بقلم : علي شريعتي والتشيع الصفوي
دكتور أحمد راسم النفيس
نقلا عن جريدة القاهرة بتاريخ 16-6-2009
قبل فترة وبعد صدور كتابي (الشيعة والتشيع لأهل البيت) التقيت بأحد الشباب الذي قرأ ما ورد في الكتاب عن فرق الشيعة فسألني: لماذا لم تكتب عن التشيع الصفوي؟!.
قلت له ليس هناك شيء اسمه التشيع الصفوي.. إنه مجرد مصطلح سياسي أطلقه المفكر الراحل الدكتور علي شريعتي.
ترى, لو كان المفكر الكبير يعلم أن هذا المصطلح سيستخدم على النحو الذي يستخدم به الآن في تشويه الشيعة في العالم بأسره ووصم كل من تربطه بإيران الإسلامية علاقة بأنه (صفوي عميل)؟!.
أغلب الظن أنه لم يكن ليطلق هذا المصطلح ويبحث عن بديل ملائم يؤدي نفس المهمة ولا يمكن توظيفه بطريقة عنصرية!!.
الثابت أن الرجل انطلق في مهمته الرامية لتغيير الواقع من إيران في ستينات وسبعينات القرن الماضي التي ارتبط تشيعها بالدولة الصفوية قبل أن يقتل على يد المخابرات الشاهنشاهية في لندن قبل اندلاع الثورة الإيرانية بأعوام قليلة.
شهد العالم الإسلامي وما زال يشهد حتى هذه اللحظة دولا تقوم على الغلبة لا على الديموقراطية التي ما تزال حتى الآن مجرد أمنية لا أكثر ولا أقل.
لم تكن الدولة الفاطمية ولا الصفوية استثناء من هذه القاعدة وعلى كل من يدرس التاريخ أن لا يزن الأمور بميزانين فيحاسب الدولة الصفوية أو الفاطمية لعدم التزامها بالمعايير الديموقراطية المعاصرة ويثني على الدولة الأموية والعثمانية لأنها دولة فتوحات مبررا لها كل ما ارتكبته من جرائم لأن هذا كان ضرورة لتأمين الجبهة الداخلية؟!.
النقد الذي وجهه الدكتور علي شريعتي لبعض علماء الشيعة لا يخلو من الصحة وهو نقد يرتبط بحالة الركود التي عاشها هؤلاء وجنوحهم للقبول بالأمر الواقع والتعايش معه!!.
لذا سنقتصر هنا على مناقشة مصطلح التشيع الصفوي والأسس التي بني عليها ومدى مطابقته للواقع التاريخي والعقائدي.
لنبدأ من مربط الفرس والنقطة التي انطلق منها الدكتور علي شريعتي لإدانة ما أسماه بالتشيع الصفوي.
إنه مبدأ الحركة والنظام
في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) يقول علي شريعتي:
ثمة مبدأ هو: تحويل الحركة إلى نظام (movement to institution) وحاصله أنه تظهر أحيانا في المجتمع حركة تحمل أفكارا وعقائد وتطلعات تعبر عن مناخ أجتماعي متطلع للتغيير حيث يوظف أتباعها حركتهم لخدمة هذا الهدف ولكن هذه النهضة عندما تصل إلى حد معين أو تصطدم بعراقيل وموانع ذاتية أو خارجية تبدأ بالتوقف والجمود وتنسلخ من طابعها الحركي التغييري وهنا تبدأ أزمتها.
تتحول الحركة إلى نظام ذي طابع محافظ وينتقل أتباع الحركة من خندق المعارضة إلى فندق السلطة وتظهر لديهم نزعة الحفاظ على موقعهم السياسي والاجتماعي ضد الأخطار التي تحيق بهم.
كما أنهم سينظرون إلى أي حركة تجديدية على أنها مؤامرة تهدف لتقويض أركان النظام وسيوصف أتباع الحركة الجديدة بالتمرد والغوغائية وتلصق بهم تهمة الخيانة العظمى .
وما زال الكلام للدكتور شريعتي: للتشيع حقبتان تاريخيتان بينهما تمام الاختلاف, الأولى تبدأ منذ القرن الأول الهجري حيث كان التشيع معبرا عن الإسلام الحركي في مقابل الإسلام الرسمي وتمتد هذه الحقبة إلى أوائل العهد الصفوي والثانية تبدأ مع العهد الصفوي حيث تحول فيه التشيع من حركة ونهضة إلى تشيع حكومة ونظام.
الشيعة الأوائل كانوا أقلية محكومة ومضطهدة لا تستطيع ممارسة طقوسها بحرية وعلانية ولم يكن يحق لهم أن يزوروا الإمام الحسين في كربلاء أو أن يأتوا باسمه على لسانهم وكان الشيعي دوما تحت المطاردة, ملازما للخوف والتقية.
أما بعد قيام الدولة الصفوية فقد تحول الوجود الشيعي إلى قوة كبرى تحكم البلاد وتقع تحت إمرتها أقوى الأجهزة, والحاكم الذي كان يقمع الشيعة بشدة ويعتقل ويعذب أو يقتل كل من يشك بولائه وحبه لعلي بات الآن من المتظاهرين بالولاء لأهل البيت.
أما العلماء ورجال الدين الذين كانوا على الدوام في مواجهة السلطة ويتعرضون لأبشع أنواع الظلم هم اليوم مكرمون مرفهون يعيشون في ظروف جيدة يجلسون إلى جنب السلطان وقد يستشيرهم في كثير من أمور البلاد.
من هذا الموقع العُلوي الحافل بالانتصارات بدأت هزيمة التشيع.
ومن هذه اللحظة التي زالت فيها جميع الموانع العراقيل بوجه أداء الطقوس العبادية والمذهبية وتحول الأعداء إلى أصدقاء توقف المد الشيعي عن الحركة ليتحول إلى وجود اجتماعي غالب وحاكم وجامد وراكد.
هنا يتجسد بوضوح قانون تبدل الحركة إلى نظام, أو تحول عقيدة نابضة قادرة على تحريك أمة بأسرها على شتى الأصعدة إلى مجرد نظام ونسق اجتماعي رسمي مرتبط مع سائر الأنساق الاجتماعية مثل الأسرة واللغة وأنظمة الحكم ارتباطا مصيريا حيث لا يمكن فك الارتباط بينها بأي نحو كان . انتهى.
وقفة مع شريعتي
لقد استخدم الدكتور علي شريعتي هذا المصطلح لوصف واقع راكد كان يسعى لتغييره ومن هنا جاءت محاولة تأصيل هذه الرؤية من خلال تقسيم التاريخ الإسلامي إلى مرحلتين تبدأ الثانية منهما مع بداية عهد الدولة الصفوية.
الرفض الذي يبديه الكاتب أو المفكر للواقع الجامد والمتكلس ومن ضمنه المؤسسة الدينية شيعية كانت أم غير شيعية هو أمر منطقي خاصة وأن هذا الرفض كان عاملا رئيسا من عوامل تفجير الثورة الإسلامية التي كان الدكتور شريعتي أحد أهم رموزها.
لا شك أن مناقشة أفكار (علي شريعتي) تختلف كليا عن مناقشة أفكار من لم يقدموا للناس إلا أفكارا تكفيرية كانت عاملا رئيسيا في إشعال الحرائق في عديد الأنحاء وكلها حرائق أكلت من رصيد دعاة التغيير أكثر مما أكلت من لحوم الأباطرة والطغاة.
الملاحظة الثانية هي أن الرجل يقرأ التاريخ الإسلامي من منظور إيراني بحت.
عندما يقول أن تاريخ التشيع ينقسم إلى مرحلتين, ما قبل الدولة الصفوية وما بعدها فهو بهذا يتجاهل الدور التاريخي الذي لعبته الدولة الفاطمية ووفقا لهذا المقياس يمكننا أن نقول أن هناك تاريخ إسلامي أو تاريخ للتشيع يرتبط بتاريخ قيام الدولة الفاطمية أو انهيارها!!.
أيهما؟! الله وحده يعلم!!.
الملاحظة الثالثة تتعلق بقانون الحركة والنظام حيث نعتقد نحن بأن القانون ذاته يحتاج إلى إعادة نظر لعدة أسباب ومن أهمها بكل تأكيد أن (النظام: الشيعي الصفوي) الذي انتقده علي شريعتي بقسوة قد أنتج بعد ذلك حركة انفجارية هائلة هي الثورة الإيرانية وأن أحد أهم عوامل تحريك هذا النظام وإخراجه من حالة الركود التي كان يعاني منها كانت أفكار الدكتور شريعتي الذي قدم حياته ثمنا من أجل تحريك هذا الموات ومن ثم فالقانون يتعين تعديله ليصبح (حركة – نظام – حركة مرة أخرى أو موات).
إنه أحد القوانين الحاكمة لمسار الكون ولو قبلنا بأن تحول الحركة إلى نظام هو نوع من الموت فليس من المستحيل أن تنبثق من النظام تلك الحركة الجبارة التي تفجرت بعد استشهاد شريعتي بعامين تقريبا لتقدم الثورة الإسلامية التي يعجز العالم الغربي الآن عن ملاحقة خطواتها ويفشل في محاصرتها.
تجاهل الدكتور شريعتي الدولة الفاطمية وهي حركة تحولت إلى نظام وأصابها نفس الأمراض التي تصيب أي نظام مما سهل إسقاطها والتآمر عليها حيث ضربت هذه الدولة ومعها (الحركة) في أغلب مناطق نفوذها ضربات مهلكة ومميتة ورغم هذا نسمع الآن الشكوى من (المد الشيعي) وهو ما يعني أن الذين ضربوا النظام وقاموا بمحو كل آثاره الفكرية والعقائدية والفقهية وحتى المعمارية لم يتمكنوا من القضاء بصورة نهائية على الحركة التي عادت بعد ثمانية قرون للظهور.
وأخيرا, فات الدكتور شريعتي ورغم الضيق الشديد الذي يبديه من الدولة الصفوية معتبرا أن ظهورها (كان هزيمة للتشيع) أنه كان مشتبكا مع خصومه في الرأي ممن وصفهم ب(علماء التشيع الصفوي) على أرضية واحدة هي أرضية التشيع والولاء لأهل البيت.
كان رأيه أن هؤلاء يقفون سدا وحائلا في مواجهة التشيع العلوي وكان رأيهم أن ما يطرحه من آراء وأفكار يعد تخريبا للتشيع.
كان شريعتي يفضل على ما يبدو أن تبقى الحركة بدلا من النظام وكان اعتقاده أن (علماء التشيع الصفوي) هم شيعة الشاه عباس وليسوا من شيعة علي بن أبي طالب.
لأن الدولة الصفوية رغم أخطائها قد تركت للإيرانيين حركة ووجودا فكريا كان يمكن لها أن تصحح الأخطاء وأن تعيد تشكلها ولأن (الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ بِهِ إِحْدَى قَائِمَتَيْهِ وَتَثْبُتَ الاُْخْرى فَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً) والمهم أن يجد المدبر أو المتجمد أرضا يمكنه الوقوف عليها حتى يستعيد توازنه ويبدأ الحركة من جديد.
أما عندما تضرب الدولة وتمحى الحركة فلا يجد المرء أثرا لعالم دين شيعي, صفوي, أو فاطمي, أو علوي ليشتبك معه ويقوم بنقده فتلك هي الكارثة.
الخطيئة الثانية للصفويين: موقفهم من العثمانيين!!
ينتقد الدكتور شريعتي موقف (التشيع الصفوي) من العثمانيين حيث يرى أن: موقفها الشيعي المتعصب من الكيان العثماني ينطلق من كونهم منكرين للإمامة ولذا فهم مدانون (حتى في مقابل الغرب)!!.
ويقول أيضا: رغم أن النظام العثماني نظام فاسد لكنه وقف سدا منيعا بوجه الغزو الاستعماري الغربي الذي يهدد وجودنا ولذا فمن هذه الزاوية سوف يتمنى الشيعي أن يظهر صلاح الدين المناوئ للشيعة مرة أخرى في فلسطين وأن ينهض العثمانيون لطرد الأجانب الغربيين من أراضي المسلمين في آسيا وأفريقيا.
لقد دأبت شخصياتنا المستنيرة للأسف (والكلام لشريعتي) على محاكاة علماء الغرب وكتابه ومثقفيه في إصدار الأحكام غير المنصفة سياسيا واجتماعيا بديننا وحضارتنا ورموزنا التاريخية وبالتالي رددوا نفس التهم التي ألصقها أولئك بالدولة العثمانية بدوافع مغرضة في الغالب أو ناجمة عن تعصب وحقد .
دكتور أحمد راسم النفيس
نقلا عن جريدة القاهرة بتاريخ 16-6-2009
قبل فترة وبعد صدور كتابي (الشيعة والتشيع لأهل البيت) التقيت بأحد الشباب الذي قرأ ما ورد في الكتاب عن فرق الشيعة فسألني: لماذا لم تكتب عن التشيع الصفوي؟!.
قلت له ليس هناك شيء اسمه التشيع الصفوي.. إنه مجرد مصطلح سياسي أطلقه المفكر الراحل الدكتور علي شريعتي.
ترى, لو كان المفكر الكبير يعلم أن هذا المصطلح سيستخدم على النحو الذي يستخدم به الآن في تشويه الشيعة في العالم بأسره ووصم كل من تربطه بإيران الإسلامية علاقة بأنه (صفوي عميل)؟!.
أغلب الظن أنه لم يكن ليطلق هذا المصطلح ويبحث عن بديل ملائم يؤدي نفس المهمة ولا يمكن توظيفه بطريقة عنصرية!!.
الثابت أن الرجل انطلق في مهمته الرامية لتغيير الواقع من إيران في ستينات وسبعينات القرن الماضي التي ارتبط تشيعها بالدولة الصفوية قبل أن يقتل على يد المخابرات الشاهنشاهية في لندن قبل اندلاع الثورة الإيرانية بأعوام قليلة.
شهد العالم الإسلامي وما زال يشهد حتى هذه اللحظة دولا تقوم على الغلبة لا على الديموقراطية التي ما تزال حتى الآن مجرد أمنية لا أكثر ولا أقل.
لم تكن الدولة الفاطمية ولا الصفوية استثناء من هذه القاعدة وعلى كل من يدرس التاريخ أن لا يزن الأمور بميزانين فيحاسب الدولة الصفوية أو الفاطمية لعدم التزامها بالمعايير الديموقراطية المعاصرة ويثني على الدولة الأموية والعثمانية لأنها دولة فتوحات مبررا لها كل ما ارتكبته من جرائم لأن هذا كان ضرورة لتأمين الجبهة الداخلية؟!.
النقد الذي وجهه الدكتور علي شريعتي لبعض علماء الشيعة لا يخلو من الصحة وهو نقد يرتبط بحالة الركود التي عاشها هؤلاء وجنوحهم للقبول بالأمر الواقع والتعايش معه!!.
لذا سنقتصر هنا على مناقشة مصطلح التشيع الصفوي والأسس التي بني عليها ومدى مطابقته للواقع التاريخي والعقائدي.
لنبدأ من مربط الفرس والنقطة التي انطلق منها الدكتور علي شريعتي لإدانة ما أسماه بالتشيع الصفوي.
إنه مبدأ الحركة والنظام
في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) يقول علي شريعتي:
ثمة مبدأ هو: تحويل الحركة إلى نظام (movement to institution) وحاصله أنه تظهر أحيانا في المجتمع حركة تحمل أفكارا وعقائد وتطلعات تعبر عن مناخ أجتماعي متطلع للتغيير حيث يوظف أتباعها حركتهم لخدمة هذا الهدف ولكن هذه النهضة عندما تصل إلى حد معين أو تصطدم بعراقيل وموانع ذاتية أو خارجية تبدأ بالتوقف والجمود وتنسلخ من طابعها الحركي التغييري وهنا تبدأ أزمتها.
تتحول الحركة إلى نظام ذي طابع محافظ وينتقل أتباع الحركة من خندق المعارضة إلى فندق السلطة وتظهر لديهم نزعة الحفاظ على موقعهم السياسي والاجتماعي ضد الأخطار التي تحيق بهم.
كما أنهم سينظرون إلى أي حركة تجديدية على أنها مؤامرة تهدف لتقويض أركان النظام وسيوصف أتباع الحركة الجديدة بالتمرد والغوغائية وتلصق بهم تهمة الخيانة العظمى .
وما زال الكلام للدكتور شريعتي: للتشيع حقبتان تاريخيتان بينهما تمام الاختلاف, الأولى تبدأ منذ القرن الأول الهجري حيث كان التشيع معبرا عن الإسلام الحركي في مقابل الإسلام الرسمي وتمتد هذه الحقبة إلى أوائل العهد الصفوي والثانية تبدأ مع العهد الصفوي حيث تحول فيه التشيع من حركة ونهضة إلى تشيع حكومة ونظام.
الشيعة الأوائل كانوا أقلية محكومة ومضطهدة لا تستطيع ممارسة طقوسها بحرية وعلانية ولم يكن يحق لهم أن يزوروا الإمام الحسين في كربلاء أو أن يأتوا باسمه على لسانهم وكان الشيعي دوما تحت المطاردة, ملازما للخوف والتقية.
أما بعد قيام الدولة الصفوية فقد تحول الوجود الشيعي إلى قوة كبرى تحكم البلاد وتقع تحت إمرتها أقوى الأجهزة, والحاكم الذي كان يقمع الشيعة بشدة ويعتقل ويعذب أو يقتل كل من يشك بولائه وحبه لعلي بات الآن من المتظاهرين بالولاء لأهل البيت.
أما العلماء ورجال الدين الذين كانوا على الدوام في مواجهة السلطة ويتعرضون لأبشع أنواع الظلم هم اليوم مكرمون مرفهون يعيشون في ظروف جيدة يجلسون إلى جنب السلطان وقد يستشيرهم في كثير من أمور البلاد.
من هذا الموقع العُلوي الحافل بالانتصارات بدأت هزيمة التشيع.
ومن هذه اللحظة التي زالت فيها جميع الموانع العراقيل بوجه أداء الطقوس العبادية والمذهبية وتحول الأعداء إلى أصدقاء توقف المد الشيعي عن الحركة ليتحول إلى وجود اجتماعي غالب وحاكم وجامد وراكد.
هنا يتجسد بوضوح قانون تبدل الحركة إلى نظام, أو تحول عقيدة نابضة قادرة على تحريك أمة بأسرها على شتى الأصعدة إلى مجرد نظام ونسق اجتماعي رسمي مرتبط مع سائر الأنساق الاجتماعية مثل الأسرة واللغة وأنظمة الحكم ارتباطا مصيريا حيث لا يمكن فك الارتباط بينها بأي نحو كان . انتهى.
وقفة مع شريعتي
لقد استخدم الدكتور علي شريعتي هذا المصطلح لوصف واقع راكد كان يسعى لتغييره ومن هنا جاءت محاولة تأصيل هذه الرؤية من خلال تقسيم التاريخ الإسلامي إلى مرحلتين تبدأ الثانية منهما مع بداية عهد الدولة الصفوية.
الرفض الذي يبديه الكاتب أو المفكر للواقع الجامد والمتكلس ومن ضمنه المؤسسة الدينية شيعية كانت أم غير شيعية هو أمر منطقي خاصة وأن هذا الرفض كان عاملا رئيسا من عوامل تفجير الثورة الإسلامية التي كان الدكتور شريعتي أحد أهم رموزها.
لا شك أن مناقشة أفكار (علي شريعتي) تختلف كليا عن مناقشة أفكار من لم يقدموا للناس إلا أفكارا تكفيرية كانت عاملا رئيسيا في إشعال الحرائق في عديد الأنحاء وكلها حرائق أكلت من رصيد دعاة التغيير أكثر مما أكلت من لحوم الأباطرة والطغاة.
الملاحظة الثانية هي أن الرجل يقرأ التاريخ الإسلامي من منظور إيراني بحت.
عندما يقول أن تاريخ التشيع ينقسم إلى مرحلتين, ما قبل الدولة الصفوية وما بعدها فهو بهذا يتجاهل الدور التاريخي الذي لعبته الدولة الفاطمية ووفقا لهذا المقياس يمكننا أن نقول أن هناك تاريخ إسلامي أو تاريخ للتشيع يرتبط بتاريخ قيام الدولة الفاطمية أو انهيارها!!.
أيهما؟! الله وحده يعلم!!.
الملاحظة الثالثة تتعلق بقانون الحركة والنظام حيث نعتقد نحن بأن القانون ذاته يحتاج إلى إعادة نظر لعدة أسباب ومن أهمها بكل تأكيد أن (النظام: الشيعي الصفوي) الذي انتقده علي شريعتي بقسوة قد أنتج بعد ذلك حركة انفجارية هائلة هي الثورة الإيرانية وأن أحد أهم عوامل تحريك هذا النظام وإخراجه من حالة الركود التي كان يعاني منها كانت أفكار الدكتور شريعتي الذي قدم حياته ثمنا من أجل تحريك هذا الموات ومن ثم فالقانون يتعين تعديله ليصبح (حركة – نظام – حركة مرة أخرى أو موات).
إنه أحد القوانين الحاكمة لمسار الكون ولو قبلنا بأن تحول الحركة إلى نظام هو نوع من الموت فليس من المستحيل أن تنبثق من النظام تلك الحركة الجبارة التي تفجرت بعد استشهاد شريعتي بعامين تقريبا لتقدم الثورة الإسلامية التي يعجز العالم الغربي الآن عن ملاحقة خطواتها ويفشل في محاصرتها.
تجاهل الدكتور شريعتي الدولة الفاطمية وهي حركة تحولت إلى نظام وأصابها نفس الأمراض التي تصيب أي نظام مما سهل إسقاطها والتآمر عليها حيث ضربت هذه الدولة ومعها (الحركة) في أغلب مناطق نفوذها ضربات مهلكة ومميتة ورغم هذا نسمع الآن الشكوى من (المد الشيعي) وهو ما يعني أن الذين ضربوا النظام وقاموا بمحو كل آثاره الفكرية والعقائدية والفقهية وحتى المعمارية لم يتمكنوا من القضاء بصورة نهائية على الحركة التي عادت بعد ثمانية قرون للظهور.
وأخيرا, فات الدكتور شريعتي ورغم الضيق الشديد الذي يبديه من الدولة الصفوية معتبرا أن ظهورها (كان هزيمة للتشيع) أنه كان مشتبكا مع خصومه في الرأي ممن وصفهم ب(علماء التشيع الصفوي) على أرضية واحدة هي أرضية التشيع والولاء لأهل البيت.
كان رأيه أن هؤلاء يقفون سدا وحائلا في مواجهة التشيع العلوي وكان رأيهم أن ما يطرحه من آراء وأفكار يعد تخريبا للتشيع.
كان شريعتي يفضل على ما يبدو أن تبقى الحركة بدلا من النظام وكان اعتقاده أن (علماء التشيع الصفوي) هم شيعة الشاه عباس وليسوا من شيعة علي بن أبي طالب.
لأن الدولة الصفوية رغم أخطائها قد تركت للإيرانيين حركة ووجودا فكريا كان يمكن لها أن تصحح الأخطاء وأن تعيد تشكلها ولأن (الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ بِهِ إِحْدَى قَائِمَتَيْهِ وَتَثْبُتَ الاُْخْرى فَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً) والمهم أن يجد المدبر أو المتجمد أرضا يمكنه الوقوف عليها حتى يستعيد توازنه ويبدأ الحركة من جديد.
أما عندما تضرب الدولة وتمحى الحركة فلا يجد المرء أثرا لعالم دين شيعي, صفوي, أو فاطمي, أو علوي ليشتبك معه ويقوم بنقده فتلك هي الكارثة.
الخطيئة الثانية للصفويين: موقفهم من العثمانيين!!
ينتقد الدكتور شريعتي موقف (التشيع الصفوي) من العثمانيين حيث يرى أن: موقفها الشيعي المتعصب من الكيان العثماني ينطلق من كونهم منكرين للإمامة ولذا فهم مدانون (حتى في مقابل الغرب)!!.
ويقول أيضا: رغم أن النظام العثماني نظام فاسد لكنه وقف سدا منيعا بوجه الغزو الاستعماري الغربي الذي يهدد وجودنا ولذا فمن هذه الزاوية سوف يتمنى الشيعي أن يظهر صلاح الدين المناوئ للشيعة مرة أخرى في فلسطين وأن ينهض العثمانيون لطرد الأجانب الغربيين من أراضي المسلمين في آسيا وأفريقيا.
لقد دأبت شخصياتنا المستنيرة للأسف (والكلام لشريعتي) على محاكاة علماء الغرب وكتابه ومثقفيه في إصدار الأحكام غير المنصفة سياسيا واجتماعيا بديننا وحضارتنا ورموزنا التاريخية وبالتالي رددوا نفس التهم التي ألصقها أولئك بالدولة العثمانية بدوافع مغرضة في الغالب أو ناجمة عن تعصب وحقد .
تعليق