثابت؛ لاَنّ من شرط التعارض هو التساوي في كلّ شيء بين المتعارضَين، وليس الاكتفاء بشرط الصحّة.
                فقد يُروى خبر ما بطريق معتبر، ولكن تشهد قرائن خارجية عنه بمخالفته للواقع.
                وقد يُروى خبر آخر بطريق واحد أو طريقين، ويُروى ما تعارض معه بعشرات الطرق، وعندها لا يصحّ اعتبارها من المتعارضَين على فرض وثاقة رواتهما؛ ذلك لاَنّ شهرة الخبر وكثرة رواته وتعدّد طرقه من المرجّحات على غيره المساوي له من حيث صحّة النقل، فالتعارض في مثل هذا يكون تعارض من حيث صحّة النقل لا غير، ولا تعارض بينها من حيث الشهرة وتعدّد الطرق، ونحوهما من المرجّحات الاَُخرى.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 24 )
                فكيف الاَمر لو كان التعارض المدّعى بين الصحيح الثابت اتّفاقاً وبين الضعيف، أو الموضوع، أو المؤوّل بما يتّفق مع الصحيح؟!
                وسوف نرى أنّ الاَحاديث التي نسبت الاِمام المهديّ إلى العبّاس بن عبـد المطّلب صلى الله عليه وله وسلم ,لا ترقى إلى مستوى الاَحاديث الاَُخرى المبيّنة أنّه من وُلْد فاطمة عليها السلام ، ولا تصل إلى ذلك المستوى من الثبوت، وهي:

                1 ـ حديث الرايات السود:
                روى أحمد في مسنده، عن وكيع، عن شريك، عن عليّ بن زيد، عن أبي قلابة، عن ثوبان، قال: « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإنّ فيها خليفة الله المهديّ»(70).
                وقد أخرج هذا الحديث ـ باختلاف يسير ـ البلخي في «البدء والتاريخ»(71)، وابن ماجة في سننه من طريق آخر(72).
                وفيـه:
                أ ـ ليس في هذا الحديث ما يدلّ على كون (خليفة الله المهديّ) هو من وُلْد العبّاس كما ظنّ البعض أنّه المهديّ العبّاسي! لذِكر (الرايات السود) وإنْ كانت رايات بني العبّاس التي أقبلت من خراسان سوداً، ومع القول بصحّة الحديث فلا دليل في المقام على حصر الرايات السود برايات بني العبّاس.
                ب ـ لو سلّمنا بصحّة الحديث، فلا دلالة فيه أيضاً على أنّ (خليفة الله المهديّ) هو المهديّ العبّاسي (ت 169 هـ)؛ لاَنّه لم يكن في آخر الزمان،
                ____________
                (70) مسند أحمد 5|277.
                (71) البدء والتاريخ 2|174 الفصل السابع.
                (72) سنن ابن ماجة 2|1336 رقم 4082 ـ الحديث الاَوّل من باب خروج المهديّ ـ.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 25 )
                ولم يحثُ المال حثواً، ولم يبايَع بين الركن والمقام، ولم يقتل الدجّال، أو ينزل نبيّ الله تعالى عيسى عليه السلام معه ليساعده على قتل الدجّال، ولم تظهر أدنى علامة من علامات ظهور المهديّ المتّفق عليها بين الفريقين(73).
                ج ـ إنّ المهديّ العبّاسي حكم من سنة 158 هـ إلى سنة 169 هـ وهي السـنة التي مات فيها، وفي ذلك دليل قاطع على أنّه ليس المهديّ الموعود الذي يأتي آخر الزمان.

                ____________
                (73) راجع: صحيح البخاري 4|205 ـ كتاب الاَنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ـ و 9|75 ـ كتاب الفتن، باب ذِكر الدجّال ـ، وقارن مع شروح صحيح البخاري التالية:
                1 ـ فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ 6|383 ـ 385.
                2 ـ إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري ـ للقسطلاني ـ 5|419.
                3 ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري ـ للعيني ـ 16|39 ـ 40 من المجلّد الثـامن.
                4 ـ فيض الباري على صحيح البخاري ـ للكشميري الديوبندي ـ 4|44 ـ 47.
                5 ـ حاشية البدر الساري إلى فيض الباري ـ لمحمّـد بدر ـ 4|44 ـ 47.
                وصحيح مسلم 1|136 رقم 244 و 245، و 1|137 رقم 246 ـ باب نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة نبيّـنا ـ، وصحيح مسلم بشرح النووي 2|189 بنفس عنوان الباب، و 18|61 من كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18|23 و 58 و 78 من الكتاب السابق، وكذلك 18|38 و 39.
                وقارن مع: مسند أحمد 3|80، ومصنَّف ابن أبي شيبة 15|196 رقم 19485 و 19486، والمستدرك 4|454، والحاوي للفتاوي 2|59 و 62 و 63 و 64، والمصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ 11|371 رقم 20770 من باب المهديّ.
                وانظر كذلك: مستدرك الحاكم 4|520، وتلخيصه للذهبي، وكنز العمّال 14|272 رقم 38698، ومسند أحمد 3|37 وسنن الترمذي 4|506 رقم 2232، ومجمع الزوائد 7|313، وكتابنا: دفاع عن الكافي1|243 ـ 275.
                فستعلم علم اليقين أنّ ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في هاتيك المواضع إنّما هو في الاِمام المهديّ، بل ومن علامات ظهوره الشريف اتّفاقاً، وإنْ لم يصرّحا باسمه، أو لقبـه!



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 26 )
                وفيه أيضاً أنّ حكم المهديّ العبّاسي إحدى عشرة سنة، ولا توجد لدينا رواية واحدة ـ ولو موضوعة ـ بأيٍ من كتب الفريقين تحدّد مدّة حكم المهديّ المنتظر بتلك المدّة على الرغم من اختلافها كما سيأتي.
                د ـ شهد عصر المهديّ العبّاسي تدخّـلاً فظيعاً من قبل ربّات الحجول في شؤون دولته، فقد ذكر الطبري تدخّل الخيزران زوجة المهديّ العبّاسي بشؤون دولته، وأنّها استولت على زمام الاَُمور تماماً في عهد ابنه الهادي (169 ـ 170 هـ)(74)، ومن يكون هذا شأنه فكيف يسمّى بخليفة الله في أرضـه؟!
                هـ ـ حديث أحمد ضعّفه ابن القيّم في «المنار المنيف» بعليّ بن زيد، فقال: «وعليّ بن زيد قد روى له مسلم متابعة، ولكن هو ضعيف، وله مناكير تفرّد بها، فلا يحتجّ بما ينفرد به»(75).
                كما ضعّف حديث ابن ماجة أيضاً بيزيد بن أبي زياد، ثمّ قال: «وهذا ـ أي حديث ابن ماجة ـ والذي قبله لم يكن فيه دليل على أنّ المهديّ الذي تولّى من بني العبّاس هو المهديّ الذي يخرج في آخر الزمان...»(76).

                2 ـ حديث نصب الرايات السود بإيلياء:
                وهذا الحديث أخرجه الترمذي في سننه بسنده، عن أبي هريرة، أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «تخرج من خراسان رايات سود، فلا يردّها شيء
                ____________
                (74) راجع كتابنا: الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي ـ الفروع: 42، ففيه أمثلة كثيرة من هذا النوع.
                (75) المنار المنيف: 137 ذيل الحديث 338.
                (76) المنار المنيف: 138 ذيل الحديث 339.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 27 )
                حتّى تُنصب بإيلياء»(77).
                والكلام فيه كالكلام في ما تقدّم عليه؛ إذ لا تصريح فيه بكون المهديّ عبّاسـياً.
                وقد أجاب ابن كثير عن هذا الحديث بعد أن أورده فقال: «هذا حديث غريب، وهذه الرايات السود ليست هي التي اقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أُميّة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أُخرى تأتي بصحبة المهديّ ـ إلى أن قال: ـ والمقصود أنّ المهديّ الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق، ويُبايَع له عند البيت، كما دلّ على ذلك نصّ الحديث، وقد أفردت في ذكر المهديّ جزءاً على حدة ولله الحمد»(78).

                أقـول:
                إنّ استغلال أحاديث المهديّ من قبل العبّاسـيّين ـ كما ستقف عليه ـ قد نتجت عنه آثار سلبية في تقييم بعض أحاديث المهديّ عليه السلام لا سيما حديث الرايات، فهذا الحديث قد روي بطرق شتّى من قبل الفريقين، وقد صحّح الحاكم بعض طرقه على شرط الشيخين البخاري ومسلم(79)، وتضعيف بعض طرق الحديث لا يعني ردّ حديث الرايات بتمام طرقه والحكم عليه بالوضع.
                ولا يبعد اتّخاذ بني العبّاس لبس السواد شعاراً لهم بهدف احتواء الاَحاديث الصحيحة الواردة في توطئة حكم الاِمام المهديّ على أيدي أصحاب
                ____________
                (77) سنن الترمذي 4|531 رقم 2269.
                (78) النهاية في الفتن والملاحم 1|55.
                (79) مستدرك الحاكم 4|502.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 28 )
                الرايات السود، وهم قوم من المشرق؛ تمهيداً لدعواهم في المهديّ العبّاسي، وإلاّ فمن الصعب جدّاً القول بضعف حديث الرايات، لتضافر طرقه لدى الفـريقين.

                3 ـ حديث: المهديّ من وُلْد العبّاس عمّي:
                روى هذا الحديث ثلاثة نفر من الصدر الاَوّل وهم: كعب الاَحبار، وعثمان بن عفّان، وعبـدالله بن عمر.
                أمّا حديث كعب الاَحبار، فقد رواه ابن حمّاد، عن الوليد، عن شيخ، عن يزيد بن الوليد الخزاعي، عن كعب، وفيه: «المهديّ من وُلْد العبّـاس»(80).
                وأمّا حديث عثمان، فقد أورده محبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبى» نقلاً عن أبي القاسم السهمي، عن عثمان، أنّه قال: «سمعت رسول الله «يقول: المهديّ من وُلْد العبّـاس عمّي»(81).
                وأمّا حديث ابن عمر، فقد رواه ابن الوردي في «خريدة العجائب» مرسَلاً عن ابن عمر ولم يرفعه، قال: «رجل يخرج من وُلْد العبّـاس»(82).
                وفي هذه الاَحاديث الثلاثة ما يأتي:
                أمّا الاَوّل فلا حجّة فيه أصلاً، إذ رُوي بلفظ مبهم (عن شيخ) فسنده منقطع اتّفاقاً؛ لاَنّ ما اشتمل سنده على لفظ مبهم يسمّى بالمنقطع اصطلاحاً(83)، وقد يسمّى بالمجهول أيضاً، وهو ما رواه رجل غير موثَّق،
                ____________
                (80) الملاحم والفتن: 103.
                (81) ذخائر العقبى: 206.
                (82) خريدة العجائب وفريدة الغرائب: 199.
                (83) مقدّمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح: 144.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 29 )
                ولا مجروح، ولا ممدوح، أو غير معروف أصلاً، كقولهم: عن رجل، أو: عن شيخ، أو: عمّن ذكره(84).
                وحكم الحديث المجهول، أو المنقطع، كحكم المرسَل، قال في الرواشح: «وفي حكم الاِرسال إبهام الواسطة، كعن رجل...»(85)، ولم تثبت حجّـيّة المرسَل عند الفريقين إلاّ ما كان من احتجاجات الشافعي بمراسيل سعيد بن المسيّب، وقبول بعض علماء الشيعة الاِمامية مراسيل ابن أبي عمير على ما هو معروف لدى المشتغلين بعلوم الحديث.
                وحديث ابن حمّاد لا هو من مراسيل ابن المسيّب، ولا هو من مراسيل ابن أبي عمير، فهو ساقط عن الاعتبار جزماً ما لم يؤيّده حديث صحيح، وهو مفقود في المقام.
                هذا زيادة على أنّ كعباً لم يرفعه برواية ابن حمّاد، كما أنّ كعباً نفسه فيه قول سـيّئ صدر عن لسان ابن عمر نفسه(86).
                أمّا عن حديث ابن عمر ـ وهو الثالث ـ فمثل الاَوّل في الوقف والاِرسال، ويزيد عليه بعدم التصريح بالمهديّ، إذ قد تكون فيه إشارة إلى أنّ هذا (الرجل) الذي سيخرج من وُلْد العبّاس إنّما سيكون سفّاحاً لا مهديّـاً، والمهمّ أن لا دلالة فيه على ما نحن فيه.
                وأمّا عن حديث عثمان ـ وهو الحديث الثاني ـ فقد أجمع العلماء من أهل السُـنّة على ردّه! وإليك التفصيل:

                ____________
                (84) معرفة علوم الحديث: 27.
                (85) الرواشح السماوية: 171.
                (86) راجع تفسير الطبري 22|145 ففيه تكذيب ابن عمر لكعب الاَحبار في مرويّاته التفسيرية صراحة، وطعنه باليهودية، إذ قال بحقّه: «ما تنتكت اليهودية في قلب عبـد فكادت أن تفارقه».



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 30 )
                فقد أورده السيوطي في «الجامع الصغير» عن الدارقطني في «الاِفراد» وقال: «حديث ضعيف»(87)، وقال المنّاوي في شرح الحديث: «رواه الدارقطني في الاِفراد، ثمّ قال: قال ابن الجوزي: فيه محمّـد بن الوليد المقري؛ قال ابن عديّ: يضع الحديث، ويصله، ويسرق، ويقلب الاَسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: هو كذّاب؛ وقال السمهودي: ما بعده وما قبله أصحّ منه، وأمّا هذا ففيه محمّـد بن الوليد وضّاع، مع أنّه لو صحّ حُمِل على المهديّ ثالث العبّاسـيّين»(88).
                كما أورده السيوطي أيضاً في «الحاوي» عن «الاِفراد» للدارقطني و«تاريخ دمشق» لابن عساكر، ثمّ قال: «قال الدارقطني: هذا حديث غريب، تفرّد به محمّـد بن الوليد مولى بني هاشم»(89)، أي: مولى العبّاسـيّين.
                وأورده ابن حجر الهيتمي في «الصواعق»، وحكى عن الذهبي قوله: «تفرّد به محمّـد بن الوليد مولى بني هاشم، وكان يضع الحديث»(90).
                وأورده الصبّان في «إسعاف الراغبين»، عن ابن عديّ، وقال: «وفي إسناده وضّاع ولم يسمعهم»(91).
                ونقل الاَُستاذ الفضلي عن الاَلباني أنّه قال في ابن الوليد: «قلت: وهو متّهم بالكذب، قال ابن عديّ: كان يضع الحديث، وقال أبو عروبة: كذّاب، وبهذا أعلّهُ المنّاوي في (الفيض)، نقلاً عن ابن الجوزي، وبه تبيّن خطأ السيوطي في إيراده لهذا الحديث في الجامع الصغير»(92).

                ____________
                (87) الجامع الصغير 2|672 رقم 9242.
                (88) فيض القدير شرح الجامع الصغير 6|278 رقم 9242.
                (89) الحاوي للفتاوي 2|85.
                (90) الصواعق المحرقة: 116.
                (91) إسعاف الراغبين: 151.
                (92) في انتظار الاِمام: 37.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 31 )
                وقال أبو الفيض الغماري الشافعي في «إبراز الوهم المكنون» ـ بعد أن أورده عن الدارقطني ـ: «وهو غريب منكَر، وقد جمع بأنّه عبّاسيّ الاَُمّ، حسنيّ الاَب، وليس بذاك، بل الحديث لا يصحّ»(93).

                4 ـ حديث أُمّ الفضل:
                وهو ما رواه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد»، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»، بإسنادهما عن أحمد بن راشد الهلالي، عن حنظلة، عن طاووس، عن ابن عبّاس، عن أُمّ الفضل بنت الحارث الهلالية، عن سعيد بن خيثم، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو حديث طويل جاء فيه: «... يا عبّاس! إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولوُلْدك، منهم السفّاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهديّ»(94).
                وفي هذا الحديث جملة من الملاحظات في سنده ومتنه، وهي:
                أ ـ قال الذهبي عن سند الحديث: «وفي السند أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خيثم، بخبر باطل في ذِكر بني العبّاس من رواية خيثم عن حنظلة ـ إلى أن قال عن أحمد بن راشد: ـ فهو الذي اختلقه بجهل»(95).
                ب ـ في متن الحديث علّة قادحة واضحة تدلّ على جهل واضعه بالتاريخ، ولعلّها هي السبب في قول الذهبي: «اختلقه بجهل»، وهي أنّ العبّاسـيّين قد ابتدأ حكمهم بسنة 132 هـ باتّفاق جميع المؤرّخين، وليس بسنة 135 هـ كما هو في المتن.
                ج ـ لا دلالة في هذا الحديث ـ حتّى مع القول بصحّته ـ على أنّ
                ____________
                (93) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون: 563.
                (94) تاريخ بغداد 1|63، وتاريخ دمشق 4|178.
                (95) ميزان الاعتدال 1|97.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 32 )
                المهديّ الموعود به في آخر الزمان هو من وُلْد العبّاس، بل غاية ما يفيده هو الاِخبار عن المستقبل الذي يسيطر فيه وُلْد العبّاس على مقدّرات الاَُمّة، وإنّ أوّلهم هو السفّاح وثانيهم المنصور، وثالثهم المهديّ العبّاسي (ت 169 هـ).
                د ـ من أمارات وضعه ما ورد في الحديث نفسه بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال مخاطباً العبّاس: «وأنت عمّي وصنو أبي، وخير من أُخلّف بعدي من أهلي».

                أقـول:
                لا أظنّ أنّ أحداً منصفاً من المسلمين قرأ قوله صلى الله عليه وآله وسلم في سائر الصحاح والمسانيد وغيرها من كتب الحديث عند الفريقين بحقّ عليٍّ عليه السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» ثمّ يجرأ بعد هذا في تفضيل العبّاس رضي الله تعالى عنه عليه بمثل حديث أحمد بن راشد الهلالي الذي أعرضت عنه كتب الحديث.

                5 ـ حديث عبـدالله بن عبّاس:
                وهذا الحديث كحديث أُمّ الفضل، وفيه، عن ابن عبّـاس أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال عن عمّه العبّاس: «هذا عمّي، أبو الخلفاء الاَربعين، أجود قريش كفّـاً، وأجملها، من وُلْده: السفّاح، والمنصور، والمهديّ، بي يا عمّ فتح الله هذا الاَمر، وسيختمه برجل من وُلْدك».
                فقد أورده السيوطي في «اللآلي المصنوعة في الاَحاديث الموضوعة» وقال: «موضوع، المتّهم به الغلابي»(96).
                وأورده ابن كثير في «البداية والنهاية» وقال: «وهذا أيضاً موقوف، وقد
                ____________
                (96) اللآلي المصنوعة في الاَحاديث الموضوعة 1|434 ـ 435.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 33 )
                رواه البيهقي من طريق الاَعمش، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس مرفوعاً: (منّـا السفّاح، والمنصور، والمهديّ). وهذا إسناد ضعيف، والضحّاك لم يسمع من ابن عبّاس شيئاً على الصحيح، فهو منقطع، والله العالم»(97).
                كما أورده الحاكم، من طريقٍ وقع فيه إسماعيل بن إبراهيم المهاجر، عن أبيه(98)، وقد نقل أبو الفيض الغماري الشافعي عن الذهبي: أنّ إسماعيل مُجمَع على ضعفه، وأباه ليس بذلك(99).

                أقـول:
                ما حكم به السيوطي هو في محلّه، ويشهد عليه متن الحديث نفسه؛ لاَنّ الخلفاء من بني العبّاس لم يكونوا أربعين خليفة، ومن راجع «تاريخ الخلفاء» للسيوطي علم أنّ عددهم في العراق سبعة وثلاثون خليفة، وفي مصر خمسة عشر، كما أنّ العبّاس رضي الله تعالى عنه لم يكن أجود قريش كفّـاً، بل أجودهم بعد نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلم من شهد له القرآن الكريم بذلك، إذ بات وأهله ثلاث ليالٍ طاوين بطونهم ابتغاء مرضاة الله!

                6 ـ حديث آخر لابن عبّاس:
                روى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لعمّه العبّاس: «.. إنّ الله ابتدأ بيَ الاِسلام وسيختمه بغلام من وُلْدِك، وهو الذي يتقدَّم لعيسى بن مريم»(100).

                ____________
                (97) البداية والنهاية 6|246.
                (98) مستدرك الحاكم 4|514.
                (99) إبراز الوهم المكنون: 543.
                (100) تاريخ بغداد 3|323، وأخرجه من طريق آخر بسنده عن عمّار بن ياسر وفي كلاهما محمّـد بن مخلد العطّار.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 34 )
                وهذا الحديث ضعّفه الذهبي وقال عنه: «رواه عن محمّـد بن مخلد العطّار، فهو آفته، والعجب أنّ الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعِّفه، وكأنّه سكت عنه لانتهاك حاله»!(101).
                وأخرجه محبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبى» بسنده، تارة عن عبـدالله بن عبّاس، وأُخرى عن أبي هريرة، باختلاف عمّا في رواية الخطيب، وكلاهما من المرسَل(102)، وقد مرّ رأي الفريقين في الحديث المرسل.
                كما أورد القنوچي في «الاِذاعة» ثلاثة أحاديث بهذا الشأن عن عمّار، وأبي هريرة، وابن عبّاس. ثمّ نقل عن الشوكاني قوله: «قلت: ويمكن الجمع بين هذه الثلاثة أحاديث، وبين سائر الاَحاديث المتقدّمة، بأنّه من وُلْد العبّاس من جهة أُمّه، فإنْ أمكن الجمع بهذا، وإلاّ فالاَحاديث، أنّه من وُلْد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أرجح»(103).

                قلـت:
                لا يصحّ مثل هذا الجمع، وقد غفل الشوكاني عمّا في أحاديث كون المهديّ من وُلْد العبّاس ـ ومن ضمنها هذه الاَحاديث الثلاثة ـ من تفضيل صريح للعبّاس عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الاَُمّة، وهذا ما دأب على إشاعته مثبّـتو أركان الخلافة العبّاسية، ولهذا نرى أنّ أبا الفيض الغماري الشافعي قد ردّ مثل هذا الجمع بقوّة(104).

                ____________
                (101) ميزان الاعتدال 1|89 رقم 328.
                (102) ذخائر العقبى: 206.
                (103) الاِذاعة لِما كان وما يكون بين يدي الساعة: 135.
                (104) إبراز الوهم المكنون: 563.



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 35 )
                هـذا، وقد روى الشيخ المفيد بسنده عن سيف بن عميرة أنّه قال: «كنت عند أبي جعفر المنصور، فقال لي ابتداءً: يا سيف بن عميرة! لا بُـدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من وُلْد أبي طالب.
                فقلت: جُعلت فداك يا أمير المؤمنين، تروي هذا؟!
                قال: إي والذي نفسي بيده، لسماعُ أُذُني له.
                فقلت: يا أمير المؤمنين! إنّ هذا الحديث ما سمعتُه قبل وقتي هذا!
                فقال: يا سيف! إنّهُ لحقٌّ، وإذا كان فنحن أوّل من يجيبه. أَمَا إنّ النداء إلى رجل من بني عَـمِّـنا.
                فقلت: رجل من وُلْد فاطمة؟!
                فقال: نعم يا سيف؛ لولا أنّني سمعت من أبي جعفر محمّـد بن عليّ يحدّثني به، وحدّثني به أهلُ الاَرض كُلُّهم ما َقبِلْتُه منهم، ولكنّه محمّـد بن عليّ(105).
                ويؤيّد هذا الحديث الحديثُ الذي أخرجه أغلب المحدِّثين وهو أنّ: «المهديّ حقٌّ وهو من وُلْد فاطمة» حتّى تكرّر في أكثر من ثمانين مصدراً حديثياً مهمّاً عند الفريقين، وفيهم من صرّح بتواتره وأنّه لا معارض له بقوّة ثبوته، وقد مرّت الاِشارة إليه، ومَن نصَّ على روايته في صحيح مسلم.
                وفي «لوائح الاَنوار» للسفاريني الحنبلي، قال تحت عنوان: «الاَحاديث في كون المهديّ من وُلْد العبّاس» ما نصّه:
                «إنّ الروايات الكثيرة، والاَخبار الغزيرة ناطقة أنّه من وُلْدِ فاطمة البتول ابنة النبيّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين، وجاء في بعض الاَحاديث أنّه من وُلْدِ العبّاس، والاَوّل أصحّ... لاَنّ
                ____________
                (105) الاِرشاد 2|370 ـ 371 في باب ذِكر علامات القائم عليه السلام .



                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 36 )
                الاَحاديث التي [فيها] أنّ المهديّ من وُلْدِها أكثر وأصحّ، بل قال بعض حفّاظ الاَُمّة، وأعيان الاَئمّة: إنّ كون المهديّ من ذرّيّته صلى الله عليه وسلم «ممّا تواتر عنه ذلك، فلا يسوغ العدول، ولا الالتفات إلى غيره»(106).
                ولهذا نجد أنّ الشيخ الاَلباني قد ردّ على السيّد محمّـد رشيد رضا، صاحب «المنار»، الّذي أعَلَّ الاَحاديث الواردة في الاِمام المهديّ عليه السلام بعلّة التعارض فقال: «وهذه علّة مدفوعة؛ لاَنّ التعارض شرطه التساوي في قوّة الثبوت، وأمّا نصْب التعارض بين قويٍّ وضعيف فممّا لا يسوّغه عاقل منصف، والتعارض المزعوم من هذا القبيل»(107).




                * * *




                ____________
                (106) لوائح الأنوار البهية، نقلاً عن الامام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2|10 ـ وعبارة اللوائح مصورة فيه ـ.
                (107) حول المهدي: 646.

                تعليق


                • ياسيد هويدي

                  اتمنى لو انك اجبت باختصار على السؤال المطروح عن الفرق بين النبي والامام

                  بدلا من النسخ واللصق الذي ملات به الموضوع

                  تعليق


                  • هل تعرف الفرق بين الرسول والنبي اذا كان صعب عليك

                    جواب على الفرق بين ابي بكر والنبي تعرف ان البخاري جعل بي بكر اعظم منزله من النبي

                    تعليق


                    • المشاركة الأصلية بواسطة عبد الله ابوفيصل
                      [frame="1 80"]لم اللف و الدوران؟؟؟

                      القرآن واضح بأن الوحي له أكثر من صوره..

                      أم أنك تقول أن كل أنواع الوحي مثل ما كان يوحى لرسول الله صلى الله عليه و آله؟؟[/frame]

                      انا لا اقول شيئا
                      انا فقط اريد منك الفرق بين النبي والامام
                      الفرق بنوع الوحي و طريقة التلقي

                      تعليق


                      • عبد الله
                        1.النسخ والصق اذا كنت صاحب عقل متفتح فهو ليست جريمه
                        واسالوا اهل ا لذكر ان كنتم لا تعلمون
                        2.الفرق بين الامام والنبي
                        قلت لك انها وظيفه ربانيه تكون احيانا رديفه للنبوه مثل الامام علي والائمه الباقين عليهم السلام
                        واحيانا شخص واحد يجمع بين الامامه والنبوه
                        كقول الله سبحانه
                        اني جاعلك اماما للناس

                        اي النبي ابراهيم الخليل


                        ومثل قولكم في السعوديه
                        الامام محمد بن عبد الوهاب

                        وهناك ائمه للهدى وووو ائمه للكفر

                        وانا لله وانا اليه راجعون

                        تعليق


                        • بسـم الله الرحمن الرحيم


                          والصلاة والسلام على نبيّـنا محمّـد، وعلى آله الطيّبين، وصحبه المخلَصين ومن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
                          وبعـد:
                          فإنّ من دواعي كتابة هذا البحث هو التطاول على الحقائق الاِسلامية الثابتة ببعض الكتيّـبات النقدية في الحديث الشريف، لاَسماء نكرة طفحت على الساحة الثقافية فجأة، مع خلوّها من أبسط المعايير العلمية لنقد الحديث، إذ لم تتّصف بشيء منها البتّة، حتّى عادت تلك الكتيّـبات عقبة كَـأْداء من عقبات التواصل الوحدوي على صعيد المجتمع المسلم، بل وأشبه ما تكون بمحاولة جادّة للقضاء على أيّ وسيلة من شأنها أنْ تقرِّب بين وجهات نظر المسلمين، وتلمّ شعثهم، وترأب صدعهم!
                          وذلك لابتذال المعايير العلمية في النقد ابتذالاً واضحاً خصوصاً عند من


                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 2 )
                          يمثّل ثقافة تلقينية أصابها اليأس والاِحباط المستمرّ، مع افتقاره التامّ إلى معرفة الاَُسـس والقواعد العلمية النقدية الثابتة ـ خصوصاً في علم الحديث الشريف ـ التي تؤطّر كلّ دراسة حديثية نقدية بشروط القبـول.
                          ولا عذر لمثل هذا، إذ لم تعد مسألة نقد الحديث، مسألة نسـبية تختلف باختلاف الناس وتباين ثقافاتهم.
                          ومن ثَـمَّ فإنّ السُـنّة المطهّرة نفسها قد أرست بعض القواعد النقدية العامة، والتي يمكن توظيفها لمواجهة الخطأ.
                          فالنبيّ الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم علّمنا مكارم الاَخلاق، وهو ـ بأبي وأُمّي ـ لم يكن فظّـاً غليظ القلب، وإلاّ لانفضّوا من حوله، وإنّما كان في مواجهته للفكر الجاهلي المتعسّف على خُلُق عظيم بشهادة السماء.
                          والاَُمّة التي استطاعت أن تواجه الخطأ بهدي سيرته صلى الله عليه وآله وسلم حتّى استطاعت ـ وبمدّة وجيزة ـ أن تقيم صرح حضارة امتدّت جذورها إلى أقصى الاَرض، لَقادرة على هذا أيضاً.
                          والذي يحزّ في النفس ألماً، أنّ أُمّتنا قد فقدت المواجهة الصحيحة للخطأ، وعادت رويداً رويداً إلى جاهليةٍ من نوع آخر، فيها من روح الابتعاد عن القرآن الكريم والسُـنّة المطهّرة الشيء الكثير، فما أحوجنا اليوم إلى حوار صادق، ونقد بنّاء، ورجوع حثيث إلى الكتاب والسُـنّة!
                          كما أنّنا بحاجة ماسّة إلى معرفة تراثنا الحديثي، لا فرق في ذلك بين كتب الحديث السُـنّية أو الشيعية، فهي كلّها في نظر غير المسلم من تراث الاِسلام؛ وإلى كيفية تنمية المهارات العلمية والقدرات الكفوءة وتوظيفها لخدمة هذا التراث وبنقدٍ يجيد صاحبه التعامل مع الآخرين من منطلق واع يهدف إلى تحقّق غرض النقد وأهدافه، مع التحلّي بأدب الاِسلام، ونبذ التصوّرات الخاطئة، وتجنّب إساءة الظنّ وفكرة سحق الآخر!



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 3 )
                          كلّ هذا مع إدراك أنّ التغيير المطلوب نحو الاَفضل لا يمكن الوصول إليه بنقدٍ ظالم متعسّف، يُرام من خلاله إيقاع الهزيمة بطرف من الاَطراف والانتصار لطرف آخر!
                          فنقدٌ كهذا لا شكّ أنّه لا يصدر إلاّ عن نقص معرفة أو قصور ذهني في عدم التمييز بين المسائل الثابتة التي لا تقبل جدلاً، وبين المشكوكة الصحّة في كلّ أو بعض ما تتضمّن، وبالتالي فهو لا يملأ فراغاً علمياً، بل على العكس إذ يسهم بإيجاده بدعمه نمطاً نقدياً لا يرى من الصورة غير إطارها، ولا من الشخص إلاّ اسمه، ومع هذا قد يكون صادراً بحسن نيّة.
                          إلاّ أنّ نمطاً نقدياً من نوع آخر لا يمكن أن يكون كذلك، ذلك النمط الذي يجعل ما عند الآخر متهافتاً ولو كان في منتهى القوّة، ويصنّف الآخرين بالصورة التي يرغبها هو، صورة ساخرة يحاول أن يمزّقها بقلمه الذي اعتاد النزول إلى الشتائم لدرجة تشعر من خلالها لذّته في الشتم والسباب!
                          فتراه يعطي العناوين النقدية ـ لِما هو صواب فعلاً ـ بروزاً ظاهراً وحجماً مميّزاً، وبشكل يبرز عقدة الاستهداف، مع تأصيل الاستبداد النقدي بالرغبة الظاهرة في احتكار الموضوعات بثقافة شخصية تفتقر إلى التوازن النفسي باستعلائها على ذوي الاختصاص في نقد ذلك التراث الضخم بتعليم تلقينيٍّ جامد غالباً ما يؤدّي إلى هيمنة التصوّرات التي لا محصّل لها، والافتراضات الخاطئة في نقد الآخرين.
                          كلّ هذا مع حشد الناقد الفاقد لمعايير النقد العلمية ـ سواء في الحديث الشريف أو غيره ـ لجهات أُخرى في محاولة منه لاِعلان حالة من التعبئة العامة لمواجهة الطرف الآخر بعقلية التحريض المضادّ، كما نلحظه اليوم في تذييل الكتابات النقدية أو تصديرها بعناوين التحذير!!
                          وهكذا يكون التهديد المباشر، وبلغة بعيدة عن أخلاقيات النقد العلمي


                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 4 )
                          الموضوعي الهادف على درجة عالية من الفجاجة والاستفزاز، لاَنّه تأطير للعلماء بجهالة من دون تروٍّ مطلوب، ولا أشكّ في أنّ الطرف الآخر سوف لن يقابل الاِساءة بالاِحسان على هذا النحو من التشويه، وإنّما سيكون هو الآخر في حالة اسـتنفار دائم مع التحدّي المستمرّ، وهذا ما يؤكّد بطبيعته مسـيس حاجتنا إلى الرجوع إلى منابع الاِسلام الصافية، مع ضرورة تشخيص تلك الثقافات المنحرفة، فهي كجرثومة السرطان التي إذا ما وجدت بيئـتها في عضوٍ فليس له طبٌّ غير الاسـتئصال!
                          كيـف لا؟! وهدفها المعلَن هو التشكيك ببعض المسلَّمات والثوابت الدينية بحجّة اختلافها وتعارضها.. ويأتي في مقدّمة تلكم المسلَّمات والثوابت مسألة الاعتقاد بظهور الاِمام المهديّ عليه السلام في آخر الزمـان.
                          نعم، لقد تعرّض لهذه المسألة بالنقد مفتقرو المعايير العلمية لنقد الحديث، وتأثّر بعضهم بمنهج البحث الاسـتشراقي إزاء قضايانا الاِسلامية، حتّى أطلق ـ تبعاً لجولدزيهر، وفلوتن، وولهوسن، وغيرهم ـ خرافة فكرة الاِمام المهديّ وأُسطوريّتها!!
                          وهكذا طعنوا إسلامهم في الصميم، ولم يلتفتوا إلى أنّ الاَُسطورة التي بسطت وجودها بهذا الشكل في تراثنا الاِسلامي، ومدّت خيوطها في سائر العصور الاِسلامية، وانتشر الاِيمان بها في كلّ جيل؛ لا شكّ أنّها سلبت عقول فحول علماء المسلمين، وصنعت لاَجيالهم تاريخاً عقائدياً مزيّفاً، وتلك هي الطامّة الكبرى والكارثة العظمى!
                          كيـف لا؟! وفي تاريخ المسلمين أُسطورة قد أجمعوا على صحّتها!!
                          هذا، مع أنّ التاريخ لا يعرف أُمّة خلقت تاريخَها أُسطورةٌ، فضلاً عن كون أُمّة محمّـد صلى الله عليه وآله وسلم هي من أرقى أُمم العالم حضارة باعتراف المسـتشرقين أنفسهم، ناهيك عن دور القرآن الكريم والسُـنّة المطهّرة في تهذيب نفوس


                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 5 )
                          المسلمين، ومحاربة البدع والخرافات والاَساطير التي كانت سائدة في مجتمع ما قبل الرسالة السماوية الخالدة.
                          ومن هنا، وانطلاقاً من رصد المشاكل الثقافية المهمّة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بواقع النقد وُلِدَ هذا البحث، ليكون مساهمة متواضعة بحاجة إلى النقد العلمي البنّاء، والاِضاءة، والتطوير، لعلّه يؤدّي إلى فهم إسلامي مشترك، ويغلق منافذ التشكيك بواحدة من مهمّات قضايانا الاِسلامية، وهي قضية ظهور الاِمام المهديّ عليه السلام في آخر الزمان، وعلى طبق ما أخبرت به السُـنّة النبويّة المطهّرة(*).
                          وسوف أستهلّ البحث بإثبات تواتر أحاديث المهديّ، ذاكراً مَن أخرجها من الاَئمّة الحفّاظ، ومَن أُسندت إليه، ومَن قال بصحّتها أو اعترف بتواترها على نحو الاِيجاز والاختصار، ومِن ثمّ إخضاع ما وقفت عليه من الاَحاديث المختلفة والمتعارضة بهذا الشأن إلى الدراسة والنقد وعلى ضوء ما تعارف عليه أهل الفنّ من الفريقين، راجياً من السادة العلماء، والمشايخ الاَجـلاّء، والباحثين الفضلاء التماس العذر لي على ما يرونه من زلاّت وهفوات وهنات، وأن يغفروا لي ذلك، والله أَوْلى بالمغفرة.
                          وهو حسـبي.

                          ثامر هاشم حبيب العميدي
                          28 المحرّم الحرام 1416 هـ
                          قـم المشـَّرفـة









                          ____________
                          (*) راجع كتاب: «مقدّمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي» للدكتور حسن محمّـد وجيه، إصدار سلسلة عالم المعرفة، رقم 190، الكويت 1415 هـ، فستجد فيه نماذج راقية من أدب الحوار الهادف الذي يمكن توظيفه لخدمة الاَعمال النقدية؛ والحقّ، أنّي استفدت هنا من بعض أفكاره.

                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 6 )


                          تواتر أحاديث المهديّ عليه السلام

                          إنّ المشهور شهرة واسعة بين جميع المسلمين، وعلى مرّ الاَعصار أنّه لا بُـدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيّد الدين ويظهر العدل، وينشر الاِسلام في بقاع العالم كلّه، ويسمّى بالاِمام المهديّ.
                          هذا باعتراف ابن خلدون (ت 808 هـ) الذي حاول مناقشة أحاديث المهديّ وتضعيفها، مع تصريحه بصحّة بعضها كما نشير إليه في محلّه.
                          والحقّ أنّ دليل المسلمين على ذلك هو تواتر أحاديث المهديّ والجزم بصحّتها، وليس شهرتها، فقد أخرجها في ما وقفت عليه ببحث مستقلّ جماعة كثيرة من أئمّة الحفّاظ، وأسندوها إلى عدد وافر من الصحابة، واليك الاِشارة السريعة إلى كلّ هذا، فنقـول:
                          أخرج أحاديث الاِمام المهديّ عليه السلام ابن سعد (ت 230 هـ)، وابن أبي شـيبة (ت 235 هـ)، والاِمام أحمـد بن حنبـل (ت 241 هـ)، وأبو بكر الاِسكافي (ت 260 هـ)، وابن ماجة (ت 273 هـ)، وأبو داود (ت 275 هـ)، وابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ)، والترمذي (ت 279 هـ)، والبزّار (ت 292 هـ)، وأبو يعلى الموصلي (ت 307 هـ)، والطبري (ت 310 هـ)، والعقيلي (ت 322 هـ)، ونعيم بن حمّاد (ت 328 هـ)، وابن حبّان البستي (ت 354 هـ)، والمقدسي (ت 355 هـ)، والطبراني (ت 360 هـ)، وأبو الحسن الآبري (ت 363 هـ)، والدارقطني (ت 385 هـ)، والخطّابي (ت 388 هـ)، والحاكم النيسابوري (ت 405 هـ)، وأبو نعيم الاَصبهاني (ت 430 هـ)، وأبو عمرو الداني (ت 444 هـ)، والبيهقي (ت 458 هـ)، والخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، وابن عبـد البرّ المالكي (ت 463 هـ)، والديلمي (ت


                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 7 )
                          509 هـ)، والبغوي (ت 510 أو 516 هـ)، والقاضي عياض (ت 544 هـ)، والخوارزمي الحنفي (ت 568 هـ)، وابن عساكر (ت 571 هـ)، وابن الجوزي (ت 597 هـ)، وابن الجزري (ت 606 هـ)، وابن العربي (ت 638 هـ)، ومحمّـد بن طلحة الشافعي (ت 652 هـ)، والعلاّمة سبط ابن الجوزي (ت 654 هـ)، وابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (ت 655 هـ)، والمنذري (ت 656 هـ)، والكنجي الشافعي (ت 658 هـ)، والقرطبي المالكي (ت 671 هـ)، وابن خلّـكان (ت 681 هـ)، ومحبّ الدين الطبري (ت 694 هـ)، وابن تيميّة (ت 728 هـ)، والجويني الشافعي (ت 730 هـ)، وعلاء الدين بن بلبان (ت 739 هـ)، ووليّ الدين التبريزي (المتوفّى بعد سنة 741 هـ)، والمزّي (ت 742 هـ)، والذهبي (ت 748 هـ)، وسراج الدين ابن الوردي (ت 749 هـ)، والزرندي الحنفي (ت 750 هـ)، وابن قيّم الجوزية (ت 751 هـ)، وابن كثير (ت 774 هـ)، وسعد الدين التفتازاني (ت 793 هـ)، ونور الدين الهيثمي (ت 807 هـ).


                          أقـول:
                          ذكرنا هؤلاء الاَئمّة الحفّاظ إلى عصر المؤرّخ ابن خلدون (ت 808 هـ) الذي تناول أحاديث المهديّ بالدراسة والنقد، وضعّفها مصرّحاً بصحّة القليل منها مع أنّه لم يتناول من تلك الاَحاديث إلاّ القليل جدّاً؛ لكي يعلم عدم وجود الموافق لابن خلدون، لا قبله، ولا بعده أيضاً، إلاّ شرذمة قليلة ممّن راقها زبرج الثقافة الاستشراقية(1).
                          هذا، وقد أسند مَن ذكرنا أحاديثَ الاِمام المهديّ عليه السلام إلى الكثير من
                          ____________
                          (1) ناقشنا هؤلاء في كتابنا: دفاع عن الكافي 1|167 ـ 611، فراجع.



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 8 )
                          الصحابة، وأضعافهم من التابعين، وسنذكر بعض من وقفنا عليه منهم بحسب وفياتهم مبتدئين بـ:
                          فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ت 11 هـ)، ومعاذ بن جبل (ت 18 هـ)، وقتادة بن النعمان (ت 23 هـ)، وعمر بن الخطّاب (ت 23 هـ)، وأبي ذرّ الغفاري (ت 32 هـ)، وعبـد الرحمن بن عوف (ت 32 هـ)، وعبـدالله بن مسعود (ت 32 هـ)، والعبّاس بن عبـد المطلب (ت 32 هـ)، وكعب الاَحبار (ت 32 هـ)، وعثمان بن عفّان (ت 35 هـ)، وسلمان الفارسي (ت 36 هـ)، وطلحة بن عبـدالله (ت 36 هـ)، وعمّار بن ياسر (ت 37 هـ)، والاِمام عليّ عليه السلام (ت 40 هـ)، وتميم الداري (ت 40 هـ)، وزيد بن ثابت (ت 45 هـ)، وحفصة بنت عمر بن الخطّاب (ت 45 هـ)، والاِمام الحسن السبط عليه السلام (ت 50 هـ)، وعبـد الرحمن بن سمرة (ت 50 هـ)، ومجمع بن جارية (ت نحو 50 هـ)، وعمران بن حصين (ت 52 هـ)، وأبي أيّوب الاَنصاري (ت 52 هـ)، وعائشة بنت أبي بكر (ت 58 هـ)، وأبي هريرة (ت 59 هـ)، والاِمام الحسـين السبط الشهيد عليه السلام (ت 61 هـ)، وأُمّ سلمة (ت 62 هـ)، وعبـدالله بن عمر بن الخطّاب (ت 65 هـ)، وعبـدالله بن عمرو بن العاص (ت 65 هـ)، وعبـدالله بن عبّاس (ت 68 هـ)، وزيد بن أرقم (ت 68 هـ)، وعوف بن مالك (ت 73 هـ)، وأبي سعيد الخدري (ت 74 هـ)، وجابر بن سمرة (ت 74 هـ)، وجابر بن عبـدالله الاَنصاري (ت 78 هـ)، وعبـدالله بن جعفر الطيّار (ت 80 هـ)، وأبي أُمامة الباهلي (ت 81 هـ)، وبشر ابن المنذر بن الجارود (ت 83 هـ ـ وقيل: جدّه الجارود بن عمرو، ت 20 هـ ـ)، وعبـدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي (ت 86 هـ)، وسهل بن سعد الساعدي (ت 91 هـ)، وأنس بن مالك (ت 93 هـ)، وأبي الطفيل (ت 100 هـ)، وشهر بن حوشب (ت 100 هـ).



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 9 )
                          إلى غير هؤلاء ممّن لم أقف على تاريخ وفياتهم، كأُمّ حبيبة، وأبي الجحّاف، وأبي سلمى راعي إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبي ليلى، وأبي وائل، وحذيفة بن أُسيد، وحذيفة بن اليمان، والحرث بن الربيع أبي قتادة، وزرّ بن عبـدالله، وزرارة بن عبـدالله، وعبـدالله بن أبي أوفى، والعلاء، وعلقمة بن عبـدالله، وعلي الهلالي، وقرّة بن أياس.
                          ولا بأس هنا بإطلالة واحدة على حديث صحابيٍّ واحد فقط ممّن ذكرنا من أسماء الصحابة الّذين أُسندت إليهم أحاديث المهديّ؛ لتتبيّن طرقه وتفرّعاتها في كلّ طبقة من طبقات الرواة، مع كثرة من أخرجه من الاَئمّة الحفّاظ، وهو حديث أبي سعيد الخدري، وقس عليه أحاديث بقيّة الصحابة، التي تعرّض لبعضها أبو الفيض الغماري بتفصيل رائع، وإليك نصّ ما قاله عن الحديث الذي اخترناه.
                          قال: «أمّا حديث أبي سعيد الخدري: فورد عنه من طريق:
                          أبي نظرة،
                          وأبي الصديق الناجي،
                          والحسن بن يزيد السعدي.
                          أمّا طريق أبي نظرة: فأخرجه أبو داود، والحاكم كلاهما من رواية عمران القطّان، عنه.
                          وأخرجه مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن زيد، ومن رواية داود ابن أبي هند كلاهما، عنه. لكن وقع في صحيح مسلم ذِكره بالوصف لا بالاسم كما سيأتي.
                          وأمّا طريق أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد: فأخرجه عبـد الرزّاق، والحاكم من رواية معاوية بن قرّة، عنه.
                          وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من رواية زيد العمّي،


                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 10 )
                          عنـه.
                          وأخرجه أحمد والحاكم من رواية عوف بن أبي جميلة الاَعرابي، عنه.
                          وأخرجه الحاكم من رواية سليمان بن عبيد، عنه.
                          وأخرجه أحمد والحاكم من رواية مطر بن طهمان وأبي هارون العبدي كلاهما، عنه.
                          وأخرجه أحمد أيضاً من رواية مطر بن طهمان وحده، عنه.
                          وأخرجه أيضاً من رواية العلاء بن بشير المزني، عنه.
                          وأخرجه أيضاً من رواية مطرف، عنه.
                          وأمّا طريق الحسن بن يزيد: فأخرجه الطبراني في الاَوسط من رواية أبي واصل عبـد بن حميد، عن أبي الصدّيق الناجي، عنه. وهو من رواية المزيد في متّصل الاَسانيد»(2).
                          وإذا ما نظرنا إلى أحاديث بقيّة الصحابة بهذه الصورة اتّضح لنا أنّ أحاديث المهديّ لا شبهة ولا إشكال في تواترها عند أهل السُـنّة، وقد صرّح بهذا الكثير من أعلامهم كما سيأتي.
                          وأمّا ما يتعلّق بالشيعة الاِمامية، فهو لا يكاد يخفى على أحد أنّ الاِيمان بظهور الاِمام المهديّ عندهم أصل من أُصول الاعتقاد، ومن البداهة أنّ المسائل الاعتقادية الصحيحة لا تثـبت بدون تواترها، ولهذا فالاِطالة في إيراد مَن أخرج أحاديث المهديّ منهم مع بيان طرقهم إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيتـه عليهم السلام وصحابته الاَجلاّء رضي الله تعالى عنهم هي إطالة في الواضحات. مع أنّ البحث هو عن نقدِ وتحليلِ التعارض والاختلاف في أحاديث المهديّ عند الفريقين، إلاّ أنّ التمهيد لهذا البحث بما ذكرناه، مع بيان رأي علماء
                          ____________
                          (2) إبراز الوهم المكنون: 438.



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 11 )
                          الحديث والنقّاد والحفّاظ المهرة من أهل السُـنّة بهذه الرسالة بالذات، وكشف موقفهم منها ومن أحاديثها، يعطي للبحث طابعه الاِسلامي العامّ ويبعده عن أيّ إطار مذهبي خاصّ.
                          ولمّا كان تصريحهم بصحّة أحاديث الاِمام المهديّ عليه السلام ، مع قول الكثير منهم بتواترها، وإفتاء الفقهاء على المذاهب الاَربعة بضرورة تأديب منكِرها، وإرغامه على الرجوع إلى الحقّ باسـتتابته، فإنْ رجع فهو، وإلاّ أُهدر دمه شرعاً؛ لاَنّه استخفّ بالسُـنّة المطهّرة على حدّ تعبيرهم، ممّا لا يسعه صدر البحث؛ لذا سـنشير إجمالاً إلى بعض من صرّح بصحّة أحاديث الاِمام المهديّ أو صرّح منهم بتواترها، مكتفين ببيان اسمه وكتابه وتعيين موضع التصريح وعلى النحو الآتي:
                          الترمذي (ت 297 هـ) في سننه(3)، والعقيلي (ت322 هـ) في الضعفاء الكبير(4)، والبربهاري (ت 329 هـ) كما في الاحتجاج بالاَثر(5)، ومحمّـد بن الحسين الآبري (ت 363 هـ) صرّح بتواتر أحاديث المهديّ كما في تذكرة القرطبي(6)، والحاكم (ت 405هـ)(7)، والبيهقي (ت 458 هـ) كما في منار ابن القيّم(8)، والبغوي (ت510 أو 516 هـ)(9)، وابن الاَثير (ت 606 هـ)(10)،
                          ____________
                          (3) سنن الترمذي 4|505 ـ 506 ح 2230 ـ 2233.
                          (4) الضعفاء الكبير 3|253 ح 1257.
                          (5) الاحتجاج بالاَثر على من أنكر المهديّ المنتظر: 28.
                          (6) التذكرة: 701، وقد نقل القول بتواتر أحاديث المهديّ عن الآبري وارتضاه.
                          (7) مستدرك الحاكم 4|429 و 450 و 457 و 464 و 465 و 502 و 520 و 553 و 554 و 557 و 558.
                          (8) المنار المنيف: 130 ح 225، وانظر: الاعتقاد ـ للبيهقي ـ: 127.
                          (9) مصابيح السُـنّة: 488 ح 4199، وص 492 ـ 493 ح 4210 و 4211 و 4212 و 4213 و 4215.
                          (10) النهاية في غريب الحديث 1|290، 2|172 و 325 و 386، 4|33، 5|254.
                          .254/5/


                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 12 )
                          والقرطبي المالكي (ت 671 هـ)(11)، وابن منظور (ت 711 هـ)(12)، وابن تيميّـة (ت 728 هـ)(13)، والمـزّي (ت742 هـ)(14)، والذهـبي (ت 748 هـ)(15)، وابن القيّم (ت 751 هـ)(16)، وابن كثير (ت 774 هـ)(17)، والتفتازاني (ت 793 هـ)(18)، ونور الدين الهيثمي (ت807هـ)(19)، وابن خلدون (ت 808 هـ) اعترف بصحّة بعض أحاديث المهديّ(20)، والجزري الشافعي (ت 833 هـ)(21)، وأحمد بن أبي بكر البوصيري (ت 840 هـ)(22)، وابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)(23)، وشمس الدين السخاوي (ت 902 هـ)(24)، والسيوطي (ت 911 هـ)(25)، والشعراني (ت
                          ____________
                          (11) التذكرة: 701 و 704.
                          (12) لسان العرب 15|59 مادّة «هَدِيَ».
                          (13) منهاج السُـنّة 4|211.
                          (14) تهذيب الكمال 25|146 ـ 149 رقم 5181 في ترجمة محمّـد بن خالد الجنـدي.
                          (15) تلخيص المستدرك 4|553 و 558.
                          (16) المنار المنيف: 130 ـ 133 ح 326 و 327 و 329 و 331، و ص 135.
                          (17) النهاية في الفتن والملاحم 1|55 و 56.
                          (18) شرح المقاصد 5|312، وشرح عقائد النسفي: 169.
                          (19) مجمع الزوائد 7|313 ـ 317.
                          (20) تاريخ ابن خلدون 1|564 و 565 و 568، الفصل 52.
                          (21) أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب: 163 ـ 168.
                          (22) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة 3|263 رقم 1442.
                          (23) تهذيب التهذيب 9|125 رقم 201 في ترجمة محمّـد بن خالد الجندي، وفتح الباري 6|385.
                          (24) كما في: نظم المتناثر من الحديث المتواتر ـ للكتّاني ـ: 226 رقم 289، حكى عنه القول بتواتر أحاديث المهديّ.
                          (25) الجامع الصغير 2|672 ح 9241 و 9243 و 9244 و 9245، و 2|438 ح 7489، وحكى عنه البلبيسي في العطر الوردي: 45 أنّه قال بتواترها في بعض 7489، وحكى عنه البلبيسي في العطر الوردي: 45 أنّه قال بتواترها في بعض كتبه.
                          .


                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 13 )
                          973 هـ)(26)، وابن حجر الهيتمي (ت974 هـ)(27)، والمتّقي الهندي (ت 975 هـ) وفي كتابه «البرهان» بيانٌ لاَربع فتاوىً لفقهاء المذاهب الاِسلامية بشأن من أنكر ظهور المهديّ في آخر الزمان وكذّب بالاَحاديث الواردة في هذا الشأن(28)، والشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي (ت 1033 هـ)(29)‌، والبرزنجي (ت 1103هـ)، والزرقاني المالكي(ت (30)(31)، والشيخ محمّـد بن قاسم بن محمّـد جسوس المالكي (ت 1182 هـ)(32)، وأبو العلاء العراقي (ت 1183 هـ)(33)، والسفاريني الحنبلي (ت 1188 هـ)(34)، والزبيدي الحنفي (ت 1205 هـ)(35)، والشيخ الصبّان (ت 1206 هـ)(36)، والسويدي (ت 1246 هـ)(37)، والشوكاني الزيدي (ت 1250 هـ)(38)، والشبلنجي (ت 1291هـ)(39)، وأحمد زيني دحـلان
                          ____________
                          (26) اليواقيت والجواهر 2|143.
                          (27) الصواعق المحرقة: 162 ـ 167.
                          (28) البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 177 ـ 183.
                          (29) راجع: الاِمام المهديّ عليه السلام عند أهل السُـنّة 2|23.
                          (30) الاِشاعة لاَشراط الساعة: 87، وهو من القائلين بالتواتر.
                          (31) كما في: إبراز الوهم المكنون: 434.
                          (32) كما في: نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 226 ح 289.
                          (33) كما في: نظم المتناثر ـ أيضاً ـ: 226 ح 289.
                          (34) راجع: الاِمام المهديّ عليه السلام عند أهل السُـنّة 2|20.
                          (35) تاج العروس 10|408 ـ 409 مادّة «هَدَى».
                          (36) إسعاف الراغبين: 145 و 147 و 152 مصرّحاً بتواتر أحاديث المهديّ عليه السلام .
                          (37) سبائك الذهب: 346.
                          (38) كما في: الاِذاعة: 125 و 126، وهو من القائلين بتواتر أحاديث الاِمام المهديّ عليه السلام.
                          (39) نور الاَبصار: 187 و 189، وهو من القائلين بالتواتر.



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 14 )
                          مفتي الشـافعية (ت 1304 هـ)(40)، والقنوچي البخـاري (ت 1307 هـ)(41)، وشهاب الدين الحلواني المصري الشافعي (ت 1308 هـ)(42)، والبلبيسي الشافعي (المتوفّى في بداية القرن الرابع الهجري)(43)، والآلوسي الحنفي أبو البركات (ت 1317 هـ)(44)، وأبو الطيّب الآبادي (ت 1329 هـ)(45)، والكتّاني المالكي (ت1345 هـ) وقد نقل القول بتواتر أحاديث المهديّ عن جمع من الحفّاظ(46)، والمباركفوري (ت 1353هـ)(47)، والشيخ منصور علي ناصف (المتوفّى بعد سنة 1371 هـ)(48)، والشيخ محمّـد الخضر حسين المصري (ت 1377 هـ)(49)، وأبو الفيض الغماري الشافعي (ت1380 هـ) الذي أثبت تواتر أحاديث المهديّ بأوضح الاَدلّة وأقواها(50)، والشيخ محمّـد بن عبـد العزيز المانع (ت 1385 هـ)(51)، والشيخ محمّـد فؤاد
                          ____________
                          (40) الفتوحات الاِسلامية 2|211، وهو من القائلين بالتواتر.
                          (41) الاِذاعة: 112 و 114 و 128، وقد صرّح بتواتر أحاديث المهديّ، ونقل عن الاَئمّة الحفّاظ القول بتواترها، فراجع.
                          (42) القطر الشهدي في أوصاف المهديّ: 68.
                          (43) العطر الوردي: 44 و 45.
                          (44) غالية المواعظ: 76 ـ 77.
                          (45) عون المعبود شرح سنن أبي داود 11|361.
                          (46) نظم المتناثر: 225 ـ 228 ح 289.
                          (47) تحفة الاحوذي : في شرح الحديث رقم 2331، باب ما جاء في المهديّ.
                          (48) التاج الجامع للاَُصول 5|341.
                          (49) نظرة في أحاديث المهديّ ـ مقال نشرته مجلّة «التمدن» لسنة 1370 هـ للشيخ المذكور، في ص 831.
                          (50) إبراز الوهم المكنون: 443 وما بعدها، والمهديّ المنتظر: 5 ـ 8، وكلاهما لاَبي الفيض.
                          (51) كما في: الاحتجاج بالاَثر: 299.



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 15 )
                          عبـد الباقي (ت 1388 هـ)(52).
                          إلى غيرهم من عشرات العلماء المعاصرين ممّن لهم خبرة واسعة في علوم الحديث رواية ودراية، كالمودودي في البيانات: 166، والاَلباني في مقال حول المهديّ: 644 منشور في مجلّة التمدّن الاِسلامي لسنة 1371 هـ العدد 22، والشيخ صفاء الدين كما في مجلّة التربية الاِسلامية العراقية السـنة 14 العدد 7 ص 30، والشيخ عبـد المحسن العبّاد في محاضرته عن الاِمام المهديّ منشورة في مجلّة الجامعة الاِسلامية بالمدينة المنوّرة لسنة 1388 هـ، وله محاضرة أُخرى نشرتها المجلّة نفسها سنة 1400 هـ حول الردّ على من كذّب بالاَحاديث الصحيحة الواردة في المهديّ، والشيخ التويجري في كتابه «الاحتجاج بالاَثر على من أنكر المهديّ المنتظر»، والشيخ ابن باز كما في تصديره لكتاب «الاحتجاج بالاَثر» المتقدّم، وتعقيبه على محاضرة الشيخ عبـد المحسن العبّاد، وغيرهم.
                          فاتّفاق أهل السُـنّة مع الشيعة الاِمامية بشأن صحّة أحاديث المهديّ وتواترها ممّا لا مجال لاِنكاره، واتّفاقهم على أنّ الموعود بظهوره في لسان الاَحاديث اسمه (محمّـد) ولقبه (المهديّ) ممّا لا شكّ فيه؛ لشهادة جميع من ذكرنا بذلك مع صراحة الاَحاديث به أيضاً من طرق الفريقين.
                          إذن، فما هو الاختلاف أو التعارض في تلك الاَحاديث الذي حمل البعض على القول بأُسطورية الفكرة وخرافتها؟!
                          وهل إنّ التعارض والاختلاف بين تلك الاَحاديث تعارض واختلاف حقيقي لا يمكن إزالته بحال من الاَحوال بحيث يؤدي إلى تهافت الاَحاديث وتساقطها برمّتها، أم إنّه بَدويّ في بعض، ولا أصل له في بعض آخر؟

                          ____________
                          (52) كما في محاضرة الشيخ العبّاد «عقيدة أهل السُـنّة والاَثر في المهديّ المنتظر» نشرت في العدد 46 من مجلّة الجامعة الاِسلامية السعودية لسنة 1400 هـ.



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 16 )
                          ثمّ ما هو الميزان الذي يحتكم إليه في معرفة التعارض والاختلاف الحاصلَين في أحاديث المهديّ؟
                          وهل تنسجم دعوى صحّة تلكم الاَحاديث وتواترها مع دعوى اختلافها وتعارضها؟
                          إنّها أسئلة ملحّة وكثيرة، وجوابها منوط بتقسيم أحاديث المهديّ إلى طوائف، لكي يتّضح من سير البحث ما اختلف منها، وما ائتلف، وما وُضِع، أو شذّ أو ضعف بحيث لا يمكن عدّه معارضاً أو مخالفاً للصحيح الثابت باعتراف علماء الفريقين.



                          * * *



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 17 )



                          اختلاف الاَحاديث في نسب الاِمام المهديّ عليه السلام


                          اختلفت الاَحاديث الواردة بكتب الفريقين اختلافاً ظاهرياً في بيان نسب الاِمام المهـديّ عليه السلام ، ولكن لا يعـني هذا الاختـلاف ـ مع لحـاظ التقيـيد والاِطلاق ـ عدم الائتلاف فيما بينها، إذ بالاِمكان الجمع بينها بأحد الوجوه المنصوص عليها في باب تعارض الخبرين إذا سلمت أسانيدها من كلّ طعن وشين، وتعادلت كفّتها مع الاَحاديث الاَُخرى المصرّحة بأنّه من وُلْد الاِمام الحسـين عليه السلام .
                          * والملاحـظ على الاَحاديث المبيّنة لنسـب الاِمام المهديّ أنّها تكاد تنحصر ـ من حيث الصحّة ـ بأنّه قرشيٌّ، هاشميٌّ، علويٌّ، حسينيٌّ، مع تفريعات أُخرى لا تحمل تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً يذكر، إذ نصَّ بعضها على أنّه من قريش.
                          وبعضها على أنّه من بني هاشم.
                          وبعض آخر على أنّه من أولاد عبـد المطّلب.
                          وهذه الطوائف الثلاث لا اختلاف بينها ولا تعارض أصلاً؛ لاَنّ أولاد عبـد المطّلب هم من بني هاشم، وبنو هاشم من قريش، و كلّ واحد من أولاد عبـد المطّلب له أْن يقول: أنا هاشميٌّ قرشيّ.
                          ولمّا كانت قبيلة قريش ينتسب إليها الهاشميّون وغيرهم، وبنو هاشم أنفسهم كثرٌ، فيكون ذِكر كون المهديّ من أولاد عبـد المطّلب مقيّداً لِما قبله من إطلاق، والمطلق يحمل على المقيّد بالاتّفاق، فالنتيجة إذاً: إنّه من أولاد عبـد المطّلب.
                          * وبعضها نصَّ على أنّه من أولاد أبي طالب.



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 18 )
                          وفي بعض آخر أنّه من أولاد العبّاس.
                          وظاهر أحاديث الطائفتين التعارض والاختلاف، اللّهمّ إلاّ أنْ يقال ـ من باب التسليم بصحّة أحاديث الطائفتين ـ: إنّ أُمّ المهديّ عبّاسيّة، وأباه من أولاد أبي طالب، وبهذا يرتفع التعارض والاختلاف.
                          ولكن سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ وبشكل مفصّل أنّ جميع أحاديث كون المهديّ من وُلْد العبّاس إمّا ضعيفة أو موضوعة، بما لا نحتاج معها إلى عملية الجمع المتقدّمة؛ لاَنّها جمع بين الضعيف أو الموضوع من جهة، وبين الصحيح الثابت من جهة أُخرى، وعلى هذا فيبقى المهديّ من أولاد أبي طالب ـ في هذه الطائفة ـ بلا معارض.
                          * وفي طائفة أُخرى من الاَحاديث التصريح بأنّه من آل محمّـد صلى الله عليه وآله وسلم .
                          وفي طائفة أيضاً أنّه من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
                          وفي أُخرى أنّه من عترة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
                          وفي هذه الطوائف الثلاث لا يوجد أدنى تعارض أو اختلاف، لاَنّ (الآل) و (العترة) هم (الاَهل) كما صرّح به أقطاب اللغة.
                          قال ابن منظور: «وآل الله، وآل رسوله، أولياؤه، أصلها (أهل) ثمّ أُبدلت الهاء همزة، فصارت في التقدير (أأل)، فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً»(53).
                          كما صرّح في لسان العرب بأنّ (العترة) هم (أهل البيت) مستدلاًّ بحديث: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» قال: «فجعل العترة أهل البيت»(54).

                          ____________
                          (53) لسان العرب 1|253 مادّة «أهل».
                          (54) لسان العرب 9|34 مادّة «عتر».



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 19 )
                          وإذا علمنا بأنّ عليّـاً أمير المؤمنين عليه السلام هو من أهل البيت بالاتّفاق، ويؤيّده حديث الكساء المشهور عند سائر المحدِّثين: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي» تبيّن لنا وبوضوح كيف أنّ الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع النقاط على الحروف في تشخيص نسـب المهديّ كما صرّحت به طائفة جديدة من الاَحـاديث.
                          ومفاد هذه الطائفة، أنّه من أولاد عليٍّ عليه السلام .
                          ولمّا كان أمير المؤمنين عليه السلام قد أعقب من سيّدة النساء سبطي هذه الاَُمّة، كما أعقب من غيرها بعد وفاتها عليها السلام ذكوراً، لذا جاءت طائفة أُخرى من الاَحاديث لتبيّن للناس جميعاً أنّ المهديّ الموعود به في آخر الزمان إنّما هو من أولاد سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام .
                          ولا شـكّ في أنّ الاَحـاديث التي تنصّ على كونه من أولاد فاطمـة الزهراء عليها السلام تقيِّد ما قبلها جميعاً، فتحمل عليها(55).
                          وقد جُمعت هذه الطوائف من الاَحاديث في حديث واحد وهو الحديث المرويّ عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: «المهديّ حقٌّ هو؟ قال: نعم، قال: قلت: ممّن هو؟ قال: من قريش، قلت: من أيّ قريش؟ قال: من بني هاشم، قلت: من أيّ بني هاشم؟ قال: من بني عبـد المطّلب، قلت: من أيّ بني عبـد المطلب؟ قال: من وُلْد فاطمة»(56).
                          وقد أخرج هذا الحديث ابن المنادي، عن سعيد بن المسيّب مسنداً إلى أُمّ سلمة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، باختلاف يسير(57).

                          ____________
                          (55) في انتظار الاِمام: 17.
                          (56) الفتن لابن حمّاد ـ: 101، نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1|154 رقم 81.
                          (57) الملاحم والفتن ـ لابن المنادي ـ: 41، نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1|154 رقم 81.
                          1|154 رقم 81.



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 20 )
                          وفي فتن زكريّا ـ على ما في ملاحم ابن طاووس ـ رواه مسنداً عن ابن المسيّب(58).
                          ورواه في «عقد الدرر» كما في رواية ابن المنادي، ثمّ قال: «أخرجه الاِمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي، وأخرجه الاِمام أبو عبـدالله نعيم ابن حمّـاد(59).
                          هـذا، وقد أخرج الحديث غير أُولئك أيضاً(60).
                          على أنّ حديث: «المهديّ حقٌّ، وهو من وُلْد فاطمة» قد سُجِّل في أربعة وثمانين مصدراً مهمّاً من مصادر الفريقين، أمّا مصادر أهل السُـنّة وحدهم فقد وصلت إلى ستّة وخمسين مصدراً، وما تبقّى من العدد المذكور فهو من مصادر الشيعة الاِمامية، كما هو مفصّل في معجم أحاديث الاِمام المهديّ عليه السلام (61).
                          وقد لفت نظري أنّ أربعة من علماء أهل السُـنّة الّذين أخرجوا الحديث الشريف، قد أشاروا صراحة إلى وجوده في صحيح الاِمام مسلم، وهم:
                          1 ـ ابن حجر الهيتمي (ت 974 هـ) في الصواعق المحرقة، الباب 11، ص 163.
                          2 ـ المتّقي الهندي (ت 975 هـ) في كنز العمّال 14|264 ح 38662.
                          3 ـ الشيخ محمّـد بن علي الصبّان (ت 1206 هـ) في إسعاف الراغبين،
                          ____________
                          (58) الملاحم ـ لابن طاووس ـ: 164 باب 19.
                          (59) عقد الدرر: 23 باب 1.
                          (60) راجع: الحاوي للفتاوي 2|74، والبرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 95 رقم 20 باب 2.
                          (61) معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1|136 رقم 74.



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 21 )
                          ص 145.
                          4 ـ الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي (ت 1303 هـ) في مشارق الاَنوار، ص 112.
                          وللاَسف الشديد أنّي لم أعثر على هذا الحديث في صحيح مسلم بثلاث طبعات!
                          ولا بأس هنا أْن نسجّل بعض من صرّح بصحّـته:
                          منهم: البغوي في «مصابيح السُـنّة» حيث عدّه في فصل الحسان(62)، وصحّحه القرطبي المالكي في التذكرة(63) نقلاً عن الحاكم النيسابوري، وكذلك السيوطي في الحاوي للفتاوى(64)، والجامع الصغير(65).
                          ومنهم من احتجّ به وقال بصحّته، كابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة» الفصل الاَوّل من الباب الحادي عشر(66).
                          ومنهم من قال بتواتره صراحة، كالبرزنجي في «الاِشاعة» قال: «أحاديث وجود المهديّ، وخروجه آخر الزمان، وأنّه من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من وُلْد فاطمة عليها السلام ، بلغت حدّ التواتر»(67).
                          ومنهم من قطع بصحّته، كالشيخ أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية، قال: «المقطوع به أنّه لا بُـدّ من ظهوره وأنّه من وُلْد فاطمة»(68).
                          وقال الشيخ الصبّان في بيان المزايا التي اختصّ بها أهل البيت عليهم السلام
                          ____________
                          (62) مصابيح السُـنّة: 492 رقم 4211.
                          (63) التذكرة: 701.
                          (64) الحاوي للفتاوي 2|85.
                          (65) الجامع الصغير 2|672 رقم 9241.
                          (66) الصواعق المحرقة: 162 و 165 و 166.
                          (67) الاِشاعة في أشراط الساعة: 87.
                          (68) الفتوحات الاِسلامية 2|211.



                          --------------------------------------------------------------------------------

                          ( 22 )
                          ـ وقد ذكر الكثير منها ـ: «ومنها: أنّ منهم مهديّ آخر الزمان، وأخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والبيهقي، وآخرون: (المهديّ من عترتي من وُلْد فاطمة)»(69).
                          فالنتيجة المتّفق عليها بين أهل السُـنّة والشيعة الاِمامية ـ إلى هنا ـ هو كون الاِمام المهديّ عليه السلام من وُلْد فاطمة الزهراء عليها السلام .
                          إذن فلنضع أيدينا على هذه النتيجة المهمّة، ثمّ ندعها قليلاً ونعود إليها ريثما يتمّ الفراغ من مناقشة بعض طوائف أحاديث المهديّ الاَُخرى، وعلى النحو التالي:

                          ____________
                          (69) إسعاف الراغبين: 45.

                          تعليق


                          • الاخ عبد الله ابو فيصل للعلم فقط
                            ان الله سبحانه وتعالى قد اعمى اعداء الامام المهدي عنه لغرض تخليصه منهم تحت ستار عدم التصديق به وان الله سبحانه وتعالى يجعل الامور تسير وفق القوانين الطبيعيه
                            والامثله كثيره
                            لذلك انا لم استغرب من عدم تصديق فكرة الامام المهدي من قبل اللللللللللللللللل

                            تعليق


                            • أبا صالحٍ حاشاك تنسى

                              دعاني.. فوَجْدي لا يُسلّيهِ لأئمُهْ ولكنْ عسى يَشفيه بالدمعِ ساجمُهْ
                              فما كلُّ خَطْبٍ يُحمَد الصبرُ عندَه ولا كلُّ وَجْدٍ يكسب الأجرَ كاتمُهْ
                              أراد ابنُ هندٍ ـ خابَ مَسعاه ـ أن يرى حسيناً بأيدي الضيمِ تُلوى شكائمُه
                              ولكنْ أبى المجدُ الـمؤثَّلُ والإبا له الذُّلَّ ثوباً، والـحـسامُ يُنادمُه
                              أبـوه عـلـيٌّ وابنةُ الطُّهْرِ أُمُّهُ و«طه» له جَدٌّ، وجبريلُ خادمُه

                              * * *

                              فصال عليهم صولةَ الليث مغضِباً وعسّالُه خصمُ النفوس، وصارمُهْ
                              فحكّم في أعناقِهم نـافـذَ القـضا صقيلاً.. فلا يستأنفُ الحكْمَ حاكمُه
                              إلى أنْ أعاد الدِّينَ غضّاً، ولم يكن بغير دماء السبطِ تُـسقـى معالمُه
                              ومِن دونِ ديـنِ اللهِ جــاد بنفسهِ وكلِّ نفيسٍ.. كـي تُـشـادَ دعائمُه

                              * * *

                              وليست دماءُ الـسِّبطِ تـهدأُ قبل أن يقومَ ـ بإذن الله ـ للثارِ «قائمُهْ»
                              أبا صالحٍ.. يا مُدرِكَ الثارِ كم ترى وغيظُك وارٍ، غيرَ أنّك كـاظـمُه!
                              وهل يملك الموتورُ صبراً وحولَه يروح ويغدو آمِنَ السَّرب غارُمه؟!
                              أتنسى أبيَّ الضيم في الطفِّ مفرَداً تحومُ عليه للوداعِ «فواطمُـه»؟!
                              أتنساهُ فوقَ التُّرب منفطِرَ الحـشا تَناهبُه سُمْرُ الرَّدى، وصوارُمـهْ؟!

                              تعليق


                              • بسم الله الرحمن الرحيم

                                ارى ياسيد هويدي انك مازلت مصرا على اغراق الموضوع باكوام من المنسوخات لاعلاقة لاغلبها بما وصلنا اليه في حوارنا

                                ان كان غرضك افساد الموضوع فاني اطالب المشرف بحذف ماتفضلت به
                                فاما ان تناقشنا بما عندك انت او دعنا نكمل حوارنا مع من يتحدث بعلمه وليس بالنسخ

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X