
أبو جميــــــــــــــــل
الوسط - محمود الجزيري
حينما يكون الحب مجرداً من أية غاية ما خلا ذات المحبوب، فذاك هو عصارة الحب. وإذا كان المحبوب هنا هو الوطن (البحرين) وهموم أبنائه، فذاك ألَق يضاف إلى ألَق الحب المجرد.
ثمة حقيقة وجودية مطبوعة في نفوس البحرينيين ويدركونها بأصالة منبتهم، أن ارتباطهم بالوطن عضوي لا ينفك البتَّة؛ فالبحرين التي تهوي إليها أفئدتهم تعلو على حسابات المنفعة والحاجة والتقرب علوّاً كبيراً.
البحرين بتاريخها العريض لم تنقصها يوماً المُثلُ على تيم أبنائها وتفانيهم في سبيل رفعتها ومجدها.
وإن كان ثمة تقصير فذاك وزر التاريخ الذي لم يُدون. وحتى وسط هذه الظروف المعقدة التي تعيشها البلاد إثر الأزمة السياسية الخانقة وثقل ظلالها على الواقع البحريني بأكمله، لم تنعدم نجوم العشاق التي يمكن أن تنير بأرواحهم الشغوفة عتمة سمائنا الملبدة بالكآبة.
الحاج «أبوجميل» واحد من هذه النماذج التي صار الوطن يسكن همها ويشغل اهتماماتها، فوجد لنفسه طريقاً سالكاً في قلوب الناس برغم بساطته وعفويته.
قيمة الاحترام هنا ليست ملازمة بالضرورة لقوة شخصية أو متانة منطق، بقدر ما يفرضها فرضاً انشغال الحاج «أبوجميل» بتفاصيل الهمّ الوطني، وإلا ما الذي يدفع رجل سبعيني إلى الغوص وسط همًّ ينأى عنه كثيرون هم أولى به منه؟
في حديثه، دائماً ما يستحضر «أبوجميل» على مسامع الجماهير قصة والده الحاج ميرزا علي عبدالرضا، والذي قضى في أحداث الحركة التسعينية، وبالتحديد في (20 ديسمبر/ كانون الأول 1994)، حيث يُروى أنه تعرض للضرب حتى الموت.
وفي إحدى كلماته القصيرة، يستعرض مطالب شعب البحرين كما يراها «إن شعب البحرين يطالب بالحرية والكرامة، وبتعزيز حقوق الإنسان. البحرين ليست للشيعة فقط وليست للسنة فقط».
ويضيف «نحن لا نرضى على أحد من أبناء الشعب ولا نقبل بإهانة أحد منهم، علماء السنة بإزاء علماء الشيعة، والوطن للجميع».
وفي تسجيل آخر، انتقد «أبوجميل» تسليح الدول الكبرى لدول الربيع العربي التي تشهد ثورات شعبية، معتبراً أن هذه الدول شريك في جرائم القتل التي تحدث، داعياً للتوقف عن صفقات التسليح التي تستعين بها الأنظمة على شعوبها.
«أبوجميل» الذي عُرِف نديماً لرئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب، في نشاطاته الميدانية، شارك في أغلب الفعاليات المنددة باعتقال رجب، حتى أنه عندما أفرجت السلطات الأمنية بشكل مؤقت عن رجب ليتمكن من حضور تشييع والدته، احتضن «أبوجميل» نبيل رجب معزياً له وهو يبكي بحرقة، وصرخ بعد أن هدأ المقام: «والله لأسوي لك زفة إذا هدوك والله».
«أبوجميل» قد لا يراه البعض سوى رجل بسيط متلعثم، بينما يراه آخرون أيقونة الحب والعشق والانتماء التي يحترف كل بحريني عزفها على مسامع الوطن.
تعليق