العرفاء وتقديس الحلاّج!!
لقد توضّح للقارئ الكريم من خلال المقالات السابقة بأن الحلاّج مذموم عند علمائنا الأبرار بل هو ملعون على لسان الأئمة الأطهار عليهم السلام.
فقد ذمه الإمام الحجة عليه السلام ولعنه وتبرأ منه في توقيع صادرٌ عنه عليه السلام, وكذلك لعنه وتبرأ منه السفير الثالث الحسين بن روح رضوان الله تعالى عليه ثم سار علماؤنا الأبرار على هذا النهج واستمر الخلف على سيرة السلف في ذمه ولعنه والبراءة منه.
ولكن العرفاء والمتصوّفة لخبثهم وضلالهم وانحرافهم عن الصراط المستقيم وقفوا على النقيض تماماً من موقف الأئمة الأطهار عليهم السلام وعلمائنا الأبرار في تقييم شخصية الحلاّج لعنه الله!!
فراحوا يمدحونه ويبجّلونه ويقدّسونه!! بل وصفوا كفرهُ وزندقتهُ وإلحاده بالمرتبة العالية والسامية والرفيعة في العرفان!!
وبلغ الغلو عند بعضهم حد أن يسأل الله سبحانه وتعالى متوسلاً بالنبي محمد وآله الأطهار أن يوصله إلى ذلك المقام السامي للحلاج!!
مدائح العرفاء ودفاعهم عن الحــــــلاج :
يقول الدكتور طراد حمادة : الإمام (الخميني) يحسن الظن بالحلاّج , ويربطه بطلب موسى للرؤية , ويعفيه من الحلول والشطح!!!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.
انّ الخميني وهو رأس العرفاء في هذا العصر يدافع عن الحلاّج ويحاول تبرير زندقته وإلحاده وكفره بل نافس حتى المتصوفة أنفسهم في حسن ظنه به وإيجاد الأعذار له!!
يقول الدكتور طراد حمادة: إن حسن ظن الإمام (الخميني) بالحلاّج يتوافق مع موقف الإمام الغزالي , لكنه يتجاوزه إلى ما هو أبعد في سلوك العاشق للفناء في المحبوب الإلهي!!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 109.
ولكي نعرف مقدار دفاع الخميني عن الحلاّج يجب أن نعرف ماذا قال الغزالي دفاعاً عنه لأنه (أي خميني) يتفق معه بل يتجاوزه بمراحل كما صرّح بذلك الدكتور طراد حمادة.
يقول ابن خلكان: رأيت في كتاب " مشكاة الأنوار " تأليف أبي حامد الغزالي فصلاً طويلاً في حاله (أي الحلاج)، وقد اعتذر عن الألفاظ التي كانت تصدر عنه مثل قوله " أنا الحق " وقوله " ما في الجبة إلا الله " وهذه الإطلاقات التي ينبو السمع عنها وعن ذكرها وحملها كلها على محامل حسنة،وأولها،وقال: هذا من فرط المحبة وشدة الوجد...)
المصدر: وفيات الأعيان , ابن خلكان, ج2 ص 140-141 , حياة الحيوان الكبري, الدميري, ج1 ص245.
ويقول الغزالي في معرض دفاعه عن الحلاّج وأمثاله : العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحق لكن منهم من كان له هذه الحال عرفاناً علمياً ومنهم من صار له ذلك حالاً ذوقياً وانتفت عنهم الكثرة بالكلية واستغرقوا بالفردانية المحضة واستوفيت فيها عقولهم فصاروا كالمبهوتين فيه ولم يبق فيهم متسع لا لذكر غير الله ولا لذكر أنفسهم أيضاً فلم يكن عندهم إلا الله فسكروا سكراً دفع دونه سلطان عقولهم.
فقال أحدهم : أنا الحق!!
وقال الآخر: سبحاني ما أعظم شأني!!
وقال آخر : ما في الجبة إلا الله!!
وكلام العشاق في حال السكر يطوى ولا يحكى , فلما خفّ عنهم سكرهم وردوا إلى سلطان العقل الذي هو ميزان الله في أرضه عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد بل شبه الاتحاد مثل قول العاشق في حال فرط عشقه ( أنا من أهوى ومن أهوى أنا)!!
المصدر: الحلاّج في ما وراء المعنى والخط واللون, سامي مكارم, ص90.
تلاحظ أخي القارئ الكريم التبريرات السخيفة التي ساقها الغزالي لتخليص الحلاّج من الكفر والإلحاد والزندقة معتذراً عنه بفرط المحبة تارة والسكر والغفلة عن النفس تارة أخرى وسوف نفنّد هذه التبريرات السخيفة في المقالات القادمة إن شاء الله, ولكن ما يهمنا هنا هو أن الخميني يتفق مع هذه التبريرات بل يتجاوزها كما صرّح بذلك أحد أنصاره الذائبين بحبه!!
ومن الأمثلة على تجاوز الخميني في دفاعه عن الحلاّج هو قوله بأن الحلاّج حينما قال (أنا الحق) حاله كحال الشجرة التي جاء النداء منها {أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
المصدر : ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5) مع هامش رقم(24).
فلسان حال الخميني يقول إذا قبلتم بأن شجرة تقول : {إني أنا الله} فلماذا لا تقبلون بأن يقول الحلاّج : أنا الحق؟؟!!
وهذا القول السخيف مخالف لتعاليم أئمة أهل البيت عليهم السلام التي تنص على أن الله سبحانه وتعالى خلق الصوت في الشجرة, ولم يقولوا بأن الله هو عين تلك الشجرة كما يعتقد الحلاّج وأتباعه.
ان الحلاّج رجلٌ ملعون على لسان الإمام الحجة عليه السلام ولسان السفير الثالث وجمهور علمائنا الأبرار فكيف يحسن الخميني الظن به ويدافع عنه ويؤول أقواله!!
أليس هذا التصرّف يعتبر مخالفة صريحة لأئمة أهل البيت عليهم السلام؟!
أليس هذا الدفاع يدل على اعتقاده بعقيدة الرجل؟
وهنا نعرض لكم موقفاً لأحد علمائنا الأبرار في هذا العصر ليرى القارئ العزيز الفرق الشاسع بين المتبع والمبتدع.
يقول السيد الخوئي ( قدس سره) : الحسين بن منصور : الحلاّج ، ذكره الشيخ (الطوسي) في كتاب الغيبة ، في المذمومين الذين ادعوا " النيابة " البابية لعنهم الله .
المصدر :المفيد من معجم رجال الحديث - محمد الجواهري - ص 181.
وبالإضافة إلى إدعائه النيابة عن الإمام الحجة عليه السلام فقد بيّن السفير الثالث اعتقاده الباطل المتمثل في ديانته الحلاجية (وحدة الموجود)!!
فالحلاج من المذمومين الملعونين على لسان المعصومين فكيف يحسن الخميني الظن به ويجعله من المعذورين؟؟!
وليت خميني توقّف عند حسن الظن فقط ولم يتعداه إلى ما هو أنكى, بل رفع منزلة الحلاّج حتى جعله في مصاف الأنبياء والمرسلين!!
يقول المعلّق على ديوان الخميني (علي صراط الحق) : يُظهر الإمام (الخميني) هنا أن الصوفي ( أي الحلاج) الذي بلغ قمة جبل الحب, يماثل أصحاب الرسالات الذين تكشّف لهم الحب الإلهي!!!
المصدر : ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5) هامش رقم (23).
ثم أن الخميني شبه هذا الكافر الملحد الزنديق بنبي من أولي العزم!!
يقول المعلّق في نفس الصفحة : فهو ( أي الخميني) يخاطب الصوفي الذي نعته في البيت السابق (أي الحلاج) بأنه المتجلى الكامل لفكرة (أنا الحق) ويناديه يا موسى فهو يشبه عنده النبي موسى (ع) الذي سأل الله تعالى أن يراه!!!
المصدر : ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5) هامش (23).
فالحلاّج بمقولته الكافرة أصبح عند خميني يشبه النبي موسى عليه السلام!
وهل توقف خميني عند هذا الحد؟؟ كلا, بل قال أكثر من هذا !! فرفع منزلة الحلاج حتى جعله أفضل من نبي الله موسى عليه السلام!!
يقول المعلّق على ديوان الخميني بعد العبارة السابقة : بل لعل الصوفي العارف (الحلاج) أقرب (إلى الله) حتى من موسى نفسه لأن موسى (عليه السلام) صعق من خشية الله ورهبته وعظمته بينما العارف صعق من الحق الإلهي الواحدي وطور موسى مكان أرضي مادي محدد مشهود في سيناء بينما طور العارف الواصل أبعد وأوسع وأعلى !!
المصدر : ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5) هامش (23).
فإذا كان الخميني يرى الحلاج بهذه المنزلة العظيمة فمن الطبيعي أن يبرّئه من الشطح والقول بالإتحاد!
يقول الدكتور طراد حمادة : ولا نرى أنه (أي الخميني) يقول بشطح الحلاج!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 109.
ويقول أيضاً : الإمام (الخميني) يحسن الظن بالحلاّج , ويربطه بطلب موسى للرؤية , ويعفيه من الحلول والشطح!!!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.
أي أن ما يصدر عن الحلاج هو من الوجد والعشق ولا يعد هذا شطحاً!
يقول الدكتور طراد حمادة أيضاً: يقول (الخميني) في قصيدة له : أن صيحة الحلاج (أنا الحق) صيحة عاشق صيحة مستهام وأن هذه الصيحة تعبير عن الحال ولا تبلغ ما بلغته شطحات الشاطحين!!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.
فالحلاّج عند الخميني لا يعتقد بالحلول ومعفيٌ عن الشطح كما أنهم يبرئونه من الأقوال الكفرية بل يرفعون مقامة حتى أصبح يماثل أصحاب الرسالات عندهم !
فمقام الحلاّج عند العرفاء رفيع ومنزلتهُ عظيمة فهم يتمنون أن يصلوا إلى تلك المنزلة!!
يقول الجوادي الآملي وهو يشرح عبارة (أنا الحق) ان الخميني يتمنى ذلك المقام وتلك المنزلة!! ووصف ذلك المقام (للحلاّج) بالرفيع!!
المصدر: الإمام الخميني ثورة العشق الإلهي, الجوادي الآملي, ص140.
وقد بيّن العارف إبراهيم الأنصاري البحراني في شرحه عبارة (أنا الحق) من القصيدة العشقية للخميني رفعة هذا المقام للحلاّج فقال : وهذه مرتبة راقية جدّاً لا يصل إليها إلاّ الأوحدي!!!
المصدر : دولة المهدي المنتظر, إبراهيم الأنصاري, ص150- 151.
وجعل كمال الحيدري الحلاّج من السلاك الذين وصلوا إلى مرتبه( لا يرون في الوجود أحداً غير الله تعالى، فهم لا يرون حتى ذواتهم لأنها فنيت في الله تعالى، بمعنى عدم الالتفات لها أبداً!!)
المصدر: من الخلق إلى الحق, كمال الحيدري, ص95- 96.
وهذا التبرير مشابه لتبرير الغزالي ودفاعه عن الحلاج!
وقد وصف كمال الحيدري مرتبة الحلاج حينما قال (أنا الحق) بالمرتبة السامية والرفيعة!!
المصدر: من الخلق إلى الحق, ص 96
أما حيدر الآملي فقد طلب من الله وتوسل بالنبي محمد وآله بأن يرزقه تلك المنزلة التي للحلاج والبسطامي!!
فقال بعد أن نقل بعض تصريحاتهما الكفرية: هذا آخر التوحيد الذاتي وشهود الوجود الحقيقي رزقنا الله تعالى الوصول إلى هذا المقام بمحمد وآله الكرام!!!
المصدر : جامع الأسرار, حيدر آملي ,ص199, طبعة دار المحجة البيضاء بيروت.
فلاحظ أخي القارئ أنه لم يمدح مقام الحلاّج والبسطامي فحسب بل طلب من الله وتوسل بمحمد وآله أن يرزقه الوصول إلى مقامهما العالي!!
وأما العارف تقي الموسوي يقول عن مرتبة الحلاّج بأنها : أعلى درجة العرفان!!
وإذا قال الحلاج: "أنا الحق" فلا غرابة في ذلك!!
المصدر: قدوة الفقهاء والعارفين, تقي الوسوي, هامش ص235.
وقد نقل الدكتور سامي مكارم بعض أقوال العرفاء فيه يوردها إيراد المسلمات !!
منها قول إبراهيم النصر آباذي: إن كان بعد النبييّن والصدّيقين موّحد فهو الحلاّج!!
المصدر : الحلاّج, سامي مكارم, ص12.
وقال عيسى القزويني بمامعناه: ان لم يكن ما رأيته منه (الحلاّج) توحيداً فليس في الدنيا توحيد!!
المصدر : الحلاّج, سامي مكارم, ص12.
ويقول رؤوف سبهاني: ومعروف أن البسطامي والحلاج وأمثالهما يعتبران قمة التصوّفة الروحي في عالم الإسلام , لا يرقى إليهما سوى من هدى الله قلبه للإيمان وأخذ بجانب الطور الأيمن كما هو الحال بالنسبة لشيخنا السهروردي الشهيد!!
المصدر : مشاهير فلاسفة المسلمين, رؤوف سبهاني, ص279.
ومن كرامات الحلاّج ما ذكره قطب الذّهبيّة في كتابه قوائم الأنوار حيث قال إنه: بعد ما قتلوه وأحرقوا جسده وصار رماداً ألقوا رماده في دجلة فكانت حبابات باب الدّجلة متشكل بشكل : اللّه اللّه ، و كانت دماؤه المتقاطرة على وجه الأرض تنقّش بنقش : أنا الحقّ!!
وقال أيضاً : أمّا هؤلاء (أي الحلاّج واتباعه) فقد جرى على لسانهم (قول أنا الحق) من غير اختيار، والدّليل على عدم الاختيار انتقاش الدّم و الرّماد بنقش أنا الحقّ واللّه اللّه و قد رأى بعضهم الحلاّج في المنام فسأل عنه كيف عومل معك ؟
قال : عاتبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقال لي : لم ثلمت ثلمه في شريعتي؟
فقلت : جعلت فداك و إن ثلمت و لكن جعلت رأسي موضع الثلمة حتّى لا يجتري على ذلك أحد من بعدي فعفا عنّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم انتهى كلامه .
المصدر : منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , العلامة الخوئي, ج13 ص292.
أقول : سوف يأتي الرد على هذه الخرافة في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى ولكن ما يهمنا هنا بيان تقديسهم المفرط للحلاّج إلى درجة تعطّلت فيها عقولهم واستحوذ الشيطان عليهم فأصبحوا كالأنعام بل هم أضل!!
الخلاصة :
توضح من خلال النصوص السابقة بأن هناك تناقض وتباين شاسع بين موقفين!
موقف أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم من جهة .
وموقف العرفاء والمتصوّفة من جهة أخرى حول نظرتهم إلى الحلاج.
فأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم يجعلونه في أسفل سافلين من المذمومين الملعونين الكفّار الملحدين!!
بينما يرفعه العرفاء إلى أعلى عليين مع المقربين وأصاحب الرسالات ويعطونه المرتبة السامية الرفيعة, بل هو عندهم صاحب أعلى درجات العرفان!!
وبهذا يتّضح للجميع انحراف العرفاء عن الطريق المستقيم ومخالفتهم لمنهج الأئمة الطاهرين عليهم السلام.
يتبع..
لقد توضّح للقارئ الكريم من خلال المقالات السابقة بأن الحلاّج مذموم عند علمائنا الأبرار بل هو ملعون على لسان الأئمة الأطهار عليهم السلام.
فقد ذمه الإمام الحجة عليه السلام ولعنه وتبرأ منه في توقيع صادرٌ عنه عليه السلام, وكذلك لعنه وتبرأ منه السفير الثالث الحسين بن روح رضوان الله تعالى عليه ثم سار علماؤنا الأبرار على هذا النهج واستمر الخلف على سيرة السلف في ذمه ولعنه والبراءة منه.
ولكن العرفاء والمتصوّفة لخبثهم وضلالهم وانحرافهم عن الصراط المستقيم وقفوا على النقيض تماماً من موقف الأئمة الأطهار عليهم السلام وعلمائنا الأبرار في تقييم شخصية الحلاّج لعنه الله!!
فراحوا يمدحونه ويبجّلونه ويقدّسونه!! بل وصفوا كفرهُ وزندقتهُ وإلحاده بالمرتبة العالية والسامية والرفيعة في العرفان!!
وبلغ الغلو عند بعضهم حد أن يسأل الله سبحانه وتعالى متوسلاً بالنبي محمد وآله الأطهار أن يوصله إلى ذلك المقام السامي للحلاج!!
مدائح العرفاء ودفاعهم عن الحــــــلاج :
يقول الدكتور طراد حمادة : الإمام (الخميني) يحسن الظن بالحلاّج , ويربطه بطلب موسى للرؤية , ويعفيه من الحلول والشطح!!!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.
انّ الخميني وهو رأس العرفاء في هذا العصر يدافع عن الحلاّج ويحاول تبرير زندقته وإلحاده وكفره بل نافس حتى المتصوفة أنفسهم في حسن ظنه به وإيجاد الأعذار له!!
يقول الدكتور طراد حمادة: إن حسن ظن الإمام (الخميني) بالحلاّج يتوافق مع موقف الإمام الغزالي , لكنه يتجاوزه إلى ما هو أبعد في سلوك العاشق للفناء في المحبوب الإلهي!!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 109.
ولكي نعرف مقدار دفاع الخميني عن الحلاّج يجب أن نعرف ماذا قال الغزالي دفاعاً عنه لأنه (أي خميني) يتفق معه بل يتجاوزه بمراحل كما صرّح بذلك الدكتور طراد حمادة.
يقول ابن خلكان: رأيت في كتاب " مشكاة الأنوار " تأليف أبي حامد الغزالي فصلاً طويلاً في حاله (أي الحلاج)، وقد اعتذر عن الألفاظ التي كانت تصدر عنه مثل قوله " أنا الحق " وقوله " ما في الجبة إلا الله " وهذه الإطلاقات التي ينبو السمع عنها وعن ذكرها وحملها كلها على محامل حسنة،وأولها،وقال: هذا من فرط المحبة وشدة الوجد...)
المصدر: وفيات الأعيان , ابن خلكان, ج2 ص 140-141 , حياة الحيوان الكبري, الدميري, ج1 ص245.
ويقول الغزالي في معرض دفاعه عن الحلاّج وأمثاله : العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحق لكن منهم من كان له هذه الحال عرفاناً علمياً ومنهم من صار له ذلك حالاً ذوقياً وانتفت عنهم الكثرة بالكلية واستغرقوا بالفردانية المحضة واستوفيت فيها عقولهم فصاروا كالمبهوتين فيه ولم يبق فيهم متسع لا لذكر غير الله ولا لذكر أنفسهم أيضاً فلم يكن عندهم إلا الله فسكروا سكراً دفع دونه سلطان عقولهم.
فقال أحدهم : أنا الحق!!
وقال الآخر: سبحاني ما أعظم شأني!!
وقال آخر : ما في الجبة إلا الله!!
وكلام العشاق في حال السكر يطوى ولا يحكى , فلما خفّ عنهم سكرهم وردوا إلى سلطان العقل الذي هو ميزان الله في أرضه عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد بل شبه الاتحاد مثل قول العاشق في حال فرط عشقه ( أنا من أهوى ومن أهوى أنا)!!
المصدر: الحلاّج في ما وراء المعنى والخط واللون, سامي مكارم, ص90.
تلاحظ أخي القارئ الكريم التبريرات السخيفة التي ساقها الغزالي لتخليص الحلاّج من الكفر والإلحاد والزندقة معتذراً عنه بفرط المحبة تارة والسكر والغفلة عن النفس تارة أخرى وسوف نفنّد هذه التبريرات السخيفة في المقالات القادمة إن شاء الله, ولكن ما يهمنا هنا هو أن الخميني يتفق مع هذه التبريرات بل يتجاوزها كما صرّح بذلك أحد أنصاره الذائبين بحبه!!
ومن الأمثلة على تجاوز الخميني في دفاعه عن الحلاّج هو قوله بأن الحلاّج حينما قال (أنا الحق) حاله كحال الشجرة التي جاء النداء منها {أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
المصدر : ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5) مع هامش رقم(24).
فلسان حال الخميني يقول إذا قبلتم بأن شجرة تقول : {إني أنا الله} فلماذا لا تقبلون بأن يقول الحلاّج : أنا الحق؟؟!!
وهذا القول السخيف مخالف لتعاليم أئمة أهل البيت عليهم السلام التي تنص على أن الله سبحانه وتعالى خلق الصوت في الشجرة, ولم يقولوا بأن الله هو عين تلك الشجرة كما يعتقد الحلاّج وأتباعه.
ان الحلاّج رجلٌ ملعون على لسان الإمام الحجة عليه السلام ولسان السفير الثالث وجمهور علمائنا الأبرار فكيف يحسن الخميني الظن به ويدافع عنه ويؤول أقواله!!
أليس هذا التصرّف يعتبر مخالفة صريحة لأئمة أهل البيت عليهم السلام؟!
أليس هذا الدفاع يدل على اعتقاده بعقيدة الرجل؟
وهنا نعرض لكم موقفاً لأحد علمائنا الأبرار في هذا العصر ليرى القارئ العزيز الفرق الشاسع بين المتبع والمبتدع.
يقول السيد الخوئي ( قدس سره) : الحسين بن منصور : الحلاّج ، ذكره الشيخ (الطوسي) في كتاب الغيبة ، في المذمومين الذين ادعوا " النيابة " البابية لعنهم الله .
المصدر :المفيد من معجم رجال الحديث - محمد الجواهري - ص 181.
وبالإضافة إلى إدعائه النيابة عن الإمام الحجة عليه السلام فقد بيّن السفير الثالث اعتقاده الباطل المتمثل في ديانته الحلاجية (وحدة الموجود)!!
فالحلاج من المذمومين الملعونين على لسان المعصومين فكيف يحسن الخميني الظن به ويجعله من المعذورين؟؟!
وليت خميني توقّف عند حسن الظن فقط ولم يتعداه إلى ما هو أنكى, بل رفع منزلة الحلاّج حتى جعله في مصاف الأنبياء والمرسلين!!
يقول المعلّق على ديوان الخميني (علي صراط الحق) : يُظهر الإمام (الخميني) هنا أن الصوفي ( أي الحلاج) الذي بلغ قمة جبل الحب, يماثل أصحاب الرسالات الذين تكشّف لهم الحب الإلهي!!!
المصدر : ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5) هامش رقم (23).
ثم أن الخميني شبه هذا الكافر الملحد الزنديق بنبي من أولي العزم!!
يقول المعلّق في نفس الصفحة : فهو ( أي الخميني) يخاطب الصوفي الذي نعته في البيت السابق (أي الحلاج) بأنه المتجلى الكامل لفكرة (أنا الحق) ويناديه يا موسى فهو يشبه عنده النبي موسى (ع) الذي سأل الله تعالى أن يراه!!!
المصدر : ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5) هامش (23).
فالحلاّج بمقولته الكافرة أصبح عند خميني يشبه النبي موسى عليه السلام!
وهل توقف خميني عند هذا الحد؟؟ كلا, بل قال أكثر من هذا !! فرفع منزلة الحلاج حتى جعله أفضل من نبي الله موسى عليه السلام!!
يقول المعلّق على ديوان الخميني بعد العبارة السابقة : بل لعل الصوفي العارف (الحلاج) أقرب (إلى الله) حتى من موسى نفسه لأن موسى (عليه السلام) صعق من خشية الله ورهبته وعظمته بينما العارف صعق من الحق الإلهي الواحدي وطور موسى مكان أرضي مادي محدد مشهود في سيناء بينما طور العارف الواصل أبعد وأوسع وأعلى !!
المصدر : ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5) هامش (23).
فإذا كان الخميني يرى الحلاج بهذه المنزلة العظيمة فمن الطبيعي أن يبرّئه من الشطح والقول بالإتحاد!
يقول الدكتور طراد حمادة : ولا نرى أنه (أي الخميني) يقول بشطح الحلاج!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 109.
ويقول أيضاً : الإمام (الخميني) يحسن الظن بالحلاّج , ويربطه بطلب موسى للرؤية , ويعفيه من الحلول والشطح!!!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.
أي أن ما يصدر عن الحلاج هو من الوجد والعشق ولا يعد هذا شطحاً!
يقول الدكتور طراد حمادة أيضاً: يقول (الخميني) في قصيدة له : أن صيحة الحلاج (أنا الحق) صيحة عاشق صيحة مستهام وأن هذه الصيحة تعبير عن الحال ولا تبلغ ما بلغته شطحات الشاطحين!!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.
فالحلاّج عند الخميني لا يعتقد بالحلول ومعفيٌ عن الشطح كما أنهم يبرئونه من الأقوال الكفرية بل يرفعون مقامة حتى أصبح يماثل أصحاب الرسالات عندهم !
فمقام الحلاّج عند العرفاء رفيع ومنزلتهُ عظيمة فهم يتمنون أن يصلوا إلى تلك المنزلة!!
يقول الجوادي الآملي وهو يشرح عبارة (أنا الحق) ان الخميني يتمنى ذلك المقام وتلك المنزلة!! ووصف ذلك المقام (للحلاّج) بالرفيع!!
المصدر: الإمام الخميني ثورة العشق الإلهي, الجوادي الآملي, ص140.
وقد بيّن العارف إبراهيم الأنصاري البحراني في شرحه عبارة (أنا الحق) من القصيدة العشقية للخميني رفعة هذا المقام للحلاّج فقال : وهذه مرتبة راقية جدّاً لا يصل إليها إلاّ الأوحدي!!!
المصدر : دولة المهدي المنتظر, إبراهيم الأنصاري, ص150- 151.
وجعل كمال الحيدري الحلاّج من السلاك الذين وصلوا إلى مرتبه( لا يرون في الوجود أحداً غير الله تعالى، فهم لا يرون حتى ذواتهم لأنها فنيت في الله تعالى، بمعنى عدم الالتفات لها أبداً!!)
المصدر: من الخلق إلى الحق, كمال الحيدري, ص95- 96.
وهذا التبرير مشابه لتبرير الغزالي ودفاعه عن الحلاج!
وقد وصف كمال الحيدري مرتبة الحلاج حينما قال (أنا الحق) بالمرتبة السامية والرفيعة!!
المصدر: من الخلق إلى الحق, ص 96
أما حيدر الآملي فقد طلب من الله وتوسل بالنبي محمد وآله بأن يرزقه تلك المنزلة التي للحلاج والبسطامي!!
فقال بعد أن نقل بعض تصريحاتهما الكفرية: هذا آخر التوحيد الذاتي وشهود الوجود الحقيقي رزقنا الله تعالى الوصول إلى هذا المقام بمحمد وآله الكرام!!!
المصدر : جامع الأسرار, حيدر آملي ,ص199, طبعة دار المحجة البيضاء بيروت.
فلاحظ أخي القارئ أنه لم يمدح مقام الحلاّج والبسطامي فحسب بل طلب من الله وتوسل بمحمد وآله أن يرزقه الوصول إلى مقامهما العالي!!
وأما العارف تقي الموسوي يقول عن مرتبة الحلاّج بأنها : أعلى درجة العرفان!!
وإذا قال الحلاج: "أنا الحق" فلا غرابة في ذلك!!
المصدر: قدوة الفقهاء والعارفين, تقي الوسوي, هامش ص235.
وقد نقل الدكتور سامي مكارم بعض أقوال العرفاء فيه يوردها إيراد المسلمات !!
منها قول إبراهيم النصر آباذي: إن كان بعد النبييّن والصدّيقين موّحد فهو الحلاّج!!
المصدر : الحلاّج, سامي مكارم, ص12.
وقال عيسى القزويني بمامعناه: ان لم يكن ما رأيته منه (الحلاّج) توحيداً فليس في الدنيا توحيد!!
المصدر : الحلاّج, سامي مكارم, ص12.
ويقول رؤوف سبهاني: ومعروف أن البسطامي والحلاج وأمثالهما يعتبران قمة التصوّفة الروحي في عالم الإسلام , لا يرقى إليهما سوى من هدى الله قلبه للإيمان وأخذ بجانب الطور الأيمن كما هو الحال بالنسبة لشيخنا السهروردي الشهيد!!
المصدر : مشاهير فلاسفة المسلمين, رؤوف سبهاني, ص279.
ومن كرامات الحلاّج ما ذكره قطب الذّهبيّة في كتابه قوائم الأنوار حيث قال إنه: بعد ما قتلوه وأحرقوا جسده وصار رماداً ألقوا رماده في دجلة فكانت حبابات باب الدّجلة متشكل بشكل : اللّه اللّه ، و كانت دماؤه المتقاطرة على وجه الأرض تنقّش بنقش : أنا الحقّ!!
وقال أيضاً : أمّا هؤلاء (أي الحلاّج واتباعه) فقد جرى على لسانهم (قول أنا الحق) من غير اختيار، والدّليل على عدم الاختيار انتقاش الدّم و الرّماد بنقش أنا الحقّ واللّه اللّه و قد رأى بعضهم الحلاّج في المنام فسأل عنه كيف عومل معك ؟
قال : عاتبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقال لي : لم ثلمت ثلمه في شريعتي؟
فقلت : جعلت فداك و إن ثلمت و لكن جعلت رأسي موضع الثلمة حتّى لا يجتري على ذلك أحد من بعدي فعفا عنّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم انتهى كلامه .
المصدر : منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , العلامة الخوئي, ج13 ص292.
أقول : سوف يأتي الرد على هذه الخرافة في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى ولكن ما يهمنا هنا بيان تقديسهم المفرط للحلاّج إلى درجة تعطّلت فيها عقولهم واستحوذ الشيطان عليهم فأصبحوا كالأنعام بل هم أضل!!
الخلاصة :
توضح من خلال النصوص السابقة بأن هناك تناقض وتباين شاسع بين موقفين!
موقف أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم من جهة .
وموقف العرفاء والمتصوّفة من جهة أخرى حول نظرتهم إلى الحلاج.
فأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم يجعلونه في أسفل سافلين من المذمومين الملعونين الكفّار الملحدين!!
بينما يرفعه العرفاء إلى أعلى عليين مع المقربين وأصاحب الرسالات ويعطونه المرتبة السامية الرفيعة, بل هو عندهم صاحب أعلى درجات العرفان!!
وبهذا يتّضح للجميع انحراف العرفاء عن الطريق المستقيم ومخالفتهم لمنهج الأئمة الطاهرين عليهم السلام.
يتبع..
تعليق