الله سبحانه وتعالى مباين لخلقه
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وبعد
لما كانت العقول قاصرة عن إدراك حقيقة الباري عز وجل، بل عن إدراك عظيم خلقه وجبروته.
ولمّا عمد قوم من سالف الأمم إلى قياس الباري عز وجل على عقولهم، وتبعتهم في ذلك فئة ضالة من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وآله فتاهوا وضلوا الطريق وهم يدّعون أنهم يحسنون صنعاً.
ثم ما اكتفوا بذلك بل نسبوا ما توصلوا إليه بفكرهم الناقص وعقلهم القاصر إلى شريعة سيد الأنام فما اكتفوا بالضلالة حتى شرعوا في الإضلال.
كان بيان الحق لازماً لتستمر سنة الله تعالى في تخيير الإنسان بين الطريقين ليختار عن بيّنة فتتم حجة رب العالمين على عباده.
وهذا ما دأب عليه علماؤنا على مر التاريخ تبعاً لأئمتنا عليهم السلام فميّزوا الحق عن الباطل ودفعوا شبهات المبطلين، وها نحن نغترف من بحارهم لنعرضه ماءً زلالاً لذة للشاربين.
وإحدى المفردات التي سقط فيها القوم نفي بينونة الخالق عن خلقه وادعاء أن المخلوقات هي عينه تعالى!! أو أنها ظهورات له عز وجل كظهور ماء البحر بصورة الموج !!
وهذا الكلام يخالف الفطرة السليمة، والعقل القويم، والثابت من الكتاب والسنة، وسنسلط الضوء في هذه المشاركة على ما ورد فيهما إذ ادعى القوم دلالتهما على ما يذهبون إليه شططاً !
فنقول والله المستعان:
إن عقيدة الشيعة الإمامية أن الله مباين لخلقه، والمباينة هي المفارقة والانفصال، فليس الخلق ذات الله ولا هم ظهورات له أو وهم وخيال ولا سراب !
ورغم ذلك نعتقد بأنه أقرب إلينا من حبل الوريد.
والشيعة ينفون عنه تعالى حدّي التعطيل والتشبيه.. فيثبتون وجوده تعالى وصفاته ولا يشبهونه بخلقه.
وفيما يلي بعض النصوص التي تثبت المباينة بالمعنى الذي ذكرناه
1. ورد في الدعاء عنهم عليهم السلام: اللهم يا ذا القدرة التي صدر عنها العالم مكونا مبروءا عليها ... بل أنشأته ليكون دليلا عليك بأنك بائن من الصنع، فلا يطيق المنصف بعقله إنكارك، و الموسوم بصحة المعرفة جحودك. (المزار الكبير لابن المشهدي ص299)
2. عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا خمسة إلا هو سادسهم} فقال هو واحد واحدي الذات بائن من خلقه و بذاك وصف نفسه و هو {بكل شيء محيط} بالإشراف و الإحاطة و القدرة {لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض و لا أصغر من ذلك و لا أكبر} بالإحاطة و العلم لا بالذات لأن الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فإذا كان بالذات لزمها الحواية (الكافي ج1 ؛ ص127)
3. سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل{و هو الله في السماوات و في الأرض} قال كذلك هو في كل مكان.
قلت بذاته؟
قال: ويحك إن الأماكن أقدار فإذا قلت في مكان بذاته لزمك أن تقول في أقدار و غير ذلك، و لكن هو بائن من خلقه محيط بما خلق علما و قدرة و إحاطة و سلطانا و ملكا و ليس علمه بما في الأرض بأقل مما في السماء لا يبعد منه شيء و الأشياء له سواء علما و قدرة و سلطانا و ملكا و إحاطة. (التوحيد ص133)
4. أيضاً: ... قال السائل فقوله {الرحمن على العرش استوى} قال أبو عبد الله ع: بذلك وصف نفسه و كذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له و لا أن يكون العرش حاويا له و لا أن العرش محتاز له و لكنا نقول هو حامل العرش و ممسك العرش و نقول من ذلك ما قال{ وسع كرسيه السماوات و الأرض} (التوحيد للصدوق ص248)
5. و من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : الحمد لله الدال على وجوده بخلقه و بمحدث خلقه على أزليته و باشتباههم على أن لا شبه له، لا تستلمه المشاعر و لا تحجبه السواتر، لافتراق الصانع و المصنوع و الحاد و المحدود و الرب و المربوب، الأحد بلا تأويل عدد و الخالق لا بمعنى حركة و نصب و السميع لا بأداة و البصير لا بتفريق آلة و الشاهد لا بمماسة و البائن لا بتراخي مسافة و الظاهر لا برؤية و الباطن لا بلطافة بان من الأشياء بالقهر لها و القدرة عليها و بانت الأشياء منه بالخضوع له و الرجوع إليه من وصفه فقد حده و من حده فقد عده و من عده فقد أبطل أزله و من قال كيف فقد استوصفه و من قال أين فقد حيزه عالم إذ لا معلوم و رب إذ لا مربوب و قادر إذ لا مقدور (نهج البلاغة ص211)
6. وقال عليه السلام في خطبة أخرى: دليله آياته و وجوده إثباته، و معرفته توحيده، و توحيده تمييزه من خلقه و حكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة إنه رب خالق غير مربوب مخلوق كل ما تصور فهو بخلافه (الإحتجاج للطبرسي ج1 ص201)
7.خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس بالكوفة فقال: الحمد لله الملهم عباده حمده ... لا تشمله المشاعر و لا تحجبه الحجب، و الحجاب بينه و بين خلقه خلقه إياهم لامتناعه مما يمكن في ذواتهم و لإمكان مما يمتنع منه و لافتراق الصانع من المصنوع و الحاد من المحدود و الرب من المربوب ... و الظاهر البائن لا بتراخي مسافة... (الكافي ج1 ص139)
8. وفي حديث آخر عنه عليه السلام: الحمد لله الذي لا من شيء كان و لا من شيء كوّن ما قد كان ... مباين لجميع ما أحدث في الصفات و ممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات (التوحيد للصدوق ص69)
9. وفي الحديث : لأنه لا يليق بالذي هو خالق كل شيء إلا أن يكون مباينا لكل شيء متعاليا عن كل شيء سبحانه و تعالى (توحيد المفضل ص179)
10. عن الإمام الرضا عليه السلام: ومباينته اياهم مفارقته لهم (أمالي المفيد ص254)
11. عن أمير المؤمنين عليه السلام: الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله (التوحيد للصدوق ص32)
12. عن أبي عبد الله عليه السلام : لا خلقه فيه و لا هو في خلقه غير محسوس و لا مجسوس لا تدركه الأبصار علا فقرب و دنا فبعد ( الكافي ج1 ص91)
13. عن الإمام الحسين عليه السلام: هو في الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه، و من الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها ليس بقادر (تحف العقول ص244)
14. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: لا من شئ كان ، ولا من شئ خلق ما كان ، قدرة بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه (الكافي ج1 ص134)
إلى أن يقول: ..وحد الأشياء كلها عند خلقه إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها، لم يحلل فيها فيقال: هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن، ولم يخل منها فيقال له : أين ، لكنه سبحانه أحاط بها علمه وأتقنها صنعه وأحصاها حفظه (الكافي ج1 ص135)
15. وقد مرّ معنا سابقاً أيضاً ما ورد من أنه تعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه، ومن ذلك ما ورد عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال: إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه اسم فهو مخلوق ما خلا الله عز وجل(الكافي ج1 ص82)
وغير ذلك من الأحاديث.
بعد استعراضنا لهذه الأحاديث يتبين جلياً :
1. أن الله سبحانه وتعالى بائن من خلقه مفارق لهم، خلو منهم وهم خلو منه، وليس هو فيهم ولا هم فيه.
2. بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها والإحاطة بها، وبانت منه بالخضوع له.
3. بينونته من الخلق ليست بينونة عزلة ولا بُعدٍ ولا بينونة غائب ولا بتراخي مسافة، فهذه البينونة منفية والأولى مثبتة.
*** وبهذا يتّضح أيضاً أن ما كان سبباً لتوهّم اعتقادات أخرى باطل يقيناً، ومن ذلك ما توهمه بعض من أن كونه تعالى (الباطن) ينفي البينونة، ولإمامنا الرضا عليه السلام حديث يقول فيه:
وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها، ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا ، كقول القائل : أبطنته يعني خبرته وعلمت مكتوم سره...(الكافي ج1 ص122)
*** ويتضح أيضاً معنى ما ورد عن عن أمير المؤمنين عليه السلام : داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل و خارج منها لا كشيء من شيء خارج (التوحيد للصدوق ص306)
وعنه عليه السلام : فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ويكون فيها لا على وجه الممازجة (الكافي ج8 ص18)
فإنه خلو من خلقه لكنه عليم ومحيط بهم قادر عليهم.
*** كذلك يتضح المقصود من الروايات التي نفت البينونة ومنها ما ورد عن عن أمير المؤمنين عليه السلام: هو في الأشياء على غير ممازجة خارج منها على غير مباينة (التوحيد للصدوق ص306)
- وعنه (ع) : في الأشياء كلها غير متمازج بها و لا بائن منها (الكافي ج1 ص138)
فإن المباينة المنفية هي مباينة العزلة والغياب والبعد لا مباينة الافتراق.. فليس الله عين خلقه كما توهم بعض الجهلاء !! ولا هم ظهورات وتجليات له!
ونعيد الخلاصة:
1. أن الله سبحانه وتعالى بائن من خلقه مفارق لهم، خلو منهم وهم خلو منه، وليس هو فيهم ولا هم فيه.
2. بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها والإحاطة بها، وبانت منه بالخضوع له.
3. بينونته من الخلق ليست بينونة عزلة ولا بُعدٍ ولا بينونة غائب ولا بتراخي مسافة، فهذه البينونة منفية والأولى مثبتة.
والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وبعد
لما كانت العقول قاصرة عن إدراك حقيقة الباري عز وجل، بل عن إدراك عظيم خلقه وجبروته.
ولمّا عمد قوم من سالف الأمم إلى قياس الباري عز وجل على عقولهم، وتبعتهم في ذلك فئة ضالة من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وآله فتاهوا وضلوا الطريق وهم يدّعون أنهم يحسنون صنعاً.
ثم ما اكتفوا بذلك بل نسبوا ما توصلوا إليه بفكرهم الناقص وعقلهم القاصر إلى شريعة سيد الأنام فما اكتفوا بالضلالة حتى شرعوا في الإضلال.
كان بيان الحق لازماً لتستمر سنة الله تعالى في تخيير الإنسان بين الطريقين ليختار عن بيّنة فتتم حجة رب العالمين على عباده.
وهذا ما دأب عليه علماؤنا على مر التاريخ تبعاً لأئمتنا عليهم السلام فميّزوا الحق عن الباطل ودفعوا شبهات المبطلين، وها نحن نغترف من بحارهم لنعرضه ماءً زلالاً لذة للشاربين.
وإحدى المفردات التي سقط فيها القوم نفي بينونة الخالق عن خلقه وادعاء أن المخلوقات هي عينه تعالى!! أو أنها ظهورات له عز وجل كظهور ماء البحر بصورة الموج !!
وهذا الكلام يخالف الفطرة السليمة، والعقل القويم، والثابت من الكتاب والسنة، وسنسلط الضوء في هذه المشاركة على ما ورد فيهما إذ ادعى القوم دلالتهما على ما يذهبون إليه شططاً !
فنقول والله المستعان:
إن عقيدة الشيعة الإمامية أن الله مباين لخلقه، والمباينة هي المفارقة والانفصال، فليس الخلق ذات الله ولا هم ظهورات له أو وهم وخيال ولا سراب !
ورغم ذلك نعتقد بأنه أقرب إلينا من حبل الوريد.
والشيعة ينفون عنه تعالى حدّي التعطيل والتشبيه.. فيثبتون وجوده تعالى وصفاته ولا يشبهونه بخلقه.
وفيما يلي بعض النصوص التي تثبت المباينة بالمعنى الذي ذكرناه
1. ورد في الدعاء عنهم عليهم السلام: اللهم يا ذا القدرة التي صدر عنها العالم مكونا مبروءا عليها ... بل أنشأته ليكون دليلا عليك بأنك بائن من الصنع، فلا يطيق المنصف بعقله إنكارك، و الموسوم بصحة المعرفة جحودك. (المزار الكبير لابن المشهدي ص299)
2. عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا خمسة إلا هو سادسهم} فقال هو واحد واحدي الذات بائن من خلقه و بذاك وصف نفسه و هو {بكل شيء محيط} بالإشراف و الإحاطة و القدرة {لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض و لا أصغر من ذلك و لا أكبر} بالإحاطة و العلم لا بالذات لأن الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فإذا كان بالذات لزمها الحواية (الكافي ج1 ؛ ص127)
3. سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل{و هو الله في السماوات و في الأرض} قال كذلك هو في كل مكان.
قلت بذاته؟
قال: ويحك إن الأماكن أقدار فإذا قلت في مكان بذاته لزمك أن تقول في أقدار و غير ذلك، و لكن هو بائن من خلقه محيط بما خلق علما و قدرة و إحاطة و سلطانا و ملكا و ليس علمه بما في الأرض بأقل مما في السماء لا يبعد منه شيء و الأشياء له سواء علما و قدرة و سلطانا و ملكا و إحاطة. (التوحيد ص133)
4. أيضاً: ... قال السائل فقوله {الرحمن على العرش استوى} قال أبو عبد الله ع: بذلك وصف نفسه و كذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له و لا أن يكون العرش حاويا له و لا أن العرش محتاز له و لكنا نقول هو حامل العرش و ممسك العرش و نقول من ذلك ما قال{ وسع كرسيه السماوات و الأرض} (التوحيد للصدوق ص248)
5. و من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : الحمد لله الدال على وجوده بخلقه و بمحدث خلقه على أزليته و باشتباههم على أن لا شبه له، لا تستلمه المشاعر و لا تحجبه السواتر، لافتراق الصانع و المصنوع و الحاد و المحدود و الرب و المربوب، الأحد بلا تأويل عدد و الخالق لا بمعنى حركة و نصب و السميع لا بأداة و البصير لا بتفريق آلة و الشاهد لا بمماسة و البائن لا بتراخي مسافة و الظاهر لا برؤية و الباطن لا بلطافة بان من الأشياء بالقهر لها و القدرة عليها و بانت الأشياء منه بالخضوع له و الرجوع إليه من وصفه فقد حده و من حده فقد عده و من عده فقد أبطل أزله و من قال كيف فقد استوصفه و من قال أين فقد حيزه عالم إذ لا معلوم و رب إذ لا مربوب و قادر إذ لا مقدور (نهج البلاغة ص211)
6. وقال عليه السلام في خطبة أخرى: دليله آياته و وجوده إثباته، و معرفته توحيده، و توحيده تمييزه من خلقه و حكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة إنه رب خالق غير مربوب مخلوق كل ما تصور فهو بخلافه (الإحتجاج للطبرسي ج1 ص201)
7.خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس بالكوفة فقال: الحمد لله الملهم عباده حمده ... لا تشمله المشاعر و لا تحجبه الحجب، و الحجاب بينه و بين خلقه خلقه إياهم لامتناعه مما يمكن في ذواتهم و لإمكان مما يمتنع منه و لافتراق الصانع من المصنوع و الحاد من المحدود و الرب من المربوب ... و الظاهر البائن لا بتراخي مسافة... (الكافي ج1 ص139)
8. وفي حديث آخر عنه عليه السلام: الحمد لله الذي لا من شيء كان و لا من شيء كوّن ما قد كان ... مباين لجميع ما أحدث في الصفات و ممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات (التوحيد للصدوق ص69)
9. وفي الحديث : لأنه لا يليق بالذي هو خالق كل شيء إلا أن يكون مباينا لكل شيء متعاليا عن كل شيء سبحانه و تعالى (توحيد المفضل ص179)
10. عن الإمام الرضا عليه السلام: ومباينته اياهم مفارقته لهم (أمالي المفيد ص254)
11. عن أمير المؤمنين عليه السلام: الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله (التوحيد للصدوق ص32)
12. عن أبي عبد الله عليه السلام : لا خلقه فيه و لا هو في خلقه غير محسوس و لا مجسوس لا تدركه الأبصار علا فقرب و دنا فبعد ( الكافي ج1 ص91)
13. عن الإمام الحسين عليه السلام: هو في الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه، و من الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها ليس بقادر (تحف العقول ص244)
14. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: لا من شئ كان ، ولا من شئ خلق ما كان ، قدرة بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه (الكافي ج1 ص134)
إلى أن يقول: ..وحد الأشياء كلها عند خلقه إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها، لم يحلل فيها فيقال: هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن، ولم يخل منها فيقال له : أين ، لكنه سبحانه أحاط بها علمه وأتقنها صنعه وأحصاها حفظه (الكافي ج1 ص135)
15. وقد مرّ معنا سابقاً أيضاً ما ورد من أنه تعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه، ومن ذلك ما ورد عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال: إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه اسم فهو مخلوق ما خلا الله عز وجل(الكافي ج1 ص82)
وغير ذلك من الأحاديث.
بعد استعراضنا لهذه الأحاديث يتبين جلياً :
1. أن الله سبحانه وتعالى بائن من خلقه مفارق لهم، خلو منهم وهم خلو منه، وليس هو فيهم ولا هم فيه.
2. بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها والإحاطة بها، وبانت منه بالخضوع له.
3. بينونته من الخلق ليست بينونة عزلة ولا بُعدٍ ولا بينونة غائب ولا بتراخي مسافة، فهذه البينونة منفية والأولى مثبتة.
*** وبهذا يتّضح أيضاً أن ما كان سبباً لتوهّم اعتقادات أخرى باطل يقيناً، ومن ذلك ما توهمه بعض من أن كونه تعالى (الباطن) ينفي البينونة، ولإمامنا الرضا عليه السلام حديث يقول فيه:
وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها، ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا ، كقول القائل : أبطنته يعني خبرته وعلمت مكتوم سره...(الكافي ج1 ص122)
*** ويتضح أيضاً معنى ما ورد عن عن أمير المؤمنين عليه السلام : داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل و خارج منها لا كشيء من شيء خارج (التوحيد للصدوق ص306)
وعنه عليه السلام : فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ويكون فيها لا على وجه الممازجة (الكافي ج8 ص18)
فإنه خلو من خلقه لكنه عليم ومحيط بهم قادر عليهم.
*** كذلك يتضح المقصود من الروايات التي نفت البينونة ومنها ما ورد عن عن أمير المؤمنين عليه السلام: هو في الأشياء على غير ممازجة خارج منها على غير مباينة (التوحيد للصدوق ص306)
- وعنه (ع) : في الأشياء كلها غير متمازج بها و لا بائن منها (الكافي ج1 ص138)
فإن المباينة المنفية هي مباينة العزلة والغياب والبعد لا مباينة الافتراق.. فليس الله عين خلقه كما توهم بعض الجهلاء !! ولا هم ظهورات وتجليات له!
ونعيد الخلاصة:
1. أن الله سبحانه وتعالى بائن من خلقه مفارق لهم، خلو منهم وهم خلو منه، وليس هو فيهم ولا هم فيه.
2. بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها والإحاطة بها، وبانت منه بالخضوع له.
3. بينونته من الخلق ليست بينونة عزلة ولا بُعدٍ ولا بينونة غائب ولا بتراخي مسافة، فهذه البينونة منفية والأولى مثبتة.
والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
تعليق