إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــامـــــــــــــــــة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    آية: سأل سائـل بعذاب واقـع

    قال الله تعالى في مطلع سورة المعارج:

    سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج... الى آخر السورة الكريمة التي تبلغ 44 آية.


    أحداث كانت وراءها قريش

    نمهد لتفسير الآية بذكر فهرس عددٍ من الأحداث الخطيرة في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله.. ثبت أن قريشاً كانت وراء بعضها، وتوجد مؤشرات توجب الظن بأنها كانت وراء الباقي.


    الأولى:

    محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله في حنين.. وقد تقدم في البحث الخامس اعتراف بعض زعماء قريش بها!


    الثانية:

    محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله في العقبة في طريق رجوعه من تبوك، وقد كانت محاولة متقنةً، نفذتها مجموعةٌ منافقة بلغت نحو عشرين شخصاً، وقد عرفوا أن النبي صلى الله عليه وآله سيمر ليلاً من طريق الجبل بينما يمر الجيش من طريقٍ حول الجبل، وكانت خطتهم أن يكمنوا فوق الطريق الذي سيمر فيه الرسول صلى الله عليه وآله، حتى إذا وصل


    الى المضيق ألقوا عليه ما استطاعوا من صخورٍ لتنحدر بقوةٍ وتقتله، ثم يفرون ويضيعون أنفسهم في جيش المسلمين، ويبكون على الرسول، ويأخذون خلافته!

    وقد تركهم الله تعالى ينفذون خطتهم، حتى إذا بدؤوا بدحرجة الصخور، جاء جبرئيل وأضاء الجبل عليهم، فرآهم الرسول صلى الله عليه وآله وناداهم بأسمائهم، وأراهم لمرافقيْه المؤمنيْن: حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، وأشهدهما عليهم، فسارع المنافقون ونزلوا من الجهة الثانية من الجبل، وضيعوا أنفسهم في المسلمين! !

    أما لماذا لم يعلن الرسول أسماءهم؟!

    فلا جواب إلا أنهم من قريش، ومن المعروفين فيها.. وإعلان أسمائهم يعني معاقبتهم، ومعاقبتهم تعني خطر ارتداد قريش عن الإسلام، وإمكان إقناعها بعض قبائل العرب بالإرتداد، بحجة أن محمداً أعطى كل شيء من بعده لبني هاشم، ولم يعط لقريشٍ والعرب شيئاً!

    وهذا يعني السمعة السيئة للإسلام، وأن نبيه صلى الله عليه وآله بعد أن آمن به أصحابه اختلف معهم، وقاتلهم وقاتلوه!

    ويعني الحاجة من جديد الى بدرٍ وأحدٍ والخندق وفتح مكة!

    ولن تكون نتائج هذه الدورة للإسلام أفضل من الدورة الأولى!

    فالحل الإلَهي هو: السكوت عنهم ما داموا يعلنون قبول الإسلام، ونبوة الرسول صلى الله عليه وآله، وينكرون فعلتهم.

    ومن الملاحظ أن روايات مؤامرة العقبة ذكرت أسماء قرشية معروفة، وقد ضعَّفها رواة قريش طبعاً، لكن أكثرهم وثقوا ابن جميْع وغيره من الرواة الذين نقلوا عن حذيفة بن اليمان أسماء هؤلاء الزعماء المشاركين فيها!

    كما أنهم رووا عن حذيفة وعمار رواياتٍ فاضحةٍ لبعض الصحابة الذين كانوا يسألونهما عن أنفسهم: هل رأياهم في الجبل ليلة العقبة؟! ويحاولون أن يأخذوا منهما براءةً من النفاق والمشاركة في المؤامرة!



    ورووا أنهم كانوا يعرفون الشخص أنه من المنافقين أم لا، عندما يموت.. فإن صلى حذيفة على جنازته فهو مؤمن، وإن لم يصل على جنازته فهو منافق.

    ورووا أن حذيفة لم يصل على جنازة أي زعيمٍ من قريشٍ مات في حياته! !


    الثالثة:

    قصة سورة التحريم، التي تنص على أن النبي صلى الله عليه وآله أسرَّ بحديثٍ خطيرٍ الى بعض أزواجه، وأكد عليها أن لا تقوله لأحد، ولا بد أن الله تعالى أمره بذلك لحِكَمٍ ومصالح يعلمها سبحانه.. فخالفت (أم المؤمنين) حكم الله تعالى، وأفشت سر زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله، وعملت مع صاحبتها لمصلحة (قريش) ضد مصلحة زوجها الرسول.. فأطْلع الله تعالى نبيه على مؤامرتهما، فأخبرهما بما فعلتا، ونزل القرآن بكشف سرهما وسر من ورائهما، وهددهما وضرب لهما مثلاً بامرأتي نوح ولوط، اللتين خانتاهما، فدخلتا النار! !

    أما رواة الخلافة القرشية فيقولون إن المسألة كانت عائلية، تتعلق بغيرة النساء من بعضهن، وببعض الأخطاء الفنية الخفيفة لهن مع النبي صلى الله عليه وآله !

    إنهم يريدونك أن تغمض عينيك عن آيات الله تعالى في سورة التحريم، التي تتحدث عن خطرٍ عظيمٍ على الرسول صلى الله عليه وآله والرسالة، وتحشد أعظم جيشٍ جرارٍ لمواجهة الموقف فتقول (إن تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما، وإن تظاهرا عليه، فإن الله هو مولاه، وجبريل، وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير)

    فلمن صغت قلوبهما، ولمصلحة من تعاونتا على الرسول صلى الله عليه وآله ؟!

    وما هي القضية الشخصية التي تحتاج معالجتها الى هذا الجيش الإلَهي الجرار، الذي لا يستنفره الله تعالى إلا لحالات الطوارىَ القصوى؟!

    أما ابن عباس الذي يصفونه بحبر الأمة، فكان يقرأ الآية (زاغت قلوبكما) وبذلك تكون اثنتان من أمهات المؤمنين احتاجتا الى تجديد إسلامهما!


    الرابعة:

    حادثة هجر النبي صلى الله عليه وآله لنسائه شهراً، وشيوع خبر طلاقه لهن.. وذهابه بعيداً عنهن وعن المسجد، الى بيت مارية القبطية الذي كان في طرف المدينة أو خارجها..




    فقد صورت الروايات القرشية هذه الحادثة على أنها حادثةٌ شخصية.. شخصيةٌ بزعمهم وشغلت النبي صلى الله عليه وآله والوحي والمسلمين!

    وادعوا أن سببها كثرة طلبات نسائه المعيشية منه صلى الله عليه وآله، وأكدوا أنه لا ربط للحادثة بقضايا الإسلام المالئة للساحة السياسية آنذاك، والشاغلة لزعماء قريش خاصة..


    الخامسة:

    تصعيد عمل قريشٍ ضد علي بن أبي طالب عليه السلام لإسقاط شخصيته، وغضب النبي صلى الله عليه وآله وشدته عليهم في دفاعه عن علي، وتركيزه لشخصيته.. ولهذا الموضوع مفرداتٌ عديدة في حروب النبي وسلمه وسفره وحضره صلى الله عليه وآله، ونلاحظ أنها كثرت في السنة الأخيرة من حياته صلى الله عليه وآله، وغضب بسببها مراراً، وخطب أكثر من مرة، مبيناً فضل علي عليه السلام وفسق أو كفر من يؤذيه!

    ولو لم يكن من ذلك إلا قصة بريدة الأسلمي الكاسحة، التي روتها مصادر السنيين بطرقٍ عديدة، وأسانيد صحيحة عالية، وكشفت عن وجود شبكة عملٍ منظم ترسل الرسائل وتضع الخطط ضد علي عليه السلام، وسجلت إدانة النبي صلى الله عليه وآله الغاضبة لهم، وتصريحه بأن علياً وليكم من بعدي، وحُكمه بالنفاق على كل من ينتقد علياًوكل من لا يحب علياً، ولا يطيعه.. !

    وهي حادثةٌ تكفي دليلاً على ظلم زعماء قريش وحسدهم لعلي عليه السلام... الخ. !


    السادسة:

    منع تدوين سنة النبي صلى الله عليه وآله في حياته.. أما القرآن فقد كان عامة الناس يكتبونه من حين نزوله، وكان النبي صلى الله عليه وآله يأمر بوضع ما ينزل منه جديداً بين منبره والحائط، وكان يوجد هناك ورقٌ ودواةٌ، لمن يريد أن يكتبه.

    وكان علي عليه السلام يكتب القرآن، وحديث النبي صلى الله عليه وآله الذي يأمره بكتابته.

    وكان آخرون يكتبون حديث النبي صلى الله عليه وآله، ومنهم شبانٌ قرشيون يعرفون الكتابة مثل عبد الله بن عمرو بن العاص..

    وقد أحست قريش بأن ذلك يعني تدوين مقولات النبي صلى الله عليه وآله العظيمة في حق عترته وبني هاشم، ومقولاته في ذم عددٍ كبيرٍ من فراعنة قريش وشخصياتها..


    فعملت على منع كتابة سنة النبي صلى الله عليه وآله في حياته، في حين أن بعض زعمائها كان يكتب أحاديث اليهود، ويحضر درسهم في كل سبت! ! وقد وثقنا ذلك في كتاب تدوين القرآن.

    وقد روت مصادر السنيين أن عبد الله بن عمرو شكى الى النبي صلى الله عليه وآله أن (قريشاً) نهته عن كتابة حديثه، لأن أحاديثه التي فيها غضبٌ عليها ليست حجة شرعا!

    قال أبو داود في سننه: 2|176:

    عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيءٍ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريش (؟) وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلم في الغضب والرضا؟! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه الى فيه فقال: أكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق!. انتهى. ورواه أحمد في مسنده: 2| 192، و215، والحاكم في المستدرك: 1|105 و: 3|528، وصححه.


    السابعة:

    محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله في طريق عودته من حجة الوداع عند عقبة هرشى، وقد كشف الوحي المؤامرة، وكانت شبيهةً الى حد كبيرٍ بمؤامرة اغتياله صلى الله عليه وآله في العقبة، في طريق رجوعه من مؤتة!


    الثامنة:

    تصعيد قريش انتقادها لأعمال النبي صلى الله عليه وآله لتركيز مكانة عترته عليهم السلام وأسرته بني هاشم في الأمة، واعتراض عددٍ منهم عليه بصراحةٍ ووقاحةٍ، ومطالبتهم بأن يجعل الخلافة لقريش تدور في قبائلها، أو يشرك مع علي غيره من قبائل قريش، وقد رفض النبي صلى الله عليه وآله كل مطالبهم، لأنه لا يملك شيئاً مع الله تعالى، ولم يعط شيئاً من عنده حتى يمنعه، وإنما هو عبدٌ ورسولٌ مبلغ! ! صلى الله عليه وآله.

    وقد تقدم نص تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى|167، وفيه (جاءه قوم من قريش فقالوا له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن الناس قريبو عهد بالإسلام، لا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب. فلو عدلت به الى غيره لكان أولى.



    فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله: ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه، لكن الله تعالى أمرني به وفرضه علي.

    فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فأشرك معه في الخلافة رجلاً من قريش تركن الناس اليه، ليتم لك أمرك، ولا يخالف الناس عليك.


    التاسعة:

    أن النبي صلى الله عليه وآله عندما كان مريضاً شكل جيشاً بقيادة أسامة بن زيد، وجعل تحت إمرته كل زعماء قريش غير بني هاشم، وعقد اللواء لأسامة بن زيد، وأمره أن يسير الى مؤتة في الأردن لمحاربة الروم.. أراد بذلك أن يرسخ قدرة الدولة الإسلامية ويأخذ بثار شهداء مؤتة، وأراد أن يفرغ المدينة من المعارضين لعلي عليه السلام قبيل وفاته صلى الله عليه وآله !

    فخرج أسامة بمن معه وعسكر خارج المدينة، ولكن زعماء قريش أحبطوا خطة النبي صلى الله عليه وآله بتتثاقلهم عن الإنضمام الى جيش أسامة، وتأخيرهم من استطاعوا عنه، ثم طعنوا في تأمير النبي صلى الله عليه وآله لأسامة الأفريقي الشاب، بحجة صغر سنه، وواصلوا تسويفهم الوقت، والذهاب الى معسكر أسامة ثم الرجوع الى المدينة.. حتى صعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر وشدد على إنفاذ جيش أسامة، وأبلغ المسلمين صدور اللعنة من ربه عز وجل ومنه صلى الله عليه وآله على كل من تخلف عن جيش أسامة! !


    العاشرة:

    تصعيد قريش فعاليتها في مواجهة النبي صلى الله عليه وآله، وقرارها الخطير بمواجهته صلى الله عليه وآله مباشرةً إذا أراد أن يستخلف علياً وأهل بيته من بعده رسمياً!

    وبالفعل فقد قام بمهمة المواجهة زعيم قريش الجديد عمر بن الخطاب، وذلك عندما جمع النبي صلى الله عليه وآله زعماء قريش والأنصار في مرض وفاته، وأخبرهم أنه قرر أن يكتب لأمته كتاباً لن تضل بعده أبداً، فعرفوا أنه يريد أن يثبت ولاية علي وأهل بيته عليهم السلام على الأمة بصورة مكتوبة، فواجهه عمر بصراحة: لا نريد كتابك وأمانك من الضلال، ولا سنتك ولا عترتك، وحسبنا كتاب الله! وحتى تفسيره من حقنا نحن لا من حقك، وحق عترتك! !




    وأيده القرشيون الحاضرون ومن أثَّروا عليه من الأنصار، وصاحوا في محضر نبيهم صلى الله عليه وآله: القول ما قاله عمر! !

    وانقسم المودعون لنبيهم في آخر أيامه، وتشادوا بالكلام فوق رأسه صلى الله عليه وآله! ! منهم من يقول قربوا له قلماً وقرطاساً يكتب لكم أماناً من الضلال. وأكثرهم يصيح: القول ما قاله عمر، لا تقربوا له شيئاً، ولا تدَعُوهُ يكتب! !

    ولعل جبرئيل حينذاك كان عند النبي صلى الله عليه وآله فقد كثر نزوله عليه في الأيام الأخيرة، فتشاور معه وأخبره أن الحجة قد تمت، والإصرار على الكتاب يعني دفع قريش نحو الردة، والحل هو الإعراض عنهم، وإكمال تبليغهم بطردهم! !

    فطردهم النبي صلى الله عليه وآله وقال لهم: قوموا فما ينبغي عند نبي تنازع! قوموا، فما أنا فيه خير مما تدعوني اليه.. ! !

    وحديث إيتوني بدواةٍ وقرطاسٍ حديث معروفٌ، وقد سمى ابن عباس تلك الحادثة (رزية يوم الخميس)، وقد رواها البخاري في ست مواضع من صحيحه!


    الحادية عشرة:

    كان النبي صلى الله عليه وآله مصاباً بحمى شديدة في مرضه، وكان يغشى عليه لدقائق من شدة الحمى ويفيق.. فأحس بأن بعض من حوله أرادوا أن يسقوه دواء عندما أغمي عليه، فأفاق ونهاهم، وشدد عليهم النهي بأن لا يسقوه أي دواء إذا أغمي عليه.. ولكنهم اغتنموا فرصة الإغماء عليه بعد ذلك، وصبوا في فمه دواء فرفضه، ولكنهم سقوه إياه بالقوة! !

    فأفاق النبي صلى الله عليه وآله، ووبخهم على عملهم! وأمر كل من كان حاضراً أن يشرب من ذلك الدواء، ماعدا بني هاشم! !

    ورووا أن الجميع شربوا من (ذلك) الدواء! !

    هذه الحادثة المعروفة في السيرة بحادثة (لَدّ النبي) صلى الله عليه وآله ينبغي أن تعطى حقها من البحث والتحقيق، فربما كانت محاولةً لقتل النبي صلى الله عليه وآله بالسم! !




    إن وكل واحدة من هذه الحوادث تصلح أن تكون موضوعاً لرسالة دكتوراه.. ولكنا أردنا منها التمهيد لتفسير آية (سأل سائل) في مطلع سورة المعارج.

    وإذا أردت أن تعرف الأبطال الحقيقيين لهذه الحوادث، والأدمغة المخططة لها.. فابحث عن قريش! !

    وإذا أردت أن تفهم أكثر وتتعمق أكثر، فابحث.. عن علاقة قريش باليهود! ! فاعجب من ذلك، وافهم كيف عصم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله من أن ترتد قريش في حياته، وتعلن كفرها بنبوته!

    ولكنه لم يعصمه من أذاها ومؤامراتها.. فذلك هو طريق الأنبياء عليهم السلام وتكاليفه.. لا تغيير فيها!

    تعليق


    • #32
      استنفار قريش بعد الغدير

      تحركت قافلة النبوة والإمامة من غدير خمٍ نحو المدينة.. وسكن قلب النبي صلى الله عليه وآله واطمأن.. ولكن قريشاً لم تسكن، بل صارت في حالة غليانٍ من الغيظ!

      هكذا تقول الأحاديث، ومنطق الأحداث.. فقريش لا تسكت حتى ترى العذاب الأليم! وقد قال لهم الصادق الأمين الذي لا ينطق إلا وحياً صلى الله عليه وآله: لا أراكم منتهين يا معشر قريش! !

      إن آية العصمة من الناس كما قدمنا، لا تعني أن الله تعالى جعل الطريق أمام رسوله صلى الله عليه وآله ناعماً كالحرير، ولا أنه جعل له قريشاً فرساً ريِّضاً طائعاً..

      إن قدرته تعالى لا يمتنع منها شيء.. ولكنه أراد للأمور أن تجري بأسبابها، وللأمة أن تجري عليها سنن الأمم الماضية، فتمتحن بإطاعة نبيها من بعده، أو معصيته..

      وهذا يستوجب أن تبقى لها القدرة على معصيته.. أما على الردة في حياته وفي وجهه.. فلا.

      إن قدرتها تصل الى حد قولها لنبيها صلى الله عليه وآله: لا نريد وصيتك ولا سنتك ولا عترتك، حسبنا كتاب الله! !




      لكن ما بعدها ذلك خطٌّ أحمر.. هكذا أراد الله تعالى! !

      لقد تحققت عصمة النبي صلى الله عليه وآله من قريش في منعطفات كثيرة في حجة الوداع.. في مكة، وعرفات، وفي ثلاث خطبٍ في منى، خاصةً خطبة مسجد الخيف..

      وما تنفست قريش الصعداء إلا برحيله صلى الله عليه وآله دون أن يطالبها بالبيعة لعلي!

      ولكن الله تعالى لم يكتف بذلك، حتى أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يوقف المسلمين في طريق عودتهم في حر الظهيرة، في صحراء ليس فيها كلأ لخيولهم وجمالهم، ولا سوق ليشتروا منه علوفة وطعاماً، إلا دوحةٌ من بضع أشجار على قليل من ماء.. وذلك بعد مسير ثلاثة أيام، ولم يصبر عليهم حتى يصلوا الى مدينة الجحفة التي لم يبق عنها إلا ميلان أو أقل، بل كان أول القافلة وصل الى مشارفها، فبعث اليهم وأرجعهم الى صحراء الغدير!

      كل ذلك لكي يصعد الرسول صلى الله عليه وآله المنبر في غير وقت صلاة، ليرفع بيد ابن عمه وصهره علي عليه السلام ويقول لهم: هذا وليكم من بعدي، ثم من بعده ولداه الحسن والحسين، ثم تسعة من ذرية الحسين! عليهم السلام

      هنا تجلت آية العصمة من الناس مجسمةً للعيان.. فقد كمَّمَ الله تعالى أفواه قريش عن المعارضة، وفتح أفواههم للموافقة، فقالوا جميعاً: نشهد أنك بلغت عن ربك.. وأنك نعم الرسول.. سمعنا وأطعنا.. وتهافتوا مع المهنئين الى خيمة علي.. وكبروا مع المكبرين عندما نزلت آية (اليوم أكملت لكم دينكم) !

      ثم أصغوا جميعاً الى قصيدة حسان بن ثابت في وصف نداء النبي صلى الله عليه وآله، وإبلاغه عن ربه ولاية علي عليه السلام من بعده.

      واستمرت التهنئة من بعد صلاة العصر الى ماشاء الله.. ومن بعد صلاة المغرب والعشاء تتابع عدد من المهنئين في العتمة، حتى طلع قمر ليلة التاسع عشر من ذي الحجة.. فقد بات النبي صلى الله عليه وآله في غدير الإمامة، وتحرك الى المدينة بعد صلاة فجره.. وقيل بقي فيه يومان!




      أما كيف سلب الله تعالى قريشاً القدرة على تخريب مراسم الغدير.. وكيف كف ألسنتها.. وهي السليطةُ بالإعتراض.. الجريئةُ على الأنبياء؟!

      وكيف جعلها تفكر بأن تمرر هذا اليوم لمحمد صلى الله عليه وآله يفعل لبني هاشم وعليٍّ ما يشاء؟! فذلك من عمله عز وجل، وقدرته المطلقة.. المطلقة!

      هذا هو الأسلوب الأول الذي عصم الله به رسوله من ارتداد قريش، ولا بد أن ما خفي عنا من ألطافه تعالى أعظم.

      أما الأسلوب الثاني فكان لغة العذاب السماوي، التي تفهمها قريش جيداً، كما كان يفهمها اليهود في زمان أنبيائهم! !

      تعليق


      • #33
        أحجار من السماء للناطقين باسم قريش

        ورد في أحاديث السنة والشيعة أسماءٌ عديدةٌ لأشخاصٍ اعترضوا على إعلان النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام في غدير خم.

        ويفهم منها أن عدداً منها تصحيفات لاسم شخص واحد، ولكن عدداً آخر لايمكن أن يكون تصحيفاً، بل يدل على تعدد الحادثة، خاصة أن العقاب السماوي في بعضها مختلف عن الآخر.. وهم:

        جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري..

        والحارث بن النعمان الفهري..

        والحرث بن النعمان الفهري

        وعمرو بن عتبة المخزومي..

        والنضر بن الحارث الفهري..

        والحارث بن عمرو الفهري

        والنعمان بن الحارث اليهودي

        والنعمان بن المنذر الفهري



        وعمرو بن الحارث الفهري

        ورجل من بني تيم

        ورجل أعرابي...

        ورجل أعرابي من أهل نجد من ولد جعفر بن كلاب بن ربيعة.

        وكل هؤلاء قرشيون إلا الربيعي واليهودي إذا صحت روايتهما! وليس فيهم أنصاري واحد، إذ لم يعهد من الأنصار اعتراضٌ على الإمتيازات التي أعطاها الله تعالى لعترة رسوله صلى الله عليه وآله ! وإن عهد منهم عدم الوفاء لهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله

        وخلاصة الحادثة: أن أحد هؤلاء الأشخاص ـ أو أكثر من واحد ـ اعترض على النبي صلى الله عليه وآله واتهمه بأن إعلانه علياً عليه السلام ولياً على الأمة، كان عملاً من عنده وليس بأمر الله تعالى! ولم يقتنع بتأكيد النبي صلى الله عليه وآله له، بأنه ما فعل ذلك إلا بأمر ربه!

        وذهب المعترض من عند النبي صلى الله عليه وآله مغاضباً وهو يدعو الله تعالى أن يمطر الله عليه حجارة من السماء إن كان هذا الأمر من عنده.. فرماه الله بحجرٍ من سجيلٍ فأهلكه! أو أنزل عليه ناراً من السماء فأحرقته!

        وهذه الحادثة تعني أن الله تعالى استعمل التخويف مع قريش أيضاً، ليعصم رسوله صلى الله عليه وآله من تكاليف حركة الردة التي قد تُقْدِم عليها.. وبذلك تعزز عند زعماء قريش الإتجاه القائل بفشل المواجهة العسكرية مع النبي صلى الله عليه وآله، وضرورة الصبر حتى يتوفاه الله تعالى!

        تعليق


        • #34
          مسائل حول الاية
          المسالة الاولى



          ***
          وفي هذا الحديث النبوي، والحادثة الربانية، مسائل وبحوث عديدةٌ أهمها:


          المسألة الأولى: في أن مصادر السنيين روت هذا الحديث

          لم تختص بروايته مصادرنا الشيعية بل روته مصادر السنيين أيضاً، وأقدم من رواه من أئمتهم: أبو عبيد الهروي في كتابه: غريب القرآن.



          ـ قال في مناقب آل أبي طالب 2|240:

          أبو عبيد، والثعلبي، والنقاش، وسفيان بن عينيه، والرازي، والقزويني، والنيسابوري، والطبرسي، والطوسي في تفاسيرهم، أنه لما بلَّغَ رسول صلى الله عليه وآله بغدير خم ما بلَّغ، وشاع ذلك في البلاد، أتى الحارث بن النعمان الفهري وفي رواية أبي عبيد: جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال:

          يا محمد! أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إلَه إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، فقبلنا منك، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شيء منك أم من الله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله.

          فولى جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل اليها حتى رماه الله بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع.. الآية. انتهى.

          وقد أحصى علماؤنا كصاحب العبقات، وصاحب الغدير، وصاحب إحقاق الحق، وصاحب نفحات الأزهار، وغيرهم.. عدداً من أئمة السنيين وعلمائهم الذين أوردوا هذا الحديث في مصنفاتهم، فزادت على الثلاثين.. نذكر منهم اثني عشر:

          1 ـ الحافظ أبو عبيد الهروي المتوفى بمكة 223، في تفسيره (غريب القرآن)

          2 ـ أبو بكر النقاش الموصلي البغدادي المتوفى 351، في تفسيره.

          3 ـ أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري المتوفى 427، في تفسيره (الكشف والبيان)

          4 ـ الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب (أداء حق الموالاة)

          5 ـ أبو بكر يحيى القرطبي المتوفى 567، في تفسيره

          6 ـ شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرته

          7 ـ شيخ الإسلام الحمويني المتوفى 722، روى في فرائد السمطين في الباب


          الثالث عشر قال: أخبرني الشيخ عماد الدين الحافظ بن بدران بمدينة نابلس، فيما أجاز لي أن أرويه عنه إجازة، عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد الأنصاري إجازة، عن عبد الجبار بن محمد الحواري البيهقي إجازة، عن الإمام ابي الحسن علي بن أحمد الواحدي قال: قرأت على شيخنا الأستاذ أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره: أن سفيان بن عيينة سئل عن قوله عز وجل: سأل سائل بعذاب واقع فيمن نزلت فقال....

          8 ـ أبو السعود العمادي المتوفى 982، قال في تفسيره 8|292: قيل هو الحرث بن النعمان الفهري، وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله عليه السلام في علي رضي الله عنه: من كنت مولاه فعلي مولاه، قال....

          9 ـ شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفى 977، قال: في تفسيره السراج المنير: 4|364: اختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس: هو النضر بن الحرث، وقيل: هو الحرث بن النعمان....

          10 ـ الشيخ برهان الدين علي الحلبي الشافعي المتوفى 1044، روى في السيرة الحلبية: 3|302 وقال: لما شاع قوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه في ساير الأمصار وطار في جميع الأقطار، بلغ الحرث بن النعمان الفهري.... الى آخر لفظ سبط ابن الجوزي.

          11 ـ شمس الدين الحفني الشافعي المتوفى 1181، قال في شرح الجامع الصغير للسيوطي: 2|387 في شرح قوله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه.

          12 ـ أبوعبد الله الزرقاني المالكي المتوفى 1122، في شرح المواهب اللدنية، | 13. انتهى. وسيأتي ذكر بقية مصادر الحديث في بحث أسانيده.

          تعليق


          • #35
            المسألة الثانية: هل أن سورة المعارج مكية أو مدنية

            يلاحظ القارىَ أن الجو العام للسورة الشريفة الى آية 36، أقرب الى جو السور


            المدنية وتشريعات سورة النور والمؤمنين، وأن جو الآيات 36 الى آخر السورة أقرب الى جو السور المكية، التي تؤكد على مسائل العقيدة والآخرة.

            ولذلك لا يمكن معرفة مكان نزول السورة من آياتها، حسب ما ذكروه من خصائص للسور المكية والمدنية، وضوابط للتمييز بينها.. على أن هذه الخصائص والضوابط غير دقيقة ولا علمية!

            وإذا صح لنا أن نكتفي بها، فلا بد أن نقول إن القسم الأخير من السورة من قوله تعالى (فما للذين كفروا قبلك مهطعين) الى آخرها، نزلت أولاً في مكة، ثم نزل القسم الأول منها في المدينة، ووضع في أولها! !

            ولكن ذلك ليس أكثر من ظن! والطريق الصحيح لتعيين مكيتها أو مدنيتها هو النص، والنص هنا متعارضٌ سواءً في مصادرنا أو مصادر السنيين، ولكن المفسرين السنيين رجحوا مكيتها وعدوها في المكي.

            ولا يبعد أن ذلك هو المرحج حسب نصوص مصادرنا أيضاً.

            ـ فقد روى القاضي النعمان في شرح الأخبار 1|241

            عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: نزلت والله بمكة للكافرين بولاية علي عليه السلام. انتهى.

            والظاهر أن مقصوده عليه السلام: أنها نزلت في مكة وكان مقدراً أن يأتي تأويلها في المدينة عند اعتراضهم على إعلان النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام.

            ـ وقال الكليني في الكافي 5|450:

            قال: سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق، فقال له: يا أبا جعفر ما تقول في المتعة، أتزعم أنها حلال؟

            قال: نعم.

            قال: فما يمنعك أن تأمر نساءك أن يستمتعن ويكتسبن عليك؟

            فقال له أبو جعفر: ليس كل الصناعات يرغب فيها، وإن كانت حلالاً، وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم. ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ، أتزعم أنه حلال؟




            فقال: نعم.

            قال: فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكتسبن عليك؟

            فقال أبو حنيفة: واحدةٌ بواحدة، وسهمك أنفذ.

            ثم قال له: يا أبا جعفر إن الآية التي في سأل سائل، تنطق بتحريم المتعة والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله قد جاءت بنسخها؟

            فقال له أبو جعفر: يا أبا حنيفة إن سورة سأل سائل مكية، وآية المتعة مدنية، وروايتك شاذة ردية.

            فقال له أبوحنيفة: وآية الميراث أيضاً تنطق بنسخ المتعة؟

            فقال أبو جعفر: قد ثبت النكاح بغير ميراث.

            قال أبو حنيفة: من أين قلت ذاك؟

            فقال أبو جعفر: لو أن رجلاً من المسلمين تزوج امرأة من أهل الكتاب، ثم توفي عنها ما تقول فيها؟

            قال: لا ترث منه.

            قال: فقد ثبت النكاح بغير ميراث. ثم افترقا. انتهى.

            وقول أبي حنيفة إن سورة سأل سائل تنطق بتحريم المتعة، يقصد به قوله تعالى في السورة (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم).

            فأجابه مؤمن الطاق بأن السورة مكية وآية (فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن) مدنية، فكيف ينسخ المتقدم المتأخر؟

            ولكن الجواب الأصح: أن المتمتع بها زوجةٌ شرعية، فهي مشمولةٌ لقوله تعالى (إلا على أزواجهم) وقد أفتى عدد من علماء السنيين بأنه يجوز للرجل أن يتزوج امرأة حتى لو كان ناوياً أن يطلقها غداً، وهو نفس المتعة التي يشنعون بها علينا.

            بل أفتى أبو حنيفة نفسه بأن الرجل لو استأجر امرأة لخدمته وكنْس منزله وغسل ثيابه، فقد جاز له مقاربتها بدون عقد زواج، لا دائمٍ ولا منقطع! ! بحجة أن عقد


            الإجارة يشمل ذلك! وهذا أوسع من المتعة التي يقول بها الفقه الشيعي، لأن عقد الزواج شرطٌ فيها، وإلا كانت زنا.

            والنتيجة أن المرجح أن تكون سورة المعارج مكية، ولكن ذلك لا يؤثر على صحة الحديث القائل بأن العذاب الواقع هو العذاب النازل على المعترض على النبي صلى الله عليه وآله عندما أعلن ولاية علي عليه السلام، لأن ذلك يكون تأويلاً لها، وإخباراً من جبرئيل عليه السلام بأن هذه الحادثة هي من العذاب الواقع الموعود.

            فقد تقدمت رواية شرح الأخبار في ذلك، وستأتي منه رواية فيها (فأصابته الصاعقة فأحرقته النار، فهبط جبرئيل وهو يقول: إقرأ يا محمد: سأل سائلٌ بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع). وهي كالنص في أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله بتطبيق الآية أو تأويلها.

            بل يظهر من أحاديثنا أن ما حل بالعبدري والفهري ما هو جزءٌ صغيرٌ من (العذاب الواقع) الموعود، وأن أكثره سينزل تمهيداً لظهور الإمام المهدي عليه السلام أو نصرةً له..

            ـ وقد أوردنا في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام: 5|458 عدة أحاديث عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام في تفسير العذاب الواقع بأحداثٍ تكون عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام.

            ـ منها ما رواه علي بن ابراهيم القمي في تفسيره: 2|385 قال:

            سأل سائلٌ بعذاب واقع، قال: سئل أبو جعفر عليه السلام عن معنى هذا، فقال: نارٌ تخرج من المغرب، وملكٌ يسوقها من خلفها حتى تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها، ولا تدع داراً فيها وترٌ لآل محمدٍ إلا أحرقتها، وذلك المهدي عليه السلام.

            ـ ومنها مارواه النعماني في كتاب الغيبة|272 قال:

            حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد


            الله جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، قال: تأويلها فيما يأتي عذابٌ يقع في الثوية يعني ناراً حتى تنتهي الى الكناسة كناسة بني أسد، حتى تمر بثقيف لا تدع وتراً لآل محمد إلا أحرقته، وذلك قبل خروج القائم عليه السلام. انتهى.

            والأمكنة التي ذكرتها الروايتان، من أمكنة الكوفة التي ثبت أن الإمام المهدي عليه السلام سيتخذها عاصمةً له.

            وقول الإمام الصادق عليه السلام (تأويلها فيما يأتي) يدل على أن مذهب أهل البيت عليهم السلام أن العذاب الواقع في الآية وعيدٌ مفتوحٌ منه ما وقع فيما مضى على المشركين والمنافقين، ومنه ما يقع فيما يأتي على بقيتهم.. وهو المناسب مع إطلاق التهديد في الآية، ومع سنة الله تعالى وانتصاره لدينه وأوليائه.

            تعليق


            • #36
              المسألة الثالثة: هل العذاب في سورة المعارج دنيوي أم أخروي

              المتأمل في السورة نفسها بقطع النظر عن الأحاديث والتفاسير.. يلاحظ أن موضوعها ومحور كل آياتها هو العذاب الأخروي وليس الدنيوي.

              كما أن آياتها لا تنص على ذم السائل عن ذلك العذاب، فقد يكون مجرد مستفهمٍ لا ذنب له، وقد يكون السائل بالعذاب هنا بمعنى الداعي به، وقد رأيت أن القرطبي ذكر قولاً بأن السائل بالعذاب نبي الله نوح عليه السلام، وقولاً آخر بأنه نبينا صلى الله عليه وآله !

              ولذلك يرد في الذهن سؤال: من أين أطبق المفسرون الشيعة والسنة على أنها تشمل العذاب الدنيوي، وأن ذلك السائل بالعذاب سأل متحدياً ومكذباً؟!

              والجواب: أن سر ذلك يكمن في (باء) العذاب، وأن (سأل به) تعني التساؤل عن الشيىء المدعى وطلبه، استنكاراً وتحدياً!

              فكلمة: سأل به، تدل على أن السائل سمع بهذا العذاب، لأن النبي صلى الله عليه وآله كان ينذرهم بالعذاب الدنيوي والأخروي معاً.. فتساءل عنه، وأنكره، وتحدى أن يقع!

              وقد أجابه الله تعالى بالسورة، ولم ينف سبحانه العذاب الدنيوي لأعدائه، وإن كان ركز على العذاب الأخروي وأوصافه، لأنه الأساس والأكثر أهميةً واستمراراً،


              ولأن صفته الجزائية أكثر وضوحاً.

              فكأن السورة تقول: أيها المستهزؤون بالعذاب الذي ينذركم به رسولنا.. إن كل ما أنذركم به من عذاب دنيوي أو أخروي سوف يقع، ولا دافع له عن الكفار.. فآمنوا بالله ليدفعه عنكم، بحسب قوانينه تعالى في دفع عذابه عن المؤمنين.

              فقوله تعالى (للكافرين ليس له دافع) ينفي إمكان دفعه عن الكافرين، فهو ثابت لمن يستحقه منهم، وهو أيضاً ثابتٌ لمن يستحقه من الذين قالوا آمنا، لكن دافعٌ هو التوبة والإستغفار مثلاً.

              كما أن (الكافرين) في الآية لا يبعد أن تكون بالمعنى اللغوي، فتشمل الكافرين ببعض آيات الله تعالى، أو بنعمه، ولو كانوا مسلمين.

              وعندما نشك في أن كلمة استعملت بمعناها اللغوي أو الإصطلاحي، فلا بد أن نرجح المعنى اللغوي، لأنه الأصل، والإصطلاحي يحتاج الى قرينة.

              وقد وقع المفسرون السنيون في تهافتٍ في تفسير السورة، لأنهم جعلوا (العذاب الواقع) عذاباً أخروياً أو لغير المسلمين، وفي نفس الوقت فسروه بعذاب النضر بن الحارث العبدري بقتله يوم بدر، فصار بذلك شاملاً للعذاب الدنيوي!

              ويلاحظ الباحث في التفاسير السنية أنه يوجد منهجٌ فيها، يحاول أصحابه دائماً أن يفسروا آيات العذاب الواردة في القرآن الكريم ـ خاصة التي نزلت في قريش ـ بالعذاب الأخروي، أو يرموها على أهل الكتاب، ويبعدوها عن المسلمين، حتى المنافقين منهم! وقد أوجب عليهم هذا المنهج في تبرئة قريش، أن يتهموا النبي صلى الله عليه وآله بأنه دعا ربه بالعذاب على قومه، فلم يستجب له! بل وبخه الله تعالى بقوله: ليس لك من الأمر شيء.. الخ..

              وهكذا ركزت الدولة القرشية مقولة اختيار الله لقريش، وعدم سماحه بعذابها، وجعلتها أحاديث نبوية، ولو كان فيها تحطئةٌ وإهانةٌ للنبي صلى الله عليه وآله، وأدخلتها في مصادر التفسير والحديث.



              أما عندما يضطرون الى الإعتراف بوقوع العذاب الدنيوي لأحد فراعنة قريش، فيقولون إنه خاصٌ بحالة معينة، مثل حالة النضر بن الحارث، وقد وقعت في بدر وانتهى الأمر!

              ـ فقد اختار الفخر الرازي في تفسيره: 30|122

              أن العذاب المذكور في مطلع السورة هو العذاب الأخروي، وأن الدنيوي مخصوص بالنضر بن الحارث، قال: (لأن العذاب نازل للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد، وقد وقع بالنضر لأنه قتل يوم بدر) ثم وصف هذا الرأي بأنه سديد.. وهو بذلك يتبع جمهور المفسرين السنيين، مع أن السورة لا تشير الى انتهاء أي نوع من العذاب الموعود! !

              على أن منهج المفسرين في إبعاد العذاب عن قريش، أقل تشدداً من منهج المحدثين الرسميين، فهولاء لايقبلون (العذاب الواقع) لأحدٍ من قريش، حتى للنضر بن الحارث، وحتى لأبي جهل! بل هم الذين فتحوا باب تهمة النبي صلى الله عليه وآله بأنه دعا على قومه، فخطَّأَهُ الله تعالى ووبخه! !

              ـ فقد روى البخاري في صحيحه: 5|199

              عن أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. ورواه البخاري في عدة أماكن أخرى، ورواه مسلم في: 8|129..

              وإذا أردت أن تقرأ ما لا تكاد تصدقه عيناك، فاقرأ ما رووه في تفسير قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء) فهي آيةٌ تنفي عن النبي صلى الله عليه وآله كل أنواع الألوهية والشراكة لله تعالى، ولكنها في نفس الوقت لا تسلب عنه شيئاً من مقامه النبوي وخلقه العظيم وحكمته، وحرصه على هداية قومه.. ولكن انظر كيف صور المحدثون النبي صلى الله عليه وآله في تفسيرها بأنه ضيق الصدر، مبغضٌ لقريش، يريد الإعتداء عليها وظلمها.. !!




              فنزل الوحي مدافعاً عن هذه القبائل المقدسة، ورد عدوانية نبيها! !

              ولا يتسع المجال للإفاضة في هذا الموضوع، ولكن القارىَ السني يجد نفسه متحيراً بين ولاء المفسرين لقريش كمجاهد الذي يسمح بكون قتل بعض فراعنتها كالنضر عذاباً لها، وبين ولاء المحدثين لقريش كالبخاري الذي يقول إن قتل النضر وأبي جهل ليس هو العذاب الإلَهي، فهؤلاء قومٌ برزوا الى مضاجعهم، فقد رفع الله عذابه عن قريش، ووبخ رسوله، لأنه دعا عليها! !


              ***
              وأخيراً يمكن للباحث أن يستدل لنصرة رأي المفسرين القائل بأن العذاب السورة يشمل العذاب الدنيوي، بما رواه ابن سعد في الطبقات، من قصة اختلاف طلحة والزبير وابنيهما على إمامة الصلاة في معسكر عائشة في حرب الجمل، قال:

              ولما قدموا البصرة أخذوا بيت المال، وختماه جميعاً طلحة والزبير، وحضرت الصلاة فتدافع طلحة والزبير حتى كادت الصلاة تفوت، ثم اصطلحا على أن يصلي عبد الله بن الزبير صلاةً ومحمد بن طلحة صلاةً، فذهب ابن الزبير يتقدم فأخره محمد بن طلحة، وذهب محمد بن طلحة يتقدم فأخره عبد الله بن الزبير عن أول صلاة! ! فاقترعا فقرعه محمد بن طلحة، فتقدم فقرأ: سأل سائل بعذاب واقع! ! انتهى. فقد فهم محمد بن طلحة القرشي التيمي من السورة أنها تهديدٌ بعذاب دنيوي ولذلك هدد بها ابن الزبير. وهو دليلٌ على أن الإرتكاز الذهني عند الصحابة المعاصرين للنزول، أن العذاب في السورة يشمل العذاب الدنيوي أيضاً.

              تعليق


              • #37
                المسألة الرابعة: موقف السنيين من الحديث

                ولكن الذين ذكروا الحديث من السنيين ليس موقفهم منه واحداً، فمنهم من قبله ورجحه على غيره كأبي عبيد والثعلبي والحمويني، ومنهم من نقله بصيغة: روي أو قيل. ومنهم من رجح غيره عليه، ولكن أحداً منهم لم يطعن فيه.. وأقل موقفهم منه أنه حديثٌ موجودٌ، قد يكون سنده صحيحاً، ولكن غيره أرجح منه، كما سترى.



                إن العالم السني يرى نفسه ملزماً باحترام هذا الحديث، بل يرى أنه بإمكانه أن يطمئن اليه ويأخذ به، لأن الذين قبلوه من أئمة العلم والدين قد يكتفي العلماء بمجرد نقل أحدهم للحديث وقبوله له، كأبي عبيد وسفيان بن عيينة..

                وقد رأينا المحدث الألباني الذي يعتبره الكثيرون المجتهد الأول في التصحيح والتضعيف في عصرنا، ربما يكتفي في سلسلته أحاديثه الصحيحة للحكم بصحة الحديث بتصحيح عالمين أو ثلاثة من قبيل: ابن تيمية والذهبي وابن قيم.

                مضافاً الى أن المحدثين السنة ذكروا له طرقاً أخرى، عن حذيفة، وعن أبي هريرة وغيرهما.

                وتجد ترجمات هؤلاء الأئمة مفصلةً في مصادر الجرح والتعديل السنية، وفي عبقات الأنوار، والغدير، ونفحات الأزهار، من مصادرنا.

                نماذج من تفسيرات السنيين لآية: سأل سائل

                ـ قال الشوكاني في فتح القدير: 5|352:

                وهذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجار من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. وهو ممن قتل يوم بدر صبراً.

                وقيل: هو أبو جهل. وقيل: هو الحارث بن النعمان الفهري. والأول أولى لما سيأتي. انتهى.

                وقصده بما يأتي ما ذكره في ص 356، من رواياتهم التي تثبت أن السورة مكية وأن صاحب العذاب الواقع هو النضر، وليس ابنه جابراً، ولا الحارث الفهري قال: وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردوية عن ابن عباس في قوله: سأل سائل، قال: هو النضر بن الحارث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجار من السماء. انتهى.

                ولم يذكر الشوكاني الحديث المروي في جابر والحارث، ومن رووه، ولماذا رجح عليه حديث النضر؟ هل بسبب السند أو الدلالة... الخ.



                ولو أنه اقتصر على ذكر ما اختاره في سبب نزولها لكان له وجهٌ، ولكنه ذكر القولين، وذكر رواية أحدهما دون الآخر، وبذلك ابتعد عن إنصاف العالم الباحث.

                لكن شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفى سنة 977، صاحب التفسير المعروف، كان أكثر إنصافاً من الشوكاني، فقد ذكر السببين معاً، فقال كما نقل عنه صاحب عبقات الأنوار: 7|398:

                سأل سائل بعذاب واقع: اختلف في هذا الداعي، فقال ابن عباس: هو النضر بن الحارث. وقيل: هو الحارث بن النعمان، وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فعلي مولاه، ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته في الأبطح ثم قال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك...الخ.. انتهى.

                أما أبو عبيد المتوفى سنة 223، فقد جعل الحديث سبباً لنزول الآية على نحو الجزم، لأنه ثبت عنده، ولعله لم يثبت عنده غيره حتى يذكره، فقال كما في نفحات الأزهار: 7|291

                لما بلَّغَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غدير خم ما بلَّغَ، وشاع ذلك في البلاد، أتى جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال:

                يا محمد! أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إلَه إلاالله وأنك رسول الله، وبالصلاة، والصوم والحج، والزكاة، فقبلنا منك.. ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شيء منك أم من الله؟!

                فقال رسول الله: والله الذي لا إلَه إلا هو إنَّ هذا من الله.

                فولى جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع.. الآية. انتهى.

                ـ وقال القرطبي في تفسيره: 18|278

                أي سأل سائل عذاباً واقعاً. للكافرين: أي على الكافرين. وهو النضر بن الحارث

                حيث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزل سؤاله. وقتل يوم بدر صبراً هو وعقبة بن أبي معيط، لم يقتل صبراً غيرهما، قاله ابن عباس ومجاهد.

                وقيل: إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري، وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه (من كنت مولاه فعلي مولاه) ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح.. الى آخره، بنحو رواية أبي عبيد. ثم قال:

                وقيل: إن السائل هنا أبو جهل، وهو القائل لذلك، قاله الربيع.

                وقيل: إنه قول جماعةٍ من كفار قريش.

                وقيل: هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين.

                وقيل: هو رسول الله صلي الله عليه وسلم أي دعا عليه السلام بالعقاب، وطلب أن يوقعه الله بالكفار، وهو واقع بهم لا محالة، وامتد الكلام الى قوله تعالى: فاصبر صبراً جميلاً أي: لا تستعجل فإنه قريب. انتهى.

                وبذلك نلاحظ أن المفسرين السنيين وإن كانوا يرجحون تفسير الآية بالنضر بن الحارث العبدري، ويرحجون أن العذاب الموعود فيها هو قتله في بدر.. ولكنهم في نفس الوقت يذكرون تفسيرها بوقوع العذاب على من اعترض على النبي صلى الله عليه وآله لإعلانه ولاية علي عليه السلام من بعده في غدير خم.

                ومجرد ورود هذا التفسير في مصادرهم بصفته قولاً محترماً في تفسير الآية، ولو رجحوا عليه غيره، يدل على وجود إعلان نبوي رسمي بحق علي، ووجود اعتراضٍ عليه! فالمسلم لا يحتاج الى أكثر من اعتراف المفسرين بذلك، سواءً وقعت الصاعقة على المعترض أم لم تقع، وسواء نزلت سورة المعارج عند هذه الحادثة أو لم تنزل! ! فلا بد للشيعي من توجيه الشكر لهم، وإن ناقشهم في الوجه الآخر الذي رجحوه. وأهم االإشكالات التي ترد عليه: أن روايته ليست مرفوعة الى النبي صلى الله عليه وآله، بينما تفسير الشيعة مرفوع.




                ورواية تفسيرهم عن ابن عباس ومجاهد لا تحل المشكلة، خاصةً إذا كانت من راويه عكرمة المجروح عندنا وعندهم.

                ويرد على تفسيرهم أيضاً: أن من المتفق عليه عندهم تقريباً أن السؤال في الآية حقيقي وليس مجازياً، فقد حدث أن سأل النضر بن الحارث بالعذاب، وطلب نزوله فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فعذبه الله في بدرٍ بالقتل.

                مع أن آية مطر الحجارة من سورة الأنفال التي نزلت مع أحكام الأنفال، بعد بدر وبعد قتل النضر.. ومن البعيد أن يكون جواب قول النضر نزل في سورة مكية قبل الهجرة، ونفس قوله نزل في سورة مدنية، بعد هلاكه.

                ويرد عليه أيضاً: أن قولهم (اللهم إن كان هذا هوالحق من عندك فأنزل علينا حجارة من السماء) أكثر تناسباً وانطباقاً على تفسيرنا، وأصعب انطباقاً على تفسيرهم.. لأن معناه على تفسيرهم: اللهم إن كان هذا الدين منزلاً من عندك فأمطر علينا حجارة. ومعناه على تفسيرنا: اللهم إن الحكم لآل محمد صلى الله عليه وآله من بعده منزلاً من عندك، فأمطر علينا حجارة.. وهذا أكثر تناسباً، لأن الدعاء بحجارة من السماء لا يقوله قائله إلا في حالة اليأس من التعايش مع وضع سياسي جديد، يتحدى وضعه القبلي المتجذر في صميمه! !

                ويرد عليه أيضاً: أنه لو صح، فهو لا يمنع من تفسيرنا، فلا وجه لافتراضهم التعارض بينهما.. فأي تعارض بين أن يكون العذاب الواقع هوالعذاب الذي وقع على النضر بن الحارث في بدر، ثم وقع على ولده جابر بن النضر، كما في رواية أبي عبيد، ثم وقع ويقع لى آخرين من مستحقيه!

                وينبغي أن نشير هنا الى قاعدة مهمة في تفسير القرآن والنصوص عامة، وهي: ضرورة المحافظة على إطلاقات النص ما أمكن وعدم تضييقها وتقييدها.. فالآية الكريمة تقول إن أحدهم تحدى وتساءل عن العذاب الموعود، الذي أنذر به


                النبي صلى الله عليه وآله، فأجابه الله تعالى إنه واقعٌ بالكفار لا محالة كما أنذركم به رسولنا صلى الله عليه وآله حرفياً، في الدنيا والآخرة، وأنه جارٍ في الكفار وفي من آمن، حسب القوانين الخاصة التي وضعها له الله تعالى.

                وعليه فيكون عذاب الله تعالى لقريش في بدر والخندق من ذلك العذاب الواقع الموعود، وعذابهم بالجوع والقحط منه أيضاً، وعذابهم بفتح مكة وتسليمهم وخلعهم سلاحهم منه أيضاً.. ويكون عذاب المعترضين على النبي صلى الله عليه وآله لإعلانه ولاية عترته من بعده منه أيضاً!

                فلا موجب لحصر الآية بالنضر وحده، ولا لتضييق العذاب المنذر به بقتل شخص، ولو كان من الفراعنة، ولا حصره في عصر دون العصور الآتية، الى أن يرث الله الأرض ومن عليها..

                وكم تجد عند المفسرين السنيين من هذه التضييقات في آيات العذاب والرحمة حيث يحصرون أنفسهم فيها بلا موجب، ويحصرون فيها كلام الله المطلق، بلا دليل!

                تعليق


                • #38
                  المسألة الخامسة: موقف النواصب من حديث حجر السجيل

                  أما النواصب المبعضون لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله فلم نعثر على أحدٍ منهم رد هذا الحديث وكذبه قبل ابن تيمية، فقد هاجمه بعنف وتخبط في رده! وتبعه على ذلك من المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه تفسير المنار.. ومن الملاحظ أن هذا الشخص متأثرٌ بابن تيمية وتلميذه ابن قيم المدرسة الجوزية، بل مقلدٌ لهما في كثير من أفكارهما، وقد أدخلها في تفسيره، واستفاد لذلك من اسم أستاذه الشيخ محمد عبده رحمه الله وادعى أنه ميز بين أفكاره وأفكار أستاذه!

                  ومن يقرأ تفسير المنار يلمس الفرق بين الجزءين الأولين اللذين كتبهما في حياة الشيخ محمد عبده، واستفاد مما سجله من دروسه، وفيهما من عقلانيته رحمه الله واعتقاده بولاية أهل البيت عليهم السلام.. وبين الأجزاء التي أخرجها الشيخ رشيد رضا بعد


                  وفاة الشيخ محمد عبده، أو أعاد طباعتها، وفيها الكثير من الأفكار الجامدة والناصبة لأهل البيت عليهم السلام.

                  وقد نقل صاحب تفسير المنار في 6 |464 وما بعدها عن تفسير الثعلبي:

                  أن هذا القول من النبي صلى الله عليه وآله في موالاة علي شاع وطار فى البلاد، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري فأتى النبي صلى الله عليه وآله على ناقة وكان بالابطح فنزل وعقل ناقته وقال للنبي صلى الله عليه وآله وهو في ملأ من أصحابه: يا محمد أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك... ثم ذكر سائر أركان الإسلام... ثم لم ترض بهذا حتى مددت بضبعي ابن عمك وفضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا منك أم من الله! فقال صلى الله عليه وآله: والله الذي لا إلَه إلا هو هو أمر الله.

                  فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجاره من السماء أو ائتنا بعذاب اليم! فما وصل الى راحلته حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع الحديث...

                  وهذه الرواية موضوعةٌ، وسورة المعارج هذه مكية، وما حكاه الله من قول بعض كفار قريش: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك كان تذكيراً بقول قالوه قبل الهجره وهذا التذكير في سورة الأنفال، وقد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين، وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتد، ولم يعرف في الصحابة، والأبطح بمكة والنبي صلى الله عليه وآله لم يرجع من غدير خم الى مكة، بل نزل فيه منصرفه من حجة الوداع الى المدينة. انتهى.

                  وكأن رشيد رضا اغتاظ من هذا الحديث، وحاول تكذيبه من ناحية سنده فلم يجد ما يشفي غليله، ولما وجد تكذيب ابن تيمية له بنقد متنه فرح به وتبناه، ولكنه لم ينسبه اليه!

                  وعمدة ما قاله ابن تيمية وصاحب المنار: أن مكان الرواية الأبطح، وهو مكان في مكة، والنبي صلى الله عليه وآله لم يرجع بعد الغدير الى مكة.. وقد جهلا أو تجاهلا أبطح المدينة المشهور!

                  ثم قالا: إن الرواية تدعي أن الآية نزلت في المدينة، مع أن سورة المعارج مكية.. وقد تجاهلا أن جوَّ السورة الى الآية 36 على الأقل مدني، وأن هذا الحديث دليل على مدنيتها.

                  ثم لو صح كونها مكية، فقد يتكرر نزول الآية لبيان تفسيرها أو تأويلها، فتكون الحادثة تأويلاً لها. وقد روى المفسرون نزول آية (إنا أعطيناك الكوثر) في عدة مواضع تسليةً لقلب الرسول صلى الله عليه وآله.

                  فما المانع أن يكون تأويلها قد تحقق في (عشيرة العذاب الواقع) فتحقق في الأب النضز بن الحارث عندما قتله النبي صلى الله عليه وآله في بدر، ثم تحقق في الإبن جابر عندما قتله الله بحجر من السماء في أبطح المدينة، وأن يكون جبرئيل عليه السلام أكد الآية كلما تحقق تأويلها.

                  ثم من حق الباحث أن يقول لهما: لو سلمنا أن ذكر نزول الآية في الحادثة خطأ، أو زيادة، فما ذنب بقية الحديث! ولماذا يردونه كله ولا يقتصرون على رد زيادته وهو نزول الآية بمناسبته؟!

                  ـ وقد ناقش صاحب تفسير الميزان 6|54 تضعيف صاحب المنار للحديث فقال:

                  وأنت ترى ما في كلامه من التحكم. أما قوله إن الرواية موضوعة وسورة المعارج هذه مكية، فيعول في ذلك على ما في بعض الروايات عن ابن عباس وابن الزبير أن سورة المعارج نزلت بمكة، وليت شعري ما هو المرجح لهذه الرواية على تلك الرواية، والجميع آحاد.

                  سلمنا أن سورة المعارج مكية كما ربما تؤيده مضامين معظم آياتها، فما هو الدليل على أن جميع آياتها مكية؟ فلتكن السورة مكية والآيتان خاصة غير مكيتين.

                  كما أن سورتنا هذه أعني سورة المائدة مدنية نازلة في آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد


                  وضعت فيها الآية المبحوث عنها، أعني قوله تعالى: ياأيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، الآية، وهو كغيره من المفسرين مصرون على أنها نزلت بمكة في أول البعثة!...

                  وأما قوله وما حكاه الله من قول بعض كفار قريش الى آخره، فهو في التحكم كسابقه، فهب أن سورة الأنفال نزلت قبل المائدة ببضع سنين، فهل يمنع ذلك أن يوضع عند التأليف بعض الآيات النازلة بعدها فيها، كما وضعت آيات الربا وآية: واتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله: البقرة ـ 281، وهي آخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وآله عندهم، في سورة البقرة النازلة في أوائل الهجرة، وقد نزلت قبلها ببضع سنين؟

                  ثم قوله إن آية: وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق، الآية، تذكيرٌ لما قالوه قبل الهجرة، تحكمٌ آخر من غير حجة، لو لم يكن سياق الآيه حجة على خلافه، فإن العارف بأساليب الكلام لا يكاد يرتاب في أن هذا أعني قوله: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، لاشتماله على قوله: إن كان هذا هو الحق من عندك بما فيه من اسم الاشاره وضمير الفصل والحق المحلى باللام، وقوله من عندك، ليس كلام وثني مشرك يستهزىء بالحق ويسخر منه، إنما هو كلام من أذعن بمقام الربوبية، ويرى أن الأمور الحقة تتعين من لدنه وأن الشرائع مثلاً تنزل من عنده، ثم إنه يتوقف في أمر منسوب الى الله تعالى يدعي مدع أنه الحق لا غيره، وهو لا يتحمل ذلك ويتحرج منه، فيدعو على نفسه دعاء منزجر ملول سئم الحياة.

                  وأما قوله: وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتد، ولم يعرف في الصحابة، تحكمٌ آخر، فهل يسع أحداً أن يدعي أنهم ضبطوا أسماء كل من رأى النبي صلى الله عليه وآله، وآمن به، أو آمن به فارتد!

                  وإن يكن شيء من ذلك فليكن هذا الخبر من ذلك القبيل.

                  وأما قوله والأبطح بمكة والنبي صلى الله عليه وآله لم يرجع من غدير خم الى مكة، فهو يشهد


                  على أنه أخذ لفظ الأبطح اسماً للمكان الخاص بمكة، ولم يحمله على معناه العام وهو كل مكان ذي رمل.. ولا دليل على ما حمله عليه، بل الدليل على خلافه وهو القصة المسرودة فى الرواية وغيرها...

                  قال في مراصد الاطلاع: أبطح بالفتح ثم السكون وفتح الطاء والحاء المهملة: كل مسيل فيه رقاق الحصى فهو أبطح....

                  على أن الرواية بعينها رواها غير الثعلبي، وليس فيه ذكر من الأبطح، وهي ما يأتي من رواية المجمع من طريق الجمهور وغيرها.

                  وبعد هذا كله، فالرواية من الآحاد وليست من المتواترات، ولا مما قامت على صحتها قرينة قطعية، وقد عرفت من أبحاثنا المتقدمه أنا لا نعول على الآحاد في غير الأحكام الفرعية، على طبق الميزان العام العقلائي، الذي عليه بناء الإنسان في حياته، وإنما المراد بالبحث الآنف

                  بيان فساد ما استظهر به من الوجوه التي استنتج منها أنها موضوعة. انتهى.


                  ***

                  وكلام صاحب الميزان في رد تضعيف رشيد رضا للحديث كلامٌ قوي، لكن ليته بدل أن يضعِّفه هو بدعوى أنه من أخبار الآحاد، اطلع على مصادره ورواته.. وعلى بحث الأميني حوله في المجلد الأول من الغدير، وبحث السيد النقوي الهندي في عبقات الأنوار: 7 و 8، وغيرهما.

                  ـ ونورد فيما يلي خلاصةً لما كتبه صاحب الغدير رحمه الله في: 1|239، قال:

                  ومن الآيات النازلة بعد نص الغدير، قوله تعالى من سورة المعارج: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج.

                  وقد أذعنت به الشيعة وجاء مثبتاً في كتب التفسير والحديث لمن لا يستهان بهم من علماء أهل السنة، ودونك نصوصها.




                  ثم أورد صاحب الغدير نصوص ثلاثين مؤلفاً رووا الحديث بعدة طرق، وفيهم محدثان أقدم من الثعلبي كما تقدم..ثم أفاض في رد الوجوه التي ذكرها ابن تيمية في كتابه منهاج السنة: 4|13، وأجاب عنها، ونورد فيما يلي خلاصتها، قال:

                  الوجه الأول: إن قصة الغدير كانت في مرتجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وقد أجمع الناس على هذا، وفي الحديث: أنها لما شاعت في البلاد جاءه الحارث، وهو بالأبطح بمكة، وطبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة، فالمفتعل للرواية كان يجهل تاريخ قصة الغدير.

                  الجواب: أولاً ما سلف في رواية الحلبي في السيرة، وسبط ابن الجوزي في التذكرة، والشيخ محمد صدر العالم في معارج العلى، من أن مجئ السائل كان في المسجد ـ إن أريد منه مسجد المدينة ـ ونص الحلبي على أنه كان بالمدينة، لكن ابن تيمية عزب عن ذلك كله، فطفق يهملج في تفنيد الرواية بصورة جزمية.... فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مكة، ولو كان يراجع كتب الحديث ومعاجم اللغة والبلدان والأدب لوجد فيها نصوص أربابها بأن الأبطح كل مسيل فيه دقاق الحصى

                  ـ روى البخاري في صحيحه: 1|181، ومسلم في صحيحه: 1|382

                  عن عبد الله ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلى بها.

                  الوجه الثاني: أن سورة المعارج مكية باتفاق أهل العلم، فيكون نزولها قبل واقعة الغدير بعشر سنين أو أكثر من ذلك.

                  الجواب: أن المتيقن من معقد الإجماع المذكور هو نزول مجموع السورة مكياً، لا جميع آياتها، فيمكن أن يكون خصوص هذه الآية مدنياً، كما في كثير من السور.

                  ولا يرد عليه أن المتيقن من كون السورة مكية أو مدنية، هو كون مفاتيحها كذلك أو الآية التي انتزع منها اسم السورة، لما قدمناه من أن هذا الترتيب هو ما اقتضاه التوقيف، لا ترتيب النزول، فمن الممكن نزول هذه الآية أخيراً، وتقدمها

                  على النازلات قبلها بالتوقيف، وإن كنا جهلنا الحكمة في ذلك، كما جهلناها في أكثر موارد الترتيب في الذكر الحكيم، وكم لها من نظير ومن ذلك:

                  1 ـ سورة العنكبوت، فإنها مكية إلا من أولها عشرة آيات، كما رواه الطبري في تفسيره في الجزء العشرين|86، والقرطبي في تفسيره 13|323

                  . 2 ـ سورة الكهف، فإنها مكية إلا من أولها سبع آيات، فهي مدنية...كما في تفسير القرطبي 10|346، وإتقان السيوطي 1|16...

                  ثم عدد الأميني سبع عشرة سورة مكية فيها آيات مدنية، وسوراً مدنية فيها آيات مكية..

                  الوجه الثالث: أن قوله تعالى: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، نزلت عقيب بدر بالإتفاق قبل يوم الغدير بسنين.

                  الجواب: كأن هذا الرجل يحسب أن من يروي تلك الأحاديث المتعاضدة يرى نزول ما لهج به الحارث بن النعمان الكافر من الآية الكريمة... في اليوم المذكور.

                  والقارئ لهاتيك الأخبار جد عليم بمينه في هذا الحسبان، أو أنه يرى حجراً على الآيات السابق نزولها أن ينطق بها أحدٌ، فهل في هذه الرواية غير أن الرجل المرتد الحارث أو جابر تفوه بهذه الكلمات؟ وأين هو من وقت نزولها، فدعها يكن نزولها في بدر أو أحد، فالرجل أبدى كفره بها كما أبدى الكفار قبله إلحادهم بها!

                  لكن ابن تيمية يريد تكثير الوجوه في إبطال الحق الثابت.

                  الوجه الرابع: أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكة، ولم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبي صلى الله عليه وآله، لقوله تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون.

                  الجواب: لا ملازمة بين عدم نزول العذاب في مكة على المشركين، وبين عدم نزوله هاهنا على الرجل، فإن أفعال المولى سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحكمة.




                  ثم أورد الأميني عدداً من الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله فعذبهم الله تعالى، ثم قال: ولو كان وجود الرسول صلى الله عليه وآله مانعاً عن جميع أقسام العذاب بالجملة، لما صح ذلك التهديد، ولما أصيب النفر الذين ذكرناهم بدعوته، ولما قتل أحد في مغازيه بعضب
                  ه الرهيف، فإن كل هذه من أقسام العذاب، أعاذنا الله منها.

                  الوجه الخامس: أنه لو صح ذلك لكان آيةً كآية أصحاب الفيل، ومثلها تتوفر الدواعي لنقله، ولما وجدنا المصنفين في العلم من أرباب المسانيد والصحاح والفضايل والتفسير والسير ونحوها، قد أهملوه رأساً فلا يروى إلا بهذا الإسناد المنكر، فعلم أنه كذب باطل.

                  الجواب: إن قياس هذه التي هي حادثة فردية، لا تحدث في المجتمع فراغاً كبيراً يؤبه له، وورائها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الإنساء عليها كما أسدلوها على نص الغدير نفسه... مجازفةٌ ظاهرةٌ، فإن من حكم الضرورة أن الدواعي في الأولى دونها في الثانية....

                  وأما ما ادعاه ابن تيمية من إهمال طبقات المصنفين لها، فهو مجازفة أخرى، لما أسلفناه من رواية المصنفين لها من أئمة العلم، وحملة التفسير، وحفاظ الحديث، ونقلة التاريخ....

                  لم نعرف المشار إليه في قوله: بهذا الإسناد المنكر! فإنه لا ينتهي إلا الى حذيفة بن اليمان الصحابي العظيم، وسفيان بن عيينة المعروف بإمامته في العلم والحديث والتفسير، وثقته في الرواية.

                  وأما الإسناد إليهما، فقد عرفه الحفاظ والمحدثون والمفسرون المنقبون في هذا الشأن، فوجدوه حرياً بالذكر والإعتماد، وفسروا به آيات من الذكر الحكيم، من دون أي نكير، ولم يكونوا بالذين يفسرون الكتاب بالتافهات.

                  نعم: هكذا سبق العلماء وفعلوا، لكن ابن تيمية استنكر السند، وناقش في المتن لأن شيئاً من ذلك لا يلائم دعارة خطته.




                  الوجه السادس: أن المعلوم من هذا الحديث أن حارثاً المذكور كان مسلماً باعترافه بالمبادئ الخمسة الإسلامية، ومن المعلوم بالضرورة أن أحداً من المسلمين لم يصبه عذاب على العهد النبوي.

                  الجواب: إن الحديث كما أثبت إسلام الحارث، فكذلك أثبت ردته برده قول النبي صلى الله عليه وآله وتشكيكه فيما أخبر به عن الله تعالى، والعذاب لم يأته حين إسلامه، وإنما جاءه بعد الكفر والإرتداد... على أن في المسلمين من شملته العقوبة لما تجرؤوا على قدس صاحب الرسالة... ثم ذكر الأميني عدداً من الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله من المسلمين، منهم من ذكره مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع: أن رجلاً أكل عند النبي صلى الله عليه وآله بشماله، فقال: كل بيمينك. قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت! قال: فما رفعها الى فيه بعد.. الخ.!

                  الوجه السابع: أن الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة، ولم يذكره ابن عبد البر في الإستيعاب وابن مندة وأبو نعيم الإصبهاني وأبو موسى في تآليف ألفوها في أسماء الصحابة، فلم نتحقق وجوده.

                  الجواب: إن معاجم الصحابة غير كافلةٍ لاستيفاء أسمائهم، فكل مؤلف من أربابها جمع ما وسعته حيطته وأحاط به إطلاعه، ثم جاء المتأخر عنه فاستدرك على من قبله بما أوقفه السير في غضون الكتب وتضاعيف الآثار، وأوفى ما وجدناه من ذلك كتاب الإصابة بتمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، ومع ذلك فهو يقول في مستهل كتابه: ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة الى ما جاء عن أبي زرعة الرازي قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان، من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية....

                  وبعد هذا كله فالنافي لشخصٍ لم يجد اسمه في كتب هذا شأنها خارجٌ عن ميزان النصفة، ومتحايد عن نواميس البحث، على أن من المحتمل قريباً أن مؤلفي معاجم الصحابة أهملوا ذكره لردته الأخيرة. انتهى.

                  تعليق


                  • #39
                    ونضيف الى ما ذكره صاحب الغدير رحمه الله وما تقدم:


                    أولاً:

                    أن من الأدلة القوية على صحة هذا الحديث أنه لايمكن أن ينشأ من فراغ، وأن احتمال وضعه من قبل رواة الخلافة القرشية غير معقول، لأنهم لا يقدمون على وضع حديث يثبت أن ولاية علي عليه السلام نزلت من السماء قبل بيعة أبي بكر في السقيفة وأن الله تعالى عاقب من اعترض عليها بحجر من السماء، كما عاقب أصحاب الفيل الكفار!

                    كما أن القول بتسرب الحديث من مصادر الشيعة الى مصادر السنة بابٌ خطيرٌ عليهم.. فلو قبلوا بفتحه لانهار بناء صحاحهم كلها، ثم انهارت الخلافة القرشية وسقيفتها! وذلك لأن رواة هذه الأحاديث (الشيعية) هم رواة أصول عقيدة الخلافة القرشية وبناة قواعدها.. فهم مجبورون على توثيقهم وقبول رواياتهم، ومنها هذه الروايات التي تضر أصول مبانيهم!


                    ثانياً:

                    أن المتفق عليه في مصادر الشيعة والسنة أقوى من المختلف فيه.. لأنك عندما ترى أن مذاهب المسلمين كلها تروي حديثاً، يقوى عندك احتمال أن يكون صدر عن النبي صلى الله عليه وآله، وعندما يرويه بعضها ويرده بعضها تنزل عندك درجة الإحتمال ومما يزيد في درجة احتمال الصحة: أن يكون الطرف الراوي للحديث متضرراً منه ضرراً مؤكداً، ومتحيراً في كيفية التخلص منه!

                    وحديثنا من هذا النوع، فهو حديثٌ يتضرر منه أتباع خلافة قريش من المسلمين ويبغضه عَبَدَةُ قبيلة قريش من النواصب.

                    أما أتباع أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله فيحتجون به، وتخبت له قلوبهم.


                    ثالثاً:

                    أن الإختلاف في اسم الشخص الذي نزل عليه حجر السجيل، لا يضر في صحة الحديث، إذا تمت بقية شروطه.. خاصةً أن اسمه صار سوأةً على أقاربه وعشيرته، ولا بد أنهم عملوا على إخفائه ونسيان أمره، حتى لا يعيرهم به المسلمون، كما قال الاميني.




                    على أن للباحث أن يرجح أن اسم المعترض هو: جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري، وليس الحارث بن النعمان الفهري.. بدليل أن الحافظ أبي عبيد الهروي المتوفى سنة 223، ضبطه في تفسيره بهذا الإسم، وكل العلماء السنيين يحترمون علم أبي عبيد، وخبرته بالأحاديث، وقدم عصره.

                    وجابر بن النضر شخصيةٌ قرشية معروفة، لأنه ابن زعيم بني عبد الدار، حامل لواء قريش يوم بدر.. فلا يبقى لابن تيمية والنواصب حجةٌ في رد الحديث!

                    على أن الباقين الذين وردت أسماؤهم في روايات الحديث، كالحارث الفهري وغيره، ترجم لهم المترجمون للصحابة أيضاً، أو ترجموا لمن يصلحوا أن يكونوا أقارب لهم.

                    تعليق


                    • #40
                      المسألة السادسة: طرق وأسانيد حديث حجر الغدير


                      أولاً: طرق وأسانيد المصادر السنية


                      الطريق الأول:

                      حديث أبي عبيد الهروي في كتابه: غريب القرآن، وقد تقدم، وهو بمقاييس أهل الجرح والتعديل السنيين بقوة المسند المقبول.

                      تعليق


                      • #41
                        الطريق الثاني:

                        حديث الثعلبي عن سفيان بن عيينة.. وله أسانيد كثيرة، وأكثر الذين ذكرهم صاحب الغدير، رووه عن الثعلبي بأسانيدهم اليه، أو نقلوه من كتابه.

                        ـ وذكر السيد المرعشي عدداً منهم في إحقاق الحق: 6|358، قال:

                        ـ العلامة الثعلبي في تفسيره (مخطوط): روى بسنده عن سفيان بن عيينة رحمه الله سئل عن قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، فيمن نزلت؟ فقال للسائل: لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي، عن جعفر بن محمد عن آبائه رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي رضي الله عنه وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك فطار في البلاد، وبلغ ذلك الحارث (خ. الحرث) بن النعمان الفهري، فأتي رسول الله

                        صلى الله عليه وسلم على ناقة له، فأناخ راحلته ونزل عنها، وقال: يا محمد أمرتنا عن الله عز وجل أن نشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصوم رمضان وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شيء منك أم من الله عز وجل؟!

                        فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله عز وجل.

                        فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل الى راحلته حتى رماه الله عز وجل بحجر سقط على هامته فخرج من دبره فقتله، فأنزل الله عز وجل (سئل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج).

                        ـ ومنهم العلامة الحمويني في فرائد السمطين (المخطوط) قال:

                        أخبرني الشيخ عماد الدين عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي بمدينة نابلس فيما أجازني أن أرويه عنه، عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد بن محمد الأنصاري إجازة، عن عبدالجبار بن محمد الخوارزمي البيهقي إجازة، عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي رحمه الله قال: قرأت على شيخنا الأستاد أبي إسحاق الثعلبي رحمه الله في تفسيره أن سفيان بن عيينة.. فذكر الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

                        ـ ومنهم العلامة الزرندي في نظم درر السمطين|93 ط. مطبعة القضاء:

                        روى الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

                        ـ ومنهم العلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة|24 ط. الغري

                        روى الحديث نقلاً عن الثعلبي بعين ماتقدم عن تفسيره بلا واسطة.

                        ـ ومنهم العلامة عبد الرحمن الصفوري في نزهة المجالس 2|209 ط. القاهرة:

                        روى الحديث نقلاً عن تفسير القرطبي بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.




                        ـ ومنهم العلامة السيد جمال الدين عطاء الله الشيرازي الهروي في الأربعين حديثاً

                        (مخطوط) روى الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي، لكنه زاد بعد قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله: وأدر الحق معه حيث كان، وفي رواية اللهم أعنه وأعن به وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به.

                        ـ ومنهم العلامة عبدالله الشافعي في المناقب|205 مخطوط

                        روى الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

                        ـ ومنهم العلامة القندوزي في ينابيع المودة|274 ط. اسلامبول

                        روى الحديث عن الثعلبي بعين ما تقدم عنه في تفسيره.

                        ـ ومنهم العلامة الأمرتسري في أرجح المطالب|568 ط. لاهور

                        روى الحديث من طريق شهاب الدين الدولت آبادي، والسيد السمهودي في جواهر العقدين، وجمال الدين المحدث صاحب روضة الأحباب في أربعينه

                        ـ وعبد الرؤوف المناوي في فيض القدير

                        ـ ومحمد بن محمد القادري في الصراط السوي

                        ـ والحلبي في إنسان العيون

                        ـ وأحمد بن الفضل بن محمد باكثير في وسيلة الامال

                        ـ ومحمد بن إسماعيل الامير في الروضة الندية

                        ـ والحافظ محمد بن يوسف الكنجي في كفاية الطالب بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي. انتهى.

                        سندا القاضي الحسكاني الى ابن عيينة

                        ـ قال في شواهد التنزيل: 2|382

                        1030 ـ أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي أخبرنا أبو بكر الجرجرائي، حدثنا أبو أحمد البصري قال: حدثني محمد بن سهل حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصاري،


                        حدثنا محمد بن أيوب الواسطي، عن سفيان بن عينية، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: عن علي قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. طار ذلك في البلاد، فقدم على رسول الله النعمان بن الحرث الفهري فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحج والصلاة والزكاة والصوم فقبلناها منك، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه معلي مولاه، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟!!

                        فقال: أمرٌ من عند الله.

                        قال: الله الذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله؟

                        قال: الله الذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله.

                        قال: فولى النعمان وهو يقول (اللهم) إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فرماه الله بحجر على رأسه فقتله، فأنزل الله تعالى (سأل سائل).

                        1031 ـ حدثونا عن أبي بكر السبيعي، حدثنا أحمد بن محمد بن نصر أبو جعفرالضبعي، قال: حدثني زيد بن إسماعيل بن سنان، حدثنا شريح بن النعمان حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر عن أبيه، عن علي بن الحسين قال: نصب رسول الله صلى الله عليه وآله علياً يوم غدير خم (و) قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فطار ذلك في البلاد. الحديث به، سواء معنى.

                        تعليق


                        • #42
                          الطريق الثالث: للقاضي الحسكاني عن جابر الجعفي

                          ـ قال في شواهد التنزيل: 2|382

                          1032 ـ و (رواه أيضاً) في (التفسير) العتيق (قال): حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي قال: حدثني نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن محمد بن علي قال: أقبل الحارث بن عمرو الفهري الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنك أتيتنا

                          بخبر السماء فصدقناك وقبلنا منك. فذكر مثله الى قوله: فارتحل الحارث، فلما صار ببطحاء (مكة) أتته جندلة من السماء فشدخت رأسه، فأنزل الله (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين) بولاية علي عليه السلام.

                          وفي الباب عن حذيفة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وابن عباس.


                          الطريق الرابع: للقاضي الحسكاني عن حذيفة بن اليمان

                          ـ قال في شواهد التنزيل: 2|383

                          1033 ـ حدثني أبو الحسن الفارسي، حدثنا أبو الحسن محمد بن إسماعيل الحسني، حدثنا عبد الرحمان بن الحسن الأسدي، حدثنا إبراهيم.

                          وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد البغدا دي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي، حدثنا إبراهيم بن الحسن الكسائي، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان بن سعيد، حدثنا منصور، عن ربعي، عن حذيفة بن اليمان قال: لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي: من كنت مولاه فهذا مولاه. قام النعمان بن المنذر الفهري (كذا) فقال: هذا شيء قلته من عندك أو شيء أمرك به ربك.

                          قال: لا، بل أمرني به ربي.

                          فقال: اللهم أنزل علينا حجارة من السماء. فما بلغ رحله حتى جاءه حجرٌ فأدماه فخر ميتاً، فأنزل الله تعالى (سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع) و ( الطريقان) لفظهما واحد.


                          الطريق الخامس: للقاضي الحسكاني عن أبي هريرة

                          ـ قال في شواهد التنزيل: 2|383

                          1034 ـ وأخبرنا عثمان أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب البحلي قال: حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد المهدي، حدثنا


                          محمد بن أبي معشر المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعضد علي بن أبي طالب يوم غدير خم، ثم قا ل: من كنت مولاه فهذا مولاه. فقام إليه أعرابي فقال: دعوتنا أن نشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله فصدقناك، وأمرتنا بالصلاة والصيام فصلينا وصمنا، وبالزكاة فأدينا، فلم يقعنك إلا أن تفعل هذا! فهذا عن الله أم عنك؟

                          قال: عن الله، لا عني.

                          قال: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن الله لا عنك؟!

                          قال: نعم، ثلاثاً، فقام الأعرابي مسرعاً الى بعيره، وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، الآية، فما استتم الكلمات حتى نزلت نارٌ من السماء فأحرقته، وأنزل الله في عقب ذلك: سأل سائل، الى قوله دافع. انتهى.

                          وقد ذكر الحسكاني كما رأيت طريقين آخرين الى سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، ولم يذكر سندهما.. ولعلهما الطريقان الموجودان في تفسير فرات الكوفي.

                          تعليق


                          • #43
                            ثانياً: طرق وأسانيد مصادرنا الى سفيان بن عيينة


                            أسانيد فرات بن ابراهيم الكوفي الى سفيان بن عيينة

                            ـ تفسير فرات الكوفي ص 505

                            3 ـ فرات قال: حدثني محمد بن أحمد ظبيان معنعناً: عن الحسين بن محمد الخارفي قال: سألت سفيان بن عيينة عن: سأل سائل، فيمن نزلت: قال: يا ابن أخي سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، لقد سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن مثل الذي سألتني عنه، فقال: أخبرني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما كان يوم غدير خم، قام رسول الله صلى الله عليه وآله خطيباً فأوجز في خطبته، ثم دعا علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بضبعه ثم رفع بيده حتى رئي بياض إبطيهما وقال: ألم أبلغكم

                            الرسالة؟ ألم أنصح لكم؟ قالوا: اللهم نعم، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. ففشت في الناس فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فرحل راحلته ثم استوى عليها ـ ورسول الله صلى الله عليه وآله إذ ذاك بمكة ـ حتى انتهى الى الأبطح، فأناخ ناقته ثم عقلها ثم جاء الى النبي صلى الله عليه وآله فسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال:

                            يا محمد إنك دعوتنا أن نقول لا إلَه إلا الله فقلنا! ثم دعوتنا أن نقول إنك رسول الله فقلنا، وفي القلب ما فيه، ثم قلت صلوا فصلينا، ثم قلت صوموا فصمنا فأظمأنا نهارنا وأتعبنا أبداننا، ثم قلت حجوا فحججنا، ثم قلت إذا رزق أحدكم مأتي درهم فليتصدق بخمسة كل سنة، ففعلنا.

                            ثم انك أقمت ابن عمك فجعلته علماً وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، أفعنك أم عن الله؟! قال: بل عن الله ـ قال فقالها ثلاثاً ـ قال: فنهض، وإنه لمغضب وإنه ليقول: اللهم إن كان ما قال محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء، تكون نقمة في أولنا وآية في آخرنا، وإن كان ما قال محمد كذباً فأنزل به نقمتك.

                            ثم أثار ناقته فحل عقالها ثم استوى عليها، فلما خرج من الأبطح رماه الله تعالى بحجر من السماء فسقط على رأسه وخرج من دبره، وسقط ميتاً فأنزل الله فيه: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج. انتهى.


                            أسانيد محمد بن العباس الى سفيان بن عيينة

                            ـ تأويل الآيات: 2|722

                            قال محمد بن العباس رحمه الله: حدثنا علي بن محمد بن مخلد، عن الحسن بن القاسم، عن عمر بن الأحسن، عن آدم بن حماد، عن حسين بن محمد قال: سألت سفيان بن عيينة عن قول الله عز وجل: سأل سائل، فيمن نزلت؟ فقال... بنحو رواية فرات الأخيرة.


                            تعليق


                            • #44
                              سند الشريف المرتضى الى سفيان بن عيينة

                              ـ مدينة المعاجز: 1|407

                              270 ـ السيد المرتضى في عيون المعجزات: قال: حدث أبو عبد الله محمد بن أحمد قال: حدثنا أبي قال: حدثني علي بن فروخ السمان قال: حدثني يحيى بن زكرياء المنقري قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثني عمر بن أبي سليم العيسى، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله علياً يوم غدير خم وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه...

                              قلت: قد ذكرت في معنى هذا الحديث رواية المفضل بن عمر الجعفي، عن الصادق عليه السلام في كتاب البرهان في تفسير القرآن بالرواية عن أهل البيت في قوله تعالى: قل فلله الحجة البالغة من سورة الأنعام.

                              وفي سورة المعارج في قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، رواية اخرى.


                              سند منتجب الدين الرازي الى سفيان بن عيينة

                              ـ الأربعون حديثاً لمنتجب الدين الرازي ص 82

                              الحكاية الخامسة: أنا أبو العلاء زيد بن علي بن منصور الأديب والسيد أبوتراب المرتضى بن الداعي بن القاسم الحسني قال: أنا الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد الواعظ الحافظ املاءً: أنامحمد بن زيد بن علي الطبري أبو طالب بن أبي شجاع البريدي بآمل بقراءتي عليه، أنا أبو الحسين زيد بن إسماعيل الحسني، أنا السيد أبوالعباس أحمد بن إبراهيم الحسني، أنا عبدالرحمن بن الحسن الخاقاني، أناعباس بن عيسى، نا الحسن بن عبد الواحد الخزاز، عن الحسن بن علي النخعي، عن رومي بن حماد المخارقي قال: قلت لسفيان بن عيينة: أخبرني عن (سأل سائل) فيمن أنزلت ط قال: لقد سألتني عن مسألة ماسألني عنها أحد قبلك، سألت عنها جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن آبائه عليهم السلام قال: لما حج النبي صلى الله عليه وآله حجة الوداع فنزل بغدير خم، نادى في


                              الناس فاجتمعوا فقال: ياأيها الناس ألم أبلغكم الرسالة؟ قالوا: اللهم بلى. قال: أفلم أنصح لكم؟ قالوا: اللهم بلى. قال: فأخذ بضبع علي عليه السلام فرفعه حتى رؤي بياض إبطيهما، ثم قال: أيها الناس من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

                              قال: فشاع ذلك، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فأقبل يسير على ناقة له حتى نزل بالأبطح فأناخ راحلته وشد عقالها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وهو في ملأ من أصحابه فقال: يا رسول الله والله الذي لا إلَه إلا هو إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إلَه إلا الله فشهدنا، ثم أمرتنا أن نشهد أنك رسوله فشهدنا، ثم أمرتنا أن نصلي خمساً فصلينا، ثم أمرتنا أن نصوم شهر رمضان فصمنا، ثم أمرتنا أن نزكي فزكينا، ثم أمرتنا أن نحج فحججنا، ثم لم ترض حتى نصبت ابن عمك علينا، فقلت: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. هذا عنك أو عن الله تعالى؟!

                              قال النبي صلى الله عليه وآله: لا بل عن الله.

                              قال: فقام الحارث بن النعمان مغضباً وهو يقول: اللهم إن كان ما قال محمد حقاً فأنزل بي نقمة عاجلة.

                              قال: ثم أتى الأبطح فحل عقال ناقته واستوى عليها، فلما توسط الأبطح رماه الله بحجر فوقع وسط دماغه وخرج من دبره، فخر ميتاً، فأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع. وقد أورد أبو إسحاق الثعلبي إمام أصحاب الحديث في تفسيره هذه الحكاية بغير إسناد.

                              تعليق


                              • #45
                                سند الطبرسي الى سفيان بن عيينة

                                ـ تفسير الميزان: 6|58

                                وفي المجمع أخبرنا السيد أبو الحمد قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي قال: أخبرنا أبو بكر الجرجانى قال: أخبرنا أبو أحمد البصرى قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا زيد بن إسماعيل مولى

                                الأنصار قال: حدثنا محمد بن أيوب الواسطي قال: حدثنا سفيان بن عيينه، عن جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله علياً يوم غدير خم قال من كنت مولاه فهذا على مولاه....

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X