البخاري في صحيحه ج:4 ص: 1549: ح3998 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب عن عروة عن عائشة ثم أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة عليها السلام منها شيئا فوجدت فاطمة عليها السلام على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا(1) ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة عليها السلام فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس. صحيح مسلم ج:3 ص: 1380: ح1759، صحيح ابن حبان ج:11ص:152: ح4823، وفي ج:14 ص: 573: ح6607، سنن البيهقي الكبرى ج:6 ص: 300: ح12513، مسند أحمد ج:1 ص: 9: ح55، الطبقات الكبرى ج:2 ص: 314-316..!!
قال أحمد بن الحسين البيهقي (384-458هـ) في سننه الكبرى ج:6 ص: 301: ح12515: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور ثنا أبو ضمرة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال ثم لما مرضت فاطمة رضي الله عنها أتاها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فاستأذن عليها فقال علي رضي الله عنه يا فاطمة عليها السلام هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت أتحب أن آذن له قال نعم فأذنت له فدخل عليها يترضاها وقال والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت ثم ترضاها حتى رضيت هذا مرسل حسن بإسناد صحيح، وراجع أيضاً، الاعتقاد ج:1 ص: 353 و سير أعلام النبلاء ج:2 ص: 121.
فقد ذكر ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 281، في كتابه الامامة والسياسة ج 1 : ص31، تحقيق الشيري، تحت عنوان : كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعيادة الشيخين فاطمة عليها السلام في مرض وفاتها، فكان من أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه:
يصيح ويبكي وينادي: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
فقال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما : انطلق بنا إلى فاطمة عليها السلام فإنا قد أغضبناها فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة عليها السلام فلم تأذن لهما فأتيا عليا فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام
فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله ! والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول : " لا نورث ما تركنا فهو صدقة "
فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم تعرفانه وتفعلان به ؟
قالا : نعم .
فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة عليها السلام من رضاي وسخط فاطمة عليها السلام من سخطي فمن أحب فاطمة عليها السلام ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة عليها السلام فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني ؟ "
قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم
قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه
فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة عليها السلام ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق
وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ((عجيب هذا الموقف والعناد))
ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي
أخرج حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ومتكلم أهل السنة ابن روزبهان الشيرازي ، عن أبي بكر أنه قال وهو على المنبر (سر العالمين لأبي حامد الغزالي : إبطال الباطل لابن روزبهان أورده في الجواب على الطعن السابع على أبي بكر في مسألة إحراق بيت الزهراء عليها السلام) :
أقيلوني ولست بخيركم وعلي فيكم، ولا ريب أن هذه الإقالة هي الإقالة من الخلافة ، وبعبارة أخرى : إن الخليفة - أبا بكر - نوه بقوله هذا للمسلمين: فإن كنتم قد بايعتموني على أني أفضلكم وخيركم فأقيلوا البيعة ، وذلك لأني لست كذلك ، ولست بخيركم وأفضلكم وهذا علي عليه السلام فيكم..إنتهى!!
وأخرج السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص62، هذا الحديث عن أبي حامد الغزالي في كتابه سر العالمين بزيادة في الشرح والبيان فقال :
قول أبي بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله : أقيلوني فلست بخيركم .
قال : أفقال - أي أبو بكر - ذلك هزلا أو جدا أو امتحانا ؟
فإن كان هزلا فالخلفاء منزهون عن الهزل ، وإن كان جدا فهذا نقض للخلافة ، وإن كان امتحانا فالصحابة لا يليق بهم الامتحان لقوله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ...آية 43 من سورة الأعراف!!
. ذكر متكلم أهل السنة العلامة القوشجي في بيان إقرار أبي بكر فإنه قال (شرح تجريد الاعتقاد ص371 المقصد الخامس من مبحث الإمامة) :
وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم ، فهذه العبارة صريحة في مسألة الخلافة كما ترى!
إن كلا العبارتين " أقيلوني " أو " وليتكم " صريحتان في اعتراف أبي بكر بأن الإمام علي عليه السلام أولى بالخلافة والولاية بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وأن طلبه الاستقالة يمكن أن يحتج به على أبي بكر ويلزمه باعترافه هذا . وزد على ذلك أيضا أن مقولة أبي بكر حجة قاطعة وبالغة على كل من يريد التخرص بلفه ونشره الفاسد أن يقول بأولوية أبي بكر وأفضليته على علي عليه السلام وهو يريد بزعمه هذا الاغماض والتغافل عن كل الشواهد القرآنية والحديثية والتاريخية الدالة على أولوية الإمام علي عليه السلام وأحقيته للخلافة..!!
إذاً أظهرت الأخبار (الصحيحة) بأن أبا بكر وعمر قد جاءا للزهراء صلوات الله عليها يعتذران عمَّا كان منهما!!
والـسـؤال الـذي يـنـتـظـر الإجـابـة بـمـجـرد ذهـابـهـمـا لـيـعـتـذرا:
لـماذا ذهـبا لـلـزهـراء صـلـوات الله عـلـيهـا يـعـتـذران..؟؟ وعـلـى مـاذا يـعـتـذران..؟؟
فـإن قـلـتـم بـأنـهـمـا يـحـتـرمـانـهـا ولـذلـك بـادرا إلـيـهـا بـنـفـسـيـهـمـا، وذهبا لمنزلها، لـنـا أن نـسـأل:
إذا كـان كـذلـك، فـكـيـف بهـمـا يـسـألانـهـا أن تـرضـى عـنـهـمـا، ولـيـس هـي مـن تـتـرضـاهـمـا إن كانت مخطئة كما تزعمون -وحاشاها-..؟؟
وإن خـطَّـأتـمـوهـا –وحـاشـاهـا- فهذا يعني بأنها ظالمة –والعياذ بالله- حتى أنها لا تبادر للإصلاح والإعتذار والإعتراف بخطأها، بل تقابلهما بهذه المقابلة الجافة، فجاء في المستدرك على الصحيحين ج: 4 ص: 272: ح7617 أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا زياد بن الحباب ثنا علي بن مسعدة الباهلي عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ثم كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه..إنتهى، فأين توبتها إن كانت خاطئة، والله تعالى يقول في حقها: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا...آية 33 من سورة الأحزاب..!!
معنى غضب الزهراء
قول أبي بكر هذه الكلمة " أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة" إنما لعلمه بأن رضا الله رضاها وغضبه غضبها من مصداق الحديث الذي يقول ، صحيح البخاري ج: 3 ص: 1361
3510 حدثنا أبو الوليد حدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني .
وقطعا، فكل من سمع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله، علم أن غضب الزهراء عليها السلام هو غضب الله جل وعلى إذ أن غضب الباري جل وعلى يتجلى في غضب أنبيائه ورسله، وهذا غضب أحب الخلق إليه صلى الله عليه وآله، فلذلك قول أبو بكر هذا العبارة " أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة"، إنما هي عن علموا بأن غضب الزهراء عليها السلام هو غضب الرسول صلى الله عليه وآله وغضب الرسول صلى الله عليه وآله هو الله جل وعلى.
قال بعض الجهال أو بعض أهل الضلال الذين يضللون العوام من الناس المسلمين أن الحديث الذي يقول « ثم فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني» والذي ذكرت مصدره في البخاري أعلاه، لم يقل غضب فاطمة هو غضب الله جل وعلى، كما قال عثمان الخ. في المناظرات التي جرت في المستقلة، متجاهلاً غضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه شيءٌ من لا شيءٌ، وكأنه يقول غضب الرسول صلى الله عليه وآله لا يعني شيء أبداً....
فلنعرف القارئ من أهل السنة وأهل السلف ما هو غضب الرسول صلى الله عليه وآله، ولن أطيل الحديث، أضعك أمام ما دونته تفاسيركم وصحاحكم من تعريف غضب الرسول صلى الله عليه وآله ومدلوله، فهذا تفسير الطبري ج26 ص 124 يذكر سبب نزل الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ...(الحجرات/6): قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط ثم أحد بني عمرو بن أمية ثم أحد بني أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات وإنه لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا ليتلقوا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا يا رسول الله إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فأنزل الله عذرهم في الكتاب فقال يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين...
فهاهم بنو المصطلق يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله خائفين أن يكون قد غضب الله ورسوله عليهم...
ولأزيدكم، خوف عمر بن الخطاب من غضب الرسول صلى الله عليه وآله مراراً وتكراراً وفي مواطن عديدة، حتى أخذ يكرر هذه المقولة " نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله"، فقد ذكر مسلم في صحيحه ج2 ص 818: 1162وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد جميعا عن حماد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن غيلان عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ثم كيف تصوم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه قال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه فقال عمر يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله قال لا صام ولا أفطر أو قال لم يصم ولم يفطر قال كيف من يصوم يومين ويفطر يوما قال ويطيق ذلك أحد قال كيف من يصوم يوما ويفطر يوما قال ذاك صوم داود عليه السلام قال كيف من يصوم يوما ويفطر يومين قال وددت أني طوقت ذلك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله.
وفي موضع آخر وفي حديث طويل إذ يحذر عمر بن الخطاب إبنته حفصة بعد ما كان منها مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها " أنى أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله"، أخرجه مسلم في صحيحه ج 2 ص1108: 1479 ....وقال عمر والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم قال فبينما أنا في أمر أأتمره إذ قالت لي امرأتي لو صنعت كذا وكذا فقلت لها وما لك أنت ولما ههنا وما تكلفك في أمر أريده فقالت لي عجبا لك يا بن الخطاب ما تريد أن تراجع أنت وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان قال عمر فآخذ ردائي ثم أخرج مكاني حتى أدخل على حفصة فقلت لها يا بنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فقالت حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أنى أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله ... إلخ فراجع نفس الرواية في صحيح البخاري ج: 4 ص: 1867
وأزيدكم بقولٍ فصلٍ على من أغضبها صلى الله عليها بأنه كفر، كما جاء في فيض القدير ج: 4 ص: 421: ( فاطمة ابنته بضعة بفتح أوله وحكي ضمه وكسره وسكون المعجمة والأشهر الفتح أي جزء مني كقطعة لحم مني فمن أغضبها بفعل ما لا يرضيها فقد أغضبني استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه وأنها أفضل من الشيخين"
إذاً، بعد العلم بأن الزهراء عليها السلام قد أستشهدت وهي واجدة على أبي بكر وعمر ، هذا يعني أن غضب الله جل وعلى قد حل عليهما، وقد قال الله العلي العظيم في كتابه العزيز، بسم الله الرحمن الرحيم: «وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى»...طه/81.
ما معني غضب الله على عبد من عبيده؟ يقول القرطبي في تفسيره ج: 11 ص: 231: قد أجمعوا على قوله ويحل عليه عذاب مقيم وغضب الله عقابه ونقمته وعذابه فقد هوى قال الزجاج فقد هلك أي صار إلى الهاوية وهي قعر النار من هوى يهوي هويا أي سقط من علو إلى سفل وهوى فلان أي مات
أذكرهم بشهادة رب العزة والجلالة في الزهراء عليها السلام، فقال العلي الأعلى في محكم كتابه العزيز، بسم الله الرحمن الرحيم: « إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»...الأحزاب/33.
ثـم لـمـاذا هـذا الإصـرار عـلـى طـلـب الإعـتـذار مـن قـبـلـهـمـا فـي ذات الـمـوقـف، حـتـى كـان مـا كـان منهما..؟؟
أليس لأنـهـمـا أذنـبـا بـحـقـهـا وظـلـمـاها......، حتى بدى الندم منهما عند الإحتضار.........؟؟
الدفن ليلا
قال الشوكاني في نيل الاوطار ج 2 جزء 4 ص 88 :
قال الحافظ في الفتح وصح أن عليا دفن فاطمة ليلا..إنتهى!!
وقال السمهودي في وفاء الوفا ج 2 جزء 3 ص 904 :
وليس في حديث الصحيح أن أبا بكر ما علم بوفاة فاطمة ، بل أن عليا دفنها ولم يعلمه..إنتهى!!
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج16 ص 214 :
قال أبو بكر و روى هشام بن محمد عن أبيه قال قالت فاطمة لأبي بكر إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله ص أعطاني فدك فقال لها يا ابنة رسول الله و الله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله ص أبيك و لوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك و الله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري أ تراني أعطي الأحمر و الأبيض حقه و أظلمك حقك و أنت بنت رسول الله ص إن هذا المال لم يكن للنبي ص و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفي رسول الله ص وليته كما كان يليه قالت و الله لا كلمتك أبدا قال و الله لا هجرتك أبدا قالت و الله لأدعون الله عليك قال و الله لأدعون الله لك فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها فدفنت ليلا و صلى عليها عباس بن عبد المطلب و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان و سبعون ليلة..إنتهى!!
وقال أيضاً في ص 217 : قال أبو بكر أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا سويد بن سعيد و الحسن بن عثمان قالا حدثنا الوليد بن محمد عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة عليه السلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ص و هي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله ص بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال و إني و الله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله ص عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ص و لأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله ص فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت من ذلك على أبي بكر و هجرته فلم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد أبيها ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي عليه السلام ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر..إنتهى!!
وقال في ص : 281:
فأما قوله و لا يصح أنها دفنت ليلا و إن صح فقد دفن فلان و فلان ليلا فقد بينا أن دفنها ليلا في الصحة أظهر من الشمس و أن منكر ذلك كالدافع للمشاهدات و لم يجعل دفنها ليلا بمجرده هو الحجة ليقال لقد دفن فلان و فلان ليلا بل يقع الاحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالتواتر أنها أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي الرجلان (يعني أبي بكر وعمر) عليها و صرحت بذلك و عهدت فيه عهدا بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما فلما طالت عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في أن يستأذن لهما و جعلاها حاجة إليه و كلمها عليه السلام في ذلك و ألح عليها فأذنت لهما في الدخول ثم أعرضت عنهما عند دخولهما و لم تكلمهما فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين عليه السلام هل صنعت ما أردت قال نعم قالت فهل أنت صانع ما آمرك به قال نعم قالت فإني أنشدك الله ألا يصليا على جنازتي و لا يقوما على قبري.
و روى أنه عفى قبرها و علم عليه و رش أربعين قبرا في البقيع و لم يرش قبرها حتى لا يهتدى إليه و أنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها و إحضارهما الصلاة عليها فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا و لو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه و ما تأخر عنه لم يكن فيه حجة..إنتهى!!
راجعوا أيضاً:
الإمامة والسياسة : ج 1 ص 14 و 15 ، وكفاية الأثر : ص 64 و 65 ، والبرهان : ج 3 ص 65 ، وعلل الشرائع : ج 1 ص 186 - 187 ، و 189 ، والشافي : ج 4 ص 213 ، وأهل البيت لتوفيق أبي علم : ص 168 ، و 169 ، و 174 ، ومرآة العقول : ج 5 ، ص 323 و 322، والجامع الصغير للمناوي : ج 2 ص 122 ، والرسائل الاعتقادية : ص 448، الشرف المؤبد للنبهاني ص ، الإصابة لابن حجر ، الاستيعاب ، بهامش الإصابة ، أسد الغابة ، كشف الغمة ج 1 ص 504، يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحنهجالبلاغة ج : 6 ص : 50:
و الصحيح عندي أنها ماتت و هي واجدة على أبي بكر و عمر و أنها أوصت ألا يصليا عليها..إنتهى!!
قال أحمد بن الحسين البيهقي (384-458هـ) في سننه الكبرى ج:6 ص: 301: ح12515: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور ثنا أبو ضمرة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال ثم لما مرضت فاطمة رضي الله عنها أتاها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فاستأذن عليها فقال علي رضي الله عنه يا فاطمة عليها السلام هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت أتحب أن آذن له قال نعم فأذنت له فدخل عليها يترضاها وقال والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت ثم ترضاها حتى رضيت هذا مرسل حسن بإسناد صحيح، وراجع أيضاً، الاعتقاد ج:1 ص: 353 و سير أعلام النبلاء ج:2 ص: 121.
فقد ذكر ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 281، في كتابه الامامة والسياسة ج 1 : ص31، تحقيق الشيري، تحت عنوان : كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعيادة الشيخين فاطمة عليها السلام في مرض وفاتها، فكان من أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه:
يصيح ويبكي وينادي: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
فقال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما : انطلق بنا إلى فاطمة عليها السلام فإنا قد أغضبناها فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة عليها السلام فلم تأذن لهما فأتيا عليا فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام
فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله ! والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول : " لا نورث ما تركنا فهو صدقة "
فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم تعرفانه وتفعلان به ؟
قالا : نعم .
فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة عليها السلام من رضاي وسخط فاطمة عليها السلام من سخطي فمن أحب فاطمة عليها السلام ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة عليها السلام فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني ؟ "
قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم
قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه
فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة عليها السلام ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق
وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ((عجيب هذا الموقف والعناد))
ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي
أخرج حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ومتكلم أهل السنة ابن روزبهان الشيرازي ، عن أبي بكر أنه قال وهو على المنبر (سر العالمين لأبي حامد الغزالي : إبطال الباطل لابن روزبهان أورده في الجواب على الطعن السابع على أبي بكر في مسألة إحراق بيت الزهراء عليها السلام) :
أقيلوني ولست بخيركم وعلي فيكم، ولا ريب أن هذه الإقالة هي الإقالة من الخلافة ، وبعبارة أخرى : إن الخليفة - أبا بكر - نوه بقوله هذا للمسلمين: فإن كنتم قد بايعتموني على أني أفضلكم وخيركم فأقيلوا البيعة ، وذلك لأني لست كذلك ، ولست بخيركم وأفضلكم وهذا علي عليه السلام فيكم..إنتهى!!
وأخرج السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص62، هذا الحديث عن أبي حامد الغزالي في كتابه سر العالمين بزيادة في الشرح والبيان فقال :
قول أبي بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله : أقيلوني فلست بخيركم .
قال : أفقال - أي أبو بكر - ذلك هزلا أو جدا أو امتحانا ؟
فإن كان هزلا فالخلفاء منزهون عن الهزل ، وإن كان جدا فهذا نقض للخلافة ، وإن كان امتحانا فالصحابة لا يليق بهم الامتحان لقوله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ...آية 43 من سورة الأعراف!!
. ذكر متكلم أهل السنة العلامة القوشجي في بيان إقرار أبي بكر فإنه قال (شرح تجريد الاعتقاد ص371 المقصد الخامس من مبحث الإمامة) :
وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم ، فهذه العبارة صريحة في مسألة الخلافة كما ترى!
إن كلا العبارتين " أقيلوني " أو " وليتكم " صريحتان في اعتراف أبي بكر بأن الإمام علي عليه السلام أولى بالخلافة والولاية بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وأن طلبه الاستقالة يمكن أن يحتج به على أبي بكر ويلزمه باعترافه هذا . وزد على ذلك أيضا أن مقولة أبي بكر حجة قاطعة وبالغة على كل من يريد التخرص بلفه ونشره الفاسد أن يقول بأولوية أبي بكر وأفضليته على علي عليه السلام وهو يريد بزعمه هذا الاغماض والتغافل عن كل الشواهد القرآنية والحديثية والتاريخية الدالة على أولوية الإمام علي عليه السلام وأحقيته للخلافة..!!
إذاً أظهرت الأخبار (الصحيحة) بأن أبا بكر وعمر قد جاءا للزهراء صلوات الله عليها يعتذران عمَّا كان منهما!!
والـسـؤال الـذي يـنـتـظـر الإجـابـة بـمـجـرد ذهـابـهـمـا لـيـعـتـذرا:
لـماذا ذهـبا لـلـزهـراء صـلـوات الله عـلـيهـا يـعـتـذران..؟؟ وعـلـى مـاذا يـعـتـذران..؟؟
فـإن قـلـتـم بـأنـهـمـا يـحـتـرمـانـهـا ولـذلـك بـادرا إلـيـهـا بـنـفـسـيـهـمـا، وذهبا لمنزلها، لـنـا أن نـسـأل:
إذا كـان كـذلـك، فـكـيـف بهـمـا يـسـألانـهـا أن تـرضـى عـنـهـمـا، ولـيـس هـي مـن تـتـرضـاهـمـا إن كانت مخطئة كما تزعمون -وحاشاها-..؟؟
وإن خـطَّـأتـمـوهـا –وحـاشـاهـا- فهذا يعني بأنها ظالمة –والعياذ بالله- حتى أنها لا تبادر للإصلاح والإعتذار والإعتراف بخطأها، بل تقابلهما بهذه المقابلة الجافة، فجاء في المستدرك على الصحيحين ج: 4 ص: 272: ح7617 أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا زياد بن الحباب ثنا علي بن مسعدة الباهلي عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ثم كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه..إنتهى، فأين توبتها إن كانت خاطئة، والله تعالى يقول في حقها: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا...آية 33 من سورة الأحزاب..!!
معنى غضب الزهراء
قول أبي بكر هذه الكلمة " أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة" إنما لعلمه بأن رضا الله رضاها وغضبه غضبها من مصداق الحديث الذي يقول ، صحيح البخاري ج: 3 ص: 1361
3510 حدثنا أبو الوليد حدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني .
وقطعا، فكل من سمع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله، علم أن غضب الزهراء عليها السلام هو غضب الله جل وعلى إذ أن غضب الباري جل وعلى يتجلى في غضب أنبيائه ورسله، وهذا غضب أحب الخلق إليه صلى الله عليه وآله، فلذلك قول أبو بكر هذا العبارة " أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة"، إنما هي عن علموا بأن غضب الزهراء عليها السلام هو غضب الرسول صلى الله عليه وآله وغضب الرسول صلى الله عليه وآله هو الله جل وعلى.
قال بعض الجهال أو بعض أهل الضلال الذين يضللون العوام من الناس المسلمين أن الحديث الذي يقول « ثم فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني» والذي ذكرت مصدره في البخاري أعلاه، لم يقل غضب فاطمة هو غضب الله جل وعلى، كما قال عثمان الخ. في المناظرات التي جرت في المستقلة، متجاهلاً غضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه شيءٌ من لا شيءٌ، وكأنه يقول غضب الرسول صلى الله عليه وآله لا يعني شيء أبداً....
فلنعرف القارئ من أهل السنة وأهل السلف ما هو غضب الرسول صلى الله عليه وآله، ولن أطيل الحديث، أضعك أمام ما دونته تفاسيركم وصحاحكم من تعريف غضب الرسول صلى الله عليه وآله ومدلوله، فهذا تفسير الطبري ج26 ص 124 يذكر سبب نزل الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ...(الحجرات/6): قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط ثم أحد بني عمرو بن أمية ثم أحد بني أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات وإنه لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا ليتلقوا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا يا رسول الله إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فأنزل الله عذرهم في الكتاب فقال يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين...
فهاهم بنو المصطلق يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله خائفين أن يكون قد غضب الله ورسوله عليهم...
ولأزيدكم، خوف عمر بن الخطاب من غضب الرسول صلى الله عليه وآله مراراً وتكراراً وفي مواطن عديدة، حتى أخذ يكرر هذه المقولة " نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله"، فقد ذكر مسلم في صحيحه ج2 ص 818: 1162وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد جميعا عن حماد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن غيلان عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ثم كيف تصوم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه قال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه فقال عمر يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله قال لا صام ولا أفطر أو قال لم يصم ولم يفطر قال كيف من يصوم يومين ويفطر يوما قال ويطيق ذلك أحد قال كيف من يصوم يوما ويفطر يوما قال ذاك صوم داود عليه السلام قال كيف من يصوم يوما ويفطر يومين قال وددت أني طوقت ذلك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله.
وفي موضع آخر وفي حديث طويل إذ يحذر عمر بن الخطاب إبنته حفصة بعد ما كان منها مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها " أنى أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله"، أخرجه مسلم في صحيحه ج 2 ص1108: 1479 ....وقال عمر والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم قال فبينما أنا في أمر أأتمره إذ قالت لي امرأتي لو صنعت كذا وكذا فقلت لها وما لك أنت ولما ههنا وما تكلفك في أمر أريده فقالت لي عجبا لك يا بن الخطاب ما تريد أن تراجع أنت وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان قال عمر فآخذ ردائي ثم أخرج مكاني حتى أدخل على حفصة فقلت لها يا بنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فقالت حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أنى أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله ... إلخ فراجع نفس الرواية في صحيح البخاري ج: 4 ص: 1867
وأزيدكم بقولٍ فصلٍ على من أغضبها صلى الله عليها بأنه كفر، كما جاء في فيض القدير ج: 4 ص: 421: ( فاطمة ابنته بضعة بفتح أوله وحكي ضمه وكسره وسكون المعجمة والأشهر الفتح أي جزء مني كقطعة لحم مني فمن أغضبها بفعل ما لا يرضيها فقد أغضبني استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه وأنها أفضل من الشيخين"
إذاً، بعد العلم بأن الزهراء عليها السلام قد أستشهدت وهي واجدة على أبي بكر وعمر ، هذا يعني أن غضب الله جل وعلى قد حل عليهما، وقد قال الله العلي العظيم في كتابه العزيز، بسم الله الرحمن الرحيم: «وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى»...طه/81.
ما معني غضب الله على عبد من عبيده؟ يقول القرطبي في تفسيره ج: 11 ص: 231: قد أجمعوا على قوله ويحل عليه عذاب مقيم وغضب الله عقابه ونقمته وعذابه فقد هوى قال الزجاج فقد هلك أي صار إلى الهاوية وهي قعر النار من هوى يهوي هويا أي سقط من علو إلى سفل وهوى فلان أي مات
أذكرهم بشهادة رب العزة والجلالة في الزهراء عليها السلام، فقال العلي الأعلى في محكم كتابه العزيز، بسم الله الرحمن الرحيم: « إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»...الأحزاب/33.
ثـم لـمـاذا هـذا الإصـرار عـلـى طـلـب الإعـتـذار مـن قـبـلـهـمـا فـي ذات الـمـوقـف، حـتـى كـان مـا كـان منهما..؟؟
أليس لأنـهـمـا أذنـبـا بـحـقـهـا وظـلـمـاها......، حتى بدى الندم منهما عند الإحتضار.........؟؟
الدفن ليلا
قال الشوكاني في نيل الاوطار ج 2 جزء 4 ص 88 :
قال الحافظ في الفتح وصح أن عليا دفن فاطمة ليلا..إنتهى!!
وقال السمهودي في وفاء الوفا ج 2 جزء 3 ص 904 :
وليس في حديث الصحيح أن أبا بكر ما علم بوفاة فاطمة ، بل أن عليا دفنها ولم يعلمه..إنتهى!!
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج16 ص 214 :
قال أبو بكر و روى هشام بن محمد عن أبيه قال قالت فاطمة لأبي بكر إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله ص أعطاني فدك فقال لها يا ابنة رسول الله و الله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله ص أبيك و لوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك و الله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري أ تراني أعطي الأحمر و الأبيض حقه و أظلمك حقك و أنت بنت رسول الله ص إن هذا المال لم يكن للنبي ص و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفي رسول الله ص وليته كما كان يليه قالت و الله لا كلمتك أبدا قال و الله لا هجرتك أبدا قالت و الله لأدعون الله عليك قال و الله لأدعون الله لك فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها فدفنت ليلا و صلى عليها عباس بن عبد المطلب و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان و سبعون ليلة..إنتهى!!
وقال أيضاً في ص 217 : قال أبو بكر أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا سويد بن سعيد و الحسن بن عثمان قالا حدثنا الوليد بن محمد عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة عليه السلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ص و هي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله ص بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال و إني و الله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله ص عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ص و لأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله ص فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت من ذلك على أبي بكر و هجرته فلم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد أبيها ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي عليه السلام ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر..إنتهى!!
وقال في ص : 281:
فأما قوله و لا يصح أنها دفنت ليلا و إن صح فقد دفن فلان و فلان ليلا فقد بينا أن دفنها ليلا في الصحة أظهر من الشمس و أن منكر ذلك كالدافع للمشاهدات و لم يجعل دفنها ليلا بمجرده هو الحجة ليقال لقد دفن فلان و فلان ليلا بل يقع الاحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالتواتر أنها أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي الرجلان (يعني أبي بكر وعمر) عليها و صرحت بذلك و عهدت فيه عهدا بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما فلما طالت عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في أن يستأذن لهما و جعلاها حاجة إليه و كلمها عليه السلام في ذلك و ألح عليها فأذنت لهما في الدخول ثم أعرضت عنهما عند دخولهما و لم تكلمهما فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين عليه السلام هل صنعت ما أردت قال نعم قالت فهل أنت صانع ما آمرك به قال نعم قالت فإني أنشدك الله ألا يصليا على جنازتي و لا يقوما على قبري.
و روى أنه عفى قبرها و علم عليه و رش أربعين قبرا في البقيع و لم يرش قبرها حتى لا يهتدى إليه و أنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها و إحضارهما الصلاة عليها فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا و لو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه و ما تأخر عنه لم يكن فيه حجة..إنتهى!!
راجعوا أيضاً:
الإمامة والسياسة : ج 1 ص 14 و 15 ، وكفاية الأثر : ص 64 و 65 ، والبرهان : ج 3 ص 65 ، وعلل الشرائع : ج 1 ص 186 - 187 ، و 189 ، والشافي : ج 4 ص 213 ، وأهل البيت لتوفيق أبي علم : ص 168 ، و 169 ، و 174 ، ومرآة العقول : ج 5 ، ص 323 و 322، والجامع الصغير للمناوي : ج 2 ص 122 ، والرسائل الاعتقادية : ص 448، الشرف المؤبد للنبهاني ص ، الإصابة لابن حجر ، الاستيعاب ، بهامش الإصابة ، أسد الغابة ، كشف الغمة ج 1 ص 504، يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحنهجالبلاغة ج : 6 ص : 50:
و الصحيح عندي أنها ماتت و هي واجدة على أبي بكر و عمر و أنها أوصت ألا يصليا عليها..إنتهى!!
تعليق