معركة الرأي العام .. والتفاوض الأمريكي – الإيراني:
حسن شقير
لم يكن وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى سدة الرئاسة الأمريكية في العام 2008 إلاّ تعبيراً أمريكياً شعبياً صارخاً بوجه سياسات سلفه بوش – الإبن ومحافظيه الجدد الكارثية على أمريكا , داخلياً وخارجياً على حد سواء .. لذلك فقد رأت فيه الفئات الشعبية الأمريكية , أملها الأتي في تغيير واقعها المأزوم أنذاك . لم يختلف المشهد إيرانياً , في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة , خصوصاً بعد حصد الرئيس روحاني تلك الأعداد الهائلة من أصوات الناخبين الإيرانيين , الذين أطلقوا أيضاً صرخةً مدويةً بوجه التيار المحافظ في إيران , خصوصاً لناحية برامجه الداخلية منها , ولربما بعض الخارجية ... وخصوصاً أن تسويق إيران – نجاد , لم يكن بالأمر اليسير, لا في أمريكا ولا في الغرب اللاحق بها على حد سواء , وتحديداً في عهد أوباما التغييري و" المنفتح " . لم يكن الكيان الصهيوني برأيه العام بعيداً عن ذاك الإنفتاح الأمريكي – على الرغم من الصراخ العالي لبعض سياسييه – وذلك لأسباب وظروف متعددة تتعلّق بالمجتمع الصهيوني حصراً ... فلقد صدرت الكثير من المواقف لكثرٍ في مراكز الدراسات الصهيونية , تُدين غلو نتنياهو في معارضته لإنفتاح أمريكا الأخير على إيران .. حتى أن البعض في تلك المراكز رأى في هذا التوجه الأمريكي – في بعض نواحيه – مكسباً صهيونياً , وبصيص أملٍ في إمكانية تعزيز أمنهم الذاتي ... أمريكا وإجهاض الرأي العام الأمريكي . لا يخفى على أحدٍ , تعب أمريكا من الحروب التي خاضها بوش ومحافظيه الجدد , وعلى كافة الصعد العسكرية والمالية , ناهيك عن السياسية ... ولا يُنكر أحدٌ أيضاً , أن تلك الحروب كانت فاشلة بكل المقاييس , فضلاً عن أنها كانت باهضة الثمن على الشعب الأمريكي برمته .. حيث بدأ يتشكل رأي عام أمريكي ذو مزاجٍ مختلف عمّا هو العادة في أمريكا , بحيث أصبح هذا الرأي العام ينحو شيئاً فشيئاً من اهتماماته شبه الصرفة والمتعلقة بشؤونه وشجونه الداخلية نحو الخارجية منها , مما أوجد كباشاً خفياً بين ما يُسمى بالمُجمّع الصناعي العسكري والنفطي وأصحابه من ذوو التوجهات الرأسمالية المتوحشة , مضافاً إليهم اللوبيات الصهيونية , وبين فئات وازنة من الرأي العام الأمريكي , والتي اندفعت بقوة نحو المشهد السياسي الأمريكي .. حيث خرج هذا الكباش إلى العلن أثناء التحضير للعدوان المبتور على سوريا , وما لاقاه هذا الأخير من صعوبات حقيقية في تسويقه في الكونغرس الأمريكي ( الملعب الخصب للإيباك ) ! , والذي يعتبر الممثل الشرعي للرأي العام الأمريكي ... من هنا يمكننا أن نفترض – وبقوة – أن أوباما المنفتح على إيران , يخوض مفاوضاته معها تحت سقف إعادة صياغة الرأي العام الأمريكي لمصلحة السياسة التقليدية الأمريكية في إعادة حصرها بأربابها المعتادين – أمريكيين وصهاينة – وخصوصاً مع عدم تحقيق تلك المفاوضات من نتائج تتوخى من خلالها أمريكا والكيان إلى إخضاع إيران , فتنطلق الميديا التابعة لهم ساعتئذٍ , لتُسلِّط الضوء على " العوائق والعقبات " الإيرانية التي أفشلت تلك المفاوضات – وهذه الفرضية مرجحة - , أو أن تلك المفاوضات بنتائجها المتوخاة تُعوِّم الحزب الديمقراطي الأمريكي وخياراته الإستراتيجية في كيفية الحفاظ على مصالح الأمن القومي الأمريكي والصهيوني على السواء – وهذه الفرضية نستبعدها - , والسبب في ذلك أن عناصر الخلاف الأمريكي – الإيراني , تتخطى الملف النووي , إلى ما هو أبعد وأشمل من ذلك بكثير أمريكا وإحياء الرأي العام الثوري لم تكن أحوال الرأي العام في إيران ,أفضل حالاً بالنسبة لقادة الرأي والتأثير في الجمهورية الإسلامية , فلقد مرَّ على الجيل الثوري الأول منذ العام 1979, أجيالاً وأجيال , تبدلت معها الظروف والأحداث والتطورات , وبقيت الشعارات الثورية هي هي في عدائها لأمريكا وللكيان الصهيوني على حد سواء .. إلاّ أنه وبعد التطورات التي حدثت في أمريكا والغرب , ولبس هؤلاء لبوس الإنفتاح والإعتدال .. جعل من قطاعاتٍ وازنة من الرأي العام الإيراني يعتقد أن المصلحة الإيرانية تفرض على الجمهورية الإسلامية أن تلاقي أمريكا والغرب في منتصف الطريق , على قاعدة الحفاظ على الثوابت والكرامة والأصالة الثورية .. هذا الرأي العام الذي حمل الرئيس روحاني إلى السلطة , متقدماً على نظرائه من المرشحين الأخرين بفارق شاسعٍ من الأصوات – ومن الدورة الأولى فقط – جعلت القيادة الإيرانية تُعيد قراءة تطلعات وتوجهات الرأي العام في إيران .. فاندفعت هذه الأخيرة بخريطة طريق , تجعل من الرأي العام الإيراني متمسكاً أكثر فأكثر بأصالته الثورية من جهة , ومن جهة ثانية تجعله لاعباً قوياً في رسم السياسات والتوجهات العامة للدولة في أرقى ممارسات الديمقراطية ... فكيف ذلك ؟ لنفترض مسبقاً , أن المفاوضات مع أمريكا وصلت إلى حائط مسدود – وهذه فرضية نرجحها - , نظراً لعدم استجابة إيران بالخضوع للشروط الأمريكية والصهيونية في الملف النووي وغيره من الملفات ,وبما أن إيران أبدت وستبدي المرونة المطلقة في جعل برنامجها النووي أكثر شفافية أمام العالم , إلاّ أنه على الرغم من ذلك لم يتم رفع العقوبات المرهقة للشعب الإيراني بحجة أمور تبقى عالقة أو لعدم السير الأمريكي بخطوة مقابل خطوة – وكما يطالب الصهاينة - , فإنه والحال كذلك , تكون القيادة الإيرانية قد برهنت للرأي العام الإيراني , وللأجيال المتلاحقة من الثورة - وذلك بلمس كل أولئك عن كثب - , بأن سياسة المهادنة مع أمريكا والغرب , لم تجن إلاّ المزيد من العربدة والعنجهية الأمريكية , وأن تقدم الزمن التفاوضي لم يفض إلى ما تصبو إليه الجماهير الإيرانية في رفع العقوبات عن كاهلها , لا بل أن ما تطرحه القيادة من شعارات , من أن سياسة المغازلة والمهادنة مع أمريكا لتحصيل المكاسب , ما هي إلاّ كالمراهنة على السراب ... من هنا تكون القيادة الإيرانية بتوجهها التفاوضي , تكون قد أعطت هذا الأخير مداه الزمني الذي كان يرتأيه رأيها العام , وتكون أمريكا والغرب قد قدمتا لهذا الرأي العام الإيراني – عن غير قصد – برهاناً جديداً حول صدقية وصوابية رأي القيادة الإيرانية في حقيقة أمريكا وملمسها الناعم الذي يُخفي تحته الكثير من الأشواك ..وبالتالي تكون أمريكا قد عملت على تعويم السياسة الإيرانية في الإقتصاد المقاوم والسياسة المقاوِمة عند الرأي العام الإيراني ! أما في حال أن هذه المفاوضات قد أتت أكلها – وهذه فرضية نستبعدها لإسباب استعرضناها كثيراً – فيكون التعويم بهكذا نتيجة للمفاوضات , للقيادة الإيرانية , ومدى احترامها للرأي العام من جهة , ومدى تقدم النظام الإسلامي في إيران على أغلب الديموقراطيات الزائفة في المنطقة والعالم , من جهة ثانية . نخلص إلى القول بأن الرأي العام في كل من إيران وأمريكا , هو في حد ذاته من دوافع ونتائج المفاوضات التي جرت وستجري لاحقاً في جنيف وغيرها , فقادة الرأي العام في هذين البلدين , لكلٍ منهما أجندته الخاصة برأيه العام .. بحيث يجزم كلٍّ منهما أن الأخر يلعب في ملعب رأيه العام , ويحاول التأثير فيه .. لذلك ستكون المفاوضات الإيرانية – الأمريكية , عاملاً حيوياً في تكوين التوجهات المقبلة للرأي العام في كل بلدٍ منهما , وذلك بغض النظر عن نتائجها , سلبيةً كانت , أم إيجابية , فالأمر سيّان .. باحث وكاتب سياسي
حسن شقير
لم يكن وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى سدة الرئاسة الأمريكية في العام 2008 إلاّ تعبيراً أمريكياً شعبياً صارخاً بوجه سياسات سلفه بوش – الإبن ومحافظيه الجدد الكارثية على أمريكا , داخلياً وخارجياً على حد سواء .. لذلك فقد رأت فيه الفئات الشعبية الأمريكية , أملها الأتي في تغيير واقعها المأزوم أنذاك . لم يختلف المشهد إيرانياً , في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة , خصوصاً بعد حصد الرئيس روحاني تلك الأعداد الهائلة من أصوات الناخبين الإيرانيين , الذين أطلقوا أيضاً صرخةً مدويةً بوجه التيار المحافظ في إيران , خصوصاً لناحية برامجه الداخلية منها , ولربما بعض الخارجية ... وخصوصاً أن تسويق إيران – نجاد , لم يكن بالأمر اليسير, لا في أمريكا ولا في الغرب اللاحق بها على حد سواء , وتحديداً في عهد أوباما التغييري و" المنفتح " . لم يكن الكيان الصهيوني برأيه العام بعيداً عن ذاك الإنفتاح الأمريكي – على الرغم من الصراخ العالي لبعض سياسييه – وذلك لأسباب وظروف متعددة تتعلّق بالمجتمع الصهيوني حصراً ... فلقد صدرت الكثير من المواقف لكثرٍ في مراكز الدراسات الصهيونية , تُدين غلو نتنياهو في معارضته لإنفتاح أمريكا الأخير على إيران .. حتى أن البعض في تلك المراكز رأى في هذا التوجه الأمريكي – في بعض نواحيه – مكسباً صهيونياً , وبصيص أملٍ في إمكانية تعزيز أمنهم الذاتي ... أمريكا وإجهاض الرأي العام الأمريكي . لا يخفى على أحدٍ , تعب أمريكا من الحروب التي خاضها بوش ومحافظيه الجدد , وعلى كافة الصعد العسكرية والمالية , ناهيك عن السياسية ... ولا يُنكر أحدٌ أيضاً , أن تلك الحروب كانت فاشلة بكل المقاييس , فضلاً عن أنها كانت باهضة الثمن على الشعب الأمريكي برمته .. حيث بدأ يتشكل رأي عام أمريكي ذو مزاجٍ مختلف عمّا هو العادة في أمريكا , بحيث أصبح هذا الرأي العام ينحو شيئاً فشيئاً من اهتماماته شبه الصرفة والمتعلقة بشؤونه وشجونه الداخلية نحو الخارجية منها , مما أوجد كباشاً خفياً بين ما يُسمى بالمُجمّع الصناعي العسكري والنفطي وأصحابه من ذوو التوجهات الرأسمالية المتوحشة , مضافاً إليهم اللوبيات الصهيونية , وبين فئات وازنة من الرأي العام الأمريكي , والتي اندفعت بقوة نحو المشهد السياسي الأمريكي .. حيث خرج هذا الكباش إلى العلن أثناء التحضير للعدوان المبتور على سوريا , وما لاقاه هذا الأخير من صعوبات حقيقية في تسويقه في الكونغرس الأمريكي ( الملعب الخصب للإيباك ) ! , والذي يعتبر الممثل الشرعي للرأي العام الأمريكي ... من هنا يمكننا أن نفترض – وبقوة – أن أوباما المنفتح على إيران , يخوض مفاوضاته معها تحت سقف إعادة صياغة الرأي العام الأمريكي لمصلحة السياسة التقليدية الأمريكية في إعادة حصرها بأربابها المعتادين – أمريكيين وصهاينة – وخصوصاً مع عدم تحقيق تلك المفاوضات من نتائج تتوخى من خلالها أمريكا والكيان إلى إخضاع إيران , فتنطلق الميديا التابعة لهم ساعتئذٍ , لتُسلِّط الضوء على " العوائق والعقبات " الإيرانية التي أفشلت تلك المفاوضات – وهذه الفرضية مرجحة - , أو أن تلك المفاوضات بنتائجها المتوخاة تُعوِّم الحزب الديمقراطي الأمريكي وخياراته الإستراتيجية في كيفية الحفاظ على مصالح الأمن القومي الأمريكي والصهيوني على السواء – وهذه الفرضية نستبعدها - , والسبب في ذلك أن عناصر الخلاف الأمريكي – الإيراني , تتخطى الملف النووي , إلى ما هو أبعد وأشمل من ذلك بكثير أمريكا وإحياء الرأي العام الثوري لم تكن أحوال الرأي العام في إيران ,أفضل حالاً بالنسبة لقادة الرأي والتأثير في الجمهورية الإسلامية , فلقد مرَّ على الجيل الثوري الأول منذ العام 1979, أجيالاً وأجيال , تبدلت معها الظروف والأحداث والتطورات , وبقيت الشعارات الثورية هي هي في عدائها لأمريكا وللكيان الصهيوني على حد سواء .. إلاّ أنه وبعد التطورات التي حدثت في أمريكا والغرب , ولبس هؤلاء لبوس الإنفتاح والإعتدال .. جعل من قطاعاتٍ وازنة من الرأي العام الإيراني يعتقد أن المصلحة الإيرانية تفرض على الجمهورية الإسلامية أن تلاقي أمريكا والغرب في منتصف الطريق , على قاعدة الحفاظ على الثوابت والكرامة والأصالة الثورية .. هذا الرأي العام الذي حمل الرئيس روحاني إلى السلطة , متقدماً على نظرائه من المرشحين الأخرين بفارق شاسعٍ من الأصوات – ومن الدورة الأولى فقط – جعلت القيادة الإيرانية تُعيد قراءة تطلعات وتوجهات الرأي العام في إيران .. فاندفعت هذه الأخيرة بخريطة طريق , تجعل من الرأي العام الإيراني متمسكاً أكثر فأكثر بأصالته الثورية من جهة , ومن جهة ثانية تجعله لاعباً قوياً في رسم السياسات والتوجهات العامة للدولة في أرقى ممارسات الديمقراطية ... فكيف ذلك ؟ لنفترض مسبقاً , أن المفاوضات مع أمريكا وصلت إلى حائط مسدود – وهذه فرضية نرجحها - , نظراً لعدم استجابة إيران بالخضوع للشروط الأمريكية والصهيونية في الملف النووي وغيره من الملفات ,وبما أن إيران أبدت وستبدي المرونة المطلقة في جعل برنامجها النووي أكثر شفافية أمام العالم , إلاّ أنه على الرغم من ذلك لم يتم رفع العقوبات المرهقة للشعب الإيراني بحجة أمور تبقى عالقة أو لعدم السير الأمريكي بخطوة مقابل خطوة – وكما يطالب الصهاينة - , فإنه والحال كذلك , تكون القيادة الإيرانية قد برهنت للرأي العام الإيراني , وللأجيال المتلاحقة من الثورة - وذلك بلمس كل أولئك عن كثب - , بأن سياسة المهادنة مع أمريكا والغرب , لم تجن إلاّ المزيد من العربدة والعنجهية الأمريكية , وأن تقدم الزمن التفاوضي لم يفض إلى ما تصبو إليه الجماهير الإيرانية في رفع العقوبات عن كاهلها , لا بل أن ما تطرحه القيادة من شعارات , من أن سياسة المغازلة والمهادنة مع أمريكا لتحصيل المكاسب , ما هي إلاّ كالمراهنة على السراب ... من هنا تكون القيادة الإيرانية بتوجهها التفاوضي , تكون قد أعطت هذا الأخير مداه الزمني الذي كان يرتأيه رأيها العام , وتكون أمريكا والغرب قد قدمتا لهذا الرأي العام الإيراني – عن غير قصد – برهاناً جديداً حول صدقية وصوابية رأي القيادة الإيرانية في حقيقة أمريكا وملمسها الناعم الذي يُخفي تحته الكثير من الأشواك ..وبالتالي تكون أمريكا قد عملت على تعويم السياسة الإيرانية في الإقتصاد المقاوم والسياسة المقاوِمة عند الرأي العام الإيراني ! أما في حال أن هذه المفاوضات قد أتت أكلها – وهذه فرضية نستبعدها لإسباب استعرضناها كثيراً – فيكون التعويم بهكذا نتيجة للمفاوضات , للقيادة الإيرانية , ومدى احترامها للرأي العام من جهة , ومدى تقدم النظام الإسلامي في إيران على أغلب الديموقراطيات الزائفة في المنطقة والعالم , من جهة ثانية . نخلص إلى القول بأن الرأي العام في كل من إيران وأمريكا , هو في حد ذاته من دوافع ونتائج المفاوضات التي جرت وستجري لاحقاً في جنيف وغيرها , فقادة الرأي العام في هذين البلدين , لكلٍ منهما أجندته الخاصة برأيه العام .. بحيث يجزم كلٍّ منهما أن الأخر يلعب في ملعب رأيه العام , ويحاول التأثير فيه .. لذلك ستكون المفاوضات الإيرانية – الأمريكية , عاملاً حيوياً في تكوين التوجهات المقبلة للرأي العام في كل بلدٍ منهما , وذلك بغض النظر عن نتائجها , سلبيةً كانت , أم إيجابية , فالأمر سيّان .. باحث وكاتب سياسي
تعليق