* الصحف الاجنبية: تركيا تتجه نحو الكارثة
سلطت الصحف الاجنبية الضوء على المأزق الذي تعيشه تركيا بسبب سياسات الرئيس رجب طيب اردوغان، لا سيما تلك المتعلقة بسوريا، في وقت شددت موسكو على ضرورة محاربة الارهاب على اساس قانوني بما ينسجم مع ميثاق الامم المتحدة.
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالة للنائب السابق عن حزب العدالة والتنمية، SUAT KINIKLIOGLU، اعتبر فيها الاخير ان الحكومة التركية "يبدو انها مهتمة اكثر بمعاقبة من يوجهون الاهانات للرئيس التركي على موقع "التويتر" مما هي مهتمة بملاحقة خلايا داعش في البلاد. و اتهم الكاتب اردوغان بانشاء بيئة سياسية صالحة لتكاثر الخلايا الداخلية التابعة لتنظيم داعش. كما اكد على ان قوات الامن التركية،حتى وقت قريب جداً، تراخت مع مسلحي "داعش" وحراكهم عبر الحدود.
وقال الكاتب: انه كلما تكشفت المزيد من المعلومات حول تفجيرات انقرة الاخيرة، كلما اتضح حصول اخفاقات كبيرة على المستوى الاستخبارتي. واشار الى ان والد احد منفذي تفجيرات انقرة كان قد طلب إلى السلطات مواصلة احتجاز نجله، غير ان الشرطة اطلقت سراحه. وتحدث عن الحظر الحكومي المفروض على التقارير الاخبارية بشأن الحادثة، معتبراً ان ذلك قد زاد من ضبابية الوضع.
الكاتب تطرق ايضاً الى الاستفتاء الذي أجري في شهر ايلول/سبتمبر عام 2010 والذي سمح لاردوغان بتشكيل السلطة القضائية وفقاً لرغبته. ورأى أن عقب ذلك توصل اردوغان الى الاستنتاج بانه لم يعد بحاجة الى المعتدلين في حزبه.
الكاتب لفت الى ان المرشحين الجدد لحزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2011 كانوا من "الاسلاميين" الايديولوجيين المحافظين الموالين بالمطلق لاردوغان، وأن الاخير قرر آنذاك التخلص من جميع الشخصيات الليبرالية والديمقراطية والمحافظة المعتدلة.
ووصف السياسة المتبعة تجاه سوريه بالكارثية التي جرت البلاد الى مستنقع اقليمي، وأكد ان فشل تركيا في اطاحة نظام الاسد ادى بالحكومة التركية الى دعم العناصر الراديكالية التي تحارب الاسد فضلا عن استضافتها ما يزيد عن مليوني لاجىء سوري.
وخلص الكاتب إلى ان تركيا تتجه نحو الكارثة وان اردوغان قد اضاع فرصة تاريخية لتعزيز الديمقراطية التركية وتحويل تركيا الى بلد من بلدان العالم الاول. وتحدث عن فشل اردوغان حل الخلافات بين العلمانيين والمحافظين، والاتراك والاكراد، وبين السنة والعلويين. وحذر من ان استبداد اردوغان و السياسية الخارجية لدى رئيس الوزراء احمد داود اوغلو قد تعزز دخول تركيا في دوامة العنف في الشرق الاوسط في حال عدم هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقرر اجراؤها مطلع الشهر المقبل.
وشدد الكاتب في الختام على ان "تركيا بحاجة ماسة الى قيادة جديدة وحكمة سياسية من اجل الخروج من هذا المأزق".
في السياق نفسه، كتب الباحث التركي "سونر كاجابتاي" مقالة نشرت في صحيفة الغارديان البريطانية، لفت فيها الى تبادل التهم بين الحكومة والمعارضة التركية حول تفجيرات انقرة الأخيرة، وذلك على الرغم من أن داعش هي على الارجح وراء هذا الهجوم.
بحسب الكاتب فان تنظيم داعش يمارس لعبة استراتيجية، حيث تدرك حالة الاستقطاب الحادة في البلاد وتهدف الى تعزيز الانقسام وحتى ايجاد النزاع من خلال عدم اعلان المسؤولية عن التفجير. وأضاف: حالة الاستقطاب، تعود الى ثلاثة عشر عاماً من حكم حزب العدالية والتنمية. فيحظى اردوغان، الذي يعد من السياسيين المحافظين اليمينيين، بدعم وتأييد مطلق من قبل قاعدة الناخبين والمحافظين. الا ان معارضيه يكنون له الكراهية، وذلك يعود جزئياً الى "استراتيجيته الانتخابية من اجل البقاء في السلطة" وفقاً لتعابير الكاتب الذي ذكّر بأفعال الرئيس التركي من خلال سجنه المنشقين الصحفيين وقمع المظاهرات السلمية.
الا ان الكاتب حذر من سياسة القمع التي يمارسها اردوغان ضد الاكراد، فخلافاً للتيارات الاخرى داخل المعسكر المعادي لاردوغان، فان حزب العمال الكردستاني سيقاتل بالسلاح. ورأى الكاتب ان تركيا ستتأثر بالحرب الاهلية في سوريا وان التدخل الروسي هناك سيعقد وضعها اكثر فاكثر. كما حذر من ان تركيا تواجه تهديد داعش "من الداخل"، حيث ان تفجيرات انقرة "يبدو انها من تنفيذ مواطنين اتراك ذهبوا الى سوريا للقتال مع داعش، وعادوا الى تركيا للقيام بتفجيرات انتحارية ضد مواطنين اتراك آخرين.
و اشار الكاتب الى ان داعش استهدف مظاهرة سلمية للمعارضة في انقرة، على غرار هجوم سروتش عندما استهدفت مظاهرة معارضة لسياسات الحكومة نظمها الاكراد. و لفت الى ان حزب العمال الكردستاني حمل الحكومة التركية مسؤولية هذا الهجوم، و رد باعدام ضباط شرطة اتراك، ما ادى الى نهاية وقف اطلاق النار بين الجانبين كان مستمر لمدة عامين. بالتالي رأى الكاتب ان داعش استطاعت انهاء محادثات السلام بين الحكومة و حزب العمال الكردستاتي و كذلك اشعال حرب تركية كردية.
وتحدث الكاتب عن قيام داعش باستهداف المظاهرات التي تنظمها المعارضة في تركيا بشكل متعمد، وذلك لاعطاء الانطباع بان الحكومة لن تحمي المواطنين الاتراك المعارضين لاردوغان، الامر الذي يحقق هدف زعزعة الاستقرار في البلاد، ونبّه إلى أن داعش تبدو مصممة على اثارة نزاع بين المعسكرين الموالي والمعادي لاردوغان.
***
* أردوغان المحاصَر.. إلى أين يأخذ تركيا؟
وصفي الأمين - صحيفة "السفير"
التفجيرات اﻷخيرة في أنقرة تستكمل عناصر غرق تركيا في اﻷزمة التي ساهمت هي في تعميقها وتوسيعها. وليس هناك ما يشير إلى قدرة أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» على إدارتها واستيعاب التطورات المتسارعة، للسيطرة عليها والخروج منها.
تركيا تمر اليوم بمرحلة صعبة وغير واضحة المآلات. خلافات داخل «التنمية والعدالة»، أبرز أطرافها أردوغان وداود أوغلو وعبد الله غل. صراع أكثر شراسة على الساحة اﻹسلامية، أخطر أقطابها فتح الله غولن والتمدد البطيء، ولكن المستمر، للحالة التكفيرية التي بدأت تظهر قدرة على اختراق أجهزة الدولة وتوجيه ضربات موجعة لها. مواجهات بين الجيش و «حزب العمال الكردستاني» في جنوب شرق تركيا المتاخم للعراق وسوريا. خلافات عميقة وتناقضات جذرية مع القوميين والعلمانيين والكرد، في الإيديولوجيا وفي السياسات الداخلية والخارجية، وفي الرؤية الاستراتيجية لموقع تركيا ودورها. كل ذلك في ظل فشل في تشكيل حكومة جديدة، وأزمات اقتصادية واجتماعية. وتلك عوامل ضعف ستساعد خصوم أردوغان على إرباك إدارته للانتخابات المبكرة المقبلة، وربما هزيمته. وكان انغماس تركيا أردوغان في «الربيع العربي» عاملا حاسما في وقوعها في المأزق.
ظل العداء للنظام السوري، منذ بدء اﻷزمة، مضبوطاً في حدود يصعب حينها تصنيفه مصدراً للتهديد الخطير للمنطقة. لكن سقوط حكم «اﻹخوان المسلمين» في مصر، وتراجعهم في تونس، وهزيمتهم في اليمن، وحصار حركة «حماس»، شكلت مسائل أثارت غضب أردوغان وذعره، فاندفع إلى مواجهة شرسة في سوريا لتعويض الخسائر والاحتفاظ بأرضية تساعده على حفظ حلمه في زعامة الشرق اﻷوسط والعالم اﻹسلامي، وتبقيه لاعباً أساسياً في الميدان وعلى طاولة المفاوضات. لكنه ارتكب مؤخرا خطأ محاولة فرض تغييرات كبرى في الوقائع الميدانية، فاضطرت روسيا للتدخل عسكرياً. وإذا كان التوسع السوفياتي خلال القرن الماضي، ودخوله شبه جزيرة القرم، قد دفعا تركيا اﻷتاتوركية للانضمام إلى «حلف اﻷطلسي»، فإن الدخول الروسي إلى سوريا (بعد ضم القرم مجدداً) قد يدفع تركيا اﻷردوغانية إلى ارتكاب حماقةٍ تدخل المنطقة مستوى أكثر خطورة وتعقيداً.
لقد أطاح التدخل العسكري الروسي في الميدان السوري مشروع إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا، على اﻷرض وفي الجو، مرحلياً على اﻷقل، وسط رفض غربي لهذا المشروع، وبرود إزاءه بلغ ذروته، عندما قرر «اﻷطلسي» سحب بطاريات صواريخ «الباتريوت» من تركيا، وفتور الموقف الغربي مما تعتبره تركيا انتهاكا ﻷجوائها وتهديدا لسيادتها.
أنقرة تنظر بعين الريبة إلى التفاهمات اﻷميركية - الروسية، المعلنة والضمنية، حول قضايا أساسية في سوريا، وتعتبرها تهديداً مباشراً لها ولمشروعها:
* الاتفاق على ضرورة مواجهة تنظيم «داعش»، وهو ذراع عسكرية تستخدمها تركيا في سوريا والعراق.
* دعم «قوات الحماية الشعبية» الكردية في سوريا ورفض الحرب عليها. وفيما تعتبرها واشنطن رأس حربة المواجهة مع «داعش»، تصنفها تركيا تهديداً إرهابياً ﻷمنها.
* التوافق على مرحلة انتقالية يشارك فيها الرئيس اﻷسد، الذي تعتبر أنقرة بقاءه انتكاسة.
الرهان التركي اليوم، معقود على الجهود التي يبذلها الحلف اﻷميركي لعرقلة تقدم روسيا وحلفائها، وتقديم دعم استخباري وبالسلاح النوعي الكثيف للجماعات المسلحة، ورفض التنسيق الميداني مع موسكو، وربما العودة الى الاستثمار في «داعش» العراق.
أي خسارة تركية في سوريا، ستكون أكبر، بما لا يقاس، من خسارتها في مصر وتونس وغيرهما. وهو ما قد يدفع تركيا إلى الالتفات مجددا باتجاه الموصل العراقية، التي ستصبح منفذها اﻷخير إلى الشرق، ودعامة مشروعها اﻷخيرة. في «معاهدة سيفر» العام 1920، وافقت تركيا على ضم ولاية الموصل إلى «العراق الموحد». العبارة اﻷخيرة تستبطن «حق» تركيا بالمطالبة باستعادة الموصل، في حال تعرض وحدة العراق للخلل. هنا، ربما تلجأ أنقرة، في حال اكتمال فشلها في سوريا، إلى اتخاذ وضع العراق اﻷمني والسياسي المضطرب والمنقسم ذريعة، واعتباره لحظة مؤاتية للمطالبة باستعادة الموصل، خصوصا أنها حققت في السنوات اﻷخيرة نجاحات اقتصادية وسياسية، وعقدت تحالفات مهمة مع مسعود البرزاني في اقليم كردستان ومع عشائر في اﻷنبار.
لكن العمل في العراق، لا يقل خطورة وتعقيداً عنه في سوريا. فقواعد اللعبة هناك تغيرت، واﻷميركي لا يراهن على دور أساسي لتركيا، ويضع خطوطاً حمراء أمام الجميع في الموصل واﻷنبار، ويعتبرها رصيده، وقاعدة معركته اﻷساس لاستعادة السيطرة على العراق، ولن يسمح للتركي بالعبث فيها، فيما إيران، التي توشك على التحرر من العقوبات المفروضة، وبالتالي التحرر من حاجتها للرئة التركية اقتصادياً وسياسياً، ليست في وارد ترك المنطقتين خاصرة رخوة، وقاعدة لتهديدها وحلفائها. في هذه اﻷثناء، يتعرض حليف أنقرة في إقليم كردستان ﻷزمة عميقة وخطيرة، قد تحوله إلى لاعب ضعيف أمام منافسيه، اﻷميَل إلى العراق الموحد.
ما هي خيارات أردوغان المحاصر؟ إن أي تراجع دراماتيكي «للعدالة والتنمية» في الانتخابات المقبلة، سيعني نهاية حياة أردوغان السياسية، فسجله حافل بالفساد والمخالفات الخطيرة. وهو شبه محاصر في محيطه المباشر (سوريا والعراق وإيران) وفي مجال بلاده الحيوي (أوروبا و «اﻹخوان المسلمين»). هو يخسر رهانه على «الربيع العربي». صراعه مع السعودية حاد على مجمل ملفات المنطقة. حالة عداء كامل مع مصر. علاقة مأزومة مع الخليج. «إسرائيل»، الحليف اﻹقليمي اﻷهم، تعتبر صراعات تركيا مع الكرد والعرب والتحريض المذهبي، وتراجع قدرة أنقرة على التأثير خدمةً للمصالح الغربية، تجعلها ــ تركيا ــ عبئاً على الغرب، وهو ما يعزز موقع إسرائيل ومصالحها.
حركة أردوغان تشير إلى امتلاكه أجندة خاصة يتصرف على أساسها، ما يجعل التعامل معه أمراً صعبا، وهو يميل إلى المواجهة واستسهال بث الفوضى. وليس أمامه اليوم من سبيل للنجاة، سوى استجماع أدواته وما تبقى من عناصر قوته لمحاولة خلط اﻷوراق، وخلخلة التوازنات، داخل تركيا وخارجها. فهل يفعل؟
سلطت الصحف الاجنبية الضوء على المأزق الذي تعيشه تركيا بسبب سياسات الرئيس رجب طيب اردوغان، لا سيما تلك المتعلقة بسوريا، في وقت شددت موسكو على ضرورة محاربة الارهاب على اساس قانوني بما ينسجم مع ميثاق الامم المتحدة.
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالة للنائب السابق عن حزب العدالة والتنمية، SUAT KINIKLIOGLU، اعتبر فيها الاخير ان الحكومة التركية "يبدو انها مهتمة اكثر بمعاقبة من يوجهون الاهانات للرئيس التركي على موقع "التويتر" مما هي مهتمة بملاحقة خلايا داعش في البلاد. و اتهم الكاتب اردوغان بانشاء بيئة سياسية صالحة لتكاثر الخلايا الداخلية التابعة لتنظيم داعش. كما اكد على ان قوات الامن التركية،حتى وقت قريب جداً، تراخت مع مسلحي "داعش" وحراكهم عبر الحدود.
وقال الكاتب: انه كلما تكشفت المزيد من المعلومات حول تفجيرات انقرة الاخيرة، كلما اتضح حصول اخفاقات كبيرة على المستوى الاستخبارتي. واشار الى ان والد احد منفذي تفجيرات انقرة كان قد طلب إلى السلطات مواصلة احتجاز نجله، غير ان الشرطة اطلقت سراحه. وتحدث عن الحظر الحكومي المفروض على التقارير الاخبارية بشأن الحادثة، معتبراً ان ذلك قد زاد من ضبابية الوضع.
الكاتب تطرق ايضاً الى الاستفتاء الذي أجري في شهر ايلول/سبتمبر عام 2010 والذي سمح لاردوغان بتشكيل السلطة القضائية وفقاً لرغبته. ورأى أن عقب ذلك توصل اردوغان الى الاستنتاج بانه لم يعد بحاجة الى المعتدلين في حزبه.
الكاتب لفت الى ان المرشحين الجدد لحزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2011 كانوا من "الاسلاميين" الايديولوجيين المحافظين الموالين بالمطلق لاردوغان، وأن الاخير قرر آنذاك التخلص من جميع الشخصيات الليبرالية والديمقراطية والمحافظة المعتدلة.
ووصف السياسة المتبعة تجاه سوريه بالكارثية التي جرت البلاد الى مستنقع اقليمي، وأكد ان فشل تركيا في اطاحة نظام الاسد ادى بالحكومة التركية الى دعم العناصر الراديكالية التي تحارب الاسد فضلا عن استضافتها ما يزيد عن مليوني لاجىء سوري.
وخلص الكاتب إلى ان تركيا تتجه نحو الكارثة وان اردوغان قد اضاع فرصة تاريخية لتعزيز الديمقراطية التركية وتحويل تركيا الى بلد من بلدان العالم الاول. وتحدث عن فشل اردوغان حل الخلافات بين العلمانيين والمحافظين، والاتراك والاكراد، وبين السنة والعلويين. وحذر من ان استبداد اردوغان و السياسية الخارجية لدى رئيس الوزراء احمد داود اوغلو قد تعزز دخول تركيا في دوامة العنف في الشرق الاوسط في حال عدم هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقرر اجراؤها مطلع الشهر المقبل.
وشدد الكاتب في الختام على ان "تركيا بحاجة ماسة الى قيادة جديدة وحكمة سياسية من اجل الخروج من هذا المأزق".
في السياق نفسه، كتب الباحث التركي "سونر كاجابتاي" مقالة نشرت في صحيفة الغارديان البريطانية، لفت فيها الى تبادل التهم بين الحكومة والمعارضة التركية حول تفجيرات انقرة الأخيرة، وذلك على الرغم من أن داعش هي على الارجح وراء هذا الهجوم.
بحسب الكاتب فان تنظيم داعش يمارس لعبة استراتيجية، حيث تدرك حالة الاستقطاب الحادة في البلاد وتهدف الى تعزيز الانقسام وحتى ايجاد النزاع من خلال عدم اعلان المسؤولية عن التفجير. وأضاف: حالة الاستقطاب، تعود الى ثلاثة عشر عاماً من حكم حزب العدالية والتنمية. فيحظى اردوغان، الذي يعد من السياسيين المحافظين اليمينيين، بدعم وتأييد مطلق من قبل قاعدة الناخبين والمحافظين. الا ان معارضيه يكنون له الكراهية، وذلك يعود جزئياً الى "استراتيجيته الانتخابية من اجل البقاء في السلطة" وفقاً لتعابير الكاتب الذي ذكّر بأفعال الرئيس التركي من خلال سجنه المنشقين الصحفيين وقمع المظاهرات السلمية.
الا ان الكاتب حذر من سياسة القمع التي يمارسها اردوغان ضد الاكراد، فخلافاً للتيارات الاخرى داخل المعسكر المعادي لاردوغان، فان حزب العمال الكردستاني سيقاتل بالسلاح. ورأى الكاتب ان تركيا ستتأثر بالحرب الاهلية في سوريا وان التدخل الروسي هناك سيعقد وضعها اكثر فاكثر. كما حذر من ان تركيا تواجه تهديد داعش "من الداخل"، حيث ان تفجيرات انقرة "يبدو انها من تنفيذ مواطنين اتراك ذهبوا الى سوريا للقتال مع داعش، وعادوا الى تركيا للقيام بتفجيرات انتحارية ضد مواطنين اتراك آخرين.
و اشار الكاتب الى ان داعش استهدف مظاهرة سلمية للمعارضة في انقرة، على غرار هجوم سروتش عندما استهدفت مظاهرة معارضة لسياسات الحكومة نظمها الاكراد. و لفت الى ان حزب العمال الكردستاني حمل الحكومة التركية مسؤولية هذا الهجوم، و رد باعدام ضباط شرطة اتراك، ما ادى الى نهاية وقف اطلاق النار بين الجانبين كان مستمر لمدة عامين. بالتالي رأى الكاتب ان داعش استطاعت انهاء محادثات السلام بين الحكومة و حزب العمال الكردستاتي و كذلك اشعال حرب تركية كردية.
وتحدث الكاتب عن قيام داعش باستهداف المظاهرات التي تنظمها المعارضة في تركيا بشكل متعمد، وذلك لاعطاء الانطباع بان الحكومة لن تحمي المواطنين الاتراك المعارضين لاردوغان، الامر الذي يحقق هدف زعزعة الاستقرار في البلاد، ونبّه إلى أن داعش تبدو مصممة على اثارة نزاع بين المعسكرين الموالي والمعادي لاردوغان.
***
* أردوغان المحاصَر.. إلى أين يأخذ تركيا؟
وصفي الأمين - صحيفة "السفير"
التفجيرات اﻷخيرة في أنقرة تستكمل عناصر غرق تركيا في اﻷزمة التي ساهمت هي في تعميقها وتوسيعها. وليس هناك ما يشير إلى قدرة أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» على إدارتها واستيعاب التطورات المتسارعة، للسيطرة عليها والخروج منها.
تركيا تمر اليوم بمرحلة صعبة وغير واضحة المآلات. خلافات داخل «التنمية والعدالة»، أبرز أطرافها أردوغان وداود أوغلو وعبد الله غل. صراع أكثر شراسة على الساحة اﻹسلامية، أخطر أقطابها فتح الله غولن والتمدد البطيء، ولكن المستمر، للحالة التكفيرية التي بدأت تظهر قدرة على اختراق أجهزة الدولة وتوجيه ضربات موجعة لها. مواجهات بين الجيش و «حزب العمال الكردستاني» في جنوب شرق تركيا المتاخم للعراق وسوريا. خلافات عميقة وتناقضات جذرية مع القوميين والعلمانيين والكرد، في الإيديولوجيا وفي السياسات الداخلية والخارجية، وفي الرؤية الاستراتيجية لموقع تركيا ودورها. كل ذلك في ظل فشل في تشكيل حكومة جديدة، وأزمات اقتصادية واجتماعية. وتلك عوامل ضعف ستساعد خصوم أردوغان على إرباك إدارته للانتخابات المبكرة المقبلة، وربما هزيمته. وكان انغماس تركيا أردوغان في «الربيع العربي» عاملا حاسما في وقوعها في المأزق.
ظل العداء للنظام السوري، منذ بدء اﻷزمة، مضبوطاً في حدود يصعب حينها تصنيفه مصدراً للتهديد الخطير للمنطقة. لكن سقوط حكم «اﻹخوان المسلمين» في مصر، وتراجعهم في تونس، وهزيمتهم في اليمن، وحصار حركة «حماس»، شكلت مسائل أثارت غضب أردوغان وذعره، فاندفع إلى مواجهة شرسة في سوريا لتعويض الخسائر والاحتفاظ بأرضية تساعده على حفظ حلمه في زعامة الشرق اﻷوسط والعالم اﻹسلامي، وتبقيه لاعباً أساسياً في الميدان وعلى طاولة المفاوضات. لكنه ارتكب مؤخرا خطأ محاولة فرض تغييرات كبرى في الوقائع الميدانية، فاضطرت روسيا للتدخل عسكرياً. وإذا كان التوسع السوفياتي خلال القرن الماضي، ودخوله شبه جزيرة القرم، قد دفعا تركيا اﻷتاتوركية للانضمام إلى «حلف اﻷطلسي»، فإن الدخول الروسي إلى سوريا (بعد ضم القرم مجدداً) قد يدفع تركيا اﻷردوغانية إلى ارتكاب حماقةٍ تدخل المنطقة مستوى أكثر خطورة وتعقيداً.
لقد أطاح التدخل العسكري الروسي في الميدان السوري مشروع إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا، على اﻷرض وفي الجو، مرحلياً على اﻷقل، وسط رفض غربي لهذا المشروع، وبرود إزاءه بلغ ذروته، عندما قرر «اﻷطلسي» سحب بطاريات صواريخ «الباتريوت» من تركيا، وفتور الموقف الغربي مما تعتبره تركيا انتهاكا ﻷجوائها وتهديدا لسيادتها.
أنقرة تنظر بعين الريبة إلى التفاهمات اﻷميركية - الروسية، المعلنة والضمنية، حول قضايا أساسية في سوريا، وتعتبرها تهديداً مباشراً لها ولمشروعها:
* الاتفاق على ضرورة مواجهة تنظيم «داعش»، وهو ذراع عسكرية تستخدمها تركيا في سوريا والعراق.
* دعم «قوات الحماية الشعبية» الكردية في سوريا ورفض الحرب عليها. وفيما تعتبرها واشنطن رأس حربة المواجهة مع «داعش»، تصنفها تركيا تهديداً إرهابياً ﻷمنها.
* التوافق على مرحلة انتقالية يشارك فيها الرئيس اﻷسد، الذي تعتبر أنقرة بقاءه انتكاسة.
الرهان التركي اليوم، معقود على الجهود التي يبذلها الحلف اﻷميركي لعرقلة تقدم روسيا وحلفائها، وتقديم دعم استخباري وبالسلاح النوعي الكثيف للجماعات المسلحة، ورفض التنسيق الميداني مع موسكو، وربما العودة الى الاستثمار في «داعش» العراق.
أي خسارة تركية في سوريا، ستكون أكبر، بما لا يقاس، من خسارتها في مصر وتونس وغيرهما. وهو ما قد يدفع تركيا إلى الالتفات مجددا باتجاه الموصل العراقية، التي ستصبح منفذها اﻷخير إلى الشرق، ودعامة مشروعها اﻷخيرة. في «معاهدة سيفر» العام 1920، وافقت تركيا على ضم ولاية الموصل إلى «العراق الموحد». العبارة اﻷخيرة تستبطن «حق» تركيا بالمطالبة باستعادة الموصل، في حال تعرض وحدة العراق للخلل. هنا، ربما تلجأ أنقرة، في حال اكتمال فشلها في سوريا، إلى اتخاذ وضع العراق اﻷمني والسياسي المضطرب والمنقسم ذريعة، واعتباره لحظة مؤاتية للمطالبة باستعادة الموصل، خصوصا أنها حققت في السنوات اﻷخيرة نجاحات اقتصادية وسياسية، وعقدت تحالفات مهمة مع مسعود البرزاني في اقليم كردستان ومع عشائر في اﻷنبار.
لكن العمل في العراق، لا يقل خطورة وتعقيداً عنه في سوريا. فقواعد اللعبة هناك تغيرت، واﻷميركي لا يراهن على دور أساسي لتركيا، ويضع خطوطاً حمراء أمام الجميع في الموصل واﻷنبار، ويعتبرها رصيده، وقاعدة معركته اﻷساس لاستعادة السيطرة على العراق، ولن يسمح للتركي بالعبث فيها، فيما إيران، التي توشك على التحرر من العقوبات المفروضة، وبالتالي التحرر من حاجتها للرئة التركية اقتصادياً وسياسياً، ليست في وارد ترك المنطقتين خاصرة رخوة، وقاعدة لتهديدها وحلفائها. في هذه اﻷثناء، يتعرض حليف أنقرة في إقليم كردستان ﻷزمة عميقة وخطيرة، قد تحوله إلى لاعب ضعيف أمام منافسيه، اﻷميَل إلى العراق الموحد.
ما هي خيارات أردوغان المحاصر؟ إن أي تراجع دراماتيكي «للعدالة والتنمية» في الانتخابات المقبلة، سيعني نهاية حياة أردوغان السياسية، فسجله حافل بالفساد والمخالفات الخطيرة. وهو شبه محاصر في محيطه المباشر (سوريا والعراق وإيران) وفي مجال بلاده الحيوي (أوروبا و «اﻹخوان المسلمين»). هو يخسر رهانه على «الربيع العربي». صراعه مع السعودية حاد على مجمل ملفات المنطقة. حالة عداء كامل مع مصر. علاقة مأزومة مع الخليج. «إسرائيل»، الحليف اﻹقليمي اﻷهم، تعتبر صراعات تركيا مع الكرد والعرب والتحريض المذهبي، وتراجع قدرة أنقرة على التأثير خدمةً للمصالح الغربية، تجعلها ــ تركيا ــ عبئاً على الغرب، وهو ما يعزز موقع إسرائيل ومصالحها.
حركة أردوغان تشير إلى امتلاكه أجندة خاصة يتصرف على أساسها، ما يجعل التعامل معه أمراً صعبا، وهو يميل إلى المواجهة واستسهال بث الفوضى. وليس أمامه اليوم من سبيل للنجاة، سوى استجماع أدواته وما تبقى من عناصر قوته لمحاولة خلط اﻷوراق، وخلخلة التوازنات، داخل تركيا وخارجها. فهل يفعل؟
تعليق