اخي الفاضل تجد الشرح الوافي لهذا الامر في الانترنت
X
-
[QUOTE]ولكني قرأت هذه الفقرة وأود من الاخوة الاعزاء المؤيدين لنظريات صدر المتألهين ان يوضحوها لنا
وان كان للعلماء الاعلام راي في ذلك فيبينوه لنا مشكورين [/QUOTE]
يقول الملا صدرا في كتابه المعروف (الأسفار):
فصل في ذكر عشق الظرفاء و الفتيان للأوجه الحسان
إعلم انه اختلف آراء الحكماء في هذا العشق و مهيته،
فلا حول ولا قوة الابالله العلى العظيم
صدر الدين الشيرازي و عشق الظرفاء و الفتيان
سؤال:هناك بحث حول العشق في موسوعة ملا صدرا الشيرازي، ومن ضمن هذا البحث عنوان آخروهو" عشق الظرفاء و الفتيان للأوجه الحسان" فما هو مقصوده من ذلك؟ فان عباراته رحمه الله موهمة حو ل هذا الموضوع حتي اتهم بان هذا القصد والعياذ بالله ال....!! فما هو البيان لذلك جزاكم الله خيراً؟
موقع الحوزه، 9814، جواب:
ان هذه المسألة التي بحثها صدر الدين الشيرازي تحت عنوان" في ذكر عشق الظرفاء و الفتيان للأوجه الحسان"[1] من المسائل التي اتخذت ذريعة للتشويه بالرجل والطعن عليه، الا ان المنهج الصحيح ان تدرس القضية بصورة موضوعية بعيداً عن التهويل والتحريف في الكلام، وعلي رأس الموضوعية في البحث ان يدرس الرجل بكله لا ان يدرس بصورة مبتورة، فمن اللازم معرفة الرجل بكل ابعاده الفلسفية والايمانية ومنهج حياته وسلوكياته، وهذا ما تكفلت به الكتب التي ترجمت للرجل والتي اشارت الي مدي عظمة الرجل في هذه المجالات وخاصة العرفان والفلسفة منها[2] ونحن لسنا بصدد دخول هذا البحث من هذا الجانب، بل نكتفي بدراسة كلام الرجل دراسة موضوعية لنري ماذا يريد ان يقول، وفي الواقع اننا حتي لو فرض اننا اختلفنا مع الرجل في تحليله لفلسفة العشق والنظر اليها من زاوية خاصة، الا ان ذلك لايعني الابتعاد بكلامه الي الزاوية التي هي بعيدة كل البعد عن الاخلاق والعفة والمرؤة التي يجل الشيرازي عنها.
بعد هذه المقدمة ندخل في بحث القضية من خلال تحليل كلامه( قدس) ونحاول هنا الا نضيف شيئا الا ما تقتضيه الحاجة لتوضيح الامر، فنقول:
بعد ان اورد الشيرازي الآراء في هذه القضية حيث قال:
اعلم أنه اختلف آراء الحكماء في هذا العشق و ماهيته و أنه حسن أو قبيح، محمود أو مذموم :
فمنهم من ذمه و ذكر أنه رذيلة و ذكر مساويه، و قال: إنه من فعل البطالين و المعطلين.
و منهم من قال: إنه فضيلة نفسانية، و مدحة و ذكر محاسن أهله و شرف غايته.
و منهم من لم يقف علي ماهيته و علله و أسباب معانيه و غايته.
و منهم من زعم أنه مرض نفساني.
و منهم من قال إنه جنون إلهي.
"وبعد ان ذكر الاراء بصورة اجمالية شرع بالبحث مبينا رأيه، حيث قال:
و الذي يدل عليه النظر الدقيق و المنهج الأنيق و ملاحظة الأمور عن أسبابها الكلية و مباديها العالية و غاياتها الحكمية أن هذا العشق....الخ".
ونحن اذا حللنا كلامه نراه يشير الي مسالة مهمة وهي:
انه رأي خاصية الميل للجمال موجودة لدي الانسان،وهذا امر ثابت بالوجدان، وهنا تساءل هل هذه القضية عبثية أم لا؟
فقال: "هو لا محالة من جملة الأوضاع الإلهية التي يترتب عليها المصالح و الحكم، فلا بد أن يكون مستحسنا محموداً، سيما و قد وقع من مباد فاضلة لأجل غايات شريفة".
وهنا تساءل مرة اخري : ما هي تلك الغايات المستحسنة والشريفة؟
فاخذ يبحث عن ذلك، فرأي ان هذه الصفة او الخاصية انما وجدت لتحقيق غاية شريفة هي الاهتمام بالبعد التربوي والتعليمي، و رأي ان هذه القضية ضرورية للتربية والتعليم حيث تشجع المعلم علي التعليم والتربية وبذل الجهد من اجل تنمية كمالات تلامذته، فقال:
"و أما الغاية في هذا العشق الموجود في الظرفاء و ذوي لطافة الطبع فلما ترتب عليه من تأديب الغلمان و تربية الصبيان و تهذيبهم و تعليمهم العلوم الجزئية كالنحو و اللغة و البيان و الهندسة و غيرها و الصنائع الدقيقة و الآداب الحميدة و الأشعار اللطيفة الموزونة و النغمات الطيبة و تعليمهم القصص و الأخبار و الحكايات الغريبة و الأحاديث المروية، إلي غير ذلك من الكمالات النفسانية، فإن الأطفال و الصبيان إذا استغنوا عن تربية الآباء و الأمهات فهم بعد محتاجون إلي تعليم الأستادين و المعلمين و حسن توجههم و التفاتهم إليهم بنظر الإشفاق و التعطف، فمن أجل ذلك أوجدت العناية الربانية في نفوس الرجال البالغين رغبة في الصبيان و تعشقا و محبة للغلمان الحسان الوجوه، ليكون ذلك داعيا لهم إلي تأديبهم و تهذيبهم و تكميل نفوسهم الناقصة و تبليغهم إلي الغايات المقصودة في إيجاد نفوسهم".
ثم من اجل رفع توهم الظنون الباطلة وسوء الظن من قبل البعض شرع بالتركيز علي مطلبين اساسيين هما:
الاول: بيان الفرق بين العشق الحقيقي والمجازي.
الثاني: بيان متي يحق للمعلم ولوج هذا الطريق.
فقال قدس سره مشيرالي الامر الاول:
"و تفصيل المقام أن العشق الإنساني ينقسم إلي حقيقي و مجازي، و العشق الحقيقي هو محبة الله و صفاته و أفعاله من حيث هي أفعاله، و المجازي ينقسم إلي نفساني و إلي حيواني، و النفساني هو الذي يكون مبدؤه مشاكلة نفس العاشق المعشوق في الجوهر، و يكون أكثر إعجابه بشمائل المعشوق، لأنها آثار صادرة عن نفسه، و الحيواني هو الذي يكون مبدؤه شهوة بدنية و طلب لذة بهيمية، و يكون أكثر إعجاب العاشق بظاهر المعشوق و لونه و إشكال أعضائه لأنها أمور بدنية.
و الأول: مما يقتضيه لطافة النفس و صفاتها.
و الثاني: مما يقتضيه النفس الأمارة، و يكون في الأكثر مقارنا للفجور و الحرص عليه، و فيه استخدام القوة الحيوانية للقوة الناطقة، بخلاف الأول فإنه يجعل النفس لينة شيقة ذات وجد و حزن و بكاء و رقة قلب و فكر، كأنها تطلب شيئا باطنيا مختفيا عن الحواس فتنقطع عن الشواغل الدنيوية و تعرض عما سوي معشوقها....."
ثم قال مشير الي الامر الثاني:
"لكن الذي يجب التنبيه عليه في هذا المقام أن هذا العشق و إن كان معدوداً من جملة الفضائل إلا أنه من الفضائل التي يتوسط الموصوف بها بين العقل المفارق المحض و بين النفس الحيوانية، و مثل هذا الفضائل لا تكون محمودة شريفة علي الإطلاق في كل وقت و علي كل حال من الأحوال و من كل أحد من الناس، بل ينبغي استعمال هذه المحبة في أواسط السلوك العرفاني و في حال ترقيق النفس و تنبيهها عن نوم الغفلة و رقدة الطبيعة و إخراجها عن بحر الشهوات الحيوانية، و أما عند استكمال النفس بالعلوم الإلهية و صيرورتها عقلا بالفعل محيطا بالعلوم الكلية ذا ملكة الاتصال بعالم القدس فلا ينبغي لها عند ذلك الاشتغال بعشق هذه الصور المحسنة اللحمية و الشمائل اللطيفة البشرية، لأن مقامها صار أرفع من هذا المقام، و لهذا قيل المجاز قنطرة الحقيقة و إذا وقع العبور من القنطرة إلي عالم الحقيقة فالرجوع إلي ما وقع العبور منه تارة أخري يكون قبيحا معدودا من الرذائل....".
والذي يمعن النظر في هذا المقطع من كلامه (قدس) يري انه يشير الي ثلاث مراحل للمعلم:
الاولي: مرحلة النفس الحيوانية، وفي هذه المرحلة لايحق للمعلم الخوض في هذا الطريق لغلبة الشهوة المادية والغرائز الحيوانية عليه،الامر الذي يؤدي به للوقوع في الرذيلة كما قال سره" و مثل هذا الفضائل لا تكون محمودة شريفة علي الإطلاق في كل وقت و علي كل حال....".
الثانية:وهي مرحلة الخروج من الحالة الحيوانية والتوسط بينها وبين العقل المفارق" يتوسط الموصوف بها بين العقل المفارق المحض و بين النفس الحيوانية" وفي هذه المرحلة يحق للمربي الاستفاد من العشق البرئ "العفيف"[3] الذي ليس للشهوة المادية فيه اثر ابداً.
المرحلة الثالثة: "مرحلة استكمال النفس بالعلوم الإلهية و صيرورتها عقلا بالفعل محيطاً بالعلوم الكلية ذا ملكة الاتصال بعالم القدس، فلا ينبغي لها عند ذلك الاشتغال بعشق هذه الصور المحسنة اللحمية و الشمائل اللطيفة البشرية، لأن مقامها صار أرفع من هذا المقام....".
هذه هي النظرة التحليلية التي يثيرها صدر المتألهين في فلسفة العشق واثرها في التربية والتعليم وكيفية اخراج فعله تعالي من العبثية في خلقها.
وسواء صحت هذه النظرية واصاب الواقع هذا التحليل ام لا، تبقي ساحة صدر المتالهين طاهرة من الشبهة التي يريد البعض اثارتها من اجل المساس بشخصية الرجل لاسباب كثيرة لسنا بصدد الحديث عنها. [1] الاسفار:7/172-185.[2] يلاحظ علي سبيل المثال: فلاسفة الشيعة للعلامة الشيخ عبد الله نعمة:ص386-412.[3] كما عبر عنه صدر الميالهين نفسه انظر المصدر السابق.
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
المشاركة الأصلية بواسطة سومان
العجيب ان اصل الموضوع يتكلم حول الملا صدرا قدس الله سره فماالذي حشر اسم ابن العربي وسط الموضوع؟؟؟
ولماذا يتحول كل كلام حول العرفان الى ذكر ابن العربي وكانه من افتتح هذا العلم وختمه؟؟؟
لاملا صدرا بلا ابن عربي !
وهذه حقيقة وقاعدة يقر بها كل المتصوفة !
والادهى والأمر من ذلك ان كل من يفتح مواضيع العرفان هو ابعد الناس واجهلهم بهذا العلم والسلوك الصحيح لاصحابه
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
اما مانقل عن (عشق الصبيان)...فقد سبق ان اوضحناه في محله ...وكان النص تحديدا هو:
الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج 3 - ص 173 - 174
فان الأطفال والصبيان إذا استغنوا عن تربيه الاباء والأمهات فهم بعد محتاجون إلى تعليم الاستادين والمعلمين وحسن توجههم والتفاتهم إليهم بنظر الاشفاق والتعطف فمن أحل ذلك أوجدت العناية الربانية في نفوس الرجال البالغين رغبه في الصبيان وتعشقا ومحبه للغلمان الحسان الوجوه ليكون ذلك داعيا لهم إلى تأديبهم وتهذيبهم وتكميل نفوسهم الناقصة وتبليغهم إلى الغايات المقصودة في ايجاد نفوسهم والا لما خلق الله هذه الرغبة والمحبة في أكثر الظرفاء والعلماء عبثا وهباء فلا بد في ارتكاز هذا العشق النفساني في النفوس اللطيفة والقلوب الرقيقة غير القاسية ولا الجافية من فائدة حكمية وغاية صحيحه . ونحن نشاهد ترتب هذه الغايات التي ذكرناها فلا محاله يكون وجود هذا العشق في الانسان معدودا من جمله الفضائل والمحسنات لا من جمله الرذائل والسيئات و لعمري ان هذا العشق يترك النفس فارغة عن جميع الهموم الدنياوية الا هم واحد فمن حيث يجعل الهموم هما واحدا هو الاشتياق إلى رؤية جمال انساني فيه كثر من آثار جمال الله وجلاله حيث أشار اليه بقوله لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم وقوله ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين سواء كان المراد من الخلق الاخر الصور الظاهرة الكاملة أو النفس الناطقة لأن الظاهر عنوان الباطن والصورة مثال الحقيقة والبدن بما فيه مطابق للنفس وصفاتها والمجاز قنطرة الحقيقة . ولاجل ذلك هذا العشق النفساني للشخص الانساني إذا لم يكن مبدأه افراط الشهوة الحيوانية بل استحسان شمائل المعشوق وجوده تركيبه واعتدال مزاجه وحسن أخلاقه وتناسب حركاته وافعاله وغنجه ودلاله معدود من جمله الفضائل و هو يرقق القلب ويذكى الذهن وينبه النفس على ادراك الأمور الشريفة ولاجل ذلك امر المشائخ مريديهم ( 1 ) في الابتداء بالعشق وقيل العشق العفيف أو في سبب في ‹ صفحة 174 › تلطيف النفس وتنوير القلب وفي الاخبار ان الله جميل يحب الجمال وقيل من عشق وعف وكتم ومات مات شهيدا . وتفصيل المقام ان العشق الانساني ينقسم إلى حقيقي ومجازي والعشق الحقيقي هو محبه الله وصفاته وافعاله من حيث هي افعاله والمجازي ينقسم إلى نفساني والى حيواني والنفساني هو الذي يكون مبدأه مشاكله نفس العاشق المعشوق في الجوهر ويكون أكثر اعجابه بشمائل المعشوق لأنها آثار صادره عن نفسه والحيواني هو الذي يكون مبدأه شهوة بدنية وطلب لذه بهيمية ويكون أكثر اعجاب العاشق بظاهر المعشوق ولونه واشكال أعضائه لأنها أمور بدنية والأول مما يقتضيه لطافة النفس وصفاتها والثاني مما يقتضيه النفس الامارة ويكون في الأكثر مقارنا للفجور والحرص عليه وفيه استخدام القوة الحيوانية للقوة الناطقة بخلاف الأول فإنه يجعل النفس لينه شيقة ذات وجد وحزن وبكاء ورقه قلب وفكر كأنها تطلب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ورغم وضوح المعنى انكر البعض ذلك في حينه وحاولوا تاويله وصرفه معناه الى معنى اخر !
لكن حاشية السبزواري كانت قاصمة الظهر !
هامش ص 173 › ( 1 ) إذ لا يرون سببا أقوى في انتزاع يد النفس عن مشتهيات عالم الكون الطبيعي بعد الجذبة أو بعد الرياضات الشرعية من هذا العشق ولهذا قال الشيخ فريد الدين العطار الذي هو عشق محض بحيث قال بعض العرفاء ايماء إلى وجوده العشق خراساني ذره عشق از همه آفاق به * ذره درد از همه عشاق به قدسيانرا عشق هست ودرد نيست * درد را جز آدمي در خورد نيست ان قلت المشائخ يلتزمون التوفيق بين أوضاع الشريعة والطريقة والمحققون منهم في هذا الجمع متوغلون وبهذا الأصل الشامخ متصلبون وهذا الامر كيف يوافق الشريعة المطهرة قلت لعلهم وجدوا رخصه من رموزها ودقائقها ولعلهم جوزوا اجتماع الامر والنهى كما جوزه كثير من المتشرعة فالخروج من الدار المغضوبة مأمور به ومنهى عنه لان هذا الخروج بعينه تصرف في مال الغير بدون اذنه واخراج الزاني حشفته من فرج المرأة مأمور به ومنهى عنه نظير ما مر فشئ واحد مبغوض ومطلوب للشارع المقدس من جهتين وبسطه موكول إلى موضعه والله تعالى هو العالم بالاسرار س قده .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
أتوقع أن التجريح و الانتقاص من الآخرين هي سمة من سمات المناصرين لعاشق الصبيان
فهل يتفضل أحدى الاخوان و يقول لنا ما موقف انصار ابن عربي لو قدر الله واحياء لقمان
وطلب العلم على يديهم
هل يمنع عنه العلم بسبب لونه الاسود واصوله الافريقية كما يذكرون ؟
أو يقبلون تعليمه وكيف يقبلون وهم الذين أشترط اللون و العرق في أختيار الصبيان للتعليم ؟
اتمنى أن يفهم الأخ الكريم بأني من الأشخاص الذين يبحثون عن الحقيقة وبدل الهجوم و التسقيط ان يوضح لنا الافكار التي يملكها العرفانيين فانا ليس ضدها لاني لم أدرسها بكفاية و ان كنت ضد ابن عربي الآن
لكن لدي آمل بأن علماؤنا ليس مثل ابن عربي
فمن تربى في حضن آهل البيت عليهم السلام لا يقبل مثل هذه الافكار
التي تجد فيها من العنصرية و الاستخفاف بالعقول
تحياتي لأخواني في الاسلام المحمدي الاصيل
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
أتوقع أن التجريح و الانتقاص من الآخرين هي سمة من سمات المناصرين لعاشق الصبيان
فهل يتفضل أحدى الاخوان و يقول لنا ما موقف انصار ابن عربي لو قدر الله واحياء لقمان
وطلب العلم على يديهم
هل يمنع عنه العلم بسبب لونه الاسود واصوله الافريقية كما يذكرون ؟
أو يقبلون تعليمه وكيف يقبلون وهم الذين أشترط اللون و العرق في أختيار الصبيان للتعليم ؟
اتمنى أن يفهم الأخ الكريم بأني من الأشخاص الذين يبحثون عن الحقيقة وبدل الهجوم و التسقيط ان يوضح لنا الافكار التي يملكها العرفانيين فانا ليس ضدها لاني لم أدرسها بكفاية و ان كنت ضد ابن عربي الآن
لكن لدي آمل بأن علماؤنا ليس مثل ابن عربي
فمن تربى في حضن آهل البيت عليهم السلام لا يقبل مثل هذه الافكار
التي تجد فيها من العنصرية و الاستخفاف بالعقول
تحياتي لأخواني في الاسلام المحمدي الاصيل
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
المشاركة الأصلية بواسطة المظفر1970السلام عليكم
اين اصبحوا انصار ابن عربي ومله صدرا واين الردود الناسفه لأصل الموضوع
اين الادله الحكميه.........
متابع
مجرد عرض وجهات نظر تنقل بدون محاور علمية محددة لا يعني ان الطرفين يستطيعون نفي او اثبات شيء
ولننسخ ونلصق لكم احدى المشاركات التي يمكن ان تنفع في الموضوع
المشاركة الأصلية بواسطة يا زهراء مددبسم الله الرحمن الرحيم
المستغاث بك يابن الحسن
الفيلسوف الإلهي الملا صدرا الشيرازي رضوان الله عليه في كلمات:
الإمام الغائب السيد موسى الصدر (أعاده الله تعالى إلينا سالماً)
إن الفيلسوف الإسلامي الكبير صدر الدين الشيرازي المعروف بالملا صدرا، هذا الرجل العظيم الذي لا يعرف عنه الغرب مع الأسف شيئاً كثيراً، وقد بدأ دراسة حياته لأول مرة البروفسور (جوبينو) على حد علمي، ويسميه البروفسور (كوربان)، أستاذ الفلسفة بجامعة باريس، القديس توما المسلم.
إن صدر الدين هو ذروة الفلسفة الإسلامية وخلاصة الأقدمين وقدوة المتأخرين، وهو مؤسس الحكمة المتعالية التي تجمع فلسفة المشائين وحكمة الإشراقيين والعرفان.
وحينما نقابل الفلسفة الإسلامية الممثلة في شخص صدر الدين الشيرازي، حين نقابلها بفلسفة القرن العشرين، نشعر بتفوق نهجه الفكري على كثير من المناهج الفلسفية الحديثة، بالرغم من كونه ابن القرن السابع عشر الميلادي.
أثبت صدر الدين، بطرقه البرهانية، الحركة الجوهرية، وأنها مصدر الحركات الكمية والكيفية، والوضعية، والأينية، فالموجود المادي يتحرك بجوهره وبتمام ذاته، فهو حركة ومتحرك.
لست بصدد العرض لنتائج هذه النظرية الفلسفية العظيمة، ولكني أحب أن ألفت نظر المستمع (القارئ) الكريم إلى أن فيلسوفنا هذا سبق القرن العشرين بآرائه العلمية المؤمنة. فقد التقى بـ ((اينشتاين)) في النتائج الفلسفية لآرائه الفيزيائية، وأصبح عنده الزمان ((هذا الوهم المفترض عند السابقين)) أصبح جزءاً من حقيقة الموجود وتعبيراً عن الحركة الذاتية وبعداً جديداً للأشياء، والتقى بالنتيجة نفسها التي جمعت الفيلسوفين المتعارضين ((ألكسندر صموئيل)) الواقعي و ((برغسون)) المثالي. وصل فيلسوفنا إلى هذه النتائج بطرق علمية برهانية وفي إطار الفلسفة الإلهية.
ولصدر الدين هذا آراء يعتبر كل واحد منها أساساً من أسس الفلسفة، فمنها القول بحدوث النفس الجسماني وبقائها الروحي. هذا الذي يفسر الظواهر النفسية ويحل مشكلة ربط الجسم بالروح ووحدتها في مراحل الحس والخيال والعقل. وله رأي طريف في علم النفس ومشكلة ربط الخارج بالعقل يحل كثيراً من العقد المتعلقة بالمعاد الجسماني.
وقد تمكن أن ينقح أصالة الوجود، هذا الأصل الذي يباهي به بعض الفلاسفة الألمان ((كارل ياسبيرز)) و((هوسرل)) المؤمنين بمدرسة ((اكزيستانس)) والتي تحولت إلى الوجودية السارترية ((اكزيستانسياليزم)) وهي في الحقيقة ليست وجودية وأصالة الوجود بل إنها أصالة الظاهرة و ((فنومنولجي)).
وأوضح صدر الدين تقسيم الموجود إلى الهيولى والصورة، أو المادة والصورة، بصورة علمية، واعتقد أن تذوق هذا الرأي على أصل التضاد المعروف في المنطق الديالكتيكي يظهر عند تقابلهما وشرحهما.
وأخيراً أحب أن أدعي في هذا المقام أن الشرق في حقل الفلسفة والتصوف لا يزال يشرق على العالم في القرن العشرين، ولي على ذلك أكثر من شهادة: يقول البروفسور ((كوربان)) أن الفلسفة الشرقية هي التي تتمكن من إنقاذ فلسفة أوروبا من التدهور والتمزق، وأن أوروبا فقيرة جداً إلى التزود بالحكمة الخالدة التي نبعت من الشرق.
(أبجدية الحوار، الإمام موسى الصدر)
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=131857
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
[quote=يا زهراء مدد]بسم الله الرحمن الرحيم
أحلام اليقظة
مع صدر المتألّهين
تأليف
العلاّمة الكبير
الشيخ محمّـد رضا المظفّر
1322 ـ 1383 هـ
تحقيـق
الشيخ هادي القبيسي
--------------------------------------------------------------------------------(276)
(277)
مقـدّمة التحقيـقالحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّد خلقه وخاتم رسله محمّـد وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، واللعن على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين .
بسـم الله الرحمن الرحيـم
لما رأى - الشيخ المظفر ره - في صدر المتألّهين الرجل العظيم ، والفيلسوف القدير ، صاحب النظريّات الجديدة والآراء الحديثة ، انبرى للدفاع عنه واضعاً نفسه موضع المستشكل متصدياً للاجابة عن الاشكالات المطروحة ، مستوحياً إيّاها من مبانيه الفلسفية ، ربّما أنّها تُعدّ من الأبحاث المعقّدة والجافة .
فحاول عرضها بشكل حوار بين السائل والمجيب ، ثمّ بدا له أن يصوّر لقاءه به على شكل حلم ، لكن ليس من أحلام المنام بل من أحلام اليقظة . فكان المحاور والمدافع والمحتلم يقظة هو : العلاّمة المحقّق الشيخ محمّـد رضا المظفّر . فالحوار حول نظريّتين .
1 ـ نظريّة اتحاد العلم والعالم والمعلوم . والحركة الجوهرية .
2 ـ نظريته في العلّة والمعلول ، وما هو مناط الحاجة إلى العلّة .
ولمّا اختلفت النظريّات ، وتباينت الآراء لدى علماء الطائفة في الفلسفة بين مدافع من جهة ومحارب من جهة اُخرى ارتئيت أن أضع هذه ( 278 ) المقالة بين يدي القاريء الكريم مع التحفّظ عن تبنّي موقف معيّن ، تاركاً هذا الأمر لكلٍّ على حسب قناعاته وآرائه ، مع أنّي أكنّ خالص احترامي وتقديري لكلٍّ من الرأي والرأي الآخر ، ما لم يخرج كلٌّ منهما عن الحدود المرسومة لآداب البحث والنقاش والمناظرة ، فتكون هذه المقالة معبّرة عن رأي الملاّ صدر المتألّهين والشيخ المظفّر (رحمهما الله) .
نبذة من حياة صدر المتألّهين :
ولد في شيراز ـ ولم يعلم سنة ولادته ـ من والد صالح اسمه ابراهيم بن يحيى القوامي ، وقيل : كان أحد وزراء دولة فارس فتربّى على والده ثمّ وجهّه إلى طلب العلم ، ولمّا توفّي والده رحل لتكميل معارفه إلى أصفهان يومئذ في عهد الصفوية ، وأوّل حضوره كان على الشيخ البهائي ((رحمه الله)) (953 ـ 1031 هـ) ومن ولعه في طلب العلم أنفق كلّ ما خلّفه والده من المال في تحصيله ، فانقطع إلى درس فيلسوف عصره السيّد المير الداماد محمّـد باقر المتوفّى (1040 هـ) .
وقد استنتج الشيخ المظفّر أنّ المترجم مرّ بثلاث مراحل رئيسية في نشأته العلمية:
1 ـ دور التلمّذ ، والبحث ، وتتبع آراء المتكلمين والفلاسفة ومناقشتهم . . .
2 ـ دور العزلة والانقطاع إلى العبادة في بعض الجبال النائية ، وقيل : إنّها (كهك) من قرى قم فاستمرّت هذه العزلة خمسة عشر عاماً .
3 ـ وهي : دور التأليف ، إذ ألهمه الله تعالى الإفاضة ممّا شربه في المرحلة الثانية .
وأمّا مدرسته العلمية الجديدة :
إنّ فيلسوفنا يرى أنّ المعرفة تحصل من طريقين : طريق البحث والتعلّم والتعليم الذي يستند على الأقيسة والمقدمات المنطقية ، وطريق العلم اللّدنّي الذي يحصل من طريق الإلهام والكشف والحدس .
وهذا الأخير إنّما يحصل بسبب تجريد النفس عن شهواتها ولذائذها ، والتخلّص من أدران الدنيا وأوساخها ; فتنجلي مرآتها الصقيلة .
ويرى الفرق بين العلمين كالفرق بين علم من يعلم الحلاوة بالوصف وبين علم من يعلمها بالذوق ، وأنّ الثاني أقوى وأحكم ، ولا يمتنع وقوعه ، بل هو واقع فعلاً للأنبياء ، والأوصياء ، والأولياء ، والعرفاء .
وأمّا منهجه العلمي في التأليف :
فيبتني في كلّ ما ألّف على حصر العلوم الحقيقية والمعارف اليقينيّة ، في العلم بالله وبصفاته وملكه وملكوته والعلم باليوم الآخر ومنازله ومقاماته ، لأنّه يجد أنّ الغاية المطلوبة هي تعليم ارتقاء الإنسان من حضيض النقص إلى أوج الكمال ، وبيان كيفية سفره إلى الله تعالى .
وأمّا مؤلّفاته فكثيرة فقد جاوزت الثلاثين أبرزها الأسفار أو الحكمة المتعالية .
وفاته :
توفّي سنة 1050 هـ في البصرة في طريقه للحجّ للمرّة السابعة أو بعد رجوعه ، وأكبر الظن أنه تجاوز السبعين أو ناهزها ، فيكون تولّده في الربع الأخير من القرن العاشر الهجري .
هذا ما اختصرته من حياته بقلم الشيخ محمّـد رضا المظفّر ((رحمه الله)) في مقدّمة الأسفار .
نبذة من حياة الشيخ المظفّر ( رحمه الله ) (1)هو الشيخ محمّـد رضا بن محمّـد بن عبدالله بن محمّـد المظفّر ، كان فقيهاً مجتهداً كاتباً مجدّداً شاعراً مجيداً .
ولد في النجف الأشرف سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف .
وطوى بعض المراحل الدراسية متتلمذاً على : محمّـد طه بن نصر الله الحويزي ، ومرتضى بن علي الطالقاني ، وحضر الأبحاث العالية فقهاً وأصولاً على مشاهير المجتهدين كمحمّـد حسين النائيني ، وضياء الدين العراقي ، وأخيه محمّـد حسن المظفّر ، وتلقّى الحكمة والفلسفة عن محمّـد حسين الأصفهاني الكمباني ، وانتفع به كثيراً .
وحاز ملكة الاجتهاد ، وتضلّع من العلوم الاسلامية ، ونال قسطاً وافراً من البراعة في الأدب والكتابة ، وعرّفته الأندية الأدبية شاعراً له وزنه بين أخدانه .
وكان في طليعة العلماء المجدّدين الذين سعوا إلى إصلاح نظام الدراسة الدينية ، وتطوير المناهج بما ينسجم ومتطلّبات العصر ، وإصلاح المنبر الحسيني ، وتعميم الثقافة الاسلامية ، وتطوير أساليب التبليغ والتوجيه والارشاد .
أسّس جمعية منتدى النشر عام (1354 هـ) ، وكلّية منتدى النشر عام (1362 هـ) ثمّ كلّية الفقه عام (1376 هـ) اللتين انبثقتا من الجمعية المذكورة ، وتولى أمانة سرّ الجمعية في أوّل الأمر ثم رئاستها ، وعمادة الكلّيّتين المذكورتين آنفاً .
وحضر عدّة مؤتمرات إسلامية ، مثل مؤتمر باكستان المنعقد سنة (1376 هـ) ، ومؤتمر جامعة القرويّين بمراكش سنة (1379 هـ) .
وانضمّ إلى حركة (جماعة العلماء) التي شكّلت في النجف عام (1379 هـ) لتوعية الاُمّة ، ومواجهة الغزو الثقافي والتيّارات الإلحادية الوافدة .
ووضع مؤلّفات قيّمة ، منها :
أُصول الفقه ، حاشية خيارات المكاسب ، المنطق ، السقيفة ، عقائد الامامية ، فلسفة ابن سينا . . . نقد بعض آرائه ، وأحلام اليقظة بسط فيه حياة الفيلسوف صدر الدين الشيرازي .
توفّي ليلة (16) من شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وألف .
المقالة ونسبتها :قال الشيخ المظفّر في مقدّمة الأسفار في حياة الملاّ صدرا : وقبل «إثنا عشر عاماً وضعت محاضرات رمزية في عرض فلسفته ، تخيّلته فيها كأنّه يحدثني في الأحلام ولكن من طريق مؤلّفاته : فتألّفت منها رسالة سمّيتها ( أحلام اليقظة ) نشر أكثرها في المجلاّت السيّارة» .
أقول : وهذا الذي بين أيدينا بعض من هذه الأحلام تمّ العثور عليه في مجلّة العرفان العاملية ، صدرت في المجلّد 33 فكان الحلم الأوّل من ص 67 ـ 71 والحلم الثاني من ص 739 ـ 744 مختومة باسمه ( رحمه الله ) ، فما ذكره في مقدّمة الاسفار كاف للدلالة على نسبتها له ، مضافاً إلى ذكر من ترجم له .
وأخيراً أقدّم شكري الجزيل للأخ الفاضل الشيخ عبد الرحمان الربيعي لما قدّمه من مساعدة مشكورة .
فلله درّه وعليه أجره .
وكتب هادي القبيسي العاملي
حامداً مصلّياً
قم ـ 1426 هـ
أحلام اليقظة
مع صدر المتألّهين
]الحلم الأوّل[
لا تركن إلى أقاويل الفلسفة وأهل الكلام
غفوت ، وإذا بي أتمثّل ـ في خيالي شيخاً فوق المربوع ، وشبحاً ممشوقاً ليس بالنحيف ، ذا عمّة بيضاء ناصعة لا تظهر عليه العناية ، على رأس أصلع ليس بالكبير النابي ، وينفتح قليلاً حول جبهته في موضعي النزعتين ، ويعلو جبيناً أبلج ، كأنّ السنين والجهود لم تؤثّر فيه تجعيداً إلاّ ما يبيّن من موضع السجود الذي يطلّ على عينين واسعتين ، تبدو عليهما آثار العناية الإلهية في جمالهما وتوقّدهما ذكاءً وفطنة ، لولا أنّ لحظاتهما تبدو كأنّها لا تثبت على مواجهة المرئيات أمامها ، وبينهما ينساب العرنين رفيقاً حيث يميل إلى النتوء ، وقد حُفّ بخدّين أسيلين وعارضين خفيفين ويستقبله فم مفلَّج يشفّ عن ابتسامة حلوة وصحة ضاحكة ونفس مطمئنة .
ثمّ تنحدر لحيته وهي بين البياض والسواد لتؤلّف مع الوجه شبه مخروط قاحدته الجبين .
فتقدّمت وقد جذبتني إليه جذبة الحبّ الهائم ، فانقدح في خاطري أنّه ( المولى صدر الدين الشيرازي ) . وكأنّي أعرفه بشخصه ، وكأنّ من عادتي الجلوس إليه لاستماع دروسه ، إلاّ أنّه نفر منّي وأنكر عرفاني إنكار مستوحش في الناس ، فقلت له :
ألستُ تلميذك منذ سنوات ، وقد تلقّيت منك بعض المعارف ؟ ! فقال بنفور وقد تجهّم وجهه : لا أعهدك تلميذاً ، ولا أثبتك معرفة !
أمّا أنا فقد صدمتني هذه المجابهة صدمة قويّة جعلتني أفزع إلى أغوار نفسي لأستنجد بخيالي . وهنا تذكّرت أنّي في حلم من الخيال ، وأين منّي زمانه ، وقد توفّي عام 1050 هـ وأنا الآن في عام 1365 هـ .
ولكنّي سرّيت عن نفسي ، فحدّثتها أنّي اتصلت بأفكاره عن طريق كتبه ، فلا بدّ أنّ روحه السابحة في فضاء القدرة الالهية عرّفتني حقّ العرفان . . .
وساءلتُ نفسي لماذا هذا التنكّر عليَّ إذاً ، أكنت أسأت فيمن أساء إليه ؟
ـ ( صدر المتألهين ): لا .
ـ ألأنّي لم أحسن فهم كلامه ومغازي إفاداته في كتبه ؟ أم ماذا ؟
إذاً فلأخاصمه على طريقته الفلسفية ، لافتح معه باب البحث في هذا الطريق:
فقلت في خطابه :
يا حضرة المولى.! إنّي اتّصلت بروحك بواسطة بعض مؤلّفاتك، كالأسفار التي أفضت بمجلّداتها الأربع الكبيرة إلى الناس، فأفرغت فيها نفسك ، وسافرت ( 2 ) أنت من الخلق إلى الحقّ ، ثمّ بالحقّ في الحقّ ، ثمّ من الحقّ إلى الخلق بالحقّ ، ثمّ بالحقّ في الخلق( 3 ) ، والسفر ليس عندكم إلا سير النفس وتوجّه القلب ، وقد سافرت أنا بتوجّه قلبي إليك على متن أسفارك .
هو ( صدر المتألهين ): كيف ؟ هذا كلام غير مفهوم . وليس من أسفارنا ـ نحن معاشر أهل الله ـ السفر من الخلق إلى الخلق .
أنا ( الشيخ المظفر ): ليكن، ليس من أسفاركم على ما تصطلحون.! ولكنّه على كلّ حال سفر للنفس وتوجّه القلب نحوك .
هو ( صدر المتألهين ): أعوذ بالله ممّا تصفون . إنّ هذا هو الشرك بعينه ، أن يتوجّه إنسان بقلبه لغير الله وليست أسفارنا اصطلاحات خالية من الحقيقة(4) .
أنا ( الشيخ المظفر ): وقد جفّ ماء فمي ـ أمهلني دقيقة واحدة حتّى أجمع نفسي للجواب ؟
هو ( صدر المتألهين ) ـ أمهلتك ألف سنة ممّا تعدّون(5) .
أنا ( الشيخ المظفر ): « بعد التفكّر » ـ أنت طريقي إلى الله ، لأنّي درست أفكارك وأراءك . فتوجّهي إليك توجّه إلى الله بك (6) . فهو سفر من الخلق إلى الحقّ .
هو ( صدر المتألهين ): تخلّص حسن ونظرة دقيقة ، لو أنّ نفسي من وسائط وجود نفسك أو أنّ نفسي تجلّت لنفسك ، متعارفاً . ولكن كلّ منهما لم يكن .
أنا ( الشيخ المظفر ): هذا الوجه الأخير هو الذي أريد أن أتوصّل إليه فنبّهني ، أليس الكتاب وجود ظلّي لوجود الكاتب ; لأنّه من رَشَحاته بل من تجلّياته وتنزّلاته وشؤونه ؟
فنفسك ـ إذاً ـ موجودة في كتبك بوجود معلولها . وقد سافرتُ إليها ، وناجيتُها وناجتني ، فكيف صحّ نكران معرفتي ؟ وكيف لم يشاهدني حسُّك الباطن ، وكيف لم تتجلّ نفسك لنفسي ؟
هو ( صدر المتألهين ) ـ أتهزل ؟
أنا ـ ( الشيخ المظفر ): استعيذ بالله من الهزل ! وأنا إنّما جئتك للاستفادة ممّا وهبك الله من العلم والفهم ونور البصيرة والمشاهدة ، وكلامي هذا مأخوذ من فلسفتك في الوجود والعلّة والمعلول .
هو ( صدر المتألهين ) ـ يا سبحان الله ! مثل هذا الكلام والوهم هو الذي كان يضايقني من الناس ، فكنت أفرّ منهم ما استطعت .
وكلّما جاهدت أن أوضّح مقصدي بالبيان المبسّط والدليل المقنع أراهم لا يزيدون إلا تبلّداً ، وللواضحات إلاّ جحوداً . وكأنّك من هذه الفصيلة ؟ إليك عنّي !
أنا ( الشيخ المظفر ): ألستَ قد نصبتَ في مؤلّفاتك هادياً للناس ، ومرشداً لمن كان ضالّته الحكمة ! وأملي أن أكون من طلاّب الحقيقة ، فأفض عليّ ممّا آتاك الله ، وأوضح لي هذا التوهّم ، إذا كان !
هو ( صدر المتألهين ): أنت في محاولتك هذه تستدرجني لترجع بي إلى الدنيا وغواشيها بعد أن منّ الله تعالى عليّ فأدخلني في عالم البرزخ « عالم الصور الإدراكية الحسّية المجرّدة عن المادة » ، وانقطعت علائق نفسي بالدنيا ، وقويت قوّتها وتأكّدت فعليّتها (7).
وأصبحت مصروفة الهمّة إلى فعل التخيّل والتصوّر ، وغير مرتهنة بما يزعجها ويؤذيها وما يمنعها من الرجوع إلى ذاتها ولها عالم خاص من نفسها فيه كلّ ما تريده وتشتهيه ، وأصبحت متمكّنة من الصعود إلى مرتبة المقرّبين وترى الأشياء « بعين اليقين » .
فلست بحاجة ـ اليوم ـ وأنا في عالم الشهادة إلى الأدلّة والبراهين ، ولا إلى الخصومة واللجاج . فاتركني من أوهام أهل الدنيا ونقاشها ، وقد تركت لكم كتباً مبسّطة فيها الغنى لمستزيد ، وخلِّني منشرح الصدر مبتهجاً بما أوتيت من اليقين بما لم تسمع به أذن ولم تره عين .
أنا ( الشيخ المظفر ): إنّ النفس ـ على ما قرّرتَ في فلسفتك ـ لسعة وجودها ووفور نورها في هذا العالم العلوي ، فذاتها تتطوّر بالشؤون والأطوار ، وتتنزّل إلى منازل القوى والأعضاء . فكما أنّ لها الصعود إلى مرتبة العقل الفعّال(8) .
فلها النزول إلى مرتبة الحواس والآلات الطبيعية في آن واحد ، من غير مشقّة وكلفة . . . فما كان عليك لو نزلت فجاريتني في النقاش ، كما تنزّلت في خطابي ومشافهتي ، لتكشف سرّ تلك المغالطة التي قلت عنها في كلامي !
ولئن لم يزدك ذلك مالاً ولا استعداداً لكمال ، فإنّ نفسي لمّا استعدّت لتلقّي نور العلم وفيض المعرفة بتجرّدها بهذا الحلم عن الحوائل المادّية والموانع العنصرية والحواجز الحسّية ، فإنّها تطلب منك بلسان أستعدادها ألاّ تبخل عليّ من فيض قدسك ، وليس لك أن تبخل وحاشاك !
هو ( صدر المتألهين ): أحسنت إنّك عن صبوح ترفق وإلى مسلك دقيق تشير ، هذا ما أحكمنا بنيانه في فلسفتنا ، وإن كنت قد أخطأت المرمى بعض الشيء . ولكن لنثق أنّ هذا لا يقنعني للدخول معك في المجادلات الكلامية ، والأبحاث البحثية(9) ، فإنّي قد مللت من تتّبع أمثال هذه السخافات والأوهام فيما ألّفت لمّا كنتُ في عالمكم الدنيوي ، وأضعت الوقت الكثير بذكر هذه المجازفات وردّها .
وكان عذري أن أصحابها كانوا يُعدّون عند الناس من أهل النظر والرأي ، فيتبعونهم على أهوائهم وسفسطاتهم(10) . وأنت الآن تريد أن تعيد عليّ جذعة ! لماذا هذا الإزعاج ؟
أنا ( الشيخ المظفر ): ما كنت أتخيّل أنّ هذا يزعجك ! مع أنّ نفسك في رضوان وابتهاج دائم ، وإفاضتك علي من نور علمك هو عين الابتهاج ومحض الرضا ، وصرف الكمال لنفسك أليست هذه فلسفتك ؟
هو ( صدر المتألهين ): هذا صحيح لو أنّ نفسي بإنّيّتها وحاقّ ذاتها تتجلّى لك ، فتفيض عليك نورَ العلم ، وتؤثر فيك ، كما توهّمتَ أوّلاً ، وهذا التوهّم سرّ المغالطة عندك (11). ولكن لتعلم أن تخيّلك لي وتصوّرك لوجودي هو عين نفسك (12) ، وتطوّر لوجودها وتقوٍّ لقوّتها ، لأنّه مخلوق لها وفعلها وأثرها ، قال سيّدي أوّل الأئمّة قسيم الجنّة والنّار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
« كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانية فهو مخلوق لكم مردود عليكم » (13) .
ما أعظم هذه الكلمة لهذا الإمام القدّوسي الربّاني ، والحكيم العظيم الإلهي ، وقد مرّت على مسامع الأجيال المتعاقبة ، فما كان لأحد أن يكون أهلاً لإدراك مغزاها ، أو ليحوم حول مرماها . ولو لم تكن له سواها لكفتني دليلاً على إمامته وعصمته ، وأنّ علمه من لدن حكيم عليم من غير تعليم وتلقين ، فإنّه لو كان من سائر البشر في عصره البعيد كلّ البعد عن المعارف الكونيّة والعلوم الفلسفية ، وهذه الدقائق العلمية العالية ، لما استطاع أن يتوصّل إلى شمّ رائحة هذه النظريّة (14).
على أنّ هذه الفلسفة لم يتوصّل إليها بشر إلاّ بعد أبحاث ومجادلات ، وحدوث نظريّات وافتراضات في العلم والوجود الذهني ، سوّدت فيها الصحف فملأت الطوامير ، ومرّت عليها القرون .
واشتركت فيها مئات العلماء العظام . وقد كشفناها في أسفارنا في عدّة مناسبات . ولم يسبقنا إليها إلاّ هذه الكلمة من سيّد الكونين عليه السلام ، وكلمة اُخرى من العارف المحقّق محي الدين بن العربي المتوفّى سنة 638 هـ ، ذكرناها في مبحث الوجود الذهني في السَفَر الأوّل (15) . . . . . . . .
وإذا استطعت أن تعرف ما رمينا إليه ، سهّل عليك أن تعرف أنّ تصوراتك الباطلة وتوهّماتك المريضة إنّما هي إنزعاج لنفسك في الحقيقة وآلام لروحك ، ومرض ونقص في وجودك ، وكذلك اعتقاداتك الصحيحة وآراؤك المطابقة للواقع هي تطوّر في وجود نفسك ، وترقٍّ إلى مراقي الأنبياء والأولياء ، وانتقال من مرتبة النقص إلى مرتبة الكمال ، واستعداد للرجوع إلى ذاتك والاتحاد مع العقل الفعّال ( 16 ) .
أنا ( الشيخ المظفر ): لقد بعدنا ـ أيها المولى ـ عن الهدف في مسألتنا التي طلبتُ كشفها ، وكأنّك تفرّ من توضيح تلك المغالطة التي أشرتَ إليها .
هو ( صدر المتألهين ): لو كنتَ من أهل طريق الكشف واليقين ، وممّن عنّى نفسه بالمجاهدات العقلية والرياضات البدنيّة ، لكنتَ انتفعت بهذه الرموز والإشارات ولا ستغنيت بها عن مجادلات الكلاميّين وأصحاب المباحثة والنظر البحت ، ولعرفتَ كيف حللتُ لك المسألة من أقرب طرقها ؟
إني ( 17 ) لأستغفر الله تعالى كثيراً مما ضيّعت أوّل الأمر شطراً من عمري في تتبّع تلك التدقيقات والمجادلات ، وتعلّم جربزتهم في القول. وأنصح كلّ من يريد أن يسلك مسلك الكرام الإلهيّين ، ويتمثّل له ما ينكشف للعارفين المستصغِرين لعالَم الصور واللذّات المحسَّة ، فينفتح له طريق الحقائق أن يبدأ
(( أوّلاً )) بتزكية نفسه عن هواها ، فـ ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) ( 18 ) ، وباستحكام أساس المعرفة والحكمة بالتقوى ليرقَ ذُراها ، وإلاّ كان ممّن ( أَتَى الله بُنْيَانَهُم مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ ) ( 19 ) .
وأنصحه (( ثانياً )) ألاّ يشتغل بترّهات عوامّ الصوفيّة من الجهلة ، ولا يركن إلى أقاويل المتفلسفة وأهل الكلام جملة ( 20 ) ، فإنّها فتنة مضلّة ، وجميعها ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْض ، إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراهَا ، وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُور ) ( 21 ) .
(( وآخر نصيحتي )) أن يلقي بزمام أمره إلى الله تعالى وإلى رسوله النذير الأمين ، فكلّ ما بلغه منه آمن به وصدَّقه ، من غير أن يتحيّل فيتخيّل له وجهاً عقليّاً ومسلكاً بحثيّاً . بل يجب أن يقتدي بهديه وينتهي بنهيه ، امتثالاً لقوله تعالى ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ( 22 ) حتّى يفتح الله على قلبه ، ويجعل له نوراً يمشي بين يديه .
وبينا أنا في نشوة الابتهاج باستماع هذه النصائح الخالدة ( 23 ) ، استيقظت من رقدتي ، ولم أتمكّن من حمله على الدخول في محاورات أهل النظر .
النجف ـ محمّـد رضا المظفّر
--------------------------------------------------------------------------------
(1) انظر موسوعة طبقات الفقهاء 214 ص 710 .
(2) اشارة إلى الأسفار الأربعة التي بنى الملاّ صدرا كتابه عليها ، الأسفار 1/13 .
(3) وقد بيّنها السبزواري في تعليقته على هذه العبارات قائلاً : السفر الأوّل : . . . برفع الحجب الظلمانية والنورية التي بين السالك وبين حقيقته التي هي معه أزلاً وأبداً .
السفر الثاني ، وهو السفر بالحقّ في الحقّ ، وإنّما يكون بالحقّ لأنّه صار وليّاً وجوده وجوداً حقّانياً ، فيأخذ في السلوك من موقف الذات إلى الكمالات واحداً بعد واحد .
السفر الثالث : ويسلك من هذا الموقف في مراتب الأفعال ويزول نحوه ويحصل له الصحو التامّ .
السفر الرابع : فيشاهد الخلائق وآثارها ولوازمها ، فيعلم مضارّها ومنافعها في الدنيا والآخرة . الأسفار 1/ هامش ص 13 .
(4) بيان أنّ هناك سفران :
1 ـ سفر أنفسي وهو ما كان في داخل النفس الإنسانية وقد أشارت إليه بعض الأحاديث «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» .
2 ـ سفر الآفاق وهو ما كان خارج حيطة النفس وهو السفر في ملكوت السماوات والأرض ، أنظر قوله تعالى في سورة فصلت : 53 (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) .
(5) إشارة إلى أنّ صدر المتألّهين يعيش عالم البرزخ الذي انعدم فيه الزمان والمكان حيث فناء المادّة وبقاء الروح ، فيكون كلامه صحيحاً بحساب البرزخ ، وإن كان خطابه لما في عالم المادة .
(6) إنّ الذي يليق لأن يكون طريقاً إلى الله هو المعصوم والامام المفترض الطاعة وليس كلّ خلق ، إلاّ أن يقصد المتكلّم أنّ المؤمن يكون طريقاً لأهل البيت (عليهم السلام) وهم طريق إلى الله ، ألاّ أن تحمل على مقولة «أنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق» البحار 64/137 وهو يحتاج إلى بيان وتوضيح وتوثيق .
(7) النفس الانسانية في عالم الدنيا والمادّة تنشغل بالجسد والبدن ، وبعد انفصالها عنه تتفرّغ لشؤوناتها فتقوى قوّتها وتتأكّد فعليّتها .
(8) يقسّم العقل النظري إلى أربع مراتب العقل الهيولائي ، العقل بالملكة ، العقل الفعّال ، العقل المستفاد .
(9) إشارة إلى العلوم التي تكتسب من خلال البحث والاستقصاء ويقابله العلم الإلهامي واللدنّي الذي يأتي دفعة واحدة . لأنّ من يخرج من عالم المادّة يدخل في عالم الحقائق والوقائع فلا يتنزّل إلى عالم المادّة مرّة اُخرى .
(10) المسمّى بعلم المغالطة .
(11) هذا اشارة إلى المغالطة التي ذكرها المظفّر ، وهو لسان حال المستشكل وقد قال له فيما سبق : أنّك قادر على التجلّي ، حيث ينفيه الملاّ صدرا .
(12) هذا إشارة إلى نظرية اتحاد العلم والعالم والمعلوم وهي من ابتكارات الملاّ صدرا وكذا الحركة الجوهرية : وهو أنّ العلم يتذوّت ويتشأّن وتزداد النفس قوّة وسعة وشدّة .
(13) البحار 66/293 .
(14) وهي نظرية اتحاد العلم والعالم والمعلوم ، والحركة الجوهريّة . انظر الأسفار 3/381 .
(15) مع التحفّظ في اعتقادات هذا الشيخ لتضارب أقواله في كتبه وهناك أدلّة لكلّ من يمدح ويقدح في أرائه الاعتقادية ، والله العالم .
(16) حيث أنّ الملاّ صدرا يعتقد أنّ النفس إذا اتحدت مع العقل الفعّال يمكن أن تفاض عليها الصور الحقيقية الواقعيّة .
(17) هنا يُعرّض الملاّ صدرا بمن يدّعي أنّه يعرف الفلسفة وهو بعيد عنها كلّ البعد ، ويأسف لمناقشته ومباحثته إيّاهم ، لأنّهم لا يريدون بنقاشهم الوصول إلى الحقيقة ، بل غايتهم تبكيت الخصم وإفحامه ، انظر الاسفار 1 / 11 .
(18) سورة الشمس : 9 .
(19) سورة النحل : 26 .
(20) إشارة إلى من يريد من هذين العلمين تبكيت الخصم والزامه بحجج واهية لا إحقاق الحق .
(21) سورة النور : 40 .
(22) سورة الحشر : 7 .
(23) ومجموع هذه النصائح مستوحات من كتابه الأسفار 1/12 .
-----
الرابط
http://yahosein.com/vb/showthread.ph...56#post1457556
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
[quote=يا زهراء مدد]بسم الله الرحمن الرحيم
أحلام اليقظة
مع صدر المتألّهين
تأليف
العلاّمة الكبير
الشيخ محمّـد رضا المظفّر
1322 ـ 1383 هـ
تحقيـق
الشيخ هادي القبيسي
--------------------------------------------------------------------------------(276)
(277)
مقـدّمة التحقيـقالحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّد خلقه وخاتم رسله محمّـد وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، واللعن على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين .
بسـم الله الرحمن الرحيـم
لما رأى - الشيخ المظفر ره - في صدر المتألّهين الرجل العظيم ، والفيلسوف القدير ، صاحب النظريّات الجديدة والآراء الحديثة ، انبرى للدفاع عنه واضعاً نفسه موضع المستشكل متصدياً للاجابة عن الاشكالات المطروحة ، مستوحياً إيّاها من مبانيه الفلسفية ، ربّما أنّها تُعدّ من الأبحاث المعقّدة والجافة .
فحاول عرضها بشكل حوار بين السائل والمجيب ، ثمّ بدا له أن يصوّر لقاءه به على شكل حلم ، لكن ليس من أحلام المنام بل من أحلام اليقظة . فكان المحاور والمدافع والمحتلم يقظة هو : العلاّمة المحقّق الشيخ محمّـد رضا المظفّر . فالحوار حول نظريّتين .
1 ـ نظريّة اتحاد العلم والعالم والمعلوم . والحركة الجوهرية .
2 ـ نظريته في العلّة والمعلول ، وما هو مناط الحاجة إلى العلّة .
ولمّا اختلفت النظريّات ، وتباينت الآراء لدى علماء الطائفة في الفلسفة بين مدافع من جهة ومحارب من جهة اُخرى ارتئيت أن أضع هذه ( 278 ) المقالة بين يدي القاريء الكريم مع التحفّظ عن تبنّي موقف معيّن ، تاركاً هذا الأمر لكلٍّ على حسب قناعاته وآرائه ، مع أنّي أكنّ خالص احترامي وتقديري لكلٍّ من الرأي والرأي الآخر ، ما لم يخرج كلٌّ منهما عن الحدود المرسومة لآداب البحث والنقاش والمناظرة ، فتكون هذه المقالة معبّرة عن رأي الملاّ صدر المتألّهين والشيخ المظفّر (رحمهما الله) .
نبذة من حياة صدر المتألّهين :
ولد في شيراز ـ ولم يعلم سنة ولادته ـ من والد صالح اسمه ابراهيم بن يحيى القوامي ، وقيل : كان أحد وزراء دولة فارس فتربّى على والده ثمّ وجهّه إلى طلب العلم ، ولمّا توفّي والده رحل لتكميل معارفه إلى أصفهان يومئذ في عهد الصفوية ، وأوّل حضوره كان على الشيخ البهائي ((رحمه الله)) (953 ـ 1031 هـ) ومن ولعه في طلب العلم أنفق كلّ ما خلّفه والده من المال في تحصيله ، فانقطع إلى درس فيلسوف عصره السيّد المير الداماد محمّـد باقر المتوفّى (1040 هـ) .
وقد استنتج الشيخ المظفّر أنّ المترجم مرّ بثلاث مراحل رئيسية في نشأته العلمية:
1 ـ دور التلمّذ ، والبحث ، وتتبع آراء المتكلمين والفلاسفة ومناقشتهم . . .
2 ـ دور العزلة والانقطاع إلى العبادة في بعض الجبال النائية ، وقيل : إنّها (كهك) من قرى قم فاستمرّت هذه العزلة خمسة عشر عاماً .
3 ـ وهي : دور التأليف ، إذ ألهمه الله تعالى الإفاضة ممّا شربه في المرحلة الثانية .
وأمّا مدرسته العلمية الجديدة :
إنّ فيلسوفنا يرى أنّ المعرفة تحصل من طريقين : طريق البحث والتعلّم والتعليم الذي يستند على الأقيسة والمقدمات المنطقية ، وطريق العلم اللّدنّي الذي يحصل من طريق الإلهام والكشف والحدس .
وهذا الأخير إنّما يحصل بسبب تجريد النفس عن شهواتها ولذائذها ، والتخلّص من أدران الدنيا وأوساخها ; فتنجلي مرآتها الصقيلة .
ويرى الفرق بين العلمين كالفرق بين علم من يعلم الحلاوة بالوصف وبين علم من يعلمها بالذوق ، وأنّ الثاني أقوى وأحكم ، ولا يمتنع وقوعه ، بل هو واقع فعلاً للأنبياء ، والأوصياء ، والأولياء ، والعرفاء .
وأمّا منهجه العلمي في التأليف :
فيبتني في كلّ ما ألّف على حصر العلوم الحقيقية والمعارف اليقينيّة ، في العلم بالله وبصفاته وملكه وملكوته والعلم باليوم الآخر ومنازله ومقاماته ، لأنّه يجد أنّ الغاية المطلوبة هي تعليم ارتقاء الإنسان من حضيض النقص إلى أوج الكمال ، وبيان كيفية سفره إلى الله تعالى .
وأمّا مؤلّفاته فكثيرة فقد جاوزت الثلاثين أبرزها الأسفار أو الحكمة المتعالية .
وفاته :
توفّي سنة 1050 هـ في البصرة في طريقه للحجّ للمرّة السابعة أو بعد رجوعه ، وأكبر الظن أنه تجاوز السبعين أو ناهزها ، فيكون تولّده في الربع الأخير من القرن العاشر الهجري .
هذا ما اختصرته من حياته بقلم الشيخ محمّـد رضا المظفّر ((رحمه الله)) في مقدّمة الأسفار .
نبذة من حياة الشيخ المظفّر ( رحمه الله ) (1)هو الشيخ محمّـد رضا بن محمّـد بن عبدالله بن محمّـد المظفّر ، كان فقيهاً مجتهداً كاتباً مجدّداً شاعراً مجيداً .
ولد في النجف الأشرف سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف .
وطوى بعض المراحل الدراسية متتلمذاً على : محمّـد طه بن نصر الله الحويزي ، ومرتضى بن علي الطالقاني ، وحضر الأبحاث العالية فقهاً وأصولاً على مشاهير المجتهدين كمحمّـد حسين النائيني ، وضياء الدين العراقي ، وأخيه محمّـد حسن المظفّر ، وتلقّى الحكمة والفلسفة عن محمّـد حسين الأصفهاني الكمباني ، وانتفع به كثيراً .
وحاز ملكة الاجتهاد ، وتضلّع من العلوم الاسلامية ، ونال قسطاً وافراً من البراعة في الأدب والكتابة ، وعرّفته الأندية الأدبية شاعراً له وزنه بين أخدانه .
وكان في طليعة العلماء المجدّدين الذين سعوا إلى إصلاح نظام الدراسة الدينية ، وتطوير المناهج بما ينسجم ومتطلّبات العصر ، وإصلاح المنبر الحسيني ، وتعميم الثقافة الاسلامية ، وتطوير أساليب التبليغ والتوجيه والارشاد .
أسّس جمعية منتدى النشر عام (1354 هـ) ، وكلّية منتدى النشر عام (1362 هـ) ثمّ كلّية الفقه عام (1376 هـ) اللتين انبثقتا من الجمعية المذكورة ، وتولى أمانة سرّ الجمعية في أوّل الأمر ثم رئاستها ، وعمادة الكلّيّتين المذكورتين آنفاً .
وحضر عدّة مؤتمرات إسلامية ، مثل مؤتمر باكستان المنعقد سنة (1376 هـ) ، ومؤتمر جامعة القرويّين بمراكش سنة (1379 هـ) .
وانضمّ إلى حركة (جماعة العلماء) التي شكّلت في النجف عام (1379 هـ) لتوعية الاُمّة ، ومواجهة الغزو الثقافي والتيّارات الإلحادية الوافدة .
ووضع مؤلّفات قيّمة ، منها :
أُصول الفقه ، حاشية خيارات المكاسب ، المنطق ، السقيفة ، عقائد الامامية ، فلسفة ابن سينا . . . نقد بعض آرائه ، وأحلام اليقظة بسط فيه حياة الفيلسوف صدر الدين الشيرازي .
توفّي ليلة (16) من شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وألف .
المقالة ونسبتها :قال الشيخ المظفّر في مقدّمة الأسفار في حياة الملاّ صدرا : وقبل «إثنا عشر عاماً وضعت محاضرات رمزية في عرض فلسفته ، تخيّلته فيها كأنّه يحدثني في الأحلام ولكن من طريق مؤلّفاته : فتألّفت منها رسالة سمّيتها ( أحلام اليقظة ) نشر أكثرها في المجلاّت السيّارة» .
أقول : وهذا الذي بين أيدينا بعض من هذه الأحلام تمّ العثور عليه في مجلّة العرفان العاملية ، صدرت في المجلّد 33 فكان الحلم الأوّل من ص 67 ـ 71 والحلم الثاني من ص 739 ـ 744 مختومة باسمه ( رحمه الله ) ، فما ذكره في مقدّمة الاسفار كاف للدلالة على نسبتها له ، مضافاً إلى ذكر من ترجم له .
وأخيراً أقدّم شكري الجزيل للأخ الفاضل الشيخ عبد الرحمان الربيعي لما قدّمه من مساعدة مشكورة .
فلله درّه وعليه أجره .
وكتب هادي القبيسي العاملي
حامداً مصلّياً
قم ـ 1426 هـ
أحلام اليقظة
مع صدر المتألّهين
]الحلم الأوّل[
لا تركن إلى أقاويل الفلسفة وأهل الكلام
غفوت ، وإذا بي أتمثّل ـ في خيالي شيخاً فوق المربوع ، وشبحاً ممشوقاً ليس بالنحيف ، ذا عمّة بيضاء ناصعة لا تظهر عليه العناية ، على رأس أصلع ليس بالكبير النابي ، وينفتح قليلاً حول جبهته في موضعي النزعتين ، ويعلو جبيناً أبلج ، كأنّ السنين والجهود لم تؤثّر فيه تجعيداً إلاّ ما يبيّن من موضع السجود الذي يطلّ على عينين واسعتين ، تبدو عليهما آثار العناية الإلهية في جمالهما وتوقّدهما ذكاءً وفطنة ، لولا أنّ لحظاتهما تبدو كأنّها لا تثبت على مواجهة المرئيات أمامها ، وبينهما ينساب العرنين رفيقاً حيث يميل إلى النتوء ، وقد حُفّ بخدّين أسيلين وعارضين خفيفين ويستقبله فم مفلَّج يشفّ عن ابتسامة حلوة وصحة ضاحكة ونفس مطمئنة .
ثمّ تنحدر لحيته وهي بين البياض والسواد لتؤلّف مع الوجه شبه مخروط قاحدته الجبين .
فتقدّمت وقد جذبتني إليه جذبة الحبّ الهائم ، فانقدح في خاطري أنّه ( المولى صدر الدين الشيرازي ) . وكأنّي أعرفه بشخصه ، وكأنّ من عادتي الجلوس إليه لاستماع دروسه ، إلاّ أنّه نفر منّي وأنكر عرفاني إنكار مستوحش في الناس ، فقلت له :
ألستُ تلميذك منذ سنوات ، وقد تلقّيت منك بعض المعارف ؟ ! فقال بنفور وقد تجهّم وجهه : لا أعهدك تلميذاً ، ولا أثبتك معرفة !
أمّا أنا فقد صدمتني هذه المجابهة صدمة قويّة جعلتني أفزع إلى أغوار نفسي لأستنجد بخيالي . وهنا تذكّرت أنّي في حلم من الخيال ، وأين منّي زمانه ، وقد توفّي عام 1050 هـ وأنا الآن في عام 1365 هـ .
ولكنّي سرّيت عن نفسي ، فحدّثتها أنّي اتصلت بأفكاره عن طريق كتبه ، فلا بدّ أنّ روحه السابحة في فضاء القدرة الالهية عرّفتني حقّ العرفان . . .
وساءلتُ نفسي لماذا هذا التنكّر عليَّ إذاً ، أكنت أسأت فيمن أساء إليه ؟
ـ ( صدر المتألهين ): لا .
ـ ألأنّي لم أحسن فهم كلامه ومغازي إفاداته في كتبه ؟ أم ماذا ؟
إذاً فلأخاصمه على طريقته الفلسفية ، لافتح معه باب البحث في هذا الطريق:
فقلت في خطابه :
يا حضرة المولى.! إنّي اتّصلت بروحك بواسطة بعض مؤلّفاتك، كالأسفار التي أفضت بمجلّداتها الأربع الكبيرة إلى الناس، فأفرغت فيها نفسك ، وسافرت ( 2 ) أنت من الخلق إلى الحقّ ، ثمّ بالحقّ في الحقّ ، ثمّ من الحقّ إلى الخلق بالحقّ ، ثمّ بالحقّ في الخلق( 3 ) ، والسفر ليس عندكم إلا سير النفس وتوجّه القلب ، وقد سافرت أنا بتوجّه قلبي إليك على متن أسفارك .
هو ( صدر المتألهين ): كيف ؟ هذا كلام غير مفهوم . وليس من أسفارنا ـ نحن معاشر أهل الله ـ السفر من الخلق إلى الخلق .
أنا ( الشيخ المظفر ): ليكن، ليس من أسفاركم على ما تصطلحون.! ولكنّه على كلّ حال سفر للنفس وتوجّه القلب نحوك .
هو ( صدر المتألهين ): أعوذ بالله ممّا تصفون . إنّ هذا هو الشرك بعينه ، أن يتوجّه إنسان بقلبه لغير الله وليست أسفارنا اصطلاحات خالية من الحقيقة(4) .
أنا ( الشيخ المظفر ): وقد جفّ ماء فمي ـ أمهلني دقيقة واحدة حتّى أجمع نفسي للجواب ؟
هو ( صدر المتألهين ) ـ أمهلتك ألف سنة ممّا تعدّون(5) .
أنا ( الشيخ المظفر ): « بعد التفكّر » ـ أنت طريقي إلى الله ، لأنّي درست أفكارك وأراءك . فتوجّهي إليك توجّه إلى الله بك (6) . فهو سفر من الخلق إلى الحقّ .
هو ( صدر المتألهين ): تخلّص حسن ونظرة دقيقة ، لو أنّ نفسي من وسائط وجود نفسك أو أنّ نفسي تجلّت لنفسك ، متعارفاً . ولكن كلّ منهما لم يكن .
أنا ( الشيخ المظفر ): هذا الوجه الأخير هو الذي أريد أن أتوصّل إليه فنبّهني ، أليس الكتاب وجود ظلّي لوجود الكاتب ; لأنّه من رَشَحاته بل من تجلّياته وتنزّلاته وشؤونه ؟
فنفسك ـ إذاً ـ موجودة في كتبك بوجود معلولها . وقد سافرتُ إليها ، وناجيتُها وناجتني ، فكيف صحّ نكران معرفتي ؟ وكيف لم يشاهدني حسُّك الباطن ، وكيف لم تتجلّ نفسك لنفسي ؟
هو ( صدر المتألهين ) ـ أتهزل ؟
أنا ـ ( الشيخ المظفر ): استعيذ بالله من الهزل ! وأنا إنّما جئتك للاستفادة ممّا وهبك الله من العلم والفهم ونور البصيرة والمشاهدة ، وكلامي هذا مأخوذ من فلسفتك في الوجود والعلّة والمعلول .
هو ( صدر المتألهين ) ـ يا سبحان الله ! مثل هذا الكلام والوهم هو الذي كان يضايقني من الناس ، فكنت أفرّ منهم ما استطعت .
وكلّما جاهدت أن أوضّح مقصدي بالبيان المبسّط والدليل المقنع أراهم لا يزيدون إلا تبلّداً ، وللواضحات إلاّ جحوداً . وكأنّك من هذه الفصيلة ؟ إليك عنّي !
أنا ( الشيخ المظفر ): ألستَ قد نصبتَ في مؤلّفاتك هادياً للناس ، ومرشداً لمن كان ضالّته الحكمة ! وأملي أن أكون من طلاّب الحقيقة ، فأفض عليّ ممّا آتاك الله ، وأوضح لي هذا التوهّم ، إذا كان !
هو ( صدر المتألهين ): أنت في محاولتك هذه تستدرجني لترجع بي إلى الدنيا وغواشيها بعد أن منّ الله تعالى عليّ فأدخلني في عالم البرزخ « عالم الصور الإدراكية الحسّية المجرّدة عن المادة » ، وانقطعت علائق نفسي بالدنيا ، وقويت قوّتها وتأكّدت فعليّتها (7).
وأصبحت مصروفة الهمّة إلى فعل التخيّل والتصوّر ، وغير مرتهنة بما يزعجها ويؤذيها وما يمنعها من الرجوع إلى ذاتها ولها عالم خاص من نفسها فيه كلّ ما تريده وتشتهيه ، وأصبحت متمكّنة من الصعود إلى مرتبة المقرّبين وترى الأشياء « بعين اليقين » .
فلست بحاجة ـ اليوم ـ وأنا في عالم الشهادة إلى الأدلّة والبراهين ، ولا إلى الخصومة واللجاج . فاتركني من أوهام أهل الدنيا ونقاشها ، وقد تركت لكم كتباً مبسّطة فيها الغنى لمستزيد ، وخلِّني منشرح الصدر مبتهجاً بما أوتيت من اليقين بما لم تسمع به أذن ولم تره عين .
أنا ( الشيخ المظفر ): إنّ النفس ـ على ما قرّرتَ في فلسفتك ـ لسعة وجودها ووفور نورها في هذا العالم العلوي ، فذاتها تتطوّر بالشؤون والأطوار ، وتتنزّل إلى منازل القوى والأعضاء . فكما أنّ لها الصعود إلى مرتبة العقل الفعّال(8) .
فلها النزول إلى مرتبة الحواس والآلات الطبيعية في آن واحد ، من غير مشقّة وكلفة . . . فما كان عليك لو نزلت فجاريتني في النقاش ، كما تنزّلت في خطابي ومشافهتي ، لتكشف سرّ تلك المغالطة التي قلت عنها في كلامي !
ولئن لم يزدك ذلك مالاً ولا استعداداً لكمال ، فإنّ نفسي لمّا استعدّت لتلقّي نور العلم وفيض المعرفة بتجرّدها بهذا الحلم عن الحوائل المادّية والموانع العنصرية والحواجز الحسّية ، فإنّها تطلب منك بلسان أستعدادها ألاّ تبخل عليّ من فيض قدسك ، وليس لك أن تبخل وحاشاك !
هو ( صدر المتألهين ): أحسنت إنّك عن صبوح ترفق وإلى مسلك دقيق تشير ، هذا ما أحكمنا بنيانه في فلسفتنا ، وإن كنت قد أخطأت المرمى بعض الشيء . ولكن لنثق أنّ هذا لا يقنعني للدخول معك في المجادلات الكلامية ، والأبحاث البحثية(9) ، فإنّي قد مللت من تتّبع أمثال هذه السخافات والأوهام فيما ألّفت لمّا كنتُ في عالمكم الدنيوي ، وأضعت الوقت الكثير بذكر هذه المجازفات وردّها .
وكان عذري أن أصحابها كانوا يُعدّون عند الناس من أهل النظر والرأي ، فيتبعونهم على أهوائهم وسفسطاتهم(10) . وأنت الآن تريد أن تعيد عليّ جذعة ! لماذا هذا الإزعاج ؟
أنا ( الشيخ المظفر ): ما كنت أتخيّل أنّ هذا يزعجك ! مع أنّ نفسك في رضوان وابتهاج دائم ، وإفاضتك علي من نور علمك هو عين الابتهاج ومحض الرضا ، وصرف الكمال لنفسك أليست هذه فلسفتك ؟
هو ( صدر المتألهين ): هذا صحيح لو أنّ نفسي بإنّيّتها وحاقّ ذاتها تتجلّى لك ، فتفيض عليك نورَ العلم ، وتؤثر فيك ، كما توهّمتَ أوّلاً ، وهذا التوهّم سرّ المغالطة عندك (11). ولكن لتعلم أن تخيّلك لي وتصوّرك لوجودي هو عين نفسك (12) ، وتطوّر لوجودها وتقوٍّ لقوّتها ، لأنّه مخلوق لها وفعلها وأثرها ، قال سيّدي أوّل الأئمّة قسيم الجنّة والنّار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
« كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانية فهو مخلوق لكم مردود عليكم » (13) .
ما أعظم هذه الكلمة لهذا الإمام القدّوسي الربّاني ، والحكيم العظيم الإلهي ، وقد مرّت على مسامع الأجيال المتعاقبة ، فما كان لأحد أن يكون أهلاً لإدراك مغزاها ، أو ليحوم حول مرماها . ولو لم تكن له سواها لكفتني دليلاً على إمامته وعصمته ، وأنّ علمه من لدن حكيم عليم من غير تعليم وتلقين ، فإنّه لو كان من سائر البشر في عصره البعيد كلّ البعد عن المعارف الكونيّة والعلوم الفلسفية ، وهذه الدقائق العلمية العالية ، لما استطاع أن يتوصّل إلى شمّ رائحة هذه النظريّة (14).
على أنّ هذه الفلسفة لم يتوصّل إليها بشر إلاّ بعد أبحاث ومجادلات ، وحدوث نظريّات وافتراضات في العلم والوجود الذهني ، سوّدت فيها الصحف فملأت الطوامير ، ومرّت عليها القرون .
واشتركت فيها مئات العلماء العظام . وقد كشفناها في أسفارنا في عدّة مناسبات . ولم يسبقنا إليها إلاّ هذه الكلمة من سيّد الكونين عليه السلام ، وكلمة اُخرى من العارف المحقّق محي الدين بن العربي المتوفّى سنة 638 هـ ، ذكرناها في مبحث الوجود الذهني في السَفَر الأوّل (15) . . . . . . . .
وإذا استطعت أن تعرف ما رمينا إليه ، سهّل عليك أن تعرف أنّ تصوراتك الباطلة وتوهّماتك المريضة إنّما هي إنزعاج لنفسك في الحقيقة وآلام لروحك ، ومرض ونقص في وجودك ، وكذلك اعتقاداتك الصحيحة وآراؤك المطابقة للواقع هي تطوّر في وجود نفسك ، وترقٍّ إلى مراقي الأنبياء والأولياء ، وانتقال من مرتبة النقص إلى مرتبة الكمال ، واستعداد للرجوع إلى ذاتك والاتحاد مع العقل الفعّال ( 16 ) .
أنا ( الشيخ المظفر ): لقد بعدنا ـ أيها المولى ـ عن الهدف في مسألتنا التي طلبتُ كشفها ، وكأنّك تفرّ من توضيح تلك المغالطة التي أشرتَ إليها .
هو ( صدر المتألهين ): لو كنتَ من أهل طريق الكشف واليقين ، وممّن عنّى نفسه بالمجاهدات العقلية والرياضات البدنيّة ، لكنتَ انتفعت بهذه الرموز والإشارات ولا ستغنيت بها عن مجادلات الكلاميّين وأصحاب المباحثة والنظر البحت ، ولعرفتَ كيف حللتُ لك المسألة من أقرب طرقها ؟
إني ( 17 ) لأستغفر الله تعالى كثيراً مما ضيّعت أوّل الأمر شطراً من عمري في تتبّع تلك التدقيقات والمجادلات ، وتعلّم جربزتهم في القول. وأنصح كلّ من يريد أن يسلك مسلك الكرام الإلهيّين ، ويتمثّل له ما ينكشف للعارفين المستصغِرين لعالَم الصور واللذّات المحسَّة ، فينفتح له طريق الحقائق أن يبدأ
(( أوّلاً )) بتزكية نفسه عن هواها ، فـ ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) ( 18 ) ، وباستحكام أساس المعرفة والحكمة بالتقوى ليرقَ ذُراها ، وإلاّ كان ممّن ( أَتَى الله بُنْيَانَهُم مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ ) ( 19 ) .
وأنصحه (( ثانياً )) ألاّ يشتغل بترّهات عوامّ الصوفيّة من الجهلة ، ولا يركن إلى أقاويل المتفلسفة وأهل الكلام جملة ( 20 ) ، فإنّها فتنة مضلّة ، وجميعها ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْض ، إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراهَا ، وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُور ) ( 21 ) .
(( وآخر نصيحتي )) أن يلقي بزمام أمره إلى الله تعالى وإلى رسوله النذير الأمين ، فكلّ ما بلغه منه آمن به وصدَّقه ، من غير أن يتحيّل فيتخيّل له وجهاً عقليّاً ومسلكاً بحثيّاً . بل يجب أن يقتدي بهديه وينتهي بنهيه ، امتثالاً لقوله تعالى ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ( 22 ) حتّى يفتح الله على قلبه ، ويجعل له نوراً يمشي بين يديه .
وبينا أنا في نشوة الابتهاج باستماع هذه النصائح الخالدة ( 23 ) ، استيقظت من رقدتي ، ولم أتمكّن من حمله على الدخول في محاورات أهل النظر .
النجف ـ محمّـد رضا المظفّر
--------------------------------------------------------------------------------
(1) انظر موسوعة طبقات الفقهاء 214 ص 710 .
(2) اشارة إلى الأسفار الأربعة التي بنى الملاّ صدرا كتابه عليها ، الأسفار 1/13 .
(3) وقد بيّنها السبزواري في تعليقته على هذه العبارات قائلاً : السفر الأوّل : . . . برفع الحجب الظلمانية والنورية التي بين السالك وبين حقيقته التي هي معه أزلاً وأبداً .
السفر الثاني ، وهو السفر بالحقّ في الحقّ ، وإنّما يكون بالحقّ لأنّه صار وليّاً وجوده وجوداً حقّانياً ، فيأخذ في السلوك من موقف الذات إلى الكمالات واحداً بعد واحد .
السفر الثالث : ويسلك من هذا الموقف في مراتب الأفعال ويزول نحوه ويحصل له الصحو التامّ .
السفر الرابع : فيشاهد الخلائق وآثارها ولوازمها ، فيعلم مضارّها ومنافعها في الدنيا والآخرة . الأسفار 1/ هامش ص 13 .
(4) بيان أنّ هناك سفران :
1 ـ سفر أنفسي وهو ما كان في داخل النفس الإنسانية وقد أشارت إليه بعض الأحاديث «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» .
2 ـ سفر الآفاق وهو ما كان خارج حيطة النفس وهو السفر في ملكوت السماوات والأرض ، أنظر قوله تعالى في سورة فصلت : 53 (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) .
(5) إشارة إلى أنّ صدر المتألّهين يعيش عالم البرزخ الذي انعدم فيه الزمان والمكان حيث فناء المادّة وبقاء الروح ، فيكون كلامه صحيحاً بحساب البرزخ ، وإن كان خطابه لما في عالم المادة .
(6) إنّ الذي يليق لأن يكون طريقاً إلى الله هو المعصوم والامام المفترض الطاعة وليس كلّ خلق ، إلاّ أن يقصد المتكلّم أنّ المؤمن يكون طريقاً لأهل البيت (عليهم السلام) وهم طريق إلى الله ، ألاّ أن تحمل على مقولة «أنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق» البحار 64/137 وهو يحتاج إلى بيان وتوضيح وتوثيق .
(7) النفس الانسانية في عالم الدنيا والمادّة تنشغل بالجسد والبدن ، وبعد انفصالها عنه تتفرّغ لشؤوناتها فتقوى قوّتها وتتأكّد فعليّتها .
(8) يقسّم العقل النظري إلى أربع مراتب العقل الهيولائي ، العقل بالملكة ، العقل الفعّال ، العقل المستفاد .
(9) إشارة إلى العلوم التي تكتسب من خلال البحث والاستقصاء ويقابله العلم الإلهامي واللدنّي الذي يأتي دفعة واحدة . لأنّ من يخرج من عالم المادّة يدخل في عالم الحقائق والوقائع فلا يتنزّل إلى عالم المادّة مرّة اُخرى .
(10) المسمّى بعلم المغالطة .
(11) هذا اشارة إلى المغالطة التي ذكرها المظفّر ، وهو لسان حال المستشكل وقد قال له فيما سبق : أنّك قادر على التجلّي ، حيث ينفيه الملاّ صدرا .
(12) هذا إشارة إلى نظرية اتحاد العلم والعالم والمعلوم وهي من ابتكارات الملاّ صدرا وكذا الحركة الجوهرية : وهو أنّ العلم يتذوّت ويتشأّن وتزداد النفس قوّة وسعة وشدّة .
(13) البحار 66/293 .
(14) وهي نظرية اتحاد العلم والعالم والمعلوم ، والحركة الجوهريّة . انظر الأسفار 3/381 .
(15) مع التحفّظ في اعتقادات هذا الشيخ لتضارب أقواله في كتبه وهناك أدلّة لكلّ من يمدح ويقدح في أرائه الاعتقادية ، والله العالم .
(16) حيث أنّ الملاّ صدرا يعتقد أنّ النفس إذا اتحدت مع العقل الفعّال يمكن أن تفاض عليها الصور الحقيقية الواقعيّة .
(17) هنا يُعرّض الملاّ صدرا بمن يدّعي أنّه يعرف الفلسفة وهو بعيد عنها كلّ البعد ، ويأسف لمناقشته ومباحثته إيّاهم ، لأنّهم لا يريدون بنقاشهم الوصول إلى الحقيقة ، بل غايتهم تبكيت الخصم وإفحامه ، انظر الاسفار 1 / 11 .
(18) سورة الشمس : 9 .
(19) سورة النحل : 26 .
(20) إشارة إلى من يريد من هذين العلمين تبكيت الخصم والزامه بحجج واهية لا إحقاق الحق .
(21) سورة النور : 40 .
(22) سورة الحشر : 7 .
(23) ومجموع هذه النصائح مستوحات من كتابه الأسفار 1/12 .
-----
الرابط
http://yahosein.com/vb/showthread.ph...56#post1457556
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
لاعجب من الملا صدرا فأكيد هناك اثر لتعشق الغلمان عند الشيخ الاغبر اقصد الاكبر
فلا فرق كبير عند خاتم الاولياء بين الرجل والمرأة فكلها موجودات انفعالية
يقول في كتابه الوصايا
إنَّا إنَاثٌ لما فِينَا يُولِّده
فلنحمد اللّه مَا فِي الكونِ من رَجلِ
إنَّ الرجَالَ الذِين العرفُ عَيَّنهم
هم الانَاثُ وَ هم سُؤلِي وَهم أملي
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
المشاركة الأصلية بواسطة haidercoالسلام عليكم ورحمة الله ...
الاخوة الاعزة هداكم الله جميعا ً ..
انا لست مؤيدا ً لكاتب الموضوع ولا اي طرف ...
ولكني قرأت هذه الفقرة وأود من الاخوة الاعزاء المؤيدين لنظريات صدر المتألهين ان يوضحوها لنا
وان كان للعلماء الاعلام راي في ذلك فيبينوه لنا مشكورين ...
اتمنى الاستمرار في الحوار الموضوعي بعيدا ً عن التسقيط لأي طرف كان ...
الاخوة الاكارم أعزكم الله ...
لازال سؤالي اعلاه دون أجابة واضحة وشافية ...!!
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
المشاركة الأصلية بواسطة haidercoالاخوة الاكارم أعزكم الله ...
لازال سؤالي اعلاه دون أجابة واضحة وشافية ...!!
المشاركة الأصلية بواسطة ناصر فلاق الهاملاعجب من الملا صدرا فأكيد هناك اثر لتعشق الغلمان عند الشيخ الاغبر اقصد الاكبر
فلا فرق كبير عند خاتم الاولياء بين الرجل والمرأة فكلها موجودات انفعالية
يقول في كتابه الوصايا
إنَّا إنَاثٌ لما فِينَا يُولِّده
فلنحمد اللّه مَا فِي الكونِ من رَجلِ
إنَّ الرجَالَ الذِين العرفُ عَيَّنهم
هم الانَاثُ وَ هم سُؤلِي وَهم أملي
في تعليق للسيد الطباطبائي لكلام العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليهم
(( و طريق الاحتياط الديني يا صاحب البحار لمن لم يتثبت في الابحاث العميقة العقلية ان يتعلق بظاهر الكتاب و يرجع علم حقائقها الى الله و يجتنب الورود في الابحاث العميقة العقلية اثباتاً و نفياً لان فيه تعرض للهلاك الدائم ))
فأيها الاخ الطيب .. لا تتعرض للهلاك نتيجة عدم المعرفة
- اقتباس
- تعليق
تعليق
اقرأ في منتديات يا حسين
تقليص
لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.
تعليق