عطاء الله
العلاقة بين الآيات والسور:
إنّ المتحدِّث للآخرين مهما كان عندما يتحدَّث عن أيِّ موضوع نراه يسترسل الكلام حول ذلك الموضوع ضمن فقرات مختلفة بحيث يكون لكل فقرة من الفقرات معنيً مستقلٌ بنفسه ولا يجوز للإنسان أن يتحدث عن آية وكأنها نزلت مستقلِّة حتَّى لو ربطها بآيات أخر تفسِّرها.
ارتباط الآيات:
المثال الأول :
قال عز من قائل وهو يتحدَّث عن الوجوه التِّي تنظر إلى ربِّها في يوم القيامة :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }(القيامة/22-23)
فيا ترى ما هو المقصود من هذه الوجوه هل العيون !! وكيف يمكن ذلك ؟
فهل الله جسم يُرى أم ماذا ؟
الجواب أنَّ المقصود من الوجوه ليست العيون بدليل قوله تعالى مباشرة:
{ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ، تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }(القيامةـ24-25)
وهذا دليل على أنَّ الرؤية هي بالقلب لا بالعين كما قال سبحانه
{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }(النجم/11)
وفي الحديث :
لم يره بالبصر و لكن رآه بالفؤاد.
وفي الحديث :
(عن الأصبغ في حديث قال قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك فقال ويلك يا ذعلب لم اكن بالذي اعبد ربا لم أره قال فكيف رايته صفه لنا قال ويلك لم تره العيون بمشاهده الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان)
مثال2:
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }(الإسراء/70)
{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }(الإسراء72)
{ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}(الإسراء72)
ارتباط السُوَر:
وأيضاً هناك ارتباط وعلاقة بين أكثر السُور فكأنَّ بعضها يُكمِّل بعضها الآخر وهذا الأمر يظهر كثيراً في السُور القصار والعلاقة ربَّما تصل إلى مستوى تُعدُّ السورتان وكأنَّها سورةٌ واحدة ، كالعلاقة المتواجدة بين سورة الفيل وسورة قريش وأيضاً سورة الضحى وسورة الانشراح.
وفي الحديث المنقول عن المعتبر و المنتهى نقلا من جامع احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن المفضل قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى و ألم نشرح و سوره الفيل و لإيلاف قريش
ففي سورة الفيل يقول سبحانه :
{ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ }(الفيل 1-5)
وكأنَّ السائل يسأل عن السرّ في حدوث هذه المعجزة المباركة والحادثة العظيمة فيجيبه الله سبحانه:
{ لإيلافِ قُرَيْشٍ ، إيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }(قريش/ 1-4)
وكذا بالنسبة إلى سورتي الضحى والانشراح يقول سبحانه وتعالى:
{ وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ، وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأولَى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ، وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى ، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }ا(الضحى/1-11)
والسؤال الذي يطرح نفسَه هو: ما هي النعمة التِّي ينبغي أن أُحدُّث عنها قبل مماتي ؟ ولماذا ؟ يجيبه سبحانه بقوله:
{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ }ا(الشرح /1-8)
في تفسير علي بن إبراهيم القمي وتفسير فرات الكوفي والمناقب لابن شهر آشوب عن أبي عبد الله عليه السلام (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) علياً للولاية.
(عن كتاب كشف اليقين بإسناده.. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله و الذي بعثني بالحق بشيرا ما استقر الكرسي و العرش و لا دار الفلك و لا قامت السماوات و الأرض إلاّ بان كتب عليها لا اله إلاّ الله محمد رسول الله على أمير المؤمنين و إن الله تعالى لما عرج بي إلى السماء واختصني اللطيف بندائه قال يا محمد قلت لبيك ربى و سعديك قال أنا المحمود و أنت محمد شققت اسمك من اسمي و فضلتك على جميع بريتي فانصب أخاك عليا علما لعبادي يهديهم إلى ديني...)(بحار الأنوار ج 27 ص 8 رواية 16 باب 10)
والملاحظ في السور القصار الأخيرة أنها تتحدَّث عن أمور تخص النبي صلى الله عليه وسلم أو أنَّها تخاطبه.
فتبدأ بالماعون ثم الكوثر ثم الكافرون ثم النصر ثم المسد ثم الإخلاص ثم الفلق ثم الناس والقارئ لهذه السور يرى العلاقة الوثيقة بينها فبعد بيان حال المرائين في سورة الماعون وبخلهم المفرط نشاهد العطاء الإلهي والكثرة في الخير ثم الصلاة للرب والنحر في سورة الكوثر وأنّ الشانئ هو الأبتر الذي يقوِّي روحيَّة الرسول ويُضاعف في قوَّته فيمكنه أن يواجه الكفّار بصلابة فيقول سبحانه: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
والوعد بالفتح في النصر وهلاك العدو في المسد ثمَّ الإخلاص فالاستعاذة من شرِّ المخلوقات ومن قطّاع الطريق الموسوسين في صدور الناس.
أسرار سورة الكوثر
هذا ونشرع في بيان سورة الكوثر الذي هو من أعظم المعاجز الإلهيَّة فنقول:
إنّ سورة الكوثر مع أنَّها أقصر سورة في القرآن الكريم ولكن على اختصارها و قصرها تشتمل على لطائف كثيرة نشير إلى بعضٍ منها:
إنَّ هذه العطيَّة من الله سبحانه فالعطاء كبير حيث أن المعطِي كبير تعالى شأنه مضافاً إلى ابتداء الكلام بكلمة (إنّا) أعني بالجملة الإسميَّة مع ذكر ضمير المتكلم أعطيناك تدل على عظمة العطية.
قوله إنا أعطيناك يدل على أنه لن نسترجعها خصوصاً أنه سبحانه طلب منه الصلاة والنحر كعوض وهذا مثل ما لو أعطى أحدٌ ألف دينارٍ لشخص وأراد منه أن يقرأ الفاتحة على روح والده كعوض فلن يسترجعها منه.
قوله إنا أعطيناك ولم يقل سنُعطيك وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على أنَّ هذا الأعطاء كان حاصلا في الماضي كيف لا و الكوثر (الزهراء) كانت محوراً للأنوار (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) وكأنه يقول نحن قد هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك و اشتغالك بالعبودية. و أيضاً نحن لم نقدمك ولم نفضلك لأجل طاعتك فأعطيناك قبل إقدامك للصلوة و النحر.
قوله أعطيناك و لم يقل أعطينا الرسول أو النبي و هذا يدل على أن العطية لمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة كشخصيَّة مميَّزة.
قوله أعطيناك لا آتيناك وهو يدلُّ على التفضل الدائم المستمر في الدنيا مضافاً إلى الشفاعة في الآخرة حيث قال تعالى { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }(الضحى/ 5)
قوله الكوثر مضافاً إلى هذه الصيغة (فوعل) جاءت بنحو الجمع المحلَّى باللام الدال على الكثرة الشاملة من غير حدٍّ ، فالله أعطى كلَّ شيء قدره وخلقه { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }(طه/50) لاّ الرسول حيث لا حدَّ للعطاء الإلهي له. { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(ص39)
وأيضاً إنّ كلمة الكوثر التِّي هي صفة قد جاءت من غير موصوف هذا يدل على الإبهام و الشياع.
في حين أن الكثرة في سائر الموارد قد وردت بالموصوف
فئة كثيرة - مغانم كثيرة - مواطن كثيرة - فواكه كثيرة - منافع كثيرة - خيرا كثيرا - مراغما كثيرا - ذكرا كثيرا)
قوله تعالى فصل وكأنَّه يقول لا تُبالِ ولا تهتم بقول العاص ابن وائل بل اشتغل بالصلاة.
قوله لربك وانحر(لربك) إشارة إلى انهم لا يصلون لله و لا ينحرون له.
و أشار إلى نوعين من العبادات البدنية والمالية .
قوله فصلِ أي اشتغل بأحسن ما تحبُّه وهو الصلوة وفيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وآله وسلم يحبُّ الصلوة حيث أن الصلوة قرةُ عينه (وقرة عيني الصلوة).
قوله لربك و صرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر دال على و فيه إظهار لكبرياء شأنه تعالى.
قوله إن شانئك يدل على عدم الاهتمام بشنئانه وذكره بصفته لا باسمه يشمل كل من كان في مثل حاله وأيضاً إشارة إلى أن الشنئآن هو الباعث للتهمة ، والبغضاء هي الدافع للمحاربة.
وأمّا الأبتر فمأخوذ من البتر وهو في اللغة يعنى استئصال القطع يقال:
بترته أُبتره بَترا .. صار أبتر وهو مقطوع الذنب والأبتر يعنس من لا عقب له.
ولا يخفى أنَّ جعل الكوثر في قبال الأبتر يدلُّ على أنَّ الكثرة المرادة هي الكثرة في النسل وهي أكبر مُعجزة إلهيَّة حيث النسل الكثير للرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم من أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام في جميع أرجاء العالم وقد برز واحد منهم في الآونة الأخيرة حيث هزَّ عرش الطواغيت وهو الإمام الخميني قدس سره الشريف.
والحمد لله ربِّ العالمين كتبه إبراهيم الأنصاري ليلة 15 رمضان المبارك 1416
الكويت
(9)
سـر الله
اسم فاطمة اسم جامع لاسم الزهراء
{ أمالي وخصال الشيخ الصدوق... عبد العظيم الحسنى عن الحسن بن عبد الله بن يونس عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد الله عليه السلام لفاطمة عليها السلام تسعه أسماء عند الله عز و جل فاطمة و الصديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضية و المحدثة و الزهراء ثم قال عليه السلام ا تدرى أي شيء تفسير فاطمة قلت أخبرني يا سيدي قال فطمت من الشر قال ثم قال لو لا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه كتاب دلائل الإمامة للطبري عن الحسن بن احمد العلوي عن الصدوق مثله }(بحار الأنوار ج 43 ص 10 رواية 1 باب 2)
أقول :
إنّ الحديث يركّز على أسمائها عند الله وهذا المقام أعني مقام عند هو مقام عظيم لا يناله أحد إلاّ الأنبياء والأولياء.
وهو نفس المقام المذكور في الآيات الآتية:
{ وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى }(الليل/19)
وهي نفس عنده في قوله :
{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }(لأنعام/ 59)
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}(الحجر/ 21)
{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا }(الكهف/65).
{ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }(البقرة /255)
وأيضاً هناك تأكيد في الحديث على كلمة فاطمة خاصّة ووجه تسميتها بها بأنّها فطمت عن الشرّ وهذا مفهوم عام يستوعب جميع ما ذكر في وجه تسميتها بهذا الاسم .
وهناك نقطة في الحديث لها غاية الأهميّة وهي قوله عليه السلام: (لو لا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه)
وفي حديث آخر:
((عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لو لا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفو على الأرض)) (بحار الأنوار ج 43 ص 97 رواية 6 باب 5)
وهذه الجملة تبيّن عظمة كلّ من فاطمة وعليٍّ عليه السلام فهي عليها السلام أفضل من جميع نساء العالمين وهو عليه السلام أفضل من جميع الرجال آدم ومن دونه .
ثمّ إنّ كلمة فاطمة من تجلّيات اسم الله سبحانه وتعالى وهي مشتقة بالاشتقاق الأكبر من فاطر
وفي هذا المجال هناك أحاديث كثيرة نذكر ثلاثة منها كنماذج :
( .. سلمان الفارسي رضى الله عنه في حديث طويل قال قال النبي صلي الله عليه وآله يا سلمان فهل علمت من نقبائي ومن الاثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة بعدي فقلت الله ورسوله اعلم قال يا سلمان خلقني الله من صفوه نوره ........إلى أن قال: والله الفاطر وهذه فاطمة والله ذو الإحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين)(بحار الأنوار ج 15 ص 9 رواية 9 باب 1)
(عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم لعلى بن أبي طالب عليه السلام لما خلق الله عز ذكره آدم و نفخ فيه من روحه و اسجد له ملائكته وأسكنه جنته وزوجه حواء أمته فرفع طرفه نحو العرش فإذا هو بخمسه سطور مكتوبات قال آدم يا رب من هؤلاء قال الله عز وجل هؤلاء الذين إذا تشفع بهم إلى خلقي شفعتهم فقال آدم يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم قال أما الأول فأنا المحمود وهو محمد والثاني فأنا العالي الأعلى وهذا علي والثالث فأنا الفاطر وهذه فاطمة و الرابع فأنا المحسن وهذا حسن والخامس فأنا ذو الإحسان وهذا حسين)(بحار الأنوار ج 15 ص 14 رواية 18 باب 1)
(العجلي عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عـن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ذات يوم جالسا وعنده على وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام فقال والذي بعثني بالحق بشيرا ما على وجه الأرض خلق احب إلى الله عز وجل ولا أكرم عليه منا إن الله تبارك وتعالى شق لي اسما من أسمائه فهو محمود وأنا محمد وشق لك يا على اسما من أسمائه فهو العلي الأعلى وأنت على وشق لك يا حسن اسما من أسمائه فهو المحسن وأنت حسن وشق لك يا حسين اسما من أسمائه فهو ذو الإحسان وأنت حسين وشق لك يا فاطمة اسما من أسمائه فهو الفاطر وأنت فاطمة ثم قال اللهم إني أشهدك إني سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم ومحب لمن أحبهم ومبغض لمن أبغضهم وعدو لمن عاداهم وولى لمن والاهم لأنهم منى وأنا منهم )(بحار الأنوار ج37 ص47 رواية 23 باب50)
كلا م حول الاشتقاق وأنواعه
فإذا كان المشتق والفرع مشتملين على حروف الأصل على الترتيب والنسق يسمّى اشتقاقاً صغيراً كضرب ونصر من الضرب والنصر.
2-وإن جمع الفرع حروفَ الأصل ولكن لم يُلحظ فيه الترتيب يسمّى بالاشتقاق الكبير مثل: فسر وسفر.
3-وإن لم يشتمل على جميع الأصل ولكن فيه أكثر حروف الأصل يسمّى بالاشتقاق الأكبر كهضم وخضم، ونبع ونيع،وقصم وفصم، وفطم وفطر.
قال صاحب المفردات:
أصل فطر الشق طولاً يقال: فطر فلان كذا فطْراً وأفطر هو فطوراً،وانفطر انفطاراً قال تعالى {هل ترى من فطور}
قال الإمام (قدس سرّه):
وفي الصحاح: الفطرة بالكسر "الخلقة" ويمكن أن تكون الكلمة مأخوذة من "فطر" أي "شقّ" كأنّ الخلق أشبه بشق ستار العدم وحجاب الغيب، وبهذا المعنى يكون إفطار الصائم: فكأنّه شق استمراريّة الإمساك.
أقول: وقد أستعمل القرآن هذه الكلمة ومشتقّاتها في عشرين مورداً.
الوجه في تسميتها بهذا الاسم
وبعد وضوح معنى فاطر يتّضح لنا الوجه في تسميتها فاطمة .
وذلك:
أنّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق امرأة بهذه المواصفات العظيمة التي منها أنّها حوراء إنسيّة ، ففطر العدم هذا بخلق فاطمة وتجلّى معنى فاطر في شخصيّتها عليها السلام ومن هذا المنطلق سمّيت فاطمةُ فاطمة.
قال الإمام (قدس سرّه): (جميع الأبعاد المتصوّرة للمرأة وللإنسان قد تجلّت في الزهراء سلام الله عليها وكانت متواجدة فيها. لم تكن الزهراء امرأة عاديّة، هي امرأة روحانيّة، هي امرأة ملكوتيّة،هي إنسان بجميع معنى الكلمة، إنّها جميعُ نسخة الإنسانية، جميعُ حقيقة المرأة ، جميع حقيقة الإنسان . إنّها ليست امرأة عاديّة، إنّها موجود ملكوتي قد ظهرت في العالم على صورة إنسان ....إنّها امرأة قد اشتملت على جميع خواص الأنبياء ،هي امرأة لو كانت رجلاً لكانت نبيّاً، امرأة لو كانت رجلاً كانت في موقع رسول الله صلي الله عليه وآله ....المعنويات، التجلّيات الملكوتية والإلهيّة والجبروتيّة والملكيّة والناسوتيّة كلّها قد اجتمعت في هذا الموجود...إنّ الإنسان موجود متحرّك من مرتبة الطبيعة إلى مرتبة الغيب وإلى الفناء في الألوهيّة. وقد حصلت للصديقة الطاهرة هذه المعاني هذه المسائل. فهي بالحركة المعنوية من مرحلة الطبيعة وبقدرة الله وباليد الغيبيّة وبتربية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم استمرت في طيّ المراتب إلى أن وصلت إلى مرتبة لم ينلها أحد من الخلق)
ثمّ: إنّ هناك جانبين في خصوص هذا الاسم (أعني فاطمة):
الأول : الجانب السلبي أو الجلالي .
الثاني : الجانب الإيجابي أو الجماليّ.
وكلا الجانبين قد بُينّا في الحديث الشريف ولكنْ بنحو كلّيٍّ فقوله عليه السلام (أتدرى أي شئ تفسير فاطمة قلت أخبرني يا سيدي قال فطمت من الشر) يشير إلى جانب الجلال في شخصيّتها. وقوله عليه السلام
لو لا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه) يبيّن جانب الجمال في وجودها عليها السلام.
الكفء
أعتقد أن التكافؤ بين الزهراء عليها السلام وعليٍّ سلام الله عليه الوارد في الأحاديث الكثيرة كالحديث التالي:
((عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لو لا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفء على الأرض }(بحار الأنوار ج 43 ص 97 رواية 6 باب 5)
لا يعنى التكافؤ في الحياة الزوجية فحسب و لا يعني أيضاً أنهما مجمع النورين والبحرين بعد تفرقهما في عبد الله وأبي طالب حيث ورد في تفسير قوله تعالى:
(كنز العمّال محمد بن العباس عن محمد بن احمد عن محفوظ بن بشر عن ابن شمر عن جابر عن أبي عبد الله قال عليه السلام في قوله عز و جل مرج البحرين يلتقيان قال على و فاطمة..)(بحار الأنوار ج 24 ص 97 رواية 1باب 36) وهناك أحاديث كثيرة في هذا المجال راجع مضانِّها.
بل هناك أمر أهم من ذلك وأرفع مستوى وهو التكافؤ في أداء التكليف الإلهي بحيث كل يكمل الآخر.. وكل يؤدى تكليفه المتناقض مع تكليف الآخر ظاهراً والمطابق معه واقعا فهو تكليف واحد ولكن قد تجلّى وظهر في موقفين متضادين تماماً. ومن هنا نعرف السر في الحديث القدسي حيث يقول: ( لو لا على لما خلقت فاطمة الخ.. )
فهذا الحديث هو الأصل مرتكز فيه جميع المفاهيم المذكورة في الأحاديث الأُخر بنحو التفصيل.
خلاصة الوجوه للاسم (فاطمة):
1-لأنّ الله فطم محبيها من النار.
2-لأنّها فطمت عن الطمث.
3-لأنّها فطمت بالعلم (أي من الجهل).
والمستفاد من الأحاديث أنّها عليها السلام فاطمة فطمت عن جميع العيوب والنقائص وهذا يعني طهارتها المطلقة وهي العصمة.
والمهمّ ما في الحديث
محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إنا أنزلناه في ليلة القدر الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر وإنما سميت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفته)(بحار الأنوار ج 43 ص 65 رواية 58 باب 3)
المــقارنة بين ليلة القدر و فاطمة الزهراء عليها السلام
1-إنّ ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة كذلك بضعة المصطفى .
2-أنّه كما أنّ ليلة القدر يفرق فيها كلّ أمر حكيم، كذلك بفاطمة يفرق بين الحقّ والباطل.
3-كما أنّ ليلة القدر صارت ظرفاً زمانيّاً لنزول الآيات والسوَر كذلك فاطمة أرضيّة مكانية لنزول جبرئيل.
4-ليلة القدر معراج الأنبياء والأوصياء، وكذلك ولايتها مرقاة لهم (ما تكاملت النبوّة لنبيٍّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبَّتها).
5-إنّ ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات، كذلك التوسّل بها وسيلة للبركات ودفع البليّات.
6-إنّ ليلة القدر خير من ألف شهر فهي عليها السلام خير نساء الأولين والآخرين ، بل إنّ فاطمة خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.
7-إنّ ليلة القدر هي بداية سنة العرفاء بالله كما في الأحاديث الكثيرة وهي منطلق السير إلى الله فكذلك فاطمة هي منطلق الورود في الولاية والتعلّق بأهل البيت عليهم السلام .
مقتطفات من أرجوزة المحقق الأصفهاني في شأن الزهراء عليها السلام:
جوهرة القدس من الكنز الخفي بدت فأبدت عاليات الأحرف وقد تجلى من سماء العظمة من عالم الأسماء أسمى كلمة بل هي أم الكلمات المحكمة في غيب ذاتها نكات مبهمة أم الأئمّة العقول الغرّ بل أم أبيها وهي علّة العــــــلل روح النبي في عظيم المنزلة وفي الكفاء كفؤ من لا كفؤ له تصوّرت حقيقة الكمال بصـــورة بديعةِ الجـــــمال فإنّها الحوراء في النزول وفي الصعود محور العقول يمثل الوجوب في الإمكان عيانها بأحســــــن البيان فإنّها قطب رحى الوجود في قوسي النزول والصعود وليس في محيط تلك الدائرة مدارها الأعظم إلاّ الطاهرة مصونة عن كلّ رسم وسمة مرموزة في الصحف المكرمّة وحبّها من الصفات العالية عليه دارت القرون الخالية تبتلت عن دنس الطبيعة فيا لها من رتبة رفيعة مرفوعة الهمّة والعزيمة عن نشأة الزخارف الذميمة في أفق المجد هي الزهراء للشمس من زهرتها الضياء بل هي نور عالم الأنوار ومطلع الشموس والأقمار رضيعة الوحي من الجليل حليفة المحكم والتنزيل مفطومة من زلل الأهواء معصومة عن وصمة الأخطاء راضية بكل ما قضى القضا بما يضيق عنه واسع الفضا زكيّة من وصمة الوجود فهي غنيّة عن الحدود.
يا قبلة الأرواح والعقول وكعبة الشهود والوصول من بقدومها تشرّفت منى ومن بها تدرك غاية المنى وبيتها المعمور كعبة السما أضحى ثراه للثريّا ملثما وخدرها السامي رواق العظمة وهو مطاف الكعبة المعظّمة حجابها مثل حجاب الباري بارقة تذهب بالأبصار
تمثّل الواجب في حجابها فكيف بالإشراق من قبابها لك الهنا يا سيد الوجود في نشئات الغيب والشهود
بمن تعالى شأنها عن مثلِ كيف ولا تكرار في التجلّي بشراك يا أبا العقول العشرة بالبضعة الطاهرة المطهرة مهجة قلب عالم الإمكان وبهجة الفردوس والجنان غرّتها الغراء مصباح الهدى يعرف حسن المنتهى بالمبتدى بشراك ياخلاصة الإيجاد بصفوة الأمجاد والأنجاد أم الكتاب وابنة التنـزيل ربّة بيت العلم بالتأويل بحر الندى ومجمع البحرين قلب الهدى ومهجة الكونين واحدة النبيّ أوّل العدد ثانية الوصيِّ نسخة الأحد ومركز الخمسة من أهل العبا ومحور السبعة علوا وإبا لك الهنا يا سيد البريّة بأعظم المواهب السنية أتاك طاووس رياض القدس بنفحة من نفحات الأنس من جنّة الصفات والأسماء جلّت عن المديح والثناء فارتاحت الأرواح من شميمها واهتزّت النفوس من نسيمها.
والحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين
ليلة الثلاثاء 20 جمادي الثانية 1416 ليلة ولادة الصدّيقة الزهراء عليها السلام.
كتبه الشيخ إبراهيم الأنصاري
www.al-kawthar.com
العلاقة بين الآيات والسور:
إنّ المتحدِّث للآخرين مهما كان عندما يتحدَّث عن أيِّ موضوع نراه يسترسل الكلام حول ذلك الموضوع ضمن فقرات مختلفة بحيث يكون لكل فقرة من الفقرات معنيً مستقلٌ بنفسه ولا يجوز للإنسان أن يتحدث عن آية وكأنها نزلت مستقلِّة حتَّى لو ربطها بآيات أخر تفسِّرها.
ارتباط الآيات:
المثال الأول :
قال عز من قائل وهو يتحدَّث عن الوجوه التِّي تنظر إلى ربِّها في يوم القيامة :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }(القيامة/22-23)
فيا ترى ما هو المقصود من هذه الوجوه هل العيون !! وكيف يمكن ذلك ؟
فهل الله جسم يُرى أم ماذا ؟
الجواب أنَّ المقصود من الوجوه ليست العيون بدليل قوله تعالى مباشرة:
{ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ، تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }(القيامةـ24-25)
وهذا دليل على أنَّ الرؤية هي بالقلب لا بالعين كما قال سبحانه
{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }(النجم/11)
وفي الحديث :
لم يره بالبصر و لكن رآه بالفؤاد.
وفي الحديث :
(عن الأصبغ في حديث قال قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك فقال ويلك يا ذعلب لم اكن بالذي اعبد ربا لم أره قال فكيف رايته صفه لنا قال ويلك لم تره العيون بمشاهده الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان)
مثال2:
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }(الإسراء/70)
{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }(الإسراء72)
{ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}(الإسراء72)
ارتباط السُوَر:
وأيضاً هناك ارتباط وعلاقة بين أكثر السُور فكأنَّ بعضها يُكمِّل بعضها الآخر وهذا الأمر يظهر كثيراً في السُور القصار والعلاقة ربَّما تصل إلى مستوى تُعدُّ السورتان وكأنَّها سورةٌ واحدة ، كالعلاقة المتواجدة بين سورة الفيل وسورة قريش وأيضاً سورة الضحى وسورة الانشراح.
وفي الحديث المنقول عن المعتبر و المنتهى نقلا من جامع احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن المفضل قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى و ألم نشرح و سوره الفيل و لإيلاف قريش
ففي سورة الفيل يقول سبحانه :
{ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ }(الفيل 1-5)
وكأنَّ السائل يسأل عن السرّ في حدوث هذه المعجزة المباركة والحادثة العظيمة فيجيبه الله سبحانه:
{ لإيلافِ قُرَيْشٍ ، إيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }(قريش/ 1-4)
وكذا بالنسبة إلى سورتي الضحى والانشراح يقول سبحانه وتعالى:
{ وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ، وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأولَى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ، وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى ، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }ا(الضحى/1-11)
والسؤال الذي يطرح نفسَه هو: ما هي النعمة التِّي ينبغي أن أُحدُّث عنها قبل مماتي ؟ ولماذا ؟ يجيبه سبحانه بقوله:
{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ }ا(الشرح /1-8)
في تفسير علي بن إبراهيم القمي وتفسير فرات الكوفي والمناقب لابن شهر آشوب عن أبي عبد الله عليه السلام (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) علياً للولاية.
(عن كتاب كشف اليقين بإسناده.. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله و الذي بعثني بالحق بشيرا ما استقر الكرسي و العرش و لا دار الفلك و لا قامت السماوات و الأرض إلاّ بان كتب عليها لا اله إلاّ الله محمد رسول الله على أمير المؤمنين و إن الله تعالى لما عرج بي إلى السماء واختصني اللطيف بندائه قال يا محمد قلت لبيك ربى و سعديك قال أنا المحمود و أنت محمد شققت اسمك من اسمي و فضلتك على جميع بريتي فانصب أخاك عليا علما لعبادي يهديهم إلى ديني...)(بحار الأنوار ج 27 ص 8 رواية 16 باب 10)
والملاحظ في السور القصار الأخيرة أنها تتحدَّث عن أمور تخص النبي صلى الله عليه وسلم أو أنَّها تخاطبه.
فتبدأ بالماعون ثم الكوثر ثم الكافرون ثم النصر ثم المسد ثم الإخلاص ثم الفلق ثم الناس والقارئ لهذه السور يرى العلاقة الوثيقة بينها فبعد بيان حال المرائين في سورة الماعون وبخلهم المفرط نشاهد العطاء الإلهي والكثرة في الخير ثم الصلاة للرب والنحر في سورة الكوثر وأنّ الشانئ هو الأبتر الذي يقوِّي روحيَّة الرسول ويُضاعف في قوَّته فيمكنه أن يواجه الكفّار بصلابة فيقول سبحانه: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
والوعد بالفتح في النصر وهلاك العدو في المسد ثمَّ الإخلاص فالاستعاذة من شرِّ المخلوقات ومن قطّاع الطريق الموسوسين في صدور الناس.
أسرار سورة الكوثر
هذا ونشرع في بيان سورة الكوثر الذي هو من أعظم المعاجز الإلهيَّة فنقول:
إنّ سورة الكوثر مع أنَّها أقصر سورة في القرآن الكريم ولكن على اختصارها و قصرها تشتمل على لطائف كثيرة نشير إلى بعضٍ منها:
إنَّ هذه العطيَّة من الله سبحانه فالعطاء كبير حيث أن المعطِي كبير تعالى شأنه مضافاً إلى ابتداء الكلام بكلمة (إنّا) أعني بالجملة الإسميَّة مع ذكر ضمير المتكلم أعطيناك تدل على عظمة العطية.
قوله إنا أعطيناك يدل على أنه لن نسترجعها خصوصاً أنه سبحانه طلب منه الصلاة والنحر كعوض وهذا مثل ما لو أعطى أحدٌ ألف دينارٍ لشخص وأراد منه أن يقرأ الفاتحة على روح والده كعوض فلن يسترجعها منه.
قوله إنا أعطيناك ولم يقل سنُعطيك وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على أنَّ هذا الأعطاء كان حاصلا في الماضي كيف لا و الكوثر (الزهراء) كانت محوراً للأنوار (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) وكأنه يقول نحن قد هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك و اشتغالك بالعبودية. و أيضاً نحن لم نقدمك ولم نفضلك لأجل طاعتك فأعطيناك قبل إقدامك للصلوة و النحر.
قوله أعطيناك و لم يقل أعطينا الرسول أو النبي و هذا يدل على أن العطية لمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة كشخصيَّة مميَّزة.
قوله أعطيناك لا آتيناك وهو يدلُّ على التفضل الدائم المستمر في الدنيا مضافاً إلى الشفاعة في الآخرة حيث قال تعالى { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }(الضحى/ 5)
قوله الكوثر مضافاً إلى هذه الصيغة (فوعل) جاءت بنحو الجمع المحلَّى باللام الدال على الكثرة الشاملة من غير حدٍّ ، فالله أعطى كلَّ شيء قدره وخلقه { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }(طه/50) لاّ الرسول حيث لا حدَّ للعطاء الإلهي له. { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(ص39)
وأيضاً إنّ كلمة الكوثر التِّي هي صفة قد جاءت من غير موصوف هذا يدل على الإبهام و الشياع.
في حين أن الكثرة في سائر الموارد قد وردت بالموصوف

قوله تعالى فصل وكأنَّه يقول لا تُبالِ ولا تهتم بقول العاص ابن وائل بل اشتغل بالصلاة.
قوله لربك وانحر(لربك) إشارة إلى انهم لا يصلون لله و لا ينحرون له.
و أشار إلى نوعين من العبادات البدنية والمالية .
قوله فصلِ أي اشتغل بأحسن ما تحبُّه وهو الصلوة وفيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وآله وسلم يحبُّ الصلوة حيث أن الصلوة قرةُ عينه (وقرة عيني الصلوة).
قوله لربك و صرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر دال على و فيه إظهار لكبرياء شأنه تعالى.
قوله إن شانئك يدل على عدم الاهتمام بشنئانه وذكره بصفته لا باسمه يشمل كل من كان في مثل حاله وأيضاً إشارة إلى أن الشنئآن هو الباعث للتهمة ، والبغضاء هي الدافع للمحاربة.
وأمّا الأبتر فمأخوذ من البتر وهو في اللغة يعنى استئصال القطع يقال:
بترته أُبتره بَترا .. صار أبتر وهو مقطوع الذنب والأبتر يعنس من لا عقب له.
ولا يخفى أنَّ جعل الكوثر في قبال الأبتر يدلُّ على أنَّ الكثرة المرادة هي الكثرة في النسل وهي أكبر مُعجزة إلهيَّة حيث النسل الكثير للرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم من أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام في جميع أرجاء العالم وقد برز واحد منهم في الآونة الأخيرة حيث هزَّ عرش الطواغيت وهو الإمام الخميني قدس سره الشريف.
والحمد لله ربِّ العالمين كتبه إبراهيم الأنصاري ليلة 15 رمضان المبارك 1416
الكويت
(9)
سـر الله
اسم فاطمة اسم جامع لاسم الزهراء
{ أمالي وخصال الشيخ الصدوق... عبد العظيم الحسنى عن الحسن بن عبد الله بن يونس عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد الله عليه السلام لفاطمة عليها السلام تسعه أسماء عند الله عز و جل فاطمة و الصديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضية و المحدثة و الزهراء ثم قال عليه السلام ا تدرى أي شيء تفسير فاطمة قلت أخبرني يا سيدي قال فطمت من الشر قال ثم قال لو لا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه كتاب دلائل الإمامة للطبري عن الحسن بن احمد العلوي عن الصدوق مثله }(بحار الأنوار ج 43 ص 10 رواية 1 باب 2)
أقول :
إنّ الحديث يركّز على أسمائها عند الله وهذا المقام أعني مقام عند هو مقام عظيم لا يناله أحد إلاّ الأنبياء والأولياء.
وهو نفس المقام المذكور في الآيات الآتية:
{ وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى }(الليل/19)
وهي نفس عنده في قوله :
{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }(لأنعام/ 59)
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}(الحجر/ 21)
{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا }(الكهف/65).
{ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }(البقرة /255)
وأيضاً هناك تأكيد في الحديث على كلمة فاطمة خاصّة ووجه تسميتها بها بأنّها فطمت عن الشرّ وهذا مفهوم عام يستوعب جميع ما ذكر في وجه تسميتها بهذا الاسم .
وهناك نقطة في الحديث لها غاية الأهميّة وهي قوله عليه السلام: (لو لا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه)
وفي حديث آخر:
((عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لو لا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفو على الأرض)) (بحار الأنوار ج 43 ص 97 رواية 6 باب 5)
وهذه الجملة تبيّن عظمة كلّ من فاطمة وعليٍّ عليه السلام فهي عليها السلام أفضل من جميع نساء العالمين وهو عليه السلام أفضل من جميع الرجال آدم ومن دونه .
ثمّ إنّ كلمة فاطمة من تجلّيات اسم الله سبحانه وتعالى وهي مشتقة بالاشتقاق الأكبر من فاطر
وفي هذا المجال هناك أحاديث كثيرة نذكر ثلاثة منها كنماذج :
( .. سلمان الفارسي رضى الله عنه في حديث طويل قال قال النبي صلي الله عليه وآله يا سلمان فهل علمت من نقبائي ومن الاثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة بعدي فقلت الله ورسوله اعلم قال يا سلمان خلقني الله من صفوه نوره ........إلى أن قال: والله الفاطر وهذه فاطمة والله ذو الإحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين)(بحار الأنوار ج 15 ص 9 رواية 9 باب 1)
(عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم لعلى بن أبي طالب عليه السلام لما خلق الله عز ذكره آدم و نفخ فيه من روحه و اسجد له ملائكته وأسكنه جنته وزوجه حواء أمته فرفع طرفه نحو العرش فإذا هو بخمسه سطور مكتوبات قال آدم يا رب من هؤلاء قال الله عز وجل هؤلاء الذين إذا تشفع بهم إلى خلقي شفعتهم فقال آدم يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم قال أما الأول فأنا المحمود وهو محمد والثاني فأنا العالي الأعلى وهذا علي والثالث فأنا الفاطر وهذه فاطمة و الرابع فأنا المحسن وهذا حسن والخامس فأنا ذو الإحسان وهذا حسين)(بحار الأنوار ج 15 ص 14 رواية 18 باب 1)
(العجلي عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عـن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ذات يوم جالسا وعنده على وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام فقال والذي بعثني بالحق بشيرا ما على وجه الأرض خلق احب إلى الله عز وجل ولا أكرم عليه منا إن الله تبارك وتعالى شق لي اسما من أسمائه فهو محمود وأنا محمد وشق لك يا على اسما من أسمائه فهو العلي الأعلى وأنت على وشق لك يا حسن اسما من أسمائه فهو المحسن وأنت حسن وشق لك يا حسين اسما من أسمائه فهو ذو الإحسان وأنت حسين وشق لك يا فاطمة اسما من أسمائه فهو الفاطر وأنت فاطمة ثم قال اللهم إني أشهدك إني سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم ومحب لمن أحبهم ومبغض لمن أبغضهم وعدو لمن عاداهم وولى لمن والاهم لأنهم منى وأنا منهم )(بحار الأنوار ج37 ص47 رواية 23 باب50)
كلا م حول الاشتقاق وأنواعه
فإذا كان المشتق والفرع مشتملين على حروف الأصل على الترتيب والنسق يسمّى اشتقاقاً صغيراً كضرب ونصر من الضرب والنصر.
2-وإن جمع الفرع حروفَ الأصل ولكن لم يُلحظ فيه الترتيب يسمّى بالاشتقاق الكبير مثل: فسر وسفر.
3-وإن لم يشتمل على جميع الأصل ولكن فيه أكثر حروف الأصل يسمّى بالاشتقاق الأكبر كهضم وخضم، ونبع ونيع،وقصم وفصم، وفطم وفطر.
قال صاحب المفردات:
أصل فطر الشق طولاً يقال: فطر فلان كذا فطْراً وأفطر هو فطوراً،وانفطر انفطاراً قال تعالى {هل ترى من فطور}
قال الإمام (قدس سرّه):
وفي الصحاح: الفطرة بالكسر "الخلقة" ويمكن أن تكون الكلمة مأخوذة من "فطر" أي "شقّ" كأنّ الخلق أشبه بشق ستار العدم وحجاب الغيب، وبهذا المعنى يكون إفطار الصائم: فكأنّه شق استمراريّة الإمساك.
أقول: وقد أستعمل القرآن هذه الكلمة ومشتقّاتها في عشرين مورداً.
الوجه في تسميتها بهذا الاسم
وبعد وضوح معنى فاطر يتّضح لنا الوجه في تسميتها فاطمة .
وذلك:
أنّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق امرأة بهذه المواصفات العظيمة التي منها أنّها حوراء إنسيّة ، ففطر العدم هذا بخلق فاطمة وتجلّى معنى فاطر في شخصيّتها عليها السلام ومن هذا المنطلق سمّيت فاطمةُ فاطمة.
قال الإمام (قدس سرّه): (جميع الأبعاد المتصوّرة للمرأة وللإنسان قد تجلّت في الزهراء سلام الله عليها وكانت متواجدة فيها. لم تكن الزهراء امرأة عاديّة، هي امرأة روحانيّة، هي امرأة ملكوتيّة،هي إنسان بجميع معنى الكلمة، إنّها جميعُ نسخة الإنسانية، جميعُ حقيقة المرأة ، جميع حقيقة الإنسان . إنّها ليست امرأة عاديّة، إنّها موجود ملكوتي قد ظهرت في العالم على صورة إنسان ....إنّها امرأة قد اشتملت على جميع خواص الأنبياء ،هي امرأة لو كانت رجلاً لكانت نبيّاً، امرأة لو كانت رجلاً كانت في موقع رسول الله صلي الله عليه وآله ....المعنويات، التجلّيات الملكوتية والإلهيّة والجبروتيّة والملكيّة والناسوتيّة كلّها قد اجتمعت في هذا الموجود...إنّ الإنسان موجود متحرّك من مرتبة الطبيعة إلى مرتبة الغيب وإلى الفناء في الألوهيّة. وقد حصلت للصديقة الطاهرة هذه المعاني هذه المسائل. فهي بالحركة المعنوية من مرحلة الطبيعة وبقدرة الله وباليد الغيبيّة وبتربية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم استمرت في طيّ المراتب إلى أن وصلت إلى مرتبة لم ينلها أحد من الخلق)
ثمّ: إنّ هناك جانبين في خصوص هذا الاسم (أعني فاطمة):
الأول : الجانب السلبي أو الجلالي .
الثاني : الجانب الإيجابي أو الجماليّ.
وكلا الجانبين قد بُينّا في الحديث الشريف ولكنْ بنحو كلّيٍّ فقوله عليه السلام (أتدرى أي شئ تفسير فاطمة قلت أخبرني يا سيدي قال فطمت من الشر) يشير إلى جانب الجلال في شخصيّتها. وقوله عليه السلام

الكفء
أعتقد أن التكافؤ بين الزهراء عليها السلام وعليٍّ سلام الله عليه الوارد في الأحاديث الكثيرة كالحديث التالي:
((عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لو لا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفء على الأرض }(بحار الأنوار ج 43 ص 97 رواية 6 باب 5)
لا يعنى التكافؤ في الحياة الزوجية فحسب و لا يعني أيضاً أنهما مجمع النورين والبحرين بعد تفرقهما في عبد الله وأبي طالب حيث ورد في تفسير قوله تعالى:
(كنز العمّال محمد بن العباس عن محمد بن احمد عن محفوظ بن بشر عن ابن شمر عن جابر عن أبي عبد الله قال عليه السلام في قوله عز و جل مرج البحرين يلتقيان قال على و فاطمة..)(بحار الأنوار ج 24 ص 97 رواية 1باب 36) وهناك أحاديث كثيرة في هذا المجال راجع مضانِّها.
بل هناك أمر أهم من ذلك وأرفع مستوى وهو التكافؤ في أداء التكليف الإلهي بحيث كل يكمل الآخر.. وكل يؤدى تكليفه المتناقض مع تكليف الآخر ظاهراً والمطابق معه واقعا فهو تكليف واحد ولكن قد تجلّى وظهر في موقفين متضادين تماماً. ومن هنا نعرف السر في الحديث القدسي حيث يقول: ( لو لا على لما خلقت فاطمة الخ.. )
فهذا الحديث هو الأصل مرتكز فيه جميع المفاهيم المذكورة في الأحاديث الأُخر بنحو التفصيل.
خلاصة الوجوه للاسم (فاطمة):
1-لأنّ الله فطم محبيها من النار.
2-لأنّها فطمت عن الطمث.
3-لأنّها فطمت بالعلم (أي من الجهل).
والمستفاد من الأحاديث أنّها عليها السلام فاطمة فطمت عن جميع العيوب والنقائص وهذا يعني طهارتها المطلقة وهي العصمة.
والمهمّ ما في الحديث

المــقارنة بين ليلة القدر و فاطمة الزهراء عليها السلام
1-إنّ ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة كذلك بضعة المصطفى .
2-أنّه كما أنّ ليلة القدر يفرق فيها كلّ أمر حكيم، كذلك بفاطمة يفرق بين الحقّ والباطل.
3-كما أنّ ليلة القدر صارت ظرفاً زمانيّاً لنزول الآيات والسوَر كذلك فاطمة أرضيّة مكانية لنزول جبرئيل.
4-ليلة القدر معراج الأنبياء والأوصياء، وكذلك ولايتها مرقاة لهم (ما تكاملت النبوّة لنبيٍّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبَّتها).
5-إنّ ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات، كذلك التوسّل بها وسيلة للبركات ودفع البليّات.
6-إنّ ليلة القدر خير من ألف شهر فهي عليها السلام خير نساء الأولين والآخرين ، بل إنّ فاطمة خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.
7-إنّ ليلة القدر هي بداية سنة العرفاء بالله كما في الأحاديث الكثيرة وهي منطلق السير إلى الله فكذلك فاطمة هي منطلق الورود في الولاية والتعلّق بأهل البيت عليهم السلام .
مقتطفات من أرجوزة المحقق الأصفهاني في شأن الزهراء عليها السلام:
جوهرة القدس من الكنز الخفي بدت فأبدت عاليات الأحرف وقد تجلى من سماء العظمة من عالم الأسماء أسمى كلمة بل هي أم الكلمات المحكمة في غيب ذاتها نكات مبهمة أم الأئمّة العقول الغرّ بل أم أبيها وهي علّة العــــــلل روح النبي في عظيم المنزلة وفي الكفاء كفؤ من لا كفؤ له تصوّرت حقيقة الكمال بصـــورة بديعةِ الجـــــمال فإنّها الحوراء في النزول وفي الصعود محور العقول يمثل الوجوب في الإمكان عيانها بأحســــــن البيان فإنّها قطب رحى الوجود في قوسي النزول والصعود وليس في محيط تلك الدائرة مدارها الأعظم إلاّ الطاهرة مصونة عن كلّ رسم وسمة مرموزة في الصحف المكرمّة وحبّها من الصفات العالية عليه دارت القرون الخالية تبتلت عن دنس الطبيعة فيا لها من رتبة رفيعة مرفوعة الهمّة والعزيمة عن نشأة الزخارف الذميمة في أفق المجد هي الزهراء للشمس من زهرتها الضياء بل هي نور عالم الأنوار ومطلع الشموس والأقمار رضيعة الوحي من الجليل حليفة المحكم والتنزيل مفطومة من زلل الأهواء معصومة عن وصمة الأخطاء راضية بكل ما قضى القضا بما يضيق عنه واسع الفضا زكيّة من وصمة الوجود فهي غنيّة عن الحدود.
يا قبلة الأرواح والعقول وكعبة الشهود والوصول من بقدومها تشرّفت منى ومن بها تدرك غاية المنى وبيتها المعمور كعبة السما أضحى ثراه للثريّا ملثما وخدرها السامي رواق العظمة وهو مطاف الكعبة المعظّمة حجابها مثل حجاب الباري بارقة تذهب بالأبصار
تمثّل الواجب في حجابها فكيف بالإشراق من قبابها لك الهنا يا سيد الوجود في نشئات الغيب والشهود
بمن تعالى شأنها عن مثلِ كيف ولا تكرار في التجلّي بشراك يا أبا العقول العشرة بالبضعة الطاهرة المطهرة مهجة قلب عالم الإمكان وبهجة الفردوس والجنان غرّتها الغراء مصباح الهدى يعرف حسن المنتهى بالمبتدى بشراك ياخلاصة الإيجاد بصفوة الأمجاد والأنجاد أم الكتاب وابنة التنـزيل ربّة بيت العلم بالتأويل بحر الندى ومجمع البحرين قلب الهدى ومهجة الكونين واحدة النبيّ أوّل العدد ثانية الوصيِّ نسخة الأحد ومركز الخمسة من أهل العبا ومحور السبعة علوا وإبا لك الهنا يا سيد البريّة بأعظم المواهب السنية أتاك طاووس رياض القدس بنفحة من نفحات الأنس من جنّة الصفات والأسماء جلّت عن المديح والثناء فارتاحت الأرواح من شميمها واهتزّت النفوس من نسيمها.
والحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين
ليلة الثلاثاء 20 جمادي الثانية 1416 ليلة ولادة الصدّيقة الزهراء عليها السلام.
كتبه الشيخ إبراهيم الأنصاري
www.al-kawthar.com
تعليق