إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــامـــــــــــــــــة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــامـــــــــــــــــة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على محمد وال محمد


    بعون الله سبحانه وتعالى سيكون هذا الموضوع عن ادلة امامة اهل البيت عليهم السلام وفضائلهم من الكتاب والسنة (شبهات وردود )

    رد الطبري على اشكال لبعضهم في واقعة الغدير

    [ نقد للطبري ]


    ( نقد للطبري ) حجة ( 1 ) احتج بها الطبري على بعض من خالفه في تفضيل علي عليه السلام وما عليه من الحجة مع إقراره بفضله .
    ومما رواه في اثبات خلافته وامامته مما قد حكيت ذلك عنه في الباب الذي قبل هذا الباب مع تصحيحه ذلك وانه كبعض من قدمت ذكره ممن يتعاظم أن يكفر غيره ولا يتعاظم التكفير لنفسه ، فمن ذلك أن كتابه الذي ذكرناه وهو كتاب لطيف بسيط ذكر فيه فضائل علي عليه السلام وذكر إن سبب بسطه إياه ، إنما كان لان سائلا سأله عن ذلك لأمر بلغه عن قائل زعم أن عليا عليه السلام لم يكن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع التي قيل أنه قام فيها بولاية علي بغدير خم ( 2 ) ليدفع بذلك بزعمه عنه الحديث .

    ‹ صفحة 131 ›

    ( 61 ) لقول رسول الله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فهذا علي مولاه . فأكثر

    ‹ صفحة 132 ›

    الطبري التعجب من جهل هذا القائل ، واحتج على ذلك بالروايات الثابتة ( 1 ) على :

    ( 62 ) قدوم علي ( صلوات الله عليه ) من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وآله عند وصوله إلى مكة ، وبأنه أتاه بهدي ساقه معه وأصابه ، ( و ) وقد انزل عليه ما انزل في أمر المتعة بالعمرة إلى الحج ، وأنه أمر من لم يسق الهدي أن يتمتع بها وأقام هو صلى الله عليه وآله على إحرامه لمكان الهدي الذي كان قد ساقه معه لقول الله تعالى : ( ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ

    ‹ صفحة 133 ›
    الهدي محله ) ( 1 ) وأنه قال لعلي صلوات الله عليه لما وصل إليه : بماذا أهللت يا علي ؟
    قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك .
    قال : فلا تحلل ( 2 ) . فاني قد سقت الهدي ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرته لم أسقه ولجعلتها متعة .

    ‹ صفحة 134 ›

    ( إشراكه في الهدي )

    ( 63 ) وإنه أشركه في هديه ، ونحر هو بعضه ونحر علي بعضه واكد ذلك الطبري بالروايات الثابتة عن حجة الوداع وكون علي عليه السلام فيها مع رسول الله صلى الله عليه وآله واجماع أصحاب الحديث والعلماء ( 1 ) عنده على ذلك ، ليدفع به قول من نفي ذلك .
    ( الرسول في حجة الوداع ) ثم جاء أيضا في هذا الكتاب بباب أفرد فيه الروايات الثابتة التي جاءت من رسول الله صلى الله عليه وآله .

    ( 64 ) بأنه قال - قبل حجة الوداع وبعدها - : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    ‹ هامش ص 130 ›
    ( 1 ) هذا أول ما في النسخة ( الف ) واما ما تقدم من الكتاب فقد كان ساقطا من هذه النسخة إلا أنا أكملناه بالنسخة ( ب ) .
    ( 2 ) ( الطبري وكتابه ) ( وهو أبو جعفر محمد بن جرير المتولد سنة 224 ه‍ والمتوفى 310 كتابه : الولاية في طرق حديث الغدير .
    وقد روى فيه من نيف وسبعين طريقا . قال الحموي في معجم الأدباء 18 / 80 في ترجمة الطبري : له كتاب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه تكلم في أوله بصحة الأخبار الواردة في غدير خم ، ثم تلاه بالفضائل ولم يتم . وقال في ص 74 : وكان إذا عرف من إنسان بدعة أبعده وأطرحه ، وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب غدير خم .
    وقال : إن علي بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم وقال هذا الانسان في قصيدة مزدوجة يصف فيها بلدا بلدا ومنزلا منزلا أبياتا يلوح فيها إلى معنى ( حديث غدير خم ) فقال : ثم مررنا بعد بغدير * خم كم قائل فيه بزور رجم .
    على علي والنبي الأمي وبلغ أبا جعفر ذلك فابتدأ بالكلام في فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام وذكر طريق حديث خم فكثر الناس لاستماع ذلك واستمع قوم من الروافض من بسط لسانه بما لا يصلح في الصحابة ره .
    فابتدأ بفضائل أبي بكر وعمر . وقال الذهبي في طبقاته ( 2 / 254 ) : لما بلغ ( محمد بن جرير الطبري ) ان ابن داود تكلم في حديث غدير خم عمد كتابه الفضائل وتكلم في تصحيح الحديث .
    وقال السيد ابن طاووس في الاقبال : ومن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير صنفه وسماه كتاب الرد على الحرقوصية .
    روى حديث يوم الغدير وروى ذلك . من خمس وسبعين طريقا ) . الغدير 1 / 153 .
    وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراني في الذريعة إلى تصانيف الشيعة 16 / 35 حول شخصية الطبري وكتابه ما نصه : ( كتاب غدير خم وشرح أمره كما عبر عنه كذلك في الفهرست وفي تهذيب التهذيب وفي معالم العلماء وقال هذا بعد ذلك وسماه كتاب الولاية .
    وقال النجاشي : ذكر طرق خبر يوم الغدير ، وصرح الجميع بأنه لأبي جعفر محمد بن جرير العامي صاحب التاريخ والتفسير الذي توفي سنة 310 ه‍ ومر رده على الحرقوصية . أقول : ظاهر توصيف هذا الكتاب وتسميته ب‍ ( كتاب الولاية ) وكذا رد الحرقوصية لا يلائم مذهب أبي جعفر الطبري العامي بشهادة كلماته في تاريخه وتفسيره بل المظنون أنها لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي المعاصر لصاحب الترجمة وهو مصنف كتاب المسترشد في الإمامة وإنما وقع الخلط من اتحاد الاسم والكنية واسم الأب والنسبة ، ويدل عليه عدم ذكر ابن النديم هذين الكتابين للطبري العامي مع بسطه القول في ترجمته وتصانيفه ، وترجمة تلاميذه وناصريه في مذهبه المعروف بمذهب أبي جعفر الطبري في قبائل سائر المذاهب كما وقع لابن النديم خلط في نسبة المسترشد إلى هذا العامي مع أن في كل صفحة منه ردود على العامة .
    مع أن الذي نسب كتاب الغدير إلى العامي في طريق الفهرست ، هو أبو بكر بن أحمد بن كامل الذي هو على مذهب أستاذه أبي جعفر العامي ، ونصر مذهبه ، ومخلد والد أبي إسحاق إبراهيم بن مخلد الغير المذكور في رجالنا ، ولعله أيضا عامي .
    ومن تأليفات الطبري - الأخرى - الآداب الحميدة ، الايضاح ، دلائل الأئمة ، المسترشد ، غريب القرآن . فضائل أمير المؤمنين ) .
    والذي يؤيد كلام الشيخ آغا بزرگ ما نقله الأمين العاملي في أعيان الشيعة المجلد 9 / 199 بعد ذكر الكلمات التي أوردها ابن أبي الحديد جوابا عن كلام المرتضى في الشافي ما لفظه : وأما الاخبار التي رواها عن عمر فأخبار غريبة ما رأيناها في الكتب المدونة .
    وما وقفنا عليها إلا من كتاب المرتضى ، وكتاب آخر يعرف بكتاب المستبشر لمحمد بن جرير الطبري وليس ابن جرير صاحب التاريخ بل هو من رجال الشيعة .

    والعجب من الشيخ آغا بزرگ رحمه الله أنه عاد ( في نفس الجزء 16 / 256 ) ونسب تأليف فضائل أمير المؤمنين إلى الطبري العامي واستدل بقول الحموي في معجم الأدباء .
    قد ذكر كارل بروكلمان في كتابه : ( تاريخ الأدب العربي 3 / 45 ) ترجمة محمد بن جرير الطبري ، وادعى أنه كان صاحب مذهب فقهي وسرد مؤلفاته ولم يتعرض إلى هذا الكتاب .
    والخلاصة : أن أبا جعفر محمد جرير الطبري الآملي ، المعروف بهذا الاسم رجلان من كبار العلماء : أحدهما محمد بن جرير بن يزيد المولود في آمل طبرستان والساكن في بغداد المفسر والمحدث والمؤرخ والفقيه من أئمة أهل السنة .
    والثاني محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي من أكابر علماء الإمامية في المائة الرابعة ومن أجلاء الأصحاب - وهو ثقة - .

    ‹ هامش ص 132 ›
    ( 1 ) ذكر أحمد بن حنبل في مسنده عدة طرق للحديث راجع ج 1 / 79 / 123 / 143 / 154 .

    ‹ هامش ص 133 ›
    ( 1 ) وتمام الآية : ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ، ولا تخلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محلة ) . البقرة : 196 .
    ( 2 ) وفي المناقب لابن شهرآشوب 2 / 130 : كن على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي .

    ‹ هامش ص 134 ›
    ( 1 ) وقد صنف العلامة الأميني موسوعة قيمة حول حديث الغدير وطرق اسناده ورواته في 11 جزء لا يستغني عنه الباحث .
    تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    المصدر
    شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي - ج 1 - ص 130 - 134

  • #2
    [ تخريج احاديث نقد الطبري في كتاب شرح الاخبار ]

    شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي - ج 1 - ص 426 – 427


    ( 61 ) رواه أحمد بن إسماعيل القزويني المتوفي 590 في كتاب الأربعين الباب الثاني ، عن موفق بن سعيد ، عن الحسين بن محمد بن حمويه الصفار ، عن عبد الرحمان بن حمدان ، عن عبد الله بن محمد بن زياد عن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ، عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، عن شابة بن سوار المدائني ، عن نعيم بن حكيم ، عن أبي مريم ، عن علي : أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ بيده يوم غدير خم . فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه .

    ( 62 ) روى أحمد بن حنبل في مسنده 1 / 253 عن عفان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله حجاجا . . . إلى قوله : وقدم علي من اليمن فقال له رسول الله : بما أهللت ؟ فقال : أهللت بما أهللت به . قال : فهل معك هدي . قال : لا .
    قال صلى الله عليه وآله : فأقم كما أنت ولك ثلث هديي . قال : وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله مائة بدنة .

    ( 63 ) روى أحمد بن حنبل في مسنده 1 / 260 عن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن رجل ، عن عبد الله بن بخيع ، عن مجاهد بن جبر ، عن ابن عباس ، قال : أهدى رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدنة بيده ، ثم أمر عليا عليه السلام فنحر ما بقي منها ، وقال : قسم لحومها وجلودها بين الناس ، ولا تعط جزارا منها شيئا ، وخذ لنا من كل بعير خذية من لحم ، ثم اجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحسو من مرقها ، ففعل . وقد ذكر أحمد بن حنبل في مسنده طرقا عديدة للحديث راجع 1 / 159 و 320 و 123 و 79 و 143 و 154 و 112 و 132 وفي 3 / 331 .

    ( 64 ) رواه الكنجي في كفاية الطالب ط 3 ص 63 عن الحسين بن ‹ صفحة 427 › إسماعيل المحاملي عن الكاشغري ، عن أحمد بن عبد الغني ، عن ابن البطر ، عن ابن البيع ، عن المحاملي ، عن يوسف بن موسى ، عن عبيد الله بن موسى ، عن فطر بن خليفة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ، وعن سعيد بن وهب ، وعن زيد بن يثيع ، قالوا : سمعنا عليا يقول في الرحبة : أنشدكم الله ولا انشد إلا من سمعت أذناه ووعى قلبه .
    فقام نفر فشهدوا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فأخذ بيد علي بن أبي طالب ، ثم قال : من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله .
    تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

    تعليق


    • #3
      آيـة الأمر بالتبليـغ

      نص الآية مع سياقها

      * وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً، والله لا يحب المفسدين.

      * ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم. ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم. منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون.

      * يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين.

      * قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم، وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً، فلا تأس على القوم الكافرين.


      إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.

      * لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً، كلما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون. المائدة 64 ـ 70



      مكان الآية في القرآن

      إذا قلنا بحجية السياق القرآني، فلا بد أن نأخذ في تفسيرالآية أمرين:

      الأول، أنها من سورة المائدة التي هي آخر سورة نزلت من القرآن.

      والثاني، أنها وقعت في وسط آيات تتحدث عن أهل الكتاب.

      والنتيجة: أن الآية تقول للنبي صلى الله عليه وآله: بلغ ولا تخف أهل الكتاب، فنحن متكفلون بعصمتك منهم، فلن يستطيعوا أن يضروك.

      ولكن هذا التفسير لا يقبله علماء المسلمين، لا السنة منهم ولا الشيعة، لأنه صلى الله عليه وآله لم يبلغ اليهود والنصارى في الشهرين اللذين عاشهما بعد الآية شيئاً إضافياً بارزاً ولأن خطرهم عليه عند نزولها كان قد زال، وقد خضعوا لحكمه.

      وبذلك ينفتح البحث للسؤال عن مكان الآية، وهل أن هذا مكانها من الأصل؟ أم أنها وضعت هنا باجتهاد أحد الصحابة؟

      نحن لا نقبل القول بوقوع تحريف في كتاب الله تعالى، معاذ الله، لكن ورد أن الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله قد اجتهدوا في وضع آياتٍ في سور من القرآن.. والظاهر أن وضع هذه الآية هنا من اجتهاداتهم، أو من المصادفات.

      تعليق


      • #4

        أقوال العلماء السنيين

        اختلف المفسرون والفقهاء السنيون في سبب نزول الآية وفي تفسيرها، على أقوال عديدة، أهمها سبعة أقوال، أحدها موافقٌ لتفسير أهل البيت عليهم السلام، وستة مخالفة.. ونورد فيما يلي الأقوال المخالفة مع مناقشاتها:



        القول الأول

        أنها نزلت في أول البعثة، حيث خاف النبي صلى الله عليه وآله على نفسه فامتنع عن تبليغ الاسلام، أو تباطأ! فهدده الله تعالى وطمأنه.. فقام النبي صلى الله عليه وآله بالتبليغ!

        وهذا يعني أن الآية نزلت قبل 23 سنة من نزول سورة المائدة!

        وقد ذكر الشافعي هذا التفسير بصيغة (يقال) مما يدل على أنه غير مطمئن اليه قال في كتاب الأم: 4|168:

        قال الشافعي رحمه الله: ويقال والله تعالى أعلم: إن أول ما أنزل الله عليه: إقرأ باسم ربك الذى خلق، ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين، فمرت لذلك مدة. ثم يقال: أتاه جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بأن يعلمهم نزول الوحي عليه ويدعوهم الى الإيمان به فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب وأن يتناول، فنزل عليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. فقال يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حين تبلغ ما أنزل إليك ما مر به، فاستهزأ به قوم فنزل عليه: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزئين. انتهى.

        ويكفي للرد على هذا القول:

        أولا، أن الآية في سورة المائدة، وقد عرفت أنها آخر مانزل من القرآن أو على الأقل من آخر ما نزل، بينما يدعي هذا القول أن الآية من أوائل مانزل! !

        وثانياً، أن الشافعي قد ضعف هذا الوجه، لأنه نقله بصيغة يقال ويقال، ولم ينسبه الى النبي صلى الله عليه وآله، بل لم يتبناه.

        وثالثاً، أنه لا يمكن قبول هذه التهمة السيئة للنبي صلى الله عليه وآله بأنه تلكأ أو امتنع عن تبليغ رسالات ربه، بسبب خوفه من التكذيب والأذى والقتل، حتى جاءه التهديد الإلَهي بالعذاب، والتأمين من الأذى، فتحرك وبلغ! !

        فهذا التصور لا يناسب شخصية المسلم العادي، فضلاً عن النبي المعصوم صلى الله عليه وآله الذي هو أعظم الناس إيماناً وشجاعةً.



        كما تعارضه الآيات التي تصف حرصه صلى الله عليه وآله على تبليغ الرسالة، وهداية الناس أكثر مما فرض الله تعالى عليه.


        روايات (يقال) التي ذكرها الشافعي

        ـ قال السيوطي في الدر المنثور: 2|298

        أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً، وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لإبلغن أوليعذبني، فأنزل: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك. (وكذا في أسباب النزول: 1|438)

        وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يهاب قريشاً فأنزل الله: والله يعصمك من الناس، فاستلقى ثم قال: من شاء فليخذلني، مرتين أو ثلاثاً.

        وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت: بلغ ما أنزل اليك من ربك، قال: يا رب إنما أنا واحدٌ كيف أصنع يجتمع علي الناس؟! فنزلت: وإن لم تفعل فما بلغت رسالته!. انتهى.

        ـ ورواه الواحدي في أسباب النزول: 1|139، والطبري في تفسيره: 6|198 ـ وقال النيسابوري في الوسيط: 2|208: وقال الأنباري: كان النبي صلى الله عليه وآله يجاهر ببعض القرآن أيام كان بمكة، ويخفي بعضه إشفاقاً على نفسه من شر المشركين اليه والى أصحابه... انتهى.

        ويكفي لرد هذه الروايات مضافاً الى أن الآية جزء من سورة المائدة التي نزلت قبيل وفاته صلى الله عليه وآله، أنها روايات غير مسندة، بل هي قولٌ للحسن البصري ومجاهد وابن جريح وأمثالهم، لا أكثر. وستعرف أن الحسن البصري يقصد رسالةً معينة، وأنه أخذ هذا التعبير من خطبة النبي صلى الله عليه وآله في يوم الغدير، وخاف أن يرويها على حقيقتها!


        روايات (يقال) تتحول الى رأي يتبناه العلماء!

        مع أن المفسرين يعرفون أن الآية نزلت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله، ويعرفون أن تفسيرها بحدث في أوائل البعثة إنما هو قول مفسرين من متفقهة التابعين في العصر



        الأموي، أو روايات ضعيفة السند. لكن مع ذلك.. تراهم يفسرونها بهذا الوجه ويقدمون نزول الآية جهاراً نهاراً 23 سنة! ويزداد تعجبك عندما ترى منهم مفسرين محترمين مثل الزمخشري والفخر الرازي!

        والسبب في ذلك أنهم يريدون الفرار من تفسيرها ببيعة الغدير، ولا يجدون مفراً إلا بأحد أمرين:

        إما تفسيرها بأول البعثة والقول بأن النبي صلى الله عليه وآله خاف وتباطأ في تبليغ الرسالة فهدده الله تعالى وطمأنه بالعصمة من الناس! وإما تفسيرها بروايات رفع الحراسة المزعومة التي لايؤيدها التاريخ، ولا يساعد عليها نص الآية، كما سترى.

        ـ قال الزمخشري في الكشاف: 1|659

        والله يعصمك: عِدَةٌ من الله بالحفظ والكلاءة، والمعنى: والله يضمن لك العصمة من أعدائك...

        فإن قلت: أين ضمان العصمة، وقد شُجَّ في وجهه يوم أحد ؟!... قلت المراد: أنه يعصمه من القتل!.

        وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: بعثني الله برسالته فضقت ذرعاً، فأوحى الله الي إن لم تبلغ رسالاتي عذبتك، وضمن لي العصمة فقويت. انتهى. ونحوه في الوسيط: 2|208

        ـ وقال الرازي في تفسيره: 6 جزء 12|48 ـ 50

        يا أيها الرسول بلغ... روي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس يكذبوني، واليهود والنصارى، وقريش يخوفوني فلما أنزل الله هذه الآية، زال الخوف بالكلية....

        في قوله: والله يعصمك من الناس سؤال: وهو كيف يجمع بين ذلك وبين ما روي أنه شج وجهه، وكسرت رباعيته.

        والجواب من وجهين: أحدهما أن المراد يعصمه من القتل... وثانيها: أنها نزلت بعد يوم أحد. انتهى.



        ومما يلاحظ على الرازي أنه قد لم يراعِ الأمانة في النقل، فقد حشر في نقله عن الحسن البصري اليهود والنصارى، لأنه يريد تفسير الآية بالعصمة من اليهود والنصارى، ويبعدها عن قريش! ! ولا نلومه على حبه لقريش ولجده أبي بكر بن أبي قحافة، ولكن نطالبه بالأمانة العلمية! فقد تتبعت المصادر التي نقلته عن البصري فلم أجد ذكراً لليهود والنصارى! وستعرف أن البصري أخذ روايته من حديث الغدير! !

        وقد شت ابن كثير كثيراً، فزاد على الرازي وغيره، قال في البداية: 3|53:

        روى ابن أبي حاتم في تفسيره، عن أبيه، عن الحسن بن عيسى بن ميسرة الحارثي، عن عبدالله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبدالله بن الحارث قال: قال علي: لما نزلت هذه الآية: وأنذر عشيرتك الأقربين، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إصنع لي رجل شاة بصاع من طعام وإناء لبناً، وادع لي بني هاشم، فدعوتهم وإنهم يومئذ لأربعون غير رجل، أو أربعون ورجل، فذكر القصة نحو ما تقدم، الى أن قال: وبدرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام فقال: أيكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي؟ قال فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك بماله، قال: وسكتُّ أنا لسن العباس.

        ثم قالها مرة أخرى فسكت العباس، فلما رأيت ذلك، قلت: أنا يا رسول الله! قال: أنت...

        ومعنى قوله في هذالحديث: من يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي، يعني إذا مت، وكأنه صلى الله عليه وسلم خشي إذا قام بإبلاغ الرسالة الى مشركي العرب أن يقتلوه، فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله، ويقضي عنه، وقد أمنه الله من ذلك في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. الآية.

        والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر يدعو الى الله تعالى ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يرده عن ذلك راد، ولا يصده


        عنه ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم وفي المواسم ومواقف الحج... انتهى. وذكره بلفظه تقريباً في السيرة: 1|460

        ويلاحظ أنه خلط في كلامه كثيراً، وتعصب أكثر..

        فقد بتر حديث (أنذر عشيرتك الأقربين) وحذف منه اختيار النبي صلى الله عليه وآله خليفته من عشيرته الأقربين بأمر ربه تعالى، وأورد بدله حديثاً محرفاً، وفسر الحديث المحرف بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يخاف أن يقتله القرشيون، فطلب من بني هاشم شخصاً يكون خليفته في أهله ويقضي دينه، فقبل ذلك علي عليه السلام، ثم انتفت الحاجة الى ذلك بنزول الآية! !

        لقد تجاهل ابن كثير أن النبي صلى الله عليه وآله كان مأموراً في تلك المرحلة بدعوة عشيرته الأقربين فقط، ولم يكن مأموراً بعدُ بدعوة قريش وبقية الناس! فلا محل لما حبكته الرواية من خوفه من القتل والأذى!

        ثم إن ابن كثير تفرد بربط آية العصمة بآية الأقربين، ولم أجد أحداً سبقه اليه، ولا ذكر من أين أخذه ؟!

        وكأن المهم عنده أن يحرِّف كلام النبي صلى الله عليه وآله في حديث الدار ونصه على أن علياً أخوه ووزيره وخليفته من بعده! ويبعد الآية عن سورة المائدة ويوم الغدير! !

        وهذا قليلٌ من كثير من عمل ابن كثير، وإليك الحديث الذي بتره:

        ـ قال الأميني في الغدير: 1|207:

        وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي:

        قال في تاريخه: 2|217 من الطبعة الأولى:

        إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟

        قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت ـ وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً ـ: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.



        فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

        ـ وقال الأميني: 2|279:

        وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفرالاسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى 240 في كتابه نقض العثمانية، وقال: إنه روي في الخبر الصحيح.

        ورواه الفقيه برهان الدين في أنباء نجباء الأبناء|46 ـ 48

        وابن الأثير في الكامل 2|24

        وأبو الفدا عماد الدين الدمشقي في تاريخه 1|116

        وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض 3|37 (وبتر آخره) وقال: ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح.

        والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره|390

        والحافظ السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6|392 نقلاً عن الطبري

        وفي|397، عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردوية، وأبي نعيم، والبيهقي.

        وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3|254. انتهى.

        ثم شكا صاحب الغدير من تحريف الذين حرفوا الحديث لإرضاء قريش، ومنهم الطبري، الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه، لكنه أبهم كلام النبي صلى الله عليه وآله في حق علي عليه السلام، فقال: ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا. وتبعه على ذلك ابن كثير في البداية والنهاية: 3|40، وفي تفسيره: 3|351. انتهى.

        تعليق


        • #5
          القول الثاني

          أنها نزلت في مكة قبل الهجرة بدون تحديد، فاستغنى بها النبي صلى الله عليه وآله عن حراسة عمه أبي طالب، أو عمه العباس!

          وهذا القول هو المشهور في مصادر السنيين، ورواياته نوعان: نوعٌ نص على تاريخ نزولها تصريحاً أو تلويحاً، وأنه في مكة.

          ونوعٌ لم يصرح بذلك ولم يربط نزولها بحراسة أبي طالب أو العباس، ولكنه ربطه بإلغاء النبي صلى الله عليه وآله لحراسته فحملناه عليه، لأن أصله رواية الترمذي عن عائشة، وقد فهم منها البيهقي وغيره أنها تقصد مكة، كما ستعرف.


          فالنوع الأول: كالذي رواه السيوطي في الدر المنثور: 2|298 ـ 299، قال:

          أخرج ابن مردوية والضياء في المختارة، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي آية أنزلت من السماء أشد عليك؟

          فقال: كنت بمنى أيام الموسم، واجتمع مشركوا العرب وأفناء الناس في الموسم فنزل علي جبريل فقال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. قال فقمت عند العقبة فناديت: يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي ولكم الجنة ؟ أيها الناس قولوا لا إلَه إلا الله، وأنا رسول الله إليكم، وتنجوا، ولكم الجنة.

          قال فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون علي بالتراب والحجارة، ويبصقون في وجهى، ويقولون كذاب صابىَ، فعرض علي عارضٌ فقال: يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم، كما دعا نوح على قومه بالهلاك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، وانصرني عليهم أن يجيبوني الى طاعتك، فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه.

          قال الأعمش: فبذلك تفتخر بنو العباس....

          وأخرج ابن مردوية عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه، حتى نزلت والله يعصمك من الناس، فذهب ليبعث معه، فقال: يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي الى من تبعث! !

          وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وأبو نعيم في الدلائل وابن مردوية وابن عساكر عن

          ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس، وكان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجالاً من بني هاشم يحرسونه، فقال: ياعم إن الله عصمني لا حاجة الى من تبعث! انتهى. والرواية في معجم الطبراني الكبير: 11|205

          ـ وفي مجمع الزوائد: 7|17:

          قوله تعالى: والله يعصمك من الناس، عن أبي سعيد الخدري قال: كان عباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه، فلما نزلت: والله يعصمك من الناس، ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس. رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه عطية العوفي وهو ضعيف.

          وعن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس، وكان يرسل معه عمه أبوطالب كل يوم رجالاً من بني هاشم، حتى نزلت هذه الآية: ياأيها الرسول بلغ ماأنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: يا عم إن الله قد عصمني من الجن والإنس.

          رواه الطبراني وفيه النضربن عبد الرحمن وهو ضعيف.


          والنوع الثاني: أصله ما رواه الترمذي في سننه: 4|317: عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحرس، حتى نزلت هذه الآية: والله يعصمك من الناس، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا، فقد عصمني الله. هذا حديث غريب.

          وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس، ولم يذكروا فيه عن عائشة. انتهى.

          ـ ورواه الحاكم في المستدرك: 2|313 عن عائشة أيضاً وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. انتهى.

          والظاهر أن حديث عائشة يقصد أن الآية نزلت في مكة أيضاً ومعنى (فأخرج رأسه من القبة) أي من الخيمة التي كان فيها، وقال لحراسه انصرفوا.


          ويؤيد ذلك أن البيهقي رواه في سننه: 9|8 وعقب عليه بقول الشافعي المتقدم فقال: قال الشافعي: يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغهم ما أنزل اليك فبلغ ما أمر به فاستهزأ به قوم فنزل: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين. انتهى.

          ويؤيده أيضاً أن المراغي نقل في تفسيره: 2 جزء 4|160 رواية السيوطي الأولى عن ابن مردوية عن ابن عباس، ورواية الطبراني أيضاً ثم قال: روى الترمذي وأبو الشيخ .... أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحرس في مكة قبل نزول هذه الآية...

          وكذلك ذكر غيره، مع أنه لا يوجد في رواية عائشة في الترمذي ما يدل على أنها تقصد مكة، فلعل كلمة في مكة حذفت من نسخة الترمذي الفعلية!

          ـ وقال السيوطي في الدر المنثور: 2|291 عن حديث عائشة:

          وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل، وابن مردوية، عن عائشة...

          وروى السيوطي عدة روايات بنفس مضمونه عن غير عائشة، وبعضها قد يفهم منه أن نزول الآية في المدينة، فجعلناه في القول الثالث.

          قال في الدر المنثور: 2|298 ـ 299: وأخرج الطبراني وابن مردوية عن أبي سعيد الخدري قال: كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه فلما نزلت: والله يعصمك من الناس، ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس.

          وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي ذر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام إلا ونحن حوله من مخافة الغوائل، حتى نزلت آية العصمة: والله يعصمك من الناس. انتهى.

          وقد أخذ بهذا القول كثير من المفسرين والمؤلفين في السيرة فقد ذكره الزمخشري في الكشاف: 1|659، وكأنه قبله، وكذلك فعل الرازي في تفسيره: 6 جزء 12|50! مع أنهما
          قالا كما رأيت بنزول الآية في مكة! وبذلك يكونا حملا حديث عائشة على أول البعثة، كما حملا قول الحسن البصري وأمثاله!

          ـ وقد أخذ بهذا القول أيضاً السهيلي في الروض الأنف: 2|290، والقسطلاني في إرشاد الساري: 5|86، وابن العربي في شرح الترمذي: 6 جزء 11 |174، والعيني في عمدة القاري7 جزء 14|95، وابن جزي في التسهيل: 1 |244، والنويري في نهاية الإرب: 8 جزء 16|196، و 19 جزء 18|342، والنيسابوري في الوسيط: 2|209، والدميري في حياة الحيوان: 1|79.. وغيرهم، وغيرهم.

          ـ وممن أخذ بهذا القول صاحب السيرة الحلبية: 3|327 وقد اغتنم فرصة الآية وارتباطها بحراسة النبي صلى الله عليه وآله لإثبات فضيلة لأبي بكر بن أبي قحافة فقال: حراسه صلى الله عليه وآله قبل أن ينزل عليه قوله تعالى: والله يعصمك من الناس.... سعد بن معاذ حرسه ليلة يوم بدر، وفي ذلك اليوم لم يحرسه إلا أبو بكر شاهراً سيفه حين نام بالعريش. انتهى.

          وبذلك ناقض صاحب الحلبية نفسه وجاء بدليل على ضد مراده، لأن إلغاء الحراسة إذا كان قبل الهجرة، فلم تبق حاجة لحراسة أبي بكر وغيره في بدر!

          على أن الظاهر أنه لم يكن للمسلمين عريشٌ في بدر! وقد روى الحاكم رواية وصححها على شرط مسلم، تذكر أن ثلث المسلمين حرسوا النبي صلى الله عليه وآله في بدر، وهو أمر معقول، لأن المسلمين نزلوا بالعدوة القصوى وهي منطقة مكشوفة. قال الحاكم: 2|326: عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه قال سألته عن الأنفال، قال: فينا يوم بدر نزلت، كان الناس على ثلاث منازل، ثلثٌ يقاتل العدو، وثلث يجمع المتاع ويأخذ الأسارى وثلث عند الخيمة يحرس رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما جمع المتاع اختلفوا فيه.... فجعله الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقسمه على السواء. انتهى.

          ويدل على بطلان هذا القول: أولاً، ما تقدم في القول الأول.

          ثانياً: نفس روايات القول الثالث وغيره، التي تنص على أن إلغاء الحراسة المزعوم حصل في المدينة، وليس في مكة.


          ثالثاً،:

          أن عمدة رواياته رواية القبة عن عائشة، ورواية حراسة العباس.. أما الروايات الأخرى فكلها غير مسندة، وغرض بعضها تقليل دور أبي طالب في نصرة النبي صلى الله عليه وآله كما هو واضحٌ، وأنه صلى الله عليه وآله كان مستغنياً في مكة عن حراسة أبي طالب.

          كما يلاحظ في الرواية الأولى أنها تريد إثبات فضيلة للعباس بأنه كان حارس النبي صلى الله عليه وآله في مكة بدل أبي طالب، وأنه هو الذي عصم الله به رسوله من الناس!

          وقد كان دور العباس قبل الهجرة دوراً عادياً مثل بقية بني هاشم الذين تضامنوا مع النبي صلى الله عليه وآله وتحملوا معه حصار الشعب، ولم يعرف عنهم أنهم أسلموا، ولم يهاجروا معه الى المدينة مثل علي وحمزة.

          ومن المعروف أن العباس قد أسر في بدر وأسلم عند فكاك الأسرى.

          هذا مضافاً الى تضعيف الهيثمي وغيره لهذه الرواية، وما تشاهده من ضعف متنها وركته.

          ثالثاً: ما سيأتي في إثبات استمرار حراسته صلى الله عليه وآله ونفي كل مايدل على إلغائها ومن ذلك رواية القبة، وسيأتي قول الألباني بعدم صحة نسبتها الى عائشة.

          تعليق


          • #6
            القول الثالث

            أنها نزلت في المدينة بدون تاريخ! فقد روى السيوطي عدة روايات تربط نزول الآية بإلغاء النبي صلى الله عليه وآله للحراسة، وليس فيها أن ذلك كان في مكة أو في المدينة، ولكن يفهم من نص بعضها أو رواة بعضها، أن نزولها كان في المدينة.

            ـ قال في الدر المنثور: 2|298 ـ 299:

            وأخرج الطبراني وابن مردوية عن عصمة بن مالك الخطمي قال: كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، حتى نزلت: والله يعصمك من الناس فترك الحرس.

            وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: يا أيها الرسول

            الى قوله: والله يعصمك من الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحرسوني، إن ربي قد عصمني.

            وأخرج ابن جرير وابن مردوية عن عبد الله بن شقيق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتقبه ناس من أصحابه، فلما نزلت: والله يعصمك من الناس، فخرج فقال: يا أيها الناس إلحقوا بملاحقكم، فإن الله قد عصمني من الناس.

            وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يحارسه أصحابه، حتى أنزل الله: والله يعصمك من الناس، فترك الحرس حين أخبره أنه سيعصمه من الناس.

            وأخرج عبد بن حميد وابن مردوية عن الربيع بن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرسه أصحابه، حتى نزلت هذه الآية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك الآية... انتهى.

            ـ ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة: 1|301، عن عبد الله بن شقيق وعن محمد بن كعب القرظي. ورواه الطبري في تفسيره: 6|199، عن عبد الله بن شقيق. وابن سعد في الطبقات: 1 جزء 1|113. والبيهقي في دلائل النبوة: 2|180.

            ويدل على بطلان هذا القول وغيره من الأقوال التي ربطت نزول الآية بالحراسة:

            أن من المجمع عليه في أحاديث سيرته صلى الله عليه وآله أنه كان يطلب من قبائل العرب أن تحميه وتمنعه مما يراد به من القتل، لكي يبلغ رسالة الله عز وجل، وقد بايعه الأنصار بيعة العقبة على أن يحموه ويحموا أهل بيته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم.. فلو أن آية العصمة نزلت في مكة، لما احتاج الى شيء من ذلك!

            وسنذكر في آخر البحث أحاديث طلب النبي صلى الله عليه وآله من الأنصار أن يحموه ويحرسوه، وبيعتهم على ذلك!

            ثم.. إن مصادر الحديث والتفسير والتاريخ مليئة بالروايات التي ذكرت حراسة النبي صلى الله عليه وآله وأنها كانت في مكة والمدينة، خاصة في الحروب، الى آخر حياته صلى الله عليه وآله !


            ولذا يجب رفض كل الروايات التي زعمت أنه ألغى الحراسة قبل هذا التاريخ، لأنها تدعي إلغاءها في السلم والحرب والسفر والحضر!

            وقد تقدمت في رواية الحاكم أن ثلث المسلمين كانوا يحرسونه صلى الله عليه وآله في بدر!

            وقد روى أحمد: 2|222 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه، حتى إذا صلى وانصرف اليهم فقال لهم... الخ.

            ورواه في كنز العمال: 12|430، عن مسند عبد الله بن عمرو بن العاص. وقال عنه في مجمع الزوائد: 10|367: رواه أحمد ورجاله ثقات. انتهى.

            وغزوة تبوك كانت في آخر سنة من حياته صلى الله عليه وآله.

            وفي الفصول التي عقدها المحدثون، وكتَّاب السيرة لحراسته صلى الله عليه وآله وقصصها، وحراسه وأسمائهم وقصصهم.. ما يكفي لرد هذه المقولة!

            والعجيب أنك ترى بعضهم يذكر كل ذلك عن الحراسة، ثم يقول إنه صلى الله عليه وآله ألغى الحراسة بعد نزول الآية في مكة قبل الهجرة، أو بعد الهجرة! وكأنه حلف يميناً أن يبعد آية العصمة من الناس عن يوم الغدير! !

            ـ قال صاحب عيون الأثر في: 2|402

            حرسه يوم بدر حين نام في العريش: سعد بن معاذ، ويوم أحد: محمد بن مسلمة، ويوم الخندق: الزبير بن العوام. وحرسه ليلة بنى بصفية: أبو أيوب الأنصاري بخيبر، أو ببعض طريقها، فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني. وحرسه بوادي القرى: بلال، وسعد بن أبي وقاص، وذكوان بن عبد قيس. وكان على حرسه عباد بن بشر، فلما نزلت: والله يعصمك من الناس، ترك الحرس! !. انتهى.

            وقد حاول أن يجيب على حراستهم للنبي صلى الله عليه وآله في تبوك، ففسر نص الحراسة بأنه يعني انتظارهم انتهاء صلاته!


            قال في: 1|119: وفي حديث عمرو بن شعيب: فاجتمع رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى... والمراد والله أعلم: ينتظرون فراغه من الصلاة! وأما حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين، فقد كان انقطع منذ نزلت: والله يعصمك من الناس، وذلك قبل تبوك. والله أعلم. انتهى.

            ولكنه تفسير مخالفٌ لنص الرواية في الحراسة!

            وعلى كل حال، فإن هذا القول بنزول الآية في المدينة يرد القول الأول الذي جعل تاريخ نزول الآية في مكة!

            والنتيجة أن دعوى إلغائه صلى الله عليه وآله للحراسة لا دليل عليها من سيرته صلى الله عليه وآله، بل الدليل على خلافها، وأن بني هاشم كانوا يحرسونه في مكة حتى هجرته، ثم كانوا هم وبقية أصحابه يحرسونه في المدينة، الى آخر عمره الشريف.

            وفي اعتقادي أن نفس محاولة تفسير الآية بإلغاء الحراسة دليلٌ على صحة تفسير أهل البيت عليهم السلام بأن الآية تقصد العصمة من الإرتداد، فترى مخالفيهم يصرون على تفسيرها بالعصمة الحسية ويقعون في التناقض مع الواقع!


            تعليق


            • #7

              القول الرابع

              أنها نزلت في المدينة في السنة الثانية للهجرة بعد حرب أحد.

              ـ قال السيوطي في الدر المنثور: 2|291: وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم، وإني أبرأ الى الله ورسوله من ولاية يهود، وأتولى الله ورسوله.

              فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية موالي.

              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن أبي: أبا حباب أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة، فهو لك دونه!



              قال: إذن أقبل، فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، الى أن بلغ الى قوله: والله يعصمك من الناس... انتهى.

              ويكفي في الدلالة على بطلان هذا القول ما تقدم في الحراسة، ويضاف اليه أن روايته من كلام عطية بن سعد ولم يسندها الى النبي صلى الله عليه وآله، والآيات المذكورة فيها هي الآيات 1 الى 67 من سورة المائدة، ولم يقل أحدٌ إن هذا الآيات نزلت في قصة ولاء ابن سلول لليهود، الذي توفي قبل نزول سورة المائدة!


              تعليق


              • #8

                القول الخامس

                أنها نزلت على أثر محاولة شخص اغتيال النبي صلى الله عليه وآله، وقد تناقضت رواياتهم في ذلك، فذكر بعضها أن الحادثة كانت في غزوة بني أنمار المعروفة بذات الرقاع، وأن شخصاً جاء الى النبي صلى الله عليه وآله بقصد اغتياله وطلب منه أن يعطيه سيفه ليراه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله إياه بكل سهولة..! أو كان علقه وغفل عنه، أو دلى رجليه في البئر الخ.

                ـ قال السيوطي في الدر المنثور: 2|298 ـ 299

                وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه! فقال غورث بن الحرث: لأقتلن محمداً، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال أقول له أعطنى سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به!

                فأتاه فقال: يامحمد أعطني سيفك أشِمْهُ، فأعطاه إياه فرعدت يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حال الله بينك وبين ما تريد، فأنزل الله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، الآية.

                وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني؟ قال: الله، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه،


                قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماغه فأنزل الله: والله يعصمك من الناس!

                وأخرج ابن حبان وابن مردوية عن أبي هريرة قال: كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة، وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يمنعني منك، ضع عنك السيف فوضعه، فنزلت: والله يعصمك من الناس. انتهى.

                وقال بعضهم: إن شخصاً أراد اغتيال النبي صلى الله عليه وآله فقبضوا عليه: ففي الدر المنثور: 2| 299: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقيل هذا أراد أن يقتلك! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لم ترع، ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي.. انتهى.


                ***
                ومما يدل على بطلان هذا القول وأن الآية لم تنزل في قصة غورث أو شبهها:

                أولاً، أن غزوة ذات الرقاع أو بني أنمار كانت في السنة الرابعة من الهجرة (سيرة ابن هشام: 3|225) وهو تاريخٌ قبل نزول سورة المائدة بسنوات، كما أن بعض رواياتها بلا تاريخ، وبعضها غير معقول!

                ثانياً، أن المصادر الأساسية التي روت قصة غورث وغزوة ذات الرقاع، لم تذكر نزول آية العصمة فيها، بل ذكر أكثرها تشريع صلاة الخوف والحراسة المشددة على النبي صلى الله عليه وآله حتى في الصلاة، وهو كافٍ لرد رواية نزول الآية فيها!

                أما ابن هشام فقد ذكر أن الآية التي نزلت في قصة غورث هي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم... (سيرة ابن هشام: 3|227، تحقيق السقا) ولكن ذلك لا يصح، لأن تلك الآية من سورة المائدة أيضاً!

                وأما البخاري وغيره فقد رووا فيها تشريع صلاة الخوف وتشديد الحراسة!



                ـ قال في صحيحه: 5|53:

                عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه، قال جابر فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتاً! فقال لي من يمنعك مني؟ قلت له: الله، فها هو ذا جالسٌ، ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                عن أبى سلمة عن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلقٌ بالشجرة، فاخترطه فقال له: تخافني؟ فقال لا. قال فمن يمنعك مني؟ قال الله. فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الاخرى ركعتين.

                وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر: اسم الرجل غورث بن الحرث. انتهى.

                ـ وروى الحاكم نحوه: 3|29، وذكر فيه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بعد الحادثة صلاة الخوف بالحراسة المشددة! وقال عن الحديث: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وكذلك روى أحمد قصة غورث في: 3|364، و390، وذكر فيها صلاة الخوف ولم يذكر نزول الآية! وراجع أيضاً: 4|59، ورواها الهيثمي في مجمع الزوائد: 9 من|8، وفيها تفصيلاتٌ كثيرة وليس فيها ذكر نزول الآية!!

                ـ وروى الكليني صيغة معقولة لقصة غورث، قال في الكافي: 8|127:

                أبان عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد، فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه، فرآه رجل


                من المشركين والمسلمون قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل، فقال رجل من المشركين لقومه: أنا أقتل محمداً، فجاء وشد على رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف ثم قال: من ينجيك مني يامحمد؟ فقال: ربي وربك، فنسفه جبرئيل عن فرسه فسقط على ظهره، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ السيف، وجلس على صدره وقال: من ينجيك مني يا غورث؟ فقال: جودك وكرمك يا محمد! فتركه، فقام وهو يقول: والله لأنت خير مني وأكرم. انتهى.

                وهكذا لا تجد أثراً في هذه المصادر لنزول الآية في ذات الرقاع، أو في قصة غورث، بل تلاحظ أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بعد الحادثة بالحراسة المشددة! فهل صار إلغاء الحراسة عند أصحاب هذا القول، أن النبي صلى الله عليه وآله لم يطمئن قلبه فأمر بتشديد الحراسة؟!

                ومن تخبطهم في قصة غورث وآية التبليغ، ما تراه من الرد والبدل بين ابن حجر والقرطبي، فقد قال القرطبي إن كون النبي وحده في القصة يدل على عدم حراسته حينذاك، وأن الآية نزلت قبلها!!

                فأجابه ابن حجر: لا، فالآية نزلت يومذاك فألغى الحرس، أما قبلها فكان أحياناً يضغف إيمانه فيتخذ الحرس، وأحياناً يقوى فيلغيه، وفي قصة غورث كان بلا حراسة لقوة إيمانه يومذاك!!

                ـ قال في فتح الباري: 8|2752

                قوله باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والإستظلال بالشجر.

                ذكر فيه حديث جابر الماضي قبل بابين من وجهين، وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدمت الإشارة الى مكان شرحه.

                قال القرطبي: هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان في هذا الوقت لا يحرسه أحدٌ من الناس، بخلاف ما كان عليه في أول الأمر، فإنه كان يحرس حتى نزل قوله تعالى: والله يعصمك من الناس.



                قلت: قد تقدم ذلك قبل أبواب، لكن قد قيل إن هذه القصة سبب نزول قوله تعالى: والله يعصمك من الناس، وذلك فيما أخرجه بن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي صلى الله عليه وسلم أعظم شجرة وأظلها فنزل تحت شجرة، فجاء رجل فأخذ سيفه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ قال: الله، فأنزل الله: والله يعصمك من الناس، وهذا إسناد حسن. فيحتمل إن كان محفوظاً أن يقال: كان مخيراً في اتخاذ الحرس، فتركه مرةً لقوة يقينه فلما وقعت هذه القصة ونزلت هذه الآية، ترك ذلك. انتهى.

                فاعجب لابن حجر الذي لم يلتفت الى أن الآية من سورة المائدة التي نزلت سنة عشر، وأن غزوة ذات الرقاع سنة أربع، وأن مجىَ أبي هريرة الى المدينة سنة سبع، وغفل عن تشديد الحراسة وصلاة الخوف في ذات الرقاع، وهو مع ذلك يشرح رواية البخاري في صلاة الخوف!!

                وما ذلك إلا لأن ذهنه مملوء بما زرَّقوه فيه من ربط آية العصمة بالحراسة، لإبعادها عن الغدير!!

                وأخيراً، فقد تقدمت روايات حراسة النبي صلى الله عليه وآله في تبوك، وهي بعد غزوة ذات الرقاع بنحو ست سنوات، ونضيف اليها هنا حراسته في فتح مكة الذي كان بعد هذه الحادثة، بنحو أربع سنوات، فقد روى البخاري أن المسلمين كانوا يحرسون النبي صلى الله عليه وآله حينئذ! قال في صحيحه: 5|91: عن هشام عن أبيه قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشاً، خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان ما هذه، لكأنها نيران عرفة؟! فقال بديل بن ورقاء: نيران بنى عمرو! فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك! فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم... انتهى.



                ونضيف الى ذلك أسطوانة الحراسة التي مازالت في المسجد النبوي الشريف، والتي عرفت بهذا الاسم في عام الوفود، وهو السنة التاسعة كما في سيرة ابن هشام: 4 | 214، تحقيق السقا.


                تعليق


                • #9


                  القول السادس

                  لم يعين أصحابه تاريخ نزول الآية، ولا ربطوها بالحراسة، ولكنهم قالوا إنها عامة تؤكد على النبي صلى الله عليه وآله وجوب تبليغ الرسالة، وإلا فإنه لم يبلغها!

                  ـ ففي الدر المنثور: 2|299: وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيكفيه الناس ويعصمه منهم، وأمره بالبلاغ، وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له: لو احتجبت فقال: والله لا يدع الله عقبي للناس ما صاحبتهم. انتهى.

                  وهذا القول يشبه القول الأول، ويرد عليه ما تقدم، وأن رواياته غير مسندة، وأنه لا ينطبق على معنى الآية، ولا يكفي لتصحيح القضية الشرطية فيها، كما ستعرف.

                  تعليق


                  • #10


                    القول الموافق لرأي لأهل البيت عليهم السلام

                    ـ قال في الدر المنثور: 2|298: وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

                    وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك ـ أن علياً مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس! انتهى.

                    ـ المعيار والموازنة|213

                    وعن جابر بن عبد الله وعبد الله بن العباس الصحابيين قالا: أمر الله محمداً أن ينصب علياً للناس ويخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله أن يقولوا حابى ابن عمه


                    وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك.

                    فقام رسول الله بولايته يوم غدير خم. انتهى. وقال في هامشه:

                    وروى السيوطي في الدر المنثور عن الحافظ ابن مردويه وابن عساكر بسنديهما عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم...

                    أقول: ورواه أيضاً بأسانيد الحافظ الحسكاني في الحديث 211 وتواليه من شواهدالتنزيل 1 | 157. ورواه أيضاً ابن عساكر في الحديث (585 ـ 586) من ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: 2|85 ط 1.

                    وقد روى الخطيب والحافظ الحسكاني وابن عساكر وابن كثير والخوارزمي وابن المغازلي بأسانيد عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله عز وجل: اليوم أكملت لكم دينكم....

                    ومن أراد المزيد فعليه بما ألفه علماء المسلمين في هذا الحديث قرناً بعد قرن مثل رسالة الحافظ ابن عقدة، وحديث الغدير للطبري المفسر والمورخ الشهير، وحديث الغدير للحافظ الدارقطني، والذهبي، وعبيد الله الحسكاني، ومسعود السجستاني وغيرهم. وعليك بكتاب الغدير، وحديث الغدير من كتاب عبقات الأنوار، فإن فيهما ما تشتهيه الأنفس. انتهى.

                    ـ وفي تفسير الميزان: 6|54

                    وعن تفسير الثعلبي قال قال جعفر بن محمد: معنى قوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، في فضل علي، فلما نزلت هذه أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.



                    وعنه بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في هذه الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب، أمر الله النبي صلى الله عليه وآله أن يبلغ فيه فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

                    ـ وفي الغدير: 1|214

                    نزلت هذه الآية الشريفة يوم الثامن عشر من ذي الحجة ن سنة حجة الوداع (10هـ) لما بلغ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله غدير خم، فأتاه جبرئيل بها على خمس ساعات مضت من النهار فقال: يا محمد إن الله يقرؤك السلام ويقول لك: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ـ في علي ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، الآية. وكان أوائل القوم وهم مائة ألف أو يزيدون قريباً من الجحفة فأمر أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، وأن يقيم علياً عليه السلام علماً للناس، ويبلغهم ما أنزل الله فيه، وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس.

                    وما ذكرناه من المتسالم عليه عند أصحابنا الإمامية، غير أنا نحتج في المقام بأحاديث أهل السنة في ذلك. انتهى.

                    وقد ذكر الأميني رحمه الله ثلاثين مؤلفاً من السنيين رووا أن الآية نزلت في ولاية علي عليه السلام نذكر عدداً منهم باختصار:

                    1 ـ الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310، أخرج بإسناده في كتاب (الولاية) في طرق حديث الغدير، عن زيد بن أرقم قال: لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع، وكان في وقت الضحى وحر شديد، أمر بالدوحات فقمَّت، ونادى الصلاة جامعة، فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ثم قال: إن الله تعالى أنزل إلي: بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس....

                    2 ـ الحافظ ابن أبي حاتم أبو محمد الحنظلي الرازي المتوفى 327.




                    3 ـ الحافظ أبو عبد الله المحاملي المتوفى 330، أخرج في أماليه بإسناده عن ابن عباس...

                    4 ـ الحافظ أبو بكر الفارسي الشيرازي المتوفى 407، روى في كتابه ما نزل من القرآن في أميرالمؤمنين، بالإسناد عن ابن عباس...

                    5 ـ الحافظ ابن مردويه المولود 323 والمتوفى 416، أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب، وبإسناد آخر عن ابن مسعود أنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك ـ أن علياً مولى المؤمنين...

                    6 ـ أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري المتوفى 427، روى في تفسيره الكشف والبيان..

                    7 ـ الحافظ أبو نعيم الإصبهاني المتوفى 430، روى في تأليفه: ما نزل من القرآن في علي....

                    8 ـ أبو الحسن الواحدي النيسابوريالمتوفى 468، روى في أسباب النزول|150 ....

                    9 ـ الحافظ أبو سعيد السجستاني المتوفى 477، في كتاب الولاية بإسناده من عدة طرق عن ابن عباس....

                    10 ـ الحافظ الحاكم الحسكاني أبو القاسم روى في شواهد التنزيل لقواعد التفصيل والتأويل، بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وجابر....

                    11 ـ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الشافعي المتوفى 571، أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري....

                    12 ـ أبوالفتح النطنزي أخرج في الخصائص العلوية، بإسناده عن الإمامين محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق...

                    13 ـ أبو عبد الله فخر الدين الرازي الشافعي المتوفى 606، قال في تفسيره الكبير 3




                    | 636: العاشر: نزلت الآية في فضل علي، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه....

                    14 ـ أبو سالم النصيبي الشافعي المتوفى 652، في مطالب السؤول|16...

                    15 ـ الحافظ عز الدين الرسعني الموصلي الحنبلي المولود 589....

                    16 ـ شيخ الإسلام أبوإسحاق الحمويني المتوفى 722، أخرج في فرايد السمطين عن مشايخه الثلاثة: السيد برهان الدين إبراهيم بن عمر الحسيني المدني، والشيخ الإمام مجد الدين عبدالله بن محمود الموصلي، وبدرالدين محمد بن محمد بن أسعد البخاري، بإسناد هم عن أبي هريرة: أن الآية نزلت في علي.

                    17 ـ السيد علي الهمداني المتوفى 786، قال في مودة القربي: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فلما كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وأخذ بيد علي، وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

                    قالوا: بلى يا رسول الله.

                    فقال: ألا من أنا مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وفيه نزلت: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية.

                    18 ـ بدرالدين بن العيني الحنفي المولود 762 والمتوفى 855، ذكره في عمدة القاري في شرح صحيح البخارى 8|584 في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل. عن الحافظ الواحدي....


                    تعليق


                    • #11

                      الوهابيون وحديث الغدير

                      من العجيب أن يبقى القول الموافق لأهل البيت عليهم السلام في سبب نزول آية التبليغ حياً في مصادر إخواننا السنيين، لأنه ينسف الأسس التي بذل القرشيون جهودهم ليقنعوا بها المسلمين في مسألة الإمامة والخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله !


                      ولهذا السبب تجد النواصب يغيظهم وجود حديث الغدير، وحديث هذه الآية وأمثاله، ويودون لو أن شيئاً منها لم يكن موجوداً في الصحاح والمصادر.. وتراهم بدل أن يبحثوها بحثاً علمياً على ضوء القرآن والمتفق عليه من السنة.. يكيلون التهم والسباب للشيعة وعلمائهم لأنهم اطلعوا عليها، وأخرجوها لهم من مصادرهم!!

                      قال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث االصحيحة 5|644:

                      عصمته في من الناس.

                      كان يحرس حتى نزلت هذه الآية: والله يعصك من الناس، فأخرج رسول الله في رأسه من القبة، فقال لهم: ياأيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله).

                      أخرجه الترمذي: 2|175، وابن جرير: 6|199، والحاكم: 2|3، من طريق الحارث بن عبيد عن سعيد الجريري، عن عبد بن شقيق، عن عائثة قالت: فذكره.

                      وقال الترمذي: حديث غريب. وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: كان النبي يحرس.. ولم يذكروا فيه: عن عائشة.

                      قلت: وهذا أصح، لأن الحارث بن عبيد ـ وهو أبو قدامة الأيادي ـ فيه ضعف من قبل حفظه، أشار إليه الحافظ بقوله: صدوق يخطىَ.

                      وقد خالفه بعض الذين أشار إليهم الترمذي، ومنهم إسماعيل ابن علية الثقة الحافظ، رواه ابن جرير بإسنادين عنه عن الجريري به مرسلاً.

                      قلت: فهو صحيح مرسلاً، وأما قول الحاكم عقب المسند عن عائشة: صحيح الإسناد فمردود، لما ذكرنا، وإن تابعه الذهبي.

                      نعم الحديث صحيح، فإن له شاهداً من حديث أبي هريرة قال:

                      كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نزل منزلاً نظروا أعظم شجرة يرونها فجعلوها للنبي فينزل تحتها وينزل أصحابه بعد ذلك في ظل الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة وقد علق السيف عليها إذ جاء أعرابي فأخذ السيف من الشجرة ثم دنا من النبي وهو نائم فأيقظه، فقال: يا محمد من يمنعك مني الليلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: الله. فأنزل الله: يا



                      أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تقعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. الآية. أخرجه ابن حبان في صحيحه 1739 موارد وابن مردويه كما في ابن كثير 6| 198، من طريقين عن حماد بن سلمة: حدثنا محمد بن عمروعن أبي سلمة عنه. قلت. وهذا إسناد حسن. وذكر له ابن كثير شاهداً ثانياً من حديث جابر رواه ابن أبي حاتم.

                      وله شاهدان آخران عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي مرسلاً.

                      واعلم أن الشيعة يزعمون ـ خلافاً للأحاديث المتقدمة ـ أن الآية المذكورة نزلت يوم غدير خم في علي رضي الله عنه ويذكرون في ذلك روايات عديدة مراسيل ومعاضيل أكثرها، ومنها عن أبي سعيد الخدري ولايصح عنه كما حققته في الضعيفة (4922) والروايات الأخرى أشار إليها عبد الحسين الشيعي في مراجعاته|38 دون أي تحقيق في أسانيدها كما هي عادته في سرد أحاديث كتابه، لأن غايته حشد كل ما يشهد لمذهبه سواء صح أو لم يصح، على قاعدتهم: الغاية تبرر الوسيلة! فكن منه ومن رواياته على حذر، وليس هذا فقط، بل هو يدلس على القراء ـ إن لم أقل يكذب عليهم ـ فإنه قال في المكان المشار إليه في تخريج أبي سعيد هذا المنكر بل الباطل: أخرجه غير واحد من أصحاب السنن كالإمام الواحدي..!

                      ووجه كذبه: أن المبتدئين في هذا العلم يعلمون أن الواحدي ليس من أصحاب السنن الأربعة، وإنما هو مفسر يروي بأسانيده ما صح وما لم يصح، وحديث أبي سعيد هذا مما لم يصح، فقد أخرجه من طريق فيه متروك شديد الضعف! كما هو مبين في المكان المشار إليه من الضعيفة.

                      وهذه من عادة الشيعة قديماً وحديثاً، أنهم يستحلون الكذب على أهل السنة عملاً في كتبهم وخطبهم، بعد أن صرحوا باستحلالهم للتقية، كما صرح بذلك الخميني في كتابه كشف الأسرار، وليس يخفى على أحد أن التقية أخت الكذب ولذلك قال أعرف الناس بهم شيخ الإسلام ابن تيمية: الشيعة أكذب الطوائف وأنا

                      شخصياً قد لمست كذبهم لمس اليد في بعض مؤلفيهم، وبخاصة عبد الحسين هذا، والشاهد بين يديك فإنه فوق كذبته المذكورة أوهم القراء أن الحديث عند أهل السنة من المسلمات بسكوته عن علته، وادعائه كثرة طرقه.

                      وقد كان أصرح منه في الكذب الخميني فإنه صرح في الكتاب المذكور|149 أن آية العصمة نزلت يوم غدير خم بشأن إمامة علي بن أبي طالب، باعتراف أهل السنة، واتفاق الشيعة. كذا قال عامله الله بما يستحق. وسأزيد هذا الأمر بياناً في الضعيفة، إن شاء الله تعالى. انتهى.

                      ونقول للباحث الألباني: أولاً: دع عنك التهم والشتائم وإصدار الأحكام، وتصنيف من هم أصدق الطوائف الإسلامية ومن هم أكذبها، فإن السنيين والشيعيين فيهم أنواع الناس.. ولكن النواصب لهم حكم خاص..

                      ولا تنس أيها الباحث أن ابن تيمية الذي لم ينصف علي بن أبي طالب عليه السلام لا يمكنه أن ينصف شيعته.. وقد دافعتَ أنت عن علي عليه السلام ورددت ظلم ابن تيمية وإنكاره حديث الغدير (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فصححت الحديث واعترفت مشكوراً بالحق، وكتبت صفحات في ذلك في أحاديثك الصحيحة 5|330 برقم 1750، ثم قلت في|344:

                      إذا عرفت هذا فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته: أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعَّف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر فزعم أنه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها، ويدقق النظر فيها. والله المستعان.

                      أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله قال في علي رضي الله عنه: إنه خليفتي من بعدي، فلا يصح بوجه من الوجوه، بل هو من أباطيلهم الكثيرة التي دل الواقع التاريخي على كذبها، لأنه لو فرض أن النبي قاله لوقع كما قال لأنه (وحي يوحى) والله سبحانه لا يخلف وعده!! انتهى.



                      ونلاحظ أن الشيخ الألباني تسرع أخيراً وجعل الإخبار التشريعي إخباراً غيبياً! وشتان ما بينهما.. فلو صح ذلك لانتقض حديثه الذي صححه وأحكمه، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلي مولاه) فهو أيضاً (وحيٌ يوحى) فوجب على قوله أن يكون علي ولياً لكل المسلمين وسيداً لهم، وأن يكونوا معه كالعبيد كما كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله.. ولكن ذلك لم يتحقق، بل لقد هاجموا بيت علي وفاطمة عليهما السلام في اليوم الثاني لوفاة النبي صلى الله عليه وآله أو الثالث، وهددوا المعتصمين بإحراقه عليهم إن لم يخرجوا ويبايعوا.. ثم أجبروا علياً إجباراً على البيعة كما هو معروف..

                      فقوله صلى الله عليه وآله: عليٌّ خليفتي من بعدي مثل قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، وإذا كان الأول إخباراً عما سيقع فكذلك الثاني، فكيف تحقق عكسه وصار معنى: من كنت سيده فعلي سيده، أنَّ الرعية أجبروا سيدهم على بيعتهم؟!

                      إن الإخبار في الحديثين تشريعي أيها المحدث، وبيانٌ لتكليف المسلمين وما يجب عليهم، وليس هو إخباراً غيبياً، حتى لا يصح وقوع غيره!

                      ونقول له ثانياً: عندما ضعَّفت حديث سبب نزول آية (والله يعصمك من الناس) هل جمعت طرقه ودققت النظر فيها فقلت (مراسيل ومعاضيل أكثرها) ؟

                      هل رأيت طرق الثعلبي، وأبي نعيم، والواحدي، وأبي سعيد السجستاني، والحسكاني، وأسانيدهم؟ فوجدتها كلها مرسلةً أو ضعيفةً أو معضلةً، ووجدت في رواتها من لم تعتمد أنت عليهم! أم وقعت فيما وقع فيه ابن تيمية مما انتقدته عليه؟!

                      على أي حالٍ، لم يفت الوقت، فنرجو أن تتفضل بملاحظة ماكتبناه في تفسير الآية، وأن تدقق الطرق والأسانيد التي قدمناها، وتبحثها بموازينك التي تريدها، بشرط أن لا تناقض ماكتبته في كتبك، ولا تضعِّف راوياً هنا لأنه روى فضيلةً لعلي، وقد اعتمدت عليه وقبلت روايته في مكان آخر!

                      ونذكر فيما يلي أسانيد مصدرٍ واحد هو: كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني


                      عبيد الله بن عبد الله بن أحمد العامري القرشي، تلميذ الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك. قال في كتابه المذكور، بتحقيق المحمودي: 1|250 ـ 257:

                      244 ـ أخبرنا أبو عبد الله الدينوري قراءة (قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق (بن ابراهيم) السني قال: أخبرني عبد الرحمان بن حمدان قال: حدثنا محمد بن عثمان العبسي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون قال: حدثنا علي بن عابس عن الاعمش عن أبي الجحاف (داود بن أبي عوف) عن عطية: عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك).

                      245 ـ أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ جملة (قال: أخبرنا) علي بن عبد الرحمان بن عيسى الدهقان بالكوفة قال: حدثنا الحسين بن الحكم الحبري قال: حدثنا الحسن بن الحسين العرني قال: حدثنا حبان بن علي العنزي قال: حدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل: يا ايها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك الآية (قال نزلت في علي أمر رسول الله صلى الله عليه أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

                      246 ـ رواه جماعة عن الحبري وأخرجه السبيعي في تفسيره عنه فكأني سمعته من السبيعي ورواه جماعة عن الكلبي.

                      وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب دعاء الهداة الى أداء حق الموالاة من تصنيفي في عشرة أجزاء.

                      247 ـ أخبرنا أبو بكر السكري قال: أخبرنا أبو عمرو المقري قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثني أحمد بن أزهر قال: حدثنا عبد الرحمان بن عمرو بن جبلة قال: حدثنا عمر بن نعيم بن عمر بن قيس الماصر قال: سمعت جدي قال: حدثنا عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم وتلا هذه

                      الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ثم رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: اللهم اشهد.

                      248 ـ أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد العدل بقراءتي عليه من أصل سماع نسخته قال: أخبرنا زاهر بن أحمد قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا المغيرة بن محمد قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: حدثني أبي قال: سمعت زياد بن المنذر يقول: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي وهو يحدث الناس إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له: عثمان الاعشى ـ كان يروي عن الحسن البصري ـ فقال له: يا ابن رسول الله جعلني الله فداك إن الحسن يخبرنا أن هذه الآية نزلت بسبب رجل ولا يخبرنا من الرجل (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك). فقال: لو أراد أن يخبر به لأخبر به ولكنه يخاف إن جبرئيل هبط على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على صلاتهم، فدلهم عليها. ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على زكاتهم، فدلهم عليها. ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على صيامهم، فدلهم. ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على حجهم، ففعل. ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على وليهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم ليلزمهم الحجة في جميع ذاك. فقال رسول الله: يا رب إن قومي قريبو عهد بالجاهلية، وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليهم، وإني أخاف، فأنزل الله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) يريد فما بلغتها تامة (والله يعصمك من الناس) فلما ضمن الله (له) بالعصمة وخوفه أخذ بيد علي بن أبي طالب ثم قال: يا أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه.




                      قال زياد: فقال عثمان: ما انصرفت الى بلدي بشىَ أحب إلي من هذا الحديث.

                      249 ـ حدثني علي بن موسى بن إسحاق عن محمد بن مسعود بن محمد قال: حدثنا سهل بن بحر قال: حدثنا الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح: عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله محمداً أن ينصب علياً للناس ليخبرهم بولايته فتخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا حابا ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه فأوحى الله إليه: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية، فقام رسول الله بولايته يوم غدير خم.

                      250ـ حدثني محمد بن القاسم بن أحمد في تفسيره قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الفقيه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن عمار الاسدي عن أبي الحسن العبدي عن الاعمش عن عباية بن ربعي: عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وساق) حديث المعراج الى أن قال: وإني لم أبعث نبياً إلا جعلت له وزيراً وإنك رسول الله، وإن علياً وزيرك. قال ابن عباس: فهبط رسول الله فكره أن يحدث الناس بشىَ منها إذ كانوا حديثي عهد بالجاهلية، حتى مضى (من) ذلك ستة أيام، فأنزل الله تعالى: فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك، فاحتمل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى كان يوم الثامن عشر أنزل الله عليه (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بلالاً حتى يؤذن في الناس أن لا يبقى غداً أحداً إلا خرج الى غدير خم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس من الغد فقال: يا أيها الناس إن الله أرسلني إليكم برسالة، وإني ضقت بها ذرعاً مخافة أن تتهموني وتكذبوني حتى عاتبني ربي فيها بوعيد أنزله علي بعد وعيد، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها حتى رأى الناس بياض إبطيهما ثم قال: أيها الناس الله مولاي وأنا مولاكم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وأنزل الله (اليوم أكملت لكم دينكم). انتهى.


                      تعليق


                      • #12
                        رأي أهل البيت عليهم السلام في الآية

                        ـ في تفسير العياشي: 1|331

                        عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وآله أن ينصب علياً عليه السلام علماً للناس، ويخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله اليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس..

                        ـ وفي الكافي: 1|290:

                        محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين جميعاً، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: فرض الله عز وجل على العباد خمساً، أخذوا أربعاً وتركوا واحدة، قلت: أتسميهن لي جعلت فداك؟

                        فقال: الصلاة، وكان الناس لا يدرون كيف يصلون، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد أخبرهم بمواقيت صلاتهم.

                        ثم نزلت الزكاة فقال: يا محمد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم.

                        ثم نزل الصوم، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان يوم عاشورا بعث الى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم، فنزل شهر رمضان بين شعبان وشوال.

                        ثم نزل الحج، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: أخبرهم من حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم.

                        ثم نزلت الولاية.... وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام فقال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله: أمتي حديثو عهدٍ بالجاهلية، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني، فأتتني عزيمة من الله عز وجل بتلة، أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني، فنزلت: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي

                        القوم الكافرين، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي عليه السلام فقال: أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلا وقد عمره الله ثم دعاه فأجابه، فأوشك أن أدعى فأجيب، وأنا مسؤولٌ وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟

                        فقالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك، فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين.

                        فقال: اللهم اشهد، ثلاث مرات.

                        ثم قال: يا معشر المسلمين هذا وليكم من بعدي، فليبلغ الشاهد منكم الغائب.

                        ـ وفي بحار الأنوار: 94|300

                        ومن الدعوات في يوم عيد الغدير ما ذكره محمد بن علي الطرازي في كتابه رويناه بإسنادنا الى عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا هارون بن مسلم عن أبي الحسن الليثي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوماً شيد الله به الإسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا؟

                        فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيدنا؟

                        قال: لا.

                        قالوا: أفيوم الأضحى هو؟ قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين أشرف منهما وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انصرف من حجة الوداع، وصار بغدير خم، أمر الله عز وجل جبرئيل عليه السلام أن يهبط على النبي وقت قيام الظهر من ذلك اليوم، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين عليه السلام وأن ينصبه علماً للناس بعده، وأن يستخلفه في أمته، فهبط إليه وقال له: حبيبي محمد إن الله يقرؤك السلام ويقول لك: قم في هذا اليوم بولاية علي ليكون علماً لأمتك بعدك يرجعون إليه، ويكون لهم كأنت. فقال النبي صلى الله عليه وآله: حبيبي جبرئيل، إني أخاف تغير أصحابي لما قد وتروه، وأن يبدوا ما يضمرون فيه، فعرج وما لبث أن

                        هبط بأمر الله فقال له: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس.

                        فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ذَعِراً مرعوباً خائفاً من شدة الرمضاء وقدماه تشويان، وأمر بأن ينظف الموضع ويقمَّ ما تحت الدوح من الشوك وغيره ففعل ذلك، ثم نادى بالصلاة جامعة فاجتمع المسلمون، وفيمن اجتمع أبو بكر وعمر وعثمان وسائر المهاجرين والأنصار، ثم قام خطيباً، وذكر الولاية فألزمها للناس جميعاً، فأعلمهم أمر الله بذلك.

                        ـ وفي دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي: 1|14

                        وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي صلى الله عليه أن رجلاً قال له: يابن رسول الله إن الحسن البصري حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله أرسلني برسالة فضاق بها صدري، وخشيت أن يكذبني الناس، فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني.

                        قال له أبو جعفر: فهل حدثكم بالرسالة؟

                        قال: لا.

                        قال: أما والله إنه ليعلم ما هي، ولكنه كتمها متعمداً!

                        قال الرجل: يا بن رسول الله جعلني الله فداك وما هي؟

                        فقال: إن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين بالصلاة في كتابه، فلم يدروا ما الصلاة ولا كيف يصلون، فأمر الله عز وجل محمداً نبيه صلى الله عليه وآله أن يبين لهم كيف يصلون.

                        فأخبرهم بكل ماافترض الله عليهم من الصلاة مفسراً...

                        وأمر بالزكاة، فلم يدروا ما هي، ففسرها رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلمهم بما يؤخذ من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والزرع، ولم يدع شيئاً مما فرض الله من الزكاة إلا فسره لأمته، وبينه لهم.

                        وفرض عليهم الصوم، فلم يدروا ما الصوم ولا كيف يصومون، ففسره لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وبين لهم ما يتقون في الصوم، وكيف يصومون.

                        وأمر بالحج فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم كيف يحجون، حتى أوضح لهم ذلك في سنته.



                        وأمر الله عز وجل بالولاية فقال: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون، ففرض الله ولاية ولاة الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم ما الولاية، مثلما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله عز وجل ضاق به رسول الله ذرعاً، وتخوف أن يرتدوا عن دينه وأن يكذبوه، فضاق صدره وراجع ربه فأوحى إليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، فصدع بأمر الله وقام بولاية أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه يوم غدير خم، ونادى لذلك الصلاة جامعة، وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب.

                        وكانت الفرائض ينزل منها شيء بعد شيء، تنزل الفريضة ثم تنزل الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا.

                        قال أبو جعفر: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة، قد أكملت لكم هذه الفرائض.

                        وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: أوصي من آمن بالله وبي وصدقني: بولاية علي بن أبي طالب، فإن ولاءه ولائي، أمٌر أمرني به ربي، وعهدٌ عهده إليَّ، وأمرني أن أبلغكموه عنه.

                        ـ وروى الحديث الأول في شرح الأخبار: 1|101، ونحوه في: 2|276، وفيه:

                        فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرائيل أمتي حديثة عهدٍ بجاهلية، وأخاف عليهم أن يرتدوا، فأنزل الله عز وجل: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ـ في علي ـ فإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس.

                        فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وآله بداً من أن جمع الناس بغدير خم فقال: أيها الناس إن الله عز وجل بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني، أفلستم تعلمون أن الله عز وجل مولاي وأني مولى المسلمين ووليهم وأولى بهم من أنفسهم؟



                        قالوا: بلى، فأخذ بيد علي عليه السلام فأقامه ورفع يده بيده وقال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، ومن كنت وليه فهذا علي وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار.

                        ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فوجبت ولاية علي عليه السلام على كل مسلم ومسلمة. انتهى.

                        ورواه بنحوه في تفسير العياشي: 1|333، وفيه:

                        كنت عند أبي جعفر محمد بن على عليه السلام بالأبطح وهو يحدث الناس، فقام اليه رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعشى، كان يروي عن الحسن البصري..الخ. وقد تقدمت بعض رواياته في آية إكمال الدين، وهي في مصادرنا كثيرة وصحيحة.


                        تعليق


                        • #13

                          ملاحظات عامة حول الأقوال المخالفة


                          الملاحظة الأولى:

                          مع أن البخاري عقد للآية في صحيحه بابين: الأول في: 5|88، وروى فيه حديثاً عن عائشة في التبليغ وعدم الكتمان، والثاني في: 8|9، وروى فيه عن الزهري في التبليغ، كما روى حديثين تضمنا الآية في: 6|50، وفي: 8|210، وكذا مسلم: 1|110

                          . مع هذا فلم يرويا ولا روى غيرهما من أصحاب الصحاح شيئاً في تفسير الآية، ما عدا رواية الترمذي في الحراسة، والتي قال عنها إنها غريبة.

                          ونحن لا نرى أن عدم روايتهم لحديثٍ دليلاً ولا مؤشراً على ضعفه، فكم من حديثٍ هو أصح مما في الصحاح لم يرووه، وكم من حديثٍ روته الصحاح، وذكر له علماء الجرح والتعديل عللاً كثيرة.

                          لكنا نريد القول: إن أصحاب الصحاح حريصون على رد مذهب أهل البيت عليهم السلام، وهم يعرفون أن آية التبليغ هذه يستدل بها أهل البيت وشيعتهم على مذهبهم، فلو كان عندهم روايةٌ قويةٌ في ردها لرووها وكرروها، حتى لا تبقى روايات الشيعة بلا معارض قوي.


                          فمن ذلك نستكشف أن سبب تركهم روايتها ليس ضعف سندها، بل ما رأوه من ضعف متنها، وتعارض صيغها، وورود الإشكالات على كل واحدةٍ منها! فاضطروا الى عدم الرد على روايات الشيعة، وما وافقها من روايات السنة!!


                          الملاحظة الثانية:

                          أن روايات السنيين في تاريخ نزول الآية قد غطَّت الثلاث وعشرين سنة، التي هي كل مدة بعثة النبي صلى الله عليه وآله ما عدا حجة الوداع التي نزلت فيها سورة المائدة!

                          وهو أمر يوجب الشك في أن الغرض من سعة تلك الروايات واستثنائها تلك الفترة وحدها، هو التهرب من الفترة التاريخية التي نزلت فيها السورة!


                          الملاحظة الثالثة:

                          أن سبب نزول الآية في مصادرنا سببٌ واحد، بتاريخ واحد، على نحو الجزم واليقين. أما في مصادر إخواننا السنيين فأسبابٌ متعددة، بتواريخ متناقضة، وعلماؤهم منها في شكٍّ وحيرة. وفي رواياتهم ما يوافق قول أهل البيت عليهم السلام وإن لم يقبله خلفاء قريش!

                          وعندما نواجه من كتاب الله تعالى آيةً يتفق المسلمون على أنها نزلت مرة واحدة في تاريخ واحد، ونجد أنهم يروون تاريخاً متفقاً عليه، وفيهم أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله ويروي بعضهم أسباباً أخرى متعارضة مختلفاً فيها.. فإن السبب المجمع على روايته يكون أقوى وأحق بالإتباع والفتوى.



                          تعليق


                          • #14
                            تقييم الأقوال المخالفة على ضوء الآية

                            في الآية خمس مسائل لا بد من تحديدها لمعرفة السبب الصحيح في نزولها:


                            المسألة الأولى: في المأمور به في الآية:

                            لا يستقيم معنى الآية الشريفة إلا بحمل (أنزل) فيها على الماضي الحقيقي، لأنها قالت (بلغ ما أنزل اليك) ولم تقل: بلغ ما سوف ينزل اليك.. وبيان ذلك:


                            أولاً، ظهور الفعل في الماضي الحقيقي، وعدم وجود قرينةٍ توجب حمله على ما سوف ينزله الله تعالى في المستقبل. بل لم أجد استعمال (أنزل) في القرآن لما سوف ينزل أبداً، على كثرة وروده في الآيات.

                            ثانياً، أن الآية نزلت في آخر شهور نبوته صلى الله عليه وآله، وإذا حملنا الفعل على المستقبل يكون معناها: إنك إن لم تبلغ ما سوف ننزله عليك في هذه الشهور الباقية من نبوتك، فإنك لم تبلغ رسالة ربك أبداً! وهو معنى لم تجىء به رواية، ولم يقل به أحدٌ من علماء الشيعة، ولا السنة!

                            وإذا تعين حمل لفظ (أنزل اليك) على الماضي الحقيقي، دلَّ على أن الله تعالى كان أنزل على رسوله أمراً ثقيلاً، وأمره بتبليغه فكان الرسول يفكر في ثقله على الناس، وفي كيفية تبليغه لهم، فجاءت الآية لتقول له: لا تتأخر في التنفيذ، ولا تفكر في موقف الناس، هل يؤمنون أو يكفرون.. ولكن نطمئنك بأنهم سوف لن يكفروا، وسنعصمك منهم. وهذا هو تفسير أهل البيت عليهم السلام وما وافقه من أحاديث السنيين.


                            المسألة الثانية: فيما يصحح الشرط والمشروط به في التبليغ:

                            وقد اتضح ذلك من المسألة الأولى، وأنه لا معنى لقولك: يا فلان بلغ رسائلي التي سوف أرسلها معك، فإنك إن لم تفعل لم تبلغ رسائلي! لأنه من المعلوم أنه إن لم يفعل، فلم يبلغ رسائلك، ويكون كلامك من نوع قول الشاعر:


                            وفسر الماء بعد الجهد بالماءِ!
                            نعم يصح أن تقول له عن رسالة معينة فعلية أو مستقبلية: إن هذه الرسالة مهمة وضرورية جداً، وإن لم تبلغها، فإنك لم تبلغ شيئاً من رسائلي!

                            ـ قال في تفسير الميزان: 6|49:

                            فالكلام موضوع في صوره التهديد وحقيقته بيان أهميه الحكم، وأنه بحيث لو لم يصل الى الناس ولم يراع حقه كان كأن لم يراع حق شيء من أجزاء الدين.

                            فقوله: وإن لم تفعل فما بلغت، جملة شرطية سيقت لبيان أهميه الشرط وجوداً

                            وعدماً، لترتب الجزاء الأهم عليه وجوداً وعدماً، وليست شرطية مسوقة على طبع الشرطيات الدائرة عندنا، فإنا نستعمل إن الشرطيه طبعاً فيما نجهل تحقق الجزاء للجهل بتحقق الشرط، وحاشا ساحة النبي صلى الله عليه وآله من أن يقدر القرآن في حقه احتمال أن يبلغ الحكم النازل عليه من ربه، وأن لا يبلغ! انتهى.


                            المسألة الثالثة: في نوع تخوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

                            ولا بد من القول بأن الخوف الذي كان عند النبي صلى الله عليه وآله كان خوفاً على الرسالة، وليس على شخصه من القتل أو الأذى، وذلك لعصمته وتقواه وشجاعته صلى الله عليه وآله.

                            فإن الله تعالى كان أخبر رسوله صلى الله عليه وآله من الأيام الأولى لبعثته، بثقل مسؤولية النبوة والرسالة، وجسامة تبعاتها.. وكان صلوات الله عليه وآله موطِّناً نفسه على كل ذلك، فلا معنى لأن يقال بأنه تلكأ بعد ذلك أو تباطأ أو امتنع في أول البعثة، أو في وسطها أو في آخرها، حتى جاءه التهديد والتطمين!!

                            وقد تبين مما تقدم أن الخوف على الرسالة الذي كان يعيشه النبي صلى الله عليه وآله عند نزول الآية، ليس إلا خوفه من ارتداد الأمة، وعدم قبولها إمامة عترته من بعده.


                            المسألة الرابعة: في معنى الناس في الآية:

                            ـ قال الفخر الرازي في تفسيره: 6 جزء 12|50:

                            واعلم أن المراد من (الناس) ها هنا الكفار بدليل قوله تعالى: إن الله لا يهدي القوم الكافرين... لا يمكنهم مما يريدون. انتهى.

                            ولا يمكن قبول ذلك، لأن نص الآية العصمة من (الناس) وهو لفظ أعم من المسلمين والكفار، فلا وجه لحصره بالكفار..

                            وقد تصور الرازي أن المعصوم منهم هم الذين لا يهديهم الله تعالى، وأن المعنى: إن الله سيعصمك من الكفار ولا يهديهم. ولكنه تصورٌ خاطىَ، لأن ربْط عدم هدايته تعالى للكفار بالآية يتحقق من وجوه عديدة.. فقد يكون المعنى: سيعصمك من كل الناس، ولا يهدي من يقصدك بأذى لأنه كافر. أو يكون المعنى: بلغ وسيعصمك الله

                            من الناس، ومن أبى ما تبلغه فهو كافر، ولا يهديه الله تعالى. وقد ورد شبيه هذا المعنى في البخاري: 8|139 قال: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى! قالوا: يا رسول الله ومن يأبى! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى. انتهى.

                            فإبقاء لفظة (الناس) على إطلاقها وشمولها للجميع، يتناسب مع مصدر الأذى والخطر على النبي صلى الله عليه وآله الذي هو غير محصور بالكفار، بل يشمل المنافقين من الأمة أيضاً. بل عرفت أن الخطر كاد يكون عند نزول الآية محصوراً فيهم.

                            ولكن الرازي يريد إبعاد الذم في الآية عن المنافقين، وإبعاد الأمر الإلَهي فيها عن تبليغ ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام !


                            المسألة الخامسة: في معنى العصمة من الناس:

                            وقد اتضح مما تقدم أن العصمة الإلَهية الموعودة في الآية، لابد أن تكون متناسبة مع الخوف منهم، ويكون معناها عصمته صلى الله عليه وآله من أن يطعنوا في نبوته ويتهموه بأنه حابى أسرته واستخلف عترته، وقد كان من مقولاتهم المعروفة أن محمداً صلى الله عليه وآله يريد أن يجمع النبوة والخلافة لبني هاشم، ويحرم قبائل قريش.. !!

                            وكأنه صلى الله عليه وآله هو الذي يملك النبوة والإمامة ويعطيهما من جيبه!!

                            فهذا هو المعنى المتناسب مع خوف الرسول صلى الله عليه وآله وأنه كان يفكر بينه وبين نفسه بما سيحدث من تبليغه ولاية علي عليه السلام.

                            فهي عصمةٌ في حفظ نبوته عند قريش، وليست عصمةً من القتل أو الجرح أو الأذى، كما ادعت الأقوال المخالفة. ولذلك لم تتغير حراسته صلى الله عليه وآله بعد نزول الآية عما قبلها، ولا تغيرت المخاطر والأذايا التي كان يواجهها، بل زادت.

                            والقدر المتيقن من هذه العصمة حفظ نبوة النبي صلى الله عليه وآله في الأمة وإن ثقلت عليهم أوامره، وقرروا مخالفته. والغرض منها بقاء النبوة، وتمام الحجة لله تعالى.

                            وهي غير العصمة الإلَهية الأصلية للرسول صلى الله عليه وآله في أفعاله وأقواله وكل تصرفاته!


                            وقد وفى الله سبحانه لرسوله صلى الله علية وآله بما وعد، فقد أعلن صلى الله عليه وآله في يوم الغدير خلافة علي والعترة عليهم السلام ثم أمر أن تنصب لعلي خيمة، وأن يهنؤوه بالولاية الإلَهية عليهم.. ففعلوا! ولم يخدش أحد منهم في نبوة النبي صلى الله عليه وآله.

                            ولكنهم عندما توفي فعلوا مايريدون، وأقصوا علياً والعترة عليهم السلام ! بل أحرقوا بيتهم وأجبروهم على بيعة صاحبهم!!


                            تعليق


                            • #15
                              مسألتان تتعلقان بآية العصمة من الناس

                              يوجد مسألتان ترتبطان بالآية الشريفة، نتعرض لهما باختصار:


                              المسألة الأولى: محاربة علي عليه السلام بآية تبليغ ولايته:

                              يشهد جميع المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله بأنه بلغ عن ربه كل ما أمره به، ونصح لأمته، وتحمل أكثر من جميع الأنبياء صلى الله عليه وآله.

                              لكنك تجد في مصادر السنيين تهمةً للشيعة بأنهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وآله كتم أشياء ولم يبلغها الى الأمة، والعياذ بالله. ويستدلون لردهم بآية (بلغ ما أنزل اليك).

                              ـ قال القرطبي في تفسيره: 6|243

                              من قال إن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي فقد كذب الله تعالى يقول: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، وقبح الله الروافض حيث قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أوحى إليه كان بالناس حاجة إليه. انتهى.

                              ـ وقال القسطلاني في إرشاد الساري: 7|106

                              وقال الراغب فيما حكاه الطيبي: فإن قيل: كيف قال: وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، وذلك كقولك إن لم تبلغ فما بلغت!

                              قيل: معناه وإن لم تبلغ كل ما أنزل اليك، تكون في حكم من لم يبلغ شيئاً مما أنزل الله، بخلاف ما قالت الشيعة إنه قد كتم أشياء على سبيل التقية!. انتهى.



                              والظاهر أن قصة هذه التهمة وبيت القصيد فيها هو حديث عائشة القائل: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كتم شيئاً من كتاب الله، فقد أعظم على الله الفرية. وقد رووه عنها وأكثروا من روايته.. وقصدهم به الرد على علي عليه السلام وتكذيبه!

                              فقد كان علي عليه السلام يقول إنه وارث علم النبي صلى الله عليه وآله وإن عنده غير القرآن حديث النبي صلى الله عليه وآله ومواريثه.. فعنده جامعة فيها كل ما يحتاج اليه الناس حتى أرش الخدش.

                              وكان يقول إن النبي صلى الله عليه وآله قد أخبره بما سيحدث على عترته من بعده حتى هجومهم على بيته وإحراقه، وإجباره على بيعتهم، وأنه أمره في كل ذلك بأوامره..

                              ونحن الشيعة نعتقد بكل ذلك، وتروي مصادرنا، بل ومصادر السنيين عن مقام علي عليه السلام وقربه من النبي صلى الله عليه وآله ومكانته عنده، وشهاداته صلى الله عليه وآله في حقه ما يوجب اليقين بأن النبي صلى الله عليه وآله كان مأموراً من الله تعالى أن يعد علياً إعدادا خاصاً، ويورثه علمه.. مضافاً الى ما أعطى الله علياً عليه السلام من صفات ومؤهلات وإلهام..

                              ونعتقد بأن علياً عليه السلام طاهرٌ مطهر، صادقٌ مصدق، في كل ما يقوله ولو كان شهادةً لنفسه وعترته.

                              قال السيوطي في الدر المنثور: 6|260

                              وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والواحدي، وابن مردوية، وابن عساكر، وابن النجاري، عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي: إن الله أمرني أن أدنيك، ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي وحقٌّ لك أن تعي. فنزلت هذه الآية: وتعيها أذن واعية. انتهى.

                              ثم ذكر السيوطي رواية أبي نعيم في الحلية وفيها: فأنت أذُنٌ واعيةٌ لعلمي. انتهى.

                              وإذا كان حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي صلى الله عليه وآله وهو من أتباع علي عليه السلام، فإن علياً هو صاحب أسرار النبي صلى الله عليه وآله وعلومه.

                              وقد روى الجميع أنه صلى الله عليه وآله عهد اليه أن يقاتل على تأويل القرآن من بعده، وأخبره أنه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين!



                              بل الظاهر أن وصايا النبي صلى الله عليه وآله لعلي كان بعضها معروفاً في حياته، ومن ذلك وصيته له بأن يسجل مظلوميته ويقيم الحجة على القوم، ولا يقاتلهم من أجل الخلافة.. فلو لم يكونوا يعرفون ذلك، لما كانت عندهم جرأة أن يهاجموا علياً في بيته بعشرين مسلح أو خمسين، ويقتحموا داره، ثم يلقوا القبض عليه، ويجروه بحمائل سيفه الى البيعة!!

                              لقد كان علي عليه السلام معجزةً وأسطورةً في القوة والشجاعة، وفي الهيبة والرعب في قلوب الناس.. وأكثر الذين هاجموه في داره كانوا معروفين بالخوف والفرار في عدة حروب.. ولم يكن أحدٌ منهم ولا من غيرهم يجرأ أن يقف في وجه علي عليه السلام إذا جرد ذا الفقار!!

                              ولكنهم كانوا مطمئنين أن إطاعته للنبي صلى الله عليه وآله تغلب شجاعته وغيرته، وأنه سيعمل بالوصية، ولن يجرد ذا الفقار، حتى لو ضربت الزهراء عليها السلام وأسقط جنينها!!

                              والحاصل أن الخلافة القرشية قد ردت أقوال علي بأن عنده مواريث النبي صلى الله عليه وآله وعلمه، ونفت أن يكون النبي صلى الله عليه وآله ورث عترته شيئاً لا علماً ولا أوقافاً ولا مالاً! وبذلك صادر أبو بكر مزرعة فدك، التي كان النبي صلى الله عليه وآله أعطاها الى فاطمة عليها السلام عندما نزل قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه) !

                              بل زادت السلطة على نفي كلام علي، وحاولت أن تستفيد من آية الأمر بالتبليغ التي هي موضوع بحثنا فقالت: من قال إن النبي صلى الله عليه وآله قد بلغه وحده أموراً وأحكاماً، ولم يبلغهاالى الأمة عامة، فقد اتهم النبي صلى الله عليه وآله بأنه قصر في تبليغ الأمة، وهو نوع من الكفر به صلى الله عليه وآله !! ومقولة عائشة المتقدمة هي مقولة السلطة في رد قول علي عليه السلام..

                              ـ قال البخاري في صحيحه: 5|188:

                              باب يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك. عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وآله كتم شيئاً مما أنزل عليه، فقد كذب، والله يقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك. الآية. انتهى. ثم كرر البخاري ذلك في: 6|50 و8|210، ومسلم: 1|10، والترمذي: 4|328... وغيرهم.



                              ولكن هذه العملية من السلطة تتضمن مغالطتين: في توسيع معنى المأمور بتبليغه وفي توسيع معنى المأمور بتبليغهم!

                              كما تتضمن تحريفاً لمقولة علي عليه السلام وشيعته!

                              فليس كل شيء قاله الله تعالى لرسوله أوجب عليه أن يبلغه.. فإن علوم النبي صلى الله عليه وآله وما أوحى الله اليه، وما ألهمه إياه، وما شاهده في إسرائه ومعراجه.. أوسع مما بلغه لعامة الناس، بأضعافٍ مضاعفة، ولا يمكن أن يوجب الله تعالى عليه تبليغها، لأن الناس لا يطيقونها حتى لو كانوا مؤمنين!

                              ولا كل شيء أمره أن يبلغه، أمره أن الى كل الناس بدون استثناء.. فهناك أمورٌ عامةٌ لكل الناس، وقد بلغها لهم، وأمور خاصةٌ لأناسٍ خاصين مؤمنين أو كافرين، وقد بلغها لأصحابها، مثل قوله تعالى (قل لهم في أنفسهم قولاً بليغا).. الخ.

                              ولم يقل عليٌّ عليه السلام ولا أحدٌ من شيعته إن النبي صلى الله عليه وآله لم يبلغ، بل قالوا إنه كلم الناس على قدر عقولهم، وعلى قدر تحملهم وتقبلهم، وأنه لذلك بلغ علياً عليه السلام أكثر من غيره واستودعه علومه، كما أمره الله تعالى..

                              وليس في هذا تهمة بعدم التبليغ، كما زعم القرطبي والقسطلاني. بل هي قولٌ بتبليغ إضافي خاصٍ بعلي والزهراء والحسنين عليهم السلام !

                              بل إن علياً وشيعته قالوا إن النبي صلى الله عليه وآله قد بلغ الأمة أموراً كثيرة، تتعلق بعترته وغيرهم كما ترى في كتابنا هذا.. فتبليغه عندهم أوسع مما يقول به القرشيون.

                              ولكن القرشيين يظلمون علياً عليه السلام ويفترون عليه، ويتغاضون عن تصريح عمر بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يبين عدة آيات مثل الكلالة والربا! كما تقدم في آية إكمال الدين!!

                              والنتيجة أن الأمر بالتبليغ وامتثاله، لا يتنافى مع تخصيص النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام بعلومٍ عن غيره، لأن ذلك مما أمره بتبليغه له.

                              كما لا يتنافى مع التقية التي قد يستعملها النبي صلى الله عليه وآله مع قريش أو غيرها، لأنه مأمورٌ بالعمل بالحكمة لأهداف الإسلام، وبالتقية ومداراة الناس..


                              ـ ففي الكافي: 2|117، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أمرني ربي بمداراة الناس، كما أمرني بأداء الفرائض.

                              ـ وفي مجمع الزوائد 8|17

                              عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد الى الناس.

                              وعن بريدة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رجل من قريش فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقربه، فلما قام قال: يا بريدة أتعرف هذا ؟

                              قلت: نعم، هذا أوسط قريش حسباً، وأكثرهم مالاً، ثلاثاً.

                              فقلت يا رسول الله قد أنبأتك بعلمي فيه، فأنت أعلم.

                              فقال: هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزناً.

                              وقد عقد البخاري في صحيحه أكثر من باب لمدارة الناس، قال في: 7|102

                              باب المداراة مع الناس. ويذكر عن أبي الدرداء إنا لنكشر في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم... عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إئذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت يارسول الله: قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول ؟! فقال: أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس، اتقاء فحشه. انتهى.

                              ـ وفي وسيط النيسابوري 2|208

                              وقال الأنباري: كان النبي صلى الله عليه وآله يجاهر ببعض القرآن أيام كان بمكة، ويخفي بعضه اشفاقاً على نفسه من شر المشركين اليه، والى أصحابه... انتهى.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X