إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــامـــــــــــــــــة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    هلاك الثاني وهو النضير بن الحارث أخ النضر ووارثه

    النضير بن الحارث أخ النضر ووارثه

    ذكرت مصادر السيرة والتاريخ أن لواء قريش بعد النضر كان بيد آخرين من بني عبد الدار، ولم تذكر أن أخاه النضير كان فارساً مثله، ويظهر أنه صار بعد أخيه النضر رئيس بني عبد الدار، وإن لم يكن شجاعاً صاحب اللواء، فقد وصفه رواة قريش وأصحاب السير بالحلم، إشارة الى أنه كان سياسياً محباً للدعة.. وعدُّوه من رؤساء قريش والمؤلفة قلوبهم، الذين أعطى النبي 9 كل واحد منهم مئة بعيرٍ من غنائم حنين.

    ـ قال الطبري في تاريخه: 2|358

    فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير، وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير، وأعطى النضير بن الحارث بن كلدة بن علقمة أخا بني عبد الدار مائة بعير، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير، وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير، وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير، وأعطى سهيل بن عمرو مائة بعير، وأعطى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مائة بعير...

    ونحوه في سيرة ابن هشام: 4|929، وابن كثير: 3|682 وتاريخ اليعقوبي

    وقد تقدم ذكره في البحث الخامس، واعترافه بأنه خطط مع زعماء قريش لقتل النبي صلى الله عليه وآله في حنين، ولم يتمكنوا من ذلك!

    وقد اختلط اسم النضير عند بعضهم باسم أخيه النضر، قال الرازي في الجرح والتعديل: 8|473:

    النضر بن الحارث بن كلدة العبدري من مسلمة الفتح، ويقال نضير وليست له رواية، سمعت أبي يقول ذلك.

    وقال في هامشه: وهذا هو الصواب إن شاء الله، لأن النضر بن الحارث قتل كافراً إجماعاً، وإنما هذا أخوه، واحتمال أن يكون مسمى باسمه أيضا بعيد، وأثبت ماجاء في الروايات أن هذا هو (النضير) راجع الإصابة الترجمتين. انتهى.

    تعليق


    • #62
      رواة قريش يجعلون النضير مسلماً مهاجراً شهيداً!

      وعلى عادة رواة قريش، فقد جعلوا من الحارث أو النضير شخصيةً اسلامية، وعدوه في المهاجرين وشهداء اليرموك.. ويظهر أنهم جعلوا كل الذين كانوا في الشام من القرشيين وماتوا في طاعون عمواس، مثل سهيل بن عمرو والعبدريين، جعلوهم شهداء، وعدوهم في شهداء اليرموك!

      ـ قال السمعاني المحب لقريش وبني أمية، في أنسابه: 3|110

      الرهيني: بفتح الراء وكسر الهاء بعدهما الياء الساكنة آخر الحروف وفي آخرها النون، هذه النسبة الى رهين، وهو لقب الحارث بن علقمة ويلقب بالرهين، ومن ولده محمد بن المرتفع بن النضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي الرهيني، يروي عن عبد الله بن الزبير، روى عنه سفيان بن عيينة.

      فأما جده النضير بن الحارث فكان من المهاجرين، وكان يعد من حلماء قريش، قتل يوم اليرموك شهيداً، وهو أخو النضر بن الحارث الذي قتله علي بن أبي طالب بالصفراء صبراً يوم بدر، وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه نزلت سورة (سأل سائل بعذاب واقع) وقالت بنته أبياتاً من الشعر...

      وتبعه في إكمال الكمال: 1|327، وغيره.

      تعليق


      • #63
        هل اعترض النضير على النبي صلى الله عليه وآله مثل أخيه وابن أخيه؟

        روت مصادرنا مناقشة غريبة لأحدهم مع النبي صلى الله عليه وآله في المدينة، وسمته النضر بن الحارث الفهري، ويحتمل أن تكون كلمة الفهري تصحيف العبدري، نسبةً الى بني عبد الدار، والنضر تصحيف النضير..

        وإذا صحت نسبتها اليه، فتكون صدرت منه في المدينة بعد حجة الوداع.

        ـ وقد تقدمت من كتاب مدينة المعاجز للبحراني: 2|267، وفيها:

        أقبل النضر بن الحارث فسلم على النبي صلى الله عليه وآله فقال:




        يا رسول الله إذا كنت أنت سيد ولد آدم، وأخوك سيد العرب، وابنتك فاطمة سيدة نساء العالمين، وابناك الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وعمك حمزة سيد الشهداء، وابن عمك ذو الجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وعمك جلدة بين عينيك وصنو أبيك، وشيبة له السدانة.. فما لسائر قومك من قريش وسائر العرب؟ !

        فقد أعلمتنا في بدء الإسلام أنا إذا آمنا بما تقول لنا مالك وعلينا ما عليك.

        فأطرق رسول الله صلى الله عليه وآله طويلاً، ثم رفع رأسه فقال:

        أما أنا والله ما فعلت بهم هذا، بل الله فعل بهم هذا، فما ذنبي؟ !....

        فوعظه النبي صلى الله عليه وآله وقال له: إن ربك كريم، فإن أنت صبرت وتصابرت، لم يخلك من مواهبه، فارض وسلم، فإن الله يمتحن خلقه بضروب من المكاره، ويخفف عمن يشاء، وله الخلق والأمر، مواهبه عظيمة، وإحسانه واسع. فأبى الحارث. انتهى.

        ـ وقد نص ابن هشام: 2|488، على أن النضير هذا يسمى الحارث أيضاً باسم أبيه، وسماه اليعقوبي في تاريخه: 2|63 (الحارث بن الحارث بن كلدة) وهو أمر يوجب الشك، لأنه يستغرب أن يكون لشخصٍ اسمان معاً، خاصةً إذا كان أحدهما باسم أبيه، لأن العوائل المالكة في القبائل تحترم اسم الأب ولا تغيره الى اسمٍ آخر، ولا تضيف معه اسماً آخر، لأنه يضعفه!

        وهذا يفتح باب الإحتمال أن يكون الحارث أخاهم الثالث، وأن يكون هو الذي ورد اسمه في بعض الروايات أنه اعترض على النبي صلى الله عليه وآله لإعلانه ولاية علي والحسنين من بعده عليهم السلام فرماه الله بصاعقةٍ أو حجرٍ من سجيل!

        وبذلك يكون العذاب الواقع نزل بثلاثة أشخاص من هذه الأسرة: الأب في بدر، وولده جابر الذي نص عليه أبو عبيد، والحارث هذا.. ويكون اسم عشيرة العذاب الواقع مثلث الإنطباق على هذه القبيلة! !

        كما يحتمل أن يكون صاحبنا النضير بن الحارث، أو الحارث بن الحارث


        العبدري، هو الحارث المعترض، لكن لم تنزل عليه العقوبة، لأنهم ذكروا وفاته في الشام، وليس بالعذاب الواقع.

        ومهما يكن، فإن من المؤكد أنه يوجد حارثٌ غيره اعترض على النبي صلى الله عليه وآله حيث ورد ذكره في تفسير الثعلبي، وعدد من مصادرنا باسم الحارث بن النعمان الفهري، وأنه هو صاحب حجر السجيل، كما تقدم.

        وكذلك تقدم اسم الحارث بن عمرو الفهري، في رواية الحاكم الحسكاني، ورواية الكافي والمناقب.

        ومما يؤيد أنه حارثٌ آخر، أنهم ترجموا لشخصٍ وأولاده قد ينطبق عليه، ولم يذكروا عنه شرحاً، ولا ذكروا سبب موته! قال ابن كثير في سيرته: 2|499:

        عامر بن الحارث الفهري، كذا ذكره سلمة عن ابن اسحاق وابن عائذ. وقال موسى بن عقبة وزياد عن ابن اسحاق: عمرو بن الحارث.

        وقال في ص 502: عمرو بن عامر بن الحارث الفهري، ذكره موسى بن عقبة. انتهى.

        ـ وذكر نحوه في عيون الأثر: 1|358

        وعليه، يكون الحارث صاحب حجر السجيل فهرياً، وليس عبدرياً.

        ويكون جابر بن النضر العبدري الذي ورد في رواية أبي عبيد، صاحب حجر سجيلٍ آخر.. والله العالم.

        تعليق


        • #64
          الأفجران من قريش أو... الأفجرون؟

          ورد في مصادر الحديث أن أسوأ قبائل قريش، وأشدها على النبي صلى الله عليه وآله هم بنو أمية، وبنو المغيرة، وهم فرع أبي جهل من مخزوم، وورد وصفهم بالأفجريْن..

          ولا بد أن نضيف اليهم بني عبد الدار فيكونون الأفجرون بالجمع.. وإن كان الإنسان بعد أن يستثني بني هاشم والقلة الذين معهم من قريش، يشك في من هو الأحسن والأفجر من الباقين! !



          ـ قال السيوطي في الدر المنثور: 4|85

          وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردوية، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: ألم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفراً، قال: هما الأفجران من قريش: بنو المغيرة وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمُتِّعُوا الى حين!. انتهى.

          ويشبه أن يكون ذلك كلاماً نبوياً ردده عمر، وإذا صح ذلك عنه، يتوجه اليه السؤال: لماذا ولَّى معاوية الأموي على حكم الشام، وأطلق يده ولم يحاسبه أبداً، ثم رتب الخلافة من بعده في شورى جعل فيها حق النقض لصهر عثمان الأموي، فأكمل بذلك تسليم الدولة الإسلامية لأحد الأفجريْن من قريش؟ !

          تعليق


          • #65

            خلافة النبي صلى الله عليه وآله كانت مطروحة في حياته

            مضافاً الى منطق الأمور، توجد أدلةٌ ملموسةٌ تدل على أن الخلافة وولاية الأمر بعد النبي صلى الله عليه وآله كانت مطروحةً من أول بعثته والى آخر حياته الشريفة، وأن الكلام كان يجري في من يخلفه بشكل طبيعي.. لا كما تقول مصادر السنيين من أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص الى أحد، وأن المسلمين لم يطرحوا هذا الموضوع معه أبداً، ولا سألوه عنه حتى مجرد سؤال! !

            وهذه الأدلة غير ما ثبت من نصوص النبي صلى الله عليه وآله على إمامة العترة من بعده عليهم السلام.


            الدليل الأول:

            ماورد في سيرة النبي صلى الله عليه وآله من أنه كان يعرض نفسه على القبائل في أول بعثته، ويطلب منها أن تحميه لكي يبلغ رسالة ربه.. وأن بعض القبائل قبلت عرضه بشرط أن يكون الأمر لها من بعده، فأجابها النبي صلى الله عليه وآله بأنه مجرد رسول والأمر ليس له، بل هو لله تعالى يجعله لمن يريد!

            وأبرز ما وجدنا من ذلك: حديث بني عامر بن صعصعة، وحديث كندة، وكلاهما في أول البعثة، وحديث عامر بن الطفيل، وهو في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله !

            ـ ففي سيرة ابن هشام: 2|289:

            أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم الى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه، فقال


            له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟

            قال: الأمر الى الله، يضعه حيث يشاء.

            قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك! فأبوا عليه.

            فلما صدر الناس، رجعت بنو عامر الى شيخ لهم، قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافى معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم، فقالوا: جاءنا فتىً من قريش ثم أحد بني عبد المطلب، يزعم أنه نبي يدعونا الى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به الى بلادنا، قال: فوضع الشيخ يديه على رأسه، ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلافٍ؟! هل لذناباها من مُطَّلب؟! والذي نفس فلانٍ بيده ما تقوَّلها إسماعيليٌّ قط، وإنها لحق، فأين رأيكم كان عنكم! انتهى.

            ورواه الطبري في تاريخه: 2|84، وابن كثير في سيرته: 2|158، وحكاه في الغدير: 7| 134، عن سيرة ابن هشام: 2|32، والروض الأنف: 1|264، وبهجة المحافل لعماد الدين العامري 1|128، والسيرة الحلبية: 2|3، وسيرة زيني دحلان: 1|302، بهامش الحلبية، وحياة محمد لهيكل|152.

            وأما حديث قبيلة كندة، فرواه ابن كثير في سيرته: 2|159 قال:

            قال عبد الله بن الأجلح: وحدثني أبي عن أشياخ قومه، أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك؟

            فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملك لله، يجعله حيث يشاء.

            فقالوا: لا حاجة لنا فيما جئتنا به!. انتهى.

            وأما حديث عامر بن الطفيل شيخ مشايخ قبائل غطفان، فرواه ابن كثير أيضاً في سيرته: 4| 114، قال:



            عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب، وعامر بن الطفيل بن مالك، قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهيا إليه وهو جالس، فجلسا بين يديه: فقال عامر بن الطفيل:

            ـ يا محمد، ما تجعل لي إن أسلمت؟

            ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم.

            ـ قال عامر: أتجعل لي الأمر إن أسلمت، من بعدك؟

            ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك لك، ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل.

            ـ قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، إجعل لي الوَبَر، ولك المَدَر.

            ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا.

            ـ فلما قفل من عنده، قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً!

            ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله.

            ـ وفي ص 112، قال: وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أخيرك بين ثلاث خصال: يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل الوبر، وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء!

            قال فطَعَن (أصيب بالطاعون) في بيت امرأة فقال: أغُدَّةٌ كغدة البعير، وموتٌ في بيت امرأة من بني فلان! (وفي رواية في بيت سلولية) ائتوني بفرسي، فركب، فمات على ظهر فرسه!. انتهى.


            الدليل الثاني:

            أن بيعة النبي صلى الله عليه وآله للأنصار تضمنت ثلاثة شروط:


            الأول:

            أن يحموه مما يحمون منه أنفسهم.


            الثاني:

            أن يحموا أهل بيته وذريته مما يحمون منه أهل بيوتهم وذراريهم.


            الثالث: أن لا ينازعوا الأمر أهله.

            وهذا يعني أن يطيعوا من يختاره الله تعالى للقيادة بعد نبيه صلى الله عليه وآله، وأن مبدأ الإختيار الآلهي للأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله كان مفروغاً عنه من أول الرسالة.




            وقد وفت الأنصار بالشرط الأول خير وفاء، ولكنها حنثت بالشرطين الأخيرين حنثاً سيئاً مع الأسف!

            ـ ففي صحيح البخاري: 8|122

            عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم.

            ـ ورواه مسلم: 6|16 والنسائي: 7|137، بعدة روايات، وعقد باباً بعنوان

            (باب البيعة على أن لا ننازع الأمر أهله)

            ـ ورواه ابن ماجة: 2|957، وأحمد: 5|316، وفي ص 415 وقال (قال سفيان: زاد بعض الناس: ما لم تروا كفراً بواحاً). ورواه البيهقي في سننه: 8|145.

            ورووا روايات فيها الزيادة التي ذكرها سفيان، وزيادة أخرى.. كما في صحيح البخاري: 8|88 قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعنا، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان. انتهى.

            ورواه البيهقي في سننه: 8|145

            ـ وروى أحمد في مسنده: 5|321: عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، ولا تنازع الأمر أهله، وإن رأيت أنه لك. انتهى.

            وهاتان الزيادتان محل شكٍ، لأن البيعة كانت قبل الهجرة، ولم يكن فيها استثناء من الطاعة، ولم تكن مسألة إثرة القرشيين على الأنصار مطروحة أبداً إلا بعد بيعة أبي بكر، واعتراض رئيس الأنصار صاحب السقيفة سعد بن عبادة، وما جرى له.. وهذا يوجب الاطمئنان بأن زيادتي الإستثناء والأثرة نشأتا من جو علاقة الأنصار مع الخلافة القرشية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله.



            ويلاحظ أن الصحاح القرشية أكثرت من رواية شرط النبي صلى الله عليه وآله على الأنصار أن لا ينازعوا الأمر أهله، لأجل أن تحتج عليهم بأنهم لا سهم لهم في الخلافة القرشية.. ولكنها لم تروِ شرط النبي صلى الله عليه وآله على الأنصار أن يمنعوا أهل بيته وذريته مما يمنعون منه أهليهم، لأن ذلك في غير مصلحة الخلافة القرشية، التي هاجمت بيت فاطمة وعلي عليهما السلام، وأشعلت فيه النار لتحرقه بمن فيه، إن لم يخرجوا ويبايعوا!

            ـ قال في مجمع الزوائد: 6|49

            عن عبادة بن الصامت أن أسعد بن زرارة قال: يا أيها الناس، هل تدرون على ما تبايعون محمداً صلى الله عليه وسلم؟ إنكم تبايعونه أن تحاربوا العرب والعجم، والجن والإنس! فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم.

            قالوا: يارسول الله إشترط.

            قال: تبايعوني على أن: تشهدوا أن لا إلَه إلا الله، وأني رسول الله، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، وأن لا تنازعوا الأمر أهله، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم.

            وعن حسين بن علي قال: جاءت الأنصار تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على العقبة فقال: يا علي قم فبايعهم، فقال علي: ما أبايعهم يا رسول الله؟

            قال: على أن يطاع الله ولا يعصى، وعلى أن تمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وذريته، مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم. انتهى.

            وستأتي روايته من مصادر أخرى في (مهمة نبينا صلى الله عليه وآله في التبليغ).


            الدليل الثالث:

            حديث الدار المعروف، الذي ورد في تفسير قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين).

            ولا بد هنا من التنبيه على أمرٍ مهم، وهو أن مدوني السيرة النبوية الشريفة طمسوا مرحلة دعوة بني هاشم من السيرة، مع أنها منصوصة فيالقرآن، واخترعوا بدلها مرحلة ما قبل بيت الأرقم، وما بعد بيت الأرقم... ورووا فيها الصحيح وغير


            الصحيح، والمعقول وغير المعقول!

            وتدل الآية الكريمة على أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وآله في المرحلة الأولى أن يدعو بني هاشم فقط.. فماذا فعل النبي صلى الله عليه وآله في هذه المرحلة؟

            وهل استمرت مدتها شهوراً، أو سنوات، حتى نزل الأمر بتوسيع نطاق الدعوة؟

            وما معنى الأمر الإلَهي: أن تكون نبوة الرسول صلى الله عليه وآله أولاً لبني هاشم خاصة، وبعدها لقريش والعرب والناس عامة؟

            وما معنى أن قريشاً اتخذت قراراً بمحاصرة بني هاشم، فالتفوا جميعاً حول النبي صلى الله عليه وآله، مؤمنهم وكافرهم، وتحملوا الحصار الشامل الذي استمر من السنة السادسة أو السابعة، الى السنة الحادية عشرة للبعثة.. ولم يقل أحد منهم آخ!

            وما معنى أنه عندما كانت تقع شدائد على المسلمين، لا ينهض بحملها إلا بنو هاشم؟ ! فقد انهزم المسلمون جميعاً في أحد، ولم يثبت غير بني هاشم!

            ثم انهزموا في حنين وهم عشرة آلاف.. فلم يثبت غير بني هاشم! !

            إن هذه الحقائق والظواهر تفسر الحديث الذي روته مصادرنا (بعثت الى أهل بيتي خاصة، والى الناس عامة).

            كما تدل آية (أنذر عشيرتك الأقربين) على أن إنذار بني هاشم كان مبرمجاً من الله تعالى.. ويدل حديث الدار على أن تعيين وصي النبي صلى الله عليه وآله وخليفته من بينهم، كان عملاً مبكراً، من ضمن ذلك البرنامج..

            ـ فقد قال السيوطي في الدر المنثور: 5|97

            وأخرج ابن إسحق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في الدلائل، من طرقٍ، عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنذر عشيرتك الأقربين، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ياعلي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليها حتى جاء


            جبريل فقال: يامحمد إنك إن لم تفعل ماتؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لي صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عساً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب، حتى أكلمهم وأبلغ ما أمرت به.

            ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي صلى الله عليه وسلم بضعة من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه، ما ترى إلا آثار أصابعهم!

            والله إنْ كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم.

            ثم قال: إسق القوم ياعلي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً!

            وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله!

            فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب الى الكلام، فقال: لقد سحركم صاحبكم! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم.

            فلما كان الغد قال: يا علي إن هذا الرجل قد سبقني الى ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعدْ لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب، ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقربته، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

            يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئنكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يُوَازِرُنِي على أمري هذا؟

            فقلت وأنا أحدثهم سناً: إنه أنا، فقام القوم يضحكون.

            ثم رواها السيوطي بسند آخر عن ابن مردويه عن البراء بن عازب، قال: لما نزلت

            هذه الآية: وأنذر عشيرتك الأقربين، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبدالمطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً... الخ. انتهى.

            ولكن السيوطي بتر الحديث هنا، ولم يذكر بقية كلام النبي صلى الله عليه وآله.. وهو أسلوبٌ دأب رواة خلافة قريشٍ على ارتكابه في حديث الدار، لأن بقية الحديث تقول إن الله أمر رسوله من ذلك اليوم أن يختار وزيره وخليفته من عشيرته الأقربين!

            ـ قال الأميني في الغدير: 1|207

            وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي قال في تاريخه: 2| 217 من الطبعة الأولى: إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟

            قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.

            فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

            ـ وقال الأميني: 2|279

            وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي، المتوفى 240، في كتابه نقض العثمانية، وقال: إنه روي في الخبر الصحيح.

            ورواه الفقيه برهان الدين في (أنباء نجباء الأبناء)|46 ـ 48

            وابن الأثير في الكامل 2|24

            وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه 1|116

            وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض 3|37 (وبتر آخره)

            وقال: ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح.

            والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره|390



            والحافظ السيوطي في جمع الجوامع، كما في ترتيبه 6|392

            وفي|397، عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي.

            وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3|254. انتهى.

            ثم شكا صاحب الغدير من الذين حرفوا الحديث لإرضاء قريش، ومنهم الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه، ولكنه أبهم كلام النبي صلى الله عليه وآله في حق علي عليه السلام فقال: ثم قال: إن هذا أخي، وكذا وكذا! !.

            وتبعه على ذلك ابن كثير في البداية والنهاية: 3 |40، وفي تفسيره: 3|351. انتهى.

            ـ وقال في هامش بحار الأنوار: 32|272: وناهيك من ذلك مؤاخاته مع رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر من الله عز وجل في بدء الإسلام حين نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين ... راجع تاريخ الطبرى: 2|321، كامل ابن الأثير: 2|24، تاريخ أبي الفداء: 1|116، والنهج الحديدي: 3|254، ومسند الإمام ابن حنبل: 1|159، وجمع الجوامع ترتيبه: 6| 408، وكنز العمال: 6|401.

            وهذه المؤاخاة مع أنها كانت بأمر الله عز وجل، إنما تحققت بصورة البيعة والمعاهدة (الحلف) ولم يكن للنبي صلى الله عليه وآله أن يأخذ أخاً ووزيراً وصاحباً وخليفةً غيره، ولا لعلي أن يقصر في مؤازرته ونصرته والنصح له ولدينه، كمؤازرة هارون لموسى على ما حكاه الله عز وجل في القرآن الكريم.

            ولذلك ترى رسول الله صلى الله عليه وآله حين يؤاخي بعد ذلك المجلس بين المهاجرين بمكة، فيؤاخي بين كل رجل وشقيقه وشكله: يؤاخي بين عمر وأبي بكر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وعبد الله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة الكلبي (راجع سيرة ابن هشام: 1|504 المحبر| 71 ـ 70 البلاذرى: 1|270) يقول لعلي عليه السلام:


            والذى بعثني بالحق نبياً ما أخرتك إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، وأنت معي في قصري في الجنة.

            ثم قال له: وإذا ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، ولا يدعيها بعدي إلا كاذب مفتر (الرياض النضرة: 2|168 منتخب كنز العمال: 5|45 و 46).

            ولذلك نفسه تراه صلى الله عليه وآله حينما عرض نفسه على القبائل فلم يرفعوا اليه رؤوسهم، ثم عرض نفسه على بني عامر بن صعصعة قال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال لرسول الله: أرأيت إن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟

            قال: الأمر الى الله يضعه حيث يشاء.

            قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه (راجع سيرة ابن هشام: 1|424 الروض الأنف: 1|264 بهجة المحافل: 1|128، سيرة زيني دحلان: 1|302 السيرة الحلبية: 2|3). فلولا أنه صلى الله عليه وآله كان تعاهد مع علي عليه السلام بالخلافة والوصاية بأمر من الله عز وجل قبل ذلك، لما ردهم بهذا الكلام المؤيس، وهو بحاجة ماسة من نصرة أمثالهم. انتهى.

            ـ وفي دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي: 1|15

            وروينا أيضاً عن علي بن أبي طالب صلى الله عليه أنه قال: لما أنزل الله عز وجل: وأنذر عشيرتك الأقربين، جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب على فخذ شاة وقدح من لبن، وإن فيهم يومئد عشرة ليس منهم رجل إلا أن يأكل الجذعة ويشرب الفرق، وهم بضع وأربعون رجلاً، فأكلوا حتى صدروا وشربوا حتى ارتووا، وفيهم يومئذ أبو لهب، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله:

            يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الأرض وحكامها، إن الله لم يبعث نبياً إلا جعل له وصياً ووزيراً ووارثاً وأخاً وولياً، فأيكم يكون وصيي ووارثي ووليي وأخي ووزيري؟



            فسكتوا، فجعل يعرض ذلك عليهم رجلاً رجلاً، ليس منهم أحد يقبله، حتى لم يبق منهم أحد غيري، وأنا يومئذ من أحدثهم سناً، فعرض عليَّ فقلت: أنا يا رسول الله. فقال: نعم، أنت يا علي.

            فلما انصرفوا قال لهم أبو لهب: لو لم تستدلوا على سحر صاحبكم إلا بما رأيتم، أتاكم بفخذ شاة وقدح من لبن فشبعتم ورويتم! وجعلوا يهزؤون ويقولون لأبي طالب: قد قدم ابنك اليوم عليك. انتهى.

            ولا بد أن تكون حادثة دعوة النبي صلى الله عليه وآله لبني هاشم قد شاعت في قريش، ثم في العرب، فقالوا إن النبي الجديد جمع عشيرته وأنذرهم ودعاهم الى دينه، وإنه طلب منهم شخصاً يكون له وزيراً وخليفةً من بعده، فأجابه ابن عمه الشاب الغلام.. فاتخذه وزيراً وخليفة!


            ***
            فهذه النصوص تدل على أن ولاية الأمر بعد النبي صلى الله عليه وآله كانت مطروحةً ومنظورةً للناس، من أول بعثته الى آخر حياته صلى الله عليه وآله.. وأن كل الناس كانوا يعرفون أن مشروع النبوة ودعوة الناس اليها، هو مشروع تكوين دولة يرأسها النبي صلى الله عليه وآله، وتحتاج الى خليفة له بعده. ولذلك كان ممثلو القبائل يحاولون أن يأخذوا منه وعداً بأن يكون لهم الأمر من بعده، ومنهم ممثلون لقبائل يمانية وعدنانية، وزعيم قبائل نجد المتنقلة.. فكيف يصدق عاقلٌ ما زعمه زعماء قريش، من أنهم لم يطرحوا مسألة الخلافة مع النبي صلى الله عليه وآله، حتى بصيغة سؤال عن الحكم الشرعي وواجب المسلمين من بعده!!

            وكيف يقبل عاقل أنهم يروون عنه صلى الله عليه وآله أحاديث عن مستقبل الأمة في كل الأمور، إلا في أمر الخلافة والإمام الشرعي من بعده؟!

            تعليق


            • #66
              النبي صلى الله عليه وآله يبشر بالأئمة الإثني عشر من بعده


              في اعتقادنا أن ولاية الأمر بعد النبي صلى الله عليه وآله كانت أمراً مفروغاً عنه عنده صلى الله عليه وآله، وأن الله تعالى أمره أن يبلغ الأمة ولاية عترته من بعده، كما هي سنته تعالى في أنبيائه، أن يورث عترتهم الكتاب والحكم والنبوة..

              ونبينا صلى الله عليه وآله أفضلهم، ولا نبوة بعده، بل إمامةٌ ووراثةُ الكتاب..

              وعترته وذريته صلى الله عليه وآله أفضل من ذريات جميع الأنبياء عليهم السلام وقد طهرهم الله تعالى واصطفاهم، وأورثهم الحكم والكتاب (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم... ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا...).

              وقد كان النبي صلى الله عليه وآله طوال نبوته يبلغ ولاية عترته بالحكمة والتدريج، والتلويح والتصريح، لعلمه بحسد قريش لبني هاشم، وخططها لإبعادهم عن الحكم بعده، بل قد لمس صلى الله عليه وآله مراتٍ عديدة عنف قريش ضدهم، فأجابهم بغضب نبوي!

              وكانت حجة الوداع فرصةً مناسبةً للنبي صلى الله عليه وآله لكي يبلغ الأمة ولاية الأمر لعترته رسمياً على أوسع نطاق، حيث لم يبق بعد تبليغ الفرائض والأحكام، واتساع الدولة الإسلامية، والمخاطر المحيطة بها، وإعلان النبي صلى الله عليه وآله قرب رحيله الى ربه.. إلا أن يرتب أمر الحكم من بعده.




              بل تدل النصوص ومنطق الأمور، على أن ذلك كان هو الهم الأكبر للنبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، وأن قريشاً كانت تعرف جيداً ماذا يريد النبي صلى الله عليه وآله، وتعمل لمنع إعلان ذلك! وأنها زادت من فعاليتها في حجة الوداع لمنع تكريس ولاية علي والعترة عليهم السلام بشكل رسمي، وأخذ البيعة لهم من الأمة!

              ولا يتسع هذا البحث للإستدلال على المفردات التي ذكرناها.. وكل مفردة منها عليها عدة أدلة.. بل نكتفي هنا باستطلاع خطب النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع.. فقد ذكرت المصادر أنه صلى الله عليه وآله خطب خمس خطب غير خطبة الغدير، وكان من حق هذه الخطب النبوية أن تنقلها المصادر كاملةً غير منقوصة، لأن المستمعين كانوا عشرات الألوف.. ولكنك تراها مجزأةً مقتضبة، خاصة في الصحاح المعتمدة رسمياً عند الخلافة القرشية.

              قال في السيرة الحلبية: 3|333:

              خطب صلى الله عليه وسلم في الحج خمس خطب: الأولى يوم السابع من ذي الحجة بمكة، والثانية يوم عرفة، والثالثة يوم النحر بمنى، والرابعة يوم القر بمنى، والخامسة يوم النفر الأول بمنى أيضاً. انتهى.

              وقد راجعنا نصوص هذه الخطب من أكثر من مئة مصدر، فوجدنا فيها الغرائب والعجائب، من التعارض والتضارب، والمؤشرات والأدلة على تدخلات قريش ورواتها في نصوصها! !

              وكل ذنب خطب الوداع أن النبي صلى الله عليه وآله أمر المسلمين فيها بإطاعة أهل بيته من بعده، وحذرهم من الإختلاف بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم، وأقام عليهم الحجة، كاملةً غير منقوصة!

              ولكن رغم كل التعتيم القرشي، فقد وصلنا منها في المصادر القرشية نفسها، ما فيه بلاغٌ لمن أراد معرفة أوامر نبيه، وتأكيده على الإلتزام بقيادة عترته الطاهرين من بعده.. صلى الله عليه وعليهم.




              ونذكر منها فيما يلي: حديث الأئمة الإثني عشر، حيث اتفق الجميع على أن النبي صلى الله عليه وآله طرح قضيتهم في خطبه على المسلمين في حجة الوداع!

              ثم نستعرض أهم ما تضمنته الخطب الشريفة من محاور، ومنها حديث الثقلين: الكتاب والعترة، وحديث: حوض النبي صلى الله عليه وآله، والصحابة الذين يمنعون من الورود عليه، ويؤمر بهم الى النار!

              ـ روى البخاري في صحيحه: 8|127:

              جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش!

              ـ وفي صحيح مسلم: 6|3:

              جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً الى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش!

              ثم روى مسلم رواية ثانية نحوها قال فيها (ثم تكلم بشيء لم أفهمه).

              ثم روى ثالثة، جاء فيها (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً الى اثني عشر خليفة، فقال كلمة صَمَّنِيها الناس! فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش). انتهى.

              ولم يصرح البخاري أن هذا الحديث جزءٌ من خطبة حجة الوداع في عرفات، وقد قلده غيره في ذلك، ولكن عدداً من المصادر نصت عليه!

              ففي مسند أحمد: 5|93 و 96 و 99 (عن جابر بن سمرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، فقال...) وفي ص 87 (يقول في حجة الوداع). وفي ص 99 منه (وقال المقدمي في حديثه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب بمنى). انتهى.

              وستعرف أن النبي صلى الله عليه وآله كرر هذا الموضوع المهم في عرفات، وفي منى عند الجمرة، وفي مسجد الخيف.. ثم أعلنه شرعياً وصريحاً في غدير خم!


              فما هي قصة الأئمة الإثني عشر؟ ولماذا طرحها النبي صلى الله عليه وآله على أكبر تجمعٍ للمسلمين، وهو يودع أمته؟!

              يجيبك البخاري: إن هؤلاء ليسوا أئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله تجب طاعتهم، بل هم أمراء صالحون سوف يكونون في أمته في زمن ما، وأنه صلى الله عليه وآله قد أخبر أمته بما أخبره الله تعالى من أمرهم، وأنهم جميعاً من قريش، لا من بني هاشم وحدهم، بل من البضع وعشرين قبيلة التي تتكون منها قريش! وليس فيهم من الأنصار، ولا من قبائل العرب الأخرى، ولا من غير العرب.. وهذا كل ما في الأمر! !

              وتسأل البخاري: لماذا أخبر النبي صلى الله عليه وآله أمته في حجة الوداع في عرفات بهؤلاء الإثني عشر؟ وما هو الأمر العملي الذي يترتب على ذلك؟!

              يجيبك البخاري: بأن الموضوع مجرد إخبار فقط، فقد أحب النبي صلى الله عليه وآله أن يخبر أمته بذلك، لكي تأنس به.. فكأنه مجرد خبرٍ صحفي ليس فيه أي عنصرٍ عملي! !

              والنتيجة: أن البخاري لم يروِ في صحيحه في الأئمة الإثني عشر إلا هذه الرواية اليتيمة المبهمة، التي لا يمكنك أن تفهمها أنت ولا قومك! بينما روى عن حيض أم المؤمنين عائشة في حجة الوداع روايات عديدة، واضحة مفهومة، تبين كيف احترمها النبي صلى الله عليه وآله، وأرسل معها من يساعدها على إحرامها وعمرتها!


              ***
              أما مسلم فكان أكرم من البخاري قليلاً، لأنه اختار روايةً يفهم منها أن هؤلاء الإثني عشر هم خلفاء يحكمون بعد النبي صلى الله عليه وآله !

              ويفرح المسلم بحديث مسلم هذا، لأنه يعني أن الله تعالى قد حل مشكلة الحكم في الأمة بعد نبيه صلى الله عليه وآله، فهؤلاء أئمة معينون من الله تعالى على لسان نبيه، ويستمدون شرعيتهم من هذا التعيين، ولا يحتاج الأمر الى سقيفة واختلافات، ثم الى صراعٍ دموي على الحكم من صدر الإسلام الى يومنا هذا.. وملايين الضحايا.. وانقساماتٍ في الأمة أدت الى تراكم ضعفها.. الى أن.. انهارت خلافتها وخلفاؤها!


              ولكن رواية مسلم تقول: كلا لم تحل المشكلة، لأن النبي صلى الله عليه وآله أخبر عنهم إخباراً مجملاً! ولم يخبر المسلمين عن هويتهم وأسمائهم؟ ولم يسأله أحدٌ من عشرات الألوف الذين أخبرهم بهذا الموضوع الخطير: من هم يا رسول الله؟!

              وياليت أحدهم سأله فحددهم، حتى تسلم قريش لهم الأمر بلا منازع؟!

              يقول مسلم كما قال البخاري: كلا، كلا.. إنهم فقط أناسٌ ربانيون، يعز الله بهم الإسلام.. وهم من قريش.. من قريش! !


              ***
              وهكذا لا يمكنك أن تصل من البخاري ومسلم الى نتيجة مقنعة في أمر هؤلاء الأئمة الإثني عشر.. فقد أقفل الشيخان عليك الأبواب، وقالا لك مقولة قريش: إن نبيك تحدث في حجة الوداع عن رائحة الأئمة الإثني عشر فقط، فشمها واسكت!

              ولكنك لا تعدم الكشف عن عناصر مفيدة من مصادر قرشية أخرى، أقل مراعاة من البخاري ومسلم للسياسة وأهلها، أو أن ظروف أصحابها أحسن من ظروفهما!

              فقد روى أحمد في مسنده: 5|92، عن نفس الراوي جابر السوائي قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون (بعدي)...

              وروى في نفس الصفحة عن نفس الراوي جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش. قال ثم رجع الى منزله، فأتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج. انتهى.

              ففي الروايتين كلمة (بعدي) والمفهوم منها أنهم يكونون بعده مباشرة، والثانية تكشف عن اهتمام قريش بالموضوع، وسؤالهم عن هؤلاء الأئمة الربانيين، وأن القصة في المدينة، لا في حجة الوداع، فاحفظ ذلك لما يأتي!

              وقد وردت كلمة بعدي، ومن بعدي، في عدد من روايات الحديث، منها ما رواه أحمد أيضاً في: 5|94، عن نفس الرواي (يكون بعدي اثنا عشر أميراً، ثم لا أدري ما قال بعد ذلك، فسألت القوم..)




              وفي: 5|99 و 108 عن السوائي أيضاً (يكون من بعدي اثنا عشر أميراً، فتكلم فخفي علي، فسألت الذي يليني أو الى جنبي، فقال: كلهم من قريش).

              وفي سنن الترمذي: 3 |340

              (يكون من بعدي اثنا عشر أميراً، قال: ثم تكلم بشىَ لم أفهمه، فسألت الذي يليني، فقال قال: كلهم من قريش).

              وفي تاريخ البخاري: 1|446 رقم 1426: عن جابر بن سمرة أيضاً أنه سمع النبي قال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة.. انتهى.

              وفي الصواعق المحرقة لابن حجر |20 قال:

              خرَّج أبو القاسم البغوي بسند حسن، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون خلفي اثنا عشر خليفة. انتهى.


              ***
              إذن، فقد طرح النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع أمر الحكم من بعده، وأخبر عن ربه عز وجل بأن حكم الأمة الشرعي يكون لاثني عشر!

              ولكن ذلك لا يحل المشكلة، بقدر ما يفتح باب الأسئلة على قريش ورواتها:


              تعليق


              • #67
                السؤال الأول:

                لماذا نرى أن روايات هذه القضية الضخمة تكاد تكون محصورة عندهم براوٍ واحد، هو جابر السوائي، الذي كان صغيراً في حجة الوداع، ولعله كان صبياً ابن عشر سنوات! ألم يسمعها غيره؟ ألم يروها غيره من كل الصحابة الذين كانوا حاضرين؟! أم أن غيره رواها ولكن رواية جابر فازت لأنها أحسن رواية ملائمة للخلافة القرشية، فاعتمدتها، وسمحت بتدوينها!

                تعليق


                • #68


                  السؤال الثاني:

                  كان المسلمون يسألون النبي صلى الله عليه وآله عن صغير الأمور وكبيرها، حتى في أثناء خطبته، وهذه الروايات تقول إنه أخبرهم بأمر عقائدي، عملي، مصيري، مستقبلي، وتدعي أنه أبهمه إبهاماً، ثم لا تذكر أن أحداً من المسلمين سأله عن



                  هؤلاء الأئمة الربانيين، وما هو واجب الأمة تجاههم؟!

                  وإذا كانت (قريش) قد ذهبت الى النبي صلى الله عليه وآله في بيته في المدينة، كما يقول نفس الراوي، وطرقت عليه بابه لتسأله عما يكون بعد هؤلاء الإثني عشر، فهل يعقل أنها لم تسأله عنهم، وعما يكون في زمانهم!

                  وهل تعلم أن قريشاً في المدينة تعني عمر وأبا بكر فقط؟!

                  وهل يعقل أن أحداً من المسلمين في حجة الوداع، لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عنهم، ولا عما يكون قبلهم، وبعدهم، وعن واجب الأمة تجاههم؟!


                  تعليق


                  • #69
                    السؤال الثالث:

                    لماذا خفيت على الراوي الكلمة الحساسة، التي تحدد هوية الأئمة الإثني عشر، حتى سأل عنها الراوي القريبين منه؟

                    ثم رووها عن النبي صلى الله عليه وآله في المدينة أيضاً، فخفيت نفس الكلمة!

                    ثم لماذا تؤكد مصادر الخلافة القرشية على نقل الكلمة المفقودة عن سمرة وعن عمر بن الخطاب فقط؟!... الى آخر الأسئلة التي ترد على نص هذا الحديث، وتلحُّ على الباحث بالسؤال.

                    أليس من حق الباحث أن يشك في الأمر.. وأن يبحث بنفسه عن هذه كلمة السر المفقودة في أسواق الحديث والتاريخ؟!

                    تعليق


                    • #70
                      سنحاول في الملاحظات والمسائل التالية، تسليط الضوء على هذا السر المفقود! !


                      الأولى: هل أن أصل كلهم من قريش: كلهم من عترتي!

                      ماهو السبب في غياب الكلمة على الراوي؟ ومن الذي سأله عنها فشهد له بها؟

                      ـ جاء في مسند أحمد: 5|100 و 107 أن الراوي لم يفهم الكلمة، وخفيت عليه قال

                      (ثم قال كلمة لم أفهمها قلت لأبي ما قال؟ قال: قال كلهم من قريش)

                      ـ وفي مستدرك الحاكم: 3|617 (وقال كلمة خفيت علي، وكان أبي أدنى اليه مجلساً مني فقلت ما قال؟ فقال كلهم من قريش).



                      ـ وفي مسند أحمد: 5|90 و98 أن النبي صلى الله عليه وآله أخفاها وخفض بها صوته، وهمس بها همساً! (قال كلمة خفية لم أفهمها، قال قلت لأبي ما قال؟ قال قال كلهم من قريش).

                      ـ وفي مستدرك الحاكم: 3|618 (ثم قال كلمة وخفض بها صوته، فقلت لعمي وكان أمامي: ما قال ياعم؟ قال قال يابني: كلهم من قريش).

                      ـ وفي معجم الطبراني الكبير: 2|213 ـ 214 ح 1794

                      عن جابر بن سمرة عن النبي قال: يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً، لا يضرهم من خذلهم، ثم همس رسول الله صلى الله عليه وآله بكلمة لم أسمعها، فقلت لأبي ما الكلمة التي همس بها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال أبي: كلهم من قريش).

                      بينما تقول روايات أخرى إن الذي ضيع الكلمة هم الناس، فالناس ـ المحرمون لربهم في عرفات، المودعون لنبيهم صلى الله عليه وآله، المنتظرون لكل كلمة تصدر منه ـ صاروا كأنهم في سوق حراج، وصار فيهم مشاغبون يلغطون عند الكلمة الحساسة ليضيعوها على المؤمنين، فيضجون، ويكبرون، ويتكلمون، ويلغطون، ويقومون، ويقعدون! !

                      ـ ففي سنن أبي داود: 2|309 (قال فكبر الناس، وضجوا، ثم قال كلمة خفية، قلت لأبي يا أبة ما قال؟ قال كلهم من قريش). ومثله في مسند أحمد: 5|98.

                      ـ وفي مسند أحمد: 5|98 (ثم قال كلمة أصمنيها الناس، فقلت لأبي ما قال؟ قال: كلهم من قريش) وفي رواية مسلم المتقدمة (صمنيها الناس).

                      وفي ص 93 (وضج الناس).

                      وفي ص 99 (فسمعته يقول: لن يزال هذا الأمر عزيزاً ظاهراً، حتى يملك اثنا عشر كلهم... ثم لغط القوم وتكلموا، فلم أفهم قوله بعد كلهم، فقلت لأبي يا أبتاه ما بعد كلهم؟ قال: كلهم من قريش).

                      وفي نفس الصفحة (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً، ينصرون على من ناواهم عليه الى اثني عشر خليفة. قال فجعل الناس يقومون ويقعدون...) !




                      أما الذين سألهم جابر بن سمرة عن الكلمة، فتقول أكثر الروايات إنه سأل أباه سمرة، فتكون الشهادة بتوسيع دائرة الأئمة من هاشم الى قريش، متوقفةً على وثاقة سمرة أيضاً! كما رأيت في روايتي البخاري ومسلم، وغيرهما.

                      ولكن في رواية أحمد: 5|92 (بعدي اثنا عشر أميراً، ثم لا أدري ما قال بعد ذلك، فسألت القوم كلهم فقالوا: قال كلهم من قريش). ونحوه في ص 90، وفي ص 108 (يكون بعدي اثنا عشر أميراً، قال ثم تكلم فخفي على ما قال، قال فسألت بعض القوم، أو الذي يلي، ما قال؟ قال: كلهم من قريش).

                      ـ وفي: 5|99 (فخفي علي فسألت الذي يليني) ونحوه في: 5|108

                      ـ وفي معجم الطبراني الكبير: 2|277 ح 2044، أن ابن سمرة قال إن القوم زعموا زعماً أن النبي صلى الله عليه وآله قال إنهم من قريش! قال (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً، ثم تكلم بشىَ لم أسمعه، فزعم القوم أنه قال: كلهم من قريش).

                      والواقع أنه يصعب على الإنسان أن يقبل خفاء أهم كلمة عن الأئمة الذين بشر بهم النبي صلى الله عليه وآله، وفي مثل ذلك الجو الهادىء المنصت في عرفات! ثم لايسأل أحدٌ النبي صلى الله عليه وآله عن الكلمة الخفية التي هي لب الموضوع!

                      هذا وقد روى ابن سمرة نفسه أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب وهو راكبٌ على ناقته، وهذا يعني أنه كان حريصاً على أن يوصل صوته الى الجميع!

                      ففي مسند أحمد: 5|87 (ثم خفي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وكان أبي أقرب الى راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم مني!

                      بل رووا أنه النبي صلى الله عليه وآله أمر شخصاً جهوري الصوت، فكان يلقي خطبته جملةً جملة، ويأمره أن (يصرخ) بها ليسمعها الناس!

                      ـ ففي مجمع الزوائد: 3|270

                      عن عبد الله بن الزبير قال: كان ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي وهو الذي كان يصرخ يوم عرفة تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له رسول الله صلى




                      الله عليه وسلم: أصرخ ـ وكان صيِّتاً ـ أيها الناس أتدرون أي شهر هذا؟ فصرخ، فقالوا: نعم الشهر الحرام، قال فإن الله عز وجل قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم الى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا.

                      ثم قال: أصرخ: هل تدرون أي بلد هذا... الخ.

                      وعن ابن عباس... فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف فقام تحت ثدي ناقته، وكان رجلاً صيتاً فقال: أصرخ أيها الناس أتدرون أي شهر هذا... الخ. رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. انتهى.

                      والذي يزيد في الشك أنهم رووا الحديث عن نفس هذا الراوي بعدة صيغٍ غير متشابهة، ولكن الكلمة المفقودة في الجميع تبقى نفسها لا تتغير..

                      بل رووا عنه أنه صدر من النبي صلى الله عليه وآله في المدينة، وليس في حجة الوداع في عرفات.. ولكن الكلمة المفقودة تبقى نفسها، وهي هوية الأئمة الإثني عشر! !

                      ـ ففي مسند أحمد: 5|97 و 107

                      عن جابر بن سمرة قال: جئت أنا وأبي الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لابي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش. انتهى.

                      ثم رووه عنه، والنبي صلى الله عليه وآله يخطب في المسجد النبوي في المدينة، وهو مسجد صغير محدود، ولكن الكلمة نفسها بقيت خفية على جابر بن سمرة حتى سأل عنها الخليفة القرشي عمر بن الخطاب فأخبره بها!

                      ـ ففي معجم الطبراني الكبير: 2|286 ح 2073 عن جابر بن سمرة (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يخطب على المنبر ويقول: إثنا عشر قيماً من قريش، لا يضرهم عداوة من عاداهم، قال فالتفتُّ خلفي، فإذا أنا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي، في ناس، فأثبتوا لي الحديث كما سمعت). انتهى.

                      ـ وقال عنه في مجمع الزوائد: 5|191: رواه البزار عن جابر بن سمرة وحده، وزاد




                      فيه: ثم رجع يعني النبي صلى الله عليه وسلم الى بيته، فأتيته فقلت: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج . ورجاله ثقات. انتهى.

                      فصار الحديث: اثني عشر قيماً والناس يعادونهم. وصار الذي أثبت له هوية هؤلاء القيمين على الأمة جماعة فيهم عمر وأبوه! فقد تغيرت صيغة الحديث ومكانه والشخص الذي سأله عنه الكلمة المفقودة، لكنها ما زالت نفسها مفقودة! !

                      والأعجب من الجميع أنهم رووا الحديث عن راوٍ آخر، هو أبو جحيفة، فخفيت عليه نفس الكلمة أيضاً! ! ولكنه سأل عنها عمه، وليس أباه!

                      ـ ففي مستدرك الحاكم: 3|618

                      عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: كنت مع عمي عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة، ثم قال كلمة وخفض بها صوته، فقلت لعمي وكان أمامي: ماقال ياعم؟ قال قال يابني: كلهم من قريش. انتهى. وقال عنه في مجمع الزوائد: 5|190: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار، ورجال الطبراني رجال الصحيح. انتهى.

                      نجد أنفسنا هنا أمام ظاهرة لا مثيل لها في كل أحاديث النبي صلى الله عليه وآله!!

                      مما يدل على أن أمر هذا الحديث مهمٌّ جداً، وأن نصه وظروفه ليست طبيعية.. وأن في الأمر سراً، يكمن في كلمة قريش! !

                      ويرى الباحث من حقه أن يحتمل أن الراوي الأصلي للحديث هو عمر، وهو الذي صححه لهذا الصبي جابر بن سمرة وأثبته له، وأمره أن يرويه هكذا!

                      فقد روى هذا الحديث الخزاز القمي الرازي في كتابه كفاية الأثر|90، عن عمر وحده، بدون ابن سمرة وأبيه، وبدون أبي جحيفة وعمه، قال:

                      حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثنا الحسن بن علي زكريا العدوي، عن شيث بن غرقده العدوي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن العلا قال: حدثنا إسماعيل بن صبيح اليشكري، عن شريك بن عبد الله، عن المفضل بن حصين، عن



                      عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الأئمة بعدي اثنا عشر، ثم أخفى صوته فسمعته يقول: كلهم من قريش.

                      قال أبو المفضل: هذا غريب لا أعرفه إلا عن الحسن بن علي بن زكريا البصري بهذا الإسناد، وكتبت عنه ببجارا يوم الأربعاء، وكان يوم العاشور، وكان من أصحاب الحديث إلا أنه كان ثقة في الحديث. انتهى.

                      تعليق


                      • #71
                        الثانية: لا يصح الوعد الإلَهي بقيادة مجهولة!

                        إن الوعد النبوي بالإثني عشر من بعده، وعدٌ إلهيٌّ من لدن حكيمٍ خبير بأئمة بعد رسوله صلى الله عليه وآله، كما هي سنته تعالى في الأمم السابقة، ورحمةٌ بهذه الأمة لحل

                        أصعب مشكلة تواجهها الأمم بعد أنبيائها على الإطلاق!

                        فهل تقبل عقولنا أن الله تعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وآله بأن يدل أمته على قادة مجهولين؟!

                        نحن نرى أن الله تعالى قد وعد الأمم السابقة على لسان عيسى عليه السلام برسولٍ يأتي من بعده بأكثر من خمس مئة سنة، ومع ذلك سماه باسمه فقال (يأتي من بعدي اسمه أحمد) صلى الله عليه وآله، فكيف يعقل أن يعد خاتمة الأمم على لسان نبيها بقادتها الربانيين (القيمين على الأمة) ثم لا يسمي أولهم على الأقل، ولا يسمي أسرتهم، بل يكتفي بالقول إنهم من بضع وعشرين قبيلة متنازعة على الأمور الصغيرة التي هي أقل من السلطة ورئاسة الدولة بآلاف المرات؟!

                        إن التصديق بذلك يعني نسبة عدم الحكمة الى الله عز وجل، والى ساحة رسوله الحكيم المنزه صلى الله عليه وآله ! وهو أمرٌ لا يجرأ عليه مسلم، بل حتى مستشرقٌ منصف! !

                        نعم قد يكون من المصلحة في بعض الإخبارات النبوية أن يبدأ النبي صلى الله عليه وآله بإلقائها عامة تثير السؤال، حتى إذا سأله الناس عنها بيءَنها لهم، ليكون بيانها بعد سؤالهم أوقع لها في نفوسهم.. ولكن أين أسئلة المسلمين عن هؤلاء الأئمة، وأجوبة نبيهم صلى الله عليه وآله !

                        إنك لا تجدها إلا في مصادر أحاديث الشيعة!

                        تعليق


                        • #72
                          الثالثة: من قريش، لكن من عترة النبي صلى الله عليه وآله

                          لو غضينا النظر عن كل االإشكالات على الحديث، وقبلنا أنه صدر عن النبي صلى الله عليه وآله بصيغته التي صححوها في مصادرهم.. فهو إذن يقول: إن قادة الأمة الخاتمة اثنا عشر ربانياً قيماً على الأمة، وإنهم من قريش.

                          ويأتي هنا السؤال: من أي قريش اختارهم الله تعالى؟

                          إن بطون قريش أو قبائلها أكثر من عشرين قبيلة.. وقد ثبت في صحاحهم أن الله تعالى اختار قريشاً من العرب، واختار هاشماً من قريش.. فهل يعقل بعد أن اختار الله تعالى معدن هاشم على غيره، أن يختار الأئمة الإثني عشر الوارثين لنبيه صلى الله عليه وآله القيمين على أمته، من معدن أقل فضلاً ودرجةً من بني هاشم؟! !

                          ـ ففي صحيح مسلم: 7|58

                          عن واثلة بن الأسقع: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. انتهى.

                          ورواه الترمذي: 5|245 (هذا حديث حسن صحيح غريب) وقال عنه في ص 243 (هذا حديث حسن صحيح) ثم روى عدة أحاديث بمضمونه، منها:

                          عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يارسول الله إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم، فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض (والكبوة المزبلة!)

                          فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم خير القبائل فجعلني من خير القبيلة، ثم خير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً، وخيرهم بيتاً. هذا حديث حسن. وروى بعده نحوه بسند آخر، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. انتهى.

                          ـ وفي صحيح البخاري: 4|138

                          باب قول الله تعالى: واذ كر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً. وإذ



                          قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة. إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، الى قوله يرزق من يشاء بغير حساب. قال ابن عباس: وآل عمران: المؤمنون من آل ابراهيم، وآل عمران، وآل ياسين، وآل محمد، صلى الله عليه وسلم.

                          ـ وفي نهج البلاغة: 1|82: والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حِيزِنا، فكانوا كما قال الأول:

                          أدَمْتَ لعمري شُرْبَكَ المحضَ صابحاً وأكلكَ بالزُّبد المقشَّرةَ البـُــجْرا
                          ونـحــن وهبناك العلاء ولم تكن علياً، وحُطْنَا حولك الجرد والسمرا
                          ـ وفي صحيح البخاري: 5|6

                          عن قيس بن عبادة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة! ! انتهى.

                          ويطول لكلام لو أردنا أن نستعرض ما ورد من القرآن والسنة في اختيار الله تعالى لبني هاشم، واصطفائهم، وتفضيلهم، وحقهم على الأمة. وكل ذلك بسبب أن عترة النبي صلى الله عليه وآله منهم، لأنهم جوهرة معدن هاشم، بل جدهم وهم جوهرة كل بني آدم.

                          تعليق


                          • #73
                            الرابعة: أحاديث النبي صلى الله عليه وآله تفسر حديث الإثني عشر

                            من المتفق عليه بين المسلمين أن كلامه صلى الله عليه وآله بمنزلة القرآن يفسر بعضه بعضاً. بل ذلك أصلٌ عقلائي عند كل الأمم في تفسير نصوص أنبيائها، فإن أيءَ أمةٍ تجد نصاً عن نبيها بالبشارة باثني عشر إماماً من بعده، ولا تعرفهم من هم، تنظر في نصوصه وأقواله وأفعاله، لكي تعرف بواسطتها هؤلاء القادة المبشر بهم على لسانه!

                            وإذا نظرنا الى ما صدر عن نبينا الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله في حق عترته: علي وفاطمة والحسن والحسين وذريتهم عليهم السلام، مما اتفق عليه المسلمون، وحكموا بصحته.. لا يبقى عندنا شك في أنه يقصد هؤلاء الذين مدحهم هو صلى الله عليه وآله في مناسبات




                            عديدة، وبين للأمة أن الله تعالى مدحهم في آياته، وطهرهم من الرجس تطهيراً، وأوجب على المسلمين مودتهم، وأن يصلوا عليهم معه في صلواتهم، وحرم عليهم الصدقة، وجعل لهم الخمس في ميزانية الدولة، وجعلهم وصيته في أمته، وسماهم مع كتاب الله الثقلين....

                            ولا يتسع المقام لبسط الكلام فيه، بل تكفي الإشارة الى ما هو

                            إن المتفق عليه بين المسلمين مما صدر في حقهم من النبي صلى الله عليه وآله من المديح والتعظيم، والتحذيرهم من مخالفتهم وظلمهم.. فيه عبرةٌ لمن كان له قلب، وكفايةٌ لمن ألقى السمع، وشهادةٌ لمن أراد الحجة من الله تعالى، والشهادة من رسوله صلى الله عليه وآله.

                            تعليق


                            • #74
                              الخامسة: اثنا عشر إماماً واثنا عشر شهراً

                              ذكرت روايات الخطب الشريفة في حجة الوداع، أن النبي صلى الله عليه وآله ذكر الأئمة الإثني عشر، وذكر استدارة الزمن كأول ما خلق الله الأرض، وقرأ آية: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً.. ففي صحيح البخاري: 5|126:

                              عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. انتهى. ورواه أيضاً في: 5|204، و: 6|235، وكذا أبو داود في: 1|435، وأحمد في: 5|37

                              ـ ورواه في مجمع الزوائد: 3|265، بصيغة أقرب الى أسلوب النبي صلى الله عليه وآله من رواية البخاري، جاء فيها (ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض، ثم قرأ: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض...) انتهى.

                              وقد ذكر المفسرون والشراح السنيون أن قصده صلى الله عليه وآله إلغاء النسيء الذي ابتدعته العرب للأشهر الحرم، وأن وضع التوقيت والزمن قد رجع الى هيئته الأولى، فلا نسيء


                              بعد اليوم.. ولكنه تفسير غير مقنع، فإن نسيء العرب لم يكن مؤثراً في الزمن والفلك، حتى يرجع الزمن الى حالته الأولى بإلغاء النسيء!

                              كما أني لم أجد دليلاً على ارتباط استدارة الزمان بالنسىَ في كلامه صلى الله عليه وآله

                              ولا يبعد أن تكون استدارة الزمان موضوعاً مستقلاً عن النسيء.

                              وبما أن النبي صلى الله عليه وآله في مقام توديع أمته، وبيان مرحلة مابعده من الهدى والضلال، والعقائد والأحكام، وطريق الجنة والنار.. فقد يقصد بإخباره باستدارة الزمن: أن مرحلةً جديدة بدأت من ذلك اليوم فما بعده، من قوانين الهداية والإضلال الإلهي، ومعالم ذلك هم الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام، الذين ينسجم وجودهم مع نظام الإثني عشر شهراً في تكوين السماوات والأرض.

                              ويؤيد ذلك: قداسة عدد الإثني عشر في القرآن، وأن النبي صلى الله عليه وآله طلب من الأنصار في أول بيعتهم له أن يختاروا منهم اثني عشر نقيباً..

                              وأنه بشر الأمة بالأئمة الإثني عشر من بعده..

                              ويؤيده: أنه صلى الله عليه وآله أخبر الأمة بوجود أئمة مضلين من بعده، وشدد على التحذير منهم، وبين أن أخطرهم الإثنا عشر منافقاً من أصحابه!

                              فمقابل كل إمام هدىً إمامُ ضلالٍ، كما أن مقابل كل نبيٍّ عدوٌّ من المجرمين، يعمل لإضلال الناس! قال الله تعالى:

                              ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا.

                              يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا.

                              لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا.

                              وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.

                              وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيرا. الفرقان 27 ـ 31

                              ـ وفي صحيح مسلم: 8|122 ـ 123:

                              قال النبي صلى الله عليه وسلم: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا




                              يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانيةٌ منهم تكفيكهم الدبيلة، وأربعةٌ لم أحفظ ما قال شعبة فيهم!

                              إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في أمتي ـ قال شعبة: وأحسبه قال حدثني حذيفة، وقال غندر: أراه قال في أمتي ـ اثنا عشر منافقاً، لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانيةٌ منهم تكفيكهم الدبيلة، سراجٌ من النار يظهر في أكتافهم، حتى ينجم من صدورهم.

                              حدثنا أبو الطفيل قال: كان بين رجلٍ من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟!

                              قال فقال له القوم: أخبره إذ سألك.

                              قال: كنا نُخْبَرُ أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حربٌ لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. انتهى. ورواه أحمد في: 4|320، وغيرها، ورواه كثيرون.

                              والنتيجة: أنه لا يبعد أن يكون قصد النبي صلى الله عليه وآله أن يخبر المسلمين بأن الله تعالى أقام الحياة البشرية من يوم خلق السماوات والأرض، وخلق الجنس البشري، على قانون الهداية والضلال بإتمام الحجة، وإمهال الناس ليعملوا بالهدى أو بالضلال.. فكان لا بد من وجود عنصري الهدى وعناصر الضلال معاً، كعنصري السلب والإيجاب في الطاقة، فألهم النفس البشرية فجورها وتقواها، وأنزل آدم الى الأرض ومعه إبليس، وبعث الأنبياء عليهم السلام ومع كل نبي عدو مضلٌّ أو أكثر، وجعل بعدهم أئمة ربانيين يهدون، وأئمة ضلال منافقين يضلون.. وعدد كل منهم في هذه الأمة اثنا عشر.. وأنه قد بدأت بهم دورةٌ جديدةٌ من الهدى والضلال، كما بدأت بآدم وإبليس.. ولذلك استدار الزمن كهيئته في أوله بانتهاء الفترة، ووضوح الحجة.

                              ويؤيد ذلك ما ورد من طريق أهل البيت عليهم السلام في تفسير آية (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً).

                              تعليق


                              • #75
                                السادسة: راوي الحديث جابر السوائي

                                روت مصادر السنيين حديث الأئمة الإثني عشر عن عدة رواة، وهم عبد الله بن مسعود، وأبو جحيفة، وجابر بن سمرة السوائي، وهذا الأخير أهمهم، لأن الصحاح اعتمدت روايته، كما تقدم.

                                وهو جابر بن سمرة بن جنادة. وقد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب: 2|35 (يقالين) في نسبه، فقال (يقال: ابن عمرو بن جندب بن حجير ابن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة السوائي. ويقال: من قبيلة عامر بن صعصعة).

                                ويؤيد هذا الشك أن الذهبي قال في ترجمته: 3|187 (وهو وأبوه من حلفاء زهرة) ولو كان من بني عامر بن صعصعة، لم يحتج أن يكون حليفاً!

                                وسمرة هذا من الطلقاء، فقد قال في تهذيب التهذيب: 4|206 (وقرأت: بخط الذهبي إنما مات في ولاية عبد الملك ابنه جابر، وأما سمرة فقديم. وذكر ابن سعد أنه أسلم عند الفتح، ولم أقف على من أرخ وفاته غير من تقدم). انتهى.

                                لكن البخاري قال في التاريخ الكبير: 4|177: إن لسمرة هذا صحبة. انتهى.

                                أما جابر ابنه فهو فرخُ طليقٍ، فقد كان صغيراً عند فتح مكة، لأنه توفي سنة 76، ولأنه يروي أن النبي صلى الله عليه وآله مسح على خد الصبيان المصلين وكان منهم (سير أعلام النبلاء: 3|187).

                                ولعل أباه سمرة توفي في حياة النبي صلى الله عليه وآله أو بعده بقليل، فعاش جابر في كنف خاله سعد بن أبي وقاص في المدينة، وقد روي أنه اشترك في فتح المدائن، ولعله كان شاباً حينذاك، ثم سكن الكوفة وابتنى بها داراً (أسد الغابة: 1|254).

                                وعلى هذا فيكون جابر في حجة الوداع صبياً صغيراً أو مراهقاً، ويكون الراوي الوحيد المعتمد في الصحاح لحديث أئمة هذه الأمة بعد نبيها.. هذا الصبي الطليق من حلفاء قريش!




                                فاعجب لشيوخ الأمة، وكبار الصحابة، حيث لم يكن عندهم ذكاء هذا الصبي الطليق، واهتمامه بمستقبل الأمة، وأئمتها الربانيين!

                                أو فاعجب للخلافة القرشية كيف سيطرت على مصادر الحديث النبوي عند السنيين، فلم تسمح بتدوين حديثٍ في الأئمة الإثني عشر، الذين بشر بهم نبي الأمة صلى الله عليه وآله إلا حديث هذا الصبي! !

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X