* ’الدب الروسي’ يعيد تشكيل خرائط المنطقة
بغداد ـ عادل الجبوري
خاص العهد
مع دخول روسيا بقوة وزخم اكبر الى منطقة الشرق الاوسط خلال الاسابيع القلائل الماضية، راحت المواقف والتوجهات والاحداث تتحرك بوتيرة متسارعة باتجاهات ربما لم تكن معهودة، وهو ما يعني ان المنطقة، لا سيما بؤر التوتر والاضطراب والفوضى - مثل العراق وسوريا واليمن - مقبلة على تبلور حقائق ومعطيات جديدة.
ولا شك ان الاعلان عن تشكيل مركز تنسيق استخباراتي من قبل كل من روسيا وايران وسوريا والعراق، لمحاربة تنظيم "داعش" الارهابي وعموم الجماعات الارهابية، يكون مقره العاصمة العراقية بغداد، يمثل إشارة واضحة وصريحة وقوية على طبيعة المسارات الجديدة في محاربة الارهاب. ويبدو ان تلك الخطوة المهمة جاءت استكمالا لخطوات قد لا تكون متوقعة، أقدمت عليها روسيا لتعزيز وجودها العسكري في سوريا وعموم المنطقة، كمقدمات للاضطلاع بدور اكبر في ادارة وتوجيه الصراعات السياسية والعسكرية، وعدم ترك الامور بيد الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها واتباعها، واكثر من ذلك ارغامها على إعادة النظر في مجمل مواقفها وتوجهاتها.

بعبارة اخرى يمكن القول، ان الاعلان عن تشكيل المركز الاستخباراتي المذكور، يعني فيما يعنيه تشكيل تحالف دولي اقليمي لمواجهة الارهاب في المنطقة، والحؤول دون تمدده واتساعه الى مساحات اخرى، ومن الطبيعي ان يكون ذاك التحالف مضادًا للتحالف الدولي الذي تشكَّل قبل عام تقريبا بزعامة الولايات المتحدة الاميركية، والذي لم يحرز اية نجاحات تذكر في الحرب ضد "داعش"، رغم انه ضم عشرات الدول التي تمتلك من الامكانيات والموارد المالية والبشرية والاقتصادية والعسكرية والامنية الشيء الكثير، وفوق ذلك اتسمت مجمل تحركاته ومواقفه بالتناقض والازدواجية والغموض.
وعلى ضوء القراءات الاولية، يبدو ان فرص نجاح تشكل التحالف الجديد وتوسعه غير قليلة، انطلاقا من عدة حقائق ماثلة على ارض الواقع، او انها كامنة بين طيات وثنايا تفاعلات الوقائع والاحداث.
الحقيقة الاولى، هي أن روسيا، التي مازالت تعد قوة عظمى، تسبب الكثير من القلق والازعاج للولايات المتحدة وعموم العالم الغربي، اذا لم تكن زعيمة التحالف الجديد، فإنها من دون ادنى شك تمثل محوره الرئيس ومحركه الفاعل، وهي بحكم امكانياتها وقدراتها، فضلا عن طموحاتها ومصالحها، ستكون ندًّا قويا للولايات المتحدة الاميركية في المرحلة المقبلة بعدما انكفأت وتراجعت لعدة اعوام بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق بين نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.
والحقيقة الثانية، هي أن وجود قوة اقليمية مؤثرة وفاعلة مثل ايران سيعطي زخما كبيرا للتحالف الجديد، الى جانب قوى اقليمية اخرى، كالعراق وسوريا، التي ما كان لها ان تصل الى ما وصلت اليه من تصدعات واهتزازات واختراقات كبيرة لأمنها القومي لولا التعاطي السلبي لواشنطن وقوى دولية واقليمية حليفة لها، وهذه الدول تبحث اليوم عن خيارات عملية وواقعية ومجدية للخروج من المأزق الذي تعيشه.
والحقيقة الثالثة، تتمثل في أن قوى أخرى سواء كانت دولًا أو كيانات سياسية، مثل حزب الله اللبناني، ستكون تلقائيا - بحكم طبيعة توجهاتها السياسية وتحالفاتها وعلاقاتها - تحت مظلة التحالف الجديد، ، أو ستنخرط فيه فيما بعد، مثل الصين، التي لا تختلف حساباتها وتوجهاتها كثيرا عن حسابات وتوجهات روسيا.
والحقيقة الرابعة، هي أن رأيًا عامًا واسعًا في سوريا والعراق ودول عديدة في المنطقة، وكذلك حكومات ونخب سياسية وفكرية، ستتفاعل مع التحالف الجديد، في إطار البحث عن بدائل مجدية، للسياسات الاميركية الخاطئة التي دفعت الجميع الى حافة الهاوية، وقلصت فرص الحلول المناسبة الى حد كبير.
واذا كان التصور العام بههذه الكيفية، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه للوهلة الاولى، هو .. كيف ستكون ردة فعل واشنطن وحلفائها واتباعها حيال التحالف الجديد، الذي لا يمكن بأي حال من الاحوال الزعم بأنه لا يستهدف تحالف واشنطن؟..
أمام واشنطن وحلفائها خياران لا ثالث لهما، اما المواجهة والتصعيد، والذي من الصعب جدًا التكهُّن بأبعاده ونتائجه في حال انطلقت شرارته الاولى، وهو ما يعني الانتقال من مرحلة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو الى الصدام العسكري المسلح.
ففي حال قررت واشنطن مواجهة توسع الوجود العسكري الروسي في سوريا بأدوات عسكرية، فإن موسكو في ظل ما حققته من مكاسب وانتصارات مهمة خلال الاعوام القلائل الماضية، في جورجيا وشبه جزيرة القرم واوكرانيا، وحتى في سوريا، وما انعكس عليها ايجابا من الملف النووي الايراني، وقبله بعض تفاعلات وتداعيات ما سمي بثورات الربيع العربي، لن تكون مستعدة للخضوع لاي ابتزاز او تهديد، بل على العكس تماما، ترى انها في وضع يمكنها من ان تبتز وتهدد واشنطن واطرافًا اخرى، وبالتالي ترغمها على تقديم قدر من التنازلات.
وهذا هو الخيار الثاني، المتمثل بالتفاهمات والتوافقات على قاعدة الحد الادنى من نقاط الالتقاء، والحفاظ على مصالح كل طرف، وتجنب الدفع باتجاه المحطات الخطرة والمنعطفات الحادة.
ولا شك ان واشنطن ستجد نفسها مرغمة للقبول على مضض بواقع جديد، مثلما ارغمت على الجلوس مع طهران بعد اعوام طويلة من الصراع والمواجهة، وقدمت من التنازلات ما لم يتوقع الكثيرون داخل الولايات المتحدة وخارجها ان تقدمه لطهران.
حينما يتجه الرئيس الاميركي باراك اوباما الى لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد بضعة ايام على الشروع بتوسيع الوجود العسكري الروسي بسوريا، وبعد ايام قلائل من الإعلان عن تشكيل مركز التنسيق الاستخباراتي، وحينما يدعو اوباما صراحة الى حوار مع كل من روسيا وإيران بخصوص سوريا، فان ذلك يعني تراجعا وتنازلا أميركيا لصالح روسيا.
ويعزز اتجاه التراجع والتنازل الموقف البريطاني الذي عبر عنه بوضوح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالتعبير عن استعداد بلاده القبول ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة مؤقتا، حيث نقلت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية عن كاميرون قوله انه "مستعد لتقبل فكرة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة لأجل قصير ريثما يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في البلاد".
يضاف الى ذلك الموقف الفرنسي الجديد نوعا ما، والذي انعكس بقول الرئيس فرانسو هولاند من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة "أن فرنسا تتحادث مع الجميع ولا تستبعد أحدا، سعيا وراء حل سياسي في سوريا"، وتزامنت تصريحات هولاند مع ضربات جوية نفذتها طائرات فرنسية على مواقع لتنظيم داعش في الاراضي السورية.
وقبل ذلك دعت أطراف دولية انضوت في التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الاميركية، مثل اسبانيا والدانمارك واستراليا الى البحث عن حل سلمي للازمة السورية والتعامل مع نظام الرئيس بشار الاسد، واكثر من ذلك فإن دولا عربية كانت متحمسة كثيرا للاطاحة بالاسد مثلما اطيح بالقذافي ومبارك وبن علي، عادت لتتحدث عن الخيارات والحلول السلمية، وتفتح قنوات تواصل وحوار مع دمشق بعيدا عن الاضواء وصخب وسائل الاعلام، وكذلك تدخل في نقاشات معمقة مع موسكو وطهران للتوصل الى مخرج مناسب للازمة السورية يحفظ ماء وجه تلك الاطراف العربية، ولعل السعودية وقطر والامارات من ابرزها.
ومجمل التغيرات والتبدلات في المواقف الدولية والعربية حيال الازمة السورية حصلت بعد التأكيدات الروسية الواضحة والصريحة ومن اعلى المستويات بأن الرئيس السوري بشار الاسد يمثل خطا احمر، وان موسكو وحلفاءها سيمنعون سقوطه، في اشارة لا تقبل اكثر من تفسير وتأويل.
ومن اية زاوية قرأنا طبيعة ومستوى الحراك الروسي تجاه المنطقة، فإنه يمكننا الاستنتاج ان المشهد العراقي الذي اجتاحه تنظيم "داعش" الارهابي قبل ستة عشر شهرا، واحدث فيه ارباكا كبيرا، وافرز مواقف وحقائق وعناوين جديدة على الارض لن يكون بمنأى عما سيحدثه الدخول الروسي القوي الى المشهد الاقليمي عبر البوابة السورية، لان عوامل التداخل والتشابك، والتأثير والتأثر بين المشهدين العراقي والسوري كثيرة، ومسارات الحل او التأزيم ربما تتحرك في كثير من الاحيان بخطين متوازين، وغير ذلك ان اختيار بغداد لتكون مقرا ومنطلقا للتنسيق والتعاون الاستخباراتي بالتزامن مع تعزيز الحضور العسكري الروسي في سوريا يعني فيما يعنيه ان اية حلول او صفقات او ترتيبات من نوع ما ستكون واحدة.
بغداد ـ عادل الجبوري
خاص العهد
مع دخول روسيا بقوة وزخم اكبر الى منطقة الشرق الاوسط خلال الاسابيع القلائل الماضية، راحت المواقف والتوجهات والاحداث تتحرك بوتيرة متسارعة باتجاهات ربما لم تكن معهودة، وهو ما يعني ان المنطقة، لا سيما بؤر التوتر والاضطراب والفوضى - مثل العراق وسوريا واليمن - مقبلة على تبلور حقائق ومعطيات جديدة.
ولا شك ان الاعلان عن تشكيل مركز تنسيق استخباراتي من قبل كل من روسيا وايران وسوريا والعراق، لمحاربة تنظيم "داعش" الارهابي وعموم الجماعات الارهابية، يكون مقره العاصمة العراقية بغداد، يمثل إشارة واضحة وصريحة وقوية على طبيعة المسارات الجديدة في محاربة الارهاب. ويبدو ان تلك الخطوة المهمة جاءت استكمالا لخطوات قد لا تكون متوقعة، أقدمت عليها روسيا لتعزيز وجودها العسكري في سوريا وعموم المنطقة، كمقدمات للاضطلاع بدور اكبر في ادارة وتوجيه الصراعات السياسية والعسكرية، وعدم ترك الامور بيد الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها واتباعها، واكثر من ذلك ارغامها على إعادة النظر في مجمل مواقفها وتوجهاتها.

بعبارة اخرى يمكن القول، ان الاعلان عن تشكيل المركز الاستخباراتي المذكور، يعني فيما يعنيه تشكيل تحالف دولي اقليمي لمواجهة الارهاب في المنطقة، والحؤول دون تمدده واتساعه الى مساحات اخرى، ومن الطبيعي ان يكون ذاك التحالف مضادًا للتحالف الدولي الذي تشكَّل قبل عام تقريبا بزعامة الولايات المتحدة الاميركية، والذي لم يحرز اية نجاحات تذكر في الحرب ضد "داعش"، رغم انه ضم عشرات الدول التي تمتلك من الامكانيات والموارد المالية والبشرية والاقتصادية والعسكرية والامنية الشيء الكثير، وفوق ذلك اتسمت مجمل تحركاته ومواقفه بالتناقض والازدواجية والغموض.
وعلى ضوء القراءات الاولية، يبدو ان فرص نجاح تشكل التحالف الجديد وتوسعه غير قليلة، انطلاقا من عدة حقائق ماثلة على ارض الواقع، او انها كامنة بين طيات وثنايا تفاعلات الوقائع والاحداث.
الحقيقة الاولى، هي أن روسيا، التي مازالت تعد قوة عظمى، تسبب الكثير من القلق والازعاج للولايات المتحدة وعموم العالم الغربي، اذا لم تكن زعيمة التحالف الجديد، فإنها من دون ادنى شك تمثل محوره الرئيس ومحركه الفاعل، وهي بحكم امكانياتها وقدراتها، فضلا عن طموحاتها ومصالحها، ستكون ندًّا قويا للولايات المتحدة الاميركية في المرحلة المقبلة بعدما انكفأت وتراجعت لعدة اعوام بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق بين نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.
والحقيقة الثانية، هي أن وجود قوة اقليمية مؤثرة وفاعلة مثل ايران سيعطي زخما كبيرا للتحالف الجديد، الى جانب قوى اقليمية اخرى، كالعراق وسوريا، التي ما كان لها ان تصل الى ما وصلت اليه من تصدعات واهتزازات واختراقات كبيرة لأمنها القومي لولا التعاطي السلبي لواشنطن وقوى دولية واقليمية حليفة لها، وهذه الدول تبحث اليوم عن خيارات عملية وواقعية ومجدية للخروج من المأزق الذي تعيشه.
والحقيقة الثالثة، تتمثل في أن قوى أخرى سواء كانت دولًا أو كيانات سياسية، مثل حزب الله اللبناني، ستكون تلقائيا - بحكم طبيعة توجهاتها السياسية وتحالفاتها وعلاقاتها - تحت مظلة التحالف الجديد، ، أو ستنخرط فيه فيما بعد، مثل الصين، التي لا تختلف حساباتها وتوجهاتها كثيرا عن حسابات وتوجهات روسيا.
والحقيقة الرابعة، هي أن رأيًا عامًا واسعًا في سوريا والعراق ودول عديدة في المنطقة، وكذلك حكومات ونخب سياسية وفكرية، ستتفاعل مع التحالف الجديد، في إطار البحث عن بدائل مجدية، للسياسات الاميركية الخاطئة التي دفعت الجميع الى حافة الهاوية، وقلصت فرص الحلول المناسبة الى حد كبير.
واذا كان التصور العام بههذه الكيفية، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه للوهلة الاولى، هو .. كيف ستكون ردة فعل واشنطن وحلفائها واتباعها حيال التحالف الجديد، الذي لا يمكن بأي حال من الاحوال الزعم بأنه لا يستهدف تحالف واشنطن؟..
أمام واشنطن وحلفائها خياران لا ثالث لهما، اما المواجهة والتصعيد، والذي من الصعب جدًا التكهُّن بأبعاده ونتائجه في حال انطلقت شرارته الاولى، وهو ما يعني الانتقال من مرحلة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو الى الصدام العسكري المسلح.
ففي حال قررت واشنطن مواجهة توسع الوجود العسكري الروسي في سوريا بأدوات عسكرية، فإن موسكو في ظل ما حققته من مكاسب وانتصارات مهمة خلال الاعوام القلائل الماضية، في جورجيا وشبه جزيرة القرم واوكرانيا، وحتى في سوريا، وما انعكس عليها ايجابا من الملف النووي الايراني، وقبله بعض تفاعلات وتداعيات ما سمي بثورات الربيع العربي، لن تكون مستعدة للخضوع لاي ابتزاز او تهديد، بل على العكس تماما، ترى انها في وضع يمكنها من ان تبتز وتهدد واشنطن واطرافًا اخرى، وبالتالي ترغمها على تقديم قدر من التنازلات.
وهذا هو الخيار الثاني، المتمثل بالتفاهمات والتوافقات على قاعدة الحد الادنى من نقاط الالتقاء، والحفاظ على مصالح كل طرف، وتجنب الدفع باتجاه المحطات الخطرة والمنعطفات الحادة.
ولا شك ان واشنطن ستجد نفسها مرغمة للقبول على مضض بواقع جديد، مثلما ارغمت على الجلوس مع طهران بعد اعوام طويلة من الصراع والمواجهة، وقدمت من التنازلات ما لم يتوقع الكثيرون داخل الولايات المتحدة وخارجها ان تقدمه لطهران.
حينما يتجه الرئيس الاميركي باراك اوباما الى لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد بضعة ايام على الشروع بتوسيع الوجود العسكري الروسي بسوريا، وبعد ايام قلائل من الإعلان عن تشكيل مركز التنسيق الاستخباراتي، وحينما يدعو اوباما صراحة الى حوار مع كل من روسيا وإيران بخصوص سوريا، فان ذلك يعني تراجعا وتنازلا أميركيا لصالح روسيا.
ويعزز اتجاه التراجع والتنازل الموقف البريطاني الذي عبر عنه بوضوح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالتعبير عن استعداد بلاده القبول ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة مؤقتا، حيث نقلت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية عن كاميرون قوله انه "مستعد لتقبل فكرة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة لأجل قصير ريثما يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في البلاد".
يضاف الى ذلك الموقف الفرنسي الجديد نوعا ما، والذي انعكس بقول الرئيس فرانسو هولاند من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة "أن فرنسا تتحادث مع الجميع ولا تستبعد أحدا، سعيا وراء حل سياسي في سوريا"، وتزامنت تصريحات هولاند مع ضربات جوية نفذتها طائرات فرنسية على مواقع لتنظيم داعش في الاراضي السورية.
وقبل ذلك دعت أطراف دولية انضوت في التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الاميركية، مثل اسبانيا والدانمارك واستراليا الى البحث عن حل سلمي للازمة السورية والتعامل مع نظام الرئيس بشار الاسد، واكثر من ذلك فإن دولا عربية كانت متحمسة كثيرا للاطاحة بالاسد مثلما اطيح بالقذافي ومبارك وبن علي، عادت لتتحدث عن الخيارات والحلول السلمية، وتفتح قنوات تواصل وحوار مع دمشق بعيدا عن الاضواء وصخب وسائل الاعلام، وكذلك تدخل في نقاشات معمقة مع موسكو وطهران للتوصل الى مخرج مناسب للازمة السورية يحفظ ماء وجه تلك الاطراف العربية، ولعل السعودية وقطر والامارات من ابرزها.
ومجمل التغيرات والتبدلات في المواقف الدولية والعربية حيال الازمة السورية حصلت بعد التأكيدات الروسية الواضحة والصريحة ومن اعلى المستويات بأن الرئيس السوري بشار الاسد يمثل خطا احمر، وان موسكو وحلفاءها سيمنعون سقوطه، في اشارة لا تقبل اكثر من تفسير وتأويل.
ومن اية زاوية قرأنا طبيعة ومستوى الحراك الروسي تجاه المنطقة، فإنه يمكننا الاستنتاج ان المشهد العراقي الذي اجتاحه تنظيم "داعش" الارهابي قبل ستة عشر شهرا، واحدث فيه ارباكا كبيرا، وافرز مواقف وحقائق وعناوين جديدة على الارض لن يكون بمنأى عما سيحدثه الدخول الروسي القوي الى المشهد الاقليمي عبر البوابة السورية، لان عوامل التداخل والتشابك، والتأثير والتأثر بين المشهدين العراقي والسوري كثيرة، ومسارات الحل او التأزيم ربما تتحرك في كثير من الاحيان بخطين متوازين، وغير ذلك ان اختيار بغداد لتكون مقرا ومنطلقا للتنسيق والتعاون الاستخباراتي بالتزامن مع تعزيز الحضور العسكري الروسي في سوريا يعني فيما يعنيه ان اية حلول او صفقات او ترتيبات من نوع ما ستكون واحدة.
تعليق