يا اخي ان موضوع العصمة والامامة من الامور التي اختلفت فيها الامة من يوم السقيفة لو صح التعبير الى يومنا هذا وهي موضع خلاف ولكن الحق واحد كما ان الله واحد وفي هذا البحث سيبتان لك ماان نترك التعصب والتأثّر بعادات محيطنا وتقاليد آبائنا، وأن لا تأخذنا حمية الجاهلية، فنرفض الحق بعد ما ظهر لنا، ونقول ـ لا سمح الله ـ مثل ما قاله الجاهلون : (حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) (4) أو نقول : (بَلْ نَتّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) (5).
فالرجاء هو أن ننظر نحن وأنتم إلى المواضيع والمسائل التي نناقشها نظر الإنصاف والتحقيق، حتى نسير معا على طريق واحد ونصل إلى الحق والصواب، فنكون كما أراد الله تعالى لنا : إخوانا متعاضدين ومتحابين في الله تبارك وتعالى .وارجو ان تقرءا الموضوع بجد واجتهاد ان كنت للحق طالب .بسم الله ابدا
ا الإمامة
إن الإمامة أو الخلافة تعني القيادة ، وقد أصبحت مصطلحا لقيادة المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ، والتي لا يمكن لأحد أن ينكرها بهذا المفهوم ، ذلك أن القيادة مطلب فطري لأية جماعة ،
وقد كان اختلاف المسلمين من السنة والشيعة حول طريقة تعيين الإمام أو الخليفة والدور الذي يقوم به ، وهو يعد من أعظم الاختلافات بينهم على الإطلاق ، وأن باقي الاختلافات ما هي إلا نتيجة طبيعية لهذا الاختلاف الكبير ،
ذلك أن الإمامة كما يراها الشيعة فإنها بنص من الرسول صلى الله عليه وآله ومختصة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، وأن معرفة أحكام الإسلام بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله يكون بالرجوع إلى هؤلاء الأئمة
أو إلى الصحيح مما روي عنهم ، وإذا تعارض قولهم مع قول غيرهم فإنه يجب الأخذ بقولهم بوصفهم الخزانة الأمينة لسنة المصطفى صلى الله عليه وآله .
وأما الإمامة عند أهل السنة فإنهم قالوا : إنها بالشورى ، ولكنهم لا يمانعون أن تكون بنص من الخليفة السابق إلى اللاحق ، كما في حالة الخليفة أبو بكر ( رض ) الذي نص على خلافة عمر ( رض ) ، وكذلك يجوزون أن تؤخذ الخلافة بالقهر وغلبة السيف كما في حالة الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية .
وأما معرفة أحكام الإسلام عندهم فإنها تكون بالرجوع
إلى الصحيح مما روي عن طريق الصحابة من غير تفريق بينهم ، حيث اعتبروا جميع الصحابة عدول وثقاة بالرغم من أن قسما كبيرا منهم تورط في معركتي الجمل وصفين ، وقد أعملوا القتل ببعضهم البعض في تلك المواقع وغيرها من الحوادث التي تجعل عدالة كثير منهم في محل شك وتساؤل . وسترى شرحا وافيا حول عدالة الصحابة في فصل لاحق إن شاء الله .
وما دامت الحال هكذا ، وبوجود الاختلاف بين الشيعة وأهل السنة ، فالأجدر قبل إصدار حكم ببطلان مذهب أو تفضيل طريقة على أخرى ، التريث والنظر فيما ذهب إليه كل فريق من حجج وبراهين ، وقد خصصنا بحثنا لهذا الغرض ، حيث نجمل فيما يلي النصوص التي تمسك بها الشيعة كأدلة تثبت مذهبهم في الإمامة ورد أهل السنة على ذلك على النحو التالي :
أولا : الأدلة في إثبات إمامة أهل البيت .
ثانيا : الأدلة في إثبات عدد أئمة أهل البيت
نصوص الإمامة
اولا : الأدلة في إثبات إمامة أهل البيت عليهم السلام : إن النصوص المروية عن الرسول ( ص ) في إمامة أهل البيت على الأمة من بعده كثيرة ، نورد هنا أشهرها :
فمن صحيح مسلم ، بسنده عن زيد بن أرقم قال : " إن الرسول ( ص ) قال : " ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله فيه الهدى والنور ،
فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . . وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي "
ومن صحيح الترمذي ، بسنده عن جابر بن عبد الله قال : " رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب ، فسمعته يقول : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " ) .
وهذا الحديث لو لم يوجد غيره لكفى في إثبات أحقية مذهب الشيعة الذي يوجب التمسك بأهل البيت عليهم السلام بالإضافة إلى الكتاب الكريم ، حيث نجد في هذا الحديث أمر الرسول صلى الله عليه وآله واضحا في أتم صور الوضوح بالتمسك بأهل البيت عليهم السلام من بعده ، وإن هذا التمسك بالإضافة إلى الأخذ بالقرآن الكريم هو شرط النجاة وعدم الضلال .
وبالرغم من أن مسلم وكثير غيره من علماء الحديث من أهل السنة قد أخرجوا هذا الحديث في صحاحهم ومسانيدهم ، إلا أنه ولدهشتي الكبيرة أجد معظم أهل السنة يجهلونه بل وينكرونه عند سماعهم به وكأنه غير موجود ،
ومحتجين بأن الصحيح في ذلك هو ما رواه أبو هريرة بأن الرسول ( ص ) قال : " إني قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما أبدا ما أخذتم بهما أو عملتم بهما : كتاب الله وسنتي " ( 1 ) .
وعند التقصي عن مصدر هذه الرواية ، وجدت أنها لم تروى في أي من الصحاح ، وقد ضعفها ( 2 ) كل من البخاري والنسائي والذهبي وغيرهم ، وقد رواها الحاكم في مستدركه الذي يعتبر بإجماع علماء أهل السنة أقل درجة من صحيح مسلم الذي أورد حديث " . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " .
وعلى فرض عدم تعارض الروايتين ، فإنه لا بد من التسليم بأن المقصود بكلمة " سنتي " في رواية الحاكم هو السنة المأخوذة عن طريق أهل البيت النبوي وليس غيرهم كما يتبين بوضوح في رواية مسلم .
أما التمسك برواية الحاكم " . . كتاب الله وسنتي " وترك رواية مسلم " . . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " فإن في ذلك مخالفة ليس فقط لما أجمع عليه علماء الحديث من أهل السنة بتقديم أحاديث مسلم على أحاديث الحاكم ، بل ومخالفا أيضا
للمنطق والعقل ، ذلك أن كلمة " سنتي " مجردة كما في رواية الحاكم لا تفيد علما ، فجميع الطوائف الإسلامية تزعم أنها تتبع سنة النبي صلى الله عليه وآله ، وبالنظر إلى وجود الاختلافات الكثيرة بين هذه الطوائف ، والتي غالبا يكون سببها الاختلاف في السنة النبوية المنقولة إليها
عبر طرق مختلفة والتي تعتبر مفسرة ومكملة للقرآن الكريم الذي أجمعت جميع طوائف المسلمين على صحة نقله ، وهكذا فإن الاختلاف في الحديث المنقول - والذي أدى إلى الاختلاف أيضا في تفسير القرآن - أصبحت السنة النبوية سننا متعددة والمسلمون تبعا لذلك أصبحوا مذاهب وفرق متعددة أيضا ،
روي أن عددها ثلاث وسبعين فرقة . . . فأي سنة من تلك السنن أحق بالإتباع ؟ ، وإنه لسؤال فطري يدور في خلد كل من يتمعن في هذا الاختلاف والذي جاء الحديث أعلاه ليجيب عليه حق لا يترك المسلمون هكذا يحيرون في إسلامهم بعد رحيل
مبلغه ، فكانت التوجيهات النبوية المقدسة تقضي بأخذ السنة النبوية المطهرة عن طريق أهل البيت النبوي الذي نطق القرآن بتطهيرهم ، وهي بذلك واضحة لا تحتمل ألفاظها أي معنى آخر ، وإن ذلك الأخذ هو وحده الأمان من الفتنة والضلال .
وهنا يطرح سؤالان لا تكتمل الصورة وضوحا إلا بالإجابة عليهما :
أولهما : من هم أهل البيت المقصودون في الحديث السابق ؟
ثانيهما : لماذا خصص الحديث الأخذ عن أهل البيت فقط وليس عموم الصحابة كما يقول أهل السنة ؟
من أهم أهل البيت ؟
يروي مسلم في صحيحه ، بسنده عن صفية بنت شيبة قالت : " قالت عائشة : خرج رسول الله ( ص ) وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) " ( 1 ) .
ومن صحيح مسلم أيضا : " . . . ولما نزلت هذه الآية - ( فقل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم ) - دعا رسول الله ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي " ( 1 ) .
فمن الحديثين السابقين يتبين أن أهل البيت في عهد النبي ( ص ) هم : علي وفاطمة وابنيهما ،
ولكن ماذا بالنسبة لنساء النبي ( ص ) ؟
يروي مسلم في صحيحه عن الرسول ( ص ) ، بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال : " . . . ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ، وفيه فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : لا ، وأيم والله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده " ( 2 ) .
ومن صحيح الترمذي بسنده عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي ( ص ) قال : " لما نزلت هذه الآية - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في بيت أم سلمة ، فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي عليه السلام خلف ظهره ، فجللهم بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء هم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك وأنت على خير " ( 3 ) .
ومن مسند أحمد بسنده عن أم سلمة : " أن رسول الله ( ص ) ، قال لفاطمة عليها السلام : آتني بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكيا ( قال ) ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد
مجيد ، قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير " ( 1 ) .
وبالرغم من وضوح الأدلة السابقة في تعيين أهل البيت ، إلا أن البعض يعارض ذلك محتجا بالآيات التالية من سورة الأحزاب في دلالتها على شمول أهل البيت لنساء النبي صلى الله عليه وآله ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن . . . ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 2 )
وكما يظهر ، فإن حجة هؤلاء القائلين باشتمال أهل البيت على نساء النبي إنما تأتي لوقوع - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في نفس الآية التي نزل جزء منها في نساء النبي ،
ويمكن تفنيد هذا الرأي من عدة وجوه منها :
1 - إن نزول الآيات القرآنية بشأن تهديد نساء النبي صلى الله عليه وآله بالطلاق ، ومن ثم إرادة الله بتطهير أهل البيت جاء متتابعا ، لا يعني بالضرورة أن يكون المقصود بالمناسبتين هو نساء النبي ،
ذلك أنه يوجد كثير من الآيات في القرآن الكريم من هذا النوع حيث تجدها تحوي أمرين مختلفين ولعل سبب وقوعهما معا في نفس الآية هو التوافق في زمن حصول المناسبتين ،
ومن أمثلة هذه الآيات : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا * فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم
فإن الله غفور رحيم " ( 1 ) ، حيث تجد في هذه الآية مجئ الحديث بشأن إكمال الدين في وسط الحديث بشأن المأكولات المحرمة .
2 - ما يؤكد عدم دخول نساء النبي صلى الله عليه وآله بمقصود هذه الآية هو أن الكلام بشأن نساء النبي صلى الله عليه وآله جاء بضمير الجمع المؤنث ، كنتن . . . منكن . . . لستن . . . تخضعن . . . وقرن في بيوتكن . . . تبرجن . . .
وعندما بدأ الكلام بشأن التطهير تحول ضمير المخاطب إلى ضمير الجمع المذكر - عنكم . . . ويطهركم - وليس عنكن . . . ويطهركن .
3 - الأحاديث الصحيحة السابقة من صحاح مسلم والترمذي ومسند أحمد وغيرها تثبت بدلالة قاطعة عدم دخول نساء النبي صلى الله عليه وآله ضمن أهل البيت .
حيث كانت إجابة الرسول صلى الله عليه وآله عندما سألته أم سلمة ( رض ) - . . . وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك أنت على خير - ، وفي رواية مسلم : ( . . . من أهل بيته ؟ نساءه ؟ قال : لا . . . " .
4 - وفي حديث الثقلين الذي رواه مسلم وأحمد وغيرهما : " . . . يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " يظهر أن المقصودين في ذلك يجب التمسك بهم ،
فإذا فرضنا جدلا أن نساء النبي صلى الله عليه وآله هن المقصودات أو هن ضمن المقصودين في الحديث ، فبأي صورة من الصور سيتمسك بهن المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ؟ ويجب مراعاة أنهن قد أمرن بالتزام بيوتهن .
في الإجابة على هذا السؤال فضلا عن أنهن وجدن جميعا في عصر واحد ، وإذا قيل أن التمسك بهن يكون بالأخذ مما روي عنهن من أحاديث فنقول : إنه وجد منهن من لم تروي ولو حديثا واحدا .
. إن الرجس المقصود في الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) يعني في اللغة القذر وهو للدلالة على الإثم ، والطهارة في اللغة تعني النظافة وهي للدلالة هنا على التقوى .
فالمراد من إذهابه سبحانه وتعالى الرجس عنهم هو تبرئتهم وتنزيههم عن الأمور الموجبة للنقص فيهم ، وأي ذنب مهما صغر فإنه موجب في نقص مقترفيه ، وهذا يعني أن الله تعالى أراد تطهير أهل البيت من كل الذنوب صغيرها وكبيرها ، وما ذاك إلا العصمة والتطهير .
وأما إذا قيل أن المراد بالتطهير في هذه الآية هو مجرد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي والامتثال إلى الأوامر ، فإن ذلك مردود لأن التطهير بهذا المعنى ليس مختصا بأهل البيت وإنما هو لعمومه لجميع المسلمين المكلفين بأحكام الدين كقوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم ) ( 1 ) .
وهكذا ، فإنه إذا سلمنا بعصمة من نزلت الآية بحقهم ، فإن نساء النبي صلى الله عليه وآله لسن من ضمنهم لأنهن لسن من المعصومات ، فبالاضافة إلى أنه لم يقل أحد من الأولين أو الآخرين بذلك فإنه عرف بتهديد الرسول صلى الله عليه وآله لهن بالطلاق وغير ذلك
شواهد إضافية على عصمة أهل البيت :
ا - حديث الثقلين : " . . . إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " حيث يظهر من هذا التوجيه النبوي أن شرط عدم الضلالة هو التمسك بالكتاب والعترة ، وليس من المعقول أن من يحتمل وجود الخطأ أو
الزلل فيه يكون مأمنا من الضلال ، وهذا دليل على عصمة الثقلين ، كتاب الله ( الثقل الأكبر ) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأهل البيت ( الثقل الكبير ) .
2 - الآية القرآنية : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن * قال إني
جاعلك للناس إماما * قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ( 1 ) ففضلا عن أن هذه الآية تشير إلى علو منصب الإمامة ورفعته ، فإنها تدل كذلك على أن نيل عهد الله ( إمامة البشرية ) لا يمكن أن يكون من نصيب ظالم ، والخطيئة بصغيرها وكبيرها تجعل من مرتكبها ظالما ، فكان لا بد أن يكون الإمام معصوما عن ارتكاب أي خطيئة أو إثم .
3 - وفي مستدرك الصحيحين ، يروي الحاكم بسنده عن حنش الكناني : " قال : سمعت أبا ذر يقول وهو آخذا بباب الكعبة : يا أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله ( ص ) يقول : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ) ( 2 ) . قال الحاكم . : هذا حديث صحيح الإسناد .
4 - وفي مستدرك الصحيحين أيضا ، بالسند عن ابن عباس : " قال رسول الله ( ص ) : النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا فصاروا حزب إبليس " ( 3 ) .
5 - ولمزيد من التوضيح في تبيان تلك المنزلة الرفيعة التي حظي بها أهل البيت ، نذكر بعض الأحاديث المروية في صحيح البخاري والتي تشير إلى نعت أهل البيت بكلمة " عليهم السلام " وقد اختصوا بهذا النعت دون غيرهم من جميع الصحابة وأزواج النبي ،
وهذه أمثلة لذلك كما رواها البخاري في صحيحه : " عن علي عليه السلام قال : كانت لي شارف من نصيبي من المغنم ، وكان النبي ( ص ) أعطاني شارفا من الخمس ، فلما أردت أن أبني
بفاطمة عليها السلام بنت رسول الله ( ص ) . . . " ( 1 )
وكذلك : " . . . وطرق النبي ( ص ) باب فاطمة وعليا عليهما السلام ليلة للصلاة ) ( 2 )
وفي رواية أخرى : " . . . قال : رأيت النبي ( ص ) وكان الحسن بن علي عليهما السلام يشبهه . . . " ( 3 )
وكذلك : " . . . عن علي بن الحسين عليهما السلام أخبره . . . " ( 4 ) ،
وقد يقول قائل إن ذلك لا يدل على تميزهم ، ولكن السؤال : لماذا اختصوا بها وحدهم دون غيرهم ؟
6 - وقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله بأن تكون الصلاة على آل بيته ملازمة للصلاة عليه ، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه بالسند عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : أهدي لي هدية ؟
إن النبي ( ص ) خرج علينا فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " ( 5 ) ، ووجه الارتباط في هذا
الحديث بين سيدنا إبراهيم عليه السلام وآله من جهة ، وبين سيدنا محمد وآله من الجهة الأخرى ، هو أن إبراهيم عليه السلام كان نبيا وآله أيضا كانوا أنبياء ومرجعا للناس من بعده ، وهكذا كان آل محمد الخزانة الأمينة للرسالة المحمدية حيث أن
المسلمين قد أمروا بالرجوع إليهم بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وآله ، إلا أنهم كانوا أئمة وليسوا أنبياء كآل إبراهيم ، وكما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : " ألا
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي " ( 1 ) وسيأتي الكلام في هذا الحديث لاحقا .
ويفهم من جميع ما سبق أن الله جل وعلا قد اختص أهل البيت عليهم السلام بالعصمة والتطهير ، بوصفهم من يملأ الفراغ الذي تركه الرسول صلى الله عليه وآله بشأن حمل الرسالة إلى الأجيال اللاحقة ،
وسلامة حفظها من تحريف المحرفين وتشكيك المشككين ، فما هي فائدة سلامة تبليغ الرسول صلى الله عليه وآله للشريعة الإلهية إذا لم تكن لتحفظ بعد رحيله بأيدي أمينة ؟ وما حدث للشرائع السابقة ما فيه الإجابة الوافية على هذا التساؤل ،
حيث أن أتباعها كانوا يأخذون معالم شرائعهم بعد رحيل مبلغيها عن أي من كان ، فحصل التحريف الذي أخبر عنه جل وعلا : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون " ( 2 ) ،
ومن نافلة القول أن حفظ النصوص القرآنية من الزيادة أو النقصان لا يكفي وحده بأي حال من الأحوال لحفظ الشريعة الإلهية من التحريف .
فالإمامة بذلك تعتبر امتدادا للنبوة في وظائفها العامة عدا ما يتصل بالوحي فإنه من مختصات النبوة ، والمقصود بامتدادية الإمامة للنبوة هو حفظ الشرع علما وعملا ، فلزمت عصمة الأئمة للزوم ضرورة نقل التشريع الإلهي للأجيال اللاحقة عن طريق نقية وأصيلة والتي تمثلت بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت النبوي .
ثانيا : الأدلة في إثبات عدد الأئمة ( خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله ) :
لقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وآله أن الأئمة أو الخلفاء من بعده هم من قريش وأن عددهم اثني عشر ،
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده
عن جابر بن سمرة : " قال : سمعت النبي ( ص ) يقول : يكون اثنا عشر أميرا ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنه قال : كلهم من قريش " ( 1 ) .
وفي صحيح مسلم : " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثني عشر خليفة كلهم من قريش " ( 2 ) .
وفي صحيح مسلم : " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنى عشر رجلا " ( 3 ) .
وفي مسند أحمد بسنده عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال : " سئل رسول الله ( ص ) بشأن الخلفاء ، فقال : اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل ( 4 ) .
وفي التوراة عند أهل الكتاب ما معناه : " إن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل وإنه سينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر أميرا وأمة عظيمة " ( 5 ) .
فالأمة العظيمة المقصودة هي أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله الذي انحدر نسله من إسماعيل عليه السلام ، والاثني عثر أميرا هم الأئمة أو الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وآله والذين ينحدر نسلهم منه ، وهم نفس المقصودين بالأحاديث الصحيحة أعلاه .
ولعل هذه المسألة تعد من أكثر المسائل التي حار فيها علماء أهل السنة ، ولم يستطيعوا تقديم تفسيرا موحدا أو مقنعا يحدد ماهية هؤلاء الخلفاء الاثني عشر ، والذين تتحدث عنهم الأحاديث الصحيحة الكثيرة المتواجدة في
صحاحهم ، حتى أصبحت هذه المسألة لغزا محيرا عندهم ، حيث أن تفسيراتهم يشوبها الاضطراب ، وغالبا ما تصل إلى طريق مسدود من حيث عدم انطباق عدد ( اثني عشر ) على أي مجموعة من الخلفاء ، ابتداء بالأربعة الأوائل ومرورا بالأمويين والعباسيين والعثمانيين ، وهل هم منتخب من أولئك جميعا ؟
ونورد مثالا يظهر مدى اضطرابهم في تفسير هذا الحديث ، حيث قال السيوطي : " وقد وجد من الاثني عشر ، الخلفاء الأربعة ، والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ، هؤلاء ثمانية ، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي لأنه
في العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين ، والطاهر العباسي أيضا لما أوتيه من العدل ويبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من أهل البيت " ( 1 ) .
وعندما نقول بحيرتهم في تفسير لغز الخلفاء الاثني عشر ، فإننا نقصد العلماء منهم ، وأما العوام فإنهم وفي أغلب الحالات لم يتطرق إلى سمعهم مثل هذه الأحاديث ، التي تثبت عدد خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله أو الحديث الذي يأمر بالتمسك بالثقلين وغيرها الكثير مما فيه إشارة إلى فضائل أهل البيت عليهم السلام ، بالرغم من وجودها في كتب الصحاح عندهم .
وكم كان استغرابي كبيرا عندما قال الدكتور أحمد نوفل ( الأستاذ في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية ) أثناء حوار لي معه بأن حديث الاثني عشر خليفة هو من اختلاقي وليس له وجود في كتب الحديث عند أهل السنة ، ثم غادر المكان من فوره ورفض تكملة الحوار .
وقد حدث ذلك بعد إلقائه محاضرة في مانيلا وإجابته لبعض أسئلة الحضور حول نشأة الشيعة والتشيع ، وبصورة مغايرة للحقيقة التي أعتقد مما دفعني للاعتراض على مغالطته هذه وقمت بعرض بعض الأحاديث التي تثبت محمدية التشيع وليس سبأيته كما
ادعى ، وليس عندنا قصد بذكر هذه الحادثة التشهير بذلك الأستاذ الفاضل سامحه الله ، وإنما إشارة إلى حقيقة لا بد من إظهارها وهو أن التعصب يدفع بالبعض إلى أكثر من ذلك .
وإنه لشئ غريب ، فكيف يجرأ أحد على التصدي للإجابة على أسئلة حول موضوع يجهل الحقائق الأولية المتعلقة به ؟ وما بالك عندما يكون الأمر متعلقا بالشؤون الدينية ؟ وما هو حكم الذي يفتي بغير علم ؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهكذا ، ففي الوقت الذي نرى فيه حيرة أهل السنة بحل لغز الخلفاء الاثني عشر ، وتجاهل الكثيرين منهم الأحاديث الصحيحة الساطعة الدالة على ذلك ، فإن طائفة الشيعة الإمامية أتباع أهل البيت النبوي قد وضعوا النقاط على الحروف بما يتعلق بهذا الشأن ، وبينوا أن المقصودين بالأحاديث السابقة هم الأئمة الاثني عشر من أهل البيت النبوي ،
بل واستدلوا على ذلك بأحاديث مما روي عن طريق العترة الطاهرة والموجودة في كتب الحديث عندهم تبين أسمائهم بصورة لا تجعل أي مجال للشك بالتعرف عليهم وهم : 1 - علي بن أبي طالب " أمير المؤمنين "
2 - الحسن بن علي " السبط "
3 - الحسين بن على " سيد الشهداء "
4 - علي بن الحسين " زين العابدين "
5 - محمد بن علي " الباقر "
6 - جعفر بن محمد " الصادق "
7 - موسى بن جعفر " الكاظم "
8 - علي بن موسى " الرضا "
9 - محمد بن علي " الجواد "
10 - علي بن محمد " الهادي "
11 - الحسن بن علي " العسكري "
12 - محمد بن الحسن " المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف "
والحمد لله رب العالمين
فالرجاء هو أن ننظر نحن وأنتم إلى المواضيع والمسائل التي نناقشها نظر الإنصاف والتحقيق، حتى نسير معا على طريق واحد ونصل إلى الحق والصواب، فنكون كما أراد الله تعالى لنا : إخوانا متعاضدين ومتحابين في الله تبارك وتعالى .وارجو ان تقرءا الموضوع بجد واجتهاد ان كنت للحق طالب .بسم الله ابدا
ا الإمامة
إن الإمامة أو الخلافة تعني القيادة ، وقد أصبحت مصطلحا لقيادة المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ، والتي لا يمكن لأحد أن ينكرها بهذا المفهوم ، ذلك أن القيادة مطلب فطري لأية جماعة ،
وقد كان اختلاف المسلمين من السنة والشيعة حول طريقة تعيين الإمام أو الخليفة والدور الذي يقوم به ، وهو يعد من أعظم الاختلافات بينهم على الإطلاق ، وأن باقي الاختلافات ما هي إلا نتيجة طبيعية لهذا الاختلاف الكبير ،
ذلك أن الإمامة كما يراها الشيعة فإنها بنص من الرسول صلى الله عليه وآله ومختصة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، وأن معرفة أحكام الإسلام بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله يكون بالرجوع إلى هؤلاء الأئمة
أو إلى الصحيح مما روي عنهم ، وإذا تعارض قولهم مع قول غيرهم فإنه يجب الأخذ بقولهم بوصفهم الخزانة الأمينة لسنة المصطفى صلى الله عليه وآله .
وأما الإمامة عند أهل السنة فإنهم قالوا : إنها بالشورى ، ولكنهم لا يمانعون أن تكون بنص من الخليفة السابق إلى اللاحق ، كما في حالة الخليفة أبو بكر ( رض ) الذي نص على خلافة عمر ( رض ) ، وكذلك يجوزون أن تؤخذ الخلافة بالقهر وغلبة السيف كما في حالة الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية .
وأما معرفة أحكام الإسلام عندهم فإنها تكون بالرجوع
إلى الصحيح مما روي عن طريق الصحابة من غير تفريق بينهم ، حيث اعتبروا جميع الصحابة عدول وثقاة بالرغم من أن قسما كبيرا منهم تورط في معركتي الجمل وصفين ، وقد أعملوا القتل ببعضهم البعض في تلك المواقع وغيرها من الحوادث التي تجعل عدالة كثير منهم في محل شك وتساؤل . وسترى شرحا وافيا حول عدالة الصحابة في فصل لاحق إن شاء الله .
وما دامت الحال هكذا ، وبوجود الاختلاف بين الشيعة وأهل السنة ، فالأجدر قبل إصدار حكم ببطلان مذهب أو تفضيل طريقة على أخرى ، التريث والنظر فيما ذهب إليه كل فريق من حجج وبراهين ، وقد خصصنا بحثنا لهذا الغرض ، حيث نجمل فيما يلي النصوص التي تمسك بها الشيعة كأدلة تثبت مذهبهم في الإمامة ورد أهل السنة على ذلك على النحو التالي :
أولا : الأدلة في إثبات إمامة أهل البيت .
ثانيا : الأدلة في إثبات عدد أئمة أهل البيت
نصوص الإمامة
اولا : الأدلة في إثبات إمامة أهل البيت عليهم السلام : إن النصوص المروية عن الرسول ( ص ) في إمامة أهل البيت على الأمة من بعده كثيرة ، نورد هنا أشهرها :
فمن صحيح مسلم ، بسنده عن زيد بن أرقم قال : " إن الرسول ( ص ) قال : " ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله فيه الهدى والنور ،
فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . . وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي "
ومن صحيح الترمذي ، بسنده عن جابر بن عبد الله قال : " رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب ، فسمعته يقول : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " ) .
وهذا الحديث لو لم يوجد غيره لكفى في إثبات أحقية مذهب الشيعة الذي يوجب التمسك بأهل البيت عليهم السلام بالإضافة إلى الكتاب الكريم ، حيث نجد في هذا الحديث أمر الرسول صلى الله عليه وآله واضحا في أتم صور الوضوح بالتمسك بأهل البيت عليهم السلام من بعده ، وإن هذا التمسك بالإضافة إلى الأخذ بالقرآن الكريم هو شرط النجاة وعدم الضلال .
وبالرغم من أن مسلم وكثير غيره من علماء الحديث من أهل السنة قد أخرجوا هذا الحديث في صحاحهم ومسانيدهم ، إلا أنه ولدهشتي الكبيرة أجد معظم أهل السنة يجهلونه بل وينكرونه عند سماعهم به وكأنه غير موجود ،
ومحتجين بأن الصحيح في ذلك هو ما رواه أبو هريرة بأن الرسول ( ص ) قال : " إني قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما أبدا ما أخذتم بهما أو عملتم بهما : كتاب الله وسنتي " ( 1 ) .
وعند التقصي عن مصدر هذه الرواية ، وجدت أنها لم تروى في أي من الصحاح ، وقد ضعفها ( 2 ) كل من البخاري والنسائي والذهبي وغيرهم ، وقد رواها الحاكم في مستدركه الذي يعتبر بإجماع علماء أهل السنة أقل درجة من صحيح مسلم الذي أورد حديث " . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " .
وعلى فرض عدم تعارض الروايتين ، فإنه لا بد من التسليم بأن المقصود بكلمة " سنتي " في رواية الحاكم هو السنة المأخوذة عن طريق أهل البيت النبوي وليس غيرهم كما يتبين بوضوح في رواية مسلم .
أما التمسك برواية الحاكم " . . كتاب الله وسنتي " وترك رواية مسلم " . . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " فإن في ذلك مخالفة ليس فقط لما أجمع عليه علماء الحديث من أهل السنة بتقديم أحاديث مسلم على أحاديث الحاكم ، بل ومخالفا أيضا
للمنطق والعقل ، ذلك أن كلمة " سنتي " مجردة كما في رواية الحاكم لا تفيد علما ، فجميع الطوائف الإسلامية تزعم أنها تتبع سنة النبي صلى الله عليه وآله ، وبالنظر إلى وجود الاختلافات الكثيرة بين هذه الطوائف ، والتي غالبا يكون سببها الاختلاف في السنة النبوية المنقولة إليها
عبر طرق مختلفة والتي تعتبر مفسرة ومكملة للقرآن الكريم الذي أجمعت جميع طوائف المسلمين على صحة نقله ، وهكذا فإن الاختلاف في الحديث المنقول - والذي أدى إلى الاختلاف أيضا في تفسير القرآن - أصبحت السنة النبوية سننا متعددة والمسلمون تبعا لذلك أصبحوا مذاهب وفرق متعددة أيضا ،
روي أن عددها ثلاث وسبعين فرقة . . . فأي سنة من تلك السنن أحق بالإتباع ؟ ، وإنه لسؤال فطري يدور في خلد كل من يتمعن في هذا الاختلاف والذي جاء الحديث أعلاه ليجيب عليه حق لا يترك المسلمون هكذا يحيرون في إسلامهم بعد رحيل
مبلغه ، فكانت التوجيهات النبوية المقدسة تقضي بأخذ السنة النبوية المطهرة عن طريق أهل البيت النبوي الذي نطق القرآن بتطهيرهم ، وهي بذلك واضحة لا تحتمل ألفاظها أي معنى آخر ، وإن ذلك الأخذ هو وحده الأمان من الفتنة والضلال .
وهنا يطرح سؤالان لا تكتمل الصورة وضوحا إلا بالإجابة عليهما :
أولهما : من هم أهل البيت المقصودون في الحديث السابق ؟
ثانيهما : لماذا خصص الحديث الأخذ عن أهل البيت فقط وليس عموم الصحابة كما يقول أهل السنة ؟
من أهم أهل البيت ؟
يروي مسلم في صحيحه ، بسنده عن صفية بنت شيبة قالت : " قالت عائشة : خرج رسول الله ( ص ) وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) " ( 1 ) .
ومن صحيح مسلم أيضا : " . . . ولما نزلت هذه الآية - ( فقل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم ) - دعا رسول الله ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي " ( 1 ) .
فمن الحديثين السابقين يتبين أن أهل البيت في عهد النبي ( ص ) هم : علي وفاطمة وابنيهما ،
ولكن ماذا بالنسبة لنساء النبي ( ص ) ؟
يروي مسلم في صحيحه عن الرسول ( ص ) ، بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال : " . . . ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ، وفيه فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : لا ، وأيم والله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده " ( 2 ) .
ومن صحيح الترمذي بسنده عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي ( ص ) قال : " لما نزلت هذه الآية - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في بيت أم سلمة ، فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي عليه السلام خلف ظهره ، فجللهم بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء هم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك وأنت على خير " ( 3 ) .
ومن مسند أحمد بسنده عن أم سلمة : " أن رسول الله ( ص ) ، قال لفاطمة عليها السلام : آتني بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكيا ( قال ) ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد
مجيد ، قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير " ( 1 ) .
وبالرغم من وضوح الأدلة السابقة في تعيين أهل البيت ، إلا أن البعض يعارض ذلك محتجا بالآيات التالية من سورة الأحزاب في دلالتها على شمول أهل البيت لنساء النبي صلى الله عليه وآله ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن . . . ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 2 )
وكما يظهر ، فإن حجة هؤلاء القائلين باشتمال أهل البيت على نساء النبي إنما تأتي لوقوع - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في نفس الآية التي نزل جزء منها في نساء النبي ،
ويمكن تفنيد هذا الرأي من عدة وجوه منها :
1 - إن نزول الآيات القرآنية بشأن تهديد نساء النبي صلى الله عليه وآله بالطلاق ، ومن ثم إرادة الله بتطهير أهل البيت جاء متتابعا ، لا يعني بالضرورة أن يكون المقصود بالمناسبتين هو نساء النبي ،
ذلك أنه يوجد كثير من الآيات في القرآن الكريم من هذا النوع حيث تجدها تحوي أمرين مختلفين ولعل سبب وقوعهما معا في نفس الآية هو التوافق في زمن حصول المناسبتين ،
ومن أمثلة هذه الآيات : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا * فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم
فإن الله غفور رحيم " ( 1 ) ، حيث تجد في هذه الآية مجئ الحديث بشأن إكمال الدين في وسط الحديث بشأن المأكولات المحرمة .
2 - ما يؤكد عدم دخول نساء النبي صلى الله عليه وآله بمقصود هذه الآية هو أن الكلام بشأن نساء النبي صلى الله عليه وآله جاء بضمير الجمع المؤنث ، كنتن . . . منكن . . . لستن . . . تخضعن . . . وقرن في بيوتكن . . . تبرجن . . .
وعندما بدأ الكلام بشأن التطهير تحول ضمير المخاطب إلى ضمير الجمع المذكر - عنكم . . . ويطهركم - وليس عنكن . . . ويطهركن .
3 - الأحاديث الصحيحة السابقة من صحاح مسلم والترمذي ومسند أحمد وغيرها تثبت بدلالة قاطعة عدم دخول نساء النبي صلى الله عليه وآله ضمن أهل البيت .
حيث كانت إجابة الرسول صلى الله عليه وآله عندما سألته أم سلمة ( رض ) - . . . وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك أنت على خير - ، وفي رواية مسلم : ( . . . من أهل بيته ؟ نساءه ؟ قال : لا . . . " .
4 - وفي حديث الثقلين الذي رواه مسلم وأحمد وغيرهما : " . . . يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " يظهر أن المقصودين في ذلك يجب التمسك بهم ،
فإذا فرضنا جدلا أن نساء النبي صلى الله عليه وآله هن المقصودات أو هن ضمن المقصودين في الحديث ، فبأي صورة من الصور سيتمسك بهن المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ؟ ويجب مراعاة أنهن قد أمرن بالتزام بيوتهن .
في الإجابة على هذا السؤال فضلا عن أنهن وجدن جميعا في عصر واحد ، وإذا قيل أن التمسك بهن يكون بالأخذ مما روي عنهن من أحاديث فنقول : إنه وجد منهن من لم تروي ولو حديثا واحدا .
. إن الرجس المقصود في الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) يعني في اللغة القذر وهو للدلالة على الإثم ، والطهارة في اللغة تعني النظافة وهي للدلالة هنا على التقوى .
فالمراد من إذهابه سبحانه وتعالى الرجس عنهم هو تبرئتهم وتنزيههم عن الأمور الموجبة للنقص فيهم ، وأي ذنب مهما صغر فإنه موجب في نقص مقترفيه ، وهذا يعني أن الله تعالى أراد تطهير أهل البيت من كل الذنوب صغيرها وكبيرها ، وما ذاك إلا العصمة والتطهير .
وأما إذا قيل أن المراد بالتطهير في هذه الآية هو مجرد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي والامتثال إلى الأوامر ، فإن ذلك مردود لأن التطهير بهذا المعنى ليس مختصا بأهل البيت وإنما هو لعمومه لجميع المسلمين المكلفين بأحكام الدين كقوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم ) ( 1 ) .
وهكذا ، فإنه إذا سلمنا بعصمة من نزلت الآية بحقهم ، فإن نساء النبي صلى الله عليه وآله لسن من ضمنهم لأنهن لسن من المعصومات ، فبالاضافة إلى أنه لم يقل أحد من الأولين أو الآخرين بذلك فإنه عرف بتهديد الرسول صلى الله عليه وآله لهن بالطلاق وغير ذلك
شواهد إضافية على عصمة أهل البيت :
ا - حديث الثقلين : " . . . إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " حيث يظهر من هذا التوجيه النبوي أن شرط عدم الضلالة هو التمسك بالكتاب والعترة ، وليس من المعقول أن من يحتمل وجود الخطأ أو
الزلل فيه يكون مأمنا من الضلال ، وهذا دليل على عصمة الثقلين ، كتاب الله ( الثقل الأكبر ) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأهل البيت ( الثقل الكبير ) .
2 - الآية القرآنية : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن * قال إني
جاعلك للناس إماما * قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ( 1 ) ففضلا عن أن هذه الآية تشير إلى علو منصب الإمامة ورفعته ، فإنها تدل كذلك على أن نيل عهد الله ( إمامة البشرية ) لا يمكن أن يكون من نصيب ظالم ، والخطيئة بصغيرها وكبيرها تجعل من مرتكبها ظالما ، فكان لا بد أن يكون الإمام معصوما عن ارتكاب أي خطيئة أو إثم .
3 - وفي مستدرك الصحيحين ، يروي الحاكم بسنده عن حنش الكناني : " قال : سمعت أبا ذر يقول وهو آخذا بباب الكعبة : يا أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله ( ص ) يقول : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ) ( 2 ) . قال الحاكم . : هذا حديث صحيح الإسناد .
4 - وفي مستدرك الصحيحين أيضا ، بالسند عن ابن عباس : " قال رسول الله ( ص ) : النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا فصاروا حزب إبليس " ( 3 ) .
5 - ولمزيد من التوضيح في تبيان تلك المنزلة الرفيعة التي حظي بها أهل البيت ، نذكر بعض الأحاديث المروية في صحيح البخاري والتي تشير إلى نعت أهل البيت بكلمة " عليهم السلام " وقد اختصوا بهذا النعت دون غيرهم من جميع الصحابة وأزواج النبي ،
وهذه أمثلة لذلك كما رواها البخاري في صحيحه : " عن علي عليه السلام قال : كانت لي شارف من نصيبي من المغنم ، وكان النبي ( ص ) أعطاني شارفا من الخمس ، فلما أردت أن أبني
بفاطمة عليها السلام بنت رسول الله ( ص ) . . . " ( 1 )
وكذلك : " . . . وطرق النبي ( ص ) باب فاطمة وعليا عليهما السلام ليلة للصلاة ) ( 2 )
وفي رواية أخرى : " . . . قال : رأيت النبي ( ص ) وكان الحسن بن علي عليهما السلام يشبهه . . . " ( 3 )
وكذلك : " . . . عن علي بن الحسين عليهما السلام أخبره . . . " ( 4 ) ،
وقد يقول قائل إن ذلك لا يدل على تميزهم ، ولكن السؤال : لماذا اختصوا بها وحدهم دون غيرهم ؟
6 - وقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله بأن تكون الصلاة على آل بيته ملازمة للصلاة عليه ، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه بالسند عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : أهدي لي هدية ؟
إن النبي ( ص ) خرج علينا فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " ( 5 ) ، ووجه الارتباط في هذا
الحديث بين سيدنا إبراهيم عليه السلام وآله من جهة ، وبين سيدنا محمد وآله من الجهة الأخرى ، هو أن إبراهيم عليه السلام كان نبيا وآله أيضا كانوا أنبياء ومرجعا للناس من بعده ، وهكذا كان آل محمد الخزانة الأمينة للرسالة المحمدية حيث أن
المسلمين قد أمروا بالرجوع إليهم بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وآله ، إلا أنهم كانوا أئمة وليسوا أنبياء كآل إبراهيم ، وكما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : " ألا
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي " ( 1 ) وسيأتي الكلام في هذا الحديث لاحقا .
ويفهم من جميع ما سبق أن الله جل وعلا قد اختص أهل البيت عليهم السلام بالعصمة والتطهير ، بوصفهم من يملأ الفراغ الذي تركه الرسول صلى الله عليه وآله بشأن حمل الرسالة إلى الأجيال اللاحقة ،
وسلامة حفظها من تحريف المحرفين وتشكيك المشككين ، فما هي فائدة سلامة تبليغ الرسول صلى الله عليه وآله للشريعة الإلهية إذا لم تكن لتحفظ بعد رحيله بأيدي أمينة ؟ وما حدث للشرائع السابقة ما فيه الإجابة الوافية على هذا التساؤل ،
حيث أن أتباعها كانوا يأخذون معالم شرائعهم بعد رحيل مبلغيها عن أي من كان ، فحصل التحريف الذي أخبر عنه جل وعلا : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون " ( 2 ) ،
ومن نافلة القول أن حفظ النصوص القرآنية من الزيادة أو النقصان لا يكفي وحده بأي حال من الأحوال لحفظ الشريعة الإلهية من التحريف .
فالإمامة بذلك تعتبر امتدادا للنبوة في وظائفها العامة عدا ما يتصل بالوحي فإنه من مختصات النبوة ، والمقصود بامتدادية الإمامة للنبوة هو حفظ الشرع علما وعملا ، فلزمت عصمة الأئمة للزوم ضرورة نقل التشريع الإلهي للأجيال اللاحقة عن طريق نقية وأصيلة والتي تمثلت بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت النبوي .
ثانيا : الأدلة في إثبات عدد الأئمة ( خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله ) :
لقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وآله أن الأئمة أو الخلفاء من بعده هم من قريش وأن عددهم اثني عشر ،
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده
عن جابر بن سمرة : " قال : سمعت النبي ( ص ) يقول : يكون اثنا عشر أميرا ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنه قال : كلهم من قريش " ( 1 ) .
وفي صحيح مسلم : " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثني عشر خليفة كلهم من قريش " ( 2 ) .
وفي صحيح مسلم : " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنى عشر رجلا " ( 3 ) .
وفي مسند أحمد بسنده عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال : " سئل رسول الله ( ص ) بشأن الخلفاء ، فقال : اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل ( 4 ) .
وفي التوراة عند أهل الكتاب ما معناه : " إن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل وإنه سينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر أميرا وأمة عظيمة " ( 5 ) .
فالأمة العظيمة المقصودة هي أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله الذي انحدر نسله من إسماعيل عليه السلام ، والاثني عثر أميرا هم الأئمة أو الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وآله والذين ينحدر نسلهم منه ، وهم نفس المقصودين بالأحاديث الصحيحة أعلاه .
ولعل هذه المسألة تعد من أكثر المسائل التي حار فيها علماء أهل السنة ، ولم يستطيعوا تقديم تفسيرا موحدا أو مقنعا يحدد ماهية هؤلاء الخلفاء الاثني عشر ، والذين تتحدث عنهم الأحاديث الصحيحة الكثيرة المتواجدة في
صحاحهم ، حتى أصبحت هذه المسألة لغزا محيرا عندهم ، حيث أن تفسيراتهم يشوبها الاضطراب ، وغالبا ما تصل إلى طريق مسدود من حيث عدم انطباق عدد ( اثني عشر ) على أي مجموعة من الخلفاء ، ابتداء بالأربعة الأوائل ومرورا بالأمويين والعباسيين والعثمانيين ، وهل هم منتخب من أولئك جميعا ؟
ونورد مثالا يظهر مدى اضطرابهم في تفسير هذا الحديث ، حيث قال السيوطي : " وقد وجد من الاثني عشر ، الخلفاء الأربعة ، والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ، هؤلاء ثمانية ، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي لأنه
في العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين ، والطاهر العباسي أيضا لما أوتيه من العدل ويبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من أهل البيت " ( 1 ) .
وعندما نقول بحيرتهم في تفسير لغز الخلفاء الاثني عشر ، فإننا نقصد العلماء منهم ، وأما العوام فإنهم وفي أغلب الحالات لم يتطرق إلى سمعهم مثل هذه الأحاديث ، التي تثبت عدد خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله أو الحديث الذي يأمر بالتمسك بالثقلين وغيرها الكثير مما فيه إشارة إلى فضائل أهل البيت عليهم السلام ، بالرغم من وجودها في كتب الصحاح عندهم .
وكم كان استغرابي كبيرا عندما قال الدكتور أحمد نوفل ( الأستاذ في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية ) أثناء حوار لي معه بأن حديث الاثني عشر خليفة هو من اختلاقي وليس له وجود في كتب الحديث عند أهل السنة ، ثم غادر المكان من فوره ورفض تكملة الحوار .
وقد حدث ذلك بعد إلقائه محاضرة في مانيلا وإجابته لبعض أسئلة الحضور حول نشأة الشيعة والتشيع ، وبصورة مغايرة للحقيقة التي أعتقد مما دفعني للاعتراض على مغالطته هذه وقمت بعرض بعض الأحاديث التي تثبت محمدية التشيع وليس سبأيته كما
ادعى ، وليس عندنا قصد بذكر هذه الحادثة التشهير بذلك الأستاذ الفاضل سامحه الله ، وإنما إشارة إلى حقيقة لا بد من إظهارها وهو أن التعصب يدفع بالبعض إلى أكثر من ذلك .
وإنه لشئ غريب ، فكيف يجرأ أحد على التصدي للإجابة على أسئلة حول موضوع يجهل الحقائق الأولية المتعلقة به ؟ وما بالك عندما يكون الأمر متعلقا بالشؤون الدينية ؟ وما هو حكم الذي يفتي بغير علم ؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهكذا ، ففي الوقت الذي نرى فيه حيرة أهل السنة بحل لغز الخلفاء الاثني عشر ، وتجاهل الكثيرين منهم الأحاديث الصحيحة الساطعة الدالة على ذلك ، فإن طائفة الشيعة الإمامية أتباع أهل البيت النبوي قد وضعوا النقاط على الحروف بما يتعلق بهذا الشأن ، وبينوا أن المقصودين بالأحاديث السابقة هم الأئمة الاثني عشر من أهل البيت النبوي ،
بل واستدلوا على ذلك بأحاديث مما روي عن طريق العترة الطاهرة والموجودة في كتب الحديث عندهم تبين أسمائهم بصورة لا تجعل أي مجال للشك بالتعرف عليهم وهم : 1 - علي بن أبي طالب " أمير المؤمنين "
2 - الحسن بن علي " السبط "
3 - الحسين بن على " سيد الشهداء "
4 - علي بن الحسين " زين العابدين "
5 - محمد بن علي " الباقر "
6 - جعفر بن محمد " الصادق "
7 - موسى بن جعفر " الكاظم "
8 - علي بن موسى " الرضا "
9 - محمد بن علي " الجواد "
10 - علي بن محمد " الهادي "
11 - الحسن بن علي " العسكري "
12 - محمد بن الحسن " المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف "
والحمد لله رب العالمين
تعليق