المرجع الديني محمود الجسني الصرخي
قصة خلافه مع إيران وموقفه من الديموقراطية
الهجمات الأخيرة التي قام بها أتباع المرجع الديني العراقي محمود الحسني على القنصليتين الإيرانيتين في كربلاء والبصرة، احتجاجا على برنامج تلفزيوني في قناة الكوثر، سلطت الأضواء على تيار الحسني وموقعه في خارطة الحركة السياسية الشيعية في العراق.
برز السيد محمود الحسني (المولود سنة 1964) في أعقاب سقوط النظام البعثي كواحد من تلامذة الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر. حيث اتخذ من مدينة كربلاء مقرا له، وأسس (الحوزة الناطقة الصادقة) في مقابل السيد مقتدى الصدر الذي كان ينادي حينها بالحوزة الناطقة، و أسس كذلك حزب الولاء الاسلامي، في مقابل زميله التلميذ الآخر للصدر الشيخ اليعقوبي الذي أسس حزب الفضيلة. ونظرا لمعارضته الاحتلال الأميركي فقد قامت القوات الأمريكية بمهاجمة مقره في كربلاء قبل سنتين في محاولة لاعتقاله، وقتلت 13 من أتباعه، ولكنها قدمت خمسة قتلى بينهم ضابط كبير، مما دفعها لملاحقته بصورة مستمرة منذ ذلك الحين، وإصدار مذكرة توقيف بحقه ورصد مبلغ خمسين ألف دولار لمن يدل عليه ، مما اضطره للاختفاء منذ ربيع عام 2004 ولم تفلح عدة مظاهرات نظمها أتباعه أمام المنطقة الخضراء في بغداد وفي عدد من المدن العراقية في رفع اسمه من قائمة المطلوبين، والسماح له بمزاولة نشاطه بصورة علنية اعتيادية.
وامتاز الحسني بمهاجمة المرجعية الشيعية التقليدية، وادعاء الاجتهاد والأعلمية في الفقه الشيعي، واعتبار نفسه وليا لأمر المسلمين، حتى يقال أنه طالب المرشد الإيراني الامام الخامنئي بالتنازل له عن هذا اللقب. ولكن مرجعا كبيرا آخر يعيش في إيران، هو السيد كاظم الحائري، الذي كان السيد محمد الصدر قد أوصى أتباعه في العراق بالرجوع اليه في حالة وفاته، شكك في اجتهاد محمود الحسني الذي لم يتسن له الدراسة في الحوزة سوى سنوات معدودة في التسعينات، فضلا عن أعلميته. وكان قيام الشيخ علي الكوراني في التشكيك باجتهاده، خلال برنامج تلفزيوني بثته قناة الكوثر الإيرانية، قبل أسابيع، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وسببا لتأجيج غضب أتباع الحسني ، الذين بادروا الى مهاجمة القنصليتين الإيرانيتين في كربلاء والبصرة، وطالبوا باعتذار من الحكومة الإيرانية. وهددوا بمهاجمة المصالح الإيرانية في العراق وخارجه في حال عدم الاستجابة لمطالبهم .
ومع أن أحدا لم يجر أي امتحان للحسني للتأكد من اجتهاده وأعلميته، الا ان من الواضح ان المشكلة لا تكمن في هذه الدعوى ، بقدر ما تعود الى دعوى أخرى يدعيها الحسني أو يبثها أتباعه من أنه يمثل "الحسني الموعود" الذي يظهر قبيل ظهور الامام المهدي، حسب الروايات الشيعية، وانه يحتفظ بعلاقات خاصة بالامام. حتى أنه زوج أخته منه. ويقال ان الشيخ الكوراني نفى هذه العلاقة الخاصة المدعاة بينه وبين الامام المهدي وأنكر أن يكون المهدي قد عينه وصيا ونائبا خاصا له، وطالبه بأن يأتي بمعجزة لإثبات ذلك.
ولكني لم أجد في موقع السيد الحسني على الانترنت ما يشير الى ادعائه ذلك، وانما وجدت أنه يحث أتباعه على الإستعداد لظهور المهدي وتهيئة القواعد الشعبية لإستقباله، والدعوة الى تأسيس دولة العدل الالهي المقدسة بقيادة قائم أل محمد.
وقرأت في موقع الحسني ما يلي:" ان ماجرى ويجري من احداث يولد عندنا الظن الراجح بان العديد من علامات الظهور قد تحققت وان القيمة الاحتمالية لقرب ساعة الفرج الشريف قد تزايدت ونرجو ان تكون قريبة ان شاء الله تعالى".
وجاء في افتتاحية العدد 42 من جريدة "الفتح المبين" التابعة له ما يلي:" ان البشرى بالمهدي هي أعظم ما يتمّ الإفصاح عنه في عالم اليوم، وأحق القضايا بالتهيُّؤ والترقب، حيث إن المهدي أصبح حقيقةً وليست موضع شك وارتياب، وإن المهدي (عليه السلام) لم يعد فكرة ننتظر ولادتها ونبوءة نتطلَّع إلى مصداقها، بل واقع قائمٌ ننتظر فاعليته وإنسان معيّن يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا، ويعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا. إذاً علينا أن نهيّئ أنفسنا جميعاً لاستقبال الإمام المهدي (عليه السلام) كأنه سيقوم غداً، وذلك من خلال إعداد أنفسنا إيمانياً وعقائدياً وفكرياً وثقافياً وروحياً وسلوكياً وسياسياً وجهادياً ورسالياً، وعليه يجب أن يكون إحساسنا بقضية الإمام المهدي (عليه السلام) عالي المستوى في الفكر والممارسة، فنركّز ذلك في وعينا وسلوكنا من خلال الارتباط الفعال بالقيادات التي تجسّد خط الإمام (عجل الله فرجه) في الساحة، والتي تُعدّ امتداداً رسالياً بقيادته".
وفي الحقيقة لا يمتاز الحسني في هذه الدعوة لانتظار المهدي عن غيره من الشيعة الاثني عشرية، وانما هي سمة عامة مركزة لتيار السيد محمد صادق الصدر، والتي أدت الى تشكيل مقتدى الصدر لجيش المهدي، وان كان الكثير من أنصار الصدر والشيعة عموما قد طوروا نظرية الانتظار من حالة الانتظار السلبية السابقة التي كان يقول بها كثير من الشيعة الى ما أسماه المفكر الإيراني النهضوي الدكتور علي شريعتي بحالة الانتظار الايجابي، الذي يعني الانخراط في الحياة السياسية وتمهيد الأمور لظهور الامام المهدي الغائب، بدلا من الجلوس في البيت وتعطيل أعمال الدولة أو تجنب الثورة.
ويعتقد الحسني، كما مقتدى الصدر، بأن من أهداف الاحتلال الأمريكي للعراق هو تأخير ظهور الامام المهدي وعرقلة قيام الدولة الاسلامية العالمية التي سوف تنطلق من العراق.
وربما كان هذا الموقف الأيديولوجي يفسر سلبية تيار الحسني في التفاعل مع العملية السياسية، ومقاطعة الانتخابات والعملية الديموقراطية برمتها. الا ان الوجه الأبرز لفكر الانتظار التي يعتنقه الحسني بشدة، هو تكريس زعامته على أتباعه باعتباره نائبا عاما أو خاصا للامام المهدي، وإضفاء مسحة قدسية وهالة دينية مكثفة عليه، وهذا ما دفع أتباعه للاحتجاج بشدة وعنف على البرنامج التلفزيوني الإيراني الذي قدمه الشيخ علي الكوراني، وشكك فيه باجتهاده، لأن التشكيك بالاجتهاد يعني التشكيك بمرتبة "النيابة العامة للامام المهدي" التي يحملها كل مجتهد في عصر غيبة الامام المهدي الكبرى الممتدة منذ أوائل القرن الرابع الهجري والى اليوم وحتى الظهور، حسب المعتقدات الشيعة الامامية الاثني عشرية.
ومن المعروف ان هذه النظرية كانت القاعدة الأساسية التي سمحت بتطور الفكر السياسي الشيعي الى نظرية ولاية الفقيه، وهي التي تشكل الغطاء الشرعي "الديني" للنظام الإيراني المعاصر. ولكن عددا من كبار العلماء الشيعة يشكك بصحة نظرية "النيابة العامة للفقهاء عن الامام المهدي" ويعتبرها فرضية لا تقوم على أدلة شرعية كافية، ومنهم المرجع الشيعي الأعلى الراحل السيد أبو القاسم الخوئي، والمرجع الأعلى الحالي السيد السيستاني، ولذلك فان الأخير لم يؤمن بنظرية ولاية الفقيه الخمينية، وانفتح على النظام الديموقراطي وعمل على إقامته في العراق.
وبالرغم من وجود أسئلة كثيرة جدية أخرى حول عدد من المقدمات التي تشكل الفكر السياسي الشيعي، كمسألة وجود الامام المهدي الغائب محمد بن الحسن العسكري، فان كثيرا من رجال الدين الشباب يقفزون على الأبحاث العلمية ويتلقفون أية نظرية أو فرضية تساعدهم على تكريس زعامتهم على أتباعهم ، وخاصة الجهلة والسذج والأميين، وقيادتهم بصورة سلسة. وهو ما يشكل في الحقيقة عقبة كأداء أمام تقدم الديموقراطية وبنائها في العراق، وذلك لتعارض نظرية ولاية الفقيه، بغض النظر عن حقيقة الصفة التي يحملها هذا أو ذاك من رجال الدين، مع حرية الاختيار والمشاركة العامة في العملية السياسية.
ومع ان السيد السيستاني لا يؤمن بنظرية ولاية الفقيه، ولم يطرح هذه النظرية أبدا، فان تمتعه بهالة دينية مقدسة بصفته كمرجع ديني، سمح لبعض الاحزاب في قائمة الائتلاف باستغلال صوره وأقواله (التي لم تثبت نسبتها اليه) لتأييد هذه القائمة أو تلك، أو هذا المرشح أو ذاك، مما أخل بالعملية الديموقراطية وشوه صدقيتها، وأضر ببعض المرشحين (حتى الاسلاميين كمرشحي منظمة العمل الاسلامي) فضلا عن العلمانيين والوطنيين.
هذا مع العلم بأن النظرية المرجعية تقوم على الظن والاجتهاد ولا تدعي العلم أو الحق المطلق أو الارتباط بالغيب، فكيف إذا جاء شخص وتلفع بهالة من الاشاعات والخرافات والأساطير عن ارتباطه بالامام المهدي، أو السماء، وما الى ذلك ، مما يقربه من ادعاء تلقي الوحي، حتى لو كان في المنام والرؤيا، كما يقال أن بعض أتباع الحسني ينسبونه الى "مرجعهم"؟ ألا يشكل ذلك بدعة خطيرة لاستغلال البسطاء والانحراف بالدين؟ ومفتاحا لأوضاع سياسية وحركات مضادة للديموقراطية؟
ان المشكلة تكمن في اعتماد تيار الحسني، والتيارات المشابهة له، على الأخبار الضعيفة المنتشرة حول موضوع الامام المهدي في الثقافة الشيعية، وعدم التحقيق فيها، ومحاولة تطبيقها على هذا أو ذاك، وهو ما يخلق بيئة صالحة لنمو الخرافات والأساطير والتطرف والابتداع في الدين، كما حدث مؤخرا في مدينة العمارة التي خرج فيها أحد وكلاء الحسني ليدعي بأنه الامام المهدي، وهو ما شكل أزمة في تيار الحسني نفسه.
واذا كان الشيخ الكوراني وعلماء إيرانيون وشيعة آخرون ينزعجون من تلك الادعات الاعتباطية التي تشكل خروجا على مسلماتهم، فان من الأجدر بهم أن يدعموا النهج الأصولي العلمي الأكاديمي في التحقيق في مسائل العقيدة والتاريخ، والعودة الى القرآن الكريم، ونبذ الأحاديث الضعيفة والمدسوسة في ثقافة أهل البيت. لا أن يتشبثوا بكل ما ورد الينا من قصص وأساطير مدسوسة في تراث أهل البيت. والا فان دعوة الحسني قد تتطور في المستقبل لتشكل خطرا كبيرا على التشيع نفسه، كما شكلت حركات ثقافية أخرى سابقة ، خرجت على التشيع والاسلام في القرن التاسع عشر، كالحركة البابية والبهائية.
ahmad@alkatib.co
منقول عن شبكة العراق الثقافية
قصة خلافه مع إيران وموقفه من الديموقراطية
الهجمات الأخيرة التي قام بها أتباع المرجع الديني العراقي محمود الحسني على القنصليتين الإيرانيتين في كربلاء والبصرة، احتجاجا على برنامج تلفزيوني في قناة الكوثر، سلطت الأضواء على تيار الحسني وموقعه في خارطة الحركة السياسية الشيعية في العراق.
برز السيد محمود الحسني (المولود سنة 1964) في أعقاب سقوط النظام البعثي كواحد من تلامذة الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر. حيث اتخذ من مدينة كربلاء مقرا له، وأسس (الحوزة الناطقة الصادقة) في مقابل السيد مقتدى الصدر الذي كان ينادي حينها بالحوزة الناطقة، و أسس كذلك حزب الولاء الاسلامي، في مقابل زميله التلميذ الآخر للصدر الشيخ اليعقوبي الذي أسس حزب الفضيلة. ونظرا لمعارضته الاحتلال الأميركي فقد قامت القوات الأمريكية بمهاجمة مقره في كربلاء قبل سنتين في محاولة لاعتقاله، وقتلت 13 من أتباعه، ولكنها قدمت خمسة قتلى بينهم ضابط كبير، مما دفعها لملاحقته بصورة مستمرة منذ ذلك الحين، وإصدار مذكرة توقيف بحقه ورصد مبلغ خمسين ألف دولار لمن يدل عليه ، مما اضطره للاختفاء منذ ربيع عام 2004 ولم تفلح عدة مظاهرات نظمها أتباعه أمام المنطقة الخضراء في بغداد وفي عدد من المدن العراقية في رفع اسمه من قائمة المطلوبين، والسماح له بمزاولة نشاطه بصورة علنية اعتيادية.
وامتاز الحسني بمهاجمة المرجعية الشيعية التقليدية، وادعاء الاجتهاد والأعلمية في الفقه الشيعي، واعتبار نفسه وليا لأمر المسلمين، حتى يقال أنه طالب المرشد الإيراني الامام الخامنئي بالتنازل له عن هذا اللقب. ولكن مرجعا كبيرا آخر يعيش في إيران، هو السيد كاظم الحائري، الذي كان السيد محمد الصدر قد أوصى أتباعه في العراق بالرجوع اليه في حالة وفاته، شكك في اجتهاد محمود الحسني الذي لم يتسن له الدراسة في الحوزة سوى سنوات معدودة في التسعينات، فضلا عن أعلميته. وكان قيام الشيخ علي الكوراني في التشكيك باجتهاده، خلال برنامج تلفزيوني بثته قناة الكوثر الإيرانية، قبل أسابيع، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وسببا لتأجيج غضب أتباع الحسني ، الذين بادروا الى مهاجمة القنصليتين الإيرانيتين في كربلاء والبصرة، وطالبوا باعتذار من الحكومة الإيرانية. وهددوا بمهاجمة المصالح الإيرانية في العراق وخارجه في حال عدم الاستجابة لمطالبهم .
ومع أن أحدا لم يجر أي امتحان للحسني للتأكد من اجتهاده وأعلميته، الا ان من الواضح ان المشكلة لا تكمن في هذه الدعوى ، بقدر ما تعود الى دعوى أخرى يدعيها الحسني أو يبثها أتباعه من أنه يمثل "الحسني الموعود" الذي يظهر قبيل ظهور الامام المهدي، حسب الروايات الشيعية، وانه يحتفظ بعلاقات خاصة بالامام. حتى أنه زوج أخته منه. ويقال ان الشيخ الكوراني نفى هذه العلاقة الخاصة المدعاة بينه وبين الامام المهدي وأنكر أن يكون المهدي قد عينه وصيا ونائبا خاصا له، وطالبه بأن يأتي بمعجزة لإثبات ذلك.
ولكني لم أجد في موقع السيد الحسني على الانترنت ما يشير الى ادعائه ذلك، وانما وجدت أنه يحث أتباعه على الإستعداد لظهور المهدي وتهيئة القواعد الشعبية لإستقباله، والدعوة الى تأسيس دولة العدل الالهي المقدسة بقيادة قائم أل محمد.
وقرأت في موقع الحسني ما يلي:" ان ماجرى ويجري من احداث يولد عندنا الظن الراجح بان العديد من علامات الظهور قد تحققت وان القيمة الاحتمالية لقرب ساعة الفرج الشريف قد تزايدت ونرجو ان تكون قريبة ان شاء الله تعالى".
وجاء في افتتاحية العدد 42 من جريدة "الفتح المبين" التابعة له ما يلي:" ان البشرى بالمهدي هي أعظم ما يتمّ الإفصاح عنه في عالم اليوم، وأحق القضايا بالتهيُّؤ والترقب، حيث إن المهدي أصبح حقيقةً وليست موضع شك وارتياب، وإن المهدي (عليه السلام) لم يعد فكرة ننتظر ولادتها ونبوءة نتطلَّع إلى مصداقها، بل واقع قائمٌ ننتظر فاعليته وإنسان معيّن يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا، ويعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا. إذاً علينا أن نهيّئ أنفسنا جميعاً لاستقبال الإمام المهدي (عليه السلام) كأنه سيقوم غداً، وذلك من خلال إعداد أنفسنا إيمانياً وعقائدياً وفكرياً وثقافياً وروحياً وسلوكياً وسياسياً وجهادياً ورسالياً، وعليه يجب أن يكون إحساسنا بقضية الإمام المهدي (عليه السلام) عالي المستوى في الفكر والممارسة، فنركّز ذلك في وعينا وسلوكنا من خلال الارتباط الفعال بالقيادات التي تجسّد خط الإمام (عجل الله فرجه) في الساحة، والتي تُعدّ امتداداً رسالياً بقيادته".
وفي الحقيقة لا يمتاز الحسني في هذه الدعوة لانتظار المهدي عن غيره من الشيعة الاثني عشرية، وانما هي سمة عامة مركزة لتيار السيد محمد صادق الصدر، والتي أدت الى تشكيل مقتدى الصدر لجيش المهدي، وان كان الكثير من أنصار الصدر والشيعة عموما قد طوروا نظرية الانتظار من حالة الانتظار السلبية السابقة التي كان يقول بها كثير من الشيعة الى ما أسماه المفكر الإيراني النهضوي الدكتور علي شريعتي بحالة الانتظار الايجابي، الذي يعني الانخراط في الحياة السياسية وتمهيد الأمور لظهور الامام المهدي الغائب، بدلا من الجلوس في البيت وتعطيل أعمال الدولة أو تجنب الثورة.
ويعتقد الحسني، كما مقتدى الصدر، بأن من أهداف الاحتلال الأمريكي للعراق هو تأخير ظهور الامام المهدي وعرقلة قيام الدولة الاسلامية العالمية التي سوف تنطلق من العراق.
وربما كان هذا الموقف الأيديولوجي يفسر سلبية تيار الحسني في التفاعل مع العملية السياسية، ومقاطعة الانتخابات والعملية الديموقراطية برمتها. الا ان الوجه الأبرز لفكر الانتظار التي يعتنقه الحسني بشدة، هو تكريس زعامته على أتباعه باعتباره نائبا عاما أو خاصا للامام المهدي، وإضفاء مسحة قدسية وهالة دينية مكثفة عليه، وهذا ما دفع أتباعه للاحتجاج بشدة وعنف على البرنامج التلفزيوني الإيراني الذي قدمه الشيخ علي الكوراني، وشكك فيه باجتهاده، لأن التشكيك بالاجتهاد يعني التشكيك بمرتبة "النيابة العامة للامام المهدي" التي يحملها كل مجتهد في عصر غيبة الامام المهدي الكبرى الممتدة منذ أوائل القرن الرابع الهجري والى اليوم وحتى الظهور، حسب المعتقدات الشيعة الامامية الاثني عشرية.
ومن المعروف ان هذه النظرية كانت القاعدة الأساسية التي سمحت بتطور الفكر السياسي الشيعي الى نظرية ولاية الفقيه، وهي التي تشكل الغطاء الشرعي "الديني" للنظام الإيراني المعاصر. ولكن عددا من كبار العلماء الشيعة يشكك بصحة نظرية "النيابة العامة للفقهاء عن الامام المهدي" ويعتبرها فرضية لا تقوم على أدلة شرعية كافية، ومنهم المرجع الشيعي الأعلى الراحل السيد أبو القاسم الخوئي، والمرجع الأعلى الحالي السيد السيستاني، ولذلك فان الأخير لم يؤمن بنظرية ولاية الفقيه الخمينية، وانفتح على النظام الديموقراطي وعمل على إقامته في العراق.
وبالرغم من وجود أسئلة كثيرة جدية أخرى حول عدد من المقدمات التي تشكل الفكر السياسي الشيعي، كمسألة وجود الامام المهدي الغائب محمد بن الحسن العسكري، فان كثيرا من رجال الدين الشباب يقفزون على الأبحاث العلمية ويتلقفون أية نظرية أو فرضية تساعدهم على تكريس زعامتهم على أتباعهم ، وخاصة الجهلة والسذج والأميين، وقيادتهم بصورة سلسة. وهو ما يشكل في الحقيقة عقبة كأداء أمام تقدم الديموقراطية وبنائها في العراق، وذلك لتعارض نظرية ولاية الفقيه، بغض النظر عن حقيقة الصفة التي يحملها هذا أو ذاك من رجال الدين، مع حرية الاختيار والمشاركة العامة في العملية السياسية.
ومع ان السيد السيستاني لا يؤمن بنظرية ولاية الفقيه، ولم يطرح هذه النظرية أبدا، فان تمتعه بهالة دينية مقدسة بصفته كمرجع ديني، سمح لبعض الاحزاب في قائمة الائتلاف باستغلال صوره وأقواله (التي لم تثبت نسبتها اليه) لتأييد هذه القائمة أو تلك، أو هذا المرشح أو ذاك، مما أخل بالعملية الديموقراطية وشوه صدقيتها، وأضر ببعض المرشحين (حتى الاسلاميين كمرشحي منظمة العمل الاسلامي) فضلا عن العلمانيين والوطنيين.
هذا مع العلم بأن النظرية المرجعية تقوم على الظن والاجتهاد ولا تدعي العلم أو الحق المطلق أو الارتباط بالغيب، فكيف إذا جاء شخص وتلفع بهالة من الاشاعات والخرافات والأساطير عن ارتباطه بالامام المهدي، أو السماء، وما الى ذلك ، مما يقربه من ادعاء تلقي الوحي، حتى لو كان في المنام والرؤيا، كما يقال أن بعض أتباع الحسني ينسبونه الى "مرجعهم"؟ ألا يشكل ذلك بدعة خطيرة لاستغلال البسطاء والانحراف بالدين؟ ومفتاحا لأوضاع سياسية وحركات مضادة للديموقراطية؟
ان المشكلة تكمن في اعتماد تيار الحسني، والتيارات المشابهة له، على الأخبار الضعيفة المنتشرة حول موضوع الامام المهدي في الثقافة الشيعية، وعدم التحقيق فيها، ومحاولة تطبيقها على هذا أو ذاك، وهو ما يخلق بيئة صالحة لنمو الخرافات والأساطير والتطرف والابتداع في الدين، كما حدث مؤخرا في مدينة العمارة التي خرج فيها أحد وكلاء الحسني ليدعي بأنه الامام المهدي، وهو ما شكل أزمة في تيار الحسني نفسه.
واذا كان الشيخ الكوراني وعلماء إيرانيون وشيعة آخرون ينزعجون من تلك الادعات الاعتباطية التي تشكل خروجا على مسلماتهم، فان من الأجدر بهم أن يدعموا النهج الأصولي العلمي الأكاديمي في التحقيق في مسائل العقيدة والتاريخ، والعودة الى القرآن الكريم، ونبذ الأحاديث الضعيفة والمدسوسة في ثقافة أهل البيت. لا أن يتشبثوا بكل ما ورد الينا من قصص وأساطير مدسوسة في تراث أهل البيت. والا فان دعوة الحسني قد تتطور في المستقبل لتشكل خطرا كبيرا على التشيع نفسه، كما شكلت حركات ثقافية أخرى سابقة ، خرجت على التشيع والاسلام في القرن التاسع عشر، كالحركة البابية والبهائية.
ahmad@alkatib.co
منقول عن شبكة العراق الثقافية
تعليق