لاحظت في الآونة الأخيرة طرح العديد من المواضيع في المنتدى حول صفات الله سبحانه و تعالى ، فهذا يعطّل بعض الصفات و الآخر يطبّل له !و يجتمع الفريقان ليرميا من يثبت لله تلك الصفات التي ينفونها عنه بأن مثبتها مجسّم و أن إثبات تلك الصفات هو تجسيم .. !!!
و عليه ،، ارتأيت أن أختصر على هؤلاء الطريق ، فبدل طرح كل هذه المواضيع المكررة و اضطرارنا إلى تكرار ذات الرد في كل تلك المواضيع ، ارتأيت أن ألخّص لهم و أبيّن لهم المنهج الذي نأخذ به و المنهج الذي يؤخذون به ، فيتم طرح القضية بأساسها بفهم حقيقة الاختلاف في صفات الله عن طريق المقارنة بين المنهجين ..
و باختصار شديد لو أردنا أن نلّخص قضية الاختلاف في صفات الله سبحانه و تعالى سنجد أنها تتمحور في عدّة مناهج ، و لكني سأطرح المنهجين الذين يتحاوران في الموضوع لكونهما الغالب الأعم على المسلمين الآن ..
=============================
المنهج الأول ،،
المنهج الأول ، عندما يقرأ قول الله تعالى : " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " ، فإنه يجد أن الله سبحانه و تعالى قد نسب إلى نفسه صفة " اليدين " و بالتالي يثبت هذه الصفة إلى الله سبحانه و تعالى لأن الله أثبتها لنفسه ..و كذا الحال مع أية صفة سواء اليد أو العلم أو القوة أو الجبروت أو التكبر أو النورانية أو أية صفة ينسبها إلى ذاته و أفعاله سبحانه و تعالى ..
و هذا المنهج ينطلق بداية من قول الله تعالى : " ليس كمثله شيء و هو السميع البصير " ، فيقول صاحب هذا المنهج في قرارة نفسه : جميع صفات الله ليست كمثلها صفات - بغض النظر عن أسماء تلك الصفات - ، فأية صفة سينسبها الله إلى نفسه فهي ليست كمثلها صفة ، وأي فعل سينسبه الله إلى نفسه ، فليس كمثله فعل .. لأن ذاته ليس كمثله ذات و صفاته ليست كمثلها صفات و أفعاله ليست كمثلها أفعال ... و عليه ، فهذا المنهج لا ينظر إلى غير الله ، فلا ينظر إلى الإنسان أوغير الإنسان فلا ينظر إلى أي مخلوق ، فعندما يقول الله عن نفسه أنه هو "السميع البصير " ، فإن هذا المنهج يؤمن مباشرة بأن الله هو السميع البصير ، يسمع كل الأصوات و يرى كل الأشياء .. و لا يقوم هذا المنهج بالبحث عن الإنسان بالقول : هل الإنسان يسمع ؟ هل سمع الله كسمع الإنسان ؟ و لا يدخل في مثل هكذا تساؤلات لأنه قبل معرفة الصفات تم الإقرار المسبق و الإيمان بأن جميع الصفات التي سيثبتها الله لنفسه هي تليق به سبحانه و ليست كمثلها صفات و إن تشابهت في الإسم مع صفات يتصف بها غيره .. لذلك نجد أن الله قدّم التنزيه قبل الإثبات ، فلإنّه ليس كمثله شيء ، نؤمن بأنه هو السميع البصير ، و لأنه ليس كمثله شيء نؤمن بأنه يعلم و يقدر و بأن له يد و له وجه و له قوة و له عظمة و له كل الصفات التي أثبتها لنفسه لأنه ليس كمثله شيء ...
و عليه ، فهذا المنهج يتلخص في الخطوات القادمة :
1- الإقرار المسبق بأن الله ليس كمثله شيء ، قبل معرفة الصفات التي سينسبها الله إلى نفسه .. فقبل معرفة الصفات يتم الإيمان الجازم بأن كل الصفات الله التي سوف نعرفها و نثبتها له هي ليست كصفات غيره و إن تشابهت أسماؤها و ألفاظها و معانيها الظاهرية مع صفات عند الإنسان أو الجان أو الملائكة أو أي مخلوق كائنا أيا كان ..
2- بعد التنزيه لله ، يتم إثبات الصفة كما أثبتها الله لنفسه دون مزايدة على الصفة أو محاولة لتفسيرها و تأويلها و تعطيلها فضلا عن تشبيهها و تمثيلها .
3- وجود مخلوقات لها صفات بنفس الإسم ، لا يشكل إشكالا لأصحاب هذا المنهج ، فكون الإنسان له سمع و بصر و علم و قدرة و يد و وجه و قدم و غيرها من الصفات ، لا تؤثر في إثبات الصفات لله ؛ لأنه لا حاجة للنظر إلى المخلوقات لنقارنها بالله ؛ لأن الله ليس مثل المخلوقات ، فوجود صفات عند المخلوقات بنفس الإسم لا يعدوا سوى تشابه أسماء الصفات ليس إلا ، و لا علاقة لهذا التشابه الإسمي بحقيقة الصفة عند الله سبحانه و تعالى . فكون أن الله له ذات و للأنسان ذات ،هذا التشابه في الصفة لا يعني أن حقيقة ذات الله كحقيقة ذات الإنسان ، فكما تمّ إثبات الذات له دون أن يسبّب هذا تشبيها بغيره ، يتم إثبات صفات هذا الذات و أفعال هذا الذات دون مشابهة أيضا .لصفات ذات غيره و أفعال ذات غيره .
باختصار هذا المنهج يقول : بأن كمال تنزيه الله هو عدم رؤية المخلوقات لمعرفة صفات الخالق ،و عدم جعل المخلوق معيار لفهم صفة الخالق . لأن مجرد المقارنة بين الخالق و المخلوق تشبيه ، و مجرد النظر إلى المخلوق لمعرفة صفات الخالق تشبيه ،، فكمال تنزيه الله هو بإثبات ما أثبته لنفسه و نفي ما نفاه عن نفسه دون النظر إلى المخلوق لأن الله ليس كمثل المخلوقات فلا حاجة للنظر للمخلوق لفهم صفات الخالق . فالله نفي المشابهة مع غيره و بعد ذلك أثبت لنفسه صفات يتصف بها غيره ، فقال بأنه " ليس كمثله شيء " و مع ذلك فـهو " السميع البصير " ، فأثبت لنفسه صفات لها معاني عند الإنسان و غير الإنسان ، مما يدل على أن نفي المشابهة ليس في أصل الصفة و إنما في حقيقتها و كيفيتها ، و كذا الحال مع جميع صفاته ، لا يتم نفي أصل الصفة و إنما نفي المشابهة في حقيقتها و كيفيتها .
المنهج الثاني ،،
المنهج الثاني ، عندما يقرأ قول الله تعالى : " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " .. يجد هذا المنهج بأن الله قد نسب إلى نفسه صفة " اليدين " ، و هذا المنهج لا يثبت هذه الصفة لله مباشرة ، بل ينظر إلى الإنسان ، فيسأل نفسه : هل للإنسان صفة اليدين ؟ فيجد أن الإنسان له صفة اليدين .. فحينها يقرأ قول الله تعالى : " ليس كمثله شيء و هو السميع البصير " ، فيرى أنه بما أن الإنسان يتصف بصفة " اليدين "، فحينها يقرّر أصحاب هذا المنهج بنفي هذه الصفة عن الله بالاحتجاج بأنه ليس كمثله شيء ..!! و لكن يجد مشكلة أمامه و هو أنه لا يمكن نفي آية في القرآن الكريم، فحينها يلجأ إلى تأويل صفة " اليدين " إلى معنى آخر ينسّيه المعنى الذي طرأ في عقله حينما بحث عن معنى هذه الصفة عند الإنسان - بدل نفي الصفة بالمطلق صراحة -.. فيقول أن لله يدين ولكن يديه هما قوتاه أو عظمتاه أو علماه أو قدرتاه أي صفة معنوية لها مثنى ..!!! و عندما يقرأ قول الله تعالى : " و هو السميع البصير " لا يثبت هتين الصفتين لله مباشرة و إنما يسأل نفسه : هل الإنسان لديه هتين الصفتين ؟ فيجد أن الإنسان يسمع و يبصر ، و حينها يقرر أن ينفي هذه الصفة و لكن لا يجرؤون على ننفي آية في القرآن بصريح العبارة ، فحينها يلجأ أصحاب هذا المنهج إلى التأويل فيقولون : سمع الله هو علمه بالمسوعات ، و بصر الله هو علمه بالمبصرات ، فتصبح صفتي السمع و البصر كناية عن صفة العلم !!! و عندما يصف الله نفسه بأنه هو" العليم "، يجد هذا المنهج بأن الإنسان أيضا عليم ، فيجب حسب منهجهم نفي هذه الصفة عن الله لكون الإنسان يتصف بصفة لها نفس الإسم . و لكن هنا يتوقف هذا المنهج و يحتار لأنه لا سبيل لـتأويل علم الله بالقول أن علم الله هو كذا .. فحينها يضطر هذا المنهج إلى إثبات أن الله له علم ، و لكن لا يتم إثباتها كما وردت ، بل يضطرون إلى تأويل جديد لكي يكون الله ليس كمثله شيء ، و هذا التأويل يكون بالقول بأن علم الله هو عين ذاته ..!!
و عليه فيدي الله هما قوتاه ، وقوة الله هي قدرته ، و قدرة الله هي عين ذاته .. و بالتالي نستنتج أن يدي الله هما عيني ذات الله ....!!!!
و أيضا يقول هذا المنهج بأن سمع الله و بصره هما علمه بالمسموعات و المبصرات ، و علم الله هو عين ذاته .. و بالتالي نستنتج أن سمع الله و بصره هما في الحقيقة عين ذات الله ...!!!!
و عليه ،، فهذا المنهج يتلخص في الخطوات الآتية :
1- قبل إثبات الصفة لله يتم النظر إلى الإنسان ، و القول : هل الإنسان يتصف بهذه الصفة ؟! فإن كان الإنسان يتصف بهذه الصفة و كانت هذه الصفة عند الإنسان تعني أمورا مادية محسوسة فيجب نفي الصفة مطلقا و تبرير النفي بأي تأويل مجازي للخروج من مطبة نفي الآية ، أما إن لم تكن الصفة عند الإنسان تعني أمورا مادية بل معنوية فحينها يمكن إثبات الصفة لله .
2- لإثبات الصفة لله يجب أن نجعل تلك الصفة تعني أحد الصفات الخمس : العلم أو القدرة أو الحياة أو الإرادة أو الإدراك ... فإن نسب الله إلى نفسه صفة لها معنى مادي عند الإنسان فمعناه قوته أو عظمته أو إرادته أو إدراكه ، و إن نسب إلى نفسه صفة معنوية كالسمع و البصر و الرحمة و الخلق و النور و غيرها من الصفات التي ليست من الصفات الخمسة ، فيجب تأويلها أيضا و جعلها تعني أحد هذه الصفات بالقول بأن سمع الله هو علمه بالمسموع و رحمة الله هي قدرته على الرحمة و كون الله خالق معناه قدرته على أن يخلق و كون الله غني معناه أزليته وهكذا ..
3- بعد تقليص صفات الله و حصرها في خمس صفات - أو تسع صفات حسب نوع المنهج المتبّع - يتم اعتبار تلك الصفات الخمس هي عين ذات الله ، لأن تلك الصفات ليست عين الإنسان ، فلكي يكون الله ليس كمثله شيء يجب أن تكون صفاته مختلفة عن صفات الإنسان و الطريق إلى ذلك هو باعتبار صفات الله هي عين ذاته ..
4- بعد المرور بالخطوات الثلاث السابقة بنجاح ، حينها يمكن القول بأن هناك تنزيه لله و حينها يكون الإقرار بأن الله ليس كمثله شيء لأنه تم عمل الأمور السابقة قبل إثبات الصفة ..
و باختصار هذا المنهج يقول : بأن كمال تنزيه الله هو برؤية صفات المخلوقات لمعرفة صفات الخالق ، فيجب أن نعرف صفات الإنسان أولا ، فننفي عن الله جميع الصفات التي يتصف بها الإنسان خاصة إن كانت لها معنى مادي عند الإنسان ، فإن لم يكن لها معنى مادي ، فإن كان لها معنى مادي فيتم نفي الصفة لفظا و تؤويل معناها إلى أي معنى مجازي ، ثم تأويل الصفة المجازية إلى إحدى الصفات الخمسة ثم القول بأن الصفات الخمسة هي عين ذات الله . و بتحقق كل الذي سبق يمكن القول بأن الله حينها ليس كمثله شيء و إن لم يتم فعل ذلك فلن يكون الله ليس كمثله شيء ..
==============================
هذا باختصار عرض للمنهجين الذين يتناقشان هنا في المنتدى حول صفات الله سبحانه و تعالى .. و أنا من أهل المنهج الأول و معظمكم من أهل المنهج الثاني .. لذا فبدل الخوض في تفاصيل الصفات في هذه المواضيع المتعددة المتكررة ، من الأفضل الحوار حول أصل المنهجين بغض النظر عن الصفة المنسوبة إلى الله .. لأننا نجد أن أصحاب المنهج الأول ينزهون قبل الصفة ، و لأنهم ينزهون الله قبل إثبات الصفة له يستطيعون إثبات أي صفة أثبتها لنفسه دون خوف من التشبيه لأنهم نفوا المشابهة قبل إثبات الصفة .. أما أصحاب المنهج الثاني فهم دائما يقارنون بين الله و الإنسان ، فما كان الإنسان متصفا به نفوه عن الله خوفا من التشبيه و مالا يمكن نفيه عن الله نسبوه إلى الله مع تأويله بالقول أنها تعني إحدى الصفات الخمسة ثم القول بأنها هي عين ذاته ..!
فأصل الاختلاف باختصار هو أننا نعتبركم مشبّهة و معطلّة في نفس الوقت ؛ لأنكم تقارنون بين الله و الإنسان و تجعلون الإنسان سببا و معيارا في نفي الصفة عن الله وهذا عين التشبيه ، في حين أن كمال تنزيه الله هو عدم مقارنة صفاته بصفات غيره لأنه ليس كمثله شيء ، فهذا التنزيه يغني عن معرفة معاني تلك الصفة عند الإنسان أو غير الإنسان .ثم نجدكم بعد قياس صفات الله بصفات الإنسان تنفون الصفة عن الله باعتبار أن لها معاني مادية عند الإنسان ، فخوفا من الوقوع بالتشبيه في ظنكم تنفون الصفة عن الله ، و هذا عين التعطيل ، فالتعطيل يكون بنفي ما أثبته الله لنفسه .
في المقابل أنتم تعتبروننا مشبّهة لأنكم تجعلون الإنسان معيارا لمعرفة صفات الله ، و تعتبرون إثبات صفة لله لها معنى مادي عند الإنسان هو تجسيم ، و حيث أننا نثبت لله صفة اليد و الوجه مثلا و هي صفات لها معاني مادية عند الإنسان فنحن في نظركم مشبّهة مجسمّة !! فتجعلون الإنسان و صفاته هو الميزان لمعرفة ما يجب على الله الاتصاف به و ما لا يجب الاتصاف به ، و كمال التنزيه عندكم هو بنفي الصفة عن الله .
لذا ارتأيت أن أوضح الصورة أمام الجميع ، لكي يكون المحاورون على وعي و إدراك بحقيقة المنهجين و أصل الاختلاف بينهما ، قبل الشروع في خوض تفاصيل الصفة المثبتة لله أو المنفية عنه ..
و عليه ،، ارتأيت أن أختصر على هؤلاء الطريق ، فبدل طرح كل هذه المواضيع المكررة و اضطرارنا إلى تكرار ذات الرد في كل تلك المواضيع ، ارتأيت أن ألخّص لهم و أبيّن لهم المنهج الذي نأخذ به و المنهج الذي يؤخذون به ، فيتم طرح القضية بأساسها بفهم حقيقة الاختلاف في صفات الله عن طريق المقارنة بين المنهجين ..
و باختصار شديد لو أردنا أن نلّخص قضية الاختلاف في صفات الله سبحانه و تعالى سنجد أنها تتمحور في عدّة مناهج ، و لكني سأطرح المنهجين الذين يتحاوران في الموضوع لكونهما الغالب الأعم على المسلمين الآن ..
=============================
المنهج الأول ،،
المنهج الأول ، عندما يقرأ قول الله تعالى : " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " ، فإنه يجد أن الله سبحانه و تعالى قد نسب إلى نفسه صفة " اليدين " و بالتالي يثبت هذه الصفة إلى الله سبحانه و تعالى لأن الله أثبتها لنفسه ..و كذا الحال مع أية صفة سواء اليد أو العلم أو القوة أو الجبروت أو التكبر أو النورانية أو أية صفة ينسبها إلى ذاته و أفعاله سبحانه و تعالى ..
و هذا المنهج ينطلق بداية من قول الله تعالى : " ليس كمثله شيء و هو السميع البصير " ، فيقول صاحب هذا المنهج في قرارة نفسه : جميع صفات الله ليست كمثلها صفات - بغض النظر عن أسماء تلك الصفات - ، فأية صفة سينسبها الله إلى نفسه فهي ليست كمثلها صفة ، وأي فعل سينسبه الله إلى نفسه ، فليس كمثله فعل .. لأن ذاته ليس كمثله ذات و صفاته ليست كمثلها صفات و أفعاله ليست كمثلها أفعال ... و عليه ، فهذا المنهج لا ينظر إلى غير الله ، فلا ينظر إلى الإنسان أوغير الإنسان فلا ينظر إلى أي مخلوق ، فعندما يقول الله عن نفسه أنه هو "السميع البصير " ، فإن هذا المنهج يؤمن مباشرة بأن الله هو السميع البصير ، يسمع كل الأصوات و يرى كل الأشياء .. و لا يقوم هذا المنهج بالبحث عن الإنسان بالقول : هل الإنسان يسمع ؟ هل سمع الله كسمع الإنسان ؟ و لا يدخل في مثل هكذا تساؤلات لأنه قبل معرفة الصفات تم الإقرار المسبق و الإيمان بأن جميع الصفات التي سيثبتها الله لنفسه هي تليق به سبحانه و ليست كمثلها صفات و إن تشابهت في الإسم مع صفات يتصف بها غيره .. لذلك نجد أن الله قدّم التنزيه قبل الإثبات ، فلإنّه ليس كمثله شيء ، نؤمن بأنه هو السميع البصير ، و لأنه ليس كمثله شيء نؤمن بأنه يعلم و يقدر و بأن له يد و له وجه و له قوة و له عظمة و له كل الصفات التي أثبتها لنفسه لأنه ليس كمثله شيء ...
و عليه ، فهذا المنهج يتلخص في الخطوات القادمة :
1- الإقرار المسبق بأن الله ليس كمثله شيء ، قبل معرفة الصفات التي سينسبها الله إلى نفسه .. فقبل معرفة الصفات يتم الإيمان الجازم بأن كل الصفات الله التي سوف نعرفها و نثبتها له هي ليست كصفات غيره و إن تشابهت أسماؤها و ألفاظها و معانيها الظاهرية مع صفات عند الإنسان أو الجان أو الملائكة أو أي مخلوق كائنا أيا كان ..
2- بعد التنزيه لله ، يتم إثبات الصفة كما أثبتها الله لنفسه دون مزايدة على الصفة أو محاولة لتفسيرها و تأويلها و تعطيلها فضلا عن تشبيهها و تمثيلها .
3- وجود مخلوقات لها صفات بنفس الإسم ، لا يشكل إشكالا لأصحاب هذا المنهج ، فكون الإنسان له سمع و بصر و علم و قدرة و يد و وجه و قدم و غيرها من الصفات ، لا تؤثر في إثبات الصفات لله ؛ لأنه لا حاجة للنظر إلى المخلوقات لنقارنها بالله ؛ لأن الله ليس مثل المخلوقات ، فوجود صفات عند المخلوقات بنفس الإسم لا يعدوا سوى تشابه أسماء الصفات ليس إلا ، و لا علاقة لهذا التشابه الإسمي بحقيقة الصفة عند الله سبحانه و تعالى . فكون أن الله له ذات و للأنسان ذات ،هذا التشابه في الصفة لا يعني أن حقيقة ذات الله كحقيقة ذات الإنسان ، فكما تمّ إثبات الذات له دون أن يسبّب هذا تشبيها بغيره ، يتم إثبات صفات هذا الذات و أفعال هذا الذات دون مشابهة أيضا .لصفات ذات غيره و أفعال ذات غيره .
باختصار هذا المنهج يقول : بأن كمال تنزيه الله هو عدم رؤية المخلوقات لمعرفة صفات الخالق ،و عدم جعل المخلوق معيار لفهم صفة الخالق . لأن مجرد المقارنة بين الخالق و المخلوق تشبيه ، و مجرد النظر إلى المخلوق لمعرفة صفات الخالق تشبيه ،، فكمال تنزيه الله هو بإثبات ما أثبته لنفسه و نفي ما نفاه عن نفسه دون النظر إلى المخلوق لأن الله ليس كمثل المخلوقات فلا حاجة للنظر للمخلوق لفهم صفات الخالق . فالله نفي المشابهة مع غيره و بعد ذلك أثبت لنفسه صفات يتصف بها غيره ، فقال بأنه " ليس كمثله شيء " و مع ذلك فـهو " السميع البصير " ، فأثبت لنفسه صفات لها معاني عند الإنسان و غير الإنسان ، مما يدل على أن نفي المشابهة ليس في أصل الصفة و إنما في حقيقتها و كيفيتها ، و كذا الحال مع جميع صفاته ، لا يتم نفي أصل الصفة و إنما نفي المشابهة في حقيقتها و كيفيتها .
المنهج الثاني ،،
المنهج الثاني ، عندما يقرأ قول الله تعالى : " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " .. يجد هذا المنهج بأن الله قد نسب إلى نفسه صفة " اليدين " ، و هذا المنهج لا يثبت هذه الصفة لله مباشرة ، بل ينظر إلى الإنسان ، فيسأل نفسه : هل للإنسان صفة اليدين ؟ فيجد أن الإنسان له صفة اليدين .. فحينها يقرأ قول الله تعالى : " ليس كمثله شيء و هو السميع البصير " ، فيرى أنه بما أن الإنسان يتصف بصفة " اليدين "، فحينها يقرّر أصحاب هذا المنهج بنفي هذه الصفة عن الله بالاحتجاج بأنه ليس كمثله شيء ..!! و لكن يجد مشكلة أمامه و هو أنه لا يمكن نفي آية في القرآن الكريم، فحينها يلجأ إلى تأويل صفة " اليدين " إلى معنى آخر ينسّيه المعنى الذي طرأ في عقله حينما بحث عن معنى هذه الصفة عند الإنسان - بدل نفي الصفة بالمطلق صراحة -.. فيقول أن لله يدين ولكن يديه هما قوتاه أو عظمتاه أو علماه أو قدرتاه أي صفة معنوية لها مثنى ..!!! و عندما يقرأ قول الله تعالى : " و هو السميع البصير " لا يثبت هتين الصفتين لله مباشرة و إنما يسأل نفسه : هل الإنسان لديه هتين الصفتين ؟ فيجد أن الإنسان يسمع و يبصر ، و حينها يقرر أن ينفي هذه الصفة و لكن لا يجرؤون على ننفي آية في القرآن بصريح العبارة ، فحينها يلجأ أصحاب هذا المنهج إلى التأويل فيقولون : سمع الله هو علمه بالمسوعات ، و بصر الله هو علمه بالمبصرات ، فتصبح صفتي السمع و البصر كناية عن صفة العلم !!! و عندما يصف الله نفسه بأنه هو" العليم "، يجد هذا المنهج بأن الإنسان أيضا عليم ، فيجب حسب منهجهم نفي هذه الصفة عن الله لكون الإنسان يتصف بصفة لها نفس الإسم . و لكن هنا يتوقف هذا المنهج و يحتار لأنه لا سبيل لـتأويل علم الله بالقول أن علم الله هو كذا .. فحينها يضطر هذا المنهج إلى إثبات أن الله له علم ، و لكن لا يتم إثباتها كما وردت ، بل يضطرون إلى تأويل جديد لكي يكون الله ليس كمثله شيء ، و هذا التأويل يكون بالقول بأن علم الله هو عين ذاته ..!!
و عليه فيدي الله هما قوتاه ، وقوة الله هي قدرته ، و قدرة الله هي عين ذاته .. و بالتالي نستنتج أن يدي الله هما عيني ذات الله ....!!!!
و أيضا يقول هذا المنهج بأن سمع الله و بصره هما علمه بالمسموعات و المبصرات ، و علم الله هو عين ذاته .. و بالتالي نستنتج أن سمع الله و بصره هما في الحقيقة عين ذات الله ...!!!!
و عليه ،، فهذا المنهج يتلخص في الخطوات الآتية :
1- قبل إثبات الصفة لله يتم النظر إلى الإنسان ، و القول : هل الإنسان يتصف بهذه الصفة ؟! فإن كان الإنسان يتصف بهذه الصفة و كانت هذه الصفة عند الإنسان تعني أمورا مادية محسوسة فيجب نفي الصفة مطلقا و تبرير النفي بأي تأويل مجازي للخروج من مطبة نفي الآية ، أما إن لم تكن الصفة عند الإنسان تعني أمورا مادية بل معنوية فحينها يمكن إثبات الصفة لله .
2- لإثبات الصفة لله يجب أن نجعل تلك الصفة تعني أحد الصفات الخمس : العلم أو القدرة أو الحياة أو الإرادة أو الإدراك ... فإن نسب الله إلى نفسه صفة لها معنى مادي عند الإنسان فمعناه قوته أو عظمته أو إرادته أو إدراكه ، و إن نسب إلى نفسه صفة معنوية كالسمع و البصر و الرحمة و الخلق و النور و غيرها من الصفات التي ليست من الصفات الخمسة ، فيجب تأويلها أيضا و جعلها تعني أحد هذه الصفات بالقول بأن سمع الله هو علمه بالمسموع و رحمة الله هي قدرته على الرحمة و كون الله خالق معناه قدرته على أن يخلق و كون الله غني معناه أزليته وهكذا ..
3- بعد تقليص صفات الله و حصرها في خمس صفات - أو تسع صفات حسب نوع المنهج المتبّع - يتم اعتبار تلك الصفات الخمس هي عين ذات الله ، لأن تلك الصفات ليست عين الإنسان ، فلكي يكون الله ليس كمثله شيء يجب أن تكون صفاته مختلفة عن صفات الإنسان و الطريق إلى ذلك هو باعتبار صفات الله هي عين ذاته ..
4- بعد المرور بالخطوات الثلاث السابقة بنجاح ، حينها يمكن القول بأن هناك تنزيه لله و حينها يكون الإقرار بأن الله ليس كمثله شيء لأنه تم عمل الأمور السابقة قبل إثبات الصفة ..
و باختصار هذا المنهج يقول : بأن كمال تنزيه الله هو برؤية صفات المخلوقات لمعرفة صفات الخالق ، فيجب أن نعرف صفات الإنسان أولا ، فننفي عن الله جميع الصفات التي يتصف بها الإنسان خاصة إن كانت لها معنى مادي عند الإنسان ، فإن لم يكن لها معنى مادي ، فإن كان لها معنى مادي فيتم نفي الصفة لفظا و تؤويل معناها إلى أي معنى مجازي ، ثم تأويل الصفة المجازية إلى إحدى الصفات الخمسة ثم القول بأن الصفات الخمسة هي عين ذات الله . و بتحقق كل الذي سبق يمكن القول بأن الله حينها ليس كمثله شيء و إن لم يتم فعل ذلك فلن يكون الله ليس كمثله شيء ..
==============================
هذا باختصار عرض للمنهجين الذين يتناقشان هنا في المنتدى حول صفات الله سبحانه و تعالى .. و أنا من أهل المنهج الأول و معظمكم من أهل المنهج الثاني .. لذا فبدل الخوض في تفاصيل الصفات في هذه المواضيع المتعددة المتكررة ، من الأفضل الحوار حول أصل المنهجين بغض النظر عن الصفة المنسوبة إلى الله .. لأننا نجد أن أصحاب المنهج الأول ينزهون قبل الصفة ، و لأنهم ينزهون الله قبل إثبات الصفة له يستطيعون إثبات أي صفة أثبتها لنفسه دون خوف من التشبيه لأنهم نفوا المشابهة قبل إثبات الصفة .. أما أصحاب المنهج الثاني فهم دائما يقارنون بين الله و الإنسان ، فما كان الإنسان متصفا به نفوه عن الله خوفا من التشبيه و مالا يمكن نفيه عن الله نسبوه إلى الله مع تأويله بالقول أنها تعني إحدى الصفات الخمسة ثم القول بأنها هي عين ذاته ..!
فأصل الاختلاف باختصار هو أننا نعتبركم مشبّهة و معطلّة في نفس الوقت ؛ لأنكم تقارنون بين الله و الإنسان و تجعلون الإنسان سببا و معيارا في نفي الصفة عن الله وهذا عين التشبيه ، في حين أن كمال تنزيه الله هو عدم مقارنة صفاته بصفات غيره لأنه ليس كمثله شيء ، فهذا التنزيه يغني عن معرفة معاني تلك الصفة عند الإنسان أو غير الإنسان .ثم نجدكم بعد قياس صفات الله بصفات الإنسان تنفون الصفة عن الله باعتبار أن لها معاني مادية عند الإنسان ، فخوفا من الوقوع بالتشبيه في ظنكم تنفون الصفة عن الله ، و هذا عين التعطيل ، فالتعطيل يكون بنفي ما أثبته الله لنفسه .
في المقابل أنتم تعتبروننا مشبّهة لأنكم تجعلون الإنسان معيارا لمعرفة صفات الله ، و تعتبرون إثبات صفة لله لها معنى مادي عند الإنسان هو تجسيم ، و حيث أننا نثبت لله صفة اليد و الوجه مثلا و هي صفات لها معاني مادية عند الإنسان فنحن في نظركم مشبّهة مجسمّة !! فتجعلون الإنسان و صفاته هو الميزان لمعرفة ما يجب على الله الاتصاف به و ما لا يجب الاتصاف به ، و كمال التنزيه عندكم هو بنفي الصفة عن الله .
لذا ارتأيت أن أوضح الصورة أمام الجميع ، لكي يكون المحاورون على وعي و إدراك بحقيقة المنهجين و أصل الاختلاف بينهما ، قبل الشروع في خوض تفاصيل الصفة المثبتة لله أو المنفية عنه ..
تعليق