إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

أسرار قرانية في حقائق وأنوار محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    الإمامة في المفهوم القرآني

    كاتب المقالة: السيد محمّد القاضي


    الأوضاع السياسية التي منيت بها أمة الإسلام من لحظات رحيل خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى، وإلى يوم الناس هذا، ومحاولة في إضفاء الشرعية على سلطات الوقت الحاكمة، سبب ذلك غياب الكثير من مفاهيم الإسلام الأصيلة عن وعي الأمة، وتسمية الأشياء بغير أسمائها وطرح المفاهيم بحالة من السطحية، وفقاً لما تمليه السياسية في تمشية أوضاعها وفرض سيطرتها بالقوة والعنف على رقاب الناس.





    --------------------------------------------------------------------------------

    ومن تلكم المفاهيم التي حاولت السياسة التعتيم على معناها تارة، وتسميتها بغير اسمها تارة أخرى، هو مفهوم (الإمام)، الذي حوّلته السياسة إلى (القائد) و(المرشد) و(القدوة) بعد أن كان القرآن الكريم قد أوضح مفهومه – في أكثر من آية - وحدد معالمه، بشكل يقل نظيره في الكتاب المجيد، مما يدلّل على أهميته في نظره، بعيداً عن تلاعب الأهواء والعواطف.
    وهذا ما نحاول أن نتلمّسه من القرآن الكريم في هذا البحث، ونستوحيه من آياته المباركات.
    قال الله تعالى: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتهمنَّ قال إنِّي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذرّيتي قال لا ينال عهدي الظالمين). (البقرة: 124) وأدنى تأمل في هذه الآية المباركة يفيدنا أن جعل الإمامة لإبراهيم (عليه السلام) كان بعد النبوّة، وذلك من خلال النقاط التالية:
    أنه كان بعد الابتلاء والامتحان، ومن الواضح أن الابتلاء كان بعد النبوة، ومن جملته الابتلاء بذبح ولده كما قال تعالى: (إن هذا لهو البلاء المُبين) (الصافات: 106).
    إن إبراهيم (عليه السلام) طلب الإمامة لذريته، وهذا لا يصحّ لمن كان آيساً منها، كما حكى القرآن الكريم عنه ذلك حين بشارته بالولد، فلابد أن يكون قد منح ذرية آنذاك ليطلب لهم الإمامة، ومن الواضح أن ذريته صارت بعد نبوّته وشيخوخته.
    إنه كان يتمتع بمخاطبة الملائكة والوحي، كما يشهد به هذا الحوار الذي ترسمه لنا الآية المباركة هذه، ومن هذه الدلائل أيضاً على نبوته آنذاك.
    فإذا صحّ هذا الفهم من الآية الكريمة لا يبقى لنا مجال للقول بأن (الإمامة) هي النبوة، بل هي مقام آخر أعلى من النبوة، كما أنها ليست بمعنى: القدوة أو الرئاسة أو الخلافة وما إلى ذلك، لأن جميع ما ذكر من المعاني موجود في النبوة، (ولا معنى لأن يقال لنبي من الأنبياء مفترض الطاعة: إني جاعلك للناس نبياً، أو مطاعاً فيما تبلغ من نبوتك، أو رئيساً تأمر وتنهى عن الدين، أو وصياً، أو خليفة في الأرض تقضي بين الناس في مرافعاتهم بحكم الله!!!)(1) فإنَّ جميع هذه الأمور من لوازم النبوة وليست شيئاً طارئاً عليها، ومن هنا فلابد أن تكون الإمامة حقيقة وراء هذه الحقائق.
    وأيضاً تفيدنا الآية الكريمة أن مقام الإمامة مقام إلهي، وعهد الله تعالى إلى أوليائه وأصفيائه، ولابد فيه من الجعل الإلهي، وليس بيد أي أحد من الناس، حتى الأنبياء، فقد سألها إبراهيم الخليل (عليه السلام) لذرّيته، ولم يستجب له إلا في مجموعة قليلة منهم، وهو قوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين).
    ومن هنا لابد من الرجوع مرة أخرى إلى القرآن الكريم لمعرفة مفهوم (الإمامة) من خلال آياته الكريمة، وبقدر ما يسعه فهمنا من إدراك الحقائق الإلهية.
    قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمَّا صبروا وكانو بآياتنا يوقنون) (السجدة: 24).
    وقال تعالى: (وجعلناهُم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) (الأنبياء: 73).
    والآيتان الكريمتان تتفقان على تعريف (الأئمة) أو توصيفهم بأنهم يهدون بأمر الله تعالى، وهذا يدعونا إلى التأمل في هذا التعريف أو التوصيف ليتسنّى لنا رسم صورة ولو إجمالية، أو متسمة بنوع من الضبابية أحياناً، عن دور الإمام في حركة الكون لهذه النشأة الدنيا، وللنشأة الأخرى.


    الإمام متصرف في النفوس تكويناً
    1) الهداية: معناها الدلالة، وهي تارة تكون من خلال إراءة الطريق بالتعليم والإرشاد والإنذار والتبشير، وهذا ما نشهده في حركة الأنبياء والرسل ووظيفتهم تجاه الناس، قال تعالى: (رُسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (النساء: 165)، وقال تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: (وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) (غافر: 38).
    وأخرى تكون الهداية والدلالة من خلال الإيصال إلى المطلوب مباشرة، وليست مجرد الإرشاد والتعليم الذي نسمّيه بإراءة الطريق.
    والفرق بين الحالتين واضح، فإن إراءة الطريق وحدها لا تعطي الضمانة الكافية للوصول إلى المطلوب، فربما حاد الإنسان عنه قليلاً، وانقطعت به السبل وتلاقفه الموجه من كل مكان، وأخذ يزداد بعداً عن الجادة، ويزداد انحرافاً عن الطريق.
    أما من يأخذ بيدك ويضعك على الطريق، ويخطو بك في كلّ خطوة، إلى أن يصل بك إلى ساحل الأمن والسلامة، تكون ضمانة الوصول حينئذٍ ضرورة، لأن الهادي أمين، والدليل عارف.
    ونتيجة لذلك تكون الهداية بهذا المعنى من خلال التصرف الباطني في النفوس، وليست عملاً خارجياً كما في الحالة الأولى حيث الإنذار والتبشير، ولعله من هذا النوع من الهداية يشير قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام...) (الأنعام: 125)، وقوله تعالى: (الله أنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء) (الزمر: 23) فانشراح الصدر وليونة الجلود والقلوب كلها من التصرف الباطني بالنفوس.
    فهذا النوع من الهداية إذاً (نوع تصرف تكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال ونقلها من موقف معنوي إلى موقف آخر)(2).
    ولعله إلى هذا يشير قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) (العنكبوت: 69).
    ومن خلال الآية السابقة في جعل الإمامة لإبراهيم (عليه السلام) يتضح لنا أن الهداية هنا ليست بالمعنى الأول من الإنذار والتبشير، لأنَّ تلكم كانت وظيفة النبوة، وقد كان إبراهيم الخليل (عليه السلام) يؤديها – بلا شك – قبل إمامته، فلابد من هدايته للناس بعد إمامته من النوع الثاني الذي يستتبع تصرّفاً تكوينياً في النفوس.


    الأمر الإلهي هو الوجه الآخر للأشياء
    2) (بأمرنا) الأمر تارة يأتي بمعنى الطلب وجمعه (أوامر)، وهو المعبر عنه بالأمر التشريعي، والذي يتضمّن الأوامر الإلهية في الأحكام، من الوجوب، والحرمة، والاستحباب، والكراهة، والإباحة.
    وأخرى يأتي بمعنى (الشأن) وجمعه أمور، إلا أنه في القرآن الكريم كثيراً ما يأتي منسوباً إلى الله تعالى، كما في الآيتين المباركين – موردتا البحث – (يهدون بأمرنا) وقوله عزّ اسمه: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) (الشورى: 52)، وقوله: (فيها يفرق كلّ أمرٍ حكيم * أمراً من عندنا إنَّا كنا مرسلين) (الدخان: 4 – 5) وكثير غيرها، وهذا ما يستوقفنا ملياً لاستيحاء المراد من (الأمر الإلهي) من خلال التأمّل في آيات القرآن الكريم، ومن باب (إن القرآن يفسّر بعضه بعضاً).
    من بديهيات الإيمان بالله تعالى أن الأشياء الكونية كلها مستندة في وجودها وبقائها إليه سبحانه وتعالى، ومن المستحيل عقلاً انفكاكها عنه تعالى، ولولا أنه سبحانه يفيض عليها الوجود آناً بعد آن لما بقي شيء في الوجود وهذا من الوضوح مما لا يحتاج معه إلى دليل والبرهان.
    وفي الوقت ذاته نجدها خاضعة لنظام السببية الكونية، والأسباب الخارجية الطبيعية، فهي كما تستند في وجودها وبقائها إلى الله تعالى تستند فيهما أيضاً إلى أسبابها الكونية الطبيعية التي خلقها الله تعالى فيها.
    ومن هنا يمكننا القول: بأن لجميع الأشياء، جهتين في الوجود: جهة استنادها وانتسابها وارتباطها بالله تعالى، وتعلقها به، وقيامها به قياماً وجودياً، وفقرها إليه فقراً تاماً، وهذه الجهة لا تتغير ولا تتبدّل ولا تتلبس بالتدرج، بل هي بجميع وجودها تابعة لله سبحانه غير مستقلة ولا مستغنية عنه، فهي ملكه وبيده وفي خزائنه، وهذا ما يعبّر عنه بالوجود العيني.
    والجهة الثانية للأشياء: هي وجودها المادّي، المستند إلى الأسباب الطبيعية التي أوجدها الله تعالى، وهي الجهة المنسوبة لنا، وهي جهة زائلة فانية مصحوبة بالزمان والمكان والحركة، معرضة للنقصان والزوال.
    وإلى هاتين الجهتين أشار الكتاب العزيز بقوله تعالى: (ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ) (النحل: 96) وقال تعالى: (وإنَّ من شيءٍ إلا عندنا خزائنه وما تنزّله إلا بقدرٍ معلوم) (الحجر: 21) فإنهما تفيدان تعدد الجهات في انتساب الأشياء، فإن جميع المخلوقات (بدلالة الاستثناء في سياق النفي) باقية عند الله تعالى موجودة في خزائنه عزّ اسمه، ثابتة لا تزول، ولا تنفذ، ولا تتغيّر، إلا أن الله تعالى ينزلها مقدرة بمقادير معلومة، ومحدودة بحدود خاصة، قابلة للتغير والفناء.
    فالأشياء في الجهة الأولى غير خاضعة لنظام الأسباب والمسببات الكونية، بل وجودها قائم بإرادة الله تعالى فحسب، بخلافها في الجهة الثانية فإنها خاضعة لنظام الأسباب والمسببات الكونية، فلا يمكنها أن توجد دفعة واحدة، بل لابد لها من الجريان في نظام الأسباب الكونية، كل بحسبه، من الإنسان إلى الشجر وإلى المعدن وما يحصى كثرة من مخلوقاته جلّ شأنه.
    وهذه الجهة هي التي يسمّيها القرآن الكريم بـ (الخلق) و(الملك)، قال تعالى: (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً...) (غافر: 67) وقال تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيّام وما مسّنا من لغوب) (ق: 38) والآيات المباركة كثيرة في ذلك.
    بينما تسمى الجهة الأولى المنتسبة إلى الله تعالى وحده بـ (الأمر) و(الملكوت) في آيات كثيرة، قال تعالى: (إنَّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون) (يس: 82 – 83) وصريح الآية أن ملكوت الأشياء هو نفس الأمر الإلهي، وأن الأمر هو قوله عن اسمه للشيء إذا أراده (كن فيكون) وهو كناية عن إفاضته الوجود على الشيء من غير حاجة إلى شيء آخر وراء ذاته العلية، ومن غير تخلّف ولا مهلة ولا تدرّج.
    ومن الواضح أنه ليس في (كن فيكون) قول لفظي من ذات الله سبحانه وتعالى، لأن القول يحتاج أيضاً إلى إيجاد، وهو أيضاً محتاج على القول مرة أخرى فيتسلسل لا إلى نهاية.. مضافاً إلى أن القول يحتاج إلى مخاطب سامع، والشيء قبل وجوده عدم لا يصح مخاطبته، وبعد تحصيل للحاصل.
    وقال تعالى – أيضاً – (وما أمرنا إلا واحدةٌ كلمح بالبصر) (القمر: 50) وهذه الآية الكريمة من خلال التشبيه فيها بلمح البصر توضح لنا معنى الأمر الإلهي، وأنه مضافاً إلى كونه (واحدة) غير قابل للتخلّف، فإنه غير متدرّج ولا يعتريه نظام الأسباب الكونية ولا الزمان والمكان.
    قال السيّد الطباطبائي في الميزان: ((وبه يعلم أن في الأشياء مكونة تدريجاً، الحاصلة بتوسط الأسباب الكونية المنطبقة على الزمان والمكان، جهةً معراة عن التدريج، خارجة عن حيطة الزمان والمكان، هي من تلك الجهة (أمره) و(قوله) و(كلمته).
    وأما الجهة التي هي بها تدريجية، مرتبطة بالأسباب الكونية، منطبقة على الزمان والمكان، فهي بها من الخلق، قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر) (الأعراف: 54) فالأمر هو وجود الشيء من جهة استناده إليه تعالى وحده، والخلق هو ذلك من جهة استناده إليه مع توسط الأسباب الكونية فيه.
    ويستفاد ذلك أيضاً في قوله: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) الآية، حيث ذكر أولاً خلق آدم، وذكر تعلقه بالتراب، وهو من الأسباب، ثم ذكر وجوده ولم يعلقه بشيء إلا بقوله: (كن)))(3).
    والحاصل: إن الأمر الإلهي عبارة عن استناد الأشياء إلى الله تعالى من دون واسطة، وهو ملكوت الأشياء، فنسبة الأمر إليه تعالى تعني تلكم الجهة الخالية من الوسائط، والتي لا يتدرج الإيجاد فيها، ولا يتخلف.
    وبعد هذه الوقفة نعود إلى الآية الكريمة: (يهدون بأمرنا) هل المراد به التشريعي، المتضمن للأحكام الشرعية، أو الأمر الإلهي الملكوتي الذي هو (كن فيكون)؟
    ولكن إذا قبلنا أن الهداية التي هي للأئمة ليست بمعنى الإرشاد والإنذار الذي هو وظيفة الأنبياء، وأنها نوع تصرف في النفوس، فلابد لنا من الإذعان بأن (الأمر) أيضاً ليس هو التشريعي، لأن إبلاغ الأوامر التشريعية من وظيفة الأنبياء، لأنهم مبشرين ومنذرين، بل هو الأمر الملكوتي الإلهي.
    وأما (الباء) في قوله تعالى: (يهدون بأمرنا) فإنها للسببية أو الآلة، مثل قولنا: فرحت بمجيئك، أي: فرحي بسببه، أو قولنا: كتبت بالقلم، ويكون معنى الآية الكريمة حينئذ: يهدون بسبب أو بواسطة أمرنا.
    وأعود لأجمع أطراف الحديث مرة أخرى، فأقول ملخصاً: نتيجة لما سبق من تفسير الهداية والأمر، وبقرينة (الباء) تفيدنا الآيتان المباركتان أن الإمام يهدي الناس بإيصالهم إلى المطلوب، والأخذ بأيديهم ليرتفعوا من مقام معنوي إلى آخر – كل بحسب استعداده – بواسطة الأمر الإلهي الملكوتي الذي هو الوجه الباطن للأشياء.
    فكما أن الأنبياء يهدون الناس بإراءتهم الطريق من خلال العقيدة الحقة وأحكام الشريعة، والأعمال الصالحة، فكذلك الإمام يهديهم بإيصالهم إلى المراتب العالية حيث الشهداء والصديقين والأولياء وحسن أولئك رفيقاً، كل بحسب استعداده وقابليته، كما قال تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) (الرعد: 17) وقال عزّ اسمه: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (فاطر: 10) فإن الارتفاع في الإنسان إلى مراتب الكمال، وإن كانت ولايته بيد الإمام، إلا أنه متوقف على الاستعداد، وهو متوقف على العمل، وقد أكد ذلك القرآن الكريم والسنة الشريفة.
    وتختلف كل واحدة من الهدايتين عن أختها، فالأولى ظاهرية ترتبط بالعمل والاعتقاد، بينما الأخرى باطنية ترتبط بالنفوس مباشرة وترفعها في مقاماتها.
    وإذا صحّ هذا الفهم فإنه يفتح لنا آفاقاً جديدة في بحوث الإمامة، أحاول الإشارة إلى بعض منها بقدر ما يسعه البحث:


    مرتبة يقين المطلع على (الأمر)
    1) إذا كان الأمر الإلهي هو الوجه الآخر للأشياء، وهو الوجه الباطني لها، وكونها منتسبة إلى الله تعالى ومستندة إليه في كل وجودها وتمام فقرها، فمن البديهي أن يكون المطلع عليه ذا يقين خاص بالربوبية والألوهية لله سبحانه وتعالى، يقين لا يشوبه أدنى شك، وكيف لا؟! وهو يشاهد الكون كله – بأسبابه ومسبّباته - فقيراً إلى الله تعالى، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا حياة، ولا موتاً، ولا نشوراً، فيصبح موقناً بأن لا إله إلا الله، ولا رب غيره، ولا معبود سواه.
    وهذا ما حصل بالفعل لسيدنا إبراهيم الخليل (عليه السلام) على ما حكاه القرآن الكريم عنه بقوله: (وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) (الأنعام: 75) وهي تفيدنا بوضوح أن رؤية الملكوت كانت السبب في حصول اليقين لنبي الله (عليه السلام).
    وهذا القرآن الكريم يدعو الناس كافة إلى التأمل في الملكوت ليحصل لهم اليقين التامّ بالألوهية والربوبية لله تعالى، كما في قوله: (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء...) (الأعراف: 185).
    ومن الملاحظ أيضاً أن وجود اليقين – مضافاً إلى الصبر – شرط في إمامة الإمام، كما صرحت به الآية المباركة – مورد البحث – (لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)، وأظن أنّ القارئ – من خلال البحث – سيوافقني إذا قلت له: أن الإمام لابد أن يكون قد انكشف له الملكوت، بل هو مصاحب له، لأنه السبب في هداية الناس، فهو يتمتع بأعلى مراتب يقين، وأقصى درجاته.
    ولا يعجب القارئ حينئذٍ إذا تلوّت عليه ما جاء في الصحيح عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية المباركة في رؤية إبراهيم (عليه السلام) للملكوت بما يتناسب وذهن مخاطبه، فقال: ((كشط لإبراهيم (عليه السلام) السماوات السبع حتى نظر إلى ما فوق العرش، وكشط له الأرض حتى رأى ما في الهواء، وفعل بمحمد (صلى الله عليه وآله) مثل ذلك، وإني لأرى صاحبكم والأئمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك))(4).
    فالإمام يشهد من خلال الملكوت من جلال ربه وكبريائه وعظمته وكماله، ما لا حدَّ له من الجلال والكمال والكبرياء والآلاء ما يدفعه ليقول من أعماقه مناجياً ربّه: (بك عرفتك... وأنت دللتني عليك)، أو يقول: (سبحانك ما عبدناك حق عبادتك)، أو يوصي ولده فيقول له: (ولا تخرجنَّ نفسك عن حد التقصير في عبادة الله عزّ وجلّ وطاعته، فإنَّ الله لا يعبد حقّ عبادته)(5).


    المطلع على (الأمر) مهتد بالذات
    2) إذا كان الإمام يهدي بالأمر الإلهي فلابد أن يكون مهتد بالذات، بحيث لا يحتاج إلى أحد يهديه، وقديماً قيل: فاقد الشيء لا يعطيه، بل كما قال تعالى: (أفمن يهدي إلى الحقّ أحق أن يتبع أمَّن يهدي إلا أن يهدي ما لكم كيف تحكمون) (يونس: 35) فلا يكون في زمانه إمام غيره، ولا من هو أفضل منه في العلم والفكر والسلوك والأخلاق.


    تمتّع الإمام بتمام اليقظة والالتفات
    3) إذا كان الإمام قد انكشف له الملكوت وبيده هداية الناس بواسطة الأمر الإلهي، فمن البديهي أن يكون هو متمتعاً بأعلى درجات اليقظة والالتفات، بحيث لا تتصور في حقه الغلة، ولا النسيان، ولا السهو، فضلاً عن المعصية، لأنها بأجمعها قد تؤدي إلى الضلال المضادّ للهداية.
    أما المعصية فواضح كونها من الضلال، وأما السهو والنسيان والغفلة فهنّ كذلك، لأن الذي يصح أن يسهو فبالإمكان أن يسهو في الفكر، ويسهو في السلوك، ويسهو في هداية الناس، ويضع الأشياء في غير مواضعها سهواً وغفلة ونسياناً.
    4) الإمامة والنبوة قد تجتمعان كما في إبراهيم ونبيّه (عليهم السلام) وقد تفترقان فيكون النبي ليس بإمام كما صرحت نصوص أهل البيت (عليهم السلام) بالنسبة إلى نبي الله (لوط) فإنه كان نبياً وعليه إمام هو إبراهيم، وقد يكون الإمام وليس نبياً كما في الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم عدل القرآن بنصّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث الثقلين، فإنهم أئمة وليسوا بأنبياء، فإن النبوة قد ختمت برسول الله (صلّى الله عليه وآله).
    وبهذا نكون قد عرفنا أن للإمام دوراً مهمّاً في حركة الناس لا يمكن التخلّي عنه، لأنّه الرابط بين الناس وبين ربهم، فكما أن الأنبياء روابط بين الله تعالى وبين الناس في حركتهم الظاهرية، يتلقون شريعة السماء بواسطة الوحي ويقومون بدورهم في نشرها بين الناس وتعليمهم وإرشادهم وتهذيب نفوسهم، ويكونون القدوة العملية لجميع الأمة على مستوى الفكر والأخلاق والسلوك.
    كذلك الأئمة روابط بين الله تعالى وبين الناس في حركتهم الباطنية، فهم يتلقّون الأمر الإلهي ويقومون بدورهم في نشره بهداية النفوس إلى مقاماتها، فهم الوسائط في تلقي الناس للفيض الإلهي.
    وبهذا نحصل على التفسير الواضح للنصوص الكثيرة التي تؤكد على ضرورة وجود الإمام في الأرض، وأنه لو رفع الإمام لساخت الأرض بأهلها(6).
    ولعل منه قوله (صلّى الله عليه وآله): ((النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهب أتاها ما يوعدون، وأنا أمان وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون)).
    وعلق عليه الحاكم النيسابوري بقوله: صحيح الإسناد ولم يخرجاه(7).
    ومن البديهي أيضاً أن يكون الإمام مطلعاً على أعمال العباد، ليهيمن على مقاماتهم المعنوية، واستعداداتهم النفسية، وهو ما يؤكده قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّكم بما كنتم تعلمون) (التوبة: 105) وبقرينة قوله: (وستردون إلى عالم الغيب) نعرف أن رؤية الرسول والمؤمنين – الذين هم الأئمة بلا شكّ – للأعمال إنما هو في هذه النشأة، نشأة الدنيا، لا في الآخرة، كما هو واضح.
    فلا نستكثر ما ورد في نصوص أهل البيت (عليهم السلام) من الأعمال تعرض على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلى إمام العصر كل يوم أو في الأسبوع مرة أو مرتين أو أكثر من ذلك على اختلاف في النصوص.
    ففي موثق سماعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (ما لكم تسوؤن رسول الله صلّى الله عليه وآله؟! فقال الرجل: كيف نسؤوه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسؤوا رسول الله وسرّوه)(8).
    وعن عبد الله بن أبان الزيات – وكان مكيناً عند الرضا (عليه السلام) – قال: قلت للرضا (عليه السلام): أدعُ الله لي ولأهل بيتي، فقال: أو لست أفعل؟! والله إن أعمالكُم لتعرض عليَّ في كل يوم وليلة.
    قال: فاستعظمت، فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عزّ وجلّ: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)؟! قال: هو والله علي بن أبي طالب عليه السلام (9).


    مسك الختام
    اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبينك، اللهم عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهم عرّفني حجّتك فإنك إن لم تعرفني حجّتك ضللت عن ديني.



    --------------------------------------------------------------------------------

    الهوامش
    1) الميزان 1: 271.
    2) الميزان 14: 304.
    3) الميزان 13: 197.
    4) بصائر الدرجات: 107.
    5) الكافي 2:72.
    6) أنظر: بحر الأنوار 1:23 وما بعدها.
    7) المستدرك على الصحيحين 2:448.
    8) الكافي: 1:219.

    تعليق


    • #17
      بسم الله الرحمن الرحيم

      عصمة الأئمة الإثني عشر


      العصمة قوة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ, حيث لا يترك واجبا , ولا يفعل محرما مع قدرته على الترك والفعل , وإلا لم يستحق مدحا ولا ثوابا . وإن شئت قلت : إن المعصوم قد بلغ في التقوى حدا لا تتغلب عليه الشهوات والاهواء , وبلغ من العلم في الشريعة واحكامها مرتبة لا يخطأ معها أبدا.




      وليست العصمة شيئا ابتدعته الشيعة , وإنما دلهم عليها في حق العترة الطاهرة كتاب الله وسنة رسوله . أما الكتاب فقد قال فيه سبحانه : ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) واذهاب الرجس والتطهير يعني العصمة في معناها العريض.

      ومن الأدلة على عصمة أهل البيت عليهم السلام قول النبي (ص) : ((علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار)) فان الحق لا يجتمع مع الخطأ والعصيان إذن علي عليه السلام لا يمكن أن يخطأ أو يعصي وهذا مؤدي العصمة.

      وقال (ص) في حق العترة : ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي , ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبدا)) فالقرآن بإجماع الأمة معصوم لأنه وحي إلهي والعترة عدل القرآن إذن هي معصومة.

      والمراد من أهل البيت عليه السلام هم علي وفاطمة والحسن والحسين لا غير.

      روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها , قالت : إن هذه الآية نزلت في بيتي: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) وأنا جالسة عند الباب , فقلت : يا رسول الله, ألست من أهل البيت ؟ فقال : إنك إلى خير , أنت من أزواج رسول الله . قالت : وفي البيت رسول الله , وعليّ , وفاطمة , وحسن , وحسين فجللّهم بكسائه وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيرا)).

      روى أيضا عن سعد بن أبي وقاص قال : لما نزلت هذه الآية : ((فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم)) دعا رسول الله (ص) عليّا, وفاطمة , وحسنا , وحسينا , فقال : اللهم هؤلاء أهلي.

      وروى أيضا عن انس بن مالك أن رسول الله (ص) كان يمرّ بباب فاطمة إذا خرج الى الصلاة حين نزلت هذه الآية قريباً من ستة أشهر , يقول : الصلاة أهل البيت ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)).

      وروى مسلم : ((قال يزيد بن حيان : انطلقت أنا وحصين بن سبرة , وعمر بن مسلم إلى زيد بن ارقم , فلما جلسنا اليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً , رأيت رسول الله (ص) , وسمعت حديثه , وغزوت معه , وصليت خلفه , لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا , رأيت رسول الله (ص) , وسمعت حديثه , ما سمعت من رسول الله (ص) . قال : يابن أخي , والله لقد كبرت سني , وقدم عهدي , فما حدثتكم فاقبلوا , وما لا فلا تكلفونيه . ثم قال : قام رسول الله (ص) يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما, بين مكة والمدينة , فحمد الله واثنى عليه , ووعظ وذكّر ثم قال : أما بعد , ألا أيها الناس , إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب , وأنا تارك فيكم ثقلين , أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور , فخذوا بكتاب الله , واستمسكوا به . فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه , ثم قال : وأهل بيتي , اذكّركم الله في أهل بيتي , اذكّركم الله في أهل بيتي , اذكّركم الله في أهل بيتي.

      فقلنا : من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال : وايم الله , إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر , ثم يطلقها , فترجع إلى أبيها وقومها . أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده)).

      روى المحدثون عن النبي الاكرم (ص) أنه قال : ((إنما مثل أهل بيتي في امتي كمثل سفينة نوح , من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق))

      فشبّه صلوات الله عليه وآله أهل بيته بسفينة نوح في أن من لجأ اليهم في الدين فأخذ أصوله وفروعه منهم نجا من عذاب النار , ومن تخلّف عنهم كان كمن أوى يوم الطوفان إلى جبل ليعصمه من أمر الله , غير أن ذلك غرق في الماء وهذا في الحميم.

      نقل ابن حجر في صواعقه : ((ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظّمهم شكرا لنعمة مشرّفهم , وأخذ بهدى علمائهم نجا من ظلمة المخالفات , ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم , وهلك في مفاوز الطغيان)) (الصواعق : 191 الباب 11).

      ومما يدل على عصمة الامام على وجه الاطلاق قوله سبحانه : ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)) (النساء : 59).

      فإن الله سبحانه أمر بطاعة أولى الأمر على وجه الاطلاق , أي في جميع الأزمنة والأمكنة وفي جميع الحالات والخصوصيات , ولم يقيد وجوب امتثال أوامرهم ونواهيهم بشيء كما هو مقتضى الآية.

      قال تعالى: ((ولا يرضى لعباده الكفر)) ونقل أن من البديهي أنه سبحانه لا يرضى لعباده الكفر والعصيان من غير فرق بين أن يقوم به العباد ابتداء من دون تدخل أمر آمر أو نهي ناه , أو يقومون به بعد صدور أمر ونهي من اولي الأمر : فمقتضى الجمع بين هذين الامرين , أعني وجوب إطاعة اولي الأمر على وجه الاطلاق , أن يتصف اولوا الأمر الذين وجبت إطاعتهم على وجه الاطلاق , بخصوصية ذاتية وعناية الهية ربانية , تصدّهم عن الأمر بالمعصية والنهي عن الطاعة , وليس هذا إلا عبارة اخرى عن كونهم معصومين , وإلا فلو كانوا غير واقعين تحت العناية , لما صح الامر باطاعتهم على وجه الاطلاق ولما صح الامر بالطاعة بلا قيد وشرط , فيستكشف من اطلاق الامر بالطاعة اشتمال المتعلق على خصوصية تصده عن الامر بغير الطاعة.

      وممن صرح بدلالة الآية على العصمة الرازي في تفسيره قال : ((إن الله تعالى أمر بطاعة اولي الامر على سبيل الجزم في هذه الآية , ومن امر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوما عن الخطأ , إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد امر الله بمتابعته , فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ , والخطأ لكونه خطأ منهيّ عنه , فهذا يفضي إلى اجتماع الامر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد , وإنه محال , فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة اولي الأمر على سبيل الجزم , وثبت أن كل من امر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ, فثبت قطعا أن اولي الأمر المذكورين في هذه الآية لابدّ وأن يكونوا معصومين))

      والحمدلله رب العالمين الذي أنعم علينا بنعمة الولاية لاوليائه المعصومين المكرمين

      آية الله الشيخ جعفر السُّبحاني

      تعليق


      • #18
        فَاطمَة الزّهْراء هيَ المحْوَر


        ورد في الحديث القدسي عن الله سبحانه لما سأله الملك جبرئيل يا رب ومن تحت الكساء ؟ قوله عز وجل :
        (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) .
        يتناول الامام الشيرازي في موسوعته (من فقه الزهراء) في الجزء الأول الصفحات 220 – 225 هذا المقطع :
        (هم فاطمة وأبوها وبعلها) .
        ويدرج مضامينه العالية تحت أربعة عناوين :
        - لماذا جعلها الله محورا
        - الحركة الدورانية للمخلوقات والمحور الرئيسي
        - معادن الثروات المعنوية
        - العلة في بكاء يعقوب والزهراء عليهما السلام

        لماذا جعلها الله محورا
        مسألة : يستحب بيان مكانة فاطمة الزهراء عليها السلام عند الله تبارك وتعالى , وانه تعالى جعلها سلام الله عليها هي المحور في تعريفهم عليهم السلام .
        وعن ارادة الحديث عن أفراد عائلة واحدة يحسن اقتضاء ً تسمية واحد منهم - لاعتبارات معينة - كمركز , ثم ادارة أسماء الباقين عليه , كما قاله سبحانه : (فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) .
        ولعل السر في جعلها صلوات الله عليها محورا أن الملئكة كانوا قد عرفوا فاطمة عليها السلام حين كانوا في الظلمة ثم ببركة نور فاطمة عليها السلام خرجوا الى النور . وفي الحديث : عن جابر , عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : لم سميت الزهراء زهراء ؟
        فقال عليه السلام : لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته , فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملئكة وخرت الملئكة لله ساجدين وقالوا : الهنا وسيدنا ما هذا النور ؟ فأوحى الله اليهم هذا نور من نوري (1) .
        ولربما كان السر نفس مفاد حديث : (لولاك لما خلقت الأفلاك....) (2) . أو لأجل أن فاطمة سلام الله عليها تصلح أن تكون محورا مباشرا بلا واسطة بينما سائر المعصومين عليهم الصلاة والسلام انما يتصل بعضهم ببعض بواسطة , ففاطمة وأبوها , وفاطمة وبعلها , وفاطمة وبنوها , بينما اذا أريد ابدال اسمها باسم الرسول صلى الله عليه وآله فاللازم أن يقول : محمد صلى الله عليه وآله وابن عمه , ويقول : محمد وأحفاده وكذلك بالنسبة الى علي والحسنين عليهم السلام فربما لهذه الجهة اقتضيت البلاغة جعل (فاطمة) عليها الصلاة والسلام المحور .

        (1) عوالم العلوم : 11/ 61 ب 3 ح 2 ط 2
        (2) عوالم العلوم : 11/ 26 ب 3 ح 1 ط 2


        الحركة الدورانية للمخلوقات والمحور الرئيسي لها
        وربما يكون السبب هو ما ورد في الحديث الشريف عن الصادق عليه السلام : (هي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى) (1) .
        ولا يخفى أن الله سبحانه قرر للمخلوقات حركة دورانية بمعنى العودة الى المبدأ , كما جعل لأجزاء وجزئيات عالمي المادة والماورائيات محاور وأقطاب رحى , فالشمس والقمر والكواكب والأرض يدور بعضها حول بعض وتدور على القرون وماء البحار وغيرها تبخره الشمس فيصعد الى السماء ثم ينزل منها اليها على شكل أمطار وهكذا دواليك (2) .
        والأشجار والحيوانات كذلك تنشأ من الأرض ثم تعود اليها كما كانت .
        قال سبحانه: (والله أنبتكم من الأرض نباتا) الآيه (3) .
        وقال تعالى: (ومنها خلقناكم وفيها نعيدكم) (4) الى غير ذلك من الأمور , حتى أن العلماء قالوا : كما أن المادة تتحول الى (طاقة) واحدى سبل ذلك الانفجار الذري , بل ذلك حادث بشكل طبيعي في أجهزة بدن الانسان والحيوان و... دوما دوما كذلك الطاقة يمكن أن ترجع الى الـ (مادة) وانما الأمر بحاجة الى أجهزة متطورة تتمكن من استرجاعها كما كانت .
        هذا في الماديات.
        أما المعنويات : فلها مدار وقطب ومركز أيضا , ولذا يقال : يدور المجتمع السليم على محور الدين بمعنى أن الأخذ والعطاء والمعاملات والأنكحة وغيرها تكون على محور الدين , وحتى الماديين يرون أن برامجهم ومناهجهم ومجتمعهم تدور على محور أوامر ماركس مثلا , فمنه تستمد واليه ترجع , فان المجتمع لا تكفي فيه المادة فقط , بل يحتاج الى قوانين تقوم بتنظيم حياته في مختلف الأبعاد , فلابد أن يكون له قانون يكون هو عماد الحياة ومحورها , يدير شؤونه ويحول دون الفوضى والهرج والمرج .
        اذن فالحياة المادية تدور هي بدورها على محور البعد المعنوي سليما كان أم سقيما .
        وحيث أنهم عليهم السلام محور الكون والكائنات حيث كانوا هم السبب في افاضته سبحانه وتعالى : المادة والمعنى (4) , وكانوا هم الطرق والوسائط في هذه الافاضة , لذلك فهم عليهم السلام قطب ورحى الوجود وعليهم تدور القرون والأزمان بقول مطلق , وفاطمة عليها الصلاة والسلام هي محور هذا المحور .
        وانما خصص بـ (الأولى) في قوله عليه السلام : (وعلى معرفتها دارت القرون الأولى) كما في رواية البحار عن الصادق عليه السلام (5) , لأن الأولى اذا كانت على كيفية فالأخرى تكون على تلك الكيفية - عرفا - بخلاف ما اذا كانت الأخرى كذلك , حيث لا تستلزم أن تكون الأولى مثلها أيضا , واذا أطلق بان قال : (دارت القرون) كان المنصرف منه قروننا فقط من قبيل قوله سبحانه في مريم عليها السلام : (على نساء العالمين) (6) حيث المنصرف منه (عوالم زمانها) . مثل أن يقال : (الدولة الفلانية أقوى الدول) حيث أن المنصرف منه: (الدول المعاصرة لها) .

        (1) بحار الأنوار: 43/ 105 ح 19. وفي أمالي الطوسي باسناده عن اسحاق بن عمار وأبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أيضا :
        اللف والنشر مشوش فـ (الشمس والقمر... ) مثال لـ (كما جعل.... محاور وأقطاب رحى) و(ماء البحار) مثال لـ (حركة دورانية) وكذلك المثال اللاحق (والأشجار..) وما بعده أيضا , وأما المعنويات فأمثلة الامام المصنف هي للقسم الثاني فقط أي (كما جعل... محاور) فليلاحظ .
        (2) نوح : 17
        (3) طه : 55
        (4) سبق هذا المبحث وسيأتي تفصيلا أيضا
        (5) عوالم العلوم والمعارف : 11/ 36 ب 6 ح ط 2
        (6) آل عمران : 42


        معادن الثروات المعنوية
        وكما أن الله سبحانه جعل للماديات مخازن تستمد منها مثل الشمس التي هي مخزن ومنبع النور والحرارة والدفء, والبحار وهي مخزن الماء والأسماك و.. والهواء وهو مصدر ومخزن الأوكسيجين الذي به يتنفس الانسان والنبات والحيوان, اضافة الى ما يحمله من أمواج – بشتى أنواعها - وغيرها , والأرض وهي مخزن التراب وما ينشا منه من النباتات والأشجار وغيرها .
        وكذلك جعل للمعنويات مخازن ومعادن , يتم الاستمداد منها بالمباشرة أو بواسطة القدوة والأسوة , فالأنبياء عليهم السلام خزنة علم الله سبحانه ورسالاته , وكذلك الأوصياء والسيدة الزهراء عليها السلام , والناس يستمدون منهم مختلف العلوم والمعارف , اذ كل المعارف والعلوم البشرية تعود اليهم بشكل أو بآخر .
        وكذلك للشجاعة والكرم والعاطفة وغيرها من الفضائل منابع ومعادن , فان تلك الصفات في الكبار من الناس تحتذى بالأسوة والاتباع .


        العلة في بكاء يعقوب والزهراء عليهما السلام
        ولعل بكاء يعقوب عليه السلام تلك المدة الطويلة كان من ذلك , حيث يستمد الناس منه العاطفة بالأسوة والاقتداء .
        وكذلك بكاء الصديقة الطاهرة والسجاد عليه السلام , الى غير ذلك .
        فلا يقال : كيف بكى يعقوب عليه السلام وهو يعلم أن ولده حي وسيرجع اليه ملكا , وكيف بكى السجاد عليه السلام والزهراء عليها الصلاة والسلام وهما يعلمان بأن الرسول صلى الله عليه وآله والحسين عليه السلام وأهل بيته والمستشهدين بين يديه عليهم السلام ذهبوا الى جنة الله الوسيعة , وكان علمهم بذلك عين اليقين بل حق اليقين .
        هذا بالاضافة الى أن بكاءهما عليهما السلام كان سياسيا أيضا حيث أرادا فضح المخالفين , فان كلا من الهجوم والدفاع يكون عاطفيا بالبكاء ونحوه , وسياسيا بالحوار والمعاهدات ونحوهما , كوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وعكسه واقتصاديا وغير ذلك مما سنذكره في مقدمة الخطبة ان شاء الله تعالى .
        لا يقال : اذا كانوا عليهم السلام يعلمون بأن ذويهم في روح وريحان وجنة ورضوان وفي كمال الراحة , فلماذا كانوا يبكون , وهل يتأتى البكاء لمن يرى ذويه في راحة ونعيم ؟
        لأنه يقال : قد ذكرنا في بعض مباحث الكلام أن علمهم واحساسهم الغيبي لا يؤثر في شؤونهم الدنيوية , والا لم يكونوا أسوة , وكذا بالنسبة الى القدوة الغيبية ولذا لم يستخدموها لدحر العدو أو للتوقي من القتل وشبه ذلك على تفصيل ذكرناه هناك .

        تعليق


        • #19
          في مقال له بعنوان (قطب رحى الوجود) ينقل الأستاذ فؤاد الشبيب
          عن المعنى المستفاد من الكيفية التي خرج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمباهلة
          من بحث الخارج لآية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني دام ظله بتاريخ 11/5/1414هـ قوله :
          وأنه يعنــي أن فاطمـــة عليها السلام تتمتع بموقع القطبيـــة ولها دور المركزيـــة – المحوريـــة –
          بيـــــن مقــــامي الوحـــي الأعظــــم والبـــلاغ
          فالذي كان يتقدمهــــا هو رســــول الله صلى اللـــه عليه وآلـــه وسلم والذي كان يمشي خلفهــــا هو
          علي عليه السلام صاحب مقـام تفسير الوحي
          فهل بعد ذلك شك !!

          فما هي قصة خروج النبي لمباهلة النصارى؟
          سنعرفـــــــه لاحــقاً

          تعليق


          • #20
            يقول آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرســـــي دام ظله

            في كتابه (فاطمــة الزهـــراء قــدوة الصديقيـن) تحت آية (في بيوت أذن الله أن ترفع) :
            أمّا ما محور هذا البيت ، هل هو النبي أو الإمام علي أو السبطان ؟
            ان محــــور بيـــت النـــور هو فاطمــــة الزهــــراء سلام الله عليهـا
            فالعلاقــــة الظاهريــــة بين جميـع أفراد أهل البيت عليهم السلام تلتقي عند الزهــــراء
            أما العلاقة الباطنية -وحسب شهادة القرآن الكريم- فالنبي وأمير المؤمنين نفس واحدة
            وعلى أي حال فان التصور الأكبر هو أن آية (فِي بيُوتٍ) يتجلى فضلها في حق فاطمة الزهراء

            تعليق


            • #21
              فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُــلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ
              وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ

              الآن سنقص قصـــة خروج النبي صلى الله عليه وآلـــه لمباهلة النصـــارى


              يقول الامام الشيرازي في تفسيره (تقريب القرآن الى الأذهان) :

              نزلت الآية في وفد نجران من المسيحيين الذين جائوا للمجادلة مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم تنفعهم الحجة والدليل فقرر الطرفان أن يخرجوا إلى الصحراء ليدعو كل من الطرفين على الكاذب فخرج الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الموعد مع علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فلما رأتهم النصارى أحجموا وقال كبيرهم أني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يُزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة وقال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : "والذي نفسي بيده لو لاعنوني لمُسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي عليهم ناراً ولما حال الحول على النصارى حتى يهلكوا.

              ولم يغفل الرواة عن ذكر كيف مشت فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها وكيف انتظموا :
              غدا صلى الله عليه وآله محتضناً للحسين آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها، وهو يقول إذا دعوت فأمنّوا.
              فالزهراء أخذت مكان المحور حتى في شكل هذا الانتظام.

              وعن مصدر القصة يقول آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله في كتابه (علي في القرآن) :
              الأحاديث في ذلك كثيرة وكثيرة جداً في معظم التفاسير ونحن نذكر هنا عدداً من التفاسير التي ذكرت ذلك، اهتماماً بالأمر.
              وبعد أن عددها واقتبس من بعضها وعدد أسماء بعض المجاميع الحديثية أيضا قال :
              ولعلّك لا تجد تفسيراً للقرآن الحكيم، أو كتاباً في الحديث النبوي، أو تاريخاً ـ إلاّ النادر النادر ـ لا يحتوي على ذكر هذه القصّة، واختصاصها بالنبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليه وعليهم الصلاة والسلام).
              وجميع التفاسير ومجاميع الحديث التي سردها سنية والكتاب كله لا يسرد غير المصادر السنية.
              ندعو الله توفيق الطيبين من السنة لمعرفة أهل بيت النبي ومقامهم ومظلوميتهم

              تعليق


              • #22
                في المحاضرة التي ألقاها آية الله العظمى السيد صــادق الشيرازي دام ظله في 9 جمادي الأولى 1425

                بمناسبة أيــام الفاطمية نقرأ أن التعريف لأهل البيت عبر فاطمــة الزهراء فريد في الأحاديث القدسيــة :


                لعلّ هذا النوع من التعريف فريد في أُسلوب الله تعالى، فممّا لا شكّ فيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أفضل من فاطمة، وهذا ما نلاحظه حتّى في بيان الواجبات والمستحبّات الشرعية، ففي تشهّد الصلاة الواجبة نبتدئ بالصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله ثمّ بآله سلام الله عليهم.
                والقاعدة في التعريف أن يبدأ بالأفضل والأعرف لكنّا نرى في هذا الحديث القدسي أنّ الله تعالى غيّر الأسلوب في التعريف فجعل فاطمة المحور والحال أنّه ينبغي التعريف بالرسول أوّلاً ثمّ أهل بيته سلام الله عليهم.
                والسؤال هنا : ألم يكن الملائكة يعرفون رسول الله صلّى الله عليه وآله قبل ذلك؟ بالتأكيد إنّهم كانوا يعرفون رسول الله وأمير المؤمنين والحسنين سلام الله عليهم إلاّ أنّ الله تعالى عرّفهم عبر فاطمة سلام الله عليها، فماذا يدلّ ذلك.
                الجواب : يدلّ على مقامها الرفيع سلام الله عليها.

                تعليق


                • #23
                  حَديث البَاب

                  بعد أن كتبنا إلماعة الى مقام الزهراء سلام الله عليها سنقص شيئ من مظلوميتهــــــــــا
                  يقول آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سره ضمن أرجوزته الفاطمية
                  وهي تسجيل لتاريــخ الزهــراء من ولادتها ومروراً بالأحداث الدامية وانتهاءً بشهادتها :

                  مظلوميــــة الزهـــــراء :
                  لهفــي لها لقد أضيـــع قدرهــــــا ** حتى تــــوارى بالحجاب بدرهـــــــــا
                  تجرعــت من غصص الزمـــــان ** ما جـــــــاوز الحـــــــــد من البيــان
                  ومـــا أصابهــــا من المصــــــاب ** مفتاح بابه (حديـــــــث البـــــــــاب)
                  ان حديـــث البـــاب ذو شجـــــون ** مما جنــــــــــت به يد الخــــــــؤون
                  اضرام النــــار ببابهـــا :
                  أيهجم العـدى على بيـــت الهــدى ** ومهبـــط الوحــــي ومنتدى الــندى
                  أيضــرم النـــــار ببـاب دارهــــــا ** وآية النــــــــور على منارهـــــــــا
                  وبابهــــا بـــــاب نبــي الرحمــــه ** وبــــــــاب أبواب نجــــــــــاة الأمه
                  بل بابهــا بـــاب العلـــي الاعلــى ** فثم وجـــــــــــه الله قد تجلـــــــــى
                  ما اكتسبوا بالنـــــار غير العــار ** ومن ورائه عـــــــذاب النــــــــــار
                  ما أجهــل القوم فـان النــــــار لا ** تطفــــيء نـــــــــــور الله جل وعلا
                  كســـر ضلــع الزهراء :
                  لـكن كســـر الضلـــع ليس ينجبر ** الا بصمصــــــــام عزيز مقتـــــــدر
                  إذ رض تلك الاضلــــع الزكيــــه ** رزيــــــــــــة لا مثلها رزيــــــــــــه
                  ومن نبــــوع الـــــدم من ثدييهــا ** يعرف عظم ما جـــــرى عليهـــــــا
                  لطـــــم وجــه الزهراء :
                  وجــــــاوزوا الحد بلطــــم الخـــد ** شلت يــــــــد الطغيان والتعــــــدي
                  فاجرت العيــن وعين المعرفــة ** تَذرِفُ بالدمـــــــع على تلك الصفة
                  ولا يزيل حمــــرة العيـــن ســوى ** بيض السيـــــوف يوم ينشر اللوى
                  ضرب الزهراء بالسوط :
                  وللسيــــــــــاط رنة صداهـــــــــا ** في مسمع الدهــر فما أشجاهــــــا
                  والأثر البــــاقي كمثــل الدمــــلج ** في عضـــد الزهراء أقوى الحجج
                  ومن سواد متنهــا اسود الفضــا ** يا ســــــاعد الله الامام المرتضــى
                  وكزها بمؤخرة السيف :
                  ووكز نعـــل السيف في جنبيهــــا ** اتــــى بكل ما اتــــــى عليهــــــــــا
                  اسقاط جنينها المحسن :
                  ولســـت أدري خبـــر المسمــــار ** سل صدرهـــــــا خزانة الاســـرار
                  وفي جنين المجد ما يدمي الحشا ** وهل لهم اخفــــــاء امر قد فشـــى
                  مظلوميــــــة صادقـــــة :
                  والبــــاب والجـــــدار والدمـــــاء ** شهـــــــود صــــــــدق ما به خفاء
                  لقد جنى الجــاني على جنينهــــــا ** فاندكت الجبـــــال من حنينهــــــــا
                  أهكـــذا يصــنع بابنــــةِ النبــــــي ** حرصــــــــا على الملك فيا للعجب

                  تعليق


                  • #24
                    غصبهـَا فدَك

                    أتستبــــــاح نحلــــة الصديقــــــة ** وإرثهــــــا من أشرف الخليقـــــــــة

                    كيف يرد قولهــــــــا بالــــــــزور ** إذ هـــــــــو رد آيـــــــــة التطهيــــــر

                    أيؤخذ الديــــــن من الأعـــــراب ** وينبذ المنصــــــوص في الكتـــــــاب

                    فاستلبوا ما ملكــــــت يداهــــــــا ** وارتكبــــوا الخزيــــــة منتهاهـــــــا

                    تعليق


                    • #25
                      مَكانة الزّهراء كَمكَانة الشّمس

                      حينما نسمع من الامام الصادق (هي الصديــقة الكبــرى وعلى معرفتهــــــا دارت القـرون الأولـى)
                      قد يتبادر للأذهان : لماذا المحور ليس الرســول الأعظــم وهو أفضـل منها ؟
                      ان المحورية هنا ليست دلالة على الأفضلية بل للأهميــة

                      الشمس محــور للأرض وباقي الكواكب والأرض أفضــل لكن أهميــة الشمس جعلتها محــوراً لهم
                      ولولا وجود الشمس لما تحققت الفائدة من الأرض كما يلمس الانسان كل يوم
                      وبهذا نفهم كلام الله (يا أحمد.. ولولا فاطمـة لما خلقتكما)

                      تعليق


                      • #26
                        أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟... فدونكها مخطومة مرحولة تلقـاك يوم حشرك
                        فنعم الحَكَـــم الله والزعيـــم محمد والموعــــد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلـون
                        ولا ينفعكم ما قلتم إذ تندمون ولكل نبأ مستقر، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه
                        ويحلّ عليه عذاب مقيم

                        ولماذا مـتِّ لعُمر قَليـل ؟


                        هذه مرثية الامـام الشيرازي أعلى الله درجاته في حق جدته ومولاته فاطمــة الزهــراء عليها السلام
                        ومن المعلوم أنه سقط في مرض وفاته عام 1422 هـ وهو يؤلف كتابا حول ســيدة نســاء العالميــن
                        ولأول مرة استنبط الفقه من كلامها في أكثر من 2000 مسألة ضمنها موسوعة (من فقه الزهراء)

                        لعن الله من آذاكــــــــِ عنـــــــاداً ** وهو يدري رضى الإله رضــــاكِ
                        أسخـط الباري المهيمن فيــــــكِ ** والرسول المختار في إيــــــــذاكِ
                        هل لهم قال أحمــد اقتلوهـــــــــا ** أولم يسمعوا: أبــــــوك فـــــداكِ
                        كســـــروا ضلعـــــك نفاقاً وكفراً ** ومن الحقد أدمعـــــــوا جفنــــاكِ
                        عصــروك بالبـــــاب يا للمصاب ** سقـــــط الطفل فيه من أحشـــاكِ
                        هل رسول الاله قال اضربوهـــا ** عــــذب الله فــــــاجراً أدمـــــــاكِ
                        معضداً من سياطــــهم ورثـــوكِ ** ومن اللّطــــــــم قد هوى قرطاكِ
                        مرضت فاطـــم لما قد دهاهــــــا ** قاتــــــــل الله كل من عــــــــاداكِ
                        ولمـــــــاذا مـــــتّ لعمر قليـــــلٍ ** ودفنـــــــت بالليــــــــل في مثواكِ
                        انظري زينــب اليتيمــة تبكــــــي ** ظلمــة اللّيل حولهـــــا ابنـــــــاكِ
                        انظري المرتضى يغسّل جسمـــاً ** مثل بانٍ ضعــــفاً بغير حــــــراكِ
                        انظري النّعش في انتظارك يرنو ** وانظري البـيت فاقداً لضيـــــــاكِ

                        تعليق


                        • #27
                          خطبتهَـا الفدَكيّـة


                          في (من فقه الزهراء) الجزء الرابع عن قولها سلام الله عليها (أَيُهَا الْمُسْلِمونَ) :

                          مسألة : يلزم على المؤرخين أن يعدوا خطبتها عليها السلام مصدراً أساسياً معتمداً للأحداث التاريخية التي جرت في تلك الفترة كما يلزم الانطلاق في (زاوية الرؤية) من المقاييس التي أعطتها عليها السلام في هذه الخطبة: من تقييم للأحداث أو للأشخاص.
                          فان الحق ما قالوه والصواب ما بينوه صلوات الله عليهم أجمعين.

                          ونص خطبتها الفدكية سلام الله عليها هي أنه روى عبدالله بن الحسن باسناده عن آبائه عليهم السلام:
                          أنَّه لَمّا أجْمَعَ أبوبكر عَلى مَنْعِ فاطمةَ عليها السلام فَدَكَ، وبَلَغَها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسِها، واشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وأَقْبَلَتْ في لُمَةٍ مِنْ حَفَدتِها ونساءِ قَوْمِها، تَطأ ذُيُولَها، ما تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسولِ الله صلى الله عليه وآله، حَتّى دَخَلَتْ عَلى أَبي بَكْر وَهُو في حَشْدٍ مِنَ المهاجِرين والأَنصارِ وَ غَيْرِهِمْ فَنيطَتْ دونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَسَتْ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ القومُ لها بِالْبُكاءِ. فَارْتَجَّ الْمَجلِسُ. ثُمَّ أمْهَلَتْ هَنِيَّةً حَتَّى إذا سَكَنَ نَشيجُ القومِ، وهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، افْتَتَحَتِ الْكَلامَ بِحَمدِ اللهِ وَالثناءِ عليه والصلاةِ على رسولِ الله، فعادَ القومُ في بُكائِهِمْ، فَلَما أمْسَكُوا عادَتْ فِي كلامِها، فَقَالَتْ عليها السلام:
                          الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِْدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها.
                          وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإَْبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَْوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَْشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ.
                          وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ، إذِ الْخَلائِقُ بالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِتْرِ الأَْهاويل مَصُونَةٌ، وَبِنِهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالى بِمآيِلِ الأُمُور، وَإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ الْمَقْدُورِ. ابْتَعَثَهُ اللهُ تعالى إتْماماً لأمْرِهِ، وَعَزيمَةً على إمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنْفاذاً لِمَقادِير حَتْمِهِ.
                          فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ.
                          ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إليْهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَاختِيارٍ، ورَغْبَةٍ وَإيثارٍ بِمُحَمَّدٍصلى الله عليه وآله عَنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ في راحةٍ، قَدْ حُفَّ بالمَلائِكَةِ الأبْرارِ، وَرِضْوانِ الرَّبَّ الغَفارِ، ومُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّارِ. صلى الله على أبي نبيَّهِ وأَمينِهِ عَلى الوَحْيِ، وَصَفِيِّهِ وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَرَضِيِّهِ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

                          ثمّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت:
                          أَنْتُمْ عِبادَ الله نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَمَلَةُ دينِهِ وَوَحْيِهِ، وِأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ، وَزَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ للهِ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ. كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ.
                          فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإْسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأْجْرِ، وَالأْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصاصَ حِصْناً لِلدِّماءِ، وَالْوَفاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكاييلِ وَالْمَوَازينِ تَغْييراً لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَاجْتِنابَ الْقَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ السِّرْقَةِ إيجاباً لِلْعِفَّةِ. وَحَرَّمَ الله الشِّرْكَ إخلاصاً لَهُ بالرُّبُوبِيَّةِ، {فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وَ أطيعُوا اللهَ فيما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّه {إنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ العُلِماءُ}.

                          ثمّ قالت:
                          أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْغَلُما أفْعَلُ شَطَطاً: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم} فَإنْ تَعْزُوه وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ، وَ لَنِعْمَ الْمَعْزِيُّ إلَيْهِ صَلى الله عليه وآله. فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ صادِعاً بِالنِّذارَةِ، مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ، ضارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأكْظامِهِمْ، داعِياً إلى سَبيلِ رَبِّهِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنةِ، يَكْسِرُ الأَصْنامَ، وَيَنْكُتُ الْهامَ، حَتَّى انْهَزَمَ الْجَمْعُ وَوَلُّوا الدُّبُرَ، حَتّى تَفَرَّى اللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَأسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدّينِ، وَخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطينِ، وَطاحَ وَشيظُ النِّفاقِ، وَانْحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْرِ وَالشِّقاقِ، وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ الإْخْلاصِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْبيضِ الْخِماصِ، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، {تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ}.
                          فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله بَعْدَ اللّتَيّا وَالَّتِي، وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ، {كُلَّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللهُ}، أوْنَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطانِ، وَفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ، مُشْمِّراً ناصِحاً ، مُجِدّاً كادِحاً ـ وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ.
                          فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينِ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِين.
                          فَخَطَرَ فِي عَرَصاتِكُمْ، وَأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجيبينَ، وَلِلْغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافاً، وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفاكَمْ غِضاباً، فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ، هذا وَالْعَهْدُ قَريبٌ، وَالْكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرِّسُولُ لَمّا يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، {ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةٌ بِالْكافِرِينَ}.
                          فَهَيْهاتَ مِنْكُمْ، وَكَيْفَ بِكُمْ، وَأَنَى تُؤْفَكُونَ؟ وَكِتابُ اللّه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أرَغَبَةً عَنْهُ تُرِيدُونَ، أمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ، {بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ السْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا الاّ رَيْثَ أنْ تَسْكُنَ نَفْرَتُها، وَيَسْلَسَ قِيادُها ثُمَّ أَخّذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهَيِّجُونَ جَمْرَتَها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيْطانِ الْغَوِيِّ، وَاطْفاءِ أنْوارِالدِّينِ الْجَلِيِّ، وَاهْمادِ سُنَنِ النَّبِيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارْتِغاءٍ، وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْخَمَرِ وَالْضَّراءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا، وَأَنْـتُمْ تزْعُمُونَ ألاّ ارْثَ لَنا، {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أفَلا تَعْلَمُونَ؟ بَلى تَجَلّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضّاحِيَةِ أنِّى ابْنَتُهُ.
                          أَيُهَا الْمُسْلِمونَ أاُغْلَبُ عَلى ارْثِيَهْ يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ! أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا}، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، اذْ يَقُولُ: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}، وَقالَ فيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا عليهما السلام اذْ قالَ رَبِّ {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وَقَالَ: {وَ اُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه} وَقالَ: {يُوصِكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ} وقال: {انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ الْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي لارَحِمَ بَيْنَنَا!
                          أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ مِنْها أبِي؟ أمْ هَلْ تَقُولًونَ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، وَلَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً. تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَ الزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ ما تَخْسِرُونَ، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، {وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}.

                          ثم رمت بِطَرفها نحو الْأَنصارِ فَقالت:
                          يا مَعاشِرَ الْفِتْيَةِ، وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَأنْصارَ الْإِسْلامِ! ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتِي؟ أما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله علبه وآله أبِي يَقُولُ: ((اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ))؟ سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةً، وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلى ما أَطْلُبُ وَاُزاوِلُ!
                          أَتَقُولُونَ ماتَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله؟! فَخَطْبٌ جَليلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ، وَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَيْبَتِهِ، وَكُسِفَتِ النُّجُومُ لِمُصِيبَتِهِ، وَأَكْدَتِ الْآمالُ، وَخَشَعَتِ الْجِبالُ، وَاُضيعَ الْحَرِيمُ، وَاُزيلَتِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مَماتِهِ. فَتِلْكِ وَاللهِ النّازلَةُ الْكُبْرى، وَالْمُصيبَةُ الْعُظْمى، لا مِثْلُها نازِلَةٌ وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ -جَلَّ ثَناؤُهُ- فِي أَفْنِيَتِكُمْ فِي مُمْساكُمْ وَمُصْبَحِكَمْ هِتافاً وَصُراخاً وَتِلاوَةً وَإلحاناً، وَلَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنْبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَقَضاءٌ حَتْمٌ: {وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ ماتَ أَو قُتِلَ انقلَبْتُمْ على أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرينَ}.
                          أيْهاً بَنِي قَيْلَةَ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ وَأنْتُمْ بِمَرْأى مِنّي وَمَسْمَعٍ، ومُبْتَدأٍ وَمَجْمَعٍ؟! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وتَشْمُلُكُمُ الْخَبْرَةُ، وَأنْتُمْ ذَوُو الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَالأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدَكُمُ السِّلاحُ وَالْجُنَّةُ؛ تُوافيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأْتيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغيثُونَ، وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْرُفُونَ بِالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، وَالنُّجَبَةُ الَّتي انْتُجِبَتْ، وَالْخِيَرَةُ الَّتِي اخْتيرَتْ! قاتَلْتُمُ الْعَرَبَ، وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدَّ وَالتَّعَبَ، وَناطَحْتُمُ الاُْمَمَ، وَكافَحْتُمً الْبُهَمَ، فَلا نَبْرَحُ أو تَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ حَتَّى دَارَتْ بِنا رَحَى الإْسْلامِ، وَدَرَّ حَلَبُ الأَيّامِ، وَخَضَعَتْ نُعَرَةُ الشِّرْكِ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإْفْكِ، وَخَمَدَتْ نيرانُ الْكُفْرِ، وهَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّينِ؛ فَأَنّى جُرْتُمْ بَعْدَ الْبَيانِ، وَأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإْعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإْقْدامِ، وَأشْرَكْتُم ْبَعْدَ الإْيمانِ؟ {ألا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَداؤُكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْهُمْ فَاللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
                          أَلا قَدْ أرى أنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلَى الْخَفْضِ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ، وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضِّيقِ بِالسَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ، {فَإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأْرْضِ جَمِيعاً فَإنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. ألا وَقَدْ قُلْتُ ما قُلْتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالْخَذْلَةِ الَّتِي خامَرَتْكُمْ، وَالغَدْرَةِ التِي اسْتَشْعَرَتْها قُلُوبُكُمْ، وَلكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ، وَنَفْثَةُ الْغَيْظِ، وَخَوَرُ الْقَنا، وَبَثَّةُ الصُّدُورِ، وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ.
                          فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، باقِيَةَ الْعارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشَنارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلِبُونَ}، وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، {فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ}.

                          فَأَجابها أبوبكر عبداللهِ بن عثْمان، فَقَال:
                          يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ، لَقَدْ كانَ أَبُوكِ بالمُؤْمِنِينَ عَطُوفاً كَريماً، رَؤُوفاً رَحِيماً، وَعَلىَ الْكافِرِينَ عَذاباً ألِيماً وَعِقاباً عَظِيماً ؛ فَإنْ عَزَوْناهُ وَجَدْناهُ أباكِ دُونَ النِّساءِ، وَأَخاً لِبَعْلِكِ دُونَ الْأَخِلاّءِ، آثَرَهُ عَلى كُلِّ حَمِيمٍ، وَساعَدَهُ فِي كُلِّ أمْرٍ جَسيمٍ، لا يُحِبُّكُمْ إلّا كُلُّ سَعِيدٍ، وَلا يُبْغِضُكُمْ إلّا كُلُّ شَقِيٍّ ؛ فَأَنْتُمْ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله الطَّيِّبُونَ، وَالْخِيَرَةُ الْمُنْتَجَبُونَ، عَلَى الْخَيْرِ أَدِلَّتُنا، وَإلَى الْجَنَّةِ مَسالِكُنا، وَأَنْتِ -يا خَيْرَةَ النِّساءِ وَابْنَةَ خَيْرِ الْأنْبِياءِ- صادِقَةٌ فِي قَوْلِكَ، سابِقَةٌ فِي وُفُورِ عَقْلِكِ، غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنْ حَقِّكِ، وَلا مَصْدُودَةٍ عَنْ صِدْقِكِ، وَ وَاللهِ، ما عَدَوْتُ رَأْيَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله يَقُولُ: ((نَحْنُ مَعاشِرَ الْأَنْبِياءِ لا نُوَرِّثُ ذَهَباً وَلا فِضَّةً وَلا داراً وَلا عِقاراً، وَإنَّما نُوَرِّثُ الْكُتُبَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَما كانَ لَنا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ بَعْدَنا أنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِحُكْمِهِ)).
                          وَقَدْ جَعَلْنا ما حاوَلْتِهِ فِي الكُراعِ وَالسِّلاحِ يُقابِلُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَيُجاهِدُونَ الْكُفّارَ، وَيُجالِدُونَ الْمَرَدَةَ ثُمَّ الْفُجّارَ. وَذلِكَ بِإجْماعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أَتَفَرَّدْ بِهِ وَحْدِي، وَلَمْ أَسْتَبِدَّ بِما كانَ الرَّأْيُ فِيهِ عِنْدِي. وَهذِهِ حالي، وَمالي هِيَ لَكِ وَبَيْنَ يَدَيْكِ، لانَزْوي عَنْكِ وَلا نَدَّخِرُ دُونَكِ، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ اُمَّةِ أبِيكِ، وَالشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ لِبَنِيكِ، لا يُدْفَعُ ما لَكِ مِنْ فَضْلِكِ، وَلا يُوضَعُ مِنْ فَرْعِكِ وَأَصْلِكِ ؛ حُكْمُكِ نافِذٌ فِيما مَلَكَتْ يَداي، فَهَلْ تَرينَ أَنْ اُخالِفَ فِي ذلِكِ أباكِ صلّى الله عليه وآله؟

                          فَقالت عليها السلام:
                          سُبْحانَ اللهِ! ما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآلهِ عَنْ كِتابِ الله صادِفاً، وَلا لِأَحْكامِهِ مُخالِفاً، بَلْ كانَ يَتَّبعُ أَثَرَهُ، وَيَقْفُو سُورَهُ، أَفَتَجْمَعُونَ إلى الْغَدْرِ اْغتِلالاً عَلَيْهِ بِالزُّورِ ؛ وَهذا بَعْدَ وَفاتِهِ شَبِيهٌ بِما بُغِيَ لَهُ مِنَ الْغَوائِلِ فِي حَياتِهِ. هذا كِتابُ اللهِ حَكَماً عَدْلاً، وَناطِقاً فَصْلاً، يَقُولُ: {يَرِثُني وَيَرِثُ مَنْ آلِ يَعْقوبَ} ،{وَوَرِثَ سُلَيْمانَ داوُدَ} فَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ فيما وَزَّعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَقْساطِ، وَشَرَّعَ مِنَ الفَرايِضِ وَالميراثِ، وَأَباحَ مِنْ حَظَّ الذُّكْرانِ وَالإِناثِ ما أَزاحَ عِلَّةَ المُبْطِلينَ، وأَزالَ التَّظَنّي وَالشُّبُهاتِ في الغابِرينَ، كَلاّ {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُم أَنْفُسُكُمْ أَمْراًفَصَبْرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفونَ} فَقالَ أَبو بَكْرٍ: صَدَقَ اللهُ وَرَسولُهُ، وَ صَدَقَتِ ابْنَتَهُ؛ أَنْتِ مَعْدِنُ الحِكْمَةِ، وَمَوْطِنُ الهُدى وَ الرَّحْمَةِ، وَرُكْنُ الدِّينِ وَعَيْنُ الحُجَّةِ، لا أُبْعِدُ صوابَكِ، وَلا أُنْكِرُ خِطابَكِ هؤلاءِ المُسْلِمونَ بَيْنِيَ وبَيْنَكِ، قَلَّدوني ما تَقَلَّدْتُ، وَ باتِّفاقٍ مِنْهُمْ أَخَذْتُ ما أَخَذْتُ غَيْرَ مُكابِرٍ وَلا مُسْتَبِدٍّ وَلا مُسْتَأْثِرٍ، وِهُمْ بِذلِكَ شُهودٌ.

                          فَالتفَتت فاطِمة عليها السلام وقالت:
                          مَعاشِرَ النّاسِ المُسْرِعَةِ إِلى قِيلِ الباطِلِ، المُغْضِيَةِ عَلى الفِعْلِ القَبيحِ الخاسِرِ {أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلوبِهِم أَقْفالُها} كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلوبِكُمْ ما أَسَأتُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ، فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأَبْصارِكُمْ، وَ لَبِئْسَ ما تَأَوَّلْتُمْ، وَساءَ ما أَشَرْتُمْ، وشَرَّ ما مِنْهُ اعتَضْتُمْ، لَتَجِدَنَّ _ وَاللهِ_ مَحْمِلَهُ ثَقيلاً، وَ غِبَّهُ وَبيلاً إِذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ، وَبانَ ما وَراءَهُ الضَراءُ، {وَبَدا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ما لَمْ تَكونوا تَحْتَسِبونَ} وَ {خَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلونَ}.

                          ثم عطَفَت على قَبرِ النبِي صلى الله علَيه وآله وقالت:
                          قَدْ كان بَعْــــــدَكَ أَنْباءٌ وَ هَنْبَثَةٌ ** لَوْ كُنْتَ شاهِدَهـــا لَمْ تَكْبُرِ الخَطْبُ
                          إِنّا فَقَدْنـــاكَ فَقْدُ الأَرْضِ وابِلُها ** وَاخْتَلَّ قَوِمُـكَ فَاشْهَدْهُمْ وَقَدْ نَكِبوا
                          وَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبــــــــى وَمَنْزِلَةٌ ** عِنْدَ الإِلــــهِ عَلَى الأَدْنَيْـنِ مُقْتَرِبُ
                          أَبْدَتْ رِجالٌ لَنا نَجْوى صُدورِهِمِ ** لَمّا مَضَـــيْتَ وَحالَتْ دونَكَ التُّرَبُ
                          تَجَهَّمَتْنـا رِجالٌ واسْتُخفَّ بِنـــــا ** لَمّا فُـــقِدْتَ وَكُلُّ الأَرْضِ مُغْتَصَبُ
                          وَكُنْتَ بَدْراً وَنُــوراً يُسْتَضاءُ بِهِ ** عَلَيْكَ تُنْـــزَلُ مِنْ ذي العِزَّةِ الكُتُبِ
                          وَكانَ جِبْريلُ بِالآياتِ يونِسُنـــــا ** فَقَدْ فُقِـــــــدْتَ فَكُلُّ الخَيْرِ مُحْتَجِبٌ
                          فَلَيْتَ قَبْلَـكَ كانَ المَوْتُ صادَفَنـا ** لِما مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَـــكَ الكُتُبُ
                          إِنّا رُزِئْنا بِما لَمْ يُرْزَ ذُو شَجَـــنٍ ** مِنَ البَرِيَّـــــةِ لا عُجْمٌ وَلا عَــرَبُ

                          ثمَّ انكفَأت عليها السلام وأمير المؤمِنِين عليه السلام يتوقّع رجوعها إليه، ويَتطَلَّع طلوعها علَيه. فَلَما استَقَرت بِها الدار قالت لأميرِ المؤمنين عليه السلام:
                          يا ابْنَ أبِي طالِب! اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الجَنِينِ، وَقَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنينِ! نَقَضْتَ قادِمَةَ الأَجْدِلِ، فَخانَكَ ريشُ الأَعْزَلِ؛ هذا ابْنُ أبي قُحافَةَ يَبْتَزُّنِي نُحَيْلَةَ أبي وَبُلْغَةَ ابْنِي، لَقَدْ أجْهَرَ في خِصامِي، وَالفَيْتُهُ أَلَدَّ في كَلامِي، حَتَّى حَبَسَتْنِي قَيْلَةُ نَصْرَها، وَالمُهاجِرَةُ وَصْلَها، وَغَضَّتِ الجَماعَةُ دُونِي طَرْفَها؛ فَلا دافِعَ وَلا مانِعَ، خَرَجْتُ كاظِمَةً، وَعُدْتُ راغِمَةً، أَضْرَعْتَ خَدَّكَ يَوْمَ أَضَعْتَ حَدَّكَ، إِفْتَرَسْتَ الذِّئابَ، وَافْتَرَشْتَ التُّرابَ، ما كَفَفْتُ قائِلاً، وَلا أَغْنَيْتُ باطِلاً، وَلا خِيارَلي. لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ هَنِيَّتِي وَدُونَ زَلَّتِي. عَذيريَ اللهُ مِنْكَ عادِياً وَمِنْكَ حامِياً. وَيْلايَ في كُلِّ شارِقٍ، ماتَ الْعَمَدُ، وَوَهَتِ الْعَضُدُ.
                          شَكْوايَ إلى أبي، وَعَدْوايَ إلى رَبِّي. اللّهُمَّ أنْتَ أشَدُّ قُوَّةً وَحَوْلاً، وَأحَدُّ بَأْساً وَتَنْكِيلاً.

                          فَقال أمِير الْمؤمِنِين عليه السلام:
                          لاوَيْلَ عَلَيْكِ، الْوَيْلُ لِشانِئِكِ، نَهْنِهي عَنْ وَجْدِكِ يَا ابْنَةَ الصَّفْوَةِ وَبَقِيَّةَ النُّبُوَّةِ، فَما وَنَيْتُ عَنْ ديِني، وَلا أَخْطَأْتُ مَقْدُوري، فَإنْ كُنْتِ تُريدينَ الْبُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَكَفيلُكِ مَأمُونٌ، وَما أعَدَّ لَكِ أفْضَلُ ممّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِي اللهَ.

                          فَقالَتْ:
                          حَسْبِيَ اللهُ، وَأمْسَكَتْ.

                          تعليق


                          • #28
                            عندما خلق الله آدم عليه السلام


                            الروايات المتواترة تنصّ على أنّ أهل البيت عليهم السلام خلقوا قبل سائر الخلق وكانوا أنواراً محدقين حول العرش يسبّحون الله تعالى ويهللونه ويمجدونه، وهناك روايات اُخرى تصرّح بمكانة الصدّيقة الزهراء عليها السلام الرفيعة ومرتبتها العالية وجاهها العظيم عند الله عزوجل، منها:
                            ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
                            قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لمّا خلق الله آدم وحواء تبخترا في الجنّة، فقال آدم لحواء: ما خلق الله خلقاً هو أحسن منّا، فأوحى الله إلى جبرئيل: ائت بعبدي الفردوس الأعلى، فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك(الدرانيك تكون ستراً وفرشاً والدرنوك فيه الصفرة والحضرة، (لسان العرب) مادّة درنك) الجنة وعلى رأسها تاج من نور وفي اُذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من نور وجهها، فقال آدم: حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟
                            فقال: هذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي من ولدك يكون في آخر الزمان.
                            قال: فما هذا التاج الذي على رأسها؟
                            قال: بعلها علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
                            قال: فما القرطان اللذان في اُذنيها؟
                            قال: ولداها الحسن والحسين عليهما السلام.
                            قال آدم: حبيبي أخلقوا قبلي؟
                            قال: هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة»(2).

                            (1) قال ابن خالويه: البعل في كلام العرب خمسة أشياء: الزوج والصنم منه قوله: «أتدعون بعلاً» سورة الصافات: 125، والبعل اسم امرأة وبها سمّيت بعلبك، والبعل من النخل ما شرب بعروقه من غير سقي، والبعل السماء، والعرب تقول السماء بعل الأرض.
                            (2) كشف الغمّة: ج1 ص456.

                            تعليق


                            • #29
                              نـُور الكَون


                              ]ويستفاد من الأخبار الشريفة أنّ الصدّيقة فاطمة عليها السلام كانت نوراً قبل أن يخلق الله سبحانه الكون، وقد نور الله بها السماوات والأرضين، ثم جعل ثواب تسبيح الملائكة وتقديسهم لها ولمحبّيها، وهذه الروايات ممّا تدلّ على عظمتها وعظمة محبّتها وفضيلة المحبّين لها عليها السلام.
                              فقد ورد عن سلمان الفارسي أنّه قال: كنت جالساً عند النبي المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل العباس بن عبد المطّلب فسلّم، فردّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ورحّب به، فقال: يا رسول الله! بم فضّل علينا أهل البيت علي بن أبي طالب عليه السلام والمعادن واحدة؟
                              فقال لـه النبي المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم: «إذاً اُخبرك ياعم، إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وخلق علياً ولا سماء ولا أرض، ولا جنّة ولا نار، ولا لوح ولا قلم، ولمّا أراد الله تعالى بدو خلقنا فتكلّم بكلمة فكانت نوراً، ثم تكلّم بكلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعلياً منهما، ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجلّ من نور العرش، ثم فتق من نور علي عليه السلام نور السماوات فعلي أجلّ من نور السماوات، ثم فتق من نور الحسن عليه السلام نور الشمس، ومن نور الحسين عليه السلام نور القمر، فهما أجلّ من نور الشمس ومن نور القمر، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه وتقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى، فلمّا أراد الله جلّ جلاله أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة فكانت الملائكة لا ينظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقنا ما رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا.
                              فقال الله تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي لأفعلنّ، فخلق نور فاطمة عليها السلام يومئذ كالقنديل وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه.
                              فقال الله عزّوجلّ: وعزّتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها».
                              قال سلمان: فخرج العباس فلقيه أمير المؤمنين عليه السلام فضمّه إلى صدره فقبّل ما بين عينيه، فقال بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله(1).

                              (1) إرشاد القلوب: ج2 ص403.[/

                              تعليق


                              • #30
                                حَـوراء إنسيّـة


                                عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «خلق نور فاطمة عليها السلام قبل أن يخلق الأرض والسماء».
                                فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟.
                                فقال: «فاطمة حوراء إنسية».
                                قالوا: يا نبي الله، وكيف هي حوراء إنسية؟
                                قال: «خلقها الله عزّوجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلمّا خلق الله عزّوجلّ آدم عرضت على آدم».
                                قيل: يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟
                                قال: «كانت في حقّة تحت ساق العرش».
                                قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟
                                قال: «التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد».

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                                استجابة 1
                                10 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                                ردود 2
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                يعمل...
                                X