البسملة أعظم آية في كتاب الله.. كتموها وأنكروها!
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 482
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 483
--------------------------------------------------------------------------------
المســألة: 98
خوف الجن والطلقاء ومحبيهم من البسملة!
كانت البسملة سلاحاً من الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) لطرد شياطين قريش، فعندما كانوا يجتمعون على باب داره ليسبوه أو يؤذوه، كان يرفع صوته بالبسملة فيولون فراراً!
في الكافي:8/266، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كتموا بسم الله الرحمن الرحيم، فنعم والله الأسماء كتموها، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته، فتولي قريش فراراً! فأنزل الله عز وجل في ذلك: (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً). (سورة الإسراء: 46)
وفي الكافي:2/624: عنه (عليه السلام) أنه قال للمفضل بن عمرو:
(يا مفضل إحتجز من الناس كلهم ببسم الله الرحمن الرحيم، وبقل هو الله أحد، إقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك فإذا دخلت على سلطان جائر فاقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرات، واعقد بيدك اليسرى ثم لاتفارقها حتى تخرج من عنده). انتهى.
وفي السنة الثامنة للهجرة فاجأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مشركي مكة بجيش من عشرة آلاف مقاتل، وأجبرهم على خلع سلاحهم والتسليم، وخيرهم بين الإسلام والقتل، فأسلموا مكرهين، فعفا عنهم وسماهم الطلقاء!
وبعد فتح مكة تكاثر الطلقاء في المدينة وسعوا ليكونوا أكثرية قوية واستطاعوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأخذوا خلافته في السقيفة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 484
--------------------------------------------------------------------------------
لكن خوفهم من البسملة بقي! فالذي كان بالأمس يؤذي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقرأ عليه البسملة فترتعد فرائصه ويولي فراراً، يصعب عليه أن يتحمل سماعها اليوم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجده بالمدينة! كما يصعب عليه أن يقرأها بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجهر بها؟!
وأول ما ظهر انتقام الطلقاء من البسملة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهم حرَّموا قولها بصوت عال، أي حذفوها عملياً من الصلاة!
وهذا معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): (كتموا بسم الله الرحمن الرحيم فنعم والله الأسماء كتموها)!!
ويبدو أنهم أقنعوا أبا بكر وعمر بذلك فتركاها، فقد رووا عنهما أنهما تركاها في صلاتهما!
ثم نشروا مقولة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يجهر بها!!
ثم وصل أمرهم إلى إنكار أن البسملة آية من القرآن كما سترى!!
قال النووي في المجموع:3/343: (قالوا: ولأن الجهر بها منسوخ، قال سعيد بن جبير: كان رسول الله (ص) يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بمكة، وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن، فقالوا إن محمداً يدعو إلى إله اليمامة، فأمر رسول الله (ص) فأخفاها فما جهر بها حتى مات.
قالوا: وسئل الدارقطني بمصر حين صنف كتاب الجهر فقال: لم يصح في الجهر بها حديث. قالوا: وقال بعض التابعين: الجهر بها بدعة! قالوا قياساً على التعوذ). انتهى.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 485
--------------------------------------------------------------------------------
ونلاحظ أنهم اعترفوا بجهر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها في مكة! وزعموا أن الوحي نسخها بسبب مسيلمة الذي قبل أن يوجد اسم مسيلمة!
أما (بعض التابعين) الذين قالوا إن الجهر بها بدعة! فمن يكونون غير بعض الطلقاء؟!!
وأما قول الدارقطني فهو عدم اطلاع منه أو تعصب، وستعرف أن الشافعية وغيرهم رووا أحاديث صحاحاً عن أبي هريرة وأنس في المدينة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجهر بها!
* * *
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 486
--------------------------------------------------------------------------------
المســألة: 99
تحير المخالفون لأهل البيت (عليهم السلام) في كل المسائل المتعلقة بالبسملة!
قال فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام):
البسملة أعظم آية في كتاب الله تعالى، وهي آية من سورة الحمد، ومن كل سورة عدا براءة، وفي سورة النمل آية وبعض آية.
وقد وافقنا على ذلك: الشافعي والزهري وعطاء وابن المبارك، فقط! ويستحب عندنا الجهر بها سواء في الصلاة الجهرية أو الإخفاتية. (راجع تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي:1/114)
أما أتباع المذاهب الأخرى فقد تحيروا في كل ما يتعلق بالسملة، واختلفوا فيها: هل هي من القرآن، أم هي زائدة للفصل بين السور؟
وهل هي من القرآن على سبيل القطع، أو على سبيل الظن؟
وهل هي جزء من سورة الحمد، أم لا؟
وهل هي جزء من كل سورة، أم لا؟
وهل تشرع قراءتها في الصلاة، أم لا؟
وهل يجهر بها، أم لا؟
وفي كل واحدة من هذه المسائل فروع اختلفوا فيها أيضاً! حتى بلغت آراؤهم المتعلقة بالبسملة عشرات الآراء والفتاوي!
وإذا أردت لكل رأي دليله من الأحاديث النبوية فهي جاهزة! وكلها صحيحة السند صريحة الدلالة، على الإثبات أو النفي، لا
فرق!!
أما الظنون والإستحسانات والإستنباطات فسوقها مزدحم، وفيها ما لا يخطر ببالك من الركاكة! مثل استدلالهم على عدم قرآنية البسملة بالحديث النبوي الذي يقول إن الله قسم سورة الحمد بينه وبين عبده، فقال أبو حنيفة إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدأ في الحديث من شرح آيات الحمد من آية: (الحمد لله) لا من البسملة، فهذا دليل على إعدام البسملة ونفيها من القرآن!
وقال إن القسمة لابد أن تكون متساوية وتكون الحمد ست آيات، ومع البسملة تكون سبع آيات ولا تنقسم قسمين متساويين!
فالبسملة ليست آية! والسبع المثاني ليست سورة الحمد!
قال السرخسي في المبسوط:1/15، مدافعاً عن رأي أبي حنيفة: (والمسألة في الحقيقة تنبني على أن التسمية ليست بآية من أول الفاتحة ولا من أوائل السور عندنا، وهو قول الحسن فإنه كان يعد إياك نعبد وإياك نستعين آية.....
ولنا حديث أبي هريرة عنه أن النبي (ص) قال يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى حمدني عبدي.... فالبداءة بقوله الحمد لله رب العالمين دليل على أن التسمية ليست بآية من أول الفاتحة، إذ لو كانت آية من أول الفاتحة لم تتحقق المناصفة فإنه يكون في النصف الأول أربع آيات إلا نصفاً، وقد نص على المناصفة. والسلف اتفقوا على أن سورة الكوثر ثلاث آيات، وهي ثلاث آيات بدون
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 488
--------------------------------------------------------------------------------
التسمية.
ولأن أدنى درجات اختلاف الأخبار والعلماء إيراث الشبهة، والقرآن لايثبت مع الشبهة فإن طريقه طريق اليقين والإحاطة). انتهى.
وقد فات أبو حنيفة ومقلده السرخسي: أنه لايناسب إمام مذهب مثله ولا طالب علم، أن ينتقي حديثاً واحداً في الموضوع ويفسره كمايظن وببني عليه مذهبا ً. فلماذا أغمض عينه عن أحاديث الباب الكثيرة الصحيحة الصريحة؟!
وفاتهما: أن بدء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بآية الحمد قد يكون لنسيان الراوي ما قاله (صلى الله عليه وآله وسلم) في البسملة، ولو صح أنه بدأ بها، فلا يكون دليلاً على قتل البسملة ورد أحاديث جزئيتها لسورة الحمد، وهي صحيحة عندهم!
وفاتهما: أن المناصفة بين الله تعالى وعبده في سورة الحمد، هي مناصفة معنوية قبل أن تكون لفظية بتعداد الكلمات والحروف!
وفات السرخسي: أن يقول لنا أي سلف هؤلاء الذين أجمعوا على عد سورة الكوثر ثلاث آيات، وكأنه لم يقرأ اختلاف أقوال العدادين ومبانيهم في عدِّ البسملة وتركها! أو وصل بعض الآيات وفصلها!
على أن أسوأ ما وقع فيه السرخسي قوله: (ولأن أدنى درجات اختلاف الأخبار والعلماء إيراث الشبهة، والقرآن لا يثبت مع الشبهة)!!
يقول مادامت توجد شبهة ولو بسيطة على قرآنية البسملة في الحمد وأوائل
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 489
--------------------------------------------------------------------------------
السور لحديث أو قول أحد العلماء، فقد اهتزت قرآنيتها ووجب أن لاتعد من القرآن!! فهل يلتزم هو بذلك في المعوذتين؟!
مهما يكن، فقد تأسفت لأني ضيعت وقتي في تتبع آرائهم في البسملة وتمحلاتهم وتوحلاتهم، فلاأضيع فيهاوقت القارئ، وأكتفي منها بنماذج قليلة وأكثرها من مجموع النووي فقد سوَّد كغيره صفحات كثيرة في الموضوع.
ولا يفوتني قبل ذلك أن أشير إلى أن المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) مع شدة اختلافهم وتناقض آرائهم في البسملة،اتفقوا على أن من جحد أنها من القرآن لا يحكم بكفره، ومن أثبتها منه على نحو الظن لا يحكم بكفره، ومن أثبتها على نحو القطع فإن كان من العلماء يحكم بكفره، وإن كان العوام فبعضهم يحكم بكفره وآخرون بإسلامه!!
البسملة في أوائل السور ليست عندهم من القرآن!
ومن قال إنها منه قال: أظن ظناً ولا أقطع!
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني:1/522: (وروي عن أحمد أنها ليست من الفاتحة ولا آية من غيرها ولا يجب قراءتها في الصلاة، وهي المنصورة عند أصحابه، وقول أبي حنيفة، ومالك، والأوزاعي، وعبد الله ابن معبد الرماني.
واختلف عن أحمد فيها فقيل عنه هي آية مفردة كانت تنزل بين سورتين فصلا بين السور. وعنه إنما هي بعض آية من سورة النمل. كذلك قال عبد الله بن معبد والأوزاعي: ما أنزل الله بسم الله الرحمن الرحيم إلا في
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 490
--------------------------------------------------------------------------------
سورة: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم).
وقال النووي الشافعي في المجموع:3/333: (ثم هل هي في الفاتحة وغيرها قرآن على سبيل القطع كسائر القرآن، أم على سبيل الحكم لاختلاف العلماء فيها؟ فيه وجهان مشهوران لأصحابنا، حكاهما المحاملي وصاحب الحاوي والبندنيجي: أحدهما: على سبيل الحكم بمعنى أنه لاتصح الصلاة الا بقراءتها في أول الفاتحة، ولايكون قارئاً لسورة غيرها بكمالها إلا إذا ابتدأها بالبسملة.
والصحيح: أنها ليست على سبيل القطع إذ لاخلاف بين المسلمين أن نافيها لا يكَفَّر، ولو كانت قرآنا قطعاً لكُفِّر كمن نفى غيرها!..... وضعف إمام الحرمين وغيره قول من قال إنها قرآن على سبيل القطع! قال هذه غباوة عظيمة من قائل هذا لأن ادعاء العلم حيث لا قاطع محال. وقال صاحب الحاوي: قال جمهور أصحابنا هي آية حكماً لا قطعاً... وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وداود: ليست البسملة في أوائل السور كلها قرآناً، لا في الفاتحة ولا في غيرها. وقال أحمد هي آية في أول الفاتحة وليست بقرآن في أوائل السور وعنه رواية أنها ليست من الفاتحة أيضاً...!
واحتج من نفاها في أول الفاتحة وغيرها من السور بأن القرآن لا يثبت بالظن ولايثبت إلا بالتواتر وبحديث أبي هريرة عن النبي (ص): قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين..إلى آخر الحديث، ولم يذكر البسملة. رواه مسلم).
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 491
--------------------------------------------------------------------------------
وقال في المجموع:16/235: (والثانية: أنها ليست من كلام الله سبحانه وتعالى، وإنما كانت وحياً منه، وقد يوحى ما ليس بقرآن كما روي عن النبي (ص) أنه قال: أتاني جبريل يأمرني أن أجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ولم يكن ذلك قرآناً وكلاماً من الله تعالى)!!
وقال في ص337: (وفي سنن البيهقي عن علي وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم: أن الفاتحة هي السبع من المثاني وهي السبع آيات وأن البسملة هي الآية السابعة. وفي سنن الدارقطني عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أمُّ القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. قال الدارقطني رجال إسناده كلهم ثقاة.
فهذه الأحاديث متعاضدة محصلة للظن القوي بكونها قرآناً حيث كتبت، والمطلوب هنا هو الظن لالقطع خلاف ماظنه القاضي أبو بكر الباقلاني حيث شنع على مذهبنا وقال لايثبت القرآن بالظن. وأنكر عليه الغزالي وأقام الدليل على أن الظن يكفي فيما نحن فيه)!
وقال في ص338: (وأما الجواب عن قولهم لايثبت القرآن إلا بالتواتر فمن وجهين: أحدهما، أن إثباتها في المصحف في معنى التواتر. والثاني، أن التواتر إنما يشترط فيما يثبت قرآناً على سبيل القطع، أما ما يثبت قرآناً على سبيل الحكم فيكفي فيه الظن كما سبق بيانه، والبسملة قرآن على سبيل الحكم على الصحيح وقول
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 492
--------------------------------------------------------------------------------
جمهور أصحابنا)!
وقال السيد الخوئي (قدس سره) في البيان ص 445:
واستدل القائلون بأن البسملة ليست جزء من السورة بوجوه:
الوجه الأول: أن طريق ثبوت القرآن ينحصر بالتواتر، فكل ما وقع النزاع في ثبوته فهو ليس من القرآن، والبسملة مما وقع النزاع فيه.
والجواب أولاً: أن كون البسملة من القرآن مما تواتر عن أهل البيت (عليهم السلام) ولا فرق في التواتر بين أن يكون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أن يكون عن أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) بعد أن ثبت وجوب اتباعهم.
وثانياً: أن ذهاب شرذمة إلى عدم كون البسملة من القرآن لشبهة لايضر بالتواتر، مع شهادة جمع كثير من الصحابة بكونها من القرآن، ودلالة الروايات المتواترة عليه معنى.
وثالثاً: أنه قد تواتر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ البسملة حينما يقرأ سورة من القرآن وهو في مقام البيان، ولم يبين أنها ليست منه وهذا يدل دلالة قطعية على أن البسملة من القرآن. نعم لا يثبت بهذا أنها جزء من السورة. ويكفي لإثباته ما تقدم من الروايات، فضلاً عما سواها من الأخبار الكثيرة المروية من الطريقين. والجزئية تثبت بخبر الواحد الصحيح، ولا دليل على لزوم التواتر فيها أيضاً.....). انتهى. (راجع أيضاً: الخلاف للشيخ الطوسي:1/332، المعتبر للمحقق الحلي:2/179، تذكرة الفقهاء للعلامةالحلي:1/114، تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم ص 139، وتفسير القرطبي:1/93)
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 482
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 483
--------------------------------------------------------------------------------
المســألة: 98
خوف الجن والطلقاء ومحبيهم من البسملة!
كانت البسملة سلاحاً من الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) لطرد شياطين قريش، فعندما كانوا يجتمعون على باب داره ليسبوه أو يؤذوه، كان يرفع صوته بالبسملة فيولون فراراً!
في الكافي:8/266، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كتموا بسم الله الرحمن الرحيم، فنعم والله الأسماء كتموها، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته، فتولي قريش فراراً! فأنزل الله عز وجل في ذلك: (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً). (سورة الإسراء: 46)
وفي الكافي:2/624: عنه (عليه السلام) أنه قال للمفضل بن عمرو:
(يا مفضل إحتجز من الناس كلهم ببسم الله الرحمن الرحيم، وبقل هو الله أحد، إقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك فإذا دخلت على سلطان جائر فاقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرات، واعقد بيدك اليسرى ثم لاتفارقها حتى تخرج من عنده). انتهى.
وفي السنة الثامنة للهجرة فاجأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مشركي مكة بجيش من عشرة آلاف مقاتل، وأجبرهم على خلع سلاحهم والتسليم، وخيرهم بين الإسلام والقتل، فأسلموا مكرهين، فعفا عنهم وسماهم الطلقاء!
وبعد فتح مكة تكاثر الطلقاء في المدينة وسعوا ليكونوا أكثرية قوية واستطاعوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأخذوا خلافته في السقيفة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 484
--------------------------------------------------------------------------------
لكن خوفهم من البسملة بقي! فالذي كان بالأمس يؤذي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقرأ عليه البسملة فترتعد فرائصه ويولي فراراً، يصعب عليه أن يتحمل سماعها اليوم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجده بالمدينة! كما يصعب عليه أن يقرأها بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجهر بها؟!
وأول ما ظهر انتقام الطلقاء من البسملة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهم حرَّموا قولها بصوت عال، أي حذفوها عملياً من الصلاة!
وهذا معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): (كتموا بسم الله الرحمن الرحيم فنعم والله الأسماء كتموها)!!
ويبدو أنهم أقنعوا أبا بكر وعمر بذلك فتركاها، فقد رووا عنهما أنهما تركاها في صلاتهما!
ثم نشروا مقولة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يجهر بها!!
ثم وصل أمرهم إلى إنكار أن البسملة آية من القرآن كما سترى!!
قال النووي في المجموع:3/343: (قالوا: ولأن الجهر بها منسوخ، قال سعيد بن جبير: كان رسول الله (ص) يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بمكة، وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن، فقالوا إن محمداً يدعو إلى إله اليمامة، فأمر رسول الله (ص) فأخفاها فما جهر بها حتى مات.
قالوا: وسئل الدارقطني بمصر حين صنف كتاب الجهر فقال: لم يصح في الجهر بها حديث. قالوا: وقال بعض التابعين: الجهر بها بدعة! قالوا قياساً على التعوذ). انتهى.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 485
--------------------------------------------------------------------------------
ونلاحظ أنهم اعترفوا بجهر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها في مكة! وزعموا أن الوحي نسخها بسبب مسيلمة الذي قبل أن يوجد اسم مسيلمة!
أما (بعض التابعين) الذين قالوا إن الجهر بها بدعة! فمن يكونون غير بعض الطلقاء؟!!
وأما قول الدارقطني فهو عدم اطلاع منه أو تعصب، وستعرف أن الشافعية وغيرهم رووا أحاديث صحاحاً عن أبي هريرة وأنس في المدينة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجهر بها!
* * *
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 486
--------------------------------------------------------------------------------
المســألة: 99
تحير المخالفون لأهل البيت (عليهم السلام) في كل المسائل المتعلقة بالبسملة!
قال فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام):
البسملة أعظم آية في كتاب الله تعالى، وهي آية من سورة الحمد، ومن كل سورة عدا براءة، وفي سورة النمل آية وبعض آية.
وقد وافقنا على ذلك: الشافعي والزهري وعطاء وابن المبارك، فقط! ويستحب عندنا الجهر بها سواء في الصلاة الجهرية أو الإخفاتية. (راجع تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي:1/114)
أما أتباع المذاهب الأخرى فقد تحيروا في كل ما يتعلق بالسملة، واختلفوا فيها: هل هي من القرآن، أم هي زائدة للفصل بين السور؟
وهل هي من القرآن على سبيل القطع، أو على سبيل الظن؟
وهل هي جزء من سورة الحمد، أم لا؟
وهل هي جزء من كل سورة، أم لا؟
وهل تشرع قراءتها في الصلاة، أم لا؟
وهل يجهر بها، أم لا؟
وفي كل واحدة من هذه المسائل فروع اختلفوا فيها أيضاً! حتى بلغت آراؤهم المتعلقة بالبسملة عشرات الآراء والفتاوي!
وإذا أردت لكل رأي دليله من الأحاديث النبوية فهي جاهزة! وكلها صحيحة السند صريحة الدلالة، على الإثبات أو النفي، لا
فرق!!
أما الظنون والإستحسانات والإستنباطات فسوقها مزدحم، وفيها ما لا يخطر ببالك من الركاكة! مثل استدلالهم على عدم قرآنية البسملة بالحديث النبوي الذي يقول إن الله قسم سورة الحمد بينه وبين عبده، فقال أبو حنيفة إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدأ في الحديث من شرح آيات الحمد من آية: (الحمد لله) لا من البسملة، فهذا دليل على إعدام البسملة ونفيها من القرآن!
وقال إن القسمة لابد أن تكون متساوية وتكون الحمد ست آيات، ومع البسملة تكون سبع آيات ولا تنقسم قسمين متساويين!
فالبسملة ليست آية! والسبع المثاني ليست سورة الحمد!
قال السرخسي في المبسوط:1/15، مدافعاً عن رأي أبي حنيفة: (والمسألة في الحقيقة تنبني على أن التسمية ليست بآية من أول الفاتحة ولا من أوائل السور عندنا، وهو قول الحسن فإنه كان يعد إياك نعبد وإياك نستعين آية.....
ولنا حديث أبي هريرة عنه أن النبي (ص) قال يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى حمدني عبدي.... فالبداءة بقوله الحمد لله رب العالمين دليل على أن التسمية ليست بآية من أول الفاتحة، إذ لو كانت آية من أول الفاتحة لم تتحقق المناصفة فإنه يكون في النصف الأول أربع آيات إلا نصفاً، وقد نص على المناصفة. والسلف اتفقوا على أن سورة الكوثر ثلاث آيات، وهي ثلاث آيات بدون
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 488
--------------------------------------------------------------------------------
التسمية.
ولأن أدنى درجات اختلاف الأخبار والعلماء إيراث الشبهة، والقرآن لايثبت مع الشبهة فإن طريقه طريق اليقين والإحاطة). انتهى.
وقد فات أبو حنيفة ومقلده السرخسي: أنه لايناسب إمام مذهب مثله ولا طالب علم، أن ينتقي حديثاً واحداً في الموضوع ويفسره كمايظن وببني عليه مذهبا ً. فلماذا أغمض عينه عن أحاديث الباب الكثيرة الصحيحة الصريحة؟!
وفاتهما: أن بدء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بآية الحمد قد يكون لنسيان الراوي ما قاله (صلى الله عليه وآله وسلم) في البسملة، ولو صح أنه بدأ بها، فلا يكون دليلاً على قتل البسملة ورد أحاديث جزئيتها لسورة الحمد، وهي صحيحة عندهم!
وفاتهما: أن المناصفة بين الله تعالى وعبده في سورة الحمد، هي مناصفة معنوية قبل أن تكون لفظية بتعداد الكلمات والحروف!
وفات السرخسي: أن يقول لنا أي سلف هؤلاء الذين أجمعوا على عد سورة الكوثر ثلاث آيات، وكأنه لم يقرأ اختلاف أقوال العدادين ومبانيهم في عدِّ البسملة وتركها! أو وصل بعض الآيات وفصلها!
على أن أسوأ ما وقع فيه السرخسي قوله: (ولأن أدنى درجات اختلاف الأخبار والعلماء إيراث الشبهة، والقرآن لا يثبت مع الشبهة)!!
يقول مادامت توجد شبهة ولو بسيطة على قرآنية البسملة في الحمد وأوائل
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 489
--------------------------------------------------------------------------------
السور لحديث أو قول أحد العلماء، فقد اهتزت قرآنيتها ووجب أن لاتعد من القرآن!! فهل يلتزم هو بذلك في المعوذتين؟!
مهما يكن، فقد تأسفت لأني ضيعت وقتي في تتبع آرائهم في البسملة وتمحلاتهم وتوحلاتهم، فلاأضيع فيهاوقت القارئ، وأكتفي منها بنماذج قليلة وأكثرها من مجموع النووي فقد سوَّد كغيره صفحات كثيرة في الموضوع.
ولا يفوتني قبل ذلك أن أشير إلى أن المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) مع شدة اختلافهم وتناقض آرائهم في البسملة،اتفقوا على أن من جحد أنها من القرآن لا يحكم بكفره، ومن أثبتها منه على نحو الظن لا يحكم بكفره، ومن أثبتها على نحو القطع فإن كان من العلماء يحكم بكفره، وإن كان العوام فبعضهم يحكم بكفره وآخرون بإسلامه!!
البسملة في أوائل السور ليست عندهم من القرآن!
ومن قال إنها منه قال: أظن ظناً ولا أقطع!
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني:1/522: (وروي عن أحمد أنها ليست من الفاتحة ولا آية من غيرها ولا يجب قراءتها في الصلاة، وهي المنصورة عند أصحابه، وقول أبي حنيفة، ومالك، والأوزاعي، وعبد الله ابن معبد الرماني.
واختلف عن أحمد فيها فقيل عنه هي آية مفردة كانت تنزل بين سورتين فصلا بين السور. وعنه إنما هي بعض آية من سورة النمل. كذلك قال عبد الله بن معبد والأوزاعي: ما أنزل الله بسم الله الرحمن الرحيم إلا في
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 490
--------------------------------------------------------------------------------
سورة: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم).
وقال النووي الشافعي في المجموع:3/333: (ثم هل هي في الفاتحة وغيرها قرآن على سبيل القطع كسائر القرآن، أم على سبيل الحكم لاختلاف العلماء فيها؟ فيه وجهان مشهوران لأصحابنا، حكاهما المحاملي وصاحب الحاوي والبندنيجي: أحدهما: على سبيل الحكم بمعنى أنه لاتصح الصلاة الا بقراءتها في أول الفاتحة، ولايكون قارئاً لسورة غيرها بكمالها إلا إذا ابتدأها بالبسملة.
والصحيح: أنها ليست على سبيل القطع إذ لاخلاف بين المسلمين أن نافيها لا يكَفَّر، ولو كانت قرآنا قطعاً لكُفِّر كمن نفى غيرها!..... وضعف إمام الحرمين وغيره قول من قال إنها قرآن على سبيل القطع! قال هذه غباوة عظيمة من قائل هذا لأن ادعاء العلم حيث لا قاطع محال. وقال صاحب الحاوي: قال جمهور أصحابنا هي آية حكماً لا قطعاً... وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وداود: ليست البسملة في أوائل السور كلها قرآناً، لا في الفاتحة ولا في غيرها. وقال أحمد هي آية في أول الفاتحة وليست بقرآن في أوائل السور وعنه رواية أنها ليست من الفاتحة أيضاً...!
واحتج من نفاها في أول الفاتحة وغيرها من السور بأن القرآن لا يثبت بالظن ولايثبت إلا بالتواتر وبحديث أبي هريرة عن النبي (ص): قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين..إلى آخر الحديث، ولم يذكر البسملة. رواه مسلم).
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 491
--------------------------------------------------------------------------------
وقال في المجموع:16/235: (والثانية: أنها ليست من كلام الله سبحانه وتعالى، وإنما كانت وحياً منه، وقد يوحى ما ليس بقرآن كما روي عن النبي (ص) أنه قال: أتاني جبريل يأمرني أن أجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ولم يكن ذلك قرآناً وكلاماً من الله تعالى)!!
وقال في ص337: (وفي سنن البيهقي عن علي وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم: أن الفاتحة هي السبع من المثاني وهي السبع آيات وأن البسملة هي الآية السابعة. وفي سنن الدارقطني عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أمُّ القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. قال الدارقطني رجال إسناده كلهم ثقاة.
فهذه الأحاديث متعاضدة محصلة للظن القوي بكونها قرآناً حيث كتبت، والمطلوب هنا هو الظن لالقطع خلاف ماظنه القاضي أبو بكر الباقلاني حيث شنع على مذهبنا وقال لايثبت القرآن بالظن. وأنكر عليه الغزالي وأقام الدليل على أن الظن يكفي فيما نحن فيه)!
وقال في ص338: (وأما الجواب عن قولهم لايثبت القرآن إلا بالتواتر فمن وجهين: أحدهما، أن إثباتها في المصحف في معنى التواتر. والثاني، أن التواتر إنما يشترط فيما يثبت قرآناً على سبيل القطع، أما ما يثبت قرآناً على سبيل الحكم فيكفي فيه الظن كما سبق بيانه، والبسملة قرآن على سبيل الحكم على الصحيح وقول
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 492
--------------------------------------------------------------------------------
جمهور أصحابنا)!
وقال السيد الخوئي (قدس سره) في البيان ص 445:
واستدل القائلون بأن البسملة ليست جزء من السورة بوجوه:
الوجه الأول: أن طريق ثبوت القرآن ينحصر بالتواتر، فكل ما وقع النزاع في ثبوته فهو ليس من القرآن، والبسملة مما وقع النزاع فيه.
والجواب أولاً: أن كون البسملة من القرآن مما تواتر عن أهل البيت (عليهم السلام) ولا فرق في التواتر بين أن يكون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أن يكون عن أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) بعد أن ثبت وجوب اتباعهم.
وثانياً: أن ذهاب شرذمة إلى عدم كون البسملة من القرآن لشبهة لايضر بالتواتر، مع شهادة جمع كثير من الصحابة بكونها من القرآن، ودلالة الروايات المتواترة عليه معنى.
وثالثاً: أنه قد تواتر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ البسملة حينما يقرأ سورة من القرآن وهو في مقام البيان، ولم يبين أنها ليست منه وهذا يدل دلالة قطعية على أن البسملة من القرآن. نعم لا يثبت بهذا أنها جزء من السورة. ويكفي لإثباته ما تقدم من الروايات، فضلاً عما سواها من الأخبار الكثيرة المروية من الطريقين. والجزئية تثبت بخبر الواحد الصحيح، ولا دليل على لزوم التواتر فيها أيضاً.....). انتهى. (راجع أيضاً: الخلاف للشيخ الطوسي:1/332، المعتبر للمحقق الحلي:2/179، تذكرة الفقهاء للعلامةالحلي:1/114، تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم ص 139، وتفسير القرطبي:1/93)
تعليق