إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

أسرار قرانية في حقائق وأنوار محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عطاء الله
    العلاقة بين الآيات والسور:
    إنّ المتحدِّث للآخرين مهما كان عندما يتحدَّث عن أيِّ موضوع نراه يسترسل الكلام حول ذلك الموضوع ضمن فقرات مختلفة بحيث يكون لكل فقرة من الفقرات معنيً مستقلٌ بنفسه ولا يجوز للإنسان أن يتحدث عن آية وكأنها نزلت مستقلِّة حتَّى لو ربطها بآيات أخر تفسِّرها.
    ارتباط الآيات:
    المثال الأول :
    قال عز من قائل وهو يتحدَّث عن الوجوه التِّي تنظر إلى ربِّها في يوم القيامة :
    { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }(القيامة/22-23)
    فيا ترى ما هو المقصود من هذه الوجوه هل العيون !! وكيف يمكن ذلك ؟
    فهل الله جسم يُرى أم ماذا ؟
    الجواب أنَّ المقصود من الوجوه ليست العيون بدليل قوله تعالى مباشرة:
    { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ، تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }(القيامةـ24-25)
    وهذا دليل على أنَّ الرؤية هي بالقلب لا بالعين كما قال سبحانه
    { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }(النجم/11)
    وفي الحديث :
    لم يره بالبصر و لكن رآه بالفؤاد.
    وفي الحديث :
    (عن الأصبغ في حديث قال قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك فقال ويلك يا ذعلب لم اكن بالذي اعبد ربا لم أره قال فكيف رايته صفه لنا قال ويلك لم تره العيون بمشاهده الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان)
    مثال2:
    { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }(الإسراء/70)
    { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }(الإسراء72)
    { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}(الإسراء72)
    ارتباط السُوَر:
    وأيضاً هناك ارتباط وعلاقة بين أكثر السُور فكأنَّ بعضها يُكمِّل بعضها الآخر وهذا الأمر يظهر كثيراً في السُور القصار والعلاقة ربَّما تصل إلى مستوى تُعدُّ السورتان وكأنَّها سورةٌ واحدة ، كالعلاقة المتواجدة بين سورة الفيل وسورة قريش وأيضاً سورة الضحى وسورة الانشراح.
    وفي الحديث المنقول عن المعتبر و المنتهى نقلا من جامع احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن المفضل قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى و ألم نشرح و سوره الفيل و لإيلاف قريش
    ففي سورة الفيل يقول سبحانه :
    { أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ }(الفيل 1-5)
    وكأنَّ السائل يسأل عن السرّ في حدوث هذه المعجزة المباركة والحادثة العظيمة فيجيبه الله سبحانه:
    { لإيلافِ قُرَيْشٍ ، إيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }(قريش/ 1-4)
    وكذا بالنسبة إلى سورتي الضحى والانشراح يقول سبحانه وتعالى:
    { وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ، وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأولَى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ، وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى ، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }ا(الضحى/1-11)
    والسؤال الذي يطرح نفسَه هو: ما هي النعمة التِّي ينبغي أن أُحدُّث عنها قبل مماتي ؟ ولماذا ؟ يجيبه سبحانه بقوله:
    { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ }ا(الشرح /1-8)
    في تفسير علي بن إبراهيم القمي وتفسير فرات الكوفي والمناقب لابن شهر آشوب عن أبي عبد الله عليه السلام (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) علياً للولاية.
    (عن كتاب كشف اليقين بإسناده.. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله و الذي بعثني بالحق بشيرا ما استقر الكرسي و العرش و لا دار الفلك و لا قامت السماوات و الأرض إلاّ بان كتب عليها لا اله إلاّ الله محمد رسول الله على أمير المؤمنين و إن الله تعالى لما عرج بي إلى السماء واختصني اللطيف بندائه قال يا محمد قلت لبيك ربى و سعديك قال أنا المحمود و أنت محمد شققت اسمك من اسمي و فضلتك على جميع بريتي فانصب أخاك عليا علما لعبادي يهديهم إلى ديني...)(بحار الأنوار ج 27 ص 8 رواية 16 باب 10)
    والملاحظ في السور القصار الأخيرة أنها تتحدَّث عن أمور تخص النبي صلى الله عليه وسلم أو أنَّها تخاطبه.
    فتبدأ بالماعون ثم الكوثر ثم الكافرون ثم النصر ثم المسد ثم الإخلاص ثم الفلق ثم الناس والقارئ لهذه السور يرى العلاقة الوثيقة بينها فبعد بيان حال المرائين في سورة الماعون وبخلهم المفرط نشاهد العطاء الإلهي والكثرة في الخير ثم الصلاة للرب والنحر في سورة الكوثر وأنّ الشانئ هو الأبتر الذي يقوِّي روحيَّة الرسول ويُضاعف في قوَّته فيمكنه أن يواجه الكفّار بصلابة فيقول سبحانه: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
    والوعد بالفتح في النصر وهلاك العدو في المسد ثمَّ الإخلاص فالاستعاذة من شرِّ المخلوقات ومن قطّاع الطريق الموسوسين في صدور الناس.
    أسرار سورة الكوثر
    هذا ونشرع في بيان سورة الكوثر الذي هو من أعظم المعاجز الإلهيَّة فنقول:
    إنّ سورة الكوثر مع أنَّها أقصر سورة في القرآن الكريم ولكن على اختصارها و قصرها تشتمل على لطائف كثيرة نشير إلى بعضٍ منها:
    إنَّ هذه العطيَّة من الله سبحانه فالعطاء كبير حيث أن المعطِي كبير تعالى شأنه مضافاً إلى ابتداء الكلام بكلمة (إنّا) أعني بالجملة الإسميَّة مع ذكر ضمير المتكلم أعطيناك تدل على عظمة العطية.
    قوله إنا أعطيناك يدل على أنه لن نسترجعها خصوصاً أنه سبحانه طلب منه الصلاة والنحر كعوض وهذا مثل ما لو أعطى أحدٌ ألف دينارٍ لشخص وأراد منه أن يقرأ الفاتحة على روح والده كعوض فلن يسترجعها منه.
    قوله إنا أعطيناك ولم يقل سنُعطيك وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على أنَّ هذا الأعطاء كان حاصلا في الماضي كيف لا و الكوثر (الزهراء) كانت محوراً للأنوار (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) وكأنه يقول نحن قد هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك و اشتغالك بالعبودية. و أيضاً نحن لم نقدمك ولم نفضلك لأجل طاعتك فأعطيناك قبل إقدامك للصلوة و النحر.
    قوله أعطيناك و لم يقل أعطينا الرسول أو النبي و هذا يدل على أن العطية لمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة كشخصيَّة مميَّزة.
    قوله أعطيناك لا آتيناك وهو يدلُّ على التفضل الدائم المستمر في الدنيا مضافاً إلى الشفاعة في الآخرة حيث قال تعالى { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }(الضحى/ 5)
    قوله الكوثر مضافاً إلى هذه الصيغة (فوعل) جاءت بنحو الجمع المحلَّى باللام الدال على الكثرة الشاملة من غير حدٍّ ، فالله أعطى كلَّ شيء قدره وخلقه { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }(طه/50) لاّ الرسول حيث لا حدَّ للعطاء الإلهي له. { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(ص39)
    وأيضاً إنّ كلمة الكوثر التِّي هي صفة قد جاءت من غير موصوف هذا يدل على الإبهام و الشياع.
    في حين أن الكثرة في سائر الموارد قد وردت بالموصوففئة كثيرة - مغانم كثيرة - مواطن كثيرة - فواكه كثيرة - منافع كثيرة - خيرا كثيرا - مراغما كثيرا - ذكرا كثيرا)
    قوله تعالى فصل وكأنَّه يقول لا تُبالِ ولا تهتم بقول العاص ابن وائل بل اشتغل بالصلاة.
    قوله لربك وانحر(لربك) إشارة إلى انهم لا يصلون لله و لا ينحرون له.
    و أشار إلى نوعين من العبادات البدنية والمالية .
    قوله فصلِ أي اشتغل بأحسن ما تحبُّه وهو الصلوة وفيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وآله وسلم يحبُّ الصلوة حيث أن الصلوة قرةُ عينه (وقرة عيني الصلوة).
    قوله لربك و صرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر دال على و فيه إظهار لكبرياء شأنه تعالى.
    قوله إن شانئك يدل على عدم الاهتمام بشنئانه وذكره بصفته لا باسمه يشمل كل من كان في مثل حاله وأيضاً إشارة إلى أن الشنئآن هو الباعث للتهمة ، والبغضاء هي الدافع للمحاربة.
    وأمّا الأبتر فمأخوذ من البتر وهو في اللغة يعنى استئصال القطع يقال:
    بترته أُبتره بَترا .. صار أبتر وهو مقطوع الذنب والأبتر يعنس من لا عقب له.
    ولا يخفى أنَّ جعل الكوثر في قبال الأبتر يدلُّ على أنَّ الكثرة المرادة هي الكثرة في النسل وهي أكبر مُعجزة إلهيَّة حيث النسل الكثير للرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم من أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام في جميع أرجاء العالم وقد برز واحد منهم في الآونة الأخيرة حيث هزَّ عرش الطواغيت وهو الإمام الخميني قدس سره الشريف.
    والحمد لله ربِّ العالمين كتبه إبراهيم الأنصاري ليلة 15 رمضان المبارك 1416
    الكويت
    (9)
    سـر الله
    اسم فاطمة اسم جامع لاسم الزهراء
    { أمالي وخصال الشيخ الصدوق... عبد العظيم الحسنى عن الحسن بن عبد الله بن يونس عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد الله عليه السلام لفاطمة عليها السلام تسعه أسماء عند الله عز و جل فاطمة و الصديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضية و المحدثة و الزهراء ثم قال عليه السلام ا تدرى أي شيء تفسير فاطمة قلت أخبرني يا سيدي قال فطمت من الشر قال ثم قال لو لا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه كتاب دلائل الإمامة للطبري عن الحسن بن احمد العلوي عن الصدوق مثله }(بحار الأنوار ج 43 ص 10 رواية 1 باب 2)
    أقول :
    إنّ الحديث يركّز على أسمائها عند الله وهذا المقام أعني مقام عند هو مقام عظيم لا يناله أحد إلاّ الأنبياء والأولياء.
    وهو نفس المقام المذكور في الآيات الآتية:
    { وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى }(الليل/19)

    وهي نفس عنده في قوله :
    { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }(لأنعام/ 59)
    {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}(الحجر/ 21)
    { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا }(الكهف/65).
    { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }(البقرة /255)
    وأيضاً هناك تأكيد في الحديث على كلمة فاطمة خاصّة ووجه تسميتها بها بأنّها فطمت عن الشرّ وهذا مفهوم عام يستوعب جميع ما ذكر في وجه تسميتها بهذا الاسم .
    وهناك نقطة في الحديث لها غاية الأهميّة وهي قوله عليه السلام: (لو لا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه)
    وفي حديث آخر:
    ((عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لو لا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفو على الأرض)) (بحار الأنوار ج 43 ص 97 رواية 6 باب 5)
    وهذه الجملة تبيّن عظمة كلّ من فاطمة وعليٍّ عليه السلام فهي عليها السلام أفضل من جميع نساء العالمين وهو عليه السلام أفضل من جميع الرجال آدم ومن دونه .
    ثمّ إنّ كلمة فاطمة من تجلّيات اسم الله سبحانه وتعالى وهي مشتقة بالاشتقاق الأكبر من فاطر
    وفي هذا المجال هناك أحاديث كثيرة نذكر ثلاثة منها كنماذج :
    ( .. سلمان الفارسي رضى الله عنه في حديث طويل قال قال النبي صلي الله عليه وآله يا سلمان فهل علمت من نقبائي ومن الاثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة بعدي فقلت الله ورسوله اعلم قال يا سلمان خلقني الله من صفوه نوره ........إلى أن قال: والله الفاطر وهذه فاطمة والله ذو الإحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين)(بحار الأنوار ج 15 ص 9 رواية 9 باب 1)

    (عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم لعلى بن أبي طالب عليه السلام لما خلق الله عز ذكره آدم و نفخ فيه من روحه و اسجد له ملائكته وأسكنه جنته وزوجه حواء أمته فرفع طرفه نحو العرش فإذا هو بخمسه سطور مكتوبات قال آدم يا رب من هؤلاء قال الله عز وجل هؤلاء الذين إذا تشفع بهم إلى خلقي شفعتهم فقال آدم يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم قال أما الأول فأنا المحمود وهو محمد والثاني فأنا العالي الأعلى وهذا علي والثالث فأنا الفاطر وهذه فاطمة و الرابع فأنا المحسن وهذا حسن والخامس فأنا ذو الإحسان وهذا حسين)(بحار الأنوار ج 15 ص 14 رواية 18 باب 1)
    (العجلي عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عـن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ذات يوم جالسا وعنده على وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام فقال والذي بعثني بالحق بشيرا ما على وجه الأرض خلق احب إلى الله عز وجل ولا أكرم عليه منا إن الله تبارك وتعالى شق لي اسما من أسمائه فهو محمود وأنا محمد وشق لك يا على اسما من أسمائه فهو العلي الأعلى وأنت على وشق لك يا حسن اسما من أسمائه فهو المحسن وأنت حسن وشق لك يا حسين اسما من أسمائه فهو ذو الإحسان وأنت حسين وشق لك يا فاطمة اسما من أسمائه فهو الفاطر وأنت فاطمة ثم قال اللهم إني أشهدك إني سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم ومحب لمن أحبهم ومبغض لمن أبغضهم وعدو لمن عاداهم وولى لمن والاهم لأنهم منى وأنا منهم )(بحار الأنوار ج37 ص47 رواية 23 باب50)
    كلا م حول الاشتقاق وأنواعه
    فإذا كان المشتق والفرع مشتملين على حروف الأصل على الترتيب والنسق يسمّى اشتقاقاً صغيراً كضرب ونصر من الضرب والنصر.
    2-وإن جمع الفرع حروفَ الأصل ولكن لم يُلحظ فيه الترتيب يسمّى بالاشتقاق الكبير مثل: فسر وسفر.
    3-وإن لم يشتمل على جميع الأصل ولكن فيه أكثر حروف الأصل يسمّى بالاشتقاق الأكبر كهضم وخضم، ونبع ونيع،وقصم وفصم، وفطم وفطر.
    قال صاحب المفردات:
    أصل فطر الشق طولاً يقال: فطر فلان كذا فطْراً وأفطر هو فطوراً،وانفطر انفطاراً قال تعالى {هل ترى من فطور}
    قال الإمام (قدس سرّه):
    وفي الصحاح: الفطرة بالكسر "الخلقة" ويمكن أن تكون الكلمة مأخوذة من "فطر" أي "شقّ" كأنّ الخلق أشبه بشق ستار العدم وحجاب الغيب، وبهذا المعنى يكون إفطار الصائم: فكأنّه شق استمراريّة الإمساك.
    أقول: وقد أستعمل القرآن هذه الكلمة ومشتقّاتها في عشرين مورداً.
    الوجه في تسميتها بهذا الاسم
    وبعد وضوح معنى فاطر يتّضح لنا الوجه في تسميتها فاطمة .
    وذلك:
    أنّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق امرأة بهذه المواصفات العظيمة التي منها أنّها حوراء إنسيّة ، ففطر العدم هذا بخلق فاطمة وتجلّى معنى فاطر في شخصيّتها عليها السلام ومن هذا المنطلق سمّيت فاطمةُ فاطمة.
    ‏قال الإمام (قدس سرّه):‎ (جميع الأبعاد المتصوّرة للمرأة وللإنسان قد تجلّت في الزهراء سلام الله عليها وكانت متواجدة فيها. لم تكن الزهراء امرأة عاديّة، هي امرأة روحانيّة، هي امرأة ملكوتيّة،هي إنسان بجميع معنى الكلمة، إنّها جميعُ نسخة الإنسانية، جميعُ حقيقة المرأة ، جميع حقيقة الإنسان . إنّها ليست امرأة عاديّة، إنّها موجود ملكوتي قد ظهرت في العالم على صورة إنسان ....إنّها امرأة قد اشتملت على جميع خواص الأنبياء ،هي امرأة لو كانت رجلاً لكانت نبيّاً، امرأة لو كانت رجلاً كانت في موقع رسول الله صلي الله عليه وآله ....المعنويات، التجلّيات الملكوتية والإلهيّة والجبروتيّة والملكيّة والناسوتيّة كلّها قد اجتمعت في هذا الموجود...إنّ الإنسان موجود متحرّك من مرتبة الطبيعة إلى مرتبة الغيب وإلى الفناء في الألوهيّة. وقد حصلت للصديقة الطاهرة هذه المعاني هذه المسائل. فهي بالحركة المعنوية من مرحلة الطبيعة وبقدرة الله وباليد الغيبيّة وبتربية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم استمرت في طيّ المراتب إلى أن وصلت إلى مرتبة لم ينلها أحد من الخلق)
    ثمّ: إنّ هناك جانبين في خصوص هذا الاسم (أعني فاطمة):
    الأول : الجانب السلبي أو الجلالي .
    الثاني : الجانب الإيجابي أو الجماليّ.
    وكلا الجانبين قد بُينّا في الحديث الشريف ولكنْ بنحو كلّيٍّ فقوله عليه السلام (أتدرى أي شئ تفسير فاطمة قلت أخبرني يا سيدي قال فطمت من الشر) يشير إلى جانب الجلال في شخصيّتها. وقوله عليه السلام لو لا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه) يبيّن جانب الجمال في وجودها عليها السلام.
    الكفء
    أعتقد أن التكافؤ بين الزهراء عليها السلام وعليٍّ سلام الله عليه الوارد في الأحاديث الكثيرة كالحديث التالي:
    ((عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لو لا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفء على الأرض }(بحار الأنوار ج 43 ص 97 رواية 6 باب 5)

    لا يعنى التكافؤ في الحياة الزوجية فحسب و لا يعني أيضاً أنهما مجمع النورين والبحرين بعد تفرقهما في عبد الله وأبي طالب حيث ورد في تفسير قوله تعالى:
    (كنز العمّال محمد بن العباس عن محمد بن احمد عن محفوظ بن بشر عن ابن شمر عن جابر عن أبي عبد الله قال عليه السلام في قوله عز و جل مرج البحرين يلتقيان قال على و فاطمة..)(بحار الأنوار ج 24 ص 97 رواية 1باب 36) وهناك أحاديث كثيرة في هذا المجال راجع مضانِّها.
    بل هناك أمر أهم من ذلك وأرفع مستوى وهو التكافؤ في أداء التكليف الإلهي بحيث كل يكمل الآخر.. وكل يؤدى تكليفه المتناقض مع تكليف الآخر ظاهراً والمطابق معه واقعا فهو تكليف واحد ولكن قد تجلّى وظهر في موقفين متضادين تماماً. ومن هنا نعرف السر في الحديث القدسي حيث يقول: ( لو لا على لما خلقت فاطمة الخ.. )
    فهذا الحديث هو الأصل مرتكز فيه جميع المفاهيم المذكورة في الأحاديث الأُخر بنحو التفصيل.
    خلاصة الوجوه للاسم (فاطمة):
    1-لأنّ الله فطم محبيها من النار.
    2-لأنّها فطمت عن الطمث.
    3-لأنّها فطمت بالعلم (أي من الجهل).
    والمستفاد من الأحاديث أنّها عليها السلام فاطمة فطمت عن جميع العيوب والنقائص وهذا يعني طهارتها المطلقة وهي العصمة.
    والمهمّ ما في الحديث محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إنا أنزلناه في ليلة القدر الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر وإنما سميت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفته)(بحار الأنوار ج 43 ص 65 رواية 58 باب 3)

    المــقارنة بين ليلة القدر و فاطمة الزهراء عليها السلام
    1-إنّ ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة كذلك بضعة المصطفى .
    2-أنّه كما أنّ ليلة القدر يفرق فيها كلّ أمر حكيم، كذلك بفاطمة يفرق بين الحقّ والباطل.
    3-كما أنّ ليلة القدر صارت ظرفاً زمانيّاً لنزول الآيات والسوَر كذلك فاطمة أرضيّة مكانية لنزول جبرئيل.
    4-ليلة القدر معراج الأنبياء والأوصياء، وكذلك ولايتها مرقاة لهم (ما تكاملت النبوّة لنبيٍّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبَّتها).
    5-إنّ ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات، كذلك التوسّل بها وسيلة للبركات ودفع البليّات.
    6-إنّ ليلة القدر خير من ألف شهر فهي عليها السلام خير نساء الأولين والآخرين ، بل إنّ فاطمة خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.
    7-إنّ ليلة القدر هي بداية سنة العرفاء بالله كما في الأحاديث الكثيرة وهي منطلق السير إلى الله فكذلك فاطمة هي منطلق الورود في الولاية والتعلّق بأهل البيت عليهم السلام .
    مقتطفات من أرجوزة المحقق الأصفهاني في شأن الزهراء عليها السلام:
    جوهرة القدس من الكنز الخفي بدت فأبدت عاليات الأحرف وقد تجلى من سماء العظمة من عالم الأسماء أسمى كلمة بل هي أم الكلمات المحكمة في غيب ذاتها نكات مبهمة أم الأئمّة العقول الغرّ بل أم أبيها وهي علّة العــــــلل روح النبي في عظيم المنزلة وفي الكفاء كفؤ من لا كفؤ له تصوّرت حقيقة الكمال بصـــورة بديعةِ الجـــــمال فإنّها الحوراء في النزول وفي الصعود محور العقول يمثل الوجوب في الإمكان عيانها بأحســــــن البيان فإنّها قطب رحى الوجود في قوسي النزول والصعود وليس في محيط تلك الدائرة مدارها الأعظم إلاّ الطاهرة مصونة عن كلّ رسم وسمة مرموزة في الصحف المكرمّة وحبّها من الصفات العالية عليه دارت القرون الخالية تبتلت عن دنس الطبيعة فيا لها من رتبة رفيعة مرفوعة الهمّة والعزيمة عن نشأة الزخارف الذميمة في أفق المجد هي الزهراء للشمس من زهرتها الضياء بل هي نور عالم الأنوار ومطلع الشموس والأقمار رضيعة الوحي من الجليل حليفة المحكم والتنزيل مفطومة من زلل الأهواء معصومة عن وصمة الأخطاء راضية بكل ما قضى القضا بما يضيق عنه واسع الفضا زكيّة من وصمة الوجود فهي غنيّة عن الحدود.
    يا قبلة الأرواح والعقول وكعبة الشهود والوصول من بقدومها تشرّفت منى ومن بها تدرك غاية المنى وبيتها المعمور كعبة السما أضحى ثراه للثريّا ملثما وخدرها السامي رواق العظمة وهو مطاف الكعبة المعظّمة حجابها مثل حجاب الباري بارقة تذهب بالأبصار
    تمثّل الواجب في حجابها فكيف بالإشراق من قبابها لك الهنا يا سيد الوجود في نشئات الغيب والشهود
    بمن تعالى شأنها عن مثلِ كيف ولا تكرار في التجلّي بشراك يا أبا العقول العشرة بالبضعة الطاهرة المطهرة مهجة قلب عالم الإمكان وبهجة الفردوس والجنان غرّتها الغراء مصباح الهدى يعرف حسن المنتهى بالمبتدى بشراك ياخلاصة الإيجاد بصفوة الأمجاد والأنجاد أم الكتاب وابنة التنـزيل ربّة بيت العلم بالتأويل بحر الندى ومجمع البحرين قلب الهدى ومهجة الكونين واحدة النبيّ أوّل العدد ثانية الوصيِّ نسخة الأحد ومركز الخمسة من أهل العبا ومحور السبعة علوا وإبا لك الهنا يا سيد البريّة بأعظم المواهب السنية أتاك طاووس رياض القدس بنفحة من نفحات الأنس من جنّة الصفات والأسماء جلّت عن المديح والثناء فارتاحت الأرواح من شميمها واهتزّت النفوس من نسيمها.
    والحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين
    ليلة الثلاثاء 20 جمادي الثانية 1416 ليلة ولادة الصدّيقة الزهراء عليها السلام.
    كتبه الشيخ إبراهيم الأنصاري
    www.al-kawthar.com

    تعليق


    • (10)
      ذخيــرة الله

      الحمد لله ربِّ العالميـن ثم الصلاة والسلام على خاتـم الأنبياء والمرسليـن أبي القاسـم محمـد صلى الله عليه وعلى آله المعصوميــن المنتجبـــيـن.
      ((السّلام عليك أيتها الصدّيقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكيّة، السّلام عليك أيتها الحوراء الإنسّية، السّلام عليك أيتها التّقية النقيّة، السلام عليك أيتها المحدّثة العليمة، السلام عليك أيتها المغصوبة المظلومة، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ورحمه الله وبركاته)) (بحار الأنوار ج100 ص195 رواية12 باب5).

      الإمام الخميني(قده) يتحدَّث عن الزهراء عليها السلام
      ((الأسوة هي الزهراء سلام الله عليها))
      (صحيفة النور ج7 ص27)
      ((إنّها امرأة قد ربّت في حجرتها الصغيرة وبيتها المتواضع أناساً قد انبثق نورهم من البسيطة إلى عمق الأفلاك وكان ذلك النور يتلألأ من عالم الملك إلى جانب الملكوت الأعلى صلوات الله وسلامه على هذه الحجرة المتواضعة التّي أصبحت تجلٍّ لنور العظمة الإلهيّة ومحلاً لتربية المصطفين من أولاد آدم)) (صحيفة النور ج16 ص125)
      وفي كلمة أخرى يشير إمامنا إلى الحديث المعروف المنقول في الكافي الشريف وهو:
      ((الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيده عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنَّ فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خمسة وسبعين يوما وكان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها و يُطيب نفسَها ويُخبرها عن أبيها ومكانِه ويُخبرها بما يكون بعدها في ذرِّيتِها وكان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليه السلام)) (بحار الأنوار ج 22 ص545 رواية63 باب2)
      ثم يُعلق الإمام(قده) على هذه الرواية فيقول:
      ((ظاهر الرواية هو أنّه كانت مراودة أي ذهاب وإياب كثير لجبرئيل الأمين وذلك في 75 يوماً، ولا أظنّ حدوث هذا الأمر لغير الطبقة الأولى من الأنبياء العظام بحيث يتراود إليهم جبرئيل الأمين في 75 يوماً))
      ثـمّ:
      ((إنّ كاتب الوحي للصديقة الزهراء كان أمير المؤمنين عليه السلام كما أنّه عليه السلام كان كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وآله (الذي انتهى ذلك الوحي بارتحال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، إنّه ليس من السهل مجيءُ جبرئيل للإنسان. ولا يُتَخيل أنّ جبرئيل يأتي لكلّ أحد وأنّ هذا الأمر من الأمور الممكنة!! إنّ هذا الأمر يفتقر إلى تناسب وانسجام بين روح من يتوجه إليه جبرئيل وبين مقام جبرئيل الذي هو الروح الأعظم. وليس هناك فرق بين القولين سواء قلنا أنّ تنزيل جبرئيل إنّما هو بواسطة الروح الأعظم للولي أو النبي، وأنّه هو الذي ينزّل جبرئيل أم قلنا بأنّ الله سبحانه يأمره بأن يأتي ويُخبر عنه سبحانه فعلى القولين: الأوّل الذي هو قول بعض من أهل النظر أو الثاني الذي قال به بعض أهل الظاهر، فلولا التناسب بين روح من يأتي إليه جبرئيل وبين جبرئيل نفسه الذي هو الروح الأعظم، لا يمكن هذا المعنى أعني (إتيان جبرئيل إليه) وهذا التناسب كان في الدرجة الأولى بين جبرئيل الذي هو الروح الأعظم والأنبياء وهم الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وموسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وإبراهيم عليه السلام وأمثالهم، ولم يتحقق هذا الأمر بالنسبة إلى الآخرين، حتّى بالنسبة إلى الأئمّة عليهم السلام أنا لم أعثر على مستند يدلُّ على نزول جبرئيل عليهم بنفس المستوى الذي وصلت إليه الزهراء عليها السلام هذه الأمر كان منحصراً بالزهراء عليها السلام لا غيرها.... وأمّا بما يتعلّق بالمسائل التّي كان جبرئيل يبيّن لها، فربّما كانت إحدى تلك المسائل المبيّنة لها من قِبَل جبرئيل تتعلّق بما يحدث في عهدِ واحدٍ من ذريتها العظيمة أعني صاحب الأمر سلام الله عليه، ومسائل إيران كان من ضمنها، نحن لا نعلم، ربّما كان ذلك وعلى أيّ حال إننّي أرى هذه الفضيلة أسمى فضائلها (مع أنّ جميع فضائلها عظيمة) وهي الفضيلة التي لم تحصل لغير الطبقة العالية من الأنبياء عليهم السلام (لا كلّهم) وبعض الأولياء الذين كانوا في رتبة تلك الطبقة من الأنبياء. وأمّا قضيّة مراودة جبرئيل في الخمس والسبعين يوماً فلم يتحقق لأحدٍ حتّى الآن وهذه من الفضائل المختصّة بالصدّيقة سلام الله عليها)) (صحيفة النور ج 19 ص278).

      ليـلة القـدر فاطـمة
      ((عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال إنا أنزلناه في ليله القدر الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر و إنما سميت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفتها)))بحار ج43 ص65 رواية58 باب3).
      أقـول:
      ومن خلال هذا الحديث نستفيد أموراً كثيرةً :
      فكما أن المعنى الحقيقي لليلة القدر غير معروف للخلق، كذلك الزهراء عليها السلام فهي مجهولة للخلق أجمع أعم من الناس والملائكة والجن، فهي باطن تلك الليلة المباركة ولا يعرفها إلاّ المعصومون عليهم السلام:
      {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}(القدر/2)
      كذلك من حيث موضع قبرها فهناك ثلاثة احتمالات في ذلك فربَّما يكون القبر في البيت وربَّما في البقيع وربَّما بين المنبر وقبر الرسول حيث ورد أنَّ هناك روضة من رياض الجنَّة? إشارةً إلى قبرها سلام الله عليها والليلة أيضاً مردَّدةٌ بين ليالٍ ثلاث، وكما أنَّ الليل هو مظهر الستر والعفاف فهي سلام الله عليها كذلك.
      والأهـمّ من ذلك
      أنَّه كما أنَّ ليلة القدر ظرف زماني قد احتمل كلَّ ما أنزله الله تعالى الذي كان في الكتاب المكنون في كتابه الكريم ففاطمة ظرف مكاني قد احتمل كلَّ ما أنزله الله تعالى، فهي سلام الله عليها محلِّ لتجلي الاسم الأعظم ومن هنا نسبت إلى الله تعالى مباشرةً من غير واسطة وهذا يدلُّ على خصوصيَّة في خلقها فالله الفاطرُ خلق فاطمة، وقد شرحنا هذا الأمر في كلمتنا حول الفاطر فراجع(راجع الكلمة).
      ومن هنا نعرف ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام حيث قال:
      ((فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر)) (بحار ج43 ص65 رواية58 باب3)
      فلا يمكن إدراك تلك الليلة المباركة والوصول إلى فضائلها إلاّ بمعرفة فاطمة عليه السلام.
      وفي حديث آخر في الكافي:
      ((الكافي أحمد بن مهران وعلى بن إبراهيم جميعا عن محمد بن على عن الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال كنت عند أبي الحسن موسى عليه السلام إذ أتاه رجل نصراني فسأله عن مسائل فكان فيما سأله أن قال له أخبرني عن حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم، ما تفسيرها في الباطن؟ فقال:..... وأمّا الليلة ففاطمة عليها السلام.)) (بحار ج24 ص319 رواية28 باب67).
      فاطـمة محـدّثة
      فعلى ضوء ما قلنا نعرف السرّ في إطلاق المحدَّثة عليها، وفي هذا المجال هناك أحاديث كثيرة دالة على أنَّ الملائكة كانت تهبط عليها من السماء وتناديها فتحدِّثهم و يحدِّثونها ، كما ورد في كتاب علل الشرائع للصدوق رضوان الله تعالى عليه:
      ((بإسناده حدثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال: حدثنا سليمان قال محمد بن أبي بكر لما قرأ: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث قلت: وهل يحدث الملائكة إلا الأنبياء قال: إن مريم لم تكن نبية وكانت محدثة وأم موسى بن عمران كانت محدثة ولم تكن نبية وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم تكن نبية وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله كانت محدثة ولم تكن نبية)) (بحار الأنوار ج43 ص79 رواية66 باب3).
      أهمية المــصحف
      لمعرفة أهمية مصحف الزهراء عليها السلام يكفي التأمُّل في الحديث التالي المنقول في كتاب الكافي الشريف للكليني رضوان الله تعالى عليه:
      ((أحمد بن محمد، ومحمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبد الله عليه السلام بعض أصحابنا عن الجفر، فقال: هو جلد ثور مملوء علماً، فقال له: ما الجامعة؟ قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً، في عرض الأديم، مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضيَّة إلا وفيها، حتى أرش الخدش، قال له: فمصحف فاطمة، فسكت طويلاً، ثم قال: إنكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون، إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وقد كان دخلها حزنٌ شديد على أبيها، وكان جبرئيل يأتيها، فيُحسن عزاءَها على أبيها، ويُطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانِه، ويخُبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عليّ عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة)) (بحار الأنوار ج26 ص41 رواية72 باب1).
      أقـول:
      إنَّ الإمام الصادق عليه السلام يمهِّد لحماد بن عثمان، ليسأل عن مصحف فاطمة عليها السلام، فهو سأل عن حقيقة المصحف، بعد ما سمع بعض الشيء عن الجفر والجامعة، وتلاحظ أنَّه عليه السلام في بيان الجفر قال ((جلد ثور مملوء علماً)) ومن الواضح أنَّ الإتيان بالنكرة المنوَّنة، أعني ((علماً)) يدلّ على عظمة ذلك العلم، كما أنَّ كلمة تلك في قوله عليه السلام عندما سأل عن الجامعة ((تلك صحيفة طولها سبعون)) مع أنَّ الجامعة فيها كلُّ ما يحتاج إليها الناس، حتى أنَّها تشتمل على جميع الأحكام الشرعية، بل جميع القضايا ((وليست من قضية إلا وفيها)) حتى أرش الخدش.
      ولـكن
      بمجرد أن سأل عن مصحف الزهراء، واجه موقفاً غريباً من الإمام عليه السلام حيث ((سكت طويلاً)) وهذا السكوت، إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على عظمة الأمر وأهميته ((ثم قال: إنكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون)) وعندما يجيب عليه السلام عن سؤال الراوي، يبيِّن له الأمر بنحوٍ مجمل لأنَّه وغيره من الناس لا يمكنهم تحمُّل حقيقة المصحف.
      نزول المــلَك
      الأرضية التي من أجلها جاء الملَك (ولإن جاء في بعض الأخبار (إملاء رسول الله و خط علي) فالظاهر أنَّ المقصود من رسول الله هو جبرئيل الأمين جمعاً بينه وبين الأخبار الكثيرة الأخرى، وقد أطلقت كلمة الرسول على جبرئيل في القرآن الكريم و في الأحاديث الشريفة قال تعالى {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا}مريم18،19 ولهذا لم تأتي حرف (ص) المختصَّة برسول الله في تلك الرواية، والجدير بالذكر ما ورد في نفس الرواية {و خلفت فاطمة عليها السلام مصحفاً ما هو قرآن ولكنه كلام من كلام الله أنزله عليها إملاء رسول الله وخط على عليه السلام} راجع البحار ج26 ص41 رواية73 باب1)، أعني الروح الأمين إلى الصديقة فاطمة سلام الله عليها، وحدَّثها، هي شدَّة حزنها على أبيها، صلوات الله وسلامه عليه.
      فقد ورد في حديث الكافي:
      ((..عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إنَّ فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلّم، خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها..)) (بحار الأنوار ج22 ص545 رواية63 باب2).
      وفي حديث بصائر الدرجات:
      ((إن الله تباك وتعالى لما قبض نبيه، صلى الله عليه وآله وسلم، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل إليها ملكا..))
      وكان حزنها من وفاة أبيها، قد وصل إلى غايةٍ من الشدَّة، بحيث لا يعلمه إلاّ الله عزَّ وجلَّ.
      من هنا يمكننا معرفة عمق معاني كثير من الأحاديث التي وردت في شأنها، وفي شأن أبيها، صلوات الله وسلامه عليهما، وأيضاً في العلاقة المتواجدة بين الأب والبنت، وبينهما وبين الله.
      فمنها ما روى العلامّة المجلسي:
      ((قال: خرج النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو آخذ بيد فاطمة، عليها السلام، فقال: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها، فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي، وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله)) (بحار الأنوار ج34 ص54).
      وفي الحديث المنقول:
      ((عن جعفر بن محمد، عليهما السلام، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله ليغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها)) (بحار الأنوار ج34 ص54).
      ((وعنه عليه السلام، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: إن فاطمة شجنة مني، يسخطني ما أسخطها، ويرضيني ما أرضاها)) (بحار الأنوار ج34 ص54).
      أقـول:
      هذه العلاقة القويمة، قد انـثلمت بعد وفاة الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، على مستوى عالم المُلك والدنيا، ففقدانه، صلوات الله عليه للزهراء، سلام الله عليها، يعني فقدان كلِّ شيء، فمن الطبيعي أن يشتدُّ حزنها، بحيث لا يعلمه إلاّ الله.
      فماذا حصل بعد الحزن؟
      الأحاديث تدلُّ على أنَّ جبرئيل كان يأتيها، كما في حديث الكافي، وفي الحديث المنقول عن بصائر الدرجات ورد:
      ((دخل على فاطمة من وفاته، من الحزن ما لا يعلمه إلا الله، عز وجل فأرسل إليها ملكا..)).
      ولا يخفى عليك، ما يستفاد من كلمة الفاء، في فأرسل إليها مَلكاً، حيث تدلُّ على أنَّ الملك إنَّما أُرسل إليها، فلأجلِ حُزنها على أبيها، وحيث أنَّ الحزن لم يكن منقطعاً، بل كان مستمرّاً طوال خمسة وسبعين يوماً، فكان جبرئيل يتراود إليها بنحو مستمرِّ، كما في حديث الكافي الذي مرّ.
      ((مكثت بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلّم، خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها، وكان جبرئيل، عليه السلام، يأتيها، فيُحسن عزاءها على أبيها، ويُطيب نفسَها، ويُخبرها عن أبيها، ومكانِه، ويُخبرها بما يكون بعدها في ذرِّيتِها)) (بحار الأنوار ج22 ص545 رواية63 باب2)
      تأمّل في كلام الإمام الخميني قدس سرُّه حيث شرح الرواية بقوله:
      ((ظاهر الرواية هو، أنّه كانت مراودة، أي ذهاب وإياب كثير، لجبرئيل الأمين وذلك فى خمس وسبعين يوماً، ولا أظنّ حدوث هذا الأمر، لغير الطبقة الأولى من الأنبياء العظام، بحيث يتراود إليهم جبرئيل الأمين في خمس وسبعين يوماً))
      لذلك ، نشاهد الإمام ، عليه السلام ، قد استخدم الأفعال المضارعة، الدالة على الاستمرار، وهي (يأتيها فيُحسن...ويُطيب ... يُخبرها)

      مهمــة جبرئيل الأميـن
      كانت مهمَّة المَلك المرسل إليها هي:
      1 أن يحسن عزاء الزهراء، عليها السلام، على أبيها وليسلِّي عنها غمَّها.
      2 أن يطيب نفسها عليها السلام.
      3 أن يخبرها عن منـزلة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وشأنه الرفيع، ومقامه العلي، ومكانته العظيمة عند الله عزَّ وجلَّ.
      4 أن يخبرها عليها السلام عمّا يكون بعدها في ذرِّيتها.
      وفي الحقيقة، الذي يُسلِّي غمَّ الزهراء ويطيب نفسها، هو الله سبحانه وتعالى وهو الذي يتأذَى لأذاها، كما يتأذَّى لأذى رسوله، لأنَّ هناك سرّاً مستودعاً فيهما، لا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى، والأئمة المعصومون، عليهم السلام، وفي الحديث:
      ((وخلفت فاطمة، عليها السلام مصحفاً، ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله، أنزله عليها، إملاء رسول الله، وخط على عليه السلام)) (بحار الأنوار ج26 ص41 رواية73 باب1)

      ولذا سمِّيت فاطمة، فهي مظهر فاطر السموات والأرض. (راجع كلمتنا حول وجه تسمية فاطمة) وحيث أن الملك المرسل من قبَله تعالى يحدِّثها، سمِّيت المحدَّثة، كما مرَّ أنه كان يخبرها عمّا سيحدث بعدها في ذريّتها من المصائب والبلايا، والأهم من ذلك ما ستكتسبها الذرية، من انتصارات عظيمة، ونجاح كبير في عصر الغيبة، ومن ثمّ ظهور ابنها المهدي المنتظر، عجلّ الله تعالى فرجه الشريف، كما أشار إلى ذلك الإمام قدَّس الله نفسه في بعضِ خُطبه.

      عليٌّ عليه السلا م كاتبُ المـصحف
      المستفاد من الأحاديث الشريفة التي مرَّ ذكرها أنَّ الزهراء، سلام الله عليها، كانت تحسُّ بالملك، وتسمع صوته، ولم تكن تشاهده، فبمجرَّد أن حصل ذلك، شكت إلى أمير المؤمنين عليٍ، عليه السلام، حيث لم تكن تتوقَّع هذا الأمر بهذه الصورة المستمرَّة.
      ويستفاد أيضاً، أنَّ الذي اكتشف بالفعل، أنَّ المُحدِّث مع الزهراء، عليها السلام، هو جبرئيل الأمين، هو أمير المؤمنين عليه السلام كيف و هو الذي كان يلازم رسول الله في جميع حالاته فكان مأنوساً بصوت جبرئيل.
      فهو سلام الله عليه، كان صاحب فكرة كتابة المصحف، حيث يسمع صوت روح الأمين، فيكتب كلما يسمعه، إلى أن اجتمع في مصحف متكامل، وهو مصحف الزهراء عليها السلام.
      ولا يخفى عليك ، أنّه ليس من السهل كتابة ما يلقيه جبرئيل، بل كان ذلك ضمن العلوم الخاصَّة الإلهيَّة التي امتاز بها أمير المؤمنين، عليه السلام، فهو الذي كتب من قبل ما أملاه رسول الله عليه، وهو الذي جمعَ القرآن الكريم في المصحف الشريف كما هو ثابت في محلِّه.
      محتـوى المصـحف
      إنَّ المصحف يشتمل على أمورٍ كثيرةٍ تتلخص في كلمة واحدة وهي:
      استيعابه لجميع الحوادث الخطيرة الآتية، خصوصاً ما سيواجه ذريتُها، من المصائب والبلايا، وأيضاً الانتصارات، ويشتمل على أسماء جميع الملوك والحكّام إلى يوم القيامة، كما ورد في الحديث:
      ((ما من نبي و لا وصي ولا ملك إلا وفي مصحف فاطمة)) (بحار الأنوار ج47 ص32 رواية29 باب4).
      ويحتوى على أمور ترجع إلى شخص رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضاً يشتمل على وصيتها سلام الله عليها.
      ((ابن هاشم عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن رجل عن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام.. فإن فيه وصية فاطمة عليها السلام..)) (بحار الأنوار ج26 ص43 رواية76 باب1).
      ومن الطبيعي أنَّ الوصيَّة تشتمل على أمورٍ خاصَّة، تتعلَّق بحزنها، عليها السلام، وبالمصائب الواردة عليها، من أعدائها، ليُنفِّذها ابنها الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر، عجَّل الله تعالى فرجه الشريف، لأنَّه هو الإمام مبسوط اليد، الذي به يملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً.
      الأئِّمَّة عليهم السلام ومصحف فاطمة
      كان الإمام الصادق، عليه السلام، يؤكِّد دائماً على علوم أهل البيت عليهم السلام، ففي الحديث أنَّه "كان يقول" أنَّ علمهم، عليهم السلام، "غابر ومزبور ونكتٌ في القلوب ونقر في الأسماع" وأنَّهم يمتلكون "الجفر الأحمر، والجفر الأبيض، ومصحف فاطمة، والجامعة" فهم عليهم السلام رغم ارتباطهم وسماعهم صوت الملائكة ورغم تبعيّتهم لمصحف الإمام عليٍّ الذي هو الجامعة المشتملة على جميع الأحكام حتى أرش الخدش ورغم معرفتهم بعلم الجفر الذي يشتمل على "علم ما يحتاج إليها الناس إلى يوم القيامة من حلال و حرام" إلاّ أنَّهم كانوا يعتمدون في فهم الحوادث الخطيرة على مصحف فاطمة عليها السلام كما ورد في الحديث "فنحن نتبع ما فيها فلا نعدوها" حيث يشتمل على الحوادث الخارجية جميعاً. وأيضاً أسماء الملوك إلى يوم القيامة، ففي الحديث:
      ((سئل عن محمد بن عبد الله بن الحسن فقال عليه السلام: ما من نبي ولا وصى ولا ملك إلاّ وهو في كتاب عندي. يعنى مصحف فاطمة، والله ما لمحمد بن عبدالله فيه اسم)) (بحار الأنوار ج47 ص32 رواية29 باب4).

      وفي حديثٍ آخر:
      ((عن الوليد بن صبيح قال: قال لي أبوعبد الله عليه السلام، يا وليد إنّي نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام، فلم أجد لبني فلان فيها إلاّ كغبار النعل)) (بحار الأنوار ج26 ص48 رواية91 باب1).

      وعند التأمُّل في جملة إنِّي نظرتُ نعرف أنَّهم عليهم السلام كانوا يدقِّقون النظر في مصحف أمهم فاطمة عليها السلام، عند طروِّ حادثة من الحوادث المهمَّة، أو ظهور من يدَّعي المُلك وإمامة المسلمين، بل قد وصل المصحف إلى مستوى من الرفعة والسموّ بحيث صار مصدر سرورهم واستبشارهم، كما يستفاد من جملة قرت عينه في الحديث التالي:
      ((عن فضيل بن عثمان عن الحذاء قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام يا أبا عبيدة كان عنده سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودرعه ورايتُه المغلبة ومصحف فاطمة عليها السلام قرَّتْ عينُه)) (بحار الأنوار ج26 ص211 رواية22 باب16).

      هل مصـحف فاطمة هو القرآن؟
      إنَّ الكثير من الناس كانوا ولا زالوا يتصوَّرون أنَّ المصحف يشتمل على الآيات القرآنية الشريفة، أو أنَّ هناك قرآناً آخر عند الشيعة، كما يزعم بعضُ الجُهالُ من العامَّة.
      ولكنَّ الواقع هو خلاف ذلك، فإنَّ المصحف لا يشتمل حتى على آية واحدة من آيات القرآن الكريم، كما هو المستفاد من الأحاديث الكثيرة ،كما أنَّه ليس من قبيل القرآن ولا يشبهه من ناحية المحتوى أصلاً، فهو من مقولةٍ أخرى، فأحاديثنا صريحةٌ في ذلك فقد ورد في حديث:
      ((...عن على بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام... ما فيه آيةٌ من القرآن)) (بحار الأنوار ج26 ص42 رواية74 باب1).
      وفي أحاديث أخر:
      ((...عن على بن الحسين عن أبى عبد الله عليه السلام .. عندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما فيه حرفٌ من القرآن)) (بحار الأنوار ج26 ص46 رواية84 باب1).
      ((عبد الله بن جعفر عن موسى بن جعفر عن الوشاء عن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مصحف فاطمة عليها السلام ما فيه شيء من كتاب الله..)) (بحار الأنوار ج26 ص48 رواية89 باب1).
      ((عن عنبسة بن مصعب قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام.. ومصحف فاطمة أما والله ما أزعم أنه قرآن)) (بحار الأنوار ج26 ص33 رواية50 باب1).

      عند ملاحظة الأحاديث تعرف أنَّ الشبهة كانت منتشرة في عصر الأئمة عليهم السلام، ولهذا نراهم يستنكرون بكلِّ حزم وجدّ، ويتوسَّلون بالقسم لنفي ذلك،‎ غير أنَّ هناك حديثا يدلّ على أنّ المصحف:
      ((فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات))
      (بحار الأنوار ج26 ص38 رواية70 باب).
      والظاهر أنّ المقصود هو من ناحية الكميّة وحجم المعلومات، لا من حيث المحتوى.
      ثمَّ لا يخفى عليك ما في كلمة قرآنكم من معانٍ فتأمَّل جيِّداً.

      وأيضـاً:
      المستفاد من أحاديث كثيرة أنَّ مصحف الزهراء عليها السلام ليس فيه شيء من الحلال والحرام أصلاً، ومن تلك الأحاديث قوله عليه السلام:
      ((أما إنَّه ليس من الحلال والحرام))
      (بحار الأنوار ج26 ص44 رواية77 باب1).

      عـلامـات الإمـام
      هناك علائم ذكرت كدليل لإمامة الإمام عليه السلام تتلخَّص في الأمور التالية:
      صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة.
      صحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة.
      تكون عنده الجامعة، وهي مصحف عليٍّ عليه السلام.
      يكون عنده الجفر الأكبر والأصفر.
      يكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام.
      من خلال ذلك نعرف أنَّ مصحف فاطمة عليها السلام مع صِغر حجمه، يشتمل على رموز كثيرة ومحاسبات دقيقة، يمكن من خلال تلك المحاسبات الوصول إلى الحقائق، فهو كعلم الجفر الذي هو علم الحروف والأعداد.
      وأمّا مصحف عليٍّ عليه السلام فيختلف تماماً، ولأهميته نفرد له عنواناً مستقلاً فنقول:

      مصحـف علـيٍّ (الجامعة)
      إنَّ هناك أحاديث تبيِّن مصحفاً آخر، هو مصحف عليٍّ عليه السلام ومن تلك الأحاديث:
      ((محمد بن عيسى عن الأهوازي عن فضالة عن قاسم بن بريد عن محمد عن أحدهما عليهما السلام قال: إن عندنا صحيفة من كتاب على عليه السلام، أو مصحف على عليه السلام طولها سبعون ذراعاً} (بحار الأنوار ج26 ص33 رواية50 باب1).
      وعند استقراء الأخبار الواردة في هذا الباب نصل إلى النتيجة الآتية وهي أنَّ:
      (مصحف عليٍ عليه السلام هو نفس الجامعة المذكورة في الأحاديث السابقة، وهي الصحيفة التي طولها سبعون ذراعاً، وفيها كلُّ ما يحتاج إليها الناس)
      وهذا المصحف يمتاز بالأمور التالية:
      1 أنَّه بإملاء رسول الله محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، وخطِّ عليٍ عليه السلام بيده المباركة:
      ((إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط على عليه السلام)) (بحار الأنوار ج26 ص48 رواية90 باب1).


      2 يحتوى على جميع الأحكام من الحلال والحرام، وأحكام الإرث والحدود، وفي هذا المجال وردت أحاديث كثيرة إليك بعض المقاطع منها:
      ((فيها الحلال والحرام والفرائض))(بحار الأنوار ج26 ص23 رواية16 باب1)، ((كلُّ شيء حتى أرش الخدش))(بحار الأنوار ج26 ص48 رواية90 باب1)، ((فيها كل ما يُحتاج إليه حتى أرش الخدش، والظِفْر))(بحار الأنوار ج26 ص41 رواية73 باب1)، ((حتى أن فيه أرش الخدش، والجلدة، ونصف الجلدة))(بحار الأنوار ج26 ص18 رواية1 باب1)، ((وليست من قضية إلا وفيها)).
      وقد ذكر الإمام الصادق عليه السلام نموذجاً، من الأحكام الواردة في مصحف عليٍّ عليه السلام حيث قال:
      ((فيه أنَّ النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا هو توفَّى عنها شيء)) (بحار الأنوار ج104 ص352 رواية9 باب7).

      3 الأحكام المذكورة في الجامعة صريحة واضحة غير مبهمة، بخلاف مصحف الزهراء، فإنَّها رموز علمية لا تُعرف إلاّ بالتأمُّل والنظر كما مرَّ، ولذلك صار طول الجامعة سبعون ذراعاً، وربَّما هو إشارة إلى مدى سعتها، بحيث أنها وضعت في بيتٍ كبيرٍ، كما يصرِّح بذلك حديث حمران بن أعين :
      ((عن أبي جعفر عليه السلام، قال: أشار إلى بيتٍ كبير، وقال: يا حمران إنَّ في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا، بخط عليِّ عليه السلام، وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله، لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله، لم نعدُ ما في هذه الصحيفة)) (بحار الأنوار ج26 ص22 رواية12 باب1).

      4 الجامعة كانت تُلَفُّ، وكانت من السُمك وكأنَّها فخذ فالج.
      فما هو المقصود من فخذ الفالج؟
      هناك احتمالان:
      ألف: أنَّ الجامعة كانت ضخمة للغاية وكأنَّها فخذ الفالج، وهو على ما بيَّنه اللغويون الجملُ الضخمُ ذو السنامين يُحمل من السند للفحل.
      وربَّما يُقوِّي هذا الاحتمال وجود الصحيفة في بيت كبير، وأنَّ طولها سبعون ذراعاً، وغير ذلك من الشواهد المؤيِّدة، وإن كانت هناك شواهد أخرى تُضَعِّف هذا الاحتمال، ومنها أنَّهم عليهم السلام، كانوا يحملونها وهي مطويَّة كما ورد في الحديث الآتي:
      ((محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن الحسين عن أبي مخلد عن عبد الملك قال: دعا أبو جعفر بكتاب علي فجاء به جعفر، مثل فخذ الرجل مطويّ)) (بحار الأنوار ج104 ص352 رواية9 باب7).
      فما هو الرجل؟ هل هو بكسر الراء أو بفتحها؟ إذا كان بفتحها، فيكون المراد من الفالج الاحتمال الثاني وهو:
      ب: المبتلى بالفَالج، كما ذكر اللغويون في معنى الكلمة فقالوا:
      الفالج بكسر اللام، استرخاء عام لأحد شقِّي البدن طولا من الرأس إلى القدم.
      فحينئذٍ قد استعمل اسم الفاعل أعنى الفالج وقُصد منه اسم المفعول، وهو المفلوج، وهذا النوع من الاستعمال متداول بكثرة في اللغة العربيَّة، وعليه تكون الصحيفة حين اللف صغيرة كفخذ الفالج، وذلك لرقَّة الجلد الذي كُتبت فيه.

      وهنا سوف يثار سؤال ينبغي الإجابة عليه وهو:
      لماذا خُصِّص له بيتٌ كبير؟
      وفي الجواب أقول:
      أوَّلاً: هذا الإشكال يرد حتَّى على الاحتمال الأوَّل، لأنَّ فخذ الجمل مهما كبُر لا يستوعب بيتاً.
      ثانياً: ربَّما كان أئمتنا عليهم السلام يفتحون الجامعة وينشرونها في ذلك البيت حفاظاً عليها من التلف، وشاهد ذلك الحديث التالي:
      ((أحمد بن محمد عن على بن الحكم عن على بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر قال: أخرج إلي أبو جعفر عليه السلام صحيفةً فيها الحلال والحرام والفرائض، قلت: ما هذه؟ قال: هذه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، وخطَّهُ عليٌّ عليه السلام بيده، قال: قلت: فما تُبلى! قال فما يُبليها قلت: وما تُدرسُ قال وما يُدرِسُها، قال هي الجامعة أو من الجامعة)) (بحار الأنوار ج26 ص23 رواية16 باب1).
      تلاحظ أنَّ أبا بصير يسأل عن أنَّ الصحيفة هل تتلف وتنمحي، وهذا السؤال يُدّلُّنا على أنَّ هذا الأمرَ كان مُحتملاً، حيث أنَّ الصحيفة كانت مكتوبة على أديم، كما في حديث ابن رئاب:
      ((عن أبي عبيدة قال : سأل أبا عبد الله عليه السلام بعض أصحابنا عن الجفر فقال: هو جلد ثور مملوء علماً فقال له: ما الجامعة؟ قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً، في عرض الأديم مثل فخذ الفالج)) (بحار الأنوار ج26 ص41 رواية72 باب1).
      يقول العلاّمة المجلسي:
      ((الأديم الجلد أو أحمرُه أو مدْبُوغة))
      (بحار الأنوار ج26 ص22 رواية9 باب1)
      وجاء في الحديث حول الجفر:
      ((عندنا الجفر، وهو أديم عكاظي قد كُتب فيه))
      (بحار الأنوار ج26 ص48 رواية90 باب1).
      وهو شاهد على ما قاله اللغويون من أنَّ الأديم هو الجلد، فكانوا يكتبون على الجلود، ومن الواضح أنَّ الجلد لو أصابته حرارة شديدة يلتصق بعضه ببعضٍ فيتلف، إلاّ أن يُنشر.

      5 إنَّ في مصحف علي عليه السلام ما أنزل الله من الأحكام والقضايا، كما في حديث حمران:
      ((لو ولِّينا الناس لحكمنا بما أنزل اله ، لم نعدُ ما في هذه الصحيفة)) (بحار الأنوار ج26 ص22).

      وفي الختام نبتهل إلى الباري جلَّ شأنه ونتضرَّع إليه وندعوه ليُعجِّل في فرج قرة أعيننا الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر روحي لتراب مقدمه الفداء وأن يجعلنا من أنصاره والذابين عنه والمستشهدين بين يديه الآخذين بثأر الصدِّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها أفضل صلوات الله وملائكته، وثأر ابنها سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام. والحمد لله ربِّ العالمين.
      20ربيع الثاني 1418الموافق 24 أغسطس 1997
      كتبه: الشيخ إبراهيم الأنصاري
      www.al-kawthar.com

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
      استجابة 1
      10 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
      ردود 2
      12 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      يعمل...
      X