نهج البلاغة وهو مجموع مااختاره الشريف ابوالحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي من كلام أمير المؤمنين ابي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام
ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية الدكتور صبحي الصالح أستاذ الاسلاميات وفقه اللغة في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية
دار الكتاب المصري القاهرة دار الكتاب اللبناني بيروت ط4 1425هـ-2004 م
ص7-11
مقدمة التحقيق
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحبه المصطفين الأخيار .
لمحة خاطفة عن سيرة الإمام عليه السلام
مامن مسلم يجهل موضع علي كرم الله وجهه من ابن عمه الرسول الكريم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الحصيصة : وضعه في حجره وهو ولد يضمه إلى صدره ، ويكنفه في فراشه ، ويمسه جسده ، ويشمه عرفه . ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في كل سنة بحراء فيراه علي ولايراه سواه . ولم يجمع بيت واحد في الإسلام غير الرسول عليه الصلاة والسلام وخديجة أم المؤمنين ، وكان علي ثالثهما ، يرى نور الوحي والرسالة ، ويشم ريح النبوة . وعلي كرم الله وجهه واسى نبيه بنفسه في المواطن التي تنكص فيها الأبطال ، وتزل فيها الأقدام ، نجده أكرمه الله بها ! وحسبك أنه ليلة الهجرة بات في فراش الرسول غير جازع أن يموت فداه ، وشهد معه جميع مغازيه إلا ماكان من غزوة تبوك التي خلفه فيها الرسول في أهل بيته قائلآ له : (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لانبوة بعدي )) . سجل التاريخ أجل المواقف وأسماها ، فهو أحد المبارزين يوم بدر ، وقاتل عمرو بن ود في غزوة الخندق ، وأحد النفر الذين ثبتوا مع الرسول الكريم في غزوتي أحد وحنين ، وصاحب راية المسلمين يوم خيبر ، وفيها أبلى أحسن البلاء . أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكرمه ، فزوجه ابنته فاطمة الزهراء في السنة الثانية من الهجرة ، فأولدها الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم ، وعهد إليه أن يتلو على الناس في موسم الحج أول سورة التوبة إيذانآ ببراءة الله ورسوله من المشركين .
ولما غربت شمس النبوة ، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ، طمع في خلافته كثيرون من المهاجرين والأنصار ، وبدا للناس يومذاك أن بني هاشم كانوا يريدون الخلافة فيهم ، ويرون عليا أحق الصحابة بها ، لمكانته العظمى من الرسول الكريم ، وسعة علمه ، ومواقفه الخالدة في نصرة الإسلام ، فلاغرو إذا أقبل العباس عم النبي على ابن أخيه علي يقول : (( ابسط يدك ولنبايعك )) ، لكن عليا كرم الله وجهه تباطأ في قبول هذه البيعة ، وظل متشاغلآ بدفن الرسول العظيم . وانطفأت الفتنة ، وبويع أبوبكر رضي الله عنه بما يشبه الإجماع ، وإذا بعلي كرم الله وجهه يبايعه أيضآ بعد فترة يسيرة كان عاتبآ فيها عليه ، إذ كان يرى لنفسه من الحق بالخلافة أكثر مما كان لأبي بكر . ولم يكن شيئ ابغض إلى قلب علي من الخلافه يدب بين المسلمين ، فهاهو ذا – رغم ماكان يرى من حقه بالخلافة – يبايع أيضآ عمر رضي الله عنه ، ويزوجه ابنته أم كلثوم ، ويبادله عمر من معاني التكريم والإجلال أسماها ، فيستخلفه على المدينة إذا غاب عنها ، ويستشيره في الخطوب ، ويستفتيه في قضايا التشريع قائلآ فيه : (( لولا علي لهلك عمر )) !ولقد رفض عمر أن يعهد بالخلافة إلى ابنه عبدالله من بعده ، وظل في مشكلة الخلافة غير مستقر على رأي ، حتى إذا طعنه ابولؤلؤة المجوسي في أواخر سنة 23هـ آثر أن يحصر الأمر في ستة من كبار أصحاب النبي ليتشاوروا ويختاروا واحدآ منهم فيبايعه المسلمون .
وأولئك الستة هم : علي بن ابي طالب سيد بني هاشم ، وعثمان بن عفان شيخ بني أمية ، وطلحة بن عبيدالله كبير بني تميم ، والزبير بن العوام زعيم بني أسد ، وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن ابن عوف رأسا بني زهرة . وربما مال أكثرهم – منذ بدء الشورى – إلى تولية عثمان ، لأن عبدالرحمن بن عوف كان صهره ، وسعدآ من أقربائه ، فضلآ على سابقته في الإسلام ، وإصهاره للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين في ابنتيه رقية وام كلثوم . وبدا على رجال الشورى أن كلآ منهم ود لويتخفف من تلك المسؤولية الضخمة ، إذ خلع كل نفسه وعهد على الآخر باختيار الخليفة ، حتى إذا انتهى الأمر إلى عبدالرحمن أعلن في المحرم سنة 24هـ تولية عثمان . وامتعض بنو هاشم لتحامل القوم عليهم ورغبتهم في إقصائهم ، ولكن عليآ الذي يكره الخلافه بين المسلمين آثر هذه المرة أيضآ أن يطفئ الفتنة ، ويحقن الدماء ، فبايع عثمان كما بايع من قبل أبابكر وعمر ، وإن في العين قذى ، وفي الحلق شجآ .
وقام علي كرم الله وجهه من بين الصحابة يلوم عثمان على تولية أقاربه ، ولما ثار عليه المعارضون من عرب الأمصار أرسل علي لحراسته والدفاع عنه ولديه الحسن والحسين ، ولكن المتمردين حاصروا دار عثمان ، والزموه أن يخلع نفسه من الخلافة ، فحم القضاء ولقي مصرعه وهو جالس في المحراب يقرأ القرآن . وانثال على علي عرب الأمصار وأهل بدر والمهاجرون والأنصار ، وهرعوا إليه يقولون : أمير المؤمنين ، فلم يجد بدآ من قبول الخلافة في 25 من ذي الحجة سنة 35 هـ ولقد كانت مهمته خطيرة ، اضطلع بها قرابة خمس سنين ، ولم يصف له الحال فيها يومآ واحدآ . وحرض الثوار عليآ على عزل العمال الذين عينهم عثمان ، فأذعنوا جميعآ إلا معاوية في الشام ، فإنه علق قميص عثمان على المنبر ، وغدا يحض الناس على الثأر للخليفة الشهيد . وفوجئ علي بالسيدة عائشة أم المؤمنين وطلحه بن عبيدالله والزبير بن العوام – وهما من رجال الشورى الستة – يخرجون إلى البصرة مطالبين بدم عثمان ، وازدادت الفتنة اشتعالآ حين أخذت أم المؤمنين تحمس الجند وهي في هودجها على الجمل ، ثم عقر جملها وقتل دونه سبعون رجلآ ، وعرف هذا اليوم بموقعة الجمل ، وأعاد الإمام السيدة عائشة إلى مكة محاطة بالتكريم ، وتابت هي إلى الله أسفآ على ماأريق من دماء المسلمين .ثم كان يوم صفين ، وتحكيم الحكمين ، ثم بداية الوهن ، وتصدع الصفوف بين أتباع علي ، وعرف معاوية كيف ينتهز الفرصة بإثارة الاضطرابات في أرجاء البلاد ، فازدادت نقمة الخوارج ، وقرروا قتل معاوية وعلي ، فلم ينجحوا في قتل أولهما ، أما علي فقتله ابن ملجم لعنه الله في المسجد في شهر رمضان سنة 40 هـ وهو يردد : (( الحكم لله لالك ياعلي )) . وبمصرعه انتهت خلافة الراشدين ، وخلا الجو لمعاوية ليعلن خلافته بالشام ، ويدخل على نظام الحكم مبدأ الوراثه الذي ينافي روح الإسلام .
وقام علي كرم الله وجهه من بين الصحابة يلوم عثمان على تولية أقاربه ، ولما ثار عليه المعارضون من عرب الأمصار أرسل علي لحراسته والدفاع عنه ولديه الحسن والحسين ، ولكن المتمردين حاصروا دار عثمان ، والزموه أن يخلع نفسه من الخلافة ، فحم القضاء ولقي مصرعه وهو جالس في المحراب يقرأ القرآن . وانثال على علي عرب الأمصار وأهل بدر والمهاجرون والأنصار ، وهرعوا إليه يقولون : أمير المؤمنين ، فلم يجد بدآ من قبول الخلافة في 25 من ذي الحجة سنة 35 هـ ولقد كانت مهمته خطيرة ، اضطلع بها قرابة خمس سنين ، ولم يصف له الحال فيها يومآ واحدآ . وحرض الثوار عليآ على عزل العمال الذين عينهم عثمان ، فأذعنوا جميعآ إلا معاوية في الشام ، فإنه علق قميص عثمان على المنبر ، وغدا يحض الناس على الثأر للخليفة الشهيد . وفوجئ علي بالسيدة عائشة أم المؤمنين وطلحه بن عبيدالله والزبير بن العوام – وهما من رجال الشورى الستة – يخرجون إلى البصرة مطالبين بدم عثمان ، وازدادت الفتنة اشتعالآ حين أخذت أم المؤمنين تحمس الجند وهي في هودجها على الجمل ، ثم عقر جملها وقتل دونه سبعون رجلآ ، وعرف هذا اليوم بموقعة الجمل ، وأعاد الإمام السيدة عائشة إلى مكة محاطة بالتكريم ، وتابت هي إلى الله أسفآ على ماأريق من دماء المسلمين .ثم كان يوم صفين ، وتحكيم الحكمين ، ثم بداية الوهن ، وتصدع الصفوف بين أتباع علي ، وعرف معاوية كيف ينتهز الفرصة بإثارة الاضطرابات في أرجاء البلاد ، فازدادت نقمة الخوارج ، وقرروا قتل معاوية وعلي ، فلم ينجحوا في قتل أولهما ، أما علي فقتله ابن ملجم لعنه الله في المسجد في شهر رمضان سنة 40 هـ وهو يردد : (( الحكم لله لالك ياعلي )) . وبمصرعه انتهت خلافة الراشدين ، وخلا الجو لمعاوية ليعلن خلافته بالشام ، ويدخل على نظام الحكم مبدأ الوراثه الذي ينافي روح الإسلام .
موضوعات نهج البلاغة
لابد لدارس (( نهج البلاغة )) أن يلم بهذه الوقائع التاريخية – ولو من خلال لمحة خاطفة عجلى – ليعرف السر في غروب شمس الخلافة الراشدة بين المسلمين الأولين الذين استروحوا شذا النبوة ، ونعموا بظلالها الوارفة ، واستناروا بما يلوح من أضوائها الباقية وقد بدأت تنحسر بعيد الغروب ! ولابد لدارس (( النهج )) أن يلم بهذه الحقائق ليرى العين كيف تحولت هذه الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض ، وكيف أشعلت من أجلها الحروب الطاحنة ، وأثخنت الأمة في سبيلها بالجراح الدامية ، وأصيب مقتلها بمصرع إمام الهدى علي كرم الله وجهه ، ثم ارتكبت باسمها فيما بعد أسوأ الجرائم في عهود بعض السفهاء والخلعاء والجائرين الذين أمسوا نقمة على أتباع هذا الدين . ثم لابد لدارس (( النهج )) أن يكون لنفسه صورة حقيقية عن تلك الحقبة من تاريخ المسلمين ، ليستنبط البواعث النفسية التي حملت عليآ على الإكثار في خطبه من النقد والتعريض ، والعتاب والتقريع ، والتذمر والشكوى ، فقد عاندته الأيام ، وعجت خلافته عجيجآ بالأحداث المريرة ، وخابت آماله في تحقيق الإصلاح . فهل من عجب إذا استغرقت معاني النقد اللاذع والتأنيب الجارح معظم خطبه ومناظراته ، وحتى رسائله إلى منافسيه والمتمردين عليه ؟ ! وإن خير مثال يصور لنا نفس علي الشاكية ، خطبته (( الشقشقية )) التي فاضت على لسانه هادرة ، فكانت – كما قال – (( شقشقة هدرت ثم قرت )) ، وامتلأت بألفاظ التأوه والتوجع والأنين . ولكم تذمر الإمام من تفرق أصحابه عنه على حقهم واجتماع أصحاب معاوية معه على باطلهم ! وكم سماهم (( الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ) واصفآ كلامهم بأنه (( يوهي الصم الصلاب )) وفعلهم بأنه (( يطمع فيهم الأعداء )) وكان طبيعيا أن تكثر خطب الإمام في الحث على القتال ، فإن ماتخلل حياته السياسية من الأحداث المريرة ألهب مشاعره عواطفه ، وحمله على الإهابة بقومه إلى القتال الدائب ، والجهاد المتواصل . ولعل أفضل نمط لخطبه في الجهاد تلك التي أنب فيها أصحابه على قعودهم عن نصرة الحق ، يوم أغار جنود معاوية على الأنبار ، فقتلوا ونهبوا ، ثم آبوا سالمين ظافرين . لقد كان – كما قال – لايهدد بالحرب ، ولايرهب بالضرب ، وكان على يقين من ربه وغير شبهة في دينه ، فليفرطن لحزب الشيطان حوضآ هو ماتحته لايصدرون عنه ولايعودون اليه . ..الخ
اترك تعليق: