* سياق تداعيات «منى» لمّا ينتهِ وما قبل خطاب خامنئي ليس كما بعده
هتاف دهام - البناء
تمرّ العلاقة السعودية – الإيرانية في مأزق خطير جداً، جعلت قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي يطلق شخصياً تهديدات غير مسبوقة، فالشعور الوطني الإيراني في حالة جرح كبير. ما قامت به المملكة يُعدّ مؤامرة محبوكة جيداً وتثير الشكوك، ولذلك فإنّ ما قبل خطاب خامنئي يوم أول من امس الأربعاء ليس كما بعده في المملكة الوهابية التي عادت عن رفض تسليم جثامين الحجاج الإيرانيين ووافقت، بعدما كانت طرحت فكرة دفن الجثامين ضمن مقابر جماعية، وتعاطت بشكل كيدي مع الجمهورية الإسلامية التي طالبتها بالكشف عما حدث ومعرفة مصير الحجاج.
وبدلاً من أن تبدّد الرياض الشكوك، حوّلت الوقائع إلى قرائن جديدة، تباطأت في إصدار ترخيص لتسيير رحلة لنقل الجثامين ما قرّبها من الاتهام الحقيقي، وبدت وكأنها تريد أن تخفي شيئاً. تراوح سلوكها بين التقصير والتقصّد، أرادت من ورائه تأجيل الاعتراف بمجموعة من الحقائق البيّنة، والتسويف والمماطلة في الإعلان عن العدد الحقيقي للضحايا، فمع الوقت تتحلل الجثث، ويصعب على الإيرانيين كشف الأسباب التي أدّت إلى حالات الوفاة. أضف إلى ذلك، عمدت السعودية من خلال توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، برقية شكر إلى وليّ العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا، بمناسبة «نجاح» الموسم الحالي للحج، إلى ابتزاز مشاعر الدول وشعوبها التي فقدت ضحايا من الحجاج، بدلاً من أن توافق على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بمشاركة الدول الإسلامية ومن ضمنها إيران لإجراء تحقيقات شفافة تعرضها أمام العالمين العربي والإسلامي للكشف عن التقصير وسوء الإدارة بدلاً من التعاطي سلباً.
لقد كان خطاب خامنئي مفصلياً، وضع السعودية أمام خيارين إما التعاون وإما التعنّت الذي يعني مزيداً من النار في المنطقة. والسؤال إلى أين تتجه الأمور؟ هذا ما يُفترض أن يُسأل عنه النظام السعودي؟ هل سيتجه هذا النظام إلى افتعال أزمة جديدة في منطقة لم تعد تتحمّل مزيداً من الأزمات؟ إنّ سياق التداعيات لحادثة مشعر منى لمّا ينتهِ، والتجاوب المتأخر لا يعني امتصاص الغضب الإيراني، بغضّ النظر عما إذا كان الطرف الإيراني قد اعتبر أنّ القبول بتسليم الجثامين يعبّر عن سياسة جديدة أم لا.
توعّد السيد خامنئي السلطات السعودية بردّ قاس وعنيف، إذا ما تعرّض الحجاج الإيرانيون وجثامين ضحايا الكارثة إلى إساءة، مضيفاً أنه إذا قرّرت إيران إبداء ردّ فعل حول هذه الكارثة، فإنّ أوضاع السلطات السعودية لن تكون محمودة العواقب، مؤكداً أنّ جَهَلة العصر حوّلوا العيد إلى عزاء.
شكّل التهديد - الإنذار رسالة حاسمة للسعودية تتضمّن القول أولاً أنّ الجمهورية الإسلامية تريد أن تختبر السعودية إنْ كانت افتعلت الحادث، أم أنّ الحادث وقع نتيجة تقصير وسوء إدارة منها، صحيح أنها في الحالة الثانية تتحمّل المسؤولية، لكن هذه المسؤولية تبقى في مستوى أدنى مما لو كان الأمر مدبّراً. ثانياً تريد طهران الضغط على الرياض لدفعها إلى التعاون في تسليم الجثامين وعدم اتخاذها ورقة ابتزاز. ثالثاً إبلاغ المملكة أنّ كرامة الإيرانيين لا تتوقف عند خطوط حمراء وأنّ طهران جاهزة لحفظ هذه الكرامة حتى لو اضطرت إلى القوة والعنف تحت أيّ عنوان من العناوين.
فهمت السعودية الرسالة جيداً وخضعت لمقتضياتها ولمضامينها وتغيّر سلوكها مع الوفد الإيراني الموجود في جدة، فبعد ساعة ونصف الساعة من موقف السيد خامنئي اتصلت الإدارة السعودية بوزير الصحة الإيراني حسن هاشمي وأبدت استعدادها لتسليم كلّ الجثث فور التعرّف إليها، وأبلغته أنّ عدد الجثث الإيرانية 464 جثة بعد أن أعلنت قبل ثلاث ساعات من الخطاب أنّ عدد الضحايا 235. وكان اللافت أنّ الرياض قبل الخطاب نفت وجود السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن آبادي في السعودية، لتعترف بعد ذلك بأنه جثة هامدة في برادات أحد مستشفياتها، هذا يعني أنّ السعودية استوعبت جدية الموقف الإيراني وتراجعت عن نياتها وابتزازها، مع احتمال قائم بأن يكون ركن آبادي خطف من قبل السعوديين وتمّت تصفيته على أيديهم، بعد أن نجا في لبنان في العام 2013 من محاولتي اغتيال من جراء تفجيري السفارة الإيرانية في بيروت.
لكن هل للسعودية المنغمسة في وحول معركة اليمن مصلحة في ذلك في الوقت الراهن؟ ثمّة من يتهم وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف شخصياً بافتعال المجزرة، أولاً لعدائه المطلق للجمهورية الإسلامية، وثانياً لأنه يريد حرق ورقة ولي ولي العهد محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة، فهذه الحادثة المأسوية أثبتت عدم قدرة الأخير على الإشراف على مناسك الحج، فكيف سيدير ملفات أكبر وأكثر تعقيداً.
وإذا صحّ هذا التحليل فإنّ ما جرى يمكن وضعه في خانة التنافس بين ولي العهد وولي ولي العهد على إدارة المملكة، ويكون بن نايف أثبت للعالم الغربي لا سيما للولايات المتحدة أنه الأجدر بقيادة السعودية في مرحلة ما بعد سلمان الذي يدرك الجميع أنه الحاكم الصوري في السعودية، بينما الحاكم الفعلي هو محمد بن سلمان، لتأتي نكسة الحج في أعقاب نكسة اليمن والفشل السياسي في إدارة معركة سورية، لتتوّج فشله في إدارة المعارك في هذين البلدين، لمصلحة ولي العهد.
***
* جمهورية نجد الشعبية الديمقراطية
محمد محمود مرتضى
لم اعتد، منذ ان بدأت الكتابة والعمل البحثي ان اكتب بطريقة تهكمية، الا ان ما قرأته في الصحافة السعودية حتم علي اعتماد هذا الاسلوب نظرا لما حملته تلك الصحافة من شعارات تثير الاستهزاء، ومقولات خيالية بعيدة كل البعد عن الواقع .
فمنذ حادثة تدافع الحجاج في منى ومطالبة الجمهورية الاسلامية بتحقيق اسلامي دولي بالحادثة، والاعلام السعودي في حالة محمومة من الهجوم على ايران. ان المطالبة بتحقيق محايد في حادثة جرت على اراضي مملكة من المعلوم عدم نزاهة قضائها وخضوعه لرغبات الملوك والامراء، هو مطلب محق، ليس لايران فحسب بل لكل دولة تضررت من جراء الحادثة، لا سيما مع وجود فرضيات تتعلق بمرور مواكب سيارة لبعض الامراء قد ادت للتدافع. ومهما يكن من امر فان اللافت في الاعلام السعودي بعض الشعارات والعناوين التي رفعت والتي تبدو انها " نكتة" سمجة حتى لا نقول انها كذبة قد صدقها مطلقوها. وهذه بعض النماذج :
1 - وزير الخارجية السعودي والديمقراطية : في تعليق على سؤال لقناة العربية حول خطاب الرئيس روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: «آخر من يتحدث عن الديمقراطية يجب أن يكون الرئيس الإيراني». فان كانت ايران دولة الدستور والمؤسسات والانتخابات، هي آخر من يحق له التحدث عن الديمقراطية، ففي اي مرتبة تقع مملكتكم يا حضرة "الجبير"؟ ربما لا يعلم الجبير انه وزير خارجية لمملكة كل ما فيها هي ملك للملك والامراء، حتى اسمها، وانها لم تعرف الانتخابات يوما، وان دستورها هي ما وضعه المؤسس عبد العزيز من تقسيم الاملاك بين الامراء وكيفية توارث السلطة.

2 - "فهد بن جليد" وتجلد العقول: نموذج اخر قدمه فهد بن جليد في صحيفة الجزيرة حيث قال: " إيران متورطة دولياً، ومُتهمة بالتدخل الفج والسافر في قضايا الأمة العربية، والإسلامية". حسنا قد نفهم مقولة التدخل في قضايا الامة العربية باعتبار ان ايران فارسية، وان كان الاسلام يعتبر انه لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى، وان الحديث عن امة عربية هو حديث يخالف روح الاسلام الذي جاء لنبذ الفرقة، ومع ذلك قد نفهم مقولة التدخل في القضايا العربية، لكن ماذا يعني كلام الكاتب عن ان ايران متهمة بالتدخل في قضايا الامة الاسلامية؟ فهل ايران هندوسية او بوذية مثلا؟ ام انهم "مجوس" كما يقولون. اذن لما تسمحون لهم بالحج الى بيت الله الحرام؟ ثم عن اي امة اسلامية تتحدثون؟ فان وهابيتكم لا تثبت الاسلام الا لمعتنقيها اما باقي المذاهب فمشركة او كافرة ان مبتدعة.
3 - إبراهيم الفرحان الذي لم يعد فرحانا: اما ابراهيم الفرحان فقد كتب في صحيفة مكة بان " تورط حجاج إيران وأتباع مذهبها وحلفائها ليس مستبعدا، بل يتأكد مع مرور الوقت أن لها يدا في التخطيط لحادثة تدافع منى، وإلا فمن أين جاء القتلى الإيرانيون في الوقت الذي لم يكن بين جموع الشارع 204 أي إيراني" يبدو ان "الذكاء الوهابي" يتم توراثه، هل يعتقد الكاتب ان الحجاج الايرانيين نزلوا بواسطة المظلات؟ وهل يصح رجم الشيطان من المظلة؟ افتونا بذلك مأجورين. على ان الملفت للنظر قوله: " واتباع مذهبها"، ثم بعد ذلك يأتون ليتساءلون من اين اتت داعش بالتكفير. لا يحتاج الانسان لمطالعة كتب الوهابية لمعرفة مصادر الفكر التكفيري، بل تكفي مطالعة صحافة المملكة ليعلم جذور ومصادر هذا التفكير الداعشي وغير الداعشي.
4 - خالد السليمان والنظام السعودي العلماني؟: الكاتب خالد السليمان كتب في صحيفة عكاظ بان مشكلتهم " لم تكن يوما مع الشعب الإيراني، بل مع نظام مؤدلج تحكمه العرقية والطائفية". ولعمري هل فاتني تغييرات حصلت في المملكة وانا على غفلة من امري بحيث سقط حكم الملكية المطلقة والوهابية التكفيرية، وتحول الحكم في السعودية الى حكم علماني؟ هل تغير اسم "الدولة" من المملكة العربية السعودية" الى "جمهورية نجد الشعبية الديمقراطية" ؟ غريب امر هؤلاء فحتى اسم مملكتهم احتكرها ملوكهم واطلقوا عليها اسمهم ( المملكة السعودية نسبة لال سعود) ثم يتهمون ايران بالادلجة مع ان دستورها ينص على حقوق الاخرين من الطوائف والمذاهب والديانات الاخرى.
5 - المتطير عبد الله بن موسى الطاير: اما عبد الله الطاير فوجّه في صحيفة الرياض دعوة الى ما سماهم "بالشيعة العرب" للبراءة من نظام "الملالي" وفضح كيدهم للأمة. وفي ذلك مفارفتان : الاولى ان كلمة الملالي تعني علماء الدين فهل النظام السعودي علماني يفصل بين الدين والدولة؟ اما الدعوة لشيعة العرب للبراءة من ايران الا يلزم اولا ان تعترف الوهابية بالشيعة انهم مسلمون ولا تكفرهم؟ ثم ان في المملكة والمنطقة الشرقية تحديدا مئات الالاف من الشيعة فلماذا لا يعطون حقوقهم المدنية والدينية كمواطنين سعوديين قبل دعوتهم للبراءة من ايران او غيرها. على ان الحرمان في "مملكة الظلام" لا يقتصر على الشيعة فحسب بل يطال معظم المواطنين السعوديين المغلوب على امرهم والذين يعيشون تحت خط الفقر على حساب رفاهية الطبقة الحاكمة من ال سعود وال الشيخ، فضلا عن التمييز العنصري الذي يطال اصحاب البشرة السمراء. وهذا يذكرنا بالتقرير الذي اعدته مجلة فرونت بايج الاميركية في شهر شباط/فبراير الماضي الذي وصفت فيه المملكة بأنها أكثر الدول عنصرية في الوطن العربي. دون ان ننسى المعاملة السيئة التي تتعرض لها العمالة الاجنبية، حتى ان بعضهم يتم التعامل معه بما هو اسوء انواع الرق والاستعباد.
كثيرة هي الكتابات التي تشبه هذه النماذج والتي ملأت الصحافة السعودية. حتى يخال المرء انه يقرأ صحافة لدولة تنعم بالديمقراطية، وبحرية الصحافة والتعبير، والواقع ان الديمقراطية عندهم "رجس من عمل الشيطان" الذي يجب اجتنابه. وقد قيل فيما قيل : اكذب اكذب حتى يصدقك الناس. لكن الواقع ان الصحافة السعودية وكتّابها قد وصلوا الى مرحلة متقدمة : فقد كذبوا وكذبوا حتى صدقوا انفسهم.
***
* فاجعة منى.. العدوان الذي ارتد على من رعاه!

الوقت
بعد أن كان موضوع تحصين الجبهة الداخلية يتربع على سلّم الاولويات السعودية، باتت الرياض اليوم تولي إهتماماً أكبر للصراعات التي تخوضها على الصعيد الخارجي، سواءً سياسية أو عسكرية. ولم يكن إنصراف السعودية نحو المواجهات الخارجية، وليد الصدفة، بل جاء في إطار سياسات الشباب المندفع عديم الخبرة الذي يتولى إدارة دفّة الحكم في الرياض بعد رحيل الملك عبدالله بداية العام الجاري.
لم يكن حال الداخل السعودي مماثلاً للعديد من دول المنطقة، بل نجحت الرياض، وبشكل كبير في حماية الأوضاع الداخلية من تداعيات ما يسمى ب"الربيع العربي" وما تلاها من ظهور للجماعات التكفيرية في المنطقة، حتى وصل حال الرياض اليوم إلى عدم قدرتها على إدارة أمور الحجاج حيث بدأ الفشل السعودي في إدارة مراسم الحج هذا العام مع سقوط رافعة الحرم المكي التي أودت بحياة 109 على الاقل واصابة 400 آخرين، ومرّت عبر حريق خيام الحجاج المصريين، حتى وصل في النهاية إلى فاجعة منى التي أودت بحياة حوالي الـ2000 مسلم وتسببت بإصابة حوالي الـ4000 شخص، رغم تكتّم الرياض على الأعداد الحقيقية للحادثة المؤلمة.
عند دراستنا للدلالات التي يحملها الفشل السعودي في إدارة مراسم الحج، لا بد من أن نستحضر، في الآن نفسه، الصراع القائم بين جناحي "ولاية العهد" في السعودية بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، كما ولا بد أن نستحضر إنشغال هذا البلد في الملفات الخارجية التي أرهقت كاهل الرياض على الصعيدين الأمني والسياسي والإقتصادي والعسكري، وعلى رأس هذه الملفات يتربّع العدوان السعودي على الشعب اليمني.
السياسة الخارجية والعدوان على اليمن
أثرت السياسة الخارجية للملك الجديد سلمان بن عبد العزيز على أوضاع السعودية الداخلية بشكل كبير، حيث يمكننا القول إن إنشغال الرياض في الجبهة الجديدة التي يتولى إدارتها وزير الدفاع، وولي العهد الثاني محمد بن سلمان، من أهم الأسباب التي تقف بشكل مباشر خلف الفشل السعودي في إدارة مراسم الحج لهذا العام، سواءً في حادثة الرافعة، أو تلك المجزرة التي تقع على عاتق السعودية في منى.
ولم تقتصر تأثيرات الجبهة الداخلية على حجاج بيت الله الحرام، حيث شهدت السعودية منذ فترة إختراقات بالجملة من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وأبرز هذه الإختراقات تمثّلت بالتفجيرات التي شهدتها المنطقة الشرقية، فضلاً عن إلقاء الداخلية السعودية القبض على أكبر شبكة إرهابية في هذا البلد، الأمر الذي يعد نصراً لمحمد بن نايف في "صراع القدرة" مع محمد بن سلمان. ولكن لم يكن حال الرياض مماثلاً قبل دخولها في العدوان على اليمن الذي إستنزف جزءاً كبيراً من قواتها المسلحة.
بالعودة إلى حادثة منى، يؤكد العديد من الخبراء أن إنشغال القيادة السعودية، سواء الملك أو إبنه محمد ومن لفّ لفهم، بالحرب على اليمن، إضافة إلى إستنزاف قواتها من جيش وحرس وطني، أثر بشكل كبير على أداء القوات الأمنية السعودية في الداخل، خاصةً أنها باتت مجبرةً على تلبية العديد من الفراغات التي كانت تسدها ألوية من الجيش والحرس الوطني.
إذاً، وإضافةً إلى الفراغ البشري من الناحيتين العسكرية والأمنية، يمكننا القول إن إهمال السلطات السعودية للجبهة الداخلية تسببت في حادثة منى، ولكن ما مدى صحة الحديث عن وقوف "صراع الأجنحة وهيكلية الحكم الحالية" أيضاً وراء وفاة حوالي 2000 حاج وإصابة 4000 آخرين في منى؟
هيكيلة الحكم وصراع الاجنحة
لا يمكن حصر أسباب الفاجعة الأليمة في الحج بالعدوان السعودي على اليمن، وإن كان يمتلك حصّة الأسد، لأن الصراع القائم بين أجنحة الحكم والذي أفضى إلى هيكلية ضعيفة على الصعيد الداخلي، يعتبر أحد الأسباب الرئيسية أيضاً.
ولم تغب تداعيات هذه النقطة أيضاً عن الحرب اليمنية حيث تسبب فشل وزير الدفاع محمد بن سلمان في تحقيق أي نصر عسكري، في ظل نجاح منافسه محمد بن نايف في الجبهة الداخلية رغم كافّة التحديات التي تواجهه، تسبب بتضييق الخناق على ولي العهد في الجبهة الداخلية من قبل وزير الدفاع، وبضوء أخضر من والده الملك، بإعتبار أن إستمرار إنتصارات ابن نايف الأمنية في ظل فشل ابن سلمان على الصعيدين العسكري والإقتصادي (تواجه الميزانية السعودية عجزاً إقتصادياً يقدّر بحوالي 200 مليار دولار)، سيضعّف أوراق الأخير لدى الأسرة الحاكمة والرأي العام السعودي.
في ظل هذه الأوضاع، وعبر بعض الإجراءات الميدانية في مدينة مكّة ( حادثة الرافعة، تعطيل قطار الحجاج، إقفال بعض الطرق) عمد محمد بن سلمان إلى إفتعال هذه الإجراءات التي تهدف إلى إضعاف محمد بن نايف لعزله من الداخلية ولاحقا من المنافسة على ولاية العهد، إلا أنها كانت على حساب الحجاج المسلمين.
في الخلاصة، وبصرف النظر عن نتائج الصراعات العائلية لهذا الحادث المؤلم، يظهر جلياً أن تداعيات المشهد اليمني، لا تفرض نفسها على المعارك الميدانية فحسب، بل تؤسس، وبطريقة غير مباشرة، لهيكلية هشّة تنذر بفناء آل سعود.
هتاف دهام - البناء
تمرّ العلاقة السعودية – الإيرانية في مأزق خطير جداً، جعلت قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي يطلق شخصياً تهديدات غير مسبوقة، فالشعور الوطني الإيراني في حالة جرح كبير. ما قامت به المملكة يُعدّ مؤامرة محبوكة جيداً وتثير الشكوك، ولذلك فإنّ ما قبل خطاب خامنئي يوم أول من امس الأربعاء ليس كما بعده في المملكة الوهابية التي عادت عن رفض تسليم جثامين الحجاج الإيرانيين ووافقت، بعدما كانت طرحت فكرة دفن الجثامين ضمن مقابر جماعية، وتعاطت بشكل كيدي مع الجمهورية الإسلامية التي طالبتها بالكشف عما حدث ومعرفة مصير الحجاج.
وبدلاً من أن تبدّد الرياض الشكوك، حوّلت الوقائع إلى قرائن جديدة، تباطأت في إصدار ترخيص لتسيير رحلة لنقل الجثامين ما قرّبها من الاتهام الحقيقي، وبدت وكأنها تريد أن تخفي شيئاً. تراوح سلوكها بين التقصير والتقصّد، أرادت من ورائه تأجيل الاعتراف بمجموعة من الحقائق البيّنة، والتسويف والمماطلة في الإعلان عن العدد الحقيقي للضحايا، فمع الوقت تتحلل الجثث، ويصعب على الإيرانيين كشف الأسباب التي أدّت إلى حالات الوفاة. أضف إلى ذلك، عمدت السعودية من خلال توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، برقية شكر إلى وليّ العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا، بمناسبة «نجاح» الموسم الحالي للحج، إلى ابتزاز مشاعر الدول وشعوبها التي فقدت ضحايا من الحجاج، بدلاً من أن توافق على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بمشاركة الدول الإسلامية ومن ضمنها إيران لإجراء تحقيقات شفافة تعرضها أمام العالمين العربي والإسلامي للكشف عن التقصير وسوء الإدارة بدلاً من التعاطي سلباً.
لقد كان خطاب خامنئي مفصلياً، وضع السعودية أمام خيارين إما التعاون وإما التعنّت الذي يعني مزيداً من النار في المنطقة. والسؤال إلى أين تتجه الأمور؟ هذا ما يُفترض أن يُسأل عنه النظام السعودي؟ هل سيتجه هذا النظام إلى افتعال أزمة جديدة في منطقة لم تعد تتحمّل مزيداً من الأزمات؟ إنّ سياق التداعيات لحادثة مشعر منى لمّا ينتهِ، والتجاوب المتأخر لا يعني امتصاص الغضب الإيراني، بغضّ النظر عما إذا كان الطرف الإيراني قد اعتبر أنّ القبول بتسليم الجثامين يعبّر عن سياسة جديدة أم لا.
توعّد السيد خامنئي السلطات السعودية بردّ قاس وعنيف، إذا ما تعرّض الحجاج الإيرانيون وجثامين ضحايا الكارثة إلى إساءة، مضيفاً أنه إذا قرّرت إيران إبداء ردّ فعل حول هذه الكارثة، فإنّ أوضاع السلطات السعودية لن تكون محمودة العواقب، مؤكداً أنّ جَهَلة العصر حوّلوا العيد إلى عزاء.
شكّل التهديد - الإنذار رسالة حاسمة للسعودية تتضمّن القول أولاً أنّ الجمهورية الإسلامية تريد أن تختبر السعودية إنْ كانت افتعلت الحادث، أم أنّ الحادث وقع نتيجة تقصير وسوء إدارة منها، صحيح أنها في الحالة الثانية تتحمّل المسؤولية، لكن هذه المسؤولية تبقى في مستوى أدنى مما لو كان الأمر مدبّراً. ثانياً تريد طهران الضغط على الرياض لدفعها إلى التعاون في تسليم الجثامين وعدم اتخاذها ورقة ابتزاز. ثالثاً إبلاغ المملكة أنّ كرامة الإيرانيين لا تتوقف عند خطوط حمراء وأنّ طهران جاهزة لحفظ هذه الكرامة حتى لو اضطرت إلى القوة والعنف تحت أيّ عنوان من العناوين.
فهمت السعودية الرسالة جيداً وخضعت لمقتضياتها ولمضامينها وتغيّر سلوكها مع الوفد الإيراني الموجود في جدة، فبعد ساعة ونصف الساعة من موقف السيد خامنئي اتصلت الإدارة السعودية بوزير الصحة الإيراني حسن هاشمي وأبدت استعدادها لتسليم كلّ الجثث فور التعرّف إليها، وأبلغته أنّ عدد الجثث الإيرانية 464 جثة بعد أن أعلنت قبل ثلاث ساعات من الخطاب أنّ عدد الضحايا 235. وكان اللافت أنّ الرياض قبل الخطاب نفت وجود السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن آبادي في السعودية، لتعترف بعد ذلك بأنه جثة هامدة في برادات أحد مستشفياتها، هذا يعني أنّ السعودية استوعبت جدية الموقف الإيراني وتراجعت عن نياتها وابتزازها، مع احتمال قائم بأن يكون ركن آبادي خطف من قبل السعوديين وتمّت تصفيته على أيديهم، بعد أن نجا في لبنان في العام 2013 من محاولتي اغتيال من جراء تفجيري السفارة الإيرانية في بيروت.
لكن هل للسعودية المنغمسة في وحول معركة اليمن مصلحة في ذلك في الوقت الراهن؟ ثمّة من يتهم وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف شخصياً بافتعال المجزرة، أولاً لعدائه المطلق للجمهورية الإسلامية، وثانياً لأنه يريد حرق ورقة ولي ولي العهد محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة، فهذه الحادثة المأسوية أثبتت عدم قدرة الأخير على الإشراف على مناسك الحج، فكيف سيدير ملفات أكبر وأكثر تعقيداً.
وإذا صحّ هذا التحليل فإنّ ما جرى يمكن وضعه في خانة التنافس بين ولي العهد وولي ولي العهد على إدارة المملكة، ويكون بن نايف أثبت للعالم الغربي لا سيما للولايات المتحدة أنه الأجدر بقيادة السعودية في مرحلة ما بعد سلمان الذي يدرك الجميع أنه الحاكم الصوري في السعودية، بينما الحاكم الفعلي هو محمد بن سلمان، لتأتي نكسة الحج في أعقاب نكسة اليمن والفشل السياسي في إدارة معركة سورية، لتتوّج فشله في إدارة المعارك في هذين البلدين، لمصلحة ولي العهد.
***
* جمهورية نجد الشعبية الديمقراطية
محمد محمود مرتضى
لم اعتد، منذ ان بدأت الكتابة والعمل البحثي ان اكتب بطريقة تهكمية، الا ان ما قرأته في الصحافة السعودية حتم علي اعتماد هذا الاسلوب نظرا لما حملته تلك الصحافة من شعارات تثير الاستهزاء، ومقولات خيالية بعيدة كل البعد عن الواقع .
فمنذ حادثة تدافع الحجاج في منى ومطالبة الجمهورية الاسلامية بتحقيق اسلامي دولي بالحادثة، والاعلام السعودي في حالة محمومة من الهجوم على ايران. ان المطالبة بتحقيق محايد في حادثة جرت على اراضي مملكة من المعلوم عدم نزاهة قضائها وخضوعه لرغبات الملوك والامراء، هو مطلب محق، ليس لايران فحسب بل لكل دولة تضررت من جراء الحادثة، لا سيما مع وجود فرضيات تتعلق بمرور مواكب سيارة لبعض الامراء قد ادت للتدافع. ومهما يكن من امر فان اللافت في الاعلام السعودي بعض الشعارات والعناوين التي رفعت والتي تبدو انها " نكتة" سمجة حتى لا نقول انها كذبة قد صدقها مطلقوها. وهذه بعض النماذج :
1 - وزير الخارجية السعودي والديمقراطية : في تعليق على سؤال لقناة العربية حول خطاب الرئيس روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: «آخر من يتحدث عن الديمقراطية يجب أن يكون الرئيس الإيراني». فان كانت ايران دولة الدستور والمؤسسات والانتخابات، هي آخر من يحق له التحدث عن الديمقراطية، ففي اي مرتبة تقع مملكتكم يا حضرة "الجبير"؟ ربما لا يعلم الجبير انه وزير خارجية لمملكة كل ما فيها هي ملك للملك والامراء، حتى اسمها، وانها لم تعرف الانتخابات يوما، وان دستورها هي ما وضعه المؤسس عبد العزيز من تقسيم الاملاك بين الامراء وكيفية توارث السلطة.

2 - "فهد بن جليد" وتجلد العقول: نموذج اخر قدمه فهد بن جليد في صحيفة الجزيرة حيث قال: " إيران متورطة دولياً، ومُتهمة بالتدخل الفج والسافر في قضايا الأمة العربية، والإسلامية". حسنا قد نفهم مقولة التدخل في قضايا الامة العربية باعتبار ان ايران فارسية، وان كان الاسلام يعتبر انه لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى، وان الحديث عن امة عربية هو حديث يخالف روح الاسلام الذي جاء لنبذ الفرقة، ومع ذلك قد نفهم مقولة التدخل في القضايا العربية، لكن ماذا يعني كلام الكاتب عن ان ايران متهمة بالتدخل في قضايا الامة الاسلامية؟ فهل ايران هندوسية او بوذية مثلا؟ ام انهم "مجوس" كما يقولون. اذن لما تسمحون لهم بالحج الى بيت الله الحرام؟ ثم عن اي امة اسلامية تتحدثون؟ فان وهابيتكم لا تثبت الاسلام الا لمعتنقيها اما باقي المذاهب فمشركة او كافرة ان مبتدعة.
3 - إبراهيم الفرحان الذي لم يعد فرحانا: اما ابراهيم الفرحان فقد كتب في صحيفة مكة بان " تورط حجاج إيران وأتباع مذهبها وحلفائها ليس مستبعدا، بل يتأكد مع مرور الوقت أن لها يدا في التخطيط لحادثة تدافع منى، وإلا فمن أين جاء القتلى الإيرانيون في الوقت الذي لم يكن بين جموع الشارع 204 أي إيراني" يبدو ان "الذكاء الوهابي" يتم توراثه، هل يعتقد الكاتب ان الحجاج الايرانيين نزلوا بواسطة المظلات؟ وهل يصح رجم الشيطان من المظلة؟ افتونا بذلك مأجورين. على ان الملفت للنظر قوله: " واتباع مذهبها"، ثم بعد ذلك يأتون ليتساءلون من اين اتت داعش بالتكفير. لا يحتاج الانسان لمطالعة كتب الوهابية لمعرفة مصادر الفكر التكفيري، بل تكفي مطالعة صحافة المملكة ليعلم جذور ومصادر هذا التفكير الداعشي وغير الداعشي.
4 - خالد السليمان والنظام السعودي العلماني؟: الكاتب خالد السليمان كتب في صحيفة عكاظ بان مشكلتهم " لم تكن يوما مع الشعب الإيراني، بل مع نظام مؤدلج تحكمه العرقية والطائفية". ولعمري هل فاتني تغييرات حصلت في المملكة وانا على غفلة من امري بحيث سقط حكم الملكية المطلقة والوهابية التكفيرية، وتحول الحكم في السعودية الى حكم علماني؟ هل تغير اسم "الدولة" من المملكة العربية السعودية" الى "جمهورية نجد الشعبية الديمقراطية" ؟ غريب امر هؤلاء فحتى اسم مملكتهم احتكرها ملوكهم واطلقوا عليها اسمهم ( المملكة السعودية نسبة لال سعود) ثم يتهمون ايران بالادلجة مع ان دستورها ينص على حقوق الاخرين من الطوائف والمذاهب والديانات الاخرى.
5 - المتطير عبد الله بن موسى الطاير: اما عبد الله الطاير فوجّه في صحيفة الرياض دعوة الى ما سماهم "بالشيعة العرب" للبراءة من نظام "الملالي" وفضح كيدهم للأمة. وفي ذلك مفارفتان : الاولى ان كلمة الملالي تعني علماء الدين فهل النظام السعودي علماني يفصل بين الدين والدولة؟ اما الدعوة لشيعة العرب للبراءة من ايران الا يلزم اولا ان تعترف الوهابية بالشيعة انهم مسلمون ولا تكفرهم؟ ثم ان في المملكة والمنطقة الشرقية تحديدا مئات الالاف من الشيعة فلماذا لا يعطون حقوقهم المدنية والدينية كمواطنين سعوديين قبل دعوتهم للبراءة من ايران او غيرها. على ان الحرمان في "مملكة الظلام" لا يقتصر على الشيعة فحسب بل يطال معظم المواطنين السعوديين المغلوب على امرهم والذين يعيشون تحت خط الفقر على حساب رفاهية الطبقة الحاكمة من ال سعود وال الشيخ، فضلا عن التمييز العنصري الذي يطال اصحاب البشرة السمراء. وهذا يذكرنا بالتقرير الذي اعدته مجلة فرونت بايج الاميركية في شهر شباط/فبراير الماضي الذي وصفت فيه المملكة بأنها أكثر الدول عنصرية في الوطن العربي. دون ان ننسى المعاملة السيئة التي تتعرض لها العمالة الاجنبية، حتى ان بعضهم يتم التعامل معه بما هو اسوء انواع الرق والاستعباد.
كثيرة هي الكتابات التي تشبه هذه النماذج والتي ملأت الصحافة السعودية. حتى يخال المرء انه يقرأ صحافة لدولة تنعم بالديمقراطية، وبحرية الصحافة والتعبير، والواقع ان الديمقراطية عندهم "رجس من عمل الشيطان" الذي يجب اجتنابه. وقد قيل فيما قيل : اكذب اكذب حتى يصدقك الناس. لكن الواقع ان الصحافة السعودية وكتّابها قد وصلوا الى مرحلة متقدمة : فقد كذبوا وكذبوا حتى صدقوا انفسهم.
***
* فاجعة منى.. العدوان الذي ارتد على من رعاه!

الوقت
بعد أن كان موضوع تحصين الجبهة الداخلية يتربع على سلّم الاولويات السعودية، باتت الرياض اليوم تولي إهتماماً أكبر للصراعات التي تخوضها على الصعيد الخارجي، سواءً سياسية أو عسكرية. ولم يكن إنصراف السعودية نحو المواجهات الخارجية، وليد الصدفة، بل جاء في إطار سياسات الشباب المندفع عديم الخبرة الذي يتولى إدارة دفّة الحكم في الرياض بعد رحيل الملك عبدالله بداية العام الجاري.
لم يكن حال الداخل السعودي مماثلاً للعديد من دول المنطقة، بل نجحت الرياض، وبشكل كبير في حماية الأوضاع الداخلية من تداعيات ما يسمى ب"الربيع العربي" وما تلاها من ظهور للجماعات التكفيرية في المنطقة، حتى وصل حال الرياض اليوم إلى عدم قدرتها على إدارة أمور الحجاج حيث بدأ الفشل السعودي في إدارة مراسم الحج هذا العام مع سقوط رافعة الحرم المكي التي أودت بحياة 109 على الاقل واصابة 400 آخرين، ومرّت عبر حريق خيام الحجاج المصريين، حتى وصل في النهاية إلى فاجعة منى التي أودت بحياة حوالي الـ2000 مسلم وتسببت بإصابة حوالي الـ4000 شخص، رغم تكتّم الرياض على الأعداد الحقيقية للحادثة المؤلمة.
عند دراستنا للدلالات التي يحملها الفشل السعودي في إدارة مراسم الحج، لا بد من أن نستحضر، في الآن نفسه، الصراع القائم بين جناحي "ولاية العهد" في السعودية بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، كما ولا بد أن نستحضر إنشغال هذا البلد في الملفات الخارجية التي أرهقت كاهل الرياض على الصعيدين الأمني والسياسي والإقتصادي والعسكري، وعلى رأس هذه الملفات يتربّع العدوان السعودي على الشعب اليمني.
السياسة الخارجية والعدوان على اليمن
أثرت السياسة الخارجية للملك الجديد سلمان بن عبد العزيز على أوضاع السعودية الداخلية بشكل كبير، حيث يمكننا القول إن إنشغال الرياض في الجبهة الجديدة التي يتولى إدارتها وزير الدفاع، وولي العهد الثاني محمد بن سلمان، من أهم الأسباب التي تقف بشكل مباشر خلف الفشل السعودي في إدارة مراسم الحج لهذا العام، سواءً في حادثة الرافعة، أو تلك المجزرة التي تقع على عاتق السعودية في منى.
ولم تقتصر تأثيرات الجبهة الداخلية على حجاج بيت الله الحرام، حيث شهدت السعودية منذ فترة إختراقات بالجملة من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وأبرز هذه الإختراقات تمثّلت بالتفجيرات التي شهدتها المنطقة الشرقية، فضلاً عن إلقاء الداخلية السعودية القبض على أكبر شبكة إرهابية في هذا البلد، الأمر الذي يعد نصراً لمحمد بن نايف في "صراع القدرة" مع محمد بن سلمان. ولكن لم يكن حال الرياض مماثلاً قبل دخولها في العدوان على اليمن الذي إستنزف جزءاً كبيراً من قواتها المسلحة.
بالعودة إلى حادثة منى، يؤكد العديد من الخبراء أن إنشغال القيادة السعودية، سواء الملك أو إبنه محمد ومن لفّ لفهم، بالحرب على اليمن، إضافة إلى إستنزاف قواتها من جيش وحرس وطني، أثر بشكل كبير على أداء القوات الأمنية السعودية في الداخل، خاصةً أنها باتت مجبرةً على تلبية العديد من الفراغات التي كانت تسدها ألوية من الجيش والحرس الوطني.
إذاً، وإضافةً إلى الفراغ البشري من الناحيتين العسكرية والأمنية، يمكننا القول إن إهمال السلطات السعودية للجبهة الداخلية تسببت في حادثة منى، ولكن ما مدى صحة الحديث عن وقوف "صراع الأجنحة وهيكلية الحكم الحالية" أيضاً وراء وفاة حوالي 2000 حاج وإصابة 4000 آخرين في منى؟
هيكيلة الحكم وصراع الاجنحة
لا يمكن حصر أسباب الفاجعة الأليمة في الحج بالعدوان السعودي على اليمن، وإن كان يمتلك حصّة الأسد، لأن الصراع القائم بين أجنحة الحكم والذي أفضى إلى هيكلية ضعيفة على الصعيد الداخلي، يعتبر أحد الأسباب الرئيسية أيضاً.
ولم تغب تداعيات هذه النقطة أيضاً عن الحرب اليمنية حيث تسبب فشل وزير الدفاع محمد بن سلمان في تحقيق أي نصر عسكري، في ظل نجاح منافسه محمد بن نايف في الجبهة الداخلية رغم كافّة التحديات التي تواجهه، تسبب بتضييق الخناق على ولي العهد في الجبهة الداخلية من قبل وزير الدفاع، وبضوء أخضر من والده الملك، بإعتبار أن إستمرار إنتصارات ابن نايف الأمنية في ظل فشل ابن سلمان على الصعيدين العسكري والإقتصادي (تواجه الميزانية السعودية عجزاً إقتصادياً يقدّر بحوالي 200 مليار دولار)، سيضعّف أوراق الأخير لدى الأسرة الحاكمة والرأي العام السعودي.
في ظل هذه الأوضاع، وعبر بعض الإجراءات الميدانية في مدينة مكّة ( حادثة الرافعة، تعطيل قطار الحجاج، إقفال بعض الطرق) عمد محمد بن سلمان إلى إفتعال هذه الإجراءات التي تهدف إلى إضعاف محمد بن نايف لعزله من الداخلية ولاحقا من المنافسة على ولاية العهد، إلا أنها كانت على حساب الحجاج المسلمين.
في الخلاصة، وبصرف النظر عن نتائج الصراعات العائلية لهذا الحادث المؤلم، يظهر جلياً أن تداعيات المشهد اليمني، لا تفرض نفسها على المعارك الميدانية فحسب، بل تؤسس، وبطريقة غير مباشرة، لهيكلية هشّة تنذر بفناء آل سعود.
تعليق