إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــامـــــــــــــــــة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #91

    الأساس الثاني: وحدة الأمة الإسلامية

    وقد روى المسلمون فقرات الخطب التي تتعلق بالمبادىَ الخمس الأولى من هذا الأساس بكثرةٍ وحفظوها وكرروها، حتى ليتصور الإنسان لأول وهلة أنها الموضوع الوحيد في خطب حجة الوداع!

    والسبب في ذلك: أن المجتمع العالمي كان في عصره صلى الله عليه وآله مجتمع تمييز حاد على أساس قومي وقبلي وطبقي.. كما أنه كان مجتمع (قانون الغلبة والقوة) فالغالب على حق دائماً، سواء كان حاكماً، أو قبيلة، أو فارساً، أو صعلوكاً.. لأنه استطاع أن يقهر الآخرين، أو يغزوهم ويقتلهم ويسرق أموالهم، أو يغصبها منهم عنوةً، أو يحتال عليهم بحيلة!

    فجاءت تشريعات الإسلام لتلغي ذلك كله، وتعلن تساوي الناس أمام الشرع، وتحرم كل أنواع الإعتداء على الحقوق الشخصية، وتركز احترام الإنسان وملكيته وكرامته.

    فالأمر الذي جعلهم يحفظونها أكثر من غيرها من كلمات النبي صلى الله عليه وآله، هو إعجاب المسلمين المؤمنين بها، وكونها تمثل الحل لمشكلة الغزو والقتل التي كانوا يعانون منها في الجاهلية القريبة.

    وقد كان لهذه التوجيهات بصيغها الإلَهية والنبوية البليغة، تأثيرٌ كبيرٌ على مجرى احترام الإنسان وماله وعرضه ورأيه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، إذ لولاها لساء وضع مجتمع المسلمين أضعافاً مضاعفة عما وصل اليه من سوء، ولعادت النظرة الى الإنسان والتصرف معه الى الحالة الجاهلية مئة بالمئة!!

    والملاحظ بعد النبي صلى الله عليه وآله أن أكثر الناس احتراماً للإنسان وحرياته المشروعة، هم عترته وأهل بيته الطاهرون، فعلي عليه السلام هو الحاكم الوحيد بعد النبي صلى الله عليه وآله الذي لم يستعمل قانون الطوارىَ أو الأحكام العرفية، ولا أي قانون استثنائي، حتى مع

    خصومه والممتنعين عن بيعته، بل حتى في حالات الحرب.. مع أنه ابتلي بثلاثة حروب استوعبت مدة خلافته كلها!

    بينما استعمل أبو بكر وعمر منطق القوة والقهر في السقيفة ضد الأنصار، وهموا بقتل سعد بن عبادة، ثم هاجموا الممتنعين عن بيعتهم وهم مجتمعون في بيت علي وفاطمة عليهما السلام، وكانوا في تعزية بوفاة النبي صلى الله عليه وآله! بل روي أن جنازته كانت مسجاةً لم تدفن بعد! وهددوهم بإحراق البيت عليهم إن لم يخرجوا ويبايعوا! ولما تأخروا عن الخروج أشعلوا النار في الحطب وأحرقوا الباب.. الخ. !!


    ***
    وأما المبدأ السادس من هذا الأساس (من قال: لا إله إلا الله فقد عصم ماله ودمه) فقد جاء في رواية تفسير علي بن ابراهيم القمي بصيغة (وإني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله). وهو مبدأ له ثلاثة أبعاد:


    الأول:

    أن من أعلن الشهادتين من أي دين أو قبيلة كان فهو مسلم، يحرم ماله ودمه وعرضه، إلا إذا انطبقت عليه مواد الفئة الباغية، أو المفسد في الأرض، أو قتل أحداً عمداً، أو ارتد عن الإسلام، أو زنى وهو محصن...


    الثاني:

    أن أهل الكتاب مستثنوْن من هذه القاعدة، والموقف منهم في الحرب والسلم حسب أحكام التعايش الإسلامية الخاصة بهم.


    الثالث:

    أن النبي صلى الله عليه وآله أشهد أمته أنه تقيد في الجهاد بأمر ربه عز وجل، ولم يتعداه .. فمهمته في الجهاد إنما كانت على تنزيل القرآن، وتحقيق إعلان الشهادتين فقط، أي لتكوين الشكل الكلي للأمة، ولم يؤمر بقتال المنحرفين، أو الذين يريدون أن ينحرفوا من المسلمين، لأن ذلك قتالٌ على التأويل، يكون من بعده، لا في عهده.


    ***



    وأما المبدأ السابع (ختام النبوة به صلى الله عليه وآله وختام الأمم بأمته) فقد ورد في رواية مجمع الزوائد المتقدمة وغيرها (فقال لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، فاعبدوا ربكم، وأقيموا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا ولاة أمركم، ثم ادخلوا جنة ربكم).

    وهو مبدأ هيمنة شريعته صلى الله عليه وآله على شرائع الأنبياء السابقين عليهم السلام.. وردُّ مدعي النبوة الكذابين، الذين ظهر بعضهم في زمنه صلى الله عليه وآله، وظهر عددٌ منهم بعده.

    كما أنه يعطي الأمة الإسلامية شرف ختام أمم الأنبياء عليهم السلام، ويلقي عليها مسؤولية هذه الخاتمية في هداية الأمم الأخرى.

    وقد حدد النبي صلى الله عليه وآله لهم الخطوط العامة بعبادة الله تعالى والصلاة والصوم وإطاعة ولي الأمر.. ولكن لا يبعد أن الراوي نقل ماحفظه من كلامه صلى الله عليه وآله ونسي بعضه كالزكاة والحج.

    ومن الملاحظ في هذه المبدأ وجود فريضة إطاعة ولي الأمر على لسان النبي صلى الله عليه وآله وإذا أوجب الله تعالى إطاعة أحدٍ بدون شروط، فمعناه أنه معصومٌ لا يظلم ولا يأمر ولا ينهى إلا بالحق.. وبما أن النص النبوي لم يذكر شروطاً لإطاعة أولي الأمر، فيكون مقصوده الإثني عشر إماماً المعينين من الله تعالى، الذين بشر الأمة بهم.


    ***
    وأما المبدأ الثامن (شهادة النبي صلى الله عليه وآله على الأمة في الآخرة، وموافاتها له على الحوض) فقد ورد في مصادر متعددة كما مر، وفي بعضها (ألا وإني فرطكم علىالحوض وأكاثر بكم الأمم، فلا تسودوا وجهي) وفي بعضها (وإني مكاثرٌ بكم الأمم، فلا تقتتلن بعدي) وهو أسلوبٌ نبوي فريدٌ في التأكيد على الأمة في وداعها، بأنها ستوافي نبيها بين يدي ربها، ويكون كل فردٍ منها بحاجة ماسةٍ الى أن يسقى من حوض الكوثر، شربةً لا يظمأ الإنسان بعدها أبداً، ويصلح بها بدنه لدخول الجنة.

    فهذا التوجيه منه صلى الله عليه وآله كمثل أبٍ يقول لأولاده: إعملوا بوصيتي، فإني مسافرٌ عنكم، وسوف أرجع اليكم وآتي بأموالٍ كثيرة، وتكونون في حالة فقرٍ شديدة، وسأعرف من يعمل بوصيتي منكم، ومن يخالفني!



    وأما المبدأ التاسع (تحذير الأمة من محقرات الأعمال) ففيه إلفاتٌ الى قاعدة مهمة في السلوك الفردي والإجتماعي، وهي أن الإنحراف يبدأ بأمر صغير، أو أمور تبدو بسيطة، يحتقرها الإنسان ولا يراها مهمةً في ميزان التقوى.. وإذا بها تستتبع أموراً أخرى، وتجره الى هاوية الهلاك الأخروي، أو الدنيوي!

    وهو أمرٌ مشاهد سواءً في حالات الهلاك الفردي أو الإجتماعي..

    فقد يتسامح المسلم في النظر الى امرأة أجنبية تعجبه، ويتسامح في الحديث معها، ثم في التصرف.. حتى ينجر أمره الى الفاحشة!

    وقد يتسامح في اتخاذ صديق سوء، ولا ينصت الى صوت ضميره الديني، ونصح ناصحيه.. حتى يغرق معه في بحر ظلمه للناس، أو بحر انحرافه ورذيلته!

    وقد تتسامح الأمة في اعتداء الأجانب عليها، أو في نفوذهم السياسي، أو الإقتصادي أو الثقافي في بلادها.. فينجر الأمر الى تسلطهم على مقدراتها، وسيطرتهم عليها!

    أو يتسامح المجتمع في مظهر من مظاهر الفساد والمنكر أول ما يحدث في محلة أو منطقة منه، أو في فئة من فئاته..

    أو يتسامح المجتمع في شروط حاكمه، ووزرائه وقضاته، أو في ظلمهم وسوء سيرتهم.. فينجر ذلك الى شمول الفساد في المجتمع، وتسارع هلاكه!

    فالمحقرات من الذنوب هي المواقف أو التصرفات الصغيرة، التي تكون في منطق الأحداث والتاريخ بذوراً غير منظورة، لشجرة شرٍّ كبيرة، على المستوى الفردي أو الإجتماعي!!

    وبهذا ورد تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وآله في مصادر الطرفين..

    ـ ففي الكافي 2|288، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: إئتوا بحطبٍ، فقالوا: يارسول الله نحن بأرضٍ قرعاء ما بها من حطب! قال: فليأت كل إنسانٍ بما قدر عليه، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: إياكم والمحقرات



    من الذنوب، فإن لكل شيء طالباً، ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم، وكل شيء أحصيناه في إمام مبين. انتهى.

    ـ وفي سنن البيهقي: 10|188

    عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الأعمال، إنهن ليجمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً، كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يجىَ بالعويد، والرجل يجىَ بالعويد، حتى جمعوا من ذلك سواداً، ثم أججوا ناراً، فأنضجت ما قذف فيها. انتهى.

    وهذان الحديثان الشريفان ناظران الى التراكم الكمي للذنوب والأخطاء المحقرة، وكيف تتحول الى خطر نوعي في حياة الفرد والمجتمع.

    وقد يكون الحديثان التاليان ناظرين الى التراكم الكيفي في نفس الإنسان والمجتمع، وشخصيتهما..

    ـ ففي الكافي: 2|287

    عن الإمام الصادق عليه السلام قال: اتقوا المحقرات من الذنوب، فإنها لا تغفر! قلت: وما المحقرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك!

    ـ وفي سنن ابن ماجة: 2|1417

    عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إياك ومحقرات الأعمال، فإن لها من الله طالباً. في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. انتهى. ورواه الدارمي: 2|303، وأحمد: 6|70 و 151

    ومن القواعد الهامة التي نفهمها من هذا التوجيه النبوي: أن الشيطان عندما ييأس من السيطرة على أمة في قضاياها الكبيرة، يتجه الى التخريب والإضلال عن طريق المحقرات! (ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن سيكون له طاعةٌ في بعض ما تحتقرون من أعمالكم، فيرضى بها (سنن ابن ماجة: 2|1015)



    فقد كان الإسلام الذي أنزله الله تعالى، وبناه رسوله صلى الله عليه وآله صرحاً كبيراً وقلعةً محكمة، يئس الشيطان من قدرته على هدمها، فاتجه الى إقناع شخص من أهلها بسحب حجر واحدٍ صغير من جنب الجدار، ثم حجرٍ آخر.. وآخر.. حتى يفرغ تحت الأساس فينهار الصرح على من فيه!

    ومن الأمور الملفتة التي وردت في التوجيه النبوي في رواية علي بن ابراهيم أن إطاعة الشيطان في محقرات الذنوب عبادةٌ له، فالذين يبدؤون بالإنحراف في مجتمع، إنما يعبدون الشيطان ولا يعبدون الله تعالى، وهم بدعوتهم الى انحرافهم يدعون الأمة العابدة لله تعالى الى عبادة الشيطان.. (ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم، ألا وإنه إذا أطيع فقد عبد!).

    كما أن شهادة النبي صلى الله عليه وآله بأن الشيطان راض بما تحتقرون من أعمالكم، شهادةٌ خطيرة يخبر بها عن ارتياح الشيطان من نجاحه في مشروعه في إضلال الأمة، وهدم صرحها عن طريق المحقرات.. وهو ينفع في تفسير قوله تعالى: ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين. سبأ ـ 20

    أما أهل البيت عليهم السلام فقد اعتبروا أن طمع الأمة بالسلطة بعد النبي صلى الله عليه وآله وصراعها عليها، كان أعظم المحقرات التي ارتكبتها بعد نبيها.. ففي بحار الأنوار: 28|217 عن الإمام الباقر عليه السلام قال في تفسير قوله تعالى: ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس قال: ذلك والله يوم قالت الأنصار: منا أميرٌ ومنكم أمير! انتهى.


    ***
    وأما المبدأ العاشر (تحذير النبي صلى الله عليه وآله من الكذب عليه) فقد ورد في روايتي أحمد المتقدمتين وغيرهما، ووردت فيه أحاديث كثيرة مشددة في مصادر الشيعة والسنة، تدل على أن هذه المشكلة كانت موجودة في حياة النبي صلى الله عليه وآله، وأنه أخبر بأنها ستزداد من بعده، ويكثر الكذابون عليه!



    والمتأمل في هذه المشكلة ينفر من هؤلاء الكذابين، لأن عملهم عملٌ شيطاني من شأنه أن يشوه الإسلام ويزوره، ويمنع وصوله الى الأجيال.. خاصة أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن مأموراً بفتح جبهة داخلية مع أصحابه أبداً، ولم يؤمر بفضح هؤلاء الكذابين ولا بمعاقبتهم على كذبهم الماضي أو الآتي!!

    فهل يكفي في معالجة المشكلة تحذير الكذابين، وتحذير الأمة منهم؟!

    من الواضح أن ذلك العلاج لا يؤثر إلا تقليل حجم المشكلة الكمي، ولذا فإن تصريح النبي صلى الله عليه وآله بوجودها، وإخباره باستمرارها وتفاقمها بعده، دليلٌ على أنه وضع لها بأمر ربه الحكيم، علاجاً كافياً..

    وقد كان العلاج وجوب عرض أحاديثه التي تروى عنه على الثقلين اللذين تركهما في الأمة وأوصاها بهما.. فكل حديث خالف كتاب الله تعالى فهو زخرفٌ باطل، يستحيل أن يكون صادراً من النبي صلى الله عليه وآله، لأنه لا يقول مايخالف القرآن.. وكل حديث يخالف ماثبت عن عترته الذين هم مع القرآن، فهو باطلٌ أيضاً لأنهم مع القرآن دائماً، ولأنهم ورثة النبي صلى الله عليه وآله والمبينون علومه للأمة من بعده.

    تعليق


    • #92

      الأساس الثالث: وحدة شريعة المسلمين وثقافتهم

      وقد وردت مبادىَ هذا الأساس في فقرات متعددة من خطب حجة الوداع، ذكرنا منها أداء الأمانة وتشريعات الإرث والديات والحج.. ويوجد في الخطب الشريفة تشريعاتٌ أخرى أيضاً.

      ومن الواضح أن العامل الأساسي في وحدة ثقافة الأمة الإسلامية على اختلاف بلادها وقومياتها، هو وحدة عقيدتها وشريعتها.. وأن كل الدول والحضارات لم تستطع أن تحقق بين الشعوب التي شملتها ماحققه الإسلام من وحدة في التصور والسلوك، مازالت قائمة الى اليوم بين شعوبه، رغم كل العوامل المضادة!

      تعليق


      • #93

        الأساس الرابع: مبادىَ مسيرة الدولة والحكم بعد النبي صلى الله عليه وآله

        ـ مبدأ البشارة بالأئمة الإثني عشر من عترته.

        ـ مبدأ التأكيد على الثقلين: القرآن والعترة.

        ـ مبدأ إعلان علي ولياً للأمة من بعده، والإمام الأول من الإثني عشر.

        ـ مبدأ أداء الفرائض، وإطاعة ولاة الأمر.

        ـ مبدأ تخليد تعاهد قريش على حصار بني هاصم.

        ـ مبدأ تحذير قريش أن تطغى من بعده صلى الله عليه وآله.

        ـ مبدأ تحذيره الصحابة من الإرتداد والصراع على السلطة.

        وقد تقدم البحث في حديث الأئمة الإثني عشر، الذي شهدت رواياته بأنه صدر في خطب حجة الوداع.

        والعاقل لا يمكنه أن يقبل أن النبي صلى الله عليه وآله قد أخفى هوية هؤلاء الأئمة الإثني عشر المعينين من الله تعالى.. أو أنه طرح موضوعهم وهو يودع الأمة لمجرد إخبارها بوجودهم، كما تدعي قريش ورواتها!

        وأما المبدأ الثاني من هذا الأساس (التأكيد على الثقلين: القرآن والعترة) فقد روتها مصادرنا في خطبة الغدير، وفي خطبة مسجد الخيف أيضاً، وربما في غيرها من خطب حجة الوداع، كما تقدم في رواية تفسير علي بن ابراهيم.

        أما مصادر السنيين فقد روت بشكل واسع تأكيد النبي صلى الله عليه وآله على الثقلين القرآن والعترة في خطبة غدير خم فقط، وصححوا روايتها، وقد تقدم أن الطبري المعروف قد ألف كتاباً من مجلدين جمع فيه أحاديث الغدير وطرقها وأسانيدها.

        أما في بقية خطب حجة الوداع، فقد رواها من صحاحهم المعروفة الترمذي في سننه: 5 | 328 عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول:

        يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل


        بيتي. وفي الباب عن أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد. هذا حديث غريب حسن، من هذا الوجه. وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان، وغير واحد من أهل العلم. انتهى.

        ومن الملاحظ أن عدداً من المصادر السنية روت وصية النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع بالكتاب وحده، بدون العترة!

        ففي صحيح مسلم: 4|41 (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله) ومثله في أبي داود: 1|427، وسنن البيهقي: 5|8، ونحوه في ابن ماجة: 2|1025، وفي مجمع الزوائد: 3|265: بصيغة (أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله فاعملوا به).

        والمتتبع لأحاديث الباب يطمئن بأن الذي حصل هو إسقاط العترة من الرواية التي رواها هؤلاء، إما لنسيان الراوي، أو بسبب رقابة قريش على خطب نبيها صلى الله عليه وآله!

        والدليل على ذلك: أن نفس المصادر التي روت هذا الحديث ناقصاً في حجة الوداع، روته تاماً في غيرها، فيحمل الناقص على التام!

        فقد روى مسلم والبيهقي وابن ماجة والهيثمي بروايات متعددة، وصية النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن والعترة معاً، وتأكيداته المتكررة على ذلك..

        ـ ففي صحيح مسلم: 7|122:

        عن زيد بن أرقم (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال:

        أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:

        وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.




        فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟

        قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.

        قال: ومن هم؟

        قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس.

        قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟

        قال: نعم. انتهى.

        ورواه البيهقي في سننه 7|30 و 10|114.

        وفي مجمع الزوائد: 1|170: عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني تركت فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات). ورواه بنحوه: 9|162 وقال: رواه أحمد وإسناده جيد.

        وأما أبو داود فلم يرو حديثاً صريحاً في الثقلين، ولكنه عقد في سننه: 2|309 كتاباً باسم (كتاب المهدي) وروى فيه حديث الأئمة الإثني عشر وبشارة النبي صلى الله عليه وآله بالإمام المهدي وأنه من ذرية علي وفاطمة عليهما السلام، وروى عن النبي صلى الله عليه وآله قوله (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً). انتهى.

        والذي يؤكد ما ذكرناه من أن الوصية بالعترة حذفت من خطب حجة الوداع: أن الكلام النبوي الذي هو جوامع الكلم، له خصائص عديدة يتفرد بها.. ومن خصائصه أنه يستعمل تراكيب معينة لمعان معينة، لا يستعملها لغيرها، فهو بذلك يشبه القرآن. وتركيب (ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي) خاصٌّ لوصيته للأمة بالقرآن والعترة، لم يستعمله صلى الله عليه وآله في غيرهما أبداً.. كما أن تعبير: إني تارك فيكم الثقلين لم يستعمله في غيرهما أبداً.

        ولذلك عندما قال لهم في مرض وفاته: إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً.. فهمت قريش أنه يريد أن يلزم المسلمين بإطاعة الأئمة من عترته


        بشكل مكتوب، فرفضت ذلك بصراحةٍ ووقاحةٍ! وقد روى البخاري هذه الحادثة في ست أماكن من صحيحه!! وروت المصادر أن عمر افتخر في خلافته، بأنه بمساعدة قريش حال دون كتابة ذلك الكتاب!!

        وغرضنا هنا أن نلفت الى أن ورود هذا التركيب في أكثر رواياتهم لخطب حجة الوداع للقرآن وحده دون العترة، يخالف الأسلوب النبوي، وتعبيره المبتكر في الوصية بهما معاً.. خاصةً وأن الترمذي رواهما معاً!

        والنتيجة أن بشارة النبي صلى الله عليه وآله لأمته في حجة الوداع بالائمة الإثني عشر، ووصيته بالثقلين، وجعله عترته الطاهرين علياً وفاطمة والحسن والحسين عدلاً للقرآن في وجوب الإتباع، أمرٌ ثابتٌ في مصادر جميع المسلمين.. لا ينكره إلا من يريد أن يتعصب لقبيلة قريش، في مقابل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله.

        وأما المبدأ الثالث من هذا الأساس (إعلان علي ولياً للأمة من بعده) فهو صريح حديث الغدير، ولا يتسع موضوعنا لذكر أسانيده ونصوصه، ودلالتها على ذلك.. وقد تكفلت بذلك المصادر الحديثية والكلامية، ومن أقدمها كتاب (الولاية) للطبري السني، ومن أواخرها كتاب الغدير للعلامة الأميني.

        وأما المبدأ الرابع من هذا الأساس (تأكيده صلى الله عليه وآله على أداء الفرائض وإطاعة ولاة الأمر) فقد تقدم ذكره في فقرات الأساس الثاني، وقد اعترف الفخر الرازي وغيره في تفسير قوله تعالى (أطيعوا وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) بأن غير المعصوم لا يمكن أن يأمرنا الله تعالى بطاعته بدون شرط، لأنه يكون بذلك أمرَ بالمعصية! فلا بد أن يكون أولوا الأمر في الآية معصومين.. وكذلك الحديث النبوي الشريف في حجة الوداع، وغيرها.

        وأما المبدأ الخامس من هذا الأساس (تخليده صلى الله عليه وآله مكان تعاهد قريش على حصار بني هاشم) فقد رواه البخاري في صحيحه: 5|92 قال:




        عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله، الخيف، حيث تقاسموا على الكفر. انتهى.

        ورواه في: 4|246 و: 8|194 ورواه في: 2|158، بنص أوضح، فقال:

        عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى: نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر. يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم!!. انتهى.

        ورواه مسلم: 4|86، وأحمد: 2|322 و 237 و 263 و 353 و 540

        ورواه البيهقي في سننه: 5|160، بتفاوت وقال (أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث الأوزاعي) وقد رواه مسلم عن الأوزاعي، ولكن البخاري لم يروه عنه، بل عن أبي هريرة، ولم نجد في طريقه الأوزاعي، فهو اشتباهٌ من البيهقي، أو سقطٌ من نسخة البخاري التي بأيدينا.

        وفي رواية البيهقي عن الأوزاعي زيادة (أن لا يناكحوهم، ولا يكون بينهم شيء حتى يسلموا اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم).

        كما أن في رواياتهم تفاوتاً في وقت إعلان النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين عن مكان نزوله في منى، فرواية البخاري تذكر أنه أعلن ذلك في منى بعد عرفات، بينما تذكر رواية الطبراني أنه أعلن ذلك في مكة قبل توجهه الى الحج.. وهذا أقرب الى اهتمامه صلى الله عليه وآله بالموضوع، وحرصه على تركيزه في أذهان المسلمين، خاصةً أنه نزل في هذا المنزل، وبات فيه ليلة عرفات، وهو في طريقه اليها، وقد تقدم ذلك في رواية الدارمي، ثم نزل فيه طيلة أيام التشريق! قال في مجمع الزوائد: 3|250:

        عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل يوم التروية بيوم: منزلنا غداً إن شاء الله بالخيف الأيمن، حيث استقسم المشركون. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات. انتهى.


        والمسألة المهمة هنا: هي هدف الرسول أن يذكِّر قريشاً والمسلمين بحادثةٍ عظيمة وقعت فيهذا المكان، قبل نحو أربع عشرة سنة من ذلك اليوم فقط! هذه الحادثة التي تريد قريش أن تدفنها وأن ينساها الناس، ويريد الله ورسوله أن تخلد في ذاكرة المسلمين والتاريخ، وكلها عارٌ على قريش، وفخرٌ للنبي صلى الله عليه وآله وبني هاشم.. وهي صورةٌ عن جهود فراعنة قريش، حيث استطاعوا أن يحققو إجماع قبائلهم، ويقنعوا قبائل كنانة القريبة من الحرم بتنفيذ مقاطعة تامة على بني هاشم!!

        وقد نفذوها لسنين طويلة وضيقوا عليهم اقتصادياً واجتماعياً تضييقاً تاماً، حتى يتراجع محمد عن نبوته، أو يسلمه بنو هاشم الى قريش ليقتلوه!!

        وقد اعتبر الفراعنة يومذاك أنهم نجحوا نجاحاً كبيراً وحققوا إجماع قريش وكنانة على هذا الهدف الشيطاني، وكان مؤتمرهم لذلك في المحصب في خيف بني كنانة حيث تقاسموا باللات والعزى على هدفهم، وبدؤوا من اليوم الثاني بتنفيذه، واستمر حصارهم ومقاطتهم نحو أربع سنوات الى قبيل هجرته صلى الله عليه وآله من مكة!!

        وقد تضامن بنو هاشم مع النبي صلى الله عليه وآله مسلمهم وكافرهم وتحملوا سنوات الحصار والفقر والأذى والإهانة، في شعب أبي طالب، ولم يشاركهم في ذلك أحد من المسلمين.. حتى فرج الله عنهم بمعجزة!

        لقد أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يوعي المسلمين الجدد على تاريخ الإسلام، وتكاليف الوحي، ليعرفوا قيمته.. ويوعيهم على معدن الإسلام ومعدن الكفر ليعرفوهما!

        كما أراد أن يبعث بذلك رسالةً الى بقية الفراعنة، الذين مازالوا أحياء من زعماء قريش، بأنهم قد تحملوا وزر هذا الكفر والعار، ثم ارتكبوا بعده ما هو أعظم منه، ولم يتراجعوا إلا عندما جمعهم في فتح مكة تحت سيوف الأنصار وسيوف بني هاشم، فأعلنوا إسلامهم خوفاً من القتل.. وها هم اليوم يخططون لوراثة دولة الإسلام التي بناها الله تعالى ورسوله، وهم كارهون!!

        لقد أهلك الله تعالى عدداً قليلاً من أبطال ذلك الحلف الشيطاني، من سادة مؤتمر خيف المحصب، بالموت، وبسيف علي بن أبي طالب.. ولكن العديد مثل سهيل بن عمرو، وأبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية بن خلف، وحكيم بن حزام، وصهيب بن سنان، وأبا الأعور السلمي، وغيرهم من زعماء قريش وكنانة.. مازالو أحياءً ينظرون ، وكانوا حاضرين مع النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع يسمعون كلامه ويذكرون ماضيهم بالأمس القريب جيداً، ويتعجبون من عفوه عنهم واكتفائه بإقامة الحجة الدامغة عليهم!

        وكانت تصرفاتهم الظاهرة والخفية، ومنطق الأمور، وشهادة أهل البيت، ومجرى التاريخ.. تدل على فرحهم بأن النبي صلى الله عليه وآله يعلن قرب موته ورحيله عنهم، وأنهم يعدون العدة لما بعده لحصار بني هاشم الجديد!!

        فأراد النبي صلى الله عليه وآله أن يذكرهم بخطتهم في حصارهم القديم، وكيف أحبطه الله تعالى! وأنه سيحبط حصارهم الجديد أيضاً!!

        وأما المبدأ السابع من هذا الأساس (تحذيره قريشاً أن تطغى من بعده وتفسد) فقد ذكرته أحاديث مصادرنا، وذكرته رواية الهيثمي المتقدمة في مجمع الزوائد عن فهد بن البحيري، الذي استمع على مايبدو الى خطبة يوم عرفة ونقل عن النبي صلى الله عليه وآله قوله (يامعشر قريش لا تجيئوا بالدنيا تحملونها على رقابكم وتجئ الناس بالآخرة، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً) انتهى.

        ونشكر الله تعالى أن فهدا البحيري هذا كان بدوياً، ولم يكن قرشياً ولا كنانياً، وإلا لوضع هذه الرواية في رقبة بني هاشم، وأبعدها عن قريش، كما فعل الرواة القرشيون! فجعلونا نقرأ في مصادر إخواننا السنيين عشرات الأحاديث (الصحيحة ) في تحذير النبي صلى الله عليه وآله لبني هاشم وبني عبد المطلب وذمهم!! وعشرات الأحاديث في مدح قريش ووجوب أن تكون القيادة فيهم!! ولا تجد فيها حديثاً في ذم قريش إلا وقد أحبطوا معناه بحديث آخر، أو حولوه الى مدحٍ لقريش!!



        وحديث ابن البحيري في حجة الوداع تحذيرٌ نبويٌّ لقريش في محله تماماً.. لأن قريشاً ذات موقع مميزٍ في العرب.. وهي المتصدية لقيادة عرب الجزيرة في حياة النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده.. فالخطر على أهل بيته من قريش وحدها.. والتحريف الذي يخشى على الإسلام.. والظلم الذي يخشى على المسلمين إنما هو من قريش وحدها.. وبقية الناس تبعٌ لها!

        والنبي صلى الله عليه وآله إنما هو مبلغٌ عن ربه، ومقيمٌ لحجة ربه، وعليه أن يحذر وينذر، ليحيى من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.

        وأما المبدأ الثامن من هذا الأساس (تحذيره الصحابة من الإرتداد والصراع على السلطة) فقد روته مصادر الجميع بصيغتين: مباشرة، وغير مباشرة..

        أما غير المباشرة فهي قوله صلى الله عليه وآله (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) وقد تقدم في نصوص الخطب أن ابن ماجة عقد في سننه: 2|1300 باباً تحت هذا العنوان وقال فيه إن النبي صلى الله عليه وآله (استنصت الناس فقال... ويحكم أو ويلكم، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض... فلا تقتتلن بعدي).

        وهذا يعني أن ذلك سوف يقع منهم، وقد أخبرهم أنهم سيفعلون، ولكنه صلى الله عليه وآله استعمل كل بلاغته وكل عاطفته، وكل موجبات الخوف والحذر.. ليقيم الحجة عليهم لربه عز وجل، حتى إذا وافوه يوم القيامة لا يقولوا: لماذا لم تحذرنا!

        والذين يحذرهم من الإقتتال ليسوا إلا الصحابة لا غير .. لا غير.. لا اليهود ولا القبائل العربية، ولا حتى زعماء قريش بدون شركائهم من الصحابة..

        فالدولة الإسلامية كانت قائمة، وقد حققت مركزيتها على كل الجزيرة، والخوف من الإقتتال بعد النبي صلى الله عليه وآله ليس من القبائل التي خضعت للاسلام طوعاً أو كرهاً، مهما كانت كبيرةً وموحدةً مثل هوازن وعطفان.. فهي لا تستطيع أن تطمح الى قيادة هذه الدولة، وإن طمحت فلا حظَّ لها في النجاح، إلا بواسطة الصحابة..



        واليهود قد انكسروا وأجلى النبي صلى الله عليه وآله قسماً منهم من الجزيرة، ولم تبق لهم قوة عسكرية تذكر.. ومكائدهم وخططهم مهما كانت قويةً وخبيثةً، فلا حظَّ لها في النجاح إلا.. بواسطة الصحابة..

        وزعماء قريش، مع أنهم يملكون جمهور قبائل قريش، فهم لا يستطيعون أن يدعوا حقاً في قيادة الدولة بعد النبي صلى الله عليه وآله لأنهم كلهم طلقاؤه، يعني كان للنبي صلى الله عليه وآله الحق في أن يقتلهم ، أو يتخذهم عبيداً، فاتخذهم عبيداً وأطلقهم.. فلا طريق لهم للقيادة إلا بواسطة العدد الضئيل من الصحابة، من القرشيين المهاجرين..

        وبذلك يتضح أن تحذيره صلى الله عليه وآله من الصراع بعده على السلطة، ينحصر بالصحابة المهاجرين، ثم بالأنصار فقط.. وفقط !!

        وهنا يأتي دور التحذير المباشر، الذي لا ينقصه إلا الأسماء الصريحة.. وقد جاء هذا الإعلان النبوي على شكل لوحةٍ من الغيب، عن النتيجة والمصير الذي يمشي اليه هؤلاء الصحابة المنحرفون المحرِّفون!

        لوحةٌ أخبره بها جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى، يومَ يجعل الله محمداً صلى الله عليه وآله رئيس المحشر، ويعطيه جبرئيل لواء الحمد، فيدفعه النبي الى علي بن أبي طالب، فهو حامل لوائه في الدنيا والآخرة، ويكون جميع أهل المحشر تحت قيادة محمد صلى الله عليه وآله.. ويفتخر به آدم عليه السلام، حتى يدعى أبا محمد.. صلى الله عليه وآله.

        ويعطي الله تعالى رسوله الشفاعة وحوض الكوثر، فيفد عليه الوافدون من الأمم فيشفع لهم ويعطيهم بطاقة للشرب من حوض الكوثر، ليتغير بذلك الكأس تركيبهم الفيزيائي، وتصلح أجسادهم لدخول الجنة، والخلود في نعيمها..

        وعندما يفد عليه أصحابه تحدث المفاجأة:

        يأتي النداء الإلهي بمنع النبي صلى الله عليه وآله من الشفاعة لهم، ومنعهم من ورود الحوض، ويؤمر ملائكة العذاب بأخذهم الى جهنم !!

        هذا هو مستقبل هؤلاء الصحابة على لسان أصدق الخلق!!



        إنه صورةٌ رهيبةٌ، جاء بها جبرئيل الأمين، لكي يبلغها النبي صلى الله عليه وآله الى الأمة في حجة الوداع!!

        إنها أعظم كارثةٍ على صحابةِ أعظم رسول صلى الله عليه وآله .. ولا بد أن سببها أنهم سوف يوقعون في أمته من بعده أعظم... كارثة!!

        ولا ينجو من هؤلاء الصحابة إلا مثل (همل النعم) كما في روايات محبيهم الصحيحة بأشد شروط الصحة.. وهو تعبيرٌ نبويٌّ عجيب، لأن همل النعم هي الغنم أو الإبل الفالتة من القطيع، الخارجة على راعيه! وهو يدل على أن قطيع الصحابة في النار، وهملهم الذي يفلت منهم، يفلت من النار الى الجنة!!

        بل ذكر النبي صلى الله عليه وآله أن الصحابة الجهنميين زمرتان، مما يدل على أنهم خطان من صحابته لاخطٌ واحد، وتقدم قول الحاكم عن حديثه: صحيحٌ على شرط الشيخين، وفيه (ثم أقبلت زمرةٌ أخرى ، ففعل بهم كذلك، فلم يفلت إلا كمثل النعم!!)

        إنها مسألةٌ مذهلةٌ.. صعبةُ التصور والتصديق، خاصةً على المسلم الذي تربى على حب كل الصحابة، وخير القرون، والجيل الفريد، وحديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.. وعلى الصور واللوحات الرائعة للصحابة، التي كبر معها وكبرت معه.. فإذا به يفاجأ بهذه الصورة الشيطانية المخيفة عنهم!!

        لو كان المتكلم عن الصحابة غير الرسول صلى الله عليه وآله لقالوا عنه إنه عدوٌّ للإسلام ولرسوله يريد أن يكيد للإسلام عن طريق الطعن في صحابة الرسول.. صلى الله عليه وآله.

        ولكن المتكلم هو.. الرسول صلى الله عليه وآله.. بعينه.. بنفسه.. وكلامه ليس اجتهاداً منه ولا رأياً رآه، حتى تقول قريش إنه يتكلم في الرضا والغضب، وكلامه في الغضب ليس حجة.. بل هو وحيٌ نزل عليه من رب العالمين!!

        إنها حقيقةٌ مرةٌ.. ولكن هل يجب أن تكون الحقيقة دائماً حلوةً كما نشتهي.. وأن يكون الحق دائماً مفصلاً على مزاجنا، مطابقاً لموروثاتنا؟!

        وماذا نصنع إذا كانت أحاديث الصحابة المطرودين، المرفوضين، الممنوعين من

        ورود الحوض مستفيضةٌ في الصحاح، وهي في غير الصحاح أكثر.. وهي تصرح بأنه لاينجو منهم إلا مثل الهمل!!

        ـ قال الجوهري في الصحاح: 5|1854

        والهمل بالتحريك: الإبل التي ترعى بلا راع، مثل النفش ، إلا أن النفش لا يكون إلا ليلاً، والهمل يكون ليلاً ونهاراً. يقال: إبلٌ هملٌ وهاملة وهمال وهوامل.

        وتركتها هملاً أي سدى، إذا أرسلتها ترعى ليلاً ونهاراً بلا راع.

        وفي المثل: اختلط المرعي بالهمل. والمرعي الذي له راع. انتهى.

        ولكن السؤال هو: لماذا طرح الرسول صلى الله عليه وآله موضوعهم في حجة الوداع؟!

        الجواب: لأن الله تعالى أمره بذلك، فهو لا ينطق عن الهوى، ولا علم له من نفسه بما سيفعله أصحابه من بعده، ولا بما سيجري له معهم يوم القيامة!!

        والسؤال الآخر: وماذا فعل الصحابة بعد الرسول؟ هل كفروا وارتدوا كما يقول الحديث؟ هل حرفوا الدين؟ هل اقتتلوا على السلطة والحكم؟!

        والجواب: إقبل ما يقوله لك نبيك صلى الله عليه وآله، واسكت، ولا تصر رافضياً!

        والسؤال الآخر: لماذا اختار الله تعالى هذا الأسلوب في التحذير، ولم يهلك هؤلاء الصحابة، الذين سينحرفون، أو يأمر رسوله بقتلهم، أو يكشفهم للمسلمين ليحذروهم!

        والجواب: هذه سياسته سبحانه وتعالى في إقامة الحجة كاملة على العباد، وترك الحرية لهم.. ليحيى من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.. ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون.. فهو سبحانه مالكهم له حق سؤالهم، وهو لا يفعل الخطأ حتى يحاسب عليه.. وهو أعلم، وغير الأعلم لا يمكنه أن يحاسب الأعلم ويسأله!

        والسؤال الآخر: ماذا كان وقع ذلك على الصحابة والمسلمين؟! ألم يهرعوا الى الرسول صلى الله عليه وآله ليحدد لهم الطريق أكثر، ويعين لهم من يتبعونه بعده، حتى لا يضلهم هؤلاء الصحابة الخطرون؟!




        والجواب: لقد عين لهم الثقلين من بعده: كتاب الله وعترته، وبشرهم باثني عشر إماماً يكونون منهم بعده..

        وقبل حجة الوداع وبعدها ، طالما حدد النبي صلى الله عليه وآله لهم عترته وأهل بيته بأسمائهم: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، حتى أن الأحاديث الصحاح تقول إنه حددهم حسياً فأدار عليهم كساءً يمانياً، وقال للمسلمين: هؤلاء عترتي أهل بيتي!!

        ولم يكتف بذلك حتى أوقف المسلمين في رمضاء الجحفة بغدير خم، وأخذ بيد علي عليه السلام وبلغ الأمة إمامته من بعده، ونصب له خيمةً، وأمر المسلمين أن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين، ويباركوا له ولايته عليهم التي أمر بها الله تعالى.. فهنؤوه جميعاً وباركوا له، وأمر النبي صلى الله عليه وآله نساءه وكن معه في حجة الوداع، أن يهنئن علياً فجئن الى باب خيمته وهنأنه وباركن له.. معلناتٍ رضاهن بولايته على الأمة.

        ثم أراد صلى الله عليه وآله في مرض وفاته أن يؤكد الحجة على الأمة بوثيقةٍ مكتوبة، فطلب منهم أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً.. ولكنهم رفضوا ذلك بشدة! وقالوا له: شكراً أيها الرسول، لقد قررنا أن نضل، عالمين عامدين مختارين!! لأنا لانريد أن تكتب لنا أطيعوا بعدي عترتي علياً، ثم حسناً، ثم حسيناً، ثم تسعة من ذرية الحسين!

        فهل تريد من نبيك صلى الله عليه وآله أن يقيم الحجة أكثر من هذا؟!

        تعليق


        • #94

          الأساس الخامس: عقوبة المخالفين للوصية النبوية بأهل بيته عليهم السلام

          وهي عقوبةٌ أخروية، تتناسب مع مسؤولية النبي صلى الله عليه وآله في التبليغ، والشهادة على الأمة.. وقد جاءت شديدةً قاطعة، بصيغة قرارٍ من الله تعالى بلعن المخالفين لرسوله صلى الله عليه وآله في أهل بيته، وطردهم من الرحمة الإلهية، وحكماً بعدم قبول توبتهم نهائياً واستحقاقهم العذاب في النار .

          وربما يزيد من شدتها، أنها كانت آخر فقرة من خطبته صلى الله عليه وآله!!




          وقد تقدم نص هذه اللعنة النبوية في رواية تحف العقول من مصادرنا، وقد نصت مصادر السنيين على أنها صدرت من النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع.

          ـ ففي سنن ابن ماجة: 2|905

          عن عمرو بن خارجة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وهو على راحلته، وإن راحلته لتقصع بجرتها، وإن لغامها ليسيل بين كتفي، قال... ومن ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ. أو قال: عدلٌ ولا صرفٌ.

          ـ وفي سنن الترمذي: 3|293

          عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع.... ومن ادعى الى غير أبيه، أو انتمى الى غير مواليه، فعليه لعنة الله التابعة الى يوم القيامة.

          ـ وفي مسند أحمد: 4|239

          عن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى على راحلته، وإني لتحت جران ناقته، وهي تقصع بجرتها، ولعابها يسيل بين كتفي، فقال: ألا ومن ادعى الى غير مواليه رغبةً عنهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ورواه أحمد: 4|187 بلفظ: ألا ومن ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً أو عدلاً ولا صرفاً. انتهى. ورواه بعدة روايات في نفس الصفحة والتي قبلها، وفي ص 238 و 186، ورواه الدارمي في سننه: 2|244 و344، ومجمع الزوائد: 5|14، عن أبي مسعود، ورواه البخاري في صحيحه: 2|221، و: 4|67

          ولعلك تسأل: ماعلاقة هذه اللعنة المشددة المذكورة في خطب حجة الوداع وغيرها بوصية النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته؟! فهي تنصب على الذي ينكر نسبه من أبيه وينسب نفسه الى شخص آخر، وعلى العبد الذي ينكر مالكه ويدعي أنه عبد

          لشخص آخر، أو ينكر ولاءه وسيده الذي أعتقه، ويدعي أن ولاءه لشخص آخر!

          فهذا هو معنى (من ادعى لغير أبيه أو تولى غير مواليه) !

          والجواب: أن مقصود النبي صلى الله عليه وآله بالأبوة في هذه الأحاديث الشريفة: أبوته هو المعنوية للأمة، وبالولاء: ولايته وولاية أهل بيته عليها، وليس مراده الأبوة النسبية وولاء المالك لعبده !

          والدليل على ذلك: لو أن ولداً هرب من أبيه، وسجل نفسه باسم والدٍ آخر، ثم تاب من فعلته وصحح هويته، واستغفر الله تعالى.. فإن الفقهاء جميعاً يفتون بأن توبته تقبل !

          ولو أن عبداً مملوكاً هرب من سيده ولجأ الى شخص، وادعى أنه سيده، وبعد مدة رجع الى سيده واستغفر الله تعالى.. فإن الفقهاء يفتون بأن توبته تقبل.

          بينما الشخص الملعون في كلام النبي صلى الله عليه وآله مصبوبٌ عليه الغضب الإلهي الى الأبد! (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً). والصرف هو التوبة ، والعدل الفدية، وقد فسرتهما الأحاديث الشريفة بذلك.

          فهذه العقوبة الإلهية المذكورة في خطب حجة الوداع، إنما تصح لحالات الخيانة العظمى، مثل الإرتداد وشبهه، ولا يعقل أن تكون لولدٍ جاهلٍ يدعو نفسه لغير أبيه، أو لعبدٍ مملوكٍ أو مظلومٍ يدعو نفسه لغير سيده!

          ويؤيد ذلك أن بعض رواياتها صرحت بكفر من يفعل ذلك، وخروجه من الإسلام! كما في سنن البيهقي: 8|26، ومجمع الزوائد: 1|97، وكنز العمال: 5|872. وفي كنز العمال: 10 | 324 (من تولى غير مواليه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. أحمد عن جابر).

          ـ وفي|326 (من تولى غير مواليه فليتبوأ بيتاً في النار. ابن جرير عن عائشة)

          ـ وفي|327 (من تولى غير مواليه فقد كفر. ابن جرير عن أنس).

          ـ وفي: 16|255 (ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على رسوله. ش)



          ولا نحتاج الى تتبع هذه الأحاديث في مصادرها وأسانيدها، لأنها مؤيداتٌ لحكم العقل القطعي بأن مقصوده صلى الله عليه وآله لا يمكن أن يكون الأب النسبي، ومالك العبد.

          ويؤيد ذلك أيضاً: أن بعض رواياته كالتي مرت آنفاً وغيرها من روايات أحمد، ليس فيها ذكر للولد والوالد، بل اقتصرت على ذكر العبد الذي هو أقل جرماً من الولد ومع ذلك زادت العقوبة واللعنة عليه، ولم تخففها!

          ويؤيد ذلك أيضاً: أن هذه اللعنة وردت في بعض روايات الخطب الشريفة، بعد ذكر ماميز به الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام من مالية خاصة هي الخمس، وحرم عليهم الصدقات والزكوات !

          ـ ففي مسند أحمد: 4|186

          خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته فقال: ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، وأخذ وبرةً من كاهل ناقته، فقال: ولا ما يساوي هذه، أو ما يزن هذه. لعن الله من ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه. انتهى.

          ورواه في كنز العمال: 5 | 293، وفي كنز العمال: 10|235 (ومن تولى غير مواليه، فليتبوأ بيتاً في النار . ابن عساكر عن عائشة) انتهى.

          أما في مصادر أهل البيت عليهم السلام فالحديث ثابتٌ عنه صلى الله عليه وآله في خطب حجة الوداع في المناسك.. وهو أيضاً جزءٌ من حديث الغدير..

          ـ ففي بحار الأنوار: 37|123

          عن أمالي المفيد، عن علي بن أحمد القلانسي، عن عبدالله بن محمد، عن عبد الرحمان بن صالح، عن موسى بن عمران، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن زيد بن أرقم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم يقول: إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، لعن الله من ادعى الى غير أبيه، لعن من تولى الى غير مواليه، الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر، وليس لوارث وصية.



          ألا وقد سمعتم مني، ورأيتموني.. ألا من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.

          ألا وإني فرطكم على الحوض ومكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة، فلا تسودوا وجهي.

          ألا لأستنقذن رجالاً من النار، وليستنقذن من يدي أقوامٌ.

          إن الله مولاي، وأنا مولى كل مؤمن ومؤمنة.

          ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه. انتهى.

          وروى نحوه في|186، عن بشارة الإسلام .

          ـ وقال ابن البطريق الشيعي في كتابه العمدة|344

          وأما الأخبار التي تكررت من الصحاح من قول النبى صلى الله عليه وآله: لعن الله من انتمى الى غير أبيه، أو توالى غير مواليه، فهي من أدل على الحث على اتباع أمير المؤمنين عليه السلام والأمر بولائه دون غيره، يريد بقوله: من تولى غير مواليه يعني نفسه صلى الله عليه وآله وعلياً عليه السلام بعده، بدليل ماتقدم من الصحاح من غير طريق، في فصل مفرد مستوفى، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم قال مؤكداً لذلك: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

          فمن كان النبى صلى الله عليه وآله مولاه فعلي مولاه، ومن كان مؤمناً فعلي مولاه أيضاً، بدليل ماتقدم من قول عمر بن الخطاب لعلي لما قال له النبي صلّى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال له عمر: بخٍ بخٍ لك يا علي، أصبحت مولى كل مؤمن و مؤمنة. وفي رواية: مولاي ومولى كل مؤمنة ومؤمن.

          وهذه منزلة لم تكن إلا لله سبحانه وتعالى، ثم جعلها الله لرسوله صلى الله عليه وآله ولعلي عليه السلام بدليل قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون...

          وقوله صلى الله عليه وآله: من انتمى الى غير أبيه فالمراد به: من انتمى الى غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الولاء، مأخوذٌ من قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فعلى عاق والديه لعنة الله. انتهى.



          كما ورد في مصادر الفريقين أن هذا الحديث جزءٌ مما كان مكتوباً في صحيفة صغيرة معلقة في ذؤابة سيف النبي صلى الله عليه وآله الذي ورَّثه لعلي عليه السلام.. فقد رواه البخاري في صحيحه: 4|67، ومسلم: 4|115، و 216، بعدة روايات، والترمذي: 3|297.. ورواه غيرهم أيضاً، وأكثروا من روايته، لأن الراوي ادعى فيه على لسان علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله لم يورث أهل بيته شيئاً من العلم، إلا القرآن وتلك الصحيفة المعلقة في ذؤابة السيف!!

          وقد وجدنا أن النبي صلى الله عليه وآله أطلق هذه اللعنة في مناسبة رابعة، عندما كثر طلقاء قريش في المدينة، وتصاعد عملهم مع المنافقين ضد أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وقالوا: (إنما مثل محمد في بني هاشم كمثل نخلة نبتت في كبا، أي مزبلة) فبلغ ذلك النبي فغضب، وأمر علياً أن يصعد المنبر ويجيبهم!!

          ـ فقد روى في بحار الأنوار: 38|204

          عن أمالي المفيد، عن محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن موسى بن يوسف القطان، عن محمد بن سليمان المقري، عن عبد الصمد بن علي النوفلي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأصبغ بن نباتة قال:

          لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، غدونا نفر من أصحابنا أنا والحارث وسويد بن غفلة، وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي فقال: يقول لكم أميرالمؤمنين: انصرفوا الى منازلكم، فانصرف القوم غيري فاشتد البكاء من منزله فبكيت، وخرج الحسن وقال: ألم أقل لكم: انصرفوا؟ فقلت: لا والله ياابن رسول الله لا تتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين عليه السلام.

          قال: فبكيت، ودخل فلم يلبث أن خرج فقال لي: أدخل، فدخلت على أميرالمؤمنين عليه السلام فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفر وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة؟ فأكببت عليه فقبلته وبكيت.



          فقال لي: لا تبك يا أصبغ ، فإنها والله الجنة.

          فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله أنك تصير الى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين. جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله، فإني أراك لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً، قال:

          نعم يا أصبغ: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً فقال لي: ياعلي انطلق حتى تأتي مسجدي، ثم تصعد منبري، ثم تدعو الناس إليك، فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتصلي عليَّ صلاةً كثيرة، ثم تقول:

          أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى الى غير أبيه أو ادعى الى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

          فأتيت مسجده وصعدت منبره ، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه، وصليت على رسول الله صلى الله عليه وآله صلاةً كثيرةً، ثم قلت:

          أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي، على من انتمى الى غير أبيه، أو ادعى الى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

          قال: فلم يتكلم أحدٌ من القوم إلا عمر بن الخطاب، فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن، ولكنك جئت بكلامٍ غير مفسر، فقلت: أُبْلِغُ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله.

          فرجعت الى النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته الخبر، فقال : إرجع الى مسجدي حتى تصعد منبري، فاحمد الله وأثن عليه وصل علي، ثم قل :

          أيها الناس، ما كنا لنجيئكم بشيء إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم ألا وإني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم. انتهى.

          وقد وجدنا لهذا الحديث مناسبة خامسة أيضاً، فقد روى فرات بن ابراهيم الكوفي في تفسيره|392 قال: حدثنا عبد السلام بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسى بن

          أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحكم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين : أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث، واحتج به على الناس.

          قالت: نعم، أخبرني أبي أن النبي صلى الله عليه وآله كان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين عرضوا أن يفرضوا لرسول الله صلى الله عليه وآله فريضة يستعين بها على من أتاه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النوائب، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك.

          قال: فأطرق النبي صلى الله عليه وآله طويلاً ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئاً، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشئ، وإن أمرت به أعلمتكم.

          قال: فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يامحمد إن ربك قد سمع مقالة قومك وما عرضوا عليك، وقد أنزل الله عليهم فريضة: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى.

          قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء، وتخضع الرقاب مادامت السماوات والأرض لبني عبد الطلب.

          قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله الى علي بن أبي طالب أن اصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل : أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار، ومن ادعى الى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار.

          قال: فقام رجلٌ وقال: يا أبا الحسن ما لهن من تأويل؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره، فقال رسول الله: ويلٌ لقريشٍ من تأويلهن، ثلاث مرات! ثم قال: يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين. انتهى.

          تعليق


          • #95


            البحث الرابع
            حاجة الأنبياء عليهم السلام في تبليغ رسالاتهم الى حماية الناس

            ارتكب المنظرون للخلافة القرشية من المحدثين والمفسرين، خطأين أساسيين في تفسير آية التبليغ ، فشوهوا بذلك معناها:

            الخطأ الأول، في مفهوم تبليغ الأنبياء عليهم السلام ومنهم نبينا صلى الله عليه وآله.

            والخطأ الثاني، محاولتهم إخفاء واقع قريش بعد الفتح ، وإبعاد الآية عنها، وأن يصوروا للمسلمين أن قريشاً المشركة منجم الفراعنة وأتباعهم، قد تحولت بين عشية وضحاها، الى قبيلة مسلمةٍ مؤمنةٍ تقيةٍ، تقود الناس بالإسلام والهدى!


            معنى التبليغ في القرآن

            مفهوم التبليغ في القرآن مفهومٌ بسيط، فتبليغ الرسل يعني بيانهم الرسالة الإلهية للناس.. ثم الناس بعد ذلك مختارون في أن يقبلوا، أو يتولوا، وحسابهم على الله تعالى، وليس على أنبيائه!

            ومن هذا الأساس العميق تتفرع عدة مبادئ:


            أولاً:

            أن النبي يحتاج الى ضمان حرية التعبير عن الرأي، لكي يتمكن من إيصال رسالة ربه الى العباد وإبلاغهم إياها. وقد كان ذلك مطلب الأنبياء عليهم السلام الأول من أممهم.

            تعليق


            • #96
              مهمة نبينا صلى الله عليه وآله في التبليغ

              والذي يتصل بموضوعنا مباشرةً هو تبليغ نبينا محمد صلى الله عليه وآله فقد قال تعالى عن مهمته ومسؤوليته: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين. المائدة ـ 92



              قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم. وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين. النور ـ 54

              فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد. آل عمران ـ 20

              فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ. الشورى ـ 48

              فقد أرسل الله نبينا صلى الله عليه وآله على أساس نظام الرسالة والتبليغ الإلهي، الذي أرسل به جميع الأنبياء عليهم السلام وهو قاعدة: إقامة الحجة وإتمامها على الناس، وعدم إجبارهم على العمل. وهذا هو معنى (فإنما عليك البلاغ) فقط، وفقط!

              وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وآله: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم.

              فالإجبار الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله هو إجبار أهل الكتاب على التعايش مع المسلمين ، وليس على الدخول في الإسلام، وإجبار المشركين الوثنيين على الدخول في الإطار العام للإسلام.. وما عداه متروكٌ للأمة، داخل هذا الإطار، يطيع منها من يطيع، ويعصي من يعصي، ويهتدي منها من يهتدي، ويضل من يضل.. والمحاسب هو الله تعالى .

              ومن الطبيعي إذن، أن تحتاج مهمة التبليغ الى حماية للنبي صلى الله عليه وآله حتى يؤديها وإلا فإن قبائل قريش الذين يدركون خطر دعوته على نفوذهم وآلهتهم، سرعان ما يدبرون قتله، أو تشويه سمعته وعزله، وحجب الناس عن سماع صوته.

              ورغم أن الألطاف الإلهية على أنبيائه عليهم السلام كثيرة ومتنوعة، وما خفي عنا منها أعظم مما عرفناه، أو ما يمكن أن يبلغه فهمنا.. لكن سنته سبحانه في الرسل أن يترك حمايتهم للأسباب (الطبيعية ) مضافاً الى تلك الألطاف.

              ولا يوجد دليلٌ واحدٌ على ما ذكروه من ضمان الله تعالى عصمة نبيه صلى الله عليه وآله من الجرح والقتل، وأنواع الأذى التي قد يتعرض لها.. وقد تقدمت النصوص الدالة على استمرار حراسته صلى الله عليه وآله الى آخر حياته، ونضيف هنا ما رواه الجميع من أنه صلى الله عليه وآله كان يطلب من قبائل العرب تأمين هذه الحماية حتى يبلغ رسالة ربه.



              ـ ففي سيرة ابن هشام: 2|23 عن ربيعة بن عباد، قال:

              إني لغلامٌ شاب مع أبي بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب فيقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به. انتهى. ورواه الطبري في تاريخه: 2|83، وابن كثير في سيرته: 2|155

              ـ وقال اليعقوبي في تاريخه: 2|35:

              وكان رسول الله يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم شريف كل قوم، لايسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول: لا أكره أحداً منكم، إنما أريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل، حتى أبلغ رسالات ربي، فلم يقبله أحد، وكانوا يقولون: قوم الرجل أعلم به! انتهى.

              كذلك نصت المصادر على أنه صلى الله عليه وآله طلب البيعة من الانصار، على حمايته وحماية أهل بيته مما يحمون أنفسهم وأهليهم.. ففي سيرة ابن هشام: 2|38: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا الى الله، ورغب في الإسلام ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. قال فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق نبيا لنمعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر.

              ـ ورواه في تاريخ الطبري : 2|92، وأسد الغابة: 1|174، وعيون الأثر: 1|217، وسيرة ابن كثير: 2|198، ورواه أحمد: 3|461، وقال عنه في مجمع الزوائد: 6|44: رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن اسحق وقد صرح بالسماع. ورواه في كنز العمال: 1|328، و 8|29


              ***



              الى هنا يتسق الموضوع.. فقد طلب النبي صلى الله عليه وآله الحماية لتبليغ رسالة ربه على سنة الله تعالى في من مضى من الأنبياء عليهم السلام وحصل عليها من الأنصار ، ونصره الله تعالى وهزم أعداءه من المشركين واليهود، وشملت دولته شبه الجزيرة العربية واليمن والبحرين وساحل الخليج، وامتدت الى أطراف الشام، وصار جيش الإسلام يهدد الروم في الشام وفلسطين.. وها هو صلى الله عليه وآله في السنة العاشرة يودع المسلمين في حجة الوداع، ويتلقى سورة المائدة ويتلقى فيها آية تأمره بالتبليغ وتطمئنه بالعصمة من الناس!!

              فما عدا مما بدا، حتى نزل الأمر بالتبليغ في آخر التبليغ ، وصار النبي صلى الله عليه وآله الآن وهو قائد الدولة القوية، بحاجة الى حماية وعصمة من الناس!!

              إن الباحث ملزمٌ هنا أن يستبعد حاجة النبي صلى الله عليه وآله الى الحماية المادية، لأن الله تعالى أراد أن تجري بالأسباب الطبيعية، ووفرها على أحسن وجه.. فلا بد أن تكون العصمة في الآية من نوع الحماية المعنوية.

              والباحث ملزمٌ ثانياً، أن يفسر الأمر بالتبليغ في الآية بأنه تبليغُ موضوعٍ ثقيلٍ على الناس .. وأن يفسر الناس الذين يثقل عليهم ذلك بالمنافقين من المسلمين، لأنه لم يبق أمرٌ ثقيلٌ على الكفار إلا وبلغه لهم، كما أنه لم يبلغهم أمراً بارزاً بعد نزول الآية.

              وبهذا لا يبقى معنى للعصمة النازلة من عند الله تعالى، إلا العصمة من الطعن في نبوته، إذا بلغهم أن الحكم من بعده في أهل بيته صلى الله عليه وآله.

              فبذلك فقط يتسق معنى الآية ويكون معناها:

              يأيها الرسول: إنما أنت رسول مبلغ، ولست مسؤولاً عن النتيجة وما يحدث، بل هو من اختصاص ربك تعالى .

              بلغ ما أنزل اليك من ربك: وأمرك به جبرئيل في علي، وحاولت تبليغه مرات في حجة الوداع، فشوش المنافقون عليك.


              وإن لم تفعل فما بلغت رسالته: ولم تكمل إقامة الحجة لربك، لأن ولاية عترتك ليست أمراً شخصياً يخصك، وإن ظنه المنافقون كذلك، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من هذه الرسالة الخاتمة الموحدة، وإذا انتفى الجزء انتفى الكل.

              والله يعصمك من الناس: من طعن قريش بنبوتك بسبب هذا التبليغ ، وإن كان ثقيلاً عليها.. فسوف يمنعها الله أن ترفض نبوتك بسببه.. وسوف تمر المسألة بسلام ولا يكون تشويش عليك في التبليغ ولا ردة.. وبذلك تكون بلغت عن ربك، وأتممت له الحجة على أمتك.. ولكن علياً سوف يحتاج الى قتالها على تأويل القرآن كما قاتلتها أنت على تنزيله!

              إن الله لا يهدي القوم الكافرين: الذين يظلمون عترتك من بعدك، ويظلمون الأمة بذلك، ويبدلون نعمة الله كفراً، ويحلون الأمة دار البوار!

              تعليق


              • #97
                قريش هي السبب في حاجة نبينا صلى الله عليه وآله الى عصمة إضافية

                تدل الآية الكريمة والنصوص العديدة على أن تبليغ النبي صلى الله عليه وآله لرسالة ربه في عترته عليهم السلام كان من شأنه أن يحدث زلزلة في الأمة وتهديداً لنبوته صلى الله عليه وآله !

                فما هو السبب، وما هي الظروف التي كانت قائمة؟ !

                إن مصدر الخطر على ترتيب النبي صلى الله عليه وآله لأمر الخلافة من بعده، كان محصوراً في قريش وحدها.. فلا قبائل العرب غير قريش، ولا اليهود، ولا النصارى.. يستطيعون التدخل في هذا الموضوع الداخلي وإعطاء الرأي فيه، فضلاً عن عرقلة تبليغه أو تنفيذه!

                والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله كان آيساً من إمكانية تنفيذ هذا الموضوع، بدليل أنه كان يخشى ظهور الردة من مجرد تبليغه بشكل صريح ورسمي!!

                والسبب في ذلك طبيعة قريش وتركيبتها القبلية!


                قريش منجم الفراعنة

                زعماء قريش الذين واجهوا النبي صلى الله عليه وآله ـ إذا صحت أنسابهم الى إسماعيل عليه السلام ـ فإنهم يكونون ذرية إسماعيل الفاسدة، وقد جمعوا بين صفات اليهود المعقدة من أبناء عمهم إسحاق، وبين غطرسة رؤساء القبائل الصحراوية الخشنة!

                تعليق


                • #98
                  وقريش، باستثناء بني هاشم والقليل القليل من غيرهم، منجماً للتكبر! فقد حكم الله سبحانه على زعمائها بأنهم فراعنة تماماً، بالجمع لا بالمفرد، فقال تعالى: إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهدا عليكم كما أرسلنا الى فرعون رسولا. فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلا. المزمل ـ 15 ـ 16

                  وقال رسول الله صلى الله عليه وآله عن عدد منهم لما وقف على قتلى بدر:

                  جزاكم الله من عصابة شراً! لقد كذبتموني صادقاً وخونتموني أميناً.

                  ثم التفت الى أبي جهل بن هشام، فقال: إن هذا أعتى على الله من فرعون! إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحِّدَ الله، وهذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى!!

                  (حلية الأبرار: 1|127، أمالي الطوسي: 1|316، وعنه البحار: 19|272 ح 11 وكذا في مجمع الزوائد: 6|91).

                  ـ وروى ابن هشام في: 1|207 قول أبي جهل:

                  تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبيٌّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه! والله لا نؤمن به أبداً، ولا نصدقه! انتهى. ورواه في عيون الأثر: 1|146، وابن كثير في سيرته: 1|506.

                  ـ وفي تفسير القمي: 1|276

                  قال رسول الله صلى الله عليه وآله لقريش: إن الله بعثني أن أقتل جميع ملوك الدنيا وأجرَّ الملك اليكم، فأجيبوني الى ما أدعوكم اليه تملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، وتكونوا ملوكاً في الجنة. فقال أبو جهل: اللهم إن كان هذا الذي يقوله محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب أليم، حسداً لرسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: كنا وبنو هاشم كفرسي رهان، نحمل إذا حملوا، ونطعن إذا طعنوا، ونوقد إذا أوقدوا، فلما استوى بنا وبهم الركب، قال قائل منهم: منا نبي! لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم، ولا يكون في بني مخزوم!!

                  تعليق


                  • #99
                    ـ وقال الأبشيهي في المستطرف: 1|58

                    قال معاوية لرجل من اليمن: ما كان أجهل قومك حين ملكوا عليهم أمرأة! فقال: أجهلُ من قومي قومك الذين قالوا حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إن كان هذا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، ولم يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فاهدنا اليه.

                    ـ وقال البياضي في الصراط المستقيم: 3|49

                    قال معاوية: فضل الله قريشاً بثلاث: وأنذر عشيرتك الأقربين، ونحن الأقربون. وإنه لذكرٌ لك ولقومك، ونحن قومه. لإيلاف قريش، ونحن قريش.

                    فقال رجلٌ أنصاري: على رسلك يامعاوية، قال الله: وكذب به قومك، وأنت من قومه. إذا قومك عنه يصدون، وأنت من قومه. إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا، وأنت من قومه!! فهذه ثلاثٌ بثلاث، ولو زدتنا لزدناك!! فأفهمه. انتهى.

                    وفرعون وقومه عندما أخذهم الله بالسنين، طلبوا من موسى عليه السلام أن يدعو لهم ربه.. ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا ربه على قريش فأخذهم الله بالسنين، وأصيبوا بالفقر والقحط، حتى أكلوا العلهز.. وما استكانوا لربهم وما يتضرعون!!

                    ـ قال الحاكم في المستدرك: 2|394

                    عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، قد أكلنا العلهز! يعني الوبر والدم، فأنزل الله عز وجل: ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. انتهى.

                    ولكن أتباع الخلافة الأموية لا يعجبهم هذا الحديث، ولا يفسرون به الآية، ويقولون إن القرشيين خضعوا لربهم وتضرعوا، ودعا لهم الرسول صلى الله عليه وآله!! فانظرالى ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية: 6|101.


                    لما دعا على قريش حين استعصت أن يسلط الله عليها سبعاً كسبع يوسف، فأصابتهم سنة حصدت كل شيء، حتى أكلوا العظام والكلاب والعلهز. ثم أتى أبو سفيان يشفع عنده في أن يدعو الله لهم، فدعا لهم فرفع ذلك عنهم!!. انتهى.

                    ومشكلة ابن كثير أنه يحب رائحة أبي سفيان، وإلا فهو مؤلفٌ في السيرة، يعرف أن مجىَ أبي سفيان كان بعد أن أشفق النبي صلى الله عليه وآله على حالة قريش، وأرسل اليهم بأحمال من المواد الغذائية وبعض الأموال، لعلهم يستكينوا لله تعالى ويؤمنوا به وبرسوله، فاغتنموا لفتة القلب النبوي الرحيم، وبعثوا أبا سفيان بمشروع (صلح) مع النبي صلى الله عليه وآله من نوع مشاريع السلام الإسرائيلية في عصرنا، فرفضه النبي صلى الله عليه وآله وذهب أبو سفيان الى علي وفاطمة عليهما السلام يرجوهما التوسط الى النبي صلى الله عليه وآله فلم يقبلا، وعرض عليهم أن يكون هذا (الصلح) باسم الحسن والحسين عليهما السلام حتى يكون فخراً لهما في العرب، فقالا: إنا لا نجير أحداً على رسول الله صلى الله عليه وآله!!

                    ـ قال في معجم البلدان: 3|458

                    والعلهز: دم القراد والوبر، يلبك ويشوى ويؤكل في الجدب! وقال آخرون: العلهز دم يابس يدق مع أوبارالإبل في المجاعات. وأنشد بعضهم:

                    وإن قرى قحطان قرفٌ وعلهزٌ فأقبح بهذا ويحَ نفسك من فعلِ!

                    تعليق


                    • قبائل قريش

                      وكانت قريش أكثر من عشرين قبيلة منها:

                      بنو هاشم بن عبد مناف

                      بنو أمية بن عبد شمس

                      بنو عبد الدار بن قصي

                      بنو مخزوم بن يقظة بن مرة

                      بنو زهرة بن كلاب

                      بنو أسد بن عبد العزى




                      بنو الحارث بن فهر بن مالك

                      بنو عامر بن لؤى

                      بنو سهم بن عمرو

                      بنو جمح بن عمرو

                      بنو أنمار بن بغيض

                      بنو تيم بن مرة بن كعب

                      بنو عدي بن كعب... الخ.

                      ولكن الفعل والتأثير كان للقبائل المهمة، والزعماء المهمين، وهم بضع قبائل، والباقون تبعٌ لهم الى حد كبير.. فقد وصف ابن هشام اجتماع دار الندوة الذي بحث فيه قادة القبائل (مشكلة نبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم) فقال في 2|331: وقد اجتمع فيها أشراف قريش:

                      من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب.

                      ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل.

                      ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة.

                      ومن بني أسد بن عبد العزى: أبوالبختري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام.

                      ومن بني مخزوم: أبو جهل ابن هشام.

                      ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج.

                      ومن بني جمح: أمية بن خلف.

                      ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش، فقال بعضهم لبعض:

                      إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأياً.




                      قال: فتشاوروا ثم قال قائل منهم: إحبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه باباً، ثم تربصوا به...الخ.

                      ـ وقال في: 2|488 مسمياً المنفقين على جيش المشركين في بدر:

                      وكان المطعمون من قريش ثم من بني هاشم بن عبد مناف: العباس بن عبد المطلب بن هاشم.

                      ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.

                      ومن بني نوفل بن عبد مناف: الحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، يعتقبان ذلك.

                      ومن بني أسد بن عبد العزى: أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد، يعتقبان ذلك.

                      ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار. انتهى.

                      واليك هذا الترتيب الذي رتبه الخليفة عمر لقبائل قريش، في سجل الدولة لتوزيع العطاءات، فإنه يدل على تركيبة قبائلها، وتميز بني هاشم عليهم:

                      ـ قال البيهقي في سننه: 6|364:

                      عن الشافعي وغيره، أن عمر رضي الله عنه لما دوَّن الدواوين قال: إبدأ ببني هاشم، ثم قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وبني المطلب... فوضع الديوان على ذلك، وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة.

                      ثم استوت له عبد شمس ونوفل في جذم النسب، فقال: عبد شمس إخوة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه وأمه دون نوفل، فقدمهم، ثم دعا بني نوفل يتلونهم.

                      ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار، فقال في بني أسد بن عبد العزى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم أنهم من المطيبين... فقدمهم على بني عبد الدار، ثم دعا بني عبد الدار يتلونهم.




                      ثم انفردت له زهرة فدعاها تلو عبد الدار.

                      ثم استوت له تيمٌ ومخزوم، فقال في بني تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين وفيهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل ذكر سابقةً، وقيل ذكر صهراً فقدمهم على مخزوم.

                      ثم دعا مخزوم يتلونهم.

                      ثم استوت له سهمٌ وجمحٌ وعديُّ بن كعب، فقيل له إبدأ بعدي فقال بل أقر نفسي حيث كنت، فإن الاسلام دخل وأمرنا وأمر بني سهم واحد، ولكن انظروا بني جمح وسهم، فقيل قدم بني جمح.

                      ثم دعا بني سهم، وكان ديوان عدي وسهم مختلطاً كالدعوة الواحدة، فلما خلصت اليه دعوته كبر تكبيرة عالية، ثم قال: الحمد لله الذى أوصل اليَّ حظي من رسوله.

                      ثم دعا بني عامر بن لؤي، قال الشافعي: فقال بعضهم إن أبا عبيدة بن عبد الله بن الجراح الفهري لما رأى من تقدم عليه قال: أكل هؤلاء تدعو أمامي؟ !

                      فقال: يا أبا عبيدة، إصبر كما صبرتُ أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه، فأما أنا وبنو عدي فنقدمك إن أحببت على أنفسنا.

                      قال فقدم معاوية بعدُ بني الحارث بن فهر، فصل بهم بين بني عبد مناف وأسد بن عبد العزى.

                      وشجر بين بني سهم وعدي شىَ في زمان المهدي فافترقوا، فأمر المهدي ببني عدي فقدموا على سهم وجمح، للسابقة فيهم.


                      ***
                      وقد اعترف الجميع بأن فرع هاشم كانوا متميزين على بقية الفروع في فكرهم وسلوكهم، متفوقين في فعاليتهم وقيمهم.. وأن جمهور القبائل والملوك كانوا


                      يحترمونهم احتراماً خاصاً.. حتى حسدهم زعماء قريش، وتحالفوا ضدهم من أيام هاشم وعبد المطلب.

                      فقد رتب هاشم (رحلة الصيف) الى الشام وفلسطين ومصر لقبائل قريش كلها، فسافر في الصحاري والدول، وفاوض رؤساء القبائل، والملوك، الذين تمر في مناطقهم قوافل قريش، وعقد معهم جميعاً معاهداتٍ بعدم الغارة على قوافل قريش وضمان سلامتها.

                      وقد فرحت قبائل قريش بهذا الإنجاز، وبادرت الى الإستفادة منه، ولكنها حسدت هاشماً، وتمنى زعماؤها لو أن ذلك تم على يدهم، وكان فخره لهم.

                      وقد توفي هاشم مبكراً في إحدى سفراته في أرض غزة، في ظروف من حق الباحث أن يشك فيها!

                      ولكن بيت هاشم لم ينطفىَ بعده، فسرعان ماظهر ولده عبد المطلب، وساد في قومه، وواصل مآثر أبيه، فرتب لقريش رحلة الشتاء الى اليمن، وعقد معاهداتٍ لحماية قوافلها مع كل القبائل التي تمر عليها ومع ملك اليمن، وفاز بفخرها كما فاز أبوه بفخر رحلة الصيف.


                      ***
                      وعلى الصعيد المعنوي، كانت قبائل قريش ترى أن بني هاشم وعبد المطلب يباهون دائماً بانتمائهم الى إسماعيل، واتباعهم لملة ابراهيم، كأنهم وحدهم أبناء إسماعيل وابراهيم عليهما السلام.

                      وتفاقم الأمر عندما أخذ عبد المطلب يدعي الإلهام عن طريق الرؤيا الصادقة، وأخبرهم بأن الله تعالى أمره بحفر زمزم التي جفت وانقرضت من قديم، فحفرها ونبع ماؤها بإذن الله تعالى، ووجد فيها غزالين من ذهب، فزين بذهبهما باب الكعبة ففاز بمأثرةٍ جديدة وصار ـ بسبب شحة الماء في مكة ـ ساقي الحرم والحجيح!




                      ثم طمأن الناس عند غزو الحبشة للكعبة، بأن الجيش لن يصل اليها، وأن الله تعالى سيتولى دفعهم، فصدقت نبوءته، وأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول.

                      ثم وضع عبد المطلب للناس مراسم وسنناً، كأنه نبي أو ممهد لنبي، فجعل الطواف سبعاً وكان بعض العرب يطوفون بالبيت عريانين لأن ثيابهم ليست حلالاً، فحرم عبد المطلب ذلك. ونهى عن قتل الموؤودة. وأوجب الوفاء بالنذر، وتعظيم الاشهر الحرم. وحرم الخمر. وحرم الزنا ووضع الحد عليه، ونفى البغايا ذوات الرايات الى خارج مكة. وحرم نكاح المحارم. وأوجب قطع يد السارق. وشدد على القتل، وجعل ديته مئة من الإبل.

                      وقد عظمت مكانة عبد المطلب في قريش وفي قبائل العرب، وكان زعماء قريش يأكلهم الحسد منه! حتى جروه مرتين الى المنافرة والإحتكام الى الكهان فنصره الله عليهم بكرامة جديدة، وتعاظمت مكانته أكثر!

                      ولعل أكثر ما أثار زعماء قريش في آخر أيام عبد المطلب، أنه ادعى أنه مثل جده ابراهيم عليه السلام، ونذر أن يذبح أحد أولاده قرباناً لرب الكعبة.. الخ.

                      وما أن استراح زعماء قريش من عبد المطلب، حتى ظهر ولده أبو طالب وساد في قومه وفي قريش والعرب، وأخذ مكانة أبيه وجده، وواصل سيرة أبيه عبد المطلب ومقولاته.

                      وفي أيام أبي طالب وقعت المصيبة على زعماء قريش عندما ادعى ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله النبوة، وطلب منهم الإيمان به وإطاعته!

                      وزاد من خوفهم أن عدداً من بني هاشم وبني المطلب آمنوا بنبوته، وأعلن عمه أبو طالب حمايته لابن أخيه النبي صلى الله عليه وآله ليبلغ رسالة ربه بكامل حريته، وهدد قريشاً بالحرب إن هي مست منه شعرة، ووقف في وجه مؤامراتها، وأطلق قصائده في


                      فضح زعماءها فسارت بشعره الركبان يمدح فيه محمداً صلى الله عليه وآله، ويهجو زعماء قريش حتى أنه سمى زعيم مخزوم أبا الحكم (أحيمق مخزوم) كما سماه ابن أخيه محمد (أبا جهل)!!

                      ونشط الزعماء القرشيون في مقاومة النبوة بأنواع الإغراءات والتهديدات لأبي طالب وابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله.. ففشلوا!

                      ثم اتخذوا قراراً باضطهاد المسلمين الذين تطالهم أيديهم، فهرب أكثرهم الى الحبشة.. وفشل زعماء قريش!

                      ثم اتخذوا قراراً بالإجماع وضموا اليهم بني كنانة، بعزل كل بني هاشم ومقاطعتهم مقاطعة تامة شاملة، وحصروهم في شعبهم ثلاث سنوات أو أربع.. فأفشل الله محاصرتهم بمعجزة!

                      وما أن فقد بنو هاشم رئيسهم أبا طالب، حتى اتحد زعماء قريش قراراً بالإجماع بقتل محمد صلى الله عليه وآله، الذي بقي بزعمهم بلا حامٍ ولا ناصر.. فأفشل الله كيدهم ونقل رسوله الى المدينة التي أسلم أكثر أهلها!

                      وحاول القرشيون أن يضغطوا على أهل المدينة بالإغراء والوعيد، واليهود.. ولكنهم فشلوا، لأن المدينة صارت في يد النبي صلى الله عليه وآله وهي تقع على طريق شريانهم التجاري، وتهددهم بقطع تجارتهم مع الشام ومنطقتها!

                      فقرروا دخول الحرب مع ابن بني هاشم، وحاربوه في بدر، وأحد، والخندق.. ففشلوا!

                      وحاربوه باليهود، واستنصروا عليه بالفرس والروم.. ففشلوا!

                      وما هو إلا أن فاجأهم محمد صلى الله عليه وآله في السنة الثامنة من هجرته.. ودخل عليهم عاصمتهم مكة، بجيش من جنود الله لا قبل لهم به. فاضطروا أن يعلنوا إلقاء سلاحهم، والتسليم للنبي صلى الله عليه وآله !




                      وقام أهل مكة سماطين ينظرون الى دخول رسول الله صلى الله عليه وآله والى جيشه..

                      وتقدم براية الفتح بين يديه شابٌّ أنصاري من قبيلة الخزرج اليمانية، هو عبد الله بن رواحة، وهو يقول للفراعنة:

                      خلـُّـوا بني الكـفار عن سبيلِهِ فاليـوم نضربْكم علـى تنزيلهِ
                      ضرباً يـزيـل الهام عن مَقِيلِهِ ويـذهـلُ الـخليـلَ عن خليله
                      يا رب إنـي مـؤمـن بقيله
                      فقال عمر بن الخطاب: يابن رواحة، أفي حرم الله وبين يدي رسول الله، تقول الشعر!!

                      فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: مهْ يا عمر، فو الذي نفسي بيده، لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل) ! (البيهقي في سننه: 10|228، ونحوه الترمذي: 4|217، والذهبي في سير أعلام النبلاء: 1|235)

                      فعمر يريد أن يخفف على زعماء قريش وقع هزيمتهم، ولا يتحداهم في عاصمتهم.. ولا ننسى أن عمر من قبيلة عدي الصغيرة، وأنه نشأ على احترام زعماء قريش وإكبارهم.

                      ولكن الرؤية النبوية أن هؤلاء الفراعنة لا يفهمون إلا لغة السيوف والسهام، وأن عمل عبد الله بن رواحة عملٌ صحيحٌ، وقيمته عاليةٌ عند الله تعالى، لأنه أشد على أعداء الله من وقع النبل!!


                      ***
                      وأعلن الرسول صلى الله عليه وآله الأمان لقريش، وجمع زعماءهم في المسجد الحرام وسيوف جنود الله فوق رؤوسهم.. وشرح لهم تكبرهم وتجبرهم وتكذيبهم لآيات الله ومعجزاته، وعداءهم لله ورسوله، واضطهادهم لبني هاشم والمسلمين، وحروبهم ومكائدهم ضد الإسلام ورسوله..




                      ـ قال الطبري في تاريخه: 2|337:

                      عن قتادة السدوسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام قائماً حين وقف على باب الكعبة ثم قال:

                      لا إله الا إلله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.

                      ألا كل مأثرةٍ أو دمٍ أو مالٍ يدَّعى، فهو تحت قدميَّ هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج...

                      يا معشر قريش: إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم وآدم خلق من تراب. (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).. الآية.

                      يا معشر قريش ويا أهل مكة: ماترون أني فاعلٌ بكم؟ !

                      قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم.

                      ثم قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

                      فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوةً، وكانوا له فَيْأً، فبذلك يسمى أهل مكة الطلقاء. انتهى.

                      لقد خيرهم صلى الله عليه وآله بين إعلان إسلامهم أو القتل: فأعلنوا إسلامهم، فقال لهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء، وذلك يعني أنه منَّ عليهم بحياتهم، مع أنهم يستحقون أن يتخذهم عبيداً، أو يقتلهم!!

                      ويعني أن إعلان إسلامهم الشكلي، لم يرفع جواز استرقاقهم أو قتلهم!


                      ***
                      ومما صادفته في تصفحي، ما ارتكبه الشيخ ناصر الدين الألباني من تعصبٍ مفضوح للقرشيين، حيث ضعف هذا الحديث! فقال في سلسلة أحاديثه الضعيفة

                      3|307 برقم 1163: ضعيف. رواه ابن إسحاق في السيرة 4|31 ـ 32، وعنه الطبري في التاريخ 3|120، ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 4|300 ـ 301، ساكتاً عليه. وهذا سندٌ ضعيف مرسل، لأن شيخ ابن إسحاق فيه لم يسمَّ، فهو مجهول. ثم هو ليس صحابياً، لأن ابن إسحاق لم يدرك أحداً من الصحابة، بل هو يروي عن التابعين وأقرانه، فهو مرسل، أو معضل. انتهى.

                      وكأن هذا المحدث لم يطلع على وجود هذا الحديث ومؤيداته في المصادر الأخرى، ولم ير المحدثين والفقهاء وهم يرسلونه إرسال المسلمات..

                      وما أدري هل هو جهلٌ بالتاريخ والحديث الى هذا الحد.. أم حبٌّ للقرشيين ومحاولةٌ لتخليصهم من صفة الرق الشرعية للرسول وآله صلى الله عليه وآله؟! فإن مسألة الطلقاء ثابتة مشهورة عند جميع الفرق، واسم (الطلقاء) كالعلم لأكثر قريش، وهو كثيرٌ في مصادر الحديث، وقد دخلت أحكامه في فقه المذاهب.

                      ـ فقد روى البخارى في صحيحه: 5|105 ـ 106

                      قال لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف والطلقاء، فأدبروا...

                      ـ وفي مسلم: 3|106: ومعه الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده!!

                      ونحوه في: 5|196 ونحوه في مسند أحمد: 3|190 و 279

                      والصحيح أنه لم يثبت معه إلا بنو هاشم.

                      ـ وفي مسند أحمد: 4|363: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض، الى يوم القيامة.

                      وقد صححه الحاكم في المستدرك: 4|80، وقال عنه في مجمع الزوائد: 10|15:

                      رواه أحمد والطبراني بأسانيد، وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح، وقد جوده رضي الله عنه وعنا، فإنه رواه عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الرحمن بن هلال العبسي، عن جرير وموسى بن عبد الله بن هلال العبسي.




                      ـ وقال الشافعي في كتاب الأم: 7|382

                      قال الأوزاعي: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة، فخلى بين المهاجرين وأرضهم ودورهم بمكة، ولم يجعلها فيئاً.

                      قال أبو يوسف رحمه الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن مكة وأهلها وقال:

                      من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ونهى عن القتل إلا نفراً قد سماهم، إلا أن يقاتل أحدٌ فيقتل، وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: ما ترون أني صانعٌ بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم.

                      قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء. ولم يجعل شيئاً قليلاً ولا كثيراً من متاعهم فيئاً. وقد أخبرتك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في هذا كغيره، فهذا من ذلك، وتفهَّم فيما أتاك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لذلك وجوهاً ومعاني. انتهى.

                      وراجع أيضاً مغني ابن قدامة: 7|321، ومبسوط السرخسي: 10|39، ومسند أحمد: 3 | 279، وسنن البيهقي: 6|306، و: 8|266 و: 9|118، وكنز العمال: 12|86.

                      ـ وفي كنز العمال: 5|735: قال لهم عمر: إن هذا الأمر لايصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء، فإن اختلفتم فلا تظنوا عبد الله بن أبي ربيعة عنكم غافلاً ـ ابن سعد. انتهى.

                      وكذلك الأمر في مصادرنا:

                      ـ ففي نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده: 3|30 في جواب علي عليه السلام لمعاوية:

                      وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلانٌ وفلانٌ، فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم تلحقك ثلمته.

                      وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس؟ ! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم.

                      هيهات، لقد حنَّ قدحٌ ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها.

                      ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك


                      القدر، فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر.. وإنك لذهاب في التيه رواغ عن القصد.

                      ـ وفي الكافي: 3|512

                      من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده... وما أخذ بالسيف فذلك الى الإمام يقبِّله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر... وقال: إن أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر، وإن أهل مكة دخلها رسول الله صلى الله عليه وآله عنوةً فكانوا أسراء في يده، فأعتقهم وقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.


                      قريش بعد فتح مكة

                      تعليق


                      • قريش بعد فتح مكة

                        ماذا فعلت قريش بعد أن اضطر بقية فراعنتها وألوف الطلقاء من أتباعهم الى الدخول في الإسلام؟؟

                        من الطبيعي أن مشاعر الغيظ والكبرياء القرشي بقيت محتدمةً في قلوب أكثرهم إن لم نقل كلهم.. ولكن في المقابل ظهر فيهم منطقٌ يقول: إن دولة محمد دولتنا.. فمحمد أخٌ كريمٌ، وابن أخٍ كريم، ودولته دولة قريش، وعزه عزها وفخره فخرها، فهو مهما كان ابن قريش الرحيم، ودولته أوسعُ من دولة قريش وأقوى، والمجال أمام زعمائها مفتوحٌ من داخل هذه الدولة، فلماذا نحاربها، ولماذا نتركها بأيدي الغرباء من الأوس والخزرج اليمانيين!.

                        أما مسألة من يرث دولة محمد بعده، فهي مسألةٌ قابلةٌ للعلاج، وهي على كل حال مسألةٌ قرشيةٌ داخلية!!

                        من البديهي عند الباحث أن يفهم أن قريشاً وجهت جهودها لمرحلة ما بعد محمد صلى الله عليه وآله وأن الهدف الأهم عندها كان: منع محمد أن يرتب الأمر من بعده لبني هاشم، ويجمع لهم بين النبوة والخلافة على حد تعبير قريش!

                        فالنبوة لبني هاشم، ولكن خلافة محمد يجب أن تكون لقريش غير بني هاشم!

                        تعليق


                        • لكن رغم وجود هذا المنطق، فإن النصوص واعترافات بعض زعمائهم تدل على أنهم كانوا يعملون على كل الجبهات الممكنة! وأن أكثريتهم كانوا يائسين من أن يشركهم محمد في حكم دولته، لأنه يعمل بجدٍّ لتركيز حكم عترته من بعده..

                          لذلك اتجه تفكيرهم بعد فتح مكة الى اغتيال النبي صلى الله عليه وآله.. وسرعان ما حاولوا تنفيذ ذلك في حنين..!!

                          إن فراعنة قريش كفراعنة اليهود أبناء عمهم، فهم لا يعرفون الوفاء، بل كأنهم إذا لم يغدروا بمن عفا عنهم وأحسن اليهم، يصابون بالصداع!!

                          لقد اعلنوا إسلامهم، وادعوا أنهم ذهبوا مع النبي صلى الله عليه وآله ليساعدوه في حربه مع قبيلتي هوازن وغطفان، وكان عددجيشهم ألفين، وعدد جيش النبي صلى الله عليه وآله الذي فتح مكة عشرة آلاف، وعندما التقوا بهوازن في حنين انهزموا من أول رشق سهام، وسببوا الهزيمة في صفوف المسلمين فانهزموا جميعاً، كما حدث في أحد!

                          وثبت النبي صلى الله عليه وآله ومعه بنو هاشم فقط، كالعادة، وقاتلوا بشدةٍ مع مئة رجعوا اليهم مئة من الفارين حتى ردوا الحملة، ثم رجع المسلمون الفارون.. وكتب الله النصر.

                          وفي أثناء هزيمة المسلمين، قامت قريش بعدة محاولاتٍ لقتل النبي صلى الله عليه وآله!

                          نكتفي منها بذكر ما نقله زعيم بني عبد الدار النضير بن الحارث، الذي سيأتي ذكره في تفسير الآية الثالثة! ونقله عنه محب له ولقريش ولبني أمية هو ابن كثير فقال في سيرته: 3|691:

                          كان النضير بن الحارث بن كلدة من أجمل الناس، فكان يقول: الحمد لله الذي من علينا بالإسلام، ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم نمت على ما مات عليه الآباء، وقتل عليه الإخوة وبنو العم.

                          ثم ذكر عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه خرج مع قومه من قريش الى حنين، وهم على دينهم بعد، قال: ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه، فلم يمكنا ذلك.

                          تعليق


                          • فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه، إن شعرت إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنضير؟

                            قلت: لبيك.

                            قال: هل لك الى خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه؟

                            قال: فأقبلت إليه سريعاً.

                            فقال: قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع!

                            قلت: قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

                            فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم زده ثباتاً.

                            قال النضير: فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجرٌ ثباتاً في الدين، وتبصرة بالحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداه. انتهى.

                            وأنت تلاحظ أن هذه الكلام يتضمن إقراراً من هذا الزعيم القرشي على نفسه، وإقرار الإنسان على نفسه حجة.. وأنه يتضمن ادعاء منه بإيمانه بالله تعالى، فقد ذكر أنه تشهده الشهادة الأولى فقط، ولم يذكر الثانية!

                            ولكن الدعوى لا تثبت بادعاء صاحبها بدون شهادة غيره!

                            ومهما يكن فقد اعترف زعيم بني عبد الدار أصحاب راية قريش التي يصدر حاملها الأوامر لألفي مسلح في حنين، بأن إعلان إسلامهم في مكة كان كاذباً، وبأنه كل زعماء قريش كانوا متفقين على قتل النبي صلى الله عليه وآله، وأنهم حاولوا محاولاتٍ في حنين ولم يتوفقوا.. فقد أحبط الله تعالى خططهم، وكشف لنبيه صلى الله عليه وآله نواياهم!!

                            بل تدل أحاديث السيرة، على أن زعماء قريش لم يملكوا أنفسهم عند انهزام المسلمين في حنين في أول الأمر، فأظهروا كفرهم الراسخ، وفضحوا أنفسهم!

                            ـ ففي سيرة ابن هشام: 4|46

                            قال ابن اسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه


                            وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجالٌ منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لَمَعَهُ في كنانته! وصرخ جبلة بن الحنبل ـ قال ابن هشام كلدة بن الحنبل ـ وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشركٌ في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا بطل السحر اليوم!

                            قال ابن اسحاق: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار: قلت اليوم أدرك ثأري من محمد، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمداً، قال:

                            فأدرت برسول الله لأقتله، فأقبل شىَ حتى تغشى فؤادي فلم أطلق ذاك، وعلمت أنه ممنوعٌ مني!! انتهى.

                            وهذا آخر من أصحاب راية جيش قريش المسلمة، يعترف بأنه في حنين عند الهزيمة أو بعدها (دار) مرة أو مراتٍ حول النبي صلى الله عليه وآله ليقتله!

                            إن الناظر في مقومات شخصيات زعماء قريش، وتفكيرهم واهتماماتهم، يصل الى أن قناعة بأن عنادهم بلغ حداً أنهم اتخذوا قراراً بأن يكذبوا بكل الآيات والمعجزات التي يأتيهم بها محمد صلى الله عليه وآله، ويكفروا بكل القيم والأعراف الإنسانية التي يدعو اليها ويعاملهم بها.. وأن لا يدخلوا في دينه إلا في حالتين لا ثالثة لهما:

                            إذا كان السيف فوق رؤوسهم!

                            أو صارت دولة محمد وسلطانه بأيديهم!

                            لقد حاربوا هذا الدين ونبيه صلى الله عليه وآله بكل الوسائل حتى عجزوا وانهزموا..

                            ثم واصلوا تآمرهم ومحاولاتهم اغتيال النبي صلى الله عليه وآله حتى عجزوا..

                            ثم جاؤوا يشترطون الشروط مع النبي صلى الله عليه وآله ليأخذوا سهماً من دولته فعجزوا..

                            ثم جاؤوا يدعون أنهم أصحاب الحق في دولة نبيهم صلى الله عليه وآله لأنه من قبائل قريش!!!

                            ـ قال في مناقب آل أبي طالب: 2|239

                            قال الشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء: إن النبي صلى الله عليه وآله لما نص على أمير المؤمنين

                            بالإمامة في ابتداء الأمر، جاءه قوم من قريش وقالوا له: يا رسول الله إن الناس قريبوا عهد بالإسلام لا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب.. فلو عدلت به الى غيره، لكان أولى!

                            فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله: ما فعلت ذلك لرأيي فأتخير فيه، لكن الله تعالى أمرني به وفرضه عليَّ.

                            فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فأشرك معه في الخلافة رجلاً من قريش تركن الناس اليه، ليتم لك أمرك، ولا تخالف الناس عليك. فنزلت الآية: لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.

                            عبد العظيم الحسني عن الصادق عليه السلام في خبر: قال رجل من بني عدي اجتمعت اليَّ قريش، فأتينا النبي فقالوا: يارسول الله إنا تركنا عبادة الأوثان واتبعناك، فأشركنا في ولاية علي فنكون شركاء، فهبط جبرئيل على النبي فقال: يا محمد لئن أشركت ليحبطن عملك.. الآية. انتهى. (والحديث الأول في تنزيه الأنبياء|167)

                            تعليق


                            • قريش تتمحور حول زعامة سهيل بن عمرو

                              رغم خيانات زعماء قريش بعد فتح مكة وتآمرهم، فقد حاول الرسول صلى الله عليه وآله أن يستقطبهم، فأكرمهم وتألفهم وأعطاهم أكثر غنائم المعركة، وأطمعهم بالمستقبل إن هم أسلموا وحسن إسلامهم.. الخ.

                              لقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله أن يقاوم عُقَدهم بنور الحلم، وظلماتهم بنور الإحسان..!!

                              وفي هذه الفترة تراجعت زعامة أبي سفيان، ولم يبق منها إلا (أمجاد) حربه مع محمد صلى الله عليه وآله، فشخصية أبي سفيان تصلح للزعامة في الحرب فقط وفي التجارة، ولا تصلح في السلم للزعامة والعمل السياسي، لذلك تراه بعد أن انكسر في فتح مكة ذهب الى المدينة وطلب منصباً من محمد صلى الله عليه وآله فعينه جابياً للزكاة من بعض القبائل!!


                              أما الزعيم الذي يجيد العمل لمصلحة قريش المنكسرة عسكرياً.. فقد وجدته قريش في سهيل بن عمرو، العقل السياسي المفكر والمخطط..

                              وسرعان ما صار سهيل محوراً لقريش، ووارثاً لقيادة زعمائها الذين قتلهم محمد أو أماتهم رب محمد صلى الله عليه وآله.

                              وسهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، هو في نظر قريش: قرشي أصيل. ولئن كان من بني عامر بن لؤي، الذين هم أقل درجة من بني كعب بن لؤي (سيرة ابن هشام: 2|489)، ولكنه صاحب تاريخ مع محمد، فهو من الزعماء الذين فاوضوا أبا طالب بشأنه.

                              وهو من أعضاء دار الندوة الذين قرروا مقاطعة بني هاشم.

                              وهو من الذين ائتمروا على قتله عندما ذهب الى الطائف، وقرروا نفيه من مكة، وهددوه بالقتل إن هو دخلها، ورفضوا أن يجيروه حتى يستطيع الدخول الى مكة وتبليغ رسالة ربه.. ففي تاريخ الطبري: 2|82: أن النبي صلى الله عليه وآله قال للأخنس بن شريق: ائت سهيل بن عمرو فقل له إن محمداً يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ فأتاه فقال له ذلك، قال فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب! انتهى.

                              وهو من الزعماء الذين واصلوا العمل لقتل محمد بعد وفاة أبي طالب، حتى أنجاه الله منهم بالهجرة.

                              وهو أحد الذين حبسوا المسلمين وعذبوهم على إسلامهم، ومن المعذبين على يده ولده أبو جندل.

                              وهو أحد قادة المشركين في بدر، وأحد أثريائهم الذين كانوا يطعمون الجيش.

                              وهو أحد الذين كانوا يؤلمون قلب رسول الله صلى الله عليه وآله بفعالياتهم الخبيثة، فلعنهم الله تعالى وطردهم من رحمته، وأمر رسوله أن يلعنهم، ويدعو عليهم في صلاته.

                              وهو أحد المنفقين أموالهم على تجهيز الناس لحرب النبي صلى الله عليه وآله في أحد والخندق وغيرهما.




                              ـ قال في سير أعلام النبلاء: 1|194

                              يكنى أبا يزيد، وكان خطيب قريش وفصيحهم ومن أشرافهم... وكان قد أسر يوم بدر وتخلص. قام بمكة وحض على النفير، وقال: يال غالب أتاركون أنتم محمداً والصباة يأخذون عيركم! من أراد مالاً فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة.

                              وكان سمحاً جواداً مفوهاً.

                              وقد قام بمكة خطيباً عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحو من خطبة الصديق بالمدينة فسكنهم!! وعظم الإسلام. انتهى.

                              وهو الذي انتدبته قريش لمفاوضة محمد صلى الله عليه وآله في الحديبية، وقد أجاد المفاوضة وشدد عليه بالشروط، ولم يقبل أن يكتب في المعاهدة (رسول الله) ووقع الصلح معه نيابة عن كل قريش.

                              وهو المعروف عند قريش بأنه سياسي حكيم، أكثر من غيره من فراعنتها.

                              وهو أخيراً من أئمة الكفر الذين أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله بقتالهم! وإعلانه الإسلام تحت السيف لا يغير من آيات الله شيئاً! ففي تفسير الصنعاني: 1|242: عن قتادة في قوله (وقاتلوا أئمة الكفر...) هو أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبه بن ربيعة، وأبو جهل، وسهيل بن عمرو. انتهى.

                              وقد اختار سهيل بن عمرو البقاء في مكة بعد فتحها ودخولها تحت حكم النبي صلى الله عليه وآله ولم يهاجر الى المدينة كبعض الطلقاء، ولم يطلب من محمد منصباً، لأن كبرباءه القرشي وتاريخه في الصراع مع النبي صلى الله عليه وآله يأبيان عليه ذلك!!

                              ولكنه قبل هدية النبي صلى الله عليه وآله في حنين وكانت مئة بعير، بينما كان رفضها في أيام القحط والسنوات العجاف التي حدثت على قريش بدعاء النبي صلى الله عليه وآله ثم أشفق عليهم وأرسل اليهم مساعدة، وكانت أحمالاً من المواد الغذائية، فقبلها أكثرهم وكان سهيل ممن رفضوها!




                              إنه تاريخٌ طويلٌ مشرقٌ عند القرشييين، وإن كان أسود عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله!! ومن أجل هذا النسب وهذا التاريخ والصفات، اجتمعت حوله قريش بعد فتح مكة، وانضوت تحت زعامته!


                              ***
                              وكان النبي صلى الله عليه وآله قد عين حاكماً لمكة بعد فتحها، هو عتاب بن أسيد الأموي وحعل معه أنصارياً، ولكن قريشاً كانت تفضل عليه سهيلاً، وتسمع كلامه أكثر منه!

                              والدليل على ذلك أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ارتدت قريش عن الإسلام، وخاف حاكمها عتاب أن يقتلوه فاختبأ مع أنه قرشي أموي.. وبعد أيام وصلهم خبر يطمئنهم ببيعة أبي بكر التيمي، وأن أحداً من بني هاشم لن يحكم بعد محمد صلى الله عليه وآله فاطمأن سهيل بن عمرو، وخطب في قريش بنفس خطبة أبي بكر في المدينة، والتي مفادها أنه من كان يعبد محمداً فإن إلَهه قد مات، ونحن لا نعبد محمداً، بل هو رسولٌ بلغ رسالته ومات، وهو ابن قريش وسلطانه سلطان قريش، وقد اختارت قريش حاكماً لنفسها بعده وهو أبو بكر، فاسمعوا له وأطيعوا.

                              لقد طمأنهم سهيل بأن الأمر بيد قريش، وليس بيد بني هاشم والأنصار اليمانية الذين (يعبدون) محمداً، فلماذا الرجوع عن الإسلام!

                              فأطاعته قريش وانتهى مشروع الردة!

                              وأصدر سهيل أمره لعتاب الحاكم من قبل النبي صلى الله عليه وآله: أخرج من مخبئك، واحكم مكة باسم الزعيم القرشي غير الهاشمي أبي بكر بن أبي قحافة التيمي!

                              (راجع سيرة ابن هشام: 4|1079، وفيها: فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، وظهر عتاب بن أسيد).

                              تعليق


                              • سهيل بن عمرو يحاول الإستقلال!

                                اقتنعت قريش بعد فتح مكة أن العمل العلني ضد محمد صلى الله عليه وآله محكوم بالفشل..


                                فركزت جهودها على العمل السياسي المتقن، والعمل السري الصامت، لإبعاد عترته عن الحكم، وجعله في قريش..

                                ولكن المشكلة عندها أن النبي صلى الله عليه وآله يسير قدماً في ترتيب الأمر من بعده لعلي.. ومن بعده للحسن والحسين، أولاد بنته فاطمة.. وقريش لا تطيق علياً ولا أحداً من بني هاشم.. لذلك قرر قادتها وفي مقدمتهم سهيل بن عمرو أن يقوموا بأنشطة متعددة، منها محاولة جريئة مع النبي صلى الله عليه وآله.. فقد كتبوا اليه ثم جاؤوه وفداً برئاسة سهيل بن عمرو، طالبين اليه أن يرد (اليهم) عدداً من أبنائهم وعبيدهم، الذين تركوا مكة أو مزارعهم في الطائف، وهاجروا الى النبي صلى الله عليه وآله ليتفقهوا في الدين، كما تنص الآية القرآنية!

                                قال سهيل للنبي صلى الله عليه وآله نحن اليوم حلفاؤك، وقد انتهت الحرب بيننا وتصالحنا، وأنا الذي وقعت الصلح السابق معك في الحديبية!

                                وهؤلاء أولادنا وعبيدنا هربوا منا وجاؤوك، ولم يأتوك ليتفقهوا في الدين كما زعموا، ثم إن كانت هذه حجتهم فنحن نفقههم في الدين، فأرجعهم الينا!!

                                ومعنى هذا الطلب البسيط من زعيم قريش الجديد: أن قريشاً حتى بعد فتح مكة واضطرارها الى خلع سلاحها وإسلامها تحت السيف.. تريد من النبي صلى الله عليه وآله الإعتراف بأنها وجودٌ سياسيٌّ مستقل، في مقابل النبي صلى الله عليه وآله ودينه ودولته!!

                                ـ روى الترمذي في: 5|298

                                عن ربعي بن حراش قال: أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة فقال: لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا يارسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا، وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم.



                                فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يامعشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن الله قلوبهم على الإيمان! قالوا من هو يارسول الله؟

                                فقال له أبو بكر: من هو يارسول الله؟

                                وقال عمر: من هو يارسول الله؟

                                قال هو خاصف النعل، وكان أعطى علياً نعله يخصفها. هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي.

                                ـ وروى أبو داود: 1|611

                                عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب قال: خرج عبدانٌ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني يوم الحديبية قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هرباً من الرق!

                                فقال ناسٌ: صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم!

                                فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا!

                                وأبى أن يردهم وقال: هم عتقاء الله عز وجل. انتهى.

                                ولا يغرك ذكر الحديبية في الحديث، فهذا من أساليب الرواة القرشيين في التزوير فالحادثة وقعت بعد فتح مكة، ولو كانت قبله لطالب سهيلٌ النبي صلى الله عليه وآله بالوفاء لهم بشرطهم، لأنهم شرطوا على النبي صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية أن يرد اليهم من يأتيه منهم، ولا يردون اليه من يأتيهم من المسلمين!

                                ولو كانت قبل فتح مكة، لكانت مطالبةً بشرطهم، وما استحقت هذا الغضب النبوي الشديد، وهو لا يغضب إلا بحق، ولا يغضب إلا لغضب الله تعالى، ولا يرضى إلا بما يرضي الله تعالى!



                                ولو كانت قبل فتح مكة وقبل (دخول) قريش في الإسلام لما قالوا في مطالبتهم بأولادهم وعبيدهم المهاجرين (سنفقههم) فهذا لا يقوله إلا الطلقاء الذين يدعون الاسلام وفقه الإسلام!

                                كما أن بعض الروايات قد صرحت بأن الحادثة كانت بعد فتح مكة!

                                ـ قال الحاكم في المستدرك: 2|138

                                عن ربعي بن حراش عن علي رضي الله عنه قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة، أتاه ناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا حلفاؤك وقومك، وإنه لحق بك أرقاؤنا ليس لهم رغبة في الإسلام، وإنما فروا من العمل فارددهم علينا!

                                فشاور أبا بكر في أمرهم فقال: صدقوا يا رسول الله!

                                فقال لعمر ما ترى؟ فقال مثل قول أبي بكر.

                                فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يامعشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلاً منكم امتحن الله قلبه للايمان، فيضرب رقابكم على الدين!

                                فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟

                                قال: لا.

                                قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟

                                قال: لا، ولكنه خاصف النعل في المسجد، وقد كان ألقى نعله الى علي يخصفها.. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

                                وروى نحوه في 4|298، وصححه على شرط مسلم وفيه (لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة أتاه ناس من قريش... يا معشر قريش لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلاً فيضرب أعناقكم على الدين، ثم قال: أنا، أو خاصف النعل، قال علي: وأنا أخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله) انتهى. ورواه في كنز العمال: 13|174، وقال: (ش وابن جرير، ك، ويحيى بن سعيد في إيضاح الإشكال).

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                                ردود 2
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                يعمل...
                                X