ونرجع الأن الى كلام الشربيني والذي جئنا به في المشاركة رقم545 ولكي نعرف مدى التقارب بين ما ذهب إليه الفخر الرازي والشربيني وكذلك لنقارن بينهما وبين ما جاء به الشنقيطي في أضوائه
http://www.yahosein.com/vb/showpost....&postcount=454
http://sh.rewayat2.com/sirahe/Web/1824/001.htm
مع الشنقيطي وسورة الشرح
تفسير القرآن
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
محمد الأمين بن محمد بن المختار الجنكي الشنقيطي دار الفكر سنة النشر: 1415هـ / 1995م
رقم الطبعة: ---
عدد الأجزاء: تسعة أجزاء
الكتب » أضواء البيان » سورة الشرح
قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكركقوله تعالى فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب
إظهار التشكيل|إخفاء التشكيل
مسألة: الجزء الثامنالتحليل الموضوعي[ ص: 572 ] بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الشرح .
قوله تعالى : ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك
ذكر تعالى هنا ثلاث مسائل : شرح الصدر ، ووضع الوزر ، ورفع الذكر .
وهي وإن كانت مصدرة بالاستفهام ، فهو استفهام تقريري لتقرير الإثبات ، فقوله تعالى : ألم نشرح بمعنى شرحنا على المبدأ المعروف ، من أن نفي النفي إثبات . وذلك ; لأن همزة الاستفهام وهي فيها معنى النفي دخلت على لم وهي للنفي ، فترافعا فبقي الفعل مثبتا . قالوا : ومثله قوله تعالى : أليس الله بكاف عبده [ 39 \ 36 ] . وقوله : ألم نربك فينا وليدا [ 26 \ 18 ] .
وعليه قول الشاعر :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
فتقرر بذلك أنه تعالى يعدد عليه نعمه العظمى ، وقد ذكرنا سابقا ارتباط هذه السورة بالتي قبلها في تتمة نعم الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم .
وروى النيسابوري عن عطاء وعمر بن عبد العزيز : أنهما كانا يقولان : هذه السورة وسورة " الضحى " سورة واحدة ، وكانا يقرآنهما في الركعة الواحدة ، وما كانا يفصلان بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم ، والذي دعاهما إلى ذلك هو أن قوله تعالى : ألم نشرح لك صدرك كالعطف على قوله : ألم يجدك يتيما [ 93 \ 6 ] ، ورد هذا الادعاء - أي من كونهما سورة واحدة - وعلى كل فإن هذا إذا لم يجعلهما سورة واحدة فإنه يجعلهما مرتبطتين معا في المعنى ، كما في " الأنفال " و " التوبة " .
[ ص: 573 ] واختلف في معنى شرح الصدر ، إلا أنه لا منافاة فيما قالوا ، وكلها يكمل بعضها بعضا .
فقيل : هو شق الصدر سواء كان مرة أو أكثر ، وغسله وملؤه إيمانا وحكمة ، كما في رواية مالك بن صعصعة في ليلة الإسراء ، ورواية أبي هريرة في غيرها .
وفيه كما في رواية أحمد : أنه شق صدره ، وأخرج منه الغل والحسد ، في شيء كهيئة العلقة ، وأدخلت الرأفة والرحمة .
وقيل : شرح الصدر إنما هو توسيعه للمعرفة والإيمان ومعرفة الحق ، وجعل قلبه وعاء للحكمة .
وفي البخاري عن ابن عباس : " شرح الله صدره للإسلام " .
وعند أبي كثير : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا ، كقوله : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام [ 6 \ 125 ] .
والذي يشهد له القرآن : أن الشرح هو الانشراح والارتياح . وهذه حالة نتيجة استقرار الإيمان والمعرفة والنور والحكمة . كما في قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه [ 39 \ 22 ] فقوله : " فهو على نور من ربه " : بيان لشرح الصدر للإسلام .
كما أن ضيق الصدر ، دليل على الضلال ، كما في نفس الآية : ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا الآية [ 6 \ 125 ] .
وفي حاشية الشيخ زادة علي البيضاوي ، قال : لم يشرح صدر أحد من العالمين ، كما شرح صدره - عليه السلام - حتى وسع علوم الأولين والآخرين ، فقال : " أوتيت جوامع الكلم " اهـ .
ومراده بعلوم الأولين والآخرين ، ما جاء في القرآن من أخبار الأمم الماضية مع رسلهم وأخبار المعاد ، وما بينه وبين ذلك مما علمه الله تعالى .
والذي يظهر - والله تعالى أعلم - : أن شرح الصدر الممتن به عليه - صلى الله عليه وسلم - أوسع وأعم [ ص: 574 ] من ذلك ، حتى إنه ليشمل صبره وصفحه وعفوه عن أعدائه ، ومقابلته الإساءة بالإحسان ، حتى إنه ليسع العدو ، كما يسع الصديق .
كقصة عودته من ثقيف : إذ آذوه سفهاؤهم ، حتى ضاق ملك الجبال بفعلهم ، وقال له جبريل : إن ملك الجبال معي ، إن أردت أن يطبق عليهم الأخشبين فعل ، فينشرح صدره إلى ما هو أبعد من ذلك ، ولكأنهم لم يسيئوا إليه فيقول : " اللهم اهد قومي ; فإنهم لا يعلمون ، إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله " .
وتلك أعظم نعمة وأقوى عدة في تبليغ الدعوة وتحمل أعباء الرسالة ، ولذا توجه نبي الله موسى إلى ربه يطلبه إياها ، لما كلف الذهاب إلى الطاغية فرعون كما في قوله تعالى : اذهب إلى فرعون إنه طغى قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري [ 20 \ 24 - 31 ] .
فذكر هنا من دواعي العون على أداء الرسالة أربعة عوامل : بدأها بشرح الصدر ، ثم تيسير الأمر ، وهذان عاملان ذاتيان ، ثم الوسيلة بينه وبين فرعون ، وهو اللسان في الإقناع : واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، ثم العامل المادي أخيرا في المؤازرة : واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري ، فقدم شرح الصدر على هذا كله لأهميته ; لأنه به يقابل كل الصعاب ، ولذا قابل به ما جاء به السحرة من سحر عظيم ، وما قابلهم به فرعون من عنت أعظم .
وقد بين تعالى من دواعي انشراح الصدر وإنارته ، ما يكون من رفعة وحكمة وتيسير ، وقد يكون من هذا الباب مما يساعد عليه تلقي تلك التعاليم من الوحي ، كقوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [ 7 \ 199 ] ، وكقوله : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين [ 3 \ 134 ] مما لا يتأتى إلا ممن شرح الله صدره . ومما يعين الملازمة عليه على انشراح الصدر ، وفعلا قد صبر على أذى المشركين بمكة ، ومخادعة المنافقين بالمدينة ، وتلقى كل ذلك بصدر رحب .
[ ص: 575 ] وفي هذا كما قدمنا توجيه لكل داعية إلى الله ، أن يكون رحب الصدر ، هادئ النفس ، متجملا بالصبر .
وقوله : ووضعنا عنك وزرك [ 24 \ 2 ] ، والوضع يكون للحط والتخفيف ، ويكون للحمل والتثقيل ، فإن عدي بعن كان للحط ، وإن عدي بعلى كان للحمل ، في قولهم : وضعت عنك ، ووضعت عليك ، والوزر لغة الثقل .
ومنه : حتى تضع الحرب أوزارها ، أي : ثقلها من سلاح ونحوه .
ومنه : الوزير المتحمل ثقل أميره وشغله ، وشرعا الذنب كما في الحديث : " ومن سن سنة سيئة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " ، وقد يتعاوران في التعبير كقوله تعالى : ليحملوا أوزارهم كاملة [ 16 \ 25 ] ، وقوله مرة أخرى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [ 29 \ 13 ] .
وقد أفرد لفظ الوزر هنا وأطلق ، ولم يبين ما هو وما نوعه ، فاختلف فيه اختلافا كثيرا .
فقيل : ما كان فيه من أمر الجاهلية ، وحفظه من مشاركته معهم ، فلم يلحقه شيء منه .
وقيل : ثقل تألمه مما كان عليه قومه ، ولم يستطع تغييره ، وشفقته - صلى الله عليه وسلم - بهم ، أي : كقوله تعالى : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا [ 18 \ 6 ] ، أي : أسفا عليهم .
وقال أبو حيان : هو كناية عن عصمته - صلى الله عليه وسلم - من الذنوب ، وتطهيره من الأرجاس .
وقال ابن جرير : وغفرنا لك ما سلف من ذنوبك ، وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها .
وقال ابن كثير : هو بمعنى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر .
فكلام أبي حيان : يدل على العصمة ، وكلام ابن جرير يدل على شيء في الجاهلية ، وكلام ابن كثير مجمل .
يتبع إن شاء الله
تعليق