بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- حديث الثقلين :
وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة التي أخرجها عدد كبير من الحفّاظ بطرق كثيرة وألفاظ متعددة متقاربة ، ولأباس بنقل بعضها :
1- أخرج عدة من الحفاظ منهم مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي عاصم والدارمي والبيهقي والطبراني في المعجم الكبير بالإسناد عن زيد بن أرقم قال :
(( قام رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكَّرَ ، ثم قال : ألا يا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يُوشِكُ أن يأتي رَسُولُ ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي…)) .[508]
2- أخرج عدة من الحفّاظ منهم النسائي في السنن الكبرى وخصائص أمير المؤمنين (ع) والحاكم والطبراني والبزار وابن عساكر في تاريخه وغيرهم بالإسناد عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم قال :
(( لما رجع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجة الوداع ، ونزل غدير خم ، أمر بدوحات ، فقمن ، فقال : كأني دعيت فأجبت ، وإني تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فأنظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، ثم قال : إن الله مولاي ، وأنا ولي كل مؤمن ، ثم أخذ بيد علي (ع) فقال : من كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه . فقلت لزيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ فقال : ما كان في الدوحات أحدٌ إلا رآه بعينه ، وسمعه بأذنيه)) .
قال الحاكم في المستدرك : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ، وأقره الذهبي في التلخيص .[509]
أقول رواه عن أبي الطفيل حبيب بن أبي ثابت ، وتابعه سلمة بن كهيل ، وعطية العوفي ، وحكيم بن جبير ، وتابع أبو الطفيل جماعة .
3- ما أخرجه أحمد بن حنبل وعبد بن حميد والطبراني ، قال أحمد بن حنبل في المسند : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا شريك ، عن الركين ، عن القاسم بن حسّان ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم :
(( إني تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض جميعاً)) .[510]
قال الحافظ نور الدين الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ، ورجاله ثقات .[511]
4- أخرج عدة من الحفّاظ منهم الحاكم في المستدرك ، والفسوي في المعرفة والتاريخ والطبراني في المعجم الكبير بالإسناد عن أبي الضحى عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم :
(( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)) .
قال الحاكم في المستدرك : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص .[512]
قال النووي في شرح صحيح مسلم عند تعرضه لشرح حديث الثقلين :
(( قال العلماء : سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما ، وقيل لثقل العمل بهما)) .[513]
وقال الحافظ ابن الأثير في النهاية :
(( سماهما ثقلين ، لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ، ويقال لكل خطير نفيس ثقل ، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما ، وتفخيماً لشأنهما)) .[514]
ونحو ذلك قال أبو عبد الله الأبي المالكي في شرح صحيح مسلم ، وابو عبد الله السنوسي في شرحه أيضا .[515]
وهذا الحديث المتواتر بطرقه المختلفة يدل على مكانة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ومرجعيتهم بالإضافة إلى القرآن الكريم ، والتعبير عنهما بالثقلين وربط العترة بالقرآن من جهة أخرى للدلالة على الأهمية البالغة ، والتعبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض لبيان عدم إنفكاكهما عن القرآن الكريم ، وضرورة الرجوع اليهم في معرفة آياته ومضامينه ولتقديمهم على سائر الأمة .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم بـ ((أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)) يدل على عصمتهم وعدم كونهم في معرض الإنحراف والتأثر بالباطل ، وإنما هم دائما إلى جانب القرآن الكريم والقرآن إلى جانبهم ، وأن نهجهم متطابق مع مافي كتاب الله عزوجل تطابقاً تاما .
ومن الواضح أن مكانة أهل البيت بهذا المقدار ليست ناشئة من القرابة فقط ، وإنما هي لقربهم من الله عزوجل واستحقاقهم في ذاتهم لهذه الكرامة ، ويدل عليه ما سيأتي بيانه إنشاء الله تعالى ، مضافا إلى أن مكانة الإنسان في الإسلام التي تستوجب وضعه إلى جانب القرآن وتعظيمه بل والصلاة عليه في كل صلاة بإجماع المسلمين لا يمكن أن ينشأ من ملاحظة النسب ، وإنما لأجل استحقاقه لهذا المقام ، يقول الله تعالى : [516] وقال تعالى : [517] ، وفي المقابل يقول عز من قائل : [518] ، ومجموع هذه الآيات المباركة يدل على أن مودة ذوي القربة ليس أجراً شخصياً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنما هي منهاج إتخاذ السبيل إلى الله عزوجل ، فكانوا هم السبيل اليه عزوجل والمسلك إلى رضوانه .
2- حديث الغدير :
وهذا الحديث من أكثر الروايات تواتراً ، وقد اعترف بتواتره عدد كبير من علماء السنة ، وهو من أوضح الدلائل على أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام للإمامة والخلافة في يوم الغدير عند رجوعه من حجة الوداع .[519] وقد تقدم نقله عند نقل حديث الثقلين .
ولا بأس بنقل كلمات بعض كبار الحفاظ والمحدثين من علماء السنة بشأن الحديث :
يقول الحافظ الذهبي : وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه و آله قاله ، وأما (( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) فزيادة قوية الإسناد .[520]
وقال الحافظ الذهبي أيضا في ترجمة الحافظ الكبير الفقيه محمد بن جرير الطبري : ولما بلغه أنّ أبا بكر بن أبي داود تكلم في حديث غدير خم حمل كتاب الفضائل ، فبدأ بفضل الخلفاء الراشدين ، وتكلم على تصحيح غدير خم ، واحتج لتصحيحه .[521]
وقال أيضا في تذكرة الحفّاظ : ولما بلغه أن ابن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل ، وتكلم على تصحيح الحديث . قال الذهبي : قلت : رأيت مجلدا من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة طرقه .[522]
وقال ابن كثير أثناء كلامه عن الطبري : وقد رأيت له كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين .[523]
وقد صنف الذهبي أيضا كتابا مستقلا في طرق حديث الغدير كما ذكر في تذكرة الحفّاظ .[524]
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : وأما حديث (( من كنت مولاه فعلي مولاه)) فقد أخرجه الترمذي والنسائي ، وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان .[525]
والكلمات بهذا الشأن كثيرة يطول بذكرها المقام ، وقد ذكر بعضها المحقق الكبير العلامة الأميني (قده) في كتاب الغدير ، وذكر وتتبع فيه طرق حديث الغدير عن مائة وعشرة من الصحابة فليراجع ، وقد جمعنا طرقه في كتاب جامع أسانيد الغدير ، وشرحناه في كتاب شرح أسانيد الغدير .
وحاصل هذا الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم غدير خم عند رجوعه من حجة الوداع : (( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) .
وهذا الحديث من أدل الشواهد على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يقول من كنت مولاه من موقع مقامه مقام النبوة وأولويته بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو قرينة واضحة على أن المراد بالمولى من يكون وليا على المسلمين خصوصا وقد أعلن ذلك بعد الفراغ من حجة الوداع ، ويضاف إلى ذلك الدعاء بأن يوال الله عزوجل من والاه ، ويعادي من عاداه ، فموالاته متلازمة مع موالاة الله عزوجل ، ومعاداته كذلك .
3- حديث المنزلة :
وهذا الحديث كسابقه من الأحاديث المتواترة جداً التي أخرجها عدد كبير من الحفاظ منهم البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي عاصم وأحمد بن حنبل وغيرهم من الحفاظ الذين هم في غاية الكثرة .[526] وقد رواه عدة من الصحابة ، ولا بأس أن نذكر لفظين من الفاظ الحديث :
1- ما أخرجه غالبية الحفاظ منهم البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) :
(( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) .[527]
2- أخرجه جماعة من الحفاظ منهم أحمد بن حنبل والنسائي والطبراني والحاكم في المستدرك وأبو بكر بن أبي عاصم في السنة وابن عساكر وغيرهم[528] بالإسناد عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأمير المؤمنين (ع) :
(( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي)) ثم قال : ((أنت خليفتي يعني في كل مؤمن بعدي)) .
هكذا أورده الحافظ النسائي في الخصائص . وأورده الحاكم في المستدرك بهذا اللفظ :
(( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي ، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)) .
ونحوه في مسند أحمد بن حنبل ، وفي المعجم الكبير للطبراني .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة .[529] وقال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي : هذا إسناد لامطعن فيه لأحد لصحته وثقة نقلته .[530]
وهذا الحديث بلفظه الآخر صريح الدلالة في تنصيب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام للخلافة ، بل يدل عليه باللفظ الأول أيضا حيث أنه يقوم مقام النبي بكل شيء بإستثناء النبوة ، ولأجل أنه يقوم مقام هارون في جميع الأمور إستثنى صلى الله عليه وآله وسلم أمر النبوة ، ولكن اعترض على دلالته بأن هارون (ع) توفي في حياة موسى ، يقول الحافظ ابن حجر : ولما كان هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى دل ذلك على تخصيص خلافة علي (ع) للنبي صلى الله عليه و آله بحياته ، والله أعلم .[531]
ولكن يمكن الجواب عليه بأن وجه الشبه إنما هو في مقام هارون عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام ، حيث كان خليفة موسى عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام ، وإستثناء النبوة إنما هو لبيان ذلك المقام ، وأنه خليفة له بنفس ذلك المستوى ، ولا يمكن أن يعبر بذلك جزافا بالنسبة لمن لا ينطق عن الهوى ولا يقول إلا ما أوحي إليه من رب العلمين عزوجل .
4- علاقة علي (ع) بالقرآن وعدم إفتراقهما إلى يوم القيامة :
أخرج الطبراني والحاكم في المستدرك على الصحيحين بالإسناد عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
(( علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي في التلخيص .[532]
5- حرمة مخالفة علي (ع) :
أخرج عدة من الحفاظ منهم الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ذر ((رض)) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
(( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصا عليا فقد عصاني)) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص .[533]
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أم سلمة ، عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال :
(( من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله)) .[534]
6- حب علي (ع) علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق :
وهذا المعنى أخرجه عدد كبير من الحفّاظ منهم مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل والترمذي والنسائي وابن حبان وابو يعلى الموصلي وأبو بكر بن أبي شيبة وابن ماجة والبغوي وابن مندة وابن الأعرابي وجعفر بن محمد بن نصير الخلدي والحميدي وأبو نعيم الإصبهاني وأبو بكر الخطيب وابن عساكر وغيرهم .[535]
وقد أخرجه الترمذي بالإسناد عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول :
(( لا يحب علياً منافق ولا يبغضه مؤمن )) .[536]
وقد أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما بالإسناد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال :
(( إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه و آله الي أنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق)) .
وأخرج القاضي ابن أبى يعلى في طبقات الحنابلة بالإسناد عن محمد بن منصور الطوسي الحنبلي قال :
(( كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله ، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن عليا (ع) قال : أنا قسيم النار؟ فقال : وما تنكرون من ذا؟ أليس روينا أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال لعلي : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق؟ قلنا بلى . قال : فأين المؤمن؟ قلنا : في الجنة ، قال : وأين المنافق؟ قلنا : في النار : قال : فعلي قسيم النار)) .[537]
7- لا يؤدي عن النبي صلى الله عليه و آله إلا علي (ع) :
وهذا المعنى أخرجه عدة من الحفاظ بالإسناد عن حبشي بن جنادة منهم أحمد بن حنبل والترمذي والنسائي وابن ماجة وابو بكر بن أبي عاصم وأبو بكر بن أبي شيبة وابن عساكر والطبراني وغيرهم[538] عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
(( علي مني وأنا من علي ، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- حديث الثقلين :
وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة التي أخرجها عدد كبير من الحفّاظ بطرق كثيرة وألفاظ متعددة متقاربة ، ولأباس بنقل بعضها :
1- أخرج عدة من الحفاظ منهم مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي عاصم والدارمي والبيهقي والطبراني في المعجم الكبير بالإسناد عن زيد بن أرقم قال :
(( قام رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكَّرَ ، ثم قال : ألا يا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يُوشِكُ أن يأتي رَسُولُ ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي…)) .[508]
2- أخرج عدة من الحفّاظ منهم النسائي في السنن الكبرى وخصائص أمير المؤمنين (ع) والحاكم والطبراني والبزار وابن عساكر في تاريخه وغيرهم بالإسناد عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم قال :
(( لما رجع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجة الوداع ، ونزل غدير خم ، أمر بدوحات ، فقمن ، فقال : كأني دعيت فأجبت ، وإني تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فأنظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، ثم قال : إن الله مولاي ، وأنا ولي كل مؤمن ، ثم أخذ بيد علي (ع) فقال : من كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه . فقلت لزيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ فقال : ما كان في الدوحات أحدٌ إلا رآه بعينه ، وسمعه بأذنيه)) .
قال الحاكم في المستدرك : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ، وأقره الذهبي في التلخيص .[509]
أقول رواه عن أبي الطفيل حبيب بن أبي ثابت ، وتابعه سلمة بن كهيل ، وعطية العوفي ، وحكيم بن جبير ، وتابع أبو الطفيل جماعة .
3- ما أخرجه أحمد بن حنبل وعبد بن حميد والطبراني ، قال أحمد بن حنبل في المسند : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا شريك ، عن الركين ، عن القاسم بن حسّان ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم :
(( إني تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض جميعاً)) .[510]
قال الحافظ نور الدين الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ، ورجاله ثقات .[511]
4- أخرج عدة من الحفّاظ منهم الحاكم في المستدرك ، والفسوي في المعرفة والتاريخ والطبراني في المعجم الكبير بالإسناد عن أبي الضحى عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم :
(( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)) .
قال الحاكم في المستدرك : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص .[512]
قال النووي في شرح صحيح مسلم عند تعرضه لشرح حديث الثقلين :
(( قال العلماء : سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما ، وقيل لثقل العمل بهما)) .[513]
وقال الحافظ ابن الأثير في النهاية :
(( سماهما ثقلين ، لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ، ويقال لكل خطير نفيس ثقل ، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما ، وتفخيماً لشأنهما)) .[514]
ونحو ذلك قال أبو عبد الله الأبي المالكي في شرح صحيح مسلم ، وابو عبد الله السنوسي في شرحه أيضا .[515]
وهذا الحديث المتواتر بطرقه المختلفة يدل على مكانة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ومرجعيتهم بالإضافة إلى القرآن الكريم ، والتعبير عنهما بالثقلين وربط العترة بالقرآن من جهة أخرى للدلالة على الأهمية البالغة ، والتعبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض لبيان عدم إنفكاكهما عن القرآن الكريم ، وضرورة الرجوع اليهم في معرفة آياته ومضامينه ولتقديمهم على سائر الأمة .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم بـ ((أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)) يدل على عصمتهم وعدم كونهم في معرض الإنحراف والتأثر بالباطل ، وإنما هم دائما إلى جانب القرآن الكريم والقرآن إلى جانبهم ، وأن نهجهم متطابق مع مافي كتاب الله عزوجل تطابقاً تاما .
ومن الواضح أن مكانة أهل البيت بهذا المقدار ليست ناشئة من القرابة فقط ، وإنما هي لقربهم من الله عزوجل واستحقاقهم في ذاتهم لهذه الكرامة ، ويدل عليه ما سيأتي بيانه إنشاء الله تعالى ، مضافا إلى أن مكانة الإنسان في الإسلام التي تستوجب وضعه إلى جانب القرآن وتعظيمه بل والصلاة عليه في كل صلاة بإجماع المسلمين لا يمكن أن ينشأ من ملاحظة النسب ، وإنما لأجل استحقاقه لهذا المقام ، يقول الله تعالى : [516] وقال تعالى : [517] ، وفي المقابل يقول عز من قائل : [518] ، ومجموع هذه الآيات المباركة يدل على أن مودة ذوي القربة ليس أجراً شخصياً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنما هي منهاج إتخاذ السبيل إلى الله عزوجل ، فكانوا هم السبيل اليه عزوجل والمسلك إلى رضوانه .
2- حديث الغدير :
وهذا الحديث من أكثر الروايات تواتراً ، وقد اعترف بتواتره عدد كبير من علماء السنة ، وهو من أوضح الدلائل على أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام للإمامة والخلافة في يوم الغدير عند رجوعه من حجة الوداع .[519] وقد تقدم نقله عند نقل حديث الثقلين .
ولا بأس بنقل كلمات بعض كبار الحفاظ والمحدثين من علماء السنة بشأن الحديث :
يقول الحافظ الذهبي : وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه و آله قاله ، وأما (( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) فزيادة قوية الإسناد .[520]
وقال الحافظ الذهبي أيضا في ترجمة الحافظ الكبير الفقيه محمد بن جرير الطبري : ولما بلغه أنّ أبا بكر بن أبي داود تكلم في حديث غدير خم حمل كتاب الفضائل ، فبدأ بفضل الخلفاء الراشدين ، وتكلم على تصحيح غدير خم ، واحتج لتصحيحه .[521]
وقال أيضا في تذكرة الحفّاظ : ولما بلغه أن ابن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل ، وتكلم على تصحيح الحديث . قال الذهبي : قلت : رأيت مجلدا من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة طرقه .[522]
وقال ابن كثير أثناء كلامه عن الطبري : وقد رأيت له كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين .[523]
وقد صنف الذهبي أيضا كتابا مستقلا في طرق حديث الغدير كما ذكر في تذكرة الحفّاظ .[524]
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : وأما حديث (( من كنت مولاه فعلي مولاه)) فقد أخرجه الترمذي والنسائي ، وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان .[525]
والكلمات بهذا الشأن كثيرة يطول بذكرها المقام ، وقد ذكر بعضها المحقق الكبير العلامة الأميني (قده) في كتاب الغدير ، وذكر وتتبع فيه طرق حديث الغدير عن مائة وعشرة من الصحابة فليراجع ، وقد جمعنا طرقه في كتاب جامع أسانيد الغدير ، وشرحناه في كتاب شرح أسانيد الغدير .
وحاصل هذا الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم غدير خم عند رجوعه من حجة الوداع : (( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) .
وهذا الحديث من أدل الشواهد على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يقول من كنت مولاه من موقع مقامه مقام النبوة وأولويته بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو قرينة واضحة على أن المراد بالمولى من يكون وليا على المسلمين خصوصا وقد أعلن ذلك بعد الفراغ من حجة الوداع ، ويضاف إلى ذلك الدعاء بأن يوال الله عزوجل من والاه ، ويعادي من عاداه ، فموالاته متلازمة مع موالاة الله عزوجل ، ومعاداته كذلك .
3- حديث المنزلة :
وهذا الحديث كسابقه من الأحاديث المتواترة جداً التي أخرجها عدد كبير من الحفاظ منهم البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي عاصم وأحمد بن حنبل وغيرهم من الحفاظ الذين هم في غاية الكثرة .[526] وقد رواه عدة من الصحابة ، ولا بأس أن نذكر لفظين من الفاظ الحديث :
1- ما أخرجه غالبية الحفاظ منهم البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) :
(( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) .[527]
2- أخرجه جماعة من الحفاظ منهم أحمد بن حنبل والنسائي والطبراني والحاكم في المستدرك وأبو بكر بن أبي عاصم في السنة وابن عساكر وغيرهم[528] بالإسناد عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأمير المؤمنين (ع) :
(( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي)) ثم قال : ((أنت خليفتي يعني في كل مؤمن بعدي)) .
هكذا أورده الحافظ النسائي في الخصائص . وأورده الحاكم في المستدرك بهذا اللفظ :
(( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي ، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)) .
ونحوه في مسند أحمد بن حنبل ، وفي المعجم الكبير للطبراني .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة .[529] وقال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي : هذا إسناد لامطعن فيه لأحد لصحته وثقة نقلته .[530]
وهذا الحديث بلفظه الآخر صريح الدلالة في تنصيب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام للخلافة ، بل يدل عليه باللفظ الأول أيضا حيث أنه يقوم مقام النبي بكل شيء بإستثناء النبوة ، ولأجل أنه يقوم مقام هارون في جميع الأمور إستثنى صلى الله عليه وآله وسلم أمر النبوة ، ولكن اعترض على دلالته بأن هارون (ع) توفي في حياة موسى ، يقول الحافظ ابن حجر : ولما كان هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى دل ذلك على تخصيص خلافة علي (ع) للنبي صلى الله عليه و آله بحياته ، والله أعلم .[531]
ولكن يمكن الجواب عليه بأن وجه الشبه إنما هو في مقام هارون عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام ، حيث كان خليفة موسى عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام ، وإستثناء النبوة إنما هو لبيان ذلك المقام ، وأنه خليفة له بنفس ذلك المستوى ، ولا يمكن أن يعبر بذلك جزافا بالنسبة لمن لا ينطق عن الهوى ولا يقول إلا ما أوحي إليه من رب العلمين عزوجل .
4- علاقة علي (ع) بالقرآن وعدم إفتراقهما إلى يوم القيامة :
أخرج الطبراني والحاكم في المستدرك على الصحيحين بالإسناد عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
(( علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي في التلخيص .[532]
5- حرمة مخالفة علي (ع) :
أخرج عدة من الحفاظ منهم الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ذر ((رض)) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
(( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصا عليا فقد عصاني)) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص .[533]
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أم سلمة ، عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال :
(( من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله)) .[534]
6- حب علي (ع) علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق :
وهذا المعنى أخرجه عدد كبير من الحفّاظ منهم مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل والترمذي والنسائي وابن حبان وابو يعلى الموصلي وأبو بكر بن أبي شيبة وابن ماجة والبغوي وابن مندة وابن الأعرابي وجعفر بن محمد بن نصير الخلدي والحميدي وأبو نعيم الإصبهاني وأبو بكر الخطيب وابن عساكر وغيرهم .[535]
وقد أخرجه الترمذي بالإسناد عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول :
(( لا يحب علياً منافق ولا يبغضه مؤمن )) .[536]
وقد أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما بالإسناد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال :
(( إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه و آله الي أنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق)) .
وأخرج القاضي ابن أبى يعلى في طبقات الحنابلة بالإسناد عن محمد بن منصور الطوسي الحنبلي قال :
(( كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله ، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن عليا (ع) قال : أنا قسيم النار؟ فقال : وما تنكرون من ذا؟ أليس روينا أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال لعلي : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق؟ قلنا بلى . قال : فأين المؤمن؟ قلنا : في الجنة ، قال : وأين المنافق؟ قلنا : في النار : قال : فعلي قسيم النار)) .[537]
7- لا يؤدي عن النبي صلى الله عليه و آله إلا علي (ع) :
وهذا المعنى أخرجه عدة من الحفاظ بالإسناد عن حبشي بن جنادة منهم أحمد بن حنبل والترمذي والنسائي وابن ماجة وابو بكر بن أبي عاصم وأبو بكر بن أبي شيبة وابن عساكر والطبراني وغيرهم[538] عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
(( علي مني وأنا من علي ، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي))
تعليق