قالت آسية :
أنت امرأة قوية ويمكنك إرضاع الاثنين معاً . . سوف اقدّم لك مكافأة جيدة .
تظاهرت يوكابد بأنها ستوافق من أجل المكافأة . . وهكذا عاد موسى لأمّه مرّة أخرى ، وتحقق وعد الله .
وتضاعف إيمان أم موسى بأن الله سبحانه هو القادر على كل شيء وأنه لا يردّ قضاءه أحد .
ممفيس :
ممفيس [1] هي عاصمة الفراعنة في ذلك الزمان . . على شاطئ النيل وفي خارج هذه المدينة بنى الفرعون قصره الكبير في الشمال . .
قصر الفرعون في الضفة اليسرى من النيل ، وفي غرب المدينة وفي منطقة صحراوية جافّة بنى الفراعنة قبورهم وهي الأهرامات التي ما تزال قائمة حتى اليوم في منطقة الجيزة .
وأتم موسى فترة الرضاعة في أحضان أمه ، ثم انتقل بعدها ليعيش في قصر الفرعون في الشمال خارج المدينة .
وكبر موسى أصبح فتى رشيداً ، كان يرتدي زيّاً يشبه ما يرتديه النبلاء من الأقباط ، وكان الجميع ينظرون إليه ويحسبونه ابناً للفرعون .
ولكن موسى في حقيقته كان غير ذلك . . كان فتىً طيباً يحب الضعفاء ويعطف عليهم وكان يتألم في أعماقه من أجل الناس الفقراء والمقهورين ، ويرفض في قرارة نفسه تصرفات الفرعون .
وكبر موسى ونما عقله أصبح شاباً مفتول العضلات قوّياً يهابه الجميع .
غير أن موسى لم يغتر بقوّته أبداً . . كان يزداد تواضعاً وكان ينظر إلى إدّعاء فرعون بأنه إله الشعب افتراءً على الحقيقة لأن الإله لا يمكن أن يكون بشراً فكيف بفرعون ذلك الإنسان المغرور الطائش ؟!
وخلال تلك الفترة الطويلة التي تمتد إلى ثمانية عشرة سنة عرف موسى أشياء كثيرة وعرف حقائق كثيرة ، واكتشف انه ليس ابناً للفرعون ، بل انه ليس قبطياً أنه ابن عمران من بني إسرائيل .
وعرف موسى ان بني يعقوب جاءوا إلى مصر من فلسطين . . جاءوا بعد ان أصبح يوسف بن يعقوب زعيماً كبيراً وهو الذي انقذ مصر من الجوع قبل مئات السنين . .
والآن أصبح بنو إسرائيل أو بنو يعقوب عبيداً للفرعون الذي يصب عليهم العذاب . . يذبح الأطفال ويستبعد الرجال ويفرض على الجميع عبادته وحده!
وراح موسى يتردد على المدينة بين فترة وأخرى . . وأصبح يغيب عن القصر أياماً . . وكان ينفر من ثيابه المصنوعة من الكتّان الرقيق ليرتدي لباساً خشناً مصنوعاً من الصوف .
موسى يفكر بمصير بني يعقوب . . لقد أصبحوا أمّة كبيرة ولكنها خائفة وذليلة . . أبناء يعقوب يخافون من الفرعون . . كانوا ينتظرون من يخلصهم . . ينتظرون فقط !
صراع مع الظلم :
لم يقف موسى مكتوف الايدي . . كان يحاول أن يفعل شيئاً من أجل المظلومين . . لهذا كان يتسلل من القصر . ويذهب إلى المدينة وكان يقف بوجه الظالمين .
عندما يدخل المدينة كان يشاهد بعض القبط وبأيديهم السياط ، وسرعان ما ينهالون لسبب ولغير سبب على رجل مظلوم من بني إسرائيل . .
لهذا كان يهب لنجدة المظلوم ويوجه ضرباته العنيقة للظالم الذي يفضل الفرار أمام قبضة موسى المدمّرة .
وذات يوم خرج موسى من القصر . . القصر يقع في شمال مدينة ممفيس .
دخل المدينة وكان الوقت ظهراً وقد عاد الناس إلى بيوتهم كانت المدينة شبه معطلة . .الشوارع والأزقة خالية من الماره تقريباً .
ورأى موسى رجلين يتشاجران أحدهما كان قبطياً والآخر كان من بني إسرائيل .
كان القبطي ينهال على ذلك الرجل بالسياط وكان الرجل الإسرائيلي يستغيث ويطلب النجدة . .
وهبّ موسى لنجدة المظلوم . . كان موسى قويّاً قد آتاه الله بسطة في الجسم .
اعترض موسى الرجل القبطي ودفعه ولكن القبطي كان يريد مواصلة العدوان ، اضطر موسى أن يسدد له ضربة عنيفة ، سقط بعدها المعتدي صريعاً . .
شعر موسى بأنه ارتكب خطأ جسيماً لأنه ليس من الصحيح أن يفعل ذلك . .
ان فرعون ساخط عليه بسبب أفكاره التوحيدية وكان يضع عليه الجواسيس ويراقب كل حركاته .
ان مقتل الرجل القبطي سيكون ذريعة للفرعون في الانتقام من بني إسرائيل . . سوف يثير الفرعون أحقاد القبط ويحرّكهم ضد موسى وبني إسرائيل .
لم يكن هناك أحد يعرف ماذا حصل ؟ . اختفى موسى عن الأنظار .
وكانت الشرطة تبحث عن الفاعل .
لم يرجع موسى إلى القصر . . كان يخشى بطش الفرعون . .
لهذا أمضى ليلته في المدينة . . وحدث ما لم يكن في الحسبان .
رأى موسى الرجل الإسرائيلي يتشاجر مع رجل قبطي آخر . . استغاث الرجل الإسرائيلي بموسى ..
كان موسى منزعجاً مما حصل بالأمس ، ومع ذلك فقد هبّ لنجدة المظلوم . . تقدّم إليهما وهو يخاطب الإسرائيلي قائلاً :
{ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } . . انت تتشاجر كل يوم وهذا ليس صحيحاً .
ظن الإسرائيلي ان موسى سوف يبطش به لهذا صرخ قائلاً :
{ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ؟ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ }. .
عندما سمع الناس ذلك اكتشفوا ان القاتل لم يكن سوى موسى وركض الجواسيس لاخبار الفرعون بذلك .
المؤامرة :
في القصر كان الفرعون يتآمر مع أعضاء حكومته . . كان يفكر في أن موسى هو الرجل الموعود . . انه لا يكفّ عن بث أفكاره الخطيرة . . وكان يعرف قبل أن يخبره الجواسيس ان موسى هو الذي قضى على الرجل القبطي . .
لهذا قرر ان يقتل موسى مهما كان الثمن . .
وكان هناك رجل قبطي طيب . . يحب موسى لأخلاقه الرفيعة وحبّه للخير والضعفاء ولشجاعته . .
أسرع الرجل يبحث عن موسى . . دخل المدينة وراح يسأل عن موسى حتى عثر عليه قال له محذّراً :
{ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }.
لم يكن هناك وقت للانتظار. . ان هذا الفرعون الطاغية لن يتورّع عن قتله . .
من أجل هذا أسرع موسى في اتخاذ قرار الهجرة من مصر كلها في أسرع وقت .
استقل موسى زورقاً ليعبر نهر النيل إلى الضفة اليمنى . . ومن هناك انطلق باتجاه الشرق متوجهاً نحو خليج السويس . .كان هدف موسى أرض مدين . .
نظر موسى إلى السماء وقال بخشوع :
{ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ }.
كانت شرطة فرعون تبحث عنه في كل مكان ، ومضى موسى يجتاز الصحراء والمنعطفات الجبلية على البحر الأحمر ودلتا النيل .
الطريق إلى مدين :
الرمال في سيناء مد البصر ، وموسى وحيداً في تلك المنعطفات الجبلية على شواطئ البحر الأحمر .
ثلاثون يوماً تمرّ وموسى يقطع الطرق المقفرة الموحشة في صحراء سيناء .
كانت قدماه قد تورمتا وهو يطوي عشرات الأميال مشياً ، ولم يكن طعامه طوال الطريق سوى ما يعثر عليه من بقول الأرض البرّية .
وكانت الشمس ترسل أشعة الأصيل عندما وصل موسى أرض مدين .
كانت مدين لا تخضع لنفوذ الفراعنة ، وهي منطقة تقع في منتصف الطريق بين الحجاز ومصر على مقربة من سواحل خليج العقبة شرقاً .
أطلّ موسى على الوادي الفسيح وجلس عند صخرة تظلّلها شجيرة شائكة .
كان موسى متعباً جداً بعد رحلته الشاقّة ، وكانت الشمس تجنح باتجاه المغيب .
راح موسى يراقب قطعان الماشية يسوقها رعاة اشدّاء إلى البئر .
واصطبغ الأفق الغربي بألوان حمراء وبرتقالية متموجة ، فشعر موسى وهو يتأمل جلال الطبيعة بخشوع يتغلغل في قلبه .
نسي آلامه ومتاعبه وكانت روحه تذوب مع كل ذرّة من ذرّات الكون الفسيح .
كانت رحلته التي استغرقت شهراً قد صنعت منه انساناً آخر . . أن قلبه يتفتح للحقائق الكبرى .
كان موسى يصغي إلى ثغاء الأغنام وهي تنحدر باتجاه البئر الوحيدة في الوادي .
وتصاعدت أصوات الرعاة وهم يتدافعون للاستباق ، ورأى موسى منظراً جديداً للاستضعاف . . رأى القويّ هو الذي يحوز الماء أما الضعيف فعليه ان ينتظر . . أن يتحمل ألم الانتظار ومرارة الصبر .
راح الرعاة الأشداء يملأون الأحواض لأغنامهم ، فيما ظهرت فتاتان تذودان قطيعهما . . وكانتا تنتظران في انكسار فراغ الرعاة من السقي .
وهبّ موسى كعادته إلى نجدتهما . . نسي آلام قدميه المتورّمتين .
تقدم موسى نحو الفتاتين وقال بأدب :
ما خطبكما ؟
قالت الفتاتان :
{ لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }.
بالرغم من تعبه وآلامه . . بالرغم من جوعه الشديد فلقد بعثت الحمية في قلبه قوّة كبيرة . .
أمسك بالدلو ورماه في أعماق البئر . . وقف الرعاة ينظرون إليه . . ينظرون إلى الرجل الغريب وإلى عضلاته المفتولة . .
ملأ موسى الحوض وساقت الفتاتان قطيعهما الذي راح ينهل الماء حتى ارتوى . .
فرحت الفتاتان وفي ذلك اليوم عادتاً إلى المنزل مبكّرتين .
لم يكن أبوهما ذلك الشيخ الكبير سوى شعيب النبي ( عليه السلام ) ، عندما رأى ابنتيه تعودان على غير عادتهما في التأخر قال متعجباً :
ماذا حصل ؟
قالت ابنته :
جاءنا شاب طيب غريب عن هذه الديار . . رحمنا فسقى لنا .
وقالت الأخرى :
يبدو عليه التعب والجوع يا أبي .
قال الأب :
استدعيه يا ابنتي لنعطيه أجرته .
رحمة الله :
كان موسى قد عاد إلى مكانه ، وشعر بالجوع يعتصر بطنه نظر إلى السماء وقال : {ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير }.
كان موسى يتمنى تمرة واحدة تهّدئ من ألم الجوع . . الله سبحانه استجاب دعاءه . .
جاءت ابنة شعيب تمشي في حياء ، وقفت قريباً منه وقالت بأدب :
{ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا }.
نهض موسى ملبيّاً دعوة رجل كريم . .
وعلى مائدة الطعام ذكر موسى اسم الله شاكراً نعمته واستجابة دعائه .
وراح موسى يروي قصص الظلم في مصر وما يعانيه المستضعفون تحت حكم الفرعون .
طمأن شعيب ضيفه وقال :
{ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }. . ان هذه الأرض لا تخضع لحكم الفراعنة .
القويّ الأمين :
احبّ شعيب ضيفه . . ان موسى لا ينفك يذكر الله سبحانه في كل شيء ، وكان شعيب يحبّ الله . . من أجل هذا فهو يحب المؤمنين . .
أحبّ شعيب موسى أكثر عندما عرف انه من نسل يعقوب من ذرّية إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) . .
وأحبّ شعيب موسى لأمانته لقد عرف ذلك بعد أن دار حديث عائلي . . قالت ابنته :
{ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }.
قال شعيب متسائلاً :
لقد عرفنا قوّته فكيف عرفت أمانته .
قالت :
عندما ذهبت إليه أدعوه إلى المنزل . . كان مطرقاً ولم ينظر إليّ . . قال لي تأخرى عني ودلّيني على الطريق !
عندما جلس موسى يتحدث إلى شعيب قال له في حضور ابنته :
يا موسى { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ }.
سكت موسى حياءً لأنه رجل فقير لا يملك شيئاً ، ولكن شعيباً ( عليه السلام ) قال له :
شرط أن ترعى غنمنا ثمان سنين وإن شئت أن تجعلها عشراً فمن فضلك . . أنني لا أريد أن اشق عليك ستجدني رجلاً يعرف حقك .
قال موسى بأدب :
{ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }.
العودة إلى الوطن :
تزوج موسى في أرض مدين ، واستقرّ به المقام ولكنه لم ينس مصر ولم ينس الناس المستضعفين المقهورين هناك غير انه انصرف إلى عمله في نشاط وإخلاص يرعى الغنم يذهب بها على المروج . . إلى التلال . . إلى الوديان ثم يعود بها في الغروب .
لم يكن موسى ليزاحم الرعاة أبداً ، وكان يختار لماشيته أمكنة مليئة بالعشب . ثم ينصرف إلى تأملاته . . كان يفكر . .
تعلم أشياء كثيرة . . عرف كيف يهش على الغنم ويسوقها إلى المراعي .
وكان يراقبها ويحافظ عليها من الذئاب . . الأغنام لا تعرف ماذا عليها أن تفعل فهي تستجيب لعصا الراعي . وعندما تنظر إليه تشعر بالأمن ، فتنصرف إلى تناول العشب بسلام .
ما أجمل الحياة في المراعي . . ان نفس موسى تمتلأ جلالاً لله سبحانه .
في كل يوم تشرق الشمس . . تعبر السماء ترسم الواناً زاهية في الأفق . . ثم تتجه نحو الغروب ، وكانت نفس موسى تمتلأ خشوعاً للخالق العظيم . . لهذا كان يرى فرعون صغيراً وحقيراً . . كيف يدّعي الإنسان الضعيف انه إله من دون الله ؟!
الناس الضعفاء في مصر يخافون سطوة الفرعون وكانوا يتظاهرون بعبادته .
وهكذا تمرّ الاعوام . . عاش موسى عشر سنين في مدين .
أصبح عمره أربعين سنة . . تضاعفت تجربته في الحياة لا أحد يعرف هل ذهب موسى خلال تلك السنين إلى مكّة ؟ ان شعيباً ( عليه السلام ) عندما استأجره ليرعى الغنم قال له : { عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } ومعنى هذا ان الحج معروف في ذلك الزمان ، وان شعيباً كان يحج بيت الله .
عندما أصبح عمر موسى أربعين سنة كان قد وفى بوعده لشعيب وقد أتم الأجل الثاني أي إنه ظلَّ يرعى الغنم عشر سنين كاملة .
وفكر موسى ان يعود إلى مصر . . كان يشعر ان له مهمّة ويجب عليه أن يقوم بها .
وذات مساء شتائي ، وفيما كان الناس في مدين يجلسون حول مواقدهم للدفء قال موسى لشعيب .
لقد تم الأجل الذي بيننا . . يجب أن أعود إلى مصر .
سأدعو الله أن يحميك من شرور الفرعون . . ان الله سينصرك لأنك مع الحق . . عندما تكون مع الحق فان الحق سينصرك .
وذات صباح مشرق كان موسى يسوق غنمه مغادراً أرض مدين متوجهاً نحو مصر .
كل تلك السنين لم ينس موسى مصر . . لم ينس الناس المظلومين هناك .
كان يفكر بانقاذهم من الظلم من الجهل . . لقد نسوا دين إبراهيم . . دين يعقوب . . دين يوسف نسوا أن الله وحده هو رب العالمين وانّ فرعون مجرّد بشر ضعيف .
الإنسان عندما ينسى الله فانه سيخاف من كل شيء ، وعندما يؤمن بالله ولا يخاف من أحد إلاّ الله فانه سيكون إنساناً شجاعاً حرّاً يخاف منه الظالمون .
نداء السماء :
الصحراء مدّ البصر ، موسى بن عمران الذي بلغ الأربعين من عمره يغادر مدين عائداً إلى مصر .
فرّ من مصر وحيداً خائفاً ، وعاش في أرض مدين عشر سنوات ، تزوّج وأصبحت له أسرة ، وأصبح له قطيعاً من الأغنام .
وها هو الآن يسوق قطيع الماشية عائداً إلى أرض الوطن . .
كان موسى يسير في الصحراء ومن بعيد كانت تلوح له جبال صغيرة .
الرياح الشتائية تهبّ فتلفح الوجوه ، وموسى يهش على غنمه بعصاه ويسير ، كان يرتدي ثياباً منسوجة من الصوف . . فهو يحبّ بطبعه حياة التواضع والبساطة .
لهذا كان يمقت الفرعون . . " منفتاح " يرتدي ثياباً كتانية رقيقة موشّاة بالذهب ! والجواهر الثمينة .
موسى في منتصف الطريق في جزيرة سيناء على مقربة من جبل الطور .
الرياح الشتائنة الباردة تعصف بشدّة وقد خيم الظلام تماماً .وقف موسى حائراً لقد ضاع عليه الطريق .
كانت زوجته ترتجف من البرد ، كان موسى ينظر في كل اتجاه ليعرف الطريق الذي يسلكه .
فجأة سطع نور من جهة جبل الطور . . رأى موسى ناراً تتوهج من بعيد لهذا قال لزوجته : انني أرى ناراً . . امكثوا حتى آتيكم منها بجذوة نتدفأ بها ، وربّما عثرت على الطريق .
قال موسى ذلك واتجه صوب النار المتوهجة وسط الظلام .
وشيئاً فشيئاً كان موسى يقترب من المكان ، لم يجد موسى قرب الشجرة أحداً .
كانت هناك شجرة تتوهج ناراً لكنه لم ير أحداً يسأله عن الطريق !
شيء عجيب ! شعر موسى أن هذا المكان مفعم بالصمت والهدوء لا أثر فيه للرياح والبرد ، حتى أنه كان يسمع وقع عصاه وهي تصطدم بالأرض . فجأة سمع صوتاً يناديه . .
{ اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى }!
شعر موسى بالخوف . . خلع نعليه وكان يتساءل عن صاحب الصوت فسمعه يقول :
يا موسى إني أنا الله رب العالمين !
ملك الصوت قلب موسى فالقى نفسه ساجداً لله .
كانت الكلمات تنفذ في قلبه نفوذ النور في مياه بحيرة صافية .
ألق عصاك يا موسى !
وامتثل موسى فالقى عصاه على الأرض ، وفي تلك اللحظة حدث شيء مذهل . . لقد تحولت فجأة إلى ثعبان يتلوّى ، وتراجع موسى خائفاً . . كان ثعباناً مخيفاً .
وسمع موسى صوتاً يناديه من الجانب الأيمن في الوادي : يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين . . يا موسى لا تخف لأن الرسل لا يخافون . .
وأضاء قلب موسى نور عجيب . . شعر بالطمأنينة والسلام . . انه رسول الله .
اسلك يدك في جيبك سوف تخرج بيضاء .
وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتألق بلون ناصع .
تحسس موسى يده فإذا هي صحيحة سالمة من كل سوء وهوى موسى ساجداً لله مرّة أخرى . . ان الله قادر على كل شيء لا حدود لقدرة الله . . ان هذه الآيات كافية لأن يؤمن الناس بقدرة الله وحده .
حاول موسى أن يهدّىء من خوفه فسمع الصوت يقول له :
اضمم إليك جناحك .
فعل موسى ذلك ضم يديه إلى صدره شعر بقلبه يهدأ تماماً .
قال الله لموسى وهو يحمّله الرسالة .
اذهب إلى فرعون انه طغى . .
ان على موسى أن يحارب الظلم وأن ينصح فرعون بالكف عن عدوانه وغروره وإن يسلم وجهه لله رب العالمين .
قال موسى وهو يطلب من يساعده وينصره في مهمته :
رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون . .
تذكر موسى الحادث الذي وقع قبل عشر سنوات . . ان فرعون لن ينسى ذلك . . انه يحقد على موسى ويتحيّن الفرص لقتله .
يا رب أن أخي هارون أفصح مني لساناً فاجعله ناصراً وشريكاً في رسالتي . . إذا ذهبت وحدي سوف يكذبوني . . أريد نصيراً لي يقف معي ويؤازؤني ويشهد بصدق رسالتي .
قال الله سبحانه وتعالى وقد استجاب طلبه .
{ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } .
{ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }.
{ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } .
عاد الصمت مرّة أخرى يهمين على الوادي المقدس واختفت النار ورجع موسى إلى أهله كانوا ينتظرون . .
رجع موسى وهو يحمل أعباء رسالة الله الكبرى . . لقد وجد موسى الطريق .
لهذا راح يحث الخطى وهو يغرز عصاه في رمال الصحراء .
المواجهة :
اتجه موسى إلى جنوب العاصمة ممفيس حيث يعيش أبناء يعقوب .
ازداد الظلم وتضاعف العذاب على بني إسرائيل . . وعاد موسى إليهم وهو يبشرهم برسالة الله . . بالخلاص من الظلم . .
كانوا خائفين ، ولكنهم بدأوا يشعرون بالأمل .
وقف هارون إلى جانب أخيه موسى ، وشعر موسى بالثقة أكثر إن معه من يؤازره وينصره .
ان هارون فصيح اللسان ، وعندما يتحدث فإنه يتحدث باسم الحق باسم العدل . . لا يخاف أحداً إلاّ الله .
من أجل هذا طلب موسى من الله أن يشركه في الرسالة ليعملا معاً على زعزعة الظلم والقضاء على الشر ونشر الخير والعدل .
وقرر موسى وهارون الذهاب إلى قصر الفرعون خارج المدينة . .
كان يمشيان على شاطئ النيل متجهين شمالاً ، كان موسى يتوكأ على عصاه ، وكانا يرتديان قميصين منسوجين من الصوف .
ولاح من بعيد قصر الفرعون . . كان قصراً كبيراً جدرانه من الصخر المكسوة بالخشب المصقول بدقة ، أمّا ارضيته فقد فرشت بالرخام ، وأثاثه من المرمر والعاد والذهب .
ودخل موسى وهارون القصر ، ودخلا البلاط حيث يتربع الفرعون على عرش من الآبنوس المطعم بالذهب والجواهر ، وكان فرعون يمسك بعصا قصيرة هي الأخرى من الآبنوس المزيّنة بالذهب والأحجار الكريمة .
حيّا موسى الفرعون بأدب الهي ، وقابل الفرعون التحيّة بغروره المعروف . . لم ينظر إلى عيني موسى ليتأمل النور الذي يشعّ منهما ، لم ينظر إلى زهد موسى وبساطته . . لم ينظر إلى شخصيته القويّة وهو يقف بشجاعة أمامه . . نظر فقط إلى الثياب المنسوجة من الصوف ، وراح يقارن بينها وبين ما يرتديه هو من ثياب كتانية رقيقة منسوجة بخيوط الذهب وإلى يديه المليئتين بأساور ذهبية ، من أجل هذا راح ينظر إليه باستعلاء .
لم يكن فرعون وحده كان معه وزيره هامان وشخصيات كبيرة في الدولة .
وراح الفرعون يحدّق في موسى الذي فَرّ من مصر قبل عشر سنوات وها هو يعود أكثر صلابة !
قال الفرعون :
وأخيراً عدت يا موسى .
نعم ولقد جئتك بخير الدنيا والآخرة .
قال الفرعون :
ماذا تقصد ؟
قال موسى :
إن الله قد أرسلني إليك لتعبده .
الله ؟!
الله ربّ العالمين . . ربّكم وربّ آبائكم الأولين . .
ونظر الفرعون بدهشة إلى رجال دولته وقال :
ألا تستمعون ؟!!
قال موسى :
رب السماوات والأرض ، وما بينهما إن كنتم موقنين .
ونظر الفرعون إلى رجاله بغضب وصاح مستهزأ :
إنّ رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون .
انحنى هامان للفرعون وقال مخاطباً موسى :
أنت تتحدّث بأشياء خطيرة . الشعب كلّه يعبد الفرعون ويسجد له . . وبنو إسرائيل يعبدونه أيضاً . . انه إله مصر .
قال هارون بهدوء :
انه ليس بإله .
وقال موسى :
ان الله وحده هو الربّ الذي ينبغي أن يُعبد . . هو الذي خلق الكون والوجود . . الله هو الذي خلق السحب وينزل المطر . . وهو الذي يخلق الشجر . .
قال الفرعون وهو يحاول محاصرة موسى :
لقد نسيت يا موسى أشياءً كثيرة . . نسيت اننا ربّيناك منذ كنت طفلاً رضيعاً .
قال موسى :
لقد كنت تذبح أطفال بني إسرائيل . . وتعذّب رجالهم وتقهر نساءهم . . وليست هذه بمنّة بعد أن عبّدت بني إسرائيل . .
وماذا عن فعلتك التي فعلتها ثم هربت من مصر .
لقد حصل ذلك خطأً لم أكن أنوي قتل الرجل . . وقد فررت لأنكم كنتم تخططون لقتلي . .
ولقد اختارني الله رسولاً إليك . . فأرسل معي بني إسرائيل ولا تعذبهم .
يتبع
أنت امرأة قوية ويمكنك إرضاع الاثنين معاً . . سوف اقدّم لك مكافأة جيدة .
تظاهرت يوكابد بأنها ستوافق من أجل المكافأة . . وهكذا عاد موسى لأمّه مرّة أخرى ، وتحقق وعد الله .
وتضاعف إيمان أم موسى بأن الله سبحانه هو القادر على كل شيء وأنه لا يردّ قضاءه أحد .
ممفيس :
ممفيس [1] هي عاصمة الفراعنة في ذلك الزمان . . على شاطئ النيل وفي خارج هذه المدينة بنى الفرعون قصره الكبير في الشمال . .
قصر الفرعون في الضفة اليسرى من النيل ، وفي غرب المدينة وفي منطقة صحراوية جافّة بنى الفراعنة قبورهم وهي الأهرامات التي ما تزال قائمة حتى اليوم في منطقة الجيزة .
وأتم موسى فترة الرضاعة في أحضان أمه ، ثم انتقل بعدها ليعيش في قصر الفرعون في الشمال خارج المدينة .
وكبر موسى أصبح فتى رشيداً ، كان يرتدي زيّاً يشبه ما يرتديه النبلاء من الأقباط ، وكان الجميع ينظرون إليه ويحسبونه ابناً للفرعون .
ولكن موسى في حقيقته كان غير ذلك . . كان فتىً طيباً يحب الضعفاء ويعطف عليهم وكان يتألم في أعماقه من أجل الناس الفقراء والمقهورين ، ويرفض في قرارة نفسه تصرفات الفرعون .
وكبر موسى ونما عقله أصبح شاباً مفتول العضلات قوّياً يهابه الجميع .
غير أن موسى لم يغتر بقوّته أبداً . . كان يزداد تواضعاً وكان ينظر إلى إدّعاء فرعون بأنه إله الشعب افتراءً على الحقيقة لأن الإله لا يمكن أن يكون بشراً فكيف بفرعون ذلك الإنسان المغرور الطائش ؟!
وخلال تلك الفترة الطويلة التي تمتد إلى ثمانية عشرة سنة عرف موسى أشياء كثيرة وعرف حقائق كثيرة ، واكتشف انه ليس ابناً للفرعون ، بل انه ليس قبطياً أنه ابن عمران من بني إسرائيل .
وعرف موسى ان بني يعقوب جاءوا إلى مصر من فلسطين . . جاءوا بعد ان أصبح يوسف بن يعقوب زعيماً كبيراً وهو الذي انقذ مصر من الجوع قبل مئات السنين . .
والآن أصبح بنو إسرائيل أو بنو يعقوب عبيداً للفرعون الذي يصب عليهم العذاب . . يذبح الأطفال ويستبعد الرجال ويفرض على الجميع عبادته وحده!
وراح موسى يتردد على المدينة بين فترة وأخرى . . وأصبح يغيب عن القصر أياماً . . وكان ينفر من ثيابه المصنوعة من الكتّان الرقيق ليرتدي لباساً خشناً مصنوعاً من الصوف .
موسى يفكر بمصير بني يعقوب . . لقد أصبحوا أمّة كبيرة ولكنها خائفة وذليلة . . أبناء يعقوب يخافون من الفرعون . . كانوا ينتظرون من يخلصهم . . ينتظرون فقط !
صراع مع الظلم :
لم يقف موسى مكتوف الايدي . . كان يحاول أن يفعل شيئاً من أجل المظلومين . . لهذا كان يتسلل من القصر . ويذهب إلى المدينة وكان يقف بوجه الظالمين .
عندما يدخل المدينة كان يشاهد بعض القبط وبأيديهم السياط ، وسرعان ما ينهالون لسبب ولغير سبب على رجل مظلوم من بني إسرائيل . .
لهذا كان يهب لنجدة المظلوم ويوجه ضرباته العنيقة للظالم الذي يفضل الفرار أمام قبضة موسى المدمّرة .
وذات يوم خرج موسى من القصر . . القصر يقع في شمال مدينة ممفيس .
دخل المدينة وكان الوقت ظهراً وقد عاد الناس إلى بيوتهم كانت المدينة شبه معطلة . .الشوارع والأزقة خالية من الماره تقريباً .
ورأى موسى رجلين يتشاجران أحدهما كان قبطياً والآخر كان من بني إسرائيل .
كان القبطي ينهال على ذلك الرجل بالسياط وكان الرجل الإسرائيلي يستغيث ويطلب النجدة . .
وهبّ موسى لنجدة المظلوم . . كان موسى قويّاً قد آتاه الله بسطة في الجسم .
اعترض موسى الرجل القبطي ودفعه ولكن القبطي كان يريد مواصلة العدوان ، اضطر موسى أن يسدد له ضربة عنيفة ، سقط بعدها المعتدي صريعاً . .
شعر موسى بأنه ارتكب خطأ جسيماً لأنه ليس من الصحيح أن يفعل ذلك . .
ان فرعون ساخط عليه بسبب أفكاره التوحيدية وكان يضع عليه الجواسيس ويراقب كل حركاته .
ان مقتل الرجل القبطي سيكون ذريعة للفرعون في الانتقام من بني إسرائيل . . سوف يثير الفرعون أحقاد القبط ويحرّكهم ضد موسى وبني إسرائيل .
لم يكن هناك أحد يعرف ماذا حصل ؟ . اختفى موسى عن الأنظار .
وكانت الشرطة تبحث عن الفاعل .
لم يرجع موسى إلى القصر . . كان يخشى بطش الفرعون . .
لهذا أمضى ليلته في المدينة . . وحدث ما لم يكن في الحسبان .
رأى موسى الرجل الإسرائيلي يتشاجر مع رجل قبطي آخر . . استغاث الرجل الإسرائيلي بموسى ..
كان موسى منزعجاً مما حصل بالأمس ، ومع ذلك فقد هبّ لنجدة المظلوم . . تقدّم إليهما وهو يخاطب الإسرائيلي قائلاً :
{ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } . . انت تتشاجر كل يوم وهذا ليس صحيحاً .
ظن الإسرائيلي ان موسى سوف يبطش به لهذا صرخ قائلاً :
{ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ؟ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ }. .
عندما سمع الناس ذلك اكتشفوا ان القاتل لم يكن سوى موسى وركض الجواسيس لاخبار الفرعون بذلك .
المؤامرة :
في القصر كان الفرعون يتآمر مع أعضاء حكومته . . كان يفكر في أن موسى هو الرجل الموعود . . انه لا يكفّ عن بث أفكاره الخطيرة . . وكان يعرف قبل أن يخبره الجواسيس ان موسى هو الذي قضى على الرجل القبطي . .
لهذا قرر ان يقتل موسى مهما كان الثمن . .
وكان هناك رجل قبطي طيب . . يحب موسى لأخلاقه الرفيعة وحبّه للخير والضعفاء ولشجاعته . .
أسرع الرجل يبحث عن موسى . . دخل المدينة وراح يسأل عن موسى حتى عثر عليه قال له محذّراً :
{ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }.
لم يكن هناك وقت للانتظار. . ان هذا الفرعون الطاغية لن يتورّع عن قتله . .
من أجل هذا أسرع موسى في اتخاذ قرار الهجرة من مصر كلها في أسرع وقت .
استقل موسى زورقاً ليعبر نهر النيل إلى الضفة اليمنى . . ومن هناك انطلق باتجاه الشرق متوجهاً نحو خليج السويس . .كان هدف موسى أرض مدين . .
نظر موسى إلى السماء وقال بخشوع :
{ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ }.
كانت شرطة فرعون تبحث عنه في كل مكان ، ومضى موسى يجتاز الصحراء والمنعطفات الجبلية على البحر الأحمر ودلتا النيل .
الطريق إلى مدين :
الرمال في سيناء مد البصر ، وموسى وحيداً في تلك المنعطفات الجبلية على شواطئ البحر الأحمر .
ثلاثون يوماً تمرّ وموسى يقطع الطرق المقفرة الموحشة في صحراء سيناء .
كانت قدماه قد تورمتا وهو يطوي عشرات الأميال مشياً ، ولم يكن طعامه طوال الطريق سوى ما يعثر عليه من بقول الأرض البرّية .
وكانت الشمس ترسل أشعة الأصيل عندما وصل موسى أرض مدين .
كانت مدين لا تخضع لنفوذ الفراعنة ، وهي منطقة تقع في منتصف الطريق بين الحجاز ومصر على مقربة من سواحل خليج العقبة شرقاً .
أطلّ موسى على الوادي الفسيح وجلس عند صخرة تظلّلها شجيرة شائكة .
كان موسى متعباً جداً بعد رحلته الشاقّة ، وكانت الشمس تجنح باتجاه المغيب .
راح موسى يراقب قطعان الماشية يسوقها رعاة اشدّاء إلى البئر .
واصطبغ الأفق الغربي بألوان حمراء وبرتقالية متموجة ، فشعر موسى وهو يتأمل جلال الطبيعة بخشوع يتغلغل في قلبه .
نسي آلامه ومتاعبه وكانت روحه تذوب مع كل ذرّة من ذرّات الكون الفسيح .
كانت رحلته التي استغرقت شهراً قد صنعت منه انساناً آخر . . أن قلبه يتفتح للحقائق الكبرى .
كان موسى يصغي إلى ثغاء الأغنام وهي تنحدر باتجاه البئر الوحيدة في الوادي .
وتصاعدت أصوات الرعاة وهم يتدافعون للاستباق ، ورأى موسى منظراً جديداً للاستضعاف . . رأى القويّ هو الذي يحوز الماء أما الضعيف فعليه ان ينتظر . . أن يتحمل ألم الانتظار ومرارة الصبر .
راح الرعاة الأشداء يملأون الأحواض لأغنامهم ، فيما ظهرت فتاتان تذودان قطيعهما . . وكانتا تنتظران في انكسار فراغ الرعاة من السقي .
وهبّ موسى كعادته إلى نجدتهما . . نسي آلام قدميه المتورّمتين .
تقدم موسى نحو الفتاتين وقال بأدب :
ما خطبكما ؟
قالت الفتاتان :
{ لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }.
بالرغم من تعبه وآلامه . . بالرغم من جوعه الشديد فلقد بعثت الحمية في قلبه قوّة كبيرة . .
أمسك بالدلو ورماه في أعماق البئر . . وقف الرعاة ينظرون إليه . . ينظرون إلى الرجل الغريب وإلى عضلاته المفتولة . .
ملأ موسى الحوض وساقت الفتاتان قطيعهما الذي راح ينهل الماء حتى ارتوى . .
فرحت الفتاتان وفي ذلك اليوم عادتاً إلى المنزل مبكّرتين .
لم يكن أبوهما ذلك الشيخ الكبير سوى شعيب النبي ( عليه السلام ) ، عندما رأى ابنتيه تعودان على غير عادتهما في التأخر قال متعجباً :
ماذا حصل ؟
قالت ابنته :
جاءنا شاب طيب غريب عن هذه الديار . . رحمنا فسقى لنا .
وقالت الأخرى :
يبدو عليه التعب والجوع يا أبي .
قال الأب :
استدعيه يا ابنتي لنعطيه أجرته .
رحمة الله :
كان موسى قد عاد إلى مكانه ، وشعر بالجوع يعتصر بطنه نظر إلى السماء وقال : {ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير }.
كان موسى يتمنى تمرة واحدة تهّدئ من ألم الجوع . . الله سبحانه استجاب دعاءه . .
جاءت ابنة شعيب تمشي في حياء ، وقفت قريباً منه وقالت بأدب :
{ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا }.
نهض موسى ملبيّاً دعوة رجل كريم . .
وعلى مائدة الطعام ذكر موسى اسم الله شاكراً نعمته واستجابة دعائه .
وراح موسى يروي قصص الظلم في مصر وما يعانيه المستضعفون تحت حكم الفرعون .
طمأن شعيب ضيفه وقال :
{ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }. . ان هذه الأرض لا تخضع لحكم الفراعنة .
القويّ الأمين :
احبّ شعيب ضيفه . . ان موسى لا ينفك يذكر الله سبحانه في كل شيء ، وكان شعيب يحبّ الله . . من أجل هذا فهو يحب المؤمنين . .
أحبّ شعيب موسى أكثر عندما عرف انه من نسل يعقوب من ذرّية إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) . .
وأحبّ شعيب موسى لأمانته لقد عرف ذلك بعد أن دار حديث عائلي . . قالت ابنته :
{ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }.
قال شعيب متسائلاً :
لقد عرفنا قوّته فكيف عرفت أمانته .
قالت :
عندما ذهبت إليه أدعوه إلى المنزل . . كان مطرقاً ولم ينظر إليّ . . قال لي تأخرى عني ودلّيني على الطريق !
عندما جلس موسى يتحدث إلى شعيب قال له في حضور ابنته :
يا موسى { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ }.
سكت موسى حياءً لأنه رجل فقير لا يملك شيئاً ، ولكن شعيباً ( عليه السلام ) قال له :
شرط أن ترعى غنمنا ثمان سنين وإن شئت أن تجعلها عشراً فمن فضلك . . أنني لا أريد أن اشق عليك ستجدني رجلاً يعرف حقك .
قال موسى بأدب :
{ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }.
العودة إلى الوطن :
تزوج موسى في أرض مدين ، واستقرّ به المقام ولكنه لم ينس مصر ولم ينس الناس المستضعفين المقهورين هناك غير انه انصرف إلى عمله في نشاط وإخلاص يرعى الغنم يذهب بها على المروج . . إلى التلال . . إلى الوديان ثم يعود بها في الغروب .
لم يكن موسى ليزاحم الرعاة أبداً ، وكان يختار لماشيته أمكنة مليئة بالعشب . ثم ينصرف إلى تأملاته . . كان يفكر . .
تعلم أشياء كثيرة . . عرف كيف يهش على الغنم ويسوقها إلى المراعي .
وكان يراقبها ويحافظ عليها من الذئاب . . الأغنام لا تعرف ماذا عليها أن تفعل فهي تستجيب لعصا الراعي . وعندما تنظر إليه تشعر بالأمن ، فتنصرف إلى تناول العشب بسلام .
ما أجمل الحياة في المراعي . . ان نفس موسى تمتلأ جلالاً لله سبحانه .
في كل يوم تشرق الشمس . . تعبر السماء ترسم الواناً زاهية في الأفق . . ثم تتجه نحو الغروب ، وكانت نفس موسى تمتلأ خشوعاً للخالق العظيم . . لهذا كان يرى فرعون صغيراً وحقيراً . . كيف يدّعي الإنسان الضعيف انه إله من دون الله ؟!
الناس الضعفاء في مصر يخافون سطوة الفرعون وكانوا يتظاهرون بعبادته .
وهكذا تمرّ الاعوام . . عاش موسى عشر سنين في مدين .
أصبح عمره أربعين سنة . . تضاعفت تجربته في الحياة لا أحد يعرف هل ذهب موسى خلال تلك السنين إلى مكّة ؟ ان شعيباً ( عليه السلام ) عندما استأجره ليرعى الغنم قال له : { عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } ومعنى هذا ان الحج معروف في ذلك الزمان ، وان شعيباً كان يحج بيت الله .
عندما أصبح عمر موسى أربعين سنة كان قد وفى بوعده لشعيب وقد أتم الأجل الثاني أي إنه ظلَّ يرعى الغنم عشر سنين كاملة .
وفكر موسى ان يعود إلى مصر . . كان يشعر ان له مهمّة ويجب عليه أن يقوم بها .
وذات مساء شتائي ، وفيما كان الناس في مدين يجلسون حول مواقدهم للدفء قال موسى لشعيب .
لقد تم الأجل الذي بيننا . . يجب أن أعود إلى مصر .
سأدعو الله أن يحميك من شرور الفرعون . . ان الله سينصرك لأنك مع الحق . . عندما تكون مع الحق فان الحق سينصرك .
وذات صباح مشرق كان موسى يسوق غنمه مغادراً أرض مدين متوجهاً نحو مصر .
كل تلك السنين لم ينس موسى مصر . . لم ينس الناس المظلومين هناك .
كان يفكر بانقاذهم من الظلم من الجهل . . لقد نسوا دين إبراهيم . . دين يعقوب . . دين يوسف نسوا أن الله وحده هو رب العالمين وانّ فرعون مجرّد بشر ضعيف .
الإنسان عندما ينسى الله فانه سيخاف من كل شيء ، وعندما يؤمن بالله ولا يخاف من أحد إلاّ الله فانه سيكون إنساناً شجاعاً حرّاً يخاف منه الظالمون .
نداء السماء :
الصحراء مدّ البصر ، موسى بن عمران الذي بلغ الأربعين من عمره يغادر مدين عائداً إلى مصر .
فرّ من مصر وحيداً خائفاً ، وعاش في أرض مدين عشر سنوات ، تزوّج وأصبحت له أسرة ، وأصبح له قطيعاً من الأغنام .
وها هو الآن يسوق قطيع الماشية عائداً إلى أرض الوطن . .
كان موسى يسير في الصحراء ومن بعيد كانت تلوح له جبال صغيرة .
الرياح الشتائية تهبّ فتلفح الوجوه ، وموسى يهش على غنمه بعصاه ويسير ، كان يرتدي ثياباً منسوجة من الصوف . . فهو يحبّ بطبعه حياة التواضع والبساطة .
لهذا كان يمقت الفرعون . . " منفتاح " يرتدي ثياباً كتانية رقيقة موشّاة بالذهب ! والجواهر الثمينة .
موسى في منتصف الطريق في جزيرة سيناء على مقربة من جبل الطور .
الرياح الشتائنة الباردة تعصف بشدّة وقد خيم الظلام تماماً .وقف موسى حائراً لقد ضاع عليه الطريق .
كانت زوجته ترتجف من البرد ، كان موسى ينظر في كل اتجاه ليعرف الطريق الذي يسلكه .
فجأة سطع نور من جهة جبل الطور . . رأى موسى ناراً تتوهج من بعيد لهذا قال لزوجته : انني أرى ناراً . . امكثوا حتى آتيكم منها بجذوة نتدفأ بها ، وربّما عثرت على الطريق .
قال موسى ذلك واتجه صوب النار المتوهجة وسط الظلام .
وشيئاً فشيئاً كان موسى يقترب من المكان ، لم يجد موسى قرب الشجرة أحداً .
كانت هناك شجرة تتوهج ناراً لكنه لم ير أحداً يسأله عن الطريق !
شيء عجيب ! شعر موسى أن هذا المكان مفعم بالصمت والهدوء لا أثر فيه للرياح والبرد ، حتى أنه كان يسمع وقع عصاه وهي تصطدم بالأرض . فجأة سمع صوتاً يناديه . .
{ اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى }!
شعر موسى بالخوف . . خلع نعليه وكان يتساءل عن صاحب الصوت فسمعه يقول :
يا موسى إني أنا الله رب العالمين !
ملك الصوت قلب موسى فالقى نفسه ساجداً لله .
كانت الكلمات تنفذ في قلبه نفوذ النور في مياه بحيرة صافية .
ألق عصاك يا موسى !
وامتثل موسى فالقى عصاه على الأرض ، وفي تلك اللحظة حدث شيء مذهل . . لقد تحولت فجأة إلى ثعبان يتلوّى ، وتراجع موسى خائفاً . . كان ثعباناً مخيفاً .
وسمع موسى صوتاً يناديه من الجانب الأيمن في الوادي : يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين . . يا موسى لا تخف لأن الرسل لا يخافون . .
وأضاء قلب موسى نور عجيب . . شعر بالطمأنينة والسلام . . انه رسول الله .
اسلك يدك في جيبك سوف تخرج بيضاء .
وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتألق بلون ناصع .
تحسس موسى يده فإذا هي صحيحة سالمة من كل سوء وهوى موسى ساجداً لله مرّة أخرى . . ان الله قادر على كل شيء لا حدود لقدرة الله . . ان هذه الآيات كافية لأن يؤمن الناس بقدرة الله وحده .
حاول موسى أن يهدّىء من خوفه فسمع الصوت يقول له :
اضمم إليك جناحك .
فعل موسى ذلك ضم يديه إلى صدره شعر بقلبه يهدأ تماماً .
قال الله لموسى وهو يحمّله الرسالة .
اذهب إلى فرعون انه طغى . .
ان على موسى أن يحارب الظلم وأن ينصح فرعون بالكف عن عدوانه وغروره وإن يسلم وجهه لله رب العالمين .
قال موسى وهو يطلب من يساعده وينصره في مهمته :
رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون . .
تذكر موسى الحادث الذي وقع قبل عشر سنوات . . ان فرعون لن ينسى ذلك . . انه يحقد على موسى ويتحيّن الفرص لقتله .
يا رب أن أخي هارون أفصح مني لساناً فاجعله ناصراً وشريكاً في رسالتي . . إذا ذهبت وحدي سوف يكذبوني . . أريد نصيراً لي يقف معي ويؤازؤني ويشهد بصدق رسالتي .
قال الله سبحانه وتعالى وقد استجاب طلبه .
{ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } .
{ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }.
{ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } .
عاد الصمت مرّة أخرى يهمين على الوادي المقدس واختفت النار ورجع موسى إلى أهله كانوا ينتظرون . .
رجع موسى وهو يحمل أعباء رسالة الله الكبرى . . لقد وجد موسى الطريق .
لهذا راح يحث الخطى وهو يغرز عصاه في رمال الصحراء .
المواجهة :
اتجه موسى إلى جنوب العاصمة ممفيس حيث يعيش أبناء يعقوب .
ازداد الظلم وتضاعف العذاب على بني إسرائيل . . وعاد موسى إليهم وهو يبشرهم برسالة الله . . بالخلاص من الظلم . .
كانوا خائفين ، ولكنهم بدأوا يشعرون بالأمل .
وقف هارون إلى جانب أخيه موسى ، وشعر موسى بالثقة أكثر إن معه من يؤازره وينصره .
ان هارون فصيح اللسان ، وعندما يتحدث فإنه يتحدث باسم الحق باسم العدل . . لا يخاف أحداً إلاّ الله .
من أجل هذا طلب موسى من الله أن يشركه في الرسالة ليعملا معاً على زعزعة الظلم والقضاء على الشر ونشر الخير والعدل .
وقرر موسى وهارون الذهاب إلى قصر الفرعون خارج المدينة . .
كان يمشيان على شاطئ النيل متجهين شمالاً ، كان موسى يتوكأ على عصاه ، وكانا يرتديان قميصين منسوجين من الصوف .
ولاح من بعيد قصر الفرعون . . كان قصراً كبيراً جدرانه من الصخر المكسوة بالخشب المصقول بدقة ، أمّا ارضيته فقد فرشت بالرخام ، وأثاثه من المرمر والعاد والذهب .
ودخل موسى وهارون القصر ، ودخلا البلاط حيث يتربع الفرعون على عرش من الآبنوس المطعم بالذهب والجواهر ، وكان فرعون يمسك بعصا قصيرة هي الأخرى من الآبنوس المزيّنة بالذهب والأحجار الكريمة .
حيّا موسى الفرعون بأدب الهي ، وقابل الفرعون التحيّة بغروره المعروف . . لم ينظر إلى عيني موسى ليتأمل النور الذي يشعّ منهما ، لم ينظر إلى زهد موسى وبساطته . . لم ينظر إلى شخصيته القويّة وهو يقف بشجاعة أمامه . . نظر فقط إلى الثياب المنسوجة من الصوف ، وراح يقارن بينها وبين ما يرتديه هو من ثياب كتانية رقيقة منسوجة بخيوط الذهب وإلى يديه المليئتين بأساور ذهبية ، من أجل هذا راح ينظر إليه باستعلاء .
لم يكن فرعون وحده كان معه وزيره هامان وشخصيات كبيرة في الدولة .
وراح الفرعون يحدّق في موسى الذي فَرّ من مصر قبل عشر سنوات وها هو يعود أكثر صلابة !
قال الفرعون :
وأخيراً عدت يا موسى .
نعم ولقد جئتك بخير الدنيا والآخرة .
قال الفرعون :
ماذا تقصد ؟
قال موسى :
إن الله قد أرسلني إليك لتعبده .
الله ؟!
الله ربّ العالمين . . ربّكم وربّ آبائكم الأولين . .
ونظر الفرعون بدهشة إلى رجال دولته وقال :
ألا تستمعون ؟!!
قال موسى :
رب السماوات والأرض ، وما بينهما إن كنتم موقنين .
ونظر الفرعون إلى رجاله بغضب وصاح مستهزأ :
إنّ رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون .
انحنى هامان للفرعون وقال مخاطباً موسى :
أنت تتحدّث بأشياء خطيرة . الشعب كلّه يعبد الفرعون ويسجد له . . وبنو إسرائيل يعبدونه أيضاً . . انه إله مصر .
قال هارون بهدوء :
انه ليس بإله .
وقال موسى :
ان الله وحده هو الربّ الذي ينبغي أن يُعبد . . هو الذي خلق الكون والوجود . . الله هو الذي خلق السحب وينزل المطر . . وهو الذي يخلق الشجر . .
قال الفرعون وهو يحاول محاصرة موسى :
لقد نسيت يا موسى أشياءً كثيرة . . نسيت اننا ربّيناك منذ كنت طفلاً رضيعاً .
قال موسى :
لقد كنت تذبح أطفال بني إسرائيل . . وتعذّب رجالهم وتقهر نساءهم . . وليست هذه بمنّة بعد أن عبّدت بني إسرائيل . .
وماذا عن فعلتك التي فعلتها ثم هربت من مصر .
لقد حصل ذلك خطأً لم أكن أنوي قتل الرجل . . وقد فررت لأنكم كنتم تخططون لقتلي . .
ولقد اختارني الله رسولاً إليك . . فأرسل معي بني إسرائيل ولا تعذبهم .
يتبع
تعليق