بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
وصلى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
تمهيد
قال الله تعالى: { وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }.
وروى أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: أما والله إنّ أحبّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإنّ أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم إليّ الذي إذا سمع الحديث يُنسب إلينا ويُروى عنّا فلم يعقله ولم يقبله قلبه اشمأزّ منه وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج، وإلينا أُسند فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا. (بحار الأنوار، ج2، ص 186 عن "بصائر الدرجات")
وفي رواية أخرى عن الهيثم النهدي، عن محمد بن عمر بن يزيد، عن يونس، عن أبي يعقوب إسحاق ابن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى حصّن عبادَه بآيتين من كتابه أن لا يقولوا حتى يعلموا، ولا يردّوا ما لم يعلموا؛ إنّ الله تبارك وتعالى يقول: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألاّ يقولوا على الله إلاّ الحقّ}. وقال: {بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله}. (بحار الأنوار، ج2، ص 186 عن "بصائر الدرجات")
تُشكّل مسألة وحدة الوجود و الموجود أحد أهمّ الأبحاث المطروحة في العرفان، بل لعلّنا لا نكون مغالين إذا قلنا أنّها تُعدّ بمثابة عصب الحياة في المدرسة العرفانيّة، خصوصاً وأنّها تُعالج موضوعاً يرتبط بالنظرة الكونيّة للعرفان، والتي سوف تسري بالضرورة إلى جميع الفروع والمفاصل الفكريّة التي تُؤمن بها هذه المدرسة.
من هنا وفي إطار سعينا لعرض المباني الفكريّة الصافية لمدرسة العرفان، كان لزاماً علينا السعي وراء إماطة اللثام عن هذه المسألة الجوهريّة التي أثارت جدلاً واسعاً بين المسلمين بمختلف طوائفهم وأسالت الكثير من المداد، بل والدماء عبر التاريخ.
فعند أبسط تتبّع للهجمات التي انصبّت على العرفان، سوف نرى بأنّ مسألة الاعتقاد بوحدة الوجود قد حظت بالنصيب الأوفر، خصوصاً وأنّها تتعرّض لموضوع حسّاس جدّاً، ألا وهو: تفسير علاقة الله تعالى بمخلوقاته، أو بعبارة فنّية أدقّ: كيفيّة نسبة الوجود لله تعالى، وكيفيّة نسبته لمخلوقاته. فعندما نقول: إنّ الله تعالى موجود، هل يكون ذلك مطابقاً لقولنا أنّ الإنسان موجود، و الشجر موجود، و الحجر موجود؟ أم لا يكون مطابقاً، بل تكون نسبة الوجود إلى الله تعالى حقيقيّة وبالاستقلال، ونسبة الوجود إلى مخلوقاته اعتباريّة وبالتبع؟
كما هو واضح، تُعدّ هذه المسألة من أدقّ المسائل العقليّة التي تحتاج إلى فهم مجموعة من المقدّمات، وبالتالي من اللازم على كلّ من أراد أن يخوض فيها التسلّحُ بالتأنّي والاحتياط حتى لا يقع ـ لا سمح الله ـ في بعض الإسقاطات الخاطئة التي قد تؤثّر سلباً على الموضوعيّة الواجب على كلّ باحث أن يتسلّح بها. و رغم دقة هذا المبحث إلاّ أنه قابل للفهم بحول الله و قوته و لو بالحدّ الأدنى كما سنرى ، لا أنّه لا يفهم إلا بالشهود و الوجدان كما يزعم البعض. نعم هناك مستويات عالية من الفهم التخصصي لا ندعيها، و لكن هذا لا يعني أنّها مسألة مستحيلة على الفهم... كيف و قد قام العلماء الأجلاّء ببيانها بعدة طرق و ببيانات جميلة واضحة سنستفيد منها إن شاء الله.
لكنّنا وللأسف، نشاهد هذه الأيّام من جديد ظهورَ أفراد لا يتحرّجون عن إلصاق تهمة الزندقة والتكفير ببعض أعاظم علماء الطائفة الحقّة الذين أفنوا عمرهم في الدعوة إلى الله و الدفاع عن دينه، لا لشيء سوى انتسابهم إلى مدرسة العرفاء وكونهم من القائلين بوحدة الوجود من دون تحقيق وتدقيق، ومن دون الرجوع مباشرةً إلى أصحاب الفكرة وتبيّن رأيهم حولها ومناقشتهم فيها، كما يتطلّب ذلك البحث العلمي الرصين، وكما دأب على ذلك علماؤنا الأبرار وأشار إليه المحقّقون الكبار. و يظنون أنهم يستندون في فعلهم هذا على فتاوى بعض العلماء التي لم يتدبّروا محتواها جيداً و لعلّ من نسبوا إليه هذه التهم بريئاً منها.
و العجيب أن ذلك يحصل بالرغم من نداء العلماء الذين قبلوا هذه النظرية بعدم التسرع بالحكم عليها، و من باب المثال على ذلك أحب أن أقتبس كلاماً راقيا ذكره أخونا (مرآة التواريخ) يرحمه الله في مقابلته في هذا المنتدى الطيب حيث قال:
س8/- ما رأيك بنظرية وحدة الموجود ؟
ج8/ لا أحبذ الخوض في مثل هذه المسائل الدقيقة على العلن ، وإلا فوحدة الوجود هي عين التوحيد. لكن كُفـِّرَ بها الكثير من كبار علمائنا قدس الله اسرار الماضين وحفظ الباقين ...
وإليك ما قال الإمام روح الله الخميني نوّر الله ضريحه في كتابه "الأربعون حديثاً"
يحكي معاناة القائلين بها ، ص 426 : ( .. إذا إتضح أن علوم الشريعة منحصرة في
هذه الأقسام الثلاثة، حسب حاجات الإنسان، والمقامات الإنسانية الثلاثة. ولا يحقّ لأحد
من العلماء في هذه العلوم الثلاثة أن يطعن في الآخر، ولا يجب على الإنسان إذا جهل
علماً أن يكذبه ويتطاول على صاحبه. وكما أن العقل السليم يعتبر التصديق من دون
تصور من الأغلاط والقبائح الأخلاقية، فكذلك التكذيب لشيء من دون تصوّر بل حاله
أسوء وقبحه أعظم. فإذا سألنا الله سبحانه يوم القيامة، وقال مثلا أنتم لم تكونوا تعرفون
معنى وحدة الوجود حسب مسلك الحكماء، ولم تتعلّموه من الإنسان المتخصص في ذلك
العلم وصاحب ذلك الفن، ولم تحصلوا على علم الفلسفة ومقدماتها فلماذا أهنتم القائل
بها وكفّرتموه من دون معرفة؟
فماذا نملك من جواب أمام ساحة قدسه حتى نجيب عليه، عدا أن نطأطأ الرأس حياءاً
وخجلاً؟ ولا يقبل الاعتذار بأنني هكذا زعمت في نفسي. إن لكل علم مبادئ ومقدمات
ولا يتسير فهم ذلك العلم الا بعد استيعاب تلك المقدمات، وخاصّة مثل هذه المسألة الدقيقة التي استنزفت جهود أجيال تلو أجيال، ومع ذلك يصعب فهم أصل الحقيقة ومغزاها بصورة دقيقة.) إ.هـ.
وفي هذا الصدد يقول آية الله السيد الطهراني قدس سره الشريف في كتابه "ولاية
الفقيه" الدرس السابع والعشرون ، ما نصه :
(.. وهذا يشبه المطالب الرائجة في أيّامنا هذه على الألسن من أنّ فلاناً ممّن يقول بوحدة الوجود ، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يذكر وحدة الوجود ، وأنّ العقيدة في وحدة الوجود كفر وشرك !
وحدة الوجود من أعظم وأعلى وأصعب وأدقّ مسائل الحكمة المتعالية ، وفهمها ليس يسيراً هيّناً ، فعلى الإنسان أن يجدّ ويكدّ طوال عمره علماً وعملاً . وهل سيفهمه الله أصل وحقيقة وحدة الوجود أو لا ؟! فهذا من الأسرار التي لا يمكن البوح بها لأيّ كان .
لو قال إنسان آخر : الوجود واحد . فماذا يفهم من هذا الكلام ؟ يقولون إنّ معنى هذا الكلام هو وجود واحد متحقّق لا غير ، وهو وجود الذات الإلهيّة المقدّسة ، أي أنّ
جميع الأشياء هي الله ، ولذا يتوهّمون بأنّ الإنسان هو الله والخنزير هو الله والكلب هو الله والقاذورات هي الله والزاني هو الله والمزنى به هو الله !
هذا كفر وشرك ؛ والقائل بوحدة الوجود لا يقول إنّ الزاني والمزنى يه هو الله ، وإنّ الكلب والخنزير هو الله ؛ وهو لا يقول إنّ الإنسان هو الله ، ولا يقول إنّ من هو أرقى من الإنسان (الملائكة) هو الله ، ولا يقول إنّ الملائكة المقرّبين والروح هم الله ، ولا يقول إنّ جبرئيل والروح الأمين وروح القدس هم الله .
إنّه يقول : إنّ هؤلاء جميعاً موجودات متعيّنة ومتقيّدة ومحدودة ومشخّصة ، والله تعالى لا حدّ له ، وحتّى النبيّ مع جميع تلك اللا محدوديّة التي يمتلكها بالنسبة لجميع الموجودات ، لكنّه بالنسبة إلى الله محدود وممكن . فهو لا يقول إنّه الله ؛ فالقائل بوحدة الوجود يقول بأنّه ليس هناك شي ء غير الله .
هناك فرق بين أن نقول إنّ جميع الأشياء هي الله (كُلّ شَيْ ءٍ هُوَ اللَه) أو نقول لا شي ء موجود غير الله . فالقائل بوحدة الوجود يقول : لا وجود في العالم لغير الذات المقدّسة لواجب الوجود على الإطلاق ، فالوجود الاستقلاليّ واحد فقط ، وهو قد غمر جميع الموجودات وَلَا تَشُذّ عَنْ حيطَةِ وُجودِهِ ذَرّة ! وكلّ وجود تحسبونه وجوداً مستقلّاً فاستقلاله هذا ناشئ عن عدم إبصاركم وعدم إدراككم . الوجود المستقلّ هو وجوده وحده فقط ، ووجود جميع الموجودات ظلّيّ وتبعيّ واندكاكيّ وآليّ لأصل الوجود ، ووجود الجميع قائم بتلك الذات المقدّسة للحيّ القيّوم .
القائل بوحدة الوجود يقول : ليس هناك ذات مستقلّة يمكن إطلاق الوجود عليها غير الذات الإلهيّة ، وجميع عالم الإمكان مِنَ الذّرّةِ إلَى الدّرّة ، فانٍ ومندكّ في وجوده ، وليس هناك وجود يمتلك الاستقلال ، أو يستطيع أن يظهر نفسه في مقابل وجوده ، فالجميع ظلال لوجوده .
لا أن يقول : كُلّ شَي ءٍ هُوَ اللَه ، فبلفظ «الشيء» يُشار إلى الحدود الماهويّة .
والحدود كلّها نواقص وعدم وفقر واحتياج ، فأيّ مناسبة لها مع الله ؟ وهذا من المسلّم كونه شركاً .
لكنّ هذا المطلب الذي يجب أن يثبت بعد السنين المتمادية بالبرهان القاطع ، أو يدرك بالقلب بواسطة السير والسلوك إلى الله ، إذ وضعه الإنسان بين يدي الناس حتّى أُولئك الذين هم من أهل العلم ـ لكن ممّن لا يمتلكون قدماً ثابتة في المعارف الإلهيّة ـ فماذا يفهمون منه ؟ يقولون إنّ فلاناً من أهل وحدة الوجود ، ووحدة الوجود شرك وكفر وما شابه .) إ.هـ المراد .
ج8/ لا أحبذ الخوض في مثل هذه المسائل الدقيقة على العلن ، وإلا فوحدة الوجود هي عين التوحيد. لكن كُفـِّرَ بها الكثير من كبار علمائنا قدس الله اسرار الماضين وحفظ الباقين ...
وإليك ما قال الإمام روح الله الخميني نوّر الله ضريحه في كتابه "الأربعون حديثاً"
يحكي معاناة القائلين بها ، ص 426 : ( .. إذا إتضح أن علوم الشريعة منحصرة في
هذه الأقسام الثلاثة، حسب حاجات الإنسان، والمقامات الإنسانية الثلاثة. ولا يحقّ لأحد
من العلماء في هذه العلوم الثلاثة أن يطعن في الآخر، ولا يجب على الإنسان إذا جهل
علماً أن يكذبه ويتطاول على صاحبه. وكما أن العقل السليم يعتبر التصديق من دون
تصور من الأغلاط والقبائح الأخلاقية، فكذلك التكذيب لشيء من دون تصوّر بل حاله
أسوء وقبحه أعظم. فإذا سألنا الله سبحانه يوم القيامة، وقال مثلا أنتم لم تكونوا تعرفون
معنى وحدة الوجود حسب مسلك الحكماء، ولم تتعلّموه من الإنسان المتخصص في ذلك
العلم وصاحب ذلك الفن، ولم تحصلوا على علم الفلسفة ومقدماتها فلماذا أهنتم القائل
بها وكفّرتموه من دون معرفة؟
فماذا نملك من جواب أمام ساحة قدسه حتى نجيب عليه، عدا أن نطأطأ الرأس حياءاً
وخجلاً؟ ولا يقبل الاعتذار بأنني هكذا زعمت في نفسي. إن لكل علم مبادئ ومقدمات
ولا يتسير فهم ذلك العلم الا بعد استيعاب تلك المقدمات، وخاصّة مثل هذه المسألة الدقيقة التي استنزفت جهود أجيال تلو أجيال، ومع ذلك يصعب فهم أصل الحقيقة ومغزاها بصورة دقيقة.) إ.هـ.
وفي هذا الصدد يقول آية الله السيد الطهراني قدس سره الشريف في كتابه "ولاية
الفقيه" الدرس السابع والعشرون ، ما نصه :
(.. وهذا يشبه المطالب الرائجة في أيّامنا هذه على الألسن من أنّ فلاناً ممّن يقول بوحدة الوجود ، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يذكر وحدة الوجود ، وأنّ العقيدة في وحدة الوجود كفر وشرك !
وحدة الوجود من أعظم وأعلى وأصعب وأدقّ مسائل الحكمة المتعالية ، وفهمها ليس يسيراً هيّناً ، فعلى الإنسان أن يجدّ ويكدّ طوال عمره علماً وعملاً . وهل سيفهمه الله أصل وحقيقة وحدة الوجود أو لا ؟! فهذا من الأسرار التي لا يمكن البوح بها لأيّ كان .
لو قال إنسان آخر : الوجود واحد . فماذا يفهم من هذا الكلام ؟ يقولون إنّ معنى هذا الكلام هو وجود واحد متحقّق لا غير ، وهو وجود الذات الإلهيّة المقدّسة ، أي أنّ
جميع الأشياء هي الله ، ولذا يتوهّمون بأنّ الإنسان هو الله والخنزير هو الله والكلب هو الله والقاذورات هي الله والزاني هو الله والمزنى به هو الله !
هذا كفر وشرك ؛ والقائل بوحدة الوجود لا يقول إنّ الزاني والمزنى يه هو الله ، وإنّ الكلب والخنزير هو الله ؛ وهو لا يقول إنّ الإنسان هو الله ، ولا يقول إنّ من هو أرقى من الإنسان (الملائكة) هو الله ، ولا يقول إنّ الملائكة المقرّبين والروح هم الله ، ولا يقول إنّ جبرئيل والروح الأمين وروح القدس هم الله .
إنّه يقول : إنّ هؤلاء جميعاً موجودات متعيّنة ومتقيّدة ومحدودة ومشخّصة ، والله تعالى لا حدّ له ، وحتّى النبيّ مع جميع تلك اللا محدوديّة التي يمتلكها بالنسبة لجميع الموجودات ، لكنّه بالنسبة إلى الله محدود وممكن . فهو لا يقول إنّه الله ؛ فالقائل بوحدة الوجود يقول بأنّه ليس هناك شي ء غير الله .
هناك فرق بين أن نقول إنّ جميع الأشياء هي الله (كُلّ شَيْ ءٍ هُوَ اللَه) أو نقول لا شي ء موجود غير الله . فالقائل بوحدة الوجود يقول : لا وجود في العالم لغير الذات المقدّسة لواجب الوجود على الإطلاق ، فالوجود الاستقلاليّ واحد فقط ، وهو قد غمر جميع الموجودات وَلَا تَشُذّ عَنْ حيطَةِ وُجودِهِ ذَرّة ! وكلّ وجود تحسبونه وجوداً مستقلّاً فاستقلاله هذا ناشئ عن عدم إبصاركم وعدم إدراككم . الوجود المستقلّ هو وجوده وحده فقط ، ووجود جميع الموجودات ظلّيّ وتبعيّ واندكاكيّ وآليّ لأصل الوجود ، ووجود الجميع قائم بتلك الذات المقدّسة للحيّ القيّوم .
القائل بوحدة الوجود يقول : ليس هناك ذات مستقلّة يمكن إطلاق الوجود عليها غير الذات الإلهيّة ، وجميع عالم الإمكان مِنَ الذّرّةِ إلَى الدّرّة ، فانٍ ومندكّ في وجوده ، وليس هناك وجود يمتلك الاستقلال ، أو يستطيع أن يظهر نفسه في مقابل وجوده ، فالجميع ظلال لوجوده .
لا أن يقول : كُلّ شَي ءٍ هُوَ اللَه ، فبلفظ «الشيء» يُشار إلى الحدود الماهويّة .
والحدود كلّها نواقص وعدم وفقر واحتياج ، فأيّ مناسبة لها مع الله ؟ وهذا من المسلّم كونه شركاً .
لكنّ هذا المطلب الذي يجب أن يثبت بعد السنين المتمادية بالبرهان القاطع ، أو يدرك بالقلب بواسطة السير والسلوك إلى الله ، إذ وضعه الإنسان بين يدي الناس حتّى أُولئك الذين هم من أهل العلم ـ لكن ممّن لا يمتلكون قدماً ثابتة في المعارف الإلهيّة ـ فماذا يفهمون منه ؟ يقولون إنّ فلاناً من أهل وحدة الوجود ، ووحدة الوجود شرك وكفر وما شابه .) إ.هـ المراد .
و مع ذلك أصرّ البعض على طرح المسائل العرفانيّة ـ وخصوصاً مسألة وحدة الوجود ـ، مع تقديم تفسيرات مشوهّة عنها، ممّا يُفضي إلى إيجاد جوّ عامّ مُعادي للفكر العرفاني، وظلم طائفة كبيرة من المجتمع من دون مبرّر، {وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزيزِ الْحَميدِ}.
من هنا، فقد وجدنا أنفسنا ـ ومن باب التكليف والمسؤوليّة والحرص على الأمانة العلميّة ـ مجبرين على التصدّي لعرض مسألة وحدة الوجود و الموجود وفق النظرة الصحيحة للعرفاء ـ ممثّلةً بمدرسة السيّد علي القاضي (أعلى الله مقامه) ـ ، حتّى يرتفع اللبس، ويتبيّن للجميع أنّ هذه المسألة ـ أي وحدة الوجود و الموجود ـ فضلاً عن أنّها لا تُعدّ مبرّراً للحكم بتفسيق وتكفير القائلين، فإنّها تُشكّل جوهر وحقيقة التوحيد الذي يُنادي به الدين الإسلامي الحنيف، ويدلّ عليه العقل، وتضجّ به الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}.
و تجدر الإشارة إلى أنّ عرضنا للمسألة سوف يكون من خلال بيان معنى النظرية و التمثيل لها بقدر طاقتنا بحيث تتضّح بشكل جليّ إن شاء الله، ثمّ بعد ذلك سوف نناقش اللوازم الفاسدة المزعومة (و قد نتعرّض بعد ذلك لمسألة الفتاوى الصادرة بتكفير القائلين بها لنرى كيف أخطأ البعض ممن استند على هذه الفتاوى ظناً منه أنه يطبق فتاوى المراجع الكرام). و بعد ذلك سنقدّم مجموعة من الأدلة العقلية و النقلية (من الكتاب و السنة) التي تثبت صحة النظرية، كما سنذكر مجموعة من الإشكالات و اللوازم الباطلة التي تلزم من ينكرها.
نأمل من العليّ القدير أن يُلهمنا الصواب ويُوفّقنا للخير ويجمعنا على مائدة معرفته ومعرفة أوليائه إنّه سميع الدعاء، والحمد لله ربّ العالمين.
تعليق