بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مميزات العقيدة وسمات فهم أصول الدين عند أهل الدعوة | الإباضية |
النص من مقدمة كتاب ||الحق الدامغ - لسماحة بدر الدين الشيخ الفهامة أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله
يقول البدر بعدما تكلم عن الخلاف والإفتراق في الأمة .....
لستُ أبالغ إن قلتُ إن الإباضية - أهل الحق والاستقامة - تمتاز عقيدتهم وتتسم طريقتهم في فهم أصول الدين بثلاثة أمور
1- سلامة المَنْزَع
فإنهم جمعوا في الاستدلال على صحة معتقداتهم بين صحيح النقل وصريح العقل ، فلم يضربوا بالنصوص الصحيحة عرض الحائط بمجرد تعارضها مع مقتضيات العقل بادي الرأي كما هو شأن أصحاب المدرسة العقلية الذين جعلوا العقل أسمى وأقدس ، وأصح وأثبت مما جاء به النبييون عن الله عز وجل ، فعَوَّلُوا عليه في التحسين والتقبيح ، والتعليل والحكم ، كما أنهم لم يُطفئوا شُعلة العقل مستأسرين لظواهر الألفاظ غير مسترشدين به في استكشاف أبعاد معانيها ، والغوص على حقائق مراميها ، كما هو شأن عَبَدَة الألفاظ الذين لا يأخذون من النَّص إلا قُشوره ، لا يتجاوزون شكله إلى جوهره ، ولا يتعدون ظاهره إلى مضمونه ، بل استمسكوا بالعُرَى الوثقى من النصوص ، واتخذوا من العقل السليم دليلاً على فهم مقاصدها ، ومن الأساليب اللغوية شراكاً لاقتناص شواردها ، ولا غَرْوَ فَهُم منطلقون في ذلك من مراشد القرآن نفسه ، فكم تجد فيه {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} و {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} و {لأُولِي الأَلْبَابِ} كما تجد فيه {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}12 ، فهو وإن سما فوق بلاغة بلغاء العرب والعجم لم يخرج عن كونه عربي اللسان والأسلوب ، وقد يسره الله للذكر بتفهم آياته واستجلاء مقاصده ، واستلهام مراشده.
2- عدم التعصب لأئمتهم تعصباً يجعلهم يتصاممون عن النُّقُول الصحيحة ، ويتعامون عن العقول الصريحة ، كما نجد ذلك عند كثير من المتفقهة والمتكلمين ، ومن أبشع ما وجدناه في ذلك قولُ العلامة الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين : (ولا يجوز تقليد ماعدا المذاهب الأربعة ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية ، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل ، وربما أداه ذلك للكفر ، لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر)) فقد باين الإباضية هذا المسلك الضيق فقهاً وعقيدة إلى فسيح النظرة الشمولية للأمة ، ولم يسوغوا لأنفسهم أن يرفعوا كلام أحد من أئمتهم إلى درجة كلام الله أو كلام رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وإن بلغ في العلم والورع ما بلغ ، فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله يقول في كتاب أصول الدين من جوهر نظامه:
وهي أمور تُبْتَنَى عليها صحة ديننا فمِل إليها
لا دين للمرء إذا لم يعرف ما كان منه لازماً فلتعرف
واعْتَمِدَنْ ذلك بالدليل في حالة الإجمال والتفصيل
إلى أن قال:
ولا تُناظر بكتاب الله ولا كلام المصطفى الأواه
معناه لا تجعل له نظيرا ولو يكون عالماً خبيرا
ويقول أيضاً :
نُقدِّم الحديث مهما جاءَ على قياسنا ولا مراء
ونَرْجِعَنْ في بيان الحكم عنه إلى إجماع أهل العلم
3- المرونة والتسامح في معاملة سائر فرق الأمة وإن بلغ الخلاف بينهم وبينهم ما بلغ ، إذ لم يتجرءوا قط على إخراج أحد من الملة وقطع صلته بهذه الأمة ما دام يدين بالشهادتين ولا ينكر شيئاً مما علم من الدين بالضرورة بغير تأويل ، أما من أسند إلى التأويل - وإن كان أوهى من نسج العنكبوت - فحسبه تأويله واقِيَاً لَهُ من الحكم عليه عندهم بالخروج عن حظيرة الأمة ، وخلع ربقة الملة عن عنقه ، ومن هذا المنطلق صدر ذلك الإعلان المنصف - الذي رسم مبدأ الإباضية في نظرتهم إلى الأمة - من أشهر قائد إباضي وهو / أبو حمزة المختار بن عوف السليمي ، في خطبته التي ألقاها على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصاخ لها الدهر ، وسجلها الزمن ، وخلدها التاريخ ، إذ قال فيها رحمه الله : ( الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة : مشركاً بالله عابد وثن ، أو كافراً من أهل الكتاب ، أو إماماً جائراً )
وقد مشى الإباضية في هذا النهج السليم ، والتزموا هذا المبدأ القويم في معاملتهم لسائر طوائف الأمة كما يشهد بذلك التاريخ ، ونجد هذه النبرة المنصفة تتردد في أصوات قادة الفكر منهم في الخلف كما كانت من قبل عند السلف ، فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى يحدد لنا موقف الإباضية من سائر الأمة بقوله:
ونحن لا نطالب العبادا فوق شهادتيهم اعتقادا
فمن أتى بالجملتين قلنا إخواننا وبالحقوق قمنا
إلا إذا ما نقضوا المقالا واعتقدوا في دينهم ضلالا
قمنا نبين الصواب لهم ونحسبن ذلك من حقهم
فما رأيته من التحرير في كتب التوحيد والتقرير
رد مسائل وحل شبه جاء بها من ضل للمنتبه
قمنا نردها ونبدي الحقا بجهدنا كي لا يضل الخلقا
لو سكتوا عنا سكتنا عنهم ونكتفي منهم بأن يسلموا
وعلى هذه القاعدة بنى الإباضية حكمهم على طوائف الأمة التي زاغت عن الحق وجانبت الحقيقة في معتقداتها ، فكانوا أشد احتياطاً من إخراج أحد منهم من الملة بسبب معتقده مادام مبنياً على تأول نص شرعي ، وإن لم يكن لتأويله أساس من الصحة ولا حظ من الصواب ، ومن هنا اشتد إنكار الإمام الكبير محبوب بن الرحيل - رحمه الله تعالى - على هارون اليماني الذي حكم بشرك المشبهة وخروجهم من الملة ، وأنشأ محبوب في ذلك رسالتين جامعتين ضمنهما حججه الداحضة لرأي هارون ، وجَّه إحداهما إلى إباضية عمان ، وثانيهما إلى إباضية حضرموت ، وأطبق الرأي الإباضي على تصويبه وتخطئة هارون .
وسُئِل المحقق الخليلي رضوان الله عليه عن حكم هؤلاء المشبهة هل هم مشركون ؟ فكان جوابه لسائله :
إياك ثم إياك أن تعجل بالحكم على أهل القبلة بالإشراك من قبل معرفة بأصوله ، فإنه موضع الهلاك والإهلاك .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مميزات العقيدة وسمات فهم أصول الدين عند أهل الدعوة | الإباضية |
النص من مقدمة كتاب ||الحق الدامغ - لسماحة بدر الدين الشيخ الفهامة أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله
يقول البدر بعدما تكلم عن الخلاف والإفتراق في الأمة .....
لستُ أبالغ إن قلتُ إن الإباضية - أهل الحق والاستقامة - تمتاز عقيدتهم وتتسم طريقتهم في فهم أصول الدين بثلاثة أمور
1- سلامة المَنْزَع
فإنهم جمعوا في الاستدلال على صحة معتقداتهم بين صحيح النقل وصريح العقل ، فلم يضربوا بالنصوص الصحيحة عرض الحائط بمجرد تعارضها مع مقتضيات العقل بادي الرأي كما هو شأن أصحاب المدرسة العقلية الذين جعلوا العقل أسمى وأقدس ، وأصح وأثبت مما جاء به النبييون عن الله عز وجل ، فعَوَّلُوا عليه في التحسين والتقبيح ، والتعليل والحكم ، كما أنهم لم يُطفئوا شُعلة العقل مستأسرين لظواهر الألفاظ غير مسترشدين به في استكشاف أبعاد معانيها ، والغوص على حقائق مراميها ، كما هو شأن عَبَدَة الألفاظ الذين لا يأخذون من النَّص إلا قُشوره ، لا يتجاوزون شكله إلى جوهره ، ولا يتعدون ظاهره إلى مضمونه ، بل استمسكوا بالعُرَى الوثقى من النصوص ، واتخذوا من العقل السليم دليلاً على فهم مقاصدها ، ومن الأساليب اللغوية شراكاً لاقتناص شواردها ، ولا غَرْوَ فَهُم منطلقون في ذلك من مراشد القرآن نفسه ، فكم تجد فيه {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} و {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} و {لأُولِي الأَلْبَابِ} كما تجد فيه {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}12 ، فهو وإن سما فوق بلاغة بلغاء العرب والعجم لم يخرج عن كونه عربي اللسان والأسلوب ، وقد يسره الله للذكر بتفهم آياته واستجلاء مقاصده ، واستلهام مراشده.
2- عدم التعصب لأئمتهم تعصباً يجعلهم يتصاممون عن النُّقُول الصحيحة ، ويتعامون عن العقول الصريحة ، كما نجد ذلك عند كثير من المتفقهة والمتكلمين ، ومن أبشع ما وجدناه في ذلك قولُ العلامة الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين : (ولا يجوز تقليد ماعدا المذاهب الأربعة ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية ، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل ، وربما أداه ذلك للكفر ، لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر)) فقد باين الإباضية هذا المسلك الضيق فقهاً وعقيدة إلى فسيح النظرة الشمولية للأمة ، ولم يسوغوا لأنفسهم أن يرفعوا كلام أحد من أئمتهم إلى درجة كلام الله أو كلام رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وإن بلغ في العلم والورع ما بلغ ، فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله يقول في كتاب أصول الدين من جوهر نظامه:
وهي أمور تُبْتَنَى عليها صحة ديننا فمِل إليها
لا دين للمرء إذا لم يعرف ما كان منه لازماً فلتعرف
واعْتَمِدَنْ ذلك بالدليل في حالة الإجمال والتفصيل
إلى أن قال:
ولا تُناظر بكتاب الله ولا كلام المصطفى الأواه
معناه لا تجعل له نظيرا ولو يكون عالماً خبيرا
ويقول أيضاً :
نُقدِّم الحديث مهما جاءَ على قياسنا ولا مراء
ونَرْجِعَنْ في بيان الحكم عنه إلى إجماع أهل العلم
3- المرونة والتسامح في معاملة سائر فرق الأمة وإن بلغ الخلاف بينهم وبينهم ما بلغ ، إذ لم يتجرءوا قط على إخراج أحد من الملة وقطع صلته بهذه الأمة ما دام يدين بالشهادتين ولا ينكر شيئاً مما علم من الدين بالضرورة بغير تأويل ، أما من أسند إلى التأويل - وإن كان أوهى من نسج العنكبوت - فحسبه تأويله واقِيَاً لَهُ من الحكم عليه عندهم بالخروج عن حظيرة الأمة ، وخلع ربقة الملة عن عنقه ، ومن هذا المنطلق صدر ذلك الإعلان المنصف - الذي رسم مبدأ الإباضية في نظرتهم إلى الأمة - من أشهر قائد إباضي وهو / أبو حمزة المختار بن عوف السليمي ، في خطبته التي ألقاها على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصاخ لها الدهر ، وسجلها الزمن ، وخلدها التاريخ ، إذ قال فيها رحمه الله : ( الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة : مشركاً بالله عابد وثن ، أو كافراً من أهل الكتاب ، أو إماماً جائراً )
وقد مشى الإباضية في هذا النهج السليم ، والتزموا هذا المبدأ القويم في معاملتهم لسائر طوائف الأمة كما يشهد بذلك التاريخ ، ونجد هذه النبرة المنصفة تتردد في أصوات قادة الفكر منهم في الخلف كما كانت من قبل عند السلف ، فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى يحدد لنا موقف الإباضية من سائر الأمة بقوله:
ونحن لا نطالب العبادا فوق شهادتيهم اعتقادا
فمن أتى بالجملتين قلنا إخواننا وبالحقوق قمنا
إلا إذا ما نقضوا المقالا واعتقدوا في دينهم ضلالا
قمنا نبين الصواب لهم ونحسبن ذلك من حقهم
فما رأيته من التحرير في كتب التوحيد والتقرير
رد مسائل وحل شبه جاء بها من ضل للمنتبه
قمنا نردها ونبدي الحقا بجهدنا كي لا يضل الخلقا
لو سكتوا عنا سكتنا عنهم ونكتفي منهم بأن يسلموا
وعلى هذه القاعدة بنى الإباضية حكمهم على طوائف الأمة التي زاغت عن الحق وجانبت الحقيقة في معتقداتها ، فكانوا أشد احتياطاً من إخراج أحد منهم من الملة بسبب معتقده مادام مبنياً على تأول نص شرعي ، وإن لم يكن لتأويله أساس من الصحة ولا حظ من الصواب ، ومن هنا اشتد إنكار الإمام الكبير محبوب بن الرحيل - رحمه الله تعالى - على هارون اليماني الذي حكم بشرك المشبهة وخروجهم من الملة ، وأنشأ محبوب في ذلك رسالتين جامعتين ضمنهما حججه الداحضة لرأي هارون ، وجَّه إحداهما إلى إباضية عمان ، وثانيهما إلى إباضية حضرموت ، وأطبق الرأي الإباضي على تصويبه وتخطئة هارون .
وسُئِل المحقق الخليلي رضوان الله عليه عن حكم هؤلاء المشبهة هل هم مشركون ؟ فكان جوابه لسائله :
إياك ثم إياك أن تعجل بالحكم على أهل القبلة بالإشراك من قبل معرفة بأصوله ، فإنه موضع الهلاك والإهلاك .
تعليق