الاخ مصطفى اسمح لي بان ادرج نترجمة النوري الطبرسيCENTER]ترجمة النوري الطبرسي منقولة من مقدمة مستدرك الوسائل وهي للشيخ اغا بزرك الطهرني[/center]
هو الشيخ الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد بن تقي النوري الطبرسي امام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الاسلام في هذا القرن . ولد في ( 18 - شوال - 1254 ) في قرية ( يالو ) من قرى نور احدى كور طبرستان ونشأ بها يتيما ، فقد توفي والده الحجة الكبير وله ثمان سنين وقبل ان يبلغ الحلم اتصل بالفقيه الكبير المولى محمد علي المحلاتي ، ثم هاجر إلى طهران واتصل فيها بالعالم الجليل أبي زوجته الشيخ عبد الرحيم البروجردي فعكف على الاستفادة منه ، ثم هاجر معه إلى العراق في ( 1273 ) فزار أستاذه ورجع وبقي هو في النجف قرب أربع سنين ، ثم عاد إلى إيران ، ثم رجع إلى العراق في ( 1278 ) فلازم الآية الكبرى الشيخ عبد الحسين الطهراني الشهير بشيخ العراقين وبقي معه في كربلاء مدة وذهب معه إلى مشهد الكاظمين ( ع ) فبقي سنتين أيضا وفي آخرهما رزق حج البيت وذلك في ( 1280 ) ، ثم رجع إلى النجف الأشرف وحضر بحث الشيخ المرتضى الأنصاري أشهرا قلائل إلى أن توفي الشيخ في ( 1281 ) فعاد إلى إيران في ( 1284 ) وزار
الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، ورجع إلى العراق أيضا في ( 1286 ) وهي السنة التي توفي فيها
شيخه الطهراني ، وكان أول من اجازه ورزق حج البيت ثانيا ، ورجع إلى النجف فبقي فيها سنين لازم خلالها درس السيد المجدد الشيرازي ، ولما هاجر أستاذه إلى سامراء في ( 1291 ) لم يخبر تلاميذه بعزمه على البقاء بها في بادئ الامر ولما أعلن ذلك خف إليه الطلاب وهاجر إليه المترجم له في ( 1292 ) باهله وعياله مع شيخه المولى فتح علي السلطان آبادي وصهره على ابنته الشيخ فضل الله النوري وهم أول المهاجرين إليها ورزق حج البيت ثالثا ولما رجع سافر إلى إيران ثالثا في ( 1297 ) وزار مشهد الرضا ( عليه السلام ) ورجع فسافر إلى الحج رابعا ( 1299 ) ورجع فبقي في سامراء ملازما لأستاذه المجدد حتى توفي في ( 1312 ) فبقي المترجم له بعده بسامراء إلى ( 1314 ) فعاد إلى النجف عازما على البقاء بها حتى أدركه الاجل انتهى ملخصا عن ما ترجم به نفسه في آخر الجزء الثالث من كتابه " المستدرك " مع بعض الإضافات . كان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر ، فقد امتاز بعبقرية فذة ، وكان آية من آيات الله العجيبة ، كمنت فيه مواهب غريبة وملكات شريفة أهلته لان يعد في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب ،
وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة ، وهو في مجموع آثاره ومآثره ، انسان فرض لشخصه الخلود على مر العصور والزم المؤلفين والمؤرخين بالعناية به والإشادة بغزارة فضله ، فقد نذر نفسه لخدمة العلم ولم يكن يهمه غير البحث والتنقيب والفحص والتتبع ، وجمع شتات الاخبار وشذرات الحديث ونظم متفرقات الآثار وتأليف شوارد السير ، وقد رافقه التوفيق واعانته المشيئة الإلهية ، حتى ليظن الناظر في تصانيفه ان الله شمله بخاصة ألطافه ومخصوص عنايته ، وادخر له كنوزا قيمة لم يظفر بها أعاظم السلف من هواة الآثار ورجال هذا الفن ، بل يخيل للواقف على امره ان الله خلقه لحفظ البقية الباقية من تراث آل محمد عليه وعليهم السلام ( وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) .
تشرفت بخدمته للمرة الأولى في سامراء في ( 1313 ) بعد وفاة
المجدد الشيرازي بسنة وهي سنة ورودي العراق ، كما انها سنة وفاة
السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، وذلك عندما قصدت سامراء
زائرا قبل ورودي إلى النجف فوفقت لرؤية المترجم له بداره حيث
قصدتها لاستماع مصيبة الحسين ( عليه السلام ) وذلك يوم الجمعة
الذي ينعقد فيه مجلس بداره ، وكان المجلس غاصا بالحضور والشيخ
على الكرسي مشغول بالوعظ ، ثم ذكر المصيبة وتفرق الحاضرون ،
فانصرفت وفي نفسي ما يعلمه الله من اجلال واعجاب واكبار لهذا
الشيخ إذ رأيت فيه حين رأيته سمات الأبرار من رجالنا الأول . ولما
وصلت إلى النجف بقيت أمني النفس لو أن تتفق لي صلة مع هذا
الشيخ لاستفيد منه عن كثب ، ولما اتفقت هجرته إلى النجف في
( 1314 ) لازمته ملازمة الظل ست سنين حتى اختار الله له دار اقامته ،
ورأيت منه خلال هذه المدة قضايا عجيبة لو أردت شرحها لطال المقام ،
وبودي ان اذكر مجملا من ذلك ولو كان في ذلك خروج عن خطتنا
الايجازية ، فهذا - وأيم الحق - مقام الوفاء ، ووقت اعطاء النصف ،
وقضاء الحقوق ، فاني لعلي يقين من انني لا التقي بأستاذي المعظم
ومعلمي الأول بعد موقفي هذا الا في عرصات القيامة ، فما بالي لا أفي
حقه وأغنم رضاه .
كان - أعلى الله مقامه - ملتزما بالوظائف الشرعية على الدوام ،
وكان لكل ساعة من يومه شغل خاص لا يتخلف عنه ، فوقت كتابته
من بعد صلاة العصر إلى قرب الغروب ، ووقت مطالعته من بعد
العشاء إلى وقت النوم ، وكان لا ينام الا متطهرا ولا ينام من الليل الا
قليلا ، ثم يستيقظ قبل الفجر بساعتين فيجدد وضوءه - ولا يستعمل
الماء القليل بل كان لا يتطهر الا بالكر - ثم يتشرف قبل الفجر بساعة إلى
الحرم المطهر ، ويقف - صيفا وشتاء - خلف باب القبلة فيشتغل بنوافل
الليل إلى أن يأتي السيد داود نائب خازن الروضة وبيده مفاتيح الروضة
فيفتح الباب ويدخل شيخنا ، وهو أول داخل لها وقتذاك ، وكان يشترك
مع نائب الخازن بايقاد الشموع ثم يقف في جانب الرأس الشريف
فيشرع بالزيارة والتهجد إلى أن يطلع الفجر فيصلي الصبح جماعه مع
بعض خواصه من العباد والأوتاد ويشتغل بالتعقيب وقبل شروق
الشمس بقليل يعود إلى داره فيتوجه رأسا إلى مكتبته العظيمة المشتملة
على ألوف من نفائس الكتب والآثار النادرة العزيزة الوجود أو المنحصرة
عنده ، فلا يخرج منها الا للضرورة ، وفي الصباح يأتيه من كان يعينه
على مقابلة ما يحتاج إلى تصحيحه ومقابلته مما صنفه أو استنسخه من
كتب الحديث وغيرها ، كالعلامتين الشيخ علي بن إبراهيم القمي ،
والشيخ عباس بن محمد رضا القمي ، وكان معينه على المقابلة في النجف
وقبل الهجرة إلى سامراء وفيها أيضا المولى محمد تقي القمي الباوزئيري
الذي ترجمناه في القسم الأول من هذا الكتاب ص 238 .
وكان إذا دخل عليه أحد في حال المقابلة اعتذر منه أو قضى حاجته
باستعجال لئلا يزاحم وروده اشغاله العلمية ومقابلته ، اما في الأيام
الأخيرة وحينما كان مشغولا بتكميل ( المستدرك ) فقد قاطع الناس على
الاطلاق ، حتى أنه لو سئل عن شرح حديث أو ذكر خبر أو تفصيل
قضية أو تأريخ شئ أو حال راو أو غير ذلك من مسائل الفقه
والأصول ، لم يجب بالتفصيل بل يذكر للسائل مواضع الجواب ومصادره
فيما إذا كان في الخارج ، واما إذا كان في مكتبته فيخرج الموضوع من
أحد الكتب ويعطيه للسائل ليتأمله كل ذلك خوف مزاحمة الإجابة
الشغل الأهم من القراءة أو الكتابة وبعد الفراغ من اشغاله كان
يتغذى بغداء معين كما وكيفا ثم يقيل ويصلي الظهر أول الزوال وبعد
العصر يشتغل بالكتابة كما ذكرنا .
اما في يوم الجمعة فكان يغير منهجه ، ويشتغل بعد الرجوع من
الحرم الشريف بمطالعة بعض كتب الذكر والمصيبة لترتيب ما يقرؤه على
المنبر بداره ، ويخرج من مكتبته بعد الشمس بساعة إلى مجلسه العام
فيجلس ويحيي الحاضرين ويؤدي التعارفات ثم يرقى المنبر فيقرأ ما رآه
في الكتب بذلك اليوم ، ومع ذلك يحتاط في النقل بما لم يكن صريحا في
الاخبار الجزمية ، وكان إذا قرأ المصيبة تنحدر دموعه على شيبته وبعد
انقضاء المجلس يشتغل بوظائف الجمعة من التقليم والحلق وقص
الشارب والغسل والأدعية والآداب والنوافل وغيرها ، وكان لا يكتب
بعد عصر عصر الجمعة - على عادته - بل يتشرف إلى الحرم ويشتغل بالمأثور إلى
الغروب كانت هذه عادته إلى أن انتقل إلى جوار .
ومما سنه في تلك الأعوام : زيارة سيد الشهداء مشيا على الاقدام ،
فقد كان ذلك في عصر الشيخ الأنصاري من سنن الأخيار وأعظم
الشعائر ، لكن ترك في الأخير وصار من علائم الفقر وخصائص الأدنين
من الناس ، فكان العازم على ذلك يتخفى عن الناس لما في ذلك من
الذل والعار ، فلما رأى شيخنا ضعف هذا الامر اهتم له والتزمه فكان
في خصوص زيارة عيد الأضحى يكتري بعض الدواب لحمل الأثقال
والأمتعة ويمشي هو وصحبه ، لكنه لضعف مزاجه لا يستطيع قطع
المسافة من النجف إلى كربلاء بمبيت ليلة كما هو المرسوم عند أهله ، بل
يقضي في الطريق ثلاث ليال يبيت الأولى في ( المصلى ) والثانية في
( خان النصف ) والثالثة في ( خان النخيلة ) فيصل كربلاء في الرابعة
ويكون مشيه كل يوم ربع الطريق نصفه صبحا ونصفه عصرا ،
ويستريح وسط الطريق لأداء الفريضة وتناول الغذاء في ظلال خيمة
يحملها معه ، وفي السنة الثانية والثالثة زادت رغبة الناس والصلحاء
في الامر وذهب ما كان في ذلك من الإهانة والذل إلى أن صار عدد الخيم
في بعض السنين أزيد من ثلاثين لكل واحدة بين العشرين والثلاثين
نفرا ، وفي السنة الأخيرة يعني زيارة عرفة ( 1319 ) - وهي سنة الحج
الأكبر التي اتفق فيها عيد النيروز والجمعة والأضحى في يوم واحد
ولكثرة ازدحام الحجيج حصل في مكة وباء عظيم هلك فيه خلق كثير -
تشرفت بخدمة الشيخ إلى كربلاء ماشيا ، واتفق انه عاد بعد تلك
الزيارة إلى النجف ماشيا أيضا - بعد أن اعتاد على الركوب في العودة -
وذلك باستدعاء الميرزا محمد مهدي بن المولى محمد صالح المازندراني
الأصفهاني صهر الشيخ محمد باقر بن محمد تقي محشي ( المعالم ) ، وذلك
لأنه كان نذر ان يزور النجف ماشيا ولما اتفقت له ملاقاة شيخنا في
كربلاء طلب منه ان يصحبه في العودة ففعل ، وفي تلك السفرة بدأ به
المرض الذي كانت فيه وفاته يوم خروجه من النجف وذلك على اثر اكل
الطعام الذي حمله بعض أصحابه في اناء مغطى الرأس حبس فيه الزاد
بحرارته فلم ير الهواء وكل من ذاق ذلك الطعام ابتلي بالقئ والاسهال ،
وكان عدة أصحاب الشيخ قرب الثلاثين ولم يبتل بذلك بعضهم لعدم
الأكل - وانا كنت من جملتهم - ، وقد ابتلي منهم بالمرض قرب العشرين
وبعضهم أشد من بعض وذلك لاختلافهم في مقدار الأكل من ذلك ،
ونجا أكثرهم بالقئ الا شيخنا لما عرضت له حالة الاستفراغ امسك
شديدا حفظا لبقية الأصحاب عن الوحشة والاضطراب . فبقاء ذلك
الطعام في جوفه اثر عليه كما أخبرني به بعد يومين من ورودنا كربلاء
قال : اني أحس بجوفي قطعة حجر لا تتحرك عن مكانها ، وفي عودتنا
إلى النجف عرض له القئ في الطريق لكنه لم يجده ، وابتلي بالحمى
وكان يشتد مرضه يوما فيوما إلى أن توفي في ليلة الأربعاء لثلاث بقين من
جمادى الثانية " 1320 " ودفن بوصية منه بين العترة والكتاب يعني في
الإيوان الثالث عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف من باب القبلة
وكان يوم وفاته مشهودا جزع فيه سائر الطبقات ولا سيما العلماء . ورثاه
جمع من الشعراء وأرخ وفاته آخرون منهم الشاعر الفحل الشيخ محمد
الملا التستري المتوفى في ( 1322 ) قال :
مضى الحسين الذي تجسد من * نور علوم من عالم الذر
قدس مثوى منه حوى علما * مقدس النفس طيب الذكر
أوصافه عطرت فانشقنا * منهن تأريخه ( شذى العطر ) ( 1 )
ولجثمانه كرامة ، فقد حدثني العالم العادل والثقة الورع السيد
محمد بن أبي القاسم الكاشاني النجفي قال : لما حضرت زوجته الوفاة
أوصت ان تدفن إلى جنبه ولما حضرت دفنها - وكان ذلك بعد وفاة الشيخ
بسبع سنين - نزلت في السرداب لأضع خدها على التراب حيث كانت
من محارمي لبعض الأسباب ، فلما كشفت عن وجهها حانت مني التفاتة
إلى جسد الشيخ زوجها فرأيته طريا كيوم دفن ، حتى أن طول المدة لم
يؤثر على كفنه ولم يمل لونه من البياض إلى الصفرة .
ترك شيخنا آثارا هامة قلما رأت عين الزمن نظيرها في حسن النظم
وجودة التأليف وكفى بها كرامة له ، ونعود إلى حديثنا الأول فنقول : لو
تأمل انسان ما خلفه النوري من الاسفار الجليلة ، والمؤلفات الخطيرة
التي تموج بمياه التحقيق والتدقيق وتوقف على سعة في الاطلاع عجيبة ،
لم يشك في أنه مؤيد بروح القدس لان أكثر هذه الآثار مما أفرغه في
قالب التأليف بسامراء وهو يومذاك من أعاظم أصحاب السيد المجدد
الشيرازي وقدمائهم وكبرائهم ، وكان يرجع إليه مهام أموره وعنه يصدر
الرأي ، وكان من عيون تلامذته المعروفين في الآفاق فكانت مراسلات
سائر البلاد بتوسطه غالبا وأجوبة الرسائل تصدر عنه وبقلمه ، وكان
قضاء حوائج المهاجرين بسعيه أيضا كما كان سفير المجدد ونائبه في
التصدي لسائر الأمور كزيارة العلماء والاشراف الواردين إلى سامراء
واستقبالهم ، وتوديع العائدين إلى أماكنهم ، وتنظيم أمور معاش
الطلاب وارضائهم ، وعيادة المرضى وتهيئة لوازمهم وتجهيز الموتى
وتشييعهم ، وترتيب مجالس عزاء سيد الشهداء ( عليه السلام )
والاطعامات الكثيرة وسائر اشغال مرجع عظيم كالمجدد الشيرازي ،
وغير ذلك كالزمن الذي ضاع عليه في الاسفار المذكورة في أول ترجمته ،
- وكانت له عند السيد المجدد مكانة سامية للغاية فكان لا يسميه باسمه
بل يناديه ب ( حاج آغا ) احتراما له وورث ذلك عنه أولاده فقد كان
ذلك اسم النوري في أيام سكنانا بسامراء - افترى ان من يقوم بهذه
الشواغل الاجتماعية المتراكمة من حوله يستطيع ان يعطي المكتبة نصيبها
الذي تحتاجه حياته العلمية ، نعم ان البطل النوري لم يكن ذلك كله
صارفا له عن اعماله
قد خرج له في تلك الظروف ما ناف على ثلاثين
مجلدا من التصانيف الباهرة غير كثير مما استنسخه بخطه الشريف من
الكتب النادرة النفيسة ، اما في النجف وبعد وفاة السيد المجدد فلم يكن
وضعه المادي كما ينبغي أن يكون لمثله وأتخطر إلى الآن أنه قال لي يوما :
اني أموت وفي قلبي حسرة ( 1 ) وهي اني ما رأيت أحدا آخر عمري يقول
لي يا فلان خذ هذا المال فاصرفه في قلمك وقرطاسك أو اشتر به كتابا أو
‹ صفحة 50 ›
اعطه لكاتب يعنيك على عملك . ومع ذلك فلم يصبه ملل أو كسل
فقد كان باذلا جهده ومواصلا عمله حتى الساعة الأخيرة من عمره
وتصانيفه صنفان " الأول " ما طبع في حياته وانتشرت نسخة في الآفاق
وهو " نفس الرحمان " في فضائل سيدنا سلمان طبع في ( 1285 ) و " دار
السلام " فيما يتعلق بالرؤيا والمنام فرغ من تأليف بسامراء في ( 1292 )
وطبع في طهران كلا جزأيه في ( 1305 ) ضمن مجلد ضخم كبير وطبع
الجزء الأول منه مستقلا مرة ثانية ذكرناه مفصلا في " الذريعة " ج 8 ص
20 و " فصل الخطاب " في مسألة تحريف الكتاب فرغ منه في النجف في
" 28 - ج 2 - 1292 ) وطبع في ( 1298 ) وبعد نشره اختلف بعضهم
فيه وكتب الشيخ محمود الطهراني الشهير بمعرب رسالة في الرد عليه
سماها " كشف الارتياب " عن تحريف الكتاب . وأورد فيها بعض
الشبهات وبعثها إلى المجدد الشيرازي فأعطاها للشيخ النوري وقد
أجاب عنها برسالة فارسية مخصوصة نذكرها في القسم الثاني المخطوط
من تآليفه ، و " معالم العبر " في استدراك " البحار " السابع عشر
و " جنة المأوى " فيمن فاز بلقاء الحجة ( عليه السلام ) في الغيبة الكبرى
من الذين لم يذكرهم صاحب " البحار " أورد فيه تسعا وخمسين حكاية
فرغ منه في ( 1302 ) وطبعه المرحوم الحاج محمد حسن الأصفهاني
الملقب ب ( الكمباني ) امين دار الضرب في آخر المجلد الثالث عشر من
البحار الذي هو تتميم له وطبع ثانيا في طهران في ( 1333 ) راجع
تفصيل ما ذكرناه في ( الذريعة ) ج 5 ص 159 - 160 و ( الفيض
القدسي ) في أحوال العلامة المجلسي ، فرغ منه في ( 1302 ) وطبع بها
في أول ( البحار ) طبعة امين الضرب المذكور و ( الصحيفة الثانية
العلوية ) و ( الصحيفة الرابعة السجادية ) و ( النجم الثاقب ) في أحوال
الامام الغائب ( ع ) فارسي و ( الكلمة الطيبة ) فارسي أيضا و ( ميزان
السماء ) في تعيين مولد خاتم الأنبياء فارسي ألفه بطهران في زيارته
( 1299 ) بالتماس العلامة الزعيم المولى علي الكني و ( البدر المشعشع )
في ذرية موسى المبرقع ، فرغ منه في ( 1308 ) وطبع فيها ببمبي
على الحجر وعليه تقريظ المجدد ونسخة منه بخطه أهداها كتابة للحجة
الميرزا محمد الطهراني وهي في مكتبته بسامراء كما فصلناه في ج 3 ص
68 و ( كشف الأستار ) عن وجه الغائب عن الابصار في الرد على
القصيدة البغدادية التي تضمنت انكار المهدي ( عليه السلام ) و ( سلامة
المرصاد ) فارسي في زيارة عاشوراء غير المعروفة واعمال مقامات مسجد
الكوفة غير ما هو الشائع الدائر بين الناس الموجود في المزارات المعروفة
و ( لؤلؤ ومرجان ) در شرط پله أول ودوم روضه خان ، يعني في
الدرجة الأولى والثانية للخطيب يعني بذلك الاخلاص والصد الفه قبل
وفاته بسنة وطبع مرتين و ( تحية الزائر ) استدرك به على ( تحفة الزائر )
للمجلسي وطبع ثلاث مرات وهو آخر تصانيفه حتى أنه توفي قبل اتمامه
فأتمه الشيخ عباس القمي حسب رغبة الشيخ وإرادته كما فصلناه في ج 3
ص 484 ، وطبع أيضا ديوان شعره الفارسي بقطع صغير ويسمى ب
( المولودية ) لأنه مجموع قصائد نظمها في الأيام المتبركة بمواليد الأئمة
وفيه قصيدة في مدح سامراء وهي قافيته وفيه قصيدته التي نظمها في مدح
صاحب الزمان في ( 1295 ) . وعد السيد محمد مرتضى الجنفوري في
رسالته التي ألفها فهرسا لتصانيف الشيخ النوري من تصانيفه الفارسية
المطبوعة ، جوابه عن سؤال السيد محمد حسن الكمال پوري المطبوع في
( البركات الأحمدية ) . واهم آثاره المطبوعة - وغير المطبوعة - وأعظمها
شأنا واجلها قدرا هو ( مستدرك الوسائل ) فيه على كتاب
( وسائل الشيعة ) الذي الفه المحدث الشيخ محمد الحر العاملي المتوفى في
( 1104 ) والذي هو أحد المجاميع الثلاثة المتأخرة وهذا الكتاب في
ثلاث مجلدات كبار بقدر الوسائل اشتمل على زهاء ثلاثة وعشرين الف
حديثا جمعها من مواضيع متفرقة ومن كتب معتمدة مشتتة مرتبا لها على
ترتيب الوسائل ، وقد ذيلها بخاتمة ذات فوائد جليلة لا توجد في كتب
الأصحاب وجعل لها فهرسا تاما للأبواب نظير فهرس الوسائل الذي
سماه الحر ب ( من لا يحضره الامام ) . ولكن مباشر الطبع عمل جدولا
من نفسه للفهرست وكتب كل باب في جدول فأدرج كل ما يسعه الجدول
من الكلمات وأسقط الباقي فصار الفهرس المطبوع ناقصا ، وبالجملة
لقد حظي هذا الكتاب بالقبول لدى عامة الفحول المتأخرين ممن يقام
لآرائهم الوزن الراجح فقد اعترفوا جميعا بتقدم المؤلف وتبحره ورسوخ
قدمه وأصبح في الاعتبار كسائر المجاميع الحديثية المتأخرة ، فيجب على
عامة المجتهدين الفحول ان يطلعوا عليه ويرجعوا إليه في استنباط
الاحكام عن الأدلة كي يتم لهم الفحص عن المعارض ويحصل اليأس
عن الظفر بالمخصص حيث أذعن بذلك جل علمائنا المعاصرين
للمؤلف من أدركنا بحثه وتشرفنا بملازمته ، فقد سمعت شيخنا المولى
محمد كاظم الخراساني صاحب ( الكفاية ) يلقي ما ذكرناه على تلامذته
الحاضرين تحت منبره البالغين إلى خمس مائة أو أكثر بين مجتهدا أو قريب
من الاجتهاد بان الحجة للمجتهد في عصرنا هذا لا تتم قبل الرجوع إلى
( المستدرك ) والاطلاع على ما فيه من الأحاديث انتهى . هذا ما قاله
بنفسه عندما وصل بحث : العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص .
وكان بنفسه يلتزم ذلك عملا ، فقد شاهدت عمله على ذلك عدة ليال
وفقت فيها لحضور مجلسه الخصوصي في داره الذي كان ينعقد بعد
الدرس العمومي لبعض خواص تلامذته كالسيد أبي الحسن الموسوي ،
والشيخ عبد الله الگلپايگاني ، والشيخ علي الشاهرودي ، والشيخ
مهدي المازندراني ، والسيد راضي الأصفهاني وغيرهم ، وذلك للبحث
في أجوبة الاستفتاءات ، فكان يأمرهم بالرجوع إلى الكتب الحاضرة في
ذلك المجلس وهي " الجواهر " و " الوسائل " و " مستدرك الوسائل "
فكان يأمرهم بقراءة ما في المستدرك في الحديث الذي يكون مدركا
للفرع المبحوث عنه كما أشرت إليه في " الذريعة " ج 2 ص
110 - 111 ، واما شيخنا الحجة شيخ الشريعة الأصفهاني فكان من
الغالين في المستدرك ومؤلفه ، سألته ذات يوم - وكنا نحضر بحثه في
الرجال - عن مصدره في المحاضرات التي كان يلقيها علينا فأجاب : كلنا
عيال على النوري . يشير بذلك إلى المستدرك . وكذا كان شيخنا
الأعظم الميرزا محمد تقي الشيرازي وغير هؤلاء من الفطاحل مقر له
بالعظمة رحمه الله .
و " الصنف الثاني " من آثار المترجم له مؤلفاته غير المطبوعة وهي
" مواقع النجوم " ومرسلة الدر المنظوم . والشجرة المونقة العجيبة . وهو
سلسلة في إجازات العلماء من عصره إلى زمن الغيبة ، وهو أول مؤلفاته
فرغ منه ليلة الاثنين " 24 - رجب - 1275 " ورسالة فارسية في جواب
شبهات فصل الخطاب ، و " ظلمات الهاوية " في مثالب معاوية
و " شاخه طوبى " في عشرة آلاف بيت في الختوم واعمال شهر ربيع
الأول وبعض المطايبات . وتقريرات بحث أستاذه الطهراني وتقريرات
المجدد رآهما بخطه الشريف في مكتبة الميرزا محمد العسكري ، لكنه
احتمل ان الثاني لغيره وإنما استنسخه بخطه ومجموعة في المتفرقات فيها
فوائد نادره و " الأربعونيات " مقالة مختصرة كتبها على هامش نسخة
" الكلمة الطيبة " المطبوع جمع فيها أربعين امرا من الأمور التي أضيف
إليها عدد الأربعين في اخبار الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) كما
ذكرته في ج 1 ص 436 و " اخبار حفظ القرآن " ورسالة في ترجمة المولى
أبي الحسن الشريف رأيتها بخطه على تفسير الشريف الموجود في " مكتبة
الميرزا محمد العسكري " في سامراء . وفهرس كتب خزانته رتبه على
حروف الهجاء ورسالة في مواليد الأئمة " ع " على ما هو الأصح عنده
اخذها الآغا نور محمد خان الكابلي نزيل كرمنشاه و " مستدرك مزار
البحار " لم يتم و " حواشي رجال أبي علي " لم تتم و " حواشي توضيح
المقال " الذي طبع في آخر رجال " أبي علي " نقلت جملة منها على نسختي
وضاعت مني وله ترجمة المجلد الثاني من " دار السلام " لم تتم إلى غير
ذلك من الحواشي والرسائل غير التامة و " أجوبة المسائل " والأوراق
المتفرقة ، وقد كتب ما كان يمليه في مجالس وعظه من الأخلاق والآداب
جماعة منهم : المولى محمد حسين القمشهي الصغير الذي مر ذكره في
القسم الأول من هذا الكتاب ص 520 كما أنه لم يدع كتابا في مكتبته
الا وعلق عليه وشرح موضوعه وأحواله مؤلفه ، وما هنالك من
الفوائد ، وأسفي شديد على ضياع تلك المكتبة وتفرقها حيث كان فيها
بعض الأصول الأربعمائة التي لم يقف عليها أحد قبله ، وله في جمع
الكتب قضايا . مر ذات يوم في السوق فرأى أصلا من الأصول الأربعمائة
في يد امرأة عرضته للبيع ولم يكن معه شئ من المال فباع بعض ما عليه
من الألبسة واشترى الكتاب ، وأمثال ذلك كثير وهو سند من أجل
الاسناد الثابتة ليوم المعاد ، وكيف لا وهو خريت هذه الصناعة وامام
هذا الفن فقد سبر غور علم الحديث حتى وصل إلى الأعماق فعرف
الحابل من النابل وماز الغث من السمين ، وهو خاتمة المجتهدين فيه
اخذه عنه كل من تأخر من اعلام الدين وحجج الاسلام وقلما كتبت
إجازة منذ نصف قرن إلى اليوم ولم تصدر باسمه الشريف ، وسيبقى
خالد الذكر ما بقي لهذه العادة المتبعة من رسم ، وهو أول من أجازني
والحقني بطبقة الشيوخ في سن الشباب وقد صدرت عنه إجازات كثيرة
بين كبيرة ومتوسطة ومختصرة وشفاهية ذكرنا منها في ( الذريعة ) ج 1 ص
181 ست إجازات وقد ترجمنا والده في القسم الأول من ( الكرام
البررة ) ص 222 ولشيخنا أربعة اخوة كلهم أكبر منه : الفقيه الكبير
الشيخ الميرزا هادي اشتغل في النجف مدة طويلة وعاد إلى بلاده بعد
وفاة والده بسنين فصار مرجعا للأمور ثلاث عشرة سنة إلى أن توفي في
حدود ( 1290 ) وخلف ولده الميرزا مهدي العالم الحكيم الآغا ميرزا
علي ، كان فقيها فيلسوفا انتهت إليه المرجعية بعد أخيه المذكور إلى أن
توفي في نيف وتسعين ومائتين والف ، ووالدته ابنة الميرزا ولي المستوفي
والميرزا حسن والميرزا قاسم كانا من الفضلاء الاعلام كما كانا
يدرسان سطوح الفقه والأصول وتوفيا قبل ( 1300 ) والمترجم له
أصغرهم رحمهم الله جميعا . هذا ملخص أحوال شيخنا النوري ولعل
الغير يرى فيه اطنابا أو اغراقا اما انا فلم اكتب عنه سوى مختصر مما رأيته
أيام معاشرتي له ، والله شهيد على ما أقول فقد رأيته عالما ربانيا إلاهيا .
وما خفي عني أكثر وأكثر والله المحيط
هو الشيخ الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد بن تقي النوري الطبرسي امام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الاسلام في هذا القرن . ولد في ( 18 - شوال - 1254 ) في قرية ( يالو ) من قرى نور احدى كور طبرستان ونشأ بها يتيما ، فقد توفي والده الحجة الكبير وله ثمان سنين وقبل ان يبلغ الحلم اتصل بالفقيه الكبير المولى محمد علي المحلاتي ، ثم هاجر إلى طهران واتصل فيها بالعالم الجليل أبي زوجته الشيخ عبد الرحيم البروجردي فعكف على الاستفادة منه ، ثم هاجر معه إلى العراق في ( 1273 ) فزار أستاذه ورجع وبقي هو في النجف قرب أربع سنين ، ثم عاد إلى إيران ، ثم رجع إلى العراق في ( 1278 ) فلازم الآية الكبرى الشيخ عبد الحسين الطهراني الشهير بشيخ العراقين وبقي معه في كربلاء مدة وذهب معه إلى مشهد الكاظمين ( ع ) فبقي سنتين أيضا وفي آخرهما رزق حج البيت وذلك في ( 1280 ) ، ثم رجع إلى النجف الأشرف وحضر بحث الشيخ المرتضى الأنصاري أشهرا قلائل إلى أن توفي الشيخ في ( 1281 ) فعاد إلى إيران في ( 1284 ) وزار
الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، ورجع إلى العراق أيضا في ( 1286 ) وهي السنة التي توفي فيها
شيخه الطهراني ، وكان أول من اجازه ورزق حج البيت ثانيا ، ورجع إلى النجف فبقي فيها سنين لازم خلالها درس السيد المجدد الشيرازي ، ولما هاجر أستاذه إلى سامراء في ( 1291 ) لم يخبر تلاميذه بعزمه على البقاء بها في بادئ الامر ولما أعلن ذلك خف إليه الطلاب وهاجر إليه المترجم له في ( 1292 ) باهله وعياله مع شيخه المولى فتح علي السلطان آبادي وصهره على ابنته الشيخ فضل الله النوري وهم أول المهاجرين إليها ورزق حج البيت ثالثا ولما رجع سافر إلى إيران ثالثا في ( 1297 ) وزار مشهد الرضا ( عليه السلام ) ورجع فسافر إلى الحج رابعا ( 1299 ) ورجع فبقي في سامراء ملازما لأستاذه المجدد حتى توفي في ( 1312 ) فبقي المترجم له بعده بسامراء إلى ( 1314 ) فعاد إلى النجف عازما على البقاء بها حتى أدركه الاجل انتهى ملخصا عن ما ترجم به نفسه في آخر الجزء الثالث من كتابه " المستدرك " مع بعض الإضافات . كان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر ، فقد امتاز بعبقرية فذة ، وكان آية من آيات الله العجيبة ، كمنت فيه مواهب غريبة وملكات شريفة أهلته لان يعد في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب ،
وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة ، وهو في مجموع آثاره ومآثره ، انسان فرض لشخصه الخلود على مر العصور والزم المؤلفين والمؤرخين بالعناية به والإشادة بغزارة فضله ، فقد نذر نفسه لخدمة العلم ولم يكن يهمه غير البحث والتنقيب والفحص والتتبع ، وجمع شتات الاخبار وشذرات الحديث ونظم متفرقات الآثار وتأليف شوارد السير ، وقد رافقه التوفيق واعانته المشيئة الإلهية ، حتى ليظن الناظر في تصانيفه ان الله شمله بخاصة ألطافه ومخصوص عنايته ، وادخر له كنوزا قيمة لم يظفر بها أعاظم السلف من هواة الآثار ورجال هذا الفن ، بل يخيل للواقف على امره ان الله خلقه لحفظ البقية الباقية من تراث آل محمد عليه وعليهم السلام ( وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) .
تشرفت بخدمته للمرة الأولى في سامراء في ( 1313 ) بعد وفاة
المجدد الشيرازي بسنة وهي سنة ورودي العراق ، كما انها سنة وفاة
السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، وذلك عندما قصدت سامراء
زائرا قبل ورودي إلى النجف فوفقت لرؤية المترجم له بداره حيث
قصدتها لاستماع مصيبة الحسين ( عليه السلام ) وذلك يوم الجمعة
الذي ينعقد فيه مجلس بداره ، وكان المجلس غاصا بالحضور والشيخ
على الكرسي مشغول بالوعظ ، ثم ذكر المصيبة وتفرق الحاضرون ،
فانصرفت وفي نفسي ما يعلمه الله من اجلال واعجاب واكبار لهذا
الشيخ إذ رأيت فيه حين رأيته سمات الأبرار من رجالنا الأول . ولما
وصلت إلى النجف بقيت أمني النفس لو أن تتفق لي صلة مع هذا
الشيخ لاستفيد منه عن كثب ، ولما اتفقت هجرته إلى النجف في
( 1314 ) لازمته ملازمة الظل ست سنين حتى اختار الله له دار اقامته ،
ورأيت منه خلال هذه المدة قضايا عجيبة لو أردت شرحها لطال المقام ،
وبودي ان اذكر مجملا من ذلك ولو كان في ذلك خروج عن خطتنا
الايجازية ، فهذا - وأيم الحق - مقام الوفاء ، ووقت اعطاء النصف ،
وقضاء الحقوق ، فاني لعلي يقين من انني لا التقي بأستاذي المعظم
ومعلمي الأول بعد موقفي هذا الا في عرصات القيامة ، فما بالي لا أفي
حقه وأغنم رضاه .
كان - أعلى الله مقامه - ملتزما بالوظائف الشرعية على الدوام ،
وكان لكل ساعة من يومه شغل خاص لا يتخلف عنه ، فوقت كتابته
من بعد صلاة العصر إلى قرب الغروب ، ووقت مطالعته من بعد
العشاء إلى وقت النوم ، وكان لا ينام الا متطهرا ولا ينام من الليل الا
قليلا ، ثم يستيقظ قبل الفجر بساعتين فيجدد وضوءه - ولا يستعمل
الماء القليل بل كان لا يتطهر الا بالكر - ثم يتشرف قبل الفجر بساعة إلى
الحرم المطهر ، ويقف - صيفا وشتاء - خلف باب القبلة فيشتغل بنوافل
الليل إلى أن يأتي السيد داود نائب خازن الروضة وبيده مفاتيح الروضة
فيفتح الباب ويدخل شيخنا ، وهو أول داخل لها وقتذاك ، وكان يشترك
مع نائب الخازن بايقاد الشموع ثم يقف في جانب الرأس الشريف
فيشرع بالزيارة والتهجد إلى أن يطلع الفجر فيصلي الصبح جماعه مع
بعض خواصه من العباد والأوتاد ويشتغل بالتعقيب وقبل شروق
الشمس بقليل يعود إلى داره فيتوجه رأسا إلى مكتبته العظيمة المشتملة
على ألوف من نفائس الكتب والآثار النادرة العزيزة الوجود أو المنحصرة
عنده ، فلا يخرج منها الا للضرورة ، وفي الصباح يأتيه من كان يعينه
على مقابلة ما يحتاج إلى تصحيحه ومقابلته مما صنفه أو استنسخه من
كتب الحديث وغيرها ، كالعلامتين الشيخ علي بن إبراهيم القمي ،
والشيخ عباس بن محمد رضا القمي ، وكان معينه على المقابلة في النجف
وقبل الهجرة إلى سامراء وفيها أيضا المولى محمد تقي القمي الباوزئيري
الذي ترجمناه في القسم الأول من هذا الكتاب ص 238 .
وكان إذا دخل عليه أحد في حال المقابلة اعتذر منه أو قضى حاجته
باستعجال لئلا يزاحم وروده اشغاله العلمية ومقابلته ، اما في الأيام
الأخيرة وحينما كان مشغولا بتكميل ( المستدرك ) فقد قاطع الناس على
الاطلاق ، حتى أنه لو سئل عن شرح حديث أو ذكر خبر أو تفصيل
قضية أو تأريخ شئ أو حال راو أو غير ذلك من مسائل الفقه
والأصول ، لم يجب بالتفصيل بل يذكر للسائل مواضع الجواب ومصادره
فيما إذا كان في الخارج ، واما إذا كان في مكتبته فيخرج الموضوع من
أحد الكتب ويعطيه للسائل ليتأمله كل ذلك خوف مزاحمة الإجابة
الشغل الأهم من القراءة أو الكتابة وبعد الفراغ من اشغاله كان
يتغذى بغداء معين كما وكيفا ثم يقيل ويصلي الظهر أول الزوال وبعد
العصر يشتغل بالكتابة كما ذكرنا .
اما في يوم الجمعة فكان يغير منهجه ، ويشتغل بعد الرجوع من
الحرم الشريف بمطالعة بعض كتب الذكر والمصيبة لترتيب ما يقرؤه على
المنبر بداره ، ويخرج من مكتبته بعد الشمس بساعة إلى مجلسه العام
فيجلس ويحيي الحاضرين ويؤدي التعارفات ثم يرقى المنبر فيقرأ ما رآه
في الكتب بذلك اليوم ، ومع ذلك يحتاط في النقل بما لم يكن صريحا في
الاخبار الجزمية ، وكان إذا قرأ المصيبة تنحدر دموعه على شيبته وبعد
انقضاء المجلس يشتغل بوظائف الجمعة من التقليم والحلق وقص
الشارب والغسل والأدعية والآداب والنوافل وغيرها ، وكان لا يكتب
بعد عصر عصر الجمعة - على عادته - بل يتشرف إلى الحرم ويشتغل بالمأثور إلى
الغروب كانت هذه عادته إلى أن انتقل إلى جوار .
ومما سنه في تلك الأعوام : زيارة سيد الشهداء مشيا على الاقدام ،
فقد كان ذلك في عصر الشيخ الأنصاري من سنن الأخيار وأعظم
الشعائر ، لكن ترك في الأخير وصار من علائم الفقر وخصائص الأدنين
من الناس ، فكان العازم على ذلك يتخفى عن الناس لما في ذلك من
الذل والعار ، فلما رأى شيخنا ضعف هذا الامر اهتم له والتزمه فكان
في خصوص زيارة عيد الأضحى يكتري بعض الدواب لحمل الأثقال
والأمتعة ويمشي هو وصحبه ، لكنه لضعف مزاجه لا يستطيع قطع
المسافة من النجف إلى كربلاء بمبيت ليلة كما هو المرسوم عند أهله ، بل
يقضي في الطريق ثلاث ليال يبيت الأولى في ( المصلى ) والثانية في
( خان النصف ) والثالثة في ( خان النخيلة ) فيصل كربلاء في الرابعة
ويكون مشيه كل يوم ربع الطريق نصفه صبحا ونصفه عصرا ،
ويستريح وسط الطريق لأداء الفريضة وتناول الغذاء في ظلال خيمة
يحملها معه ، وفي السنة الثانية والثالثة زادت رغبة الناس والصلحاء
في الامر وذهب ما كان في ذلك من الإهانة والذل إلى أن صار عدد الخيم
في بعض السنين أزيد من ثلاثين لكل واحدة بين العشرين والثلاثين
نفرا ، وفي السنة الأخيرة يعني زيارة عرفة ( 1319 ) - وهي سنة الحج
الأكبر التي اتفق فيها عيد النيروز والجمعة والأضحى في يوم واحد
ولكثرة ازدحام الحجيج حصل في مكة وباء عظيم هلك فيه خلق كثير -
تشرفت بخدمة الشيخ إلى كربلاء ماشيا ، واتفق انه عاد بعد تلك
الزيارة إلى النجف ماشيا أيضا - بعد أن اعتاد على الركوب في العودة -
وذلك باستدعاء الميرزا محمد مهدي بن المولى محمد صالح المازندراني
الأصفهاني صهر الشيخ محمد باقر بن محمد تقي محشي ( المعالم ) ، وذلك
لأنه كان نذر ان يزور النجف ماشيا ولما اتفقت له ملاقاة شيخنا في
كربلاء طلب منه ان يصحبه في العودة ففعل ، وفي تلك السفرة بدأ به
المرض الذي كانت فيه وفاته يوم خروجه من النجف وذلك على اثر اكل
الطعام الذي حمله بعض أصحابه في اناء مغطى الرأس حبس فيه الزاد
بحرارته فلم ير الهواء وكل من ذاق ذلك الطعام ابتلي بالقئ والاسهال ،
وكان عدة أصحاب الشيخ قرب الثلاثين ولم يبتل بذلك بعضهم لعدم
الأكل - وانا كنت من جملتهم - ، وقد ابتلي منهم بالمرض قرب العشرين
وبعضهم أشد من بعض وذلك لاختلافهم في مقدار الأكل من ذلك ،
ونجا أكثرهم بالقئ الا شيخنا لما عرضت له حالة الاستفراغ امسك
شديدا حفظا لبقية الأصحاب عن الوحشة والاضطراب . فبقاء ذلك
الطعام في جوفه اثر عليه كما أخبرني به بعد يومين من ورودنا كربلاء
قال : اني أحس بجوفي قطعة حجر لا تتحرك عن مكانها ، وفي عودتنا
إلى النجف عرض له القئ في الطريق لكنه لم يجده ، وابتلي بالحمى
وكان يشتد مرضه يوما فيوما إلى أن توفي في ليلة الأربعاء لثلاث بقين من
جمادى الثانية " 1320 " ودفن بوصية منه بين العترة والكتاب يعني في
الإيوان الثالث عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف من باب القبلة
وكان يوم وفاته مشهودا جزع فيه سائر الطبقات ولا سيما العلماء . ورثاه
جمع من الشعراء وأرخ وفاته آخرون منهم الشاعر الفحل الشيخ محمد
الملا التستري المتوفى في ( 1322 ) قال :
مضى الحسين الذي تجسد من * نور علوم من عالم الذر
قدس مثوى منه حوى علما * مقدس النفس طيب الذكر
أوصافه عطرت فانشقنا * منهن تأريخه ( شذى العطر ) ( 1 )
ولجثمانه كرامة ، فقد حدثني العالم العادل والثقة الورع السيد
محمد بن أبي القاسم الكاشاني النجفي قال : لما حضرت زوجته الوفاة
أوصت ان تدفن إلى جنبه ولما حضرت دفنها - وكان ذلك بعد وفاة الشيخ
بسبع سنين - نزلت في السرداب لأضع خدها على التراب حيث كانت
من محارمي لبعض الأسباب ، فلما كشفت عن وجهها حانت مني التفاتة
إلى جسد الشيخ زوجها فرأيته طريا كيوم دفن ، حتى أن طول المدة لم
يؤثر على كفنه ولم يمل لونه من البياض إلى الصفرة .
ترك شيخنا آثارا هامة قلما رأت عين الزمن نظيرها في حسن النظم
وجودة التأليف وكفى بها كرامة له ، ونعود إلى حديثنا الأول فنقول : لو
تأمل انسان ما خلفه النوري من الاسفار الجليلة ، والمؤلفات الخطيرة
التي تموج بمياه التحقيق والتدقيق وتوقف على سعة في الاطلاع عجيبة ،
لم يشك في أنه مؤيد بروح القدس لان أكثر هذه الآثار مما أفرغه في
قالب التأليف بسامراء وهو يومذاك من أعاظم أصحاب السيد المجدد
الشيرازي وقدمائهم وكبرائهم ، وكان يرجع إليه مهام أموره وعنه يصدر
الرأي ، وكان من عيون تلامذته المعروفين في الآفاق فكانت مراسلات
سائر البلاد بتوسطه غالبا وأجوبة الرسائل تصدر عنه وبقلمه ، وكان
قضاء حوائج المهاجرين بسعيه أيضا كما كان سفير المجدد ونائبه في
التصدي لسائر الأمور كزيارة العلماء والاشراف الواردين إلى سامراء
واستقبالهم ، وتوديع العائدين إلى أماكنهم ، وتنظيم أمور معاش
الطلاب وارضائهم ، وعيادة المرضى وتهيئة لوازمهم وتجهيز الموتى
وتشييعهم ، وترتيب مجالس عزاء سيد الشهداء ( عليه السلام )
والاطعامات الكثيرة وسائر اشغال مرجع عظيم كالمجدد الشيرازي ،
وغير ذلك كالزمن الذي ضاع عليه في الاسفار المذكورة في أول ترجمته ،
- وكانت له عند السيد المجدد مكانة سامية للغاية فكان لا يسميه باسمه
بل يناديه ب ( حاج آغا ) احتراما له وورث ذلك عنه أولاده فقد كان
ذلك اسم النوري في أيام سكنانا بسامراء - افترى ان من يقوم بهذه
الشواغل الاجتماعية المتراكمة من حوله يستطيع ان يعطي المكتبة نصيبها
الذي تحتاجه حياته العلمية ، نعم ان البطل النوري لم يكن ذلك كله
صارفا له عن اعماله
قد خرج له في تلك الظروف ما ناف على ثلاثين
مجلدا من التصانيف الباهرة غير كثير مما استنسخه بخطه الشريف من
الكتب النادرة النفيسة ، اما في النجف وبعد وفاة السيد المجدد فلم يكن
وضعه المادي كما ينبغي أن يكون لمثله وأتخطر إلى الآن أنه قال لي يوما :
اني أموت وفي قلبي حسرة ( 1 ) وهي اني ما رأيت أحدا آخر عمري يقول
لي يا فلان خذ هذا المال فاصرفه في قلمك وقرطاسك أو اشتر به كتابا أو
‹ صفحة 50 ›
اعطه لكاتب يعنيك على عملك . ومع ذلك فلم يصبه ملل أو كسل
فقد كان باذلا جهده ومواصلا عمله حتى الساعة الأخيرة من عمره
وتصانيفه صنفان " الأول " ما طبع في حياته وانتشرت نسخة في الآفاق
وهو " نفس الرحمان " في فضائل سيدنا سلمان طبع في ( 1285 ) و " دار
السلام " فيما يتعلق بالرؤيا والمنام فرغ من تأليف بسامراء في ( 1292 )
وطبع في طهران كلا جزأيه في ( 1305 ) ضمن مجلد ضخم كبير وطبع
الجزء الأول منه مستقلا مرة ثانية ذكرناه مفصلا في " الذريعة " ج 8 ص
20 و " فصل الخطاب " في مسألة تحريف الكتاب فرغ منه في النجف في
" 28 - ج 2 - 1292 ) وطبع في ( 1298 ) وبعد نشره اختلف بعضهم
فيه وكتب الشيخ محمود الطهراني الشهير بمعرب رسالة في الرد عليه
سماها " كشف الارتياب " عن تحريف الكتاب . وأورد فيها بعض
الشبهات وبعثها إلى المجدد الشيرازي فأعطاها للشيخ النوري وقد
أجاب عنها برسالة فارسية مخصوصة نذكرها في القسم الثاني المخطوط
من تآليفه ، و " معالم العبر " في استدراك " البحار " السابع عشر
و " جنة المأوى " فيمن فاز بلقاء الحجة ( عليه السلام ) في الغيبة الكبرى
من الذين لم يذكرهم صاحب " البحار " أورد فيه تسعا وخمسين حكاية
فرغ منه في ( 1302 ) وطبعه المرحوم الحاج محمد حسن الأصفهاني
الملقب ب ( الكمباني ) امين دار الضرب في آخر المجلد الثالث عشر من
البحار الذي هو تتميم له وطبع ثانيا في طهران في ( 1333 ) راجع
تفصيل ما ذكرناه في ( الذريعة ) ج 5 ص 159 - 160 و ( الفيض
القدسي ) في أحوال العلامة المجلسي ، فرغ منه في ( 1302 ) وطبع بها
في أول ( البحار ) طبعة امين الضرب المذكور و ( الصحيفة الثانية
العلوية ) و ( الصحيفة الرابعة السجادية ) و ( النجم الثاقب ) في أحوال
الامام الغائب ( ع ) فارسي و ( الكلمة الطيبة ) فارسي أيضا و ( ميزان
السماء ) في تعيين مولد خاتم الأنبياء فارسي ألفه بطهران في زيارته
( 1299 ) بالتماس العلامة الزعيم المولى علي الكني و ( البدر المشعشع )
في ذرية موسى المبرقع ، فرغ منه في ( 1308 ) وطبع فيها ببمبي
على الحجر وعليه تقريظ المجدد ونسخة منه بخطه أهداها كتابة للحجة
الميرزا محمد الطهراني وهي في مكتبته بسامراء كما فصلناه في ج 3 ص
68 و ( كشف الأستار ) عن وجه الغائب عن الابصار في الرد على
القصيدة البغدادية التي تضمنت انكار المهدي ( عليه السلام ) و ( سلامة
المرصاد ) فارسي في زيارة عاشوراء غير المعروفة واعمال مقامات مسجد
الكوفة غير ما هو الشائع الدائر بين الناس الموجود في المزارات المعروفة
و ( لؤلؤ ومرجان ) در شرط پله أول ودوم روضه خان ، يعني في
الدرجة الأولى والثانية للخطيب يعني بذلك الاخلاص والصد الفه قبل
وفاته بسنة وطبع مرتين و ( تحية الزائر ) استدرك به على ( تحفة الزائر )
للمجلسي وطبع ثلاث مرات وهو آخر تصانيفه حتى أنه توفي قبل اتمامه
فأتمه الشيخ عباس القمي حسب رغبة الشيخ وإرادته كما فصلناه في ج 3
ص 484 ، وطبع أيضا ديوان شعره الفارسي بقطع صغير ويسمى ب
( المولودية ) لأنه مجموع قصائد نظمها في الأيام المتبركة بمواليد الأئمة
وفيه قصيدة في مدح سامراء وهي قافيته وفيه قصيدته التي نظمها في مدح
صاحب الزمان في ( 1295 ) . وعد السيد محمد مرتضى الجنفوري في
رسالته التي ألفها فهرسا لتصانيف الشيخ النوري من تصانيفه الفارسية
المطبوعة ، جوابه عن سؤال السيد محمد حسن الكمال پوري المطبوع في
( البركات الأحمدية ) . واهم آثاره المطبوعة - وغير المطبوعة - وأعظمها
شأنا واجلها قدرا هو ( مستدرك الوسائل ) فيه على كتاب
( وسائل الشيعة ) الذي الفه المحدث الشيخ محمد الحر العاملي المتوفى في
( 1104 ) والذي هو أحد المجاميع الثلاثة المتأخرة وهذا الكتاب في
ثلاث مجلدات كبار بقدر الوسائل اشتمل على زهاء ثلاثة وعشرين الف
حديثا جمعها من مواضيع متفرقة ومن كتب معتمدة مشتتة مرتبا لها على
ترتيب الوسائل ، وقد ذيلها بخاتمة ذات فوائد جليلة لا توجد في كتب
الأصحاب وجعل لها فهرسا تاما للأبواب نظير فهرس الوسائل الذي
سماه الحر ب ( من لا يحضره الامام ) . ولكن مباشر الطبع عمل جدولا
من نفسه للفهرست وكتب كل باب في جدول فأدرج كل ما يسعه الجدول
من الكلمات وأسقط الباقي فصار الفهرس المطبوع ناقصا ، وبالجملة
لقد حظي هذا الكتاب بالقبول لدى عامة الفحول المتأخرين ممن يقام
لآرائهم الوزن الراجح فقد اعترفوا جميعا بتقدم المؤلف وتبحره ورسوخ
قدمه وأصبح في الاعتبار كسائر المجاميع الحديثية المتأخرة ، فيجب على
عامة المجتهدين الفحول ان يطلعوا عليه ويرجعوا إليه في استنباط
الاحكام عن الأدلة كي يتم لهم الفحص عن المعارض ويحصل اليأس
عن الظفر بالمخصص حيث أذعن بذلك جل علمائنا المعاصرين
للمؤلف من أدركنا بحثه وتشرفنا بملازمته ، فقد سمعت شيخنا المولى
محمد كاظم الخراساني صاحب ( الكفاية ) يلقي ما ذكرناه على تلامذته
الحاضرين تحت منبره البالغين إلى خمس مائة أو أكثر بين مجتهدا أو قريب
من الاجتهاد بان الحجة للمجتهد في عصرنا هذا لا تتم قبل الرجوع إلى
( المستدرك ) والاطلاع على ما فيه من الأحاديث انتهى . هذا ما قاله
بنفسه عندما وصل بحث : العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص .
وكان بنفسه يلتزم ذلك عملا ، فقد شاهدت عمله على ذلك عدة ليال
وفقت فيها لحضور مجلسه الخصوصي في داره الذي كان ينعقد بعد
الدرس العمومي لبعض خواص تلامذته كالسيد أبي الحسن الموسوي ،
والشيخ عبد الله الگلپايگاني ، والشيخ علي الشاهرودي ، والشيخ
مهدي المازندراني ، والسيد راضي الأصفهاني وغيرهم ، وذلك للبحث
في أجوبة الاستفتاءات ، فكان يأمرهم بالرجوع إلى الكتب الحاضرة في
ذلك المجلس وهي " الجواهر " و " الوسائل " و " مستدرك الوسائل "
فكان يأمرهم بقراءة ما في المستدرك في الحديث الذي يكون مدركا
للفرع المبحوث عنه كما أشرت إليه في " الذريعة " ج 2 ص
110 - 111 ، واما شيخنا الحجة شيخ الشريعة الأصفهاني فكان من
الغالين في المستدرك ومؤلفه ، سألته ذات يوم - وكنا نحضر بحثه في
الرجال - عن مصدره في المحاضرات التي كان يلقيها علينا فأجاب : كلنا
عيال على النوري . يشير بذلك إلى المستدرك . وكذا كان شيخنا
الأعظم الميرزا محمد تقي الشيرازي وغير هؤلاء من الفطاحل مقر له
بالعظمة رحمه الله .
و " الصنف الثاني " من آثار المترجم له مؤلفاته غير المطبوعة وهي
" مواقع النجوم " ومرسلة الدر المنظوم . والشجرة المونقة العجيبة . وهو
سلسلة في إجازات العلماء من عصره إلى زمن الغيبة ، وهو أول مؤلفاته
فرغ منه ليلة الاثنين " 24 - رجب - 1275 " ورسالة فارسية في جواب
شبهات فصل الخطاب ، و " ظلمات الهاوية " في مثالب معاوية
و " شاخه طوبى " في عشرة آلاف بيت في الختوم واعمال شهر ربيع
الأول وبعض المطايبات . وتقريرات بحث أستاذه الطهراني وتقريرات
المجدد رآهما بخطه الشريف في مكتبة الميرزا محمد العسكري ، لكنه
احتمل ان الثاني لغيره وإنما استنسخه بخطه ومجموعة في المتفرقات فيها
فوائد نادره و " الأربعونيات " مقالة مختصرة كتبها على هامش نسخة
" الكلمة الطيبة " المطبوع جمع فيها أربعين امرا من الأمور التي أضيف
إليها عدد الأربعين في اخبار الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) كما
ذكرته في ج 1 ص 436 و " اخبار حفظ القرآن " ورسالة في ترجمة المولى
أبي الحسن الشريف رأيتها بخطه على تفسير الشريف الموجود في " مكتبة
الميرزا محمد العسكري " في سامراء . وفهرس كتب خزانته رتبه على
حروف الهجاء ورسالة في مواليد الأئمة " ع " على ما هو الأصح عنده
اخذها الآغا نور محمد خان الكابلي نزيل كرمنشاه و " مستدرك مزار
البحار " لم يتم و " حواشي رجال أبي علي " لم تتم و " حواشي توضيح
المقال " الذي طبع في آخر رجال " أبي علي " نقلت جملة منها على نسختي
وضاعت مني وله ترجمة المجلد الثاني من " دار السلام " لم تتم إلى غير
ذلك من الحواشي والرسائل غير التامة و " أجوبة المسائل " والأوراق
المتفرقة ، وقد كتب ما كان يمليه في مجالس وعظه من الأخلاق والآداب
جماعة منهم : المولى محمد حسين القمشهي الصغير الذي مر ذكره في
القسم الأول من هذا الكتاب ص 520 كما أنه لم يدع كتابا في مكتبته
الا وعلق عليه وشرح موضوعه وأحواله مؤلفه ، وما هنالك من
الفوائد ، وأسفي شديد على ضياع تلك المكتبة وتفرقها حيث كان فيها
بعض الأصول الأربعمائة التي لم يقف عليها أحد قبله ، وله في جمع
الكتب قضايا . مر ذات يوم في السوق فرأى أصلا من الأصول الأربعمائة
في يد امرأة عرضته للبيع ولم يكن معه شئ من المال فباع بعض ما عليه
من الألبسة واشترى الكتاب ، وأمثال ذلك كثير وهو سند من أجل
الاسناد الثابتة ليوم المعاد ، وكيف لا وهو خريت هذه الصناعة وامام
هذا الفن فقد سبر غور علم الحديث حتى وصل إلى الأعماق فعرف
الحابل من النابل وماز الغث من السمين ، وهو خاتمة المجتهدين فيه
اخذه عنه كل من تأخر من اعلام الدين وحجج الاسلام وقلما كتبت
إجازة منذ نصف قرن إلى اليوم ولم تصدر باسمه الشريف ، وسيبقى
خالد الذكر ما بقي لهذه العادة المتبعة من رسم ، وهو أول من أجازني
والحقني بطبقة الشيوخ في سن الشباب وقد صدرت عنه إجازات كثيرة
بين كبيرة ومتوسطة ومختصرة وشفاهية ذكرنا منها في ( الذريعة ) ج 1 ص
181 ست إجازات وقد ترجمنا والده في القسم الأول من ( الكرام
البررة ) ص 222 ولشيخنا أربعة اخوة كلهم أكبر منه : الفقيه الكبير
الشيخ الميرزا هادي اشتغل في النجف مدة طويلة وعاد إلى بلاده بعد
وفاة والده بسنين فصار مرجعا للأمور ثلاث عشرة سنة إلى أن توفي في
حدود ( 1290 ) وخلف ولده الميرزا مهدي العالم الحكيم الآغا ميرزا
علي ، كان فقيها فيلسوفا انتهت إليه المرجعية بعد أخيه المذكور إلى أن
توفي في نيف وتسعين ومائتين والف ، ووالدته ابنة الميرزا ولي المستوفي
والميرزا حسن والميرزا قاسم كانا من الفضلاء الاعلام كما كانا
يدرسان سطوح الفقه والأصول وتوفيا قبل ( 1300 ) والمترجم له
أصغرهم رحمهم الله جميعا . هذا ملخص أحوال شيخنا النوري ولعل
الغير يرى فيه اطنابا أو اغراقا اما انا فلم اكتب عنه سوى مختصر مما رأيته
أيام معاشرتي له ، والله شهيد على ما أقول فقد رأيته عالما ربانيا إلاهيا .
وما خفي عني أكثر وأكثر والله المحيط
تعليق